بقلم: يا مهدي أدركني رويَ عن أمير المؤمنين (صلواتُ الله وسلامه عليه): ".....وَالْمُقِلُّ غَريبٌ فِي بَلْدَتِهِ". المُقِل: اسم فاعل من أقَلَّ، ويُقال: رجلٌ مُقِلٌّ أيّ قليل المال. والغريب: هو من كان بعيدًا عن أهله ووطنه، وهذا هو المعنى اللغوي لها. أما المعنى الوجداني فالغربةُ: هي مجموعةٌ هائلة من الأحاسيس التي تختلجُ الصدور وتعتصرُ القلوب حتى تُمزّقها بأشواكها، لا يُمكن للغريب أنْ ينتزعها فهي لا تُلمس باليد ولكنّها تُقيِّد اليدين بسلاسل العوز، ولا يُمكن أنْ يتذوقَها المرء بلسانه، ولكنَّها تتركُ مرارةً لاذعةً في الفم، ولا يُمكنه أنْ يراها ولكنّها تتساقط دموعًا لتكتب أحزانًا وآهات. هي أمرٌ وجداني ينفرُ منه العاقل ويهربُ منه اللبيب، هي شعورٌ بالوحدة، هي في الحقيقة نتيجة لصراعاتٍ ومواقفَ وأفعال يمرُّ بها الإنسان. فما هي أسبابها وكيف لنا أن نتجنب الوقوع فيها؟ أسبابُ الغربة: إنَّ الإنسان يتعرضُ في حياته لظروفٍ معينة ربما تكون أقوى من أنْ يتخذَ قراره بنفسه، أو قد يكون هو صاحب القرار ولكنّه قد اضطُرَّ إليه وأُجبِرَ عليه وقايةً لنفسه من الوقوع في أمرٍ أصعب، فربما يترك الوطن والأحباب مثلًا ليحافظ على حياته أو دينه أو عرضه وما إلى ذلك من أسباب أخرى، ونتيجة لذلك سيكون في بلدٍ غريبٍ عنه لا يعرف فيه أحدًا، وغالبًا ما يواجه صعوباتٍ عديدة، من قبيل اختلاف اللغة والعادات التي تُصعِّب عليه التعايش مع أهله؛ فيُعاني ويُقاسي بسبب ذلك علاوةً على ابتعاده عن محبيه وأهله. فالإنسانُ بالفطرة مجبولٌ على الاختلاط والتعايش مع أبناء جلدته ليتكامل ويسدّ ثغراته ويرتقي لبناء مجتمع متطور متماسك يهنأ فيه بالعيش الرغيد، فقد قال عزَّ من قائل: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[الحجرات: 13] فنخلصُ إلى أنَّ أسباب الغربة تكمنُ في تلك الصعوبات التي تواجه الفرد ولا يُمكنه مواجهتها لوحده من دون مساعدة الآخرين في تذليلها، وعليه فإنَّه كُلّما فقد الإنسان الأصدقاء والأقارب شعرَ بالغربة حتى لو كان في وطنه! وهذا يعني أنَّ هناك أسبابًا أخرى قد يكون مؤداها هو العوز الحقيقي لمنْ يُسندك، فتنالك لسعات نار الغربة. ومن أهم تلك الأسباب هو العوز والفقر، فإنَّ المعيار في المجتمعات هو الغنى، فتجد الغني كأنه طبق من عسل يجتمعُ حوله الذباب ليدبق فيه، فما إنْ ينفدَ حتى تجده يرحلَ عنه، فلا يجدُ حتى من يحملُه ويُنظِّفه من تلك المُخلفات! وهذا النوعُ من التعامل هو السائد في العديد من المجتمعات بل وحتى على مستوى علاقة الأقارب، وهو رغم قُبحه الأخلاقي ورفض الدين له، إلا أنَّه قائم ومتكاثر ليتحول إلى مرضٍ متفشٍ في المجتمعات يُعاني منه الآباء والأمهات والأخوة والأخوات، هذا فضلًا عن العلاقات الأخرى، لأنَّ المعيار في هذه العلاقات هي المنفعة المادية فقط لا غير. فهل العلاقات الحقيقية انتهت وحلّت محلّها علاقات المصالح؟ لا يُمكن التعميم والقول: إنَّ العلاقات الحقيقية المُبتنية على الحب والاحترام قد انقرضت؛ وذلك لأنَّه لا زال هناك أناسٌ يحملون في قلوبِهم من الطيبة التي تكفي لتُغطي بحنانِها العالم بأسره، ولكنْ يجبُ على الإنسان أنْ يكون حذرًا في علاقاته وتعامله مع الآخرين، ويكون فطنًا ملتفتًا للمواقفِ العابرة تلك، التي قد تكشفُ له عن حقيقة معدن من يُخالطهم كي لا يقع في الندامة. وهنا بعض النصائح التي قد تنفع في علاج هذه الظاهرة: *عاملْ الناس كما تُحب أنْ يعاملوك، وليكُن هذا شعارك، فإن استطعت أنْ تعكسَ هذا التعامل ولو على فردٍ واحدٍ فإنك بلا شك ستكون سببًا في تكوين سلسلة التغيير. *صلةُ الرحم، وهذا ما أكدت عليه الشريعة الإسلامية وجعلت لمن يعمل به أجرًا في الدنيا وفي الآخرة لما فيه من آثارٍ عظيمةٍ تُقوِّي الأواصر وتُثبِّت جذور المحبة في القلوب. *دوام الابتسامة والتفاؤل، فكلما كانت ابتسامتك مرسومةً على وجهك وقلبك ينبض بالتفاؤل ستجد الناس تتوق للقياك. *طهارةُ القلب والإيمان، ففي القلب النقيّ الطاهر يحلُّ نور الله (تعالى)، وقد جعل الله (تعالى) جاذبيةً في تلك القلوب لتستقطبَ الناس كما يدور الفَراش حول المصباح. *الدعاء، وهو ما دعا به النبي إبراهيم الخليل (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) فقال كما حكاه القرآن الكريم: "فأجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم". إشارة وفيها مسك الختام: روي عن رسول اللَّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم): "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء فقيل: ومن الغرباء يا رسول اللَّه؟ قال: الَّذين يُصلِحون ما أفسده الناس من سنّتي...".(1) في هذا الحديث إشارة منه (صلى الله عليه وآله) بأنَّ هناك فترةً عصيبةً سيمرُّ بها المؤمنون، وعندها سيشربون من كأس الغربة ويتذوقون مرارتها ويكتوون بنارها، وهم في أوطانِهم ومع أبناء جلدتهم ولكنّهم سيكونون غرباء! فالغربةُ قد تكون باختلاف الأفكار وعدم تلاقُحِها، وفي الابتعاد عن الدين وعن تطبيق الأحكام، فتجد من يسير على خُطى أهل البيت (صلواتُ الله وسلامه عليهم) يُعاني من الغربة الشديدة لقلة سالكي ذلك الطريق. فكيف بغريب الغرباء إمام زماننا (صلوات الله وسلامه عليه) وهو يرى ما يُفعل بدين جده (صلوات الله وسلامه عليه) ويرى كيف يتعرض شيعته للأذى، فيتصبر بمرارة الانتظار ويدعو لشيعته وفي القلب غُصَّة مما يجري عليهم... أين نحن من ذلك؟ فلنرفعْ راية الحق ونصدح بآياتِ الولاء ونتطهر بقطراتِ السماء ونُسدِلُ علينا ثوبَ العفة والحياء، لنُرسلَها حروفًا خُطّت في صحائف أعمالنا لتُخففَ عنه الغربة وتُدخل على قلبه السرور. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج ١، الفيض الكاشاني، ص ١٣٤
اخرىبقلم: بقلم: منتهى محسن أولًا: إلى الزوج: أنتَ لست في ثكنة عسكرية، ولا في تحقيق أمني لتكشف ملابسات الجريمة، ولا ضيف ثقيل يدقق ويتعمد في رصد الأخطاء البسيطة... أنتَ حامي البيت وصاحبه، ومالك زمام الأمور وكل شيء تحت طاعتك... تلطّف مع أهلك، اترك تعب العمل ومشاكله خلف ظهرك، وادخل على بيتك بابتسامة عذبة تحيي بها نفوس من حولك... ابتسامتك إشراقة وضّاءة تكمن في قلوب زوجتك وصغارك تهبهم الفرح والأمان والسكينة... لا تعتد بنفسك ولا تبالغ في أناك ولا تغلبك ذكوريتك... البيت سكن ومودة فأدفئه بلهب مشاعرك الجياشة واحصد نتائج أعمالك خيرًا وبشرى... أحطهم بمودتك واهتمامك، تابع شؤونهم وخباياهم... لا تتجاهل دموعهم... لا تهمل أناتهم... لا تكسر قلوبهم المتعلقة بك... احذر أن تخسرهم فيلجئوا إلى غيرك ... وهنا الطامة الكبرى... تعامل برفق واستخدم كلماتك الجذابة، وأسعدهم ببسمتك الصبوحة التي يرتوون منها الطاقة والقوة والصلابة... ودمت لأهلك ومحبيك وأصحابك.. ثانيًا: إلى الزوجة: أنتِ لستِ في سجن مؤبد. ولا في حجر قسري تنتظرين على مضض انتهاء مدة حكمك وإقامتك... أنتِ في بيتك... عرشك... جنتك الصغيرة... أنتِ سيدة البيت الأُولى والحجر الدافئ لأفراد الأسرة، ومورد الحنان في أيّام الشدائد والحسرة... احتضنيهم بمواهبك الدفينة التي أودعها الله فيك من حب ولهفة وشوق وحنو... لا تُفسدي أيامك بالتوتر والعصبية، ولا تُقارني نفسك مع غيرك وعيشتهم الهنية... لا تقطعي أواصر الزوج بالملاحقة المستمرة، قد يضجر عزيزتي ويتنحى جانبًا عنك... لكُل منّا خصوصياته، اتركي له مجالًا ليتنفس واغمريه بعطفك واهتمامك وعنايتك... ضحّي من أجله، ففي التضحية وثاق أبدي محال أن تتفتت حبائله... اهتمي بأولادك… ضعي أهدافك على طاولة التخطيط الرشيد وساعديهم على النجاح والتفوق وبلوغ درجات التميز والرقي، ولا تهملي وسط ذلك كله نفسك... انظري ماذا تحبين واعملي على تطوريه… اتركي القيل والقال وجلسة النساء المليئة بالغيبة والنميمة... اقرئي كتاباً ينمّي لديك الطاقات والخبرات ويزوّدك بمعلومات للملمة الأُسرة السعيدة... افتحي كتاب الله تعالى وتمعني بأجر الصابرين والصابرات... عزيزتي... ليس هنالك زوج مثالي، فهذا هراء لا صحة لوجوده... احسبي إيجابيات زوجك وتذوقيها، وكوني ممتنة لله تعالى بعدما وهبك هذه الأسرة الطيبة... ولا تنسي: أن لكُل عيوباً، ولا كمال إلّا لله (عز وجل).. تقبلي زوجك وسامحيه واعضديه فهو أمنك ومستقرك وسعادتك... احرصي عليه؛ لأنه مصدر نجاحك وبوابة الأمان لكل خطواتك الحكيمة... دمت بألف خير ... أيتها العزيزة.
اخرىفي جانب مشرق ملؤه الحب والرحمة تفوح منه رائحة الإنسانية افراد لم ينتظروا الليل وظلامه ليسكنوا... ولا النهار ليسعوا في طلب أرزاقهم... ذبلت شفاههم اصفرت وجوههم نحُلت اجسادهم... قائمين في محراب الجهاد... يتوقعون في لحظةٍ من اللحظات عدوًا صغيرًا لا تراه العيون... يتشبث في أطراف ردائهم لينهي أيامهم... وما كلّوا... ولا ملّوا... ترى فرحة النصر تطغى على كل وجودِهم عندما يتعافى شخص على أيديهم... وفي جانب آخر... ظلام دامس... ظلمات فوقها ظلمات... جهل... كسل... ذُلٌ... يتعللون باسباب واهية... لكسر الحظر... وضياع جهود اولئك الأبطال... يقادون كما تقاد الدواب... لكن كلا... لم ولن تثنوا همتنا/ نحن مع مرجعيتنا/ اتباع العقل وقادتنا. #لا_لكسر_الحظر
اخرىبقلم: زينب إسماعيل عبد الله نجمةٌ جلت بنورها ظلماتِ الطغيان، ولم تهوَ من سماء كربلاء بالرغم من أُفولِ أقمارِها، وبقيتْ ساطعةً ولمعان صبرِها وثباتها يزيدها بريقًا على مرِّ السنين، تلك أميرةُ النساء زينب الحوراء (عليها السلام). عباءةٌ أنا كانت ترتديني سيدتي زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام)، لامستُ روحها قبل جسدها الشريف، ولم أُفارقها، فقد شهدتُ معها واقعةَ الطف الأليمة، وكنتُ متميزةً عن سائر زميلاتي؛ لأنّي خدر زينب وسترها الذي حاول الطغاة في الطف والكوفة والشام هتكه .. فتعرّضت للجرِّ والشدِّ والحرقِ والتمزيقِ ولكن أكُفُ زينب (عليها السلام) التي زادتني شرفًا وسموًا تمسّكت بي وجعلتني أصمد أمام كلِّ الأحداث التي جرت عليّ، كان رأسها الشامخ الأبيّ يزيدني شموخًا، فكُلّما تمسّكتْ بي زاد صمودي وتمسكي بها ليس لأجلي ولكن لعِفّةِ هذه السيدة الجليلة، فعندما كانت تذرفُ دموعَها كأنّها لؤلؤ يتناثرُ على جانبي كنت أرتشفُ تلك الدموع الزينبية لأطفئ بها ناري والنيران التي أحرقتني عند حرق الخيام... آه ..آه.. يا مولاتي إنّي أنظرُ إليها يوم العاشر من المُحرم وهي مذهولة تخمد نيران أذيالي بكفيها الكريمتين، فكنتُ أشُم رائحة الخيام وقد امتزجت مع رائحة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تلك الرائحة التي شمها الحسنان وعلي (عليهم السلام) ذاك كان عطرها (عليها السلام). انتقلتُ معها من بلد إلى بلد وقد مزَّقتني السياط واحمرَّ لوني واهترأ نسيجي من حرارة الشمس، كانت وظائفي متعددة فتارة آوي تحت ظلّي رقية وزين العابدين (عليهما السلام)، وتارة أحمي وجه مولاتي (عليها السلام) من الناظرين وأمتص الدماء الزكية الي تسيل من متونها أثر الضرب بالسياط، وتارة أُضمد جراحي، فكُلّما وهنتُ أستمدُ قوتي من مولاتي (عليها السلام) فقد شاركتُها حزنها على أبي الشهداء الحسين (عليهما السلام) وأخيه العباس (عليه السلام) الذي كان يحملُ أذيالي بكفيه الكريمتين كي لا ألمسُ الأرض، وكانت أهمُّ مهمة لدي هي ستر مولاتي (عليها السلام) من عيون الناظرين وقد أعانتني رؤوس أهل بيتها على ذلك فكُلّما قدّموا الرؤوس تتمعن الناس بالنظر إليها وتترك النظر إلى بنات الرسالة فقد كانت تلك الرؤوس تحمي زينب من الناظرين حتى بعد قطعها وحملها على الرماح. أما آخر مهمة لي فهي غطاء نعشها بعد أنْ وافاها الأجل، وعلى الرغم من تمزّقي وتغيُّر لوني كنتُ مُميزة عن أقراني لأنّي كنتُ أُمثِّلُ سترها (عليها السلام) وعفتها... فعذرًا سيدتي إذْ لم أكُ درعًا حصينًا واقياً لجسدك من سياط بني أمية، ولكن بكِ استطعتُ أنْ أتركَ بصمتي التي يُطرِّزها التاريخ لنصرةِ الإمام الحُسين وأهل بيته (عليهم السلام)، وأصبحتُ رمزًا للحجاب والعفة، بل ونبراسًا لهما على مدى العصور ....
اخرىبقلم: كاردينيا ياس _اتعلم يا صديقي، ما معنى أنْ تعتني بقلبك...وتراقبه؟ _ليسَ كما تعلمني، وترقق بهِ قلبي، أكمِل رحمكَ الله تعالى... _معناه، أنْ ترصد حركته، وإيعازاته، ليُنتجَ كلَّ ما هو خير، بقالب الإخلاص! _وأنّى لنا بمثل ذلك؟ أ لسنا ننسى ونسهو ونغفل؟ والله يعلمُ بذلك، وهو مُطلعٌ علينا... _نعم، إنْ كان كما فرضت، لكن... انتبه لما بين نسيانك أو غفلتك وكذا السهو... وبينَ انتباهك وصحوتك! فتلك المدة كُلّما تقلّصت كان أفضلَ وأسلم.. للقلب. ولا يكون إلا بمتابعةٍ ومحاسبة، وعلى قدرِ رقابةِ صاحبِ المال لعماله يكون الأداء أجود؛ وهذا ما يحصلُ بين المدير الفعلي ألا وهو القلب، وبين العمال ألا وهم الأعضاء... وإننا إذ نحرص على الفترة تلك، لأنها تُبيّنُ لنا كم استغرق الوقت بين الذنبِ والتوبة، فإننا نجدُ بعض الذنوب لا نتنبهُ لها إلا بعد سنين، وأخرى بعد أنْ تحول سنة واحدة، وبعض أشهر، فأسابيع... حتى نصل إلى بعض الذنوب التي لا تبيت معنا.. أو بالأصح لا نريد أنْ تبيت معنا؛ حين يقضُّ مضجعنا دويّ حوارات اللوامة معنا.. وهي توبخ وتوبخ، وقد يكون الذنب ذاته مُستهانًا به عندنا لو إننا أتينا به قبل سنةٍ مثلًا، لأننا كُنا بحالٍ ومعرفةٍ ومراقبةٍ تختلف عمّا بجعبة القلب الآن! وقد تكون بعض الذنوب قصيرةَ العمر للحدِّ الذي تفصلُها عن التوبةِ ساعةٌ، أو أقل..وآخر بعد دقائق، إذ ما إنْ تزفر النفس الأمارة سمومها، حتى تفزع اللوامة بجمع عافيتها، واستعراض عضلاتها التي قويت بالذكر والصلاة، وكلِّ ما يُحيي القلب، لتوبخ وتزجر وتُعلم وتُرشد.. ليس هذا فحسب، بل وتعطينا حلولًا بديلة لما يجب فعله، وتهدينا بوصلةً ومصباحًا؛ لولوج أبواب التوبة التي لم توصد يومًا بوجه العاصين النادمين، ... _عذرًا على المقاطعة، لكن... هل من الممكن تقليص الفترة أكثر من ذلك...؟ وأعلمُ أنني تسرعت بسؤالي، إلاَ أنني مُتلهفٌ لمعرفة السبيل إلى اللا غفلة و اللا ذنب... فهل ستتقلص وتصل إلى ذاك الحد؟! _بإذن الله تعالى نعم، وبمعيّة أنوار أهل بيت النبوة وكتاب الله المجيد... ونكرر بالمراقبة المستمرة، وبطلبنا المدد من الله تعالى كُلّما أخفقنا... والطريقةُ التي نطلبُ بها، ولا أقصد بالطريقة.. الدعاء ذاته فقط، أو أي عملٍ تعبدي فقط، إنّما أقصدُ اللهفة، والحُرقة، والألم الذي ينتابُ القلبَ ساعةَ الطلب، فكُلّما زادت كان المدد أقوى فأقوى! وكُلّما كانتِ النيةُ أخلص، جاء المدد بما لا يخطر بالبال ... ولا ترصده الأفكار... وأظنُك تعي ما أقول، وتتذكر فيضًا من غيض تلكم الإمدادات الإلهية... يا صديقي، دعني أثلجُ فؤادك، بما تلّهفت لمعرفته... رزقك الله تعالى وإيّانا وكلَّ ساعٍ إلى رضاه، ذلك... أ تعلمُ أقصر فترةٍ كم تستغرق؟ _كم....؟! _بمقدارِ ما يُصنع منه الذنب، من خاطرةٍ تمرُّ بالقلب، كانت بطريقها لتكون عملًا ظاهرًا... إما بقولٍ أو فعل، لكن سُرعان ما يرصدها القلب... ومن دون أدنى جهد حتى؛ فقد غدى متمرسًا، وأمست تلكَ الصفات الحميدة عنده مَلَكة...وكأنّها ملامح ولد بها ومعها! ومع هذا...لا يستهين بما كان معه، ويترك الخاطرة تلك وشأنها، لتتخذ طريقها إلى إحدى زوايا النفس المُظلمة، لتخرجَ له على هيأةٍ أخرى... بيومٍ لم يستعد لها فيه! مع أنّها مجرد خاطرة أوشكت أنْ تكون فكرة، من سلالة الأفكار السلبية، من سوءِ ظنٍ، أو مُقايسةٍ خبيثةٍ، وما شابه..... فيفقأها، كفقاعةٍ مرّت أمام ناظريه... بنفخةِ استغفارٍ قلبي، تليها صلواتٌ يُعطِّر بها جلباب الروح .... مُستذكرًا مع نفسه، لِمَ مرّت بي اليوم هذه؟ فيكون بذلك، قد قصّر ما بين آخر حدثٍ كان على وشك الحدوث.. وبين حدثٍ قد يليه؛ وهو يتمتم: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ أبدًا.
اخرى