Profile Image

مدونة الكفيل

خاطرة

أغمضتُ عيني لعلي أراك حلمّا... ابحث في عيون العاشقين لأرى حبك ينطق القلب شوقًا كيف اللقاء؟ دلني عليك طال انتظاري واشتعل الشوق... فهل لي بنظرة تروي عطش اللقاء؟

اخرى
منذ 5 سنوات
748

خاطرة

طال انتظاري والعيون شاخصةٌ اليك... والليل أرخى سدوله شوقاً لعينيك... انت لست كعابر سبيلٍ في حياتي! ففي القلب مسكنك والوجنات... فهل لي برمقةٍ تروي ظمئي؟! تكون بلسمي... تكون دفئي...

اخرى
منذ 5 سنوات
868

الأمل

أيها الموعود قالوا: وَهمٌ ما تنظرون! أينهُ قد طال انتظاركم؟! العيونُ الفانيةُ فيك غطتها أمطار السنين... تحلمُ بك، ترسمك على أحداقها وتتأمل في القادمين... تعتصرُ الاسى لتبتلعَ كل اقاويل الوشاة اولئكَ الشامتون ما زالوا يتربصون بنا... شماتة الانتظار! انهض... فقلوب العاشقين تتهجد ليل القدوم بدعاء الشوق الأزلي.

اخرى
منذ 5 سنوات
815

لحظاتٌ بين الركنِ والمقام

موقفٌ عظيم، ومنظرٌ مهيب، شعورٌ لا يُقدَّر بثمن؛ قُربَ البيتِ العتيق، والأجسادُ تتدافع، والقلوبُ تلهثُ قبل الأفواه. عندما تنتهين من الطواف، وتتجهين نحو المقام، في ذلك الزحام، يُطلَبُ منكِ أنْ تصلّي خلف المقام... تنظرين، تجدين البشر مُندكّةً في بعضٍ، عيناكِ تتوه، يكادُ قلبُكِ يتوقف، لكن لا تعلمين وكأنَّ يدًا تجذبُكِ، تفتحُ طريقًا.. تسمعين رئيسَ الحملة يهتفُ بكِ... أُخيّة هنا مكانٌ فارغ! تجدين كُلًّا لاهٍ بنفسهِ، قاصدًا بنظرهِ إلى البيتِ العتيق..

اخرى
منذ 5 سنوات
1104

الشماتة

لا تليق الشماتة بقلب المؤمن، فمَن تيقّن أن أحوال الدنيا متقلّبة يعرف تمام المعرفة أنها لا تساوي جناح بعوضة... لا تشمت بمصيبة عدوّك... لا تشمتي بمصيبة زوجك وإن كان ظالماً، فمثلما تكالبت عليه الدنيا، قد تُشهر أسلحتها يوماً ما في وجهكِ! لا تشمت بفاجعات الزمان ضدك؛ فاصعب شماتة وأكثرها ضراوة ما دار في نفسك ضد نفسك! تسلّح بالرحمة وارفق بذاتك أولاً فهي الأولى، وهي الأساس للتخلّي عن الشماتة بمصائب الآخرين.

اخرى
منذ 5 سنوات
1735

خاطرة

لا يكفي أن تغض بصرك، وقلبك هائم بالمحرمات! أمسكه جيدا... دعه ينصت للقرآن وأخبره عن يوم تشخص فيه الأبصار. كل الحوادث مبدأها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر

اخرى
منذ 5 سنوات
774

خاطرة

قال تعالى: « وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» مهما ضاقتْ عليكَ الدنيا واشتدتْ بكَ الصعاب، فلابُدَ لرزقكَ أن يأتي بعد سنواتٍ عجاف.

اخرى
منذ 5 سنوات
790

خاطرة

مع تساقط قطرات المطر على زجاج نافذتي... تأملت فيها كم هي رائعة.. تنزل على مهل... تغسل المكان بلطف... تمحو بجريانها الهادئ ما تراكم على الزجاج من ذرات الغبار المتطاير... ولوهلة قلت: متى تنزل قطرات الدمع على صفحة قلبي لتزيل ما ران عليه من غبار الغفلات؟ إلهي... كما غسلت بقطرات المطر ما علق من ذرات الغبار... اغسل صفحات القلب من رين الأوزار.

اخرى
منذ 5 سنوات
778

صَقرٌ عَشِقَ وَطناً

بقلم: تمارة أحمد عويز صَقرُ الصَحاري جالَ في الأرجاءِ، فحطّ الرِحالَ عِندَ الرافِديَن نِية الاستِرخاءِ، فسَمِعَ أنَّ هذا البَلدَ هو أَرضُ الطيبين والأوفياءِ، وهُم للزائرينَ مَضرَب الأمثال في الكرم والعطاء، ولعِلمِهم يسعى كُلُّ كبيرٍ وصَغيرٍ دُونَ استِثناء، بِلادُ العِلمِ والعُلَماءِ ومَوطِنُ الطِيبةِ والسَخاء. بَدأت الجَدّةُ رَنيم تَروي الحِكاية، ولكلماتِها جميعُ الحَواسِ صَاغِيةٌ بعناية، والعُيون تَلمعُ لقصةِ الصَقرِ ترجو الفَائِدة، وتَقولُ الجدّةُ رَنيم بابتسامةٍ غامِضة: صَقرٌ حَادُّ الذَكاء والبَصيرة، زارَ الرافِدين الحَبِيبة، حَيثُ الحَربُ تَشدُّ أوزارها بالحاراتِ الفَقيرة، كان الصَقرُ يُحَلِّقُ في ظلمة الَليل يشهَدُ على الجريمة، أرضُ الخَيرات تَنتَهِكُها أيادي المُحتَلينَ العَابِرة، كان يَجولُ في السَماء ويَرى القَنابِلَ تُحطمُ كُلَّ كَبيرةٍ وصَغيرة، ورأى طِفلَين يَبكيان فَهَبطَ يُراقِبهُما مِن فَوقِ حُطامِ السَقيفة، الأكبرُ يَحتضنُ الأصغَر يَمنعهُ مِن المُشاهدةِ المَريرة، مشاهدة والدَيهِ غَارِقَين بِدماءِ الوَداعِ، ويُراقِبهُما بِدمُوعٍ حَبيسَة، حتى غَفا أخوهُ بعد النحيبِ الطويل ليُطلقَ العِنان لِدموعِهِ الحَارِقة. ظلَّ الصَقرُ يُراقِبهُما ويَسمَعُ كَلام الطِفل البَاكي، فمسحَ الطفلُ دُموعَهُ مُخاطِبًا والدَيه بِوعُودٍ وإصرارٍ كبير: لا تَقلقا، واطمَئنا، فَأنا سأرعى أخي كما أوصيتماني، سأجعلُ مِنهُ رجُلًا تَفخَرانِ بهِ حتى وإنْ لَم تَكُونا معي، فقط ارتاحا حيثُ أنتُما، ولا تحزنا فهذا يُؤذيني، سأكون كما تمنيتُما أنْ أكونَ دومًا فاعتمِدا عَليّ. ويَحمِل الطِفلُ أخاهُ ويَختبئان مِن عيونِ الظالِمين، ويحتمي به باحِثًا عن الأَمانِ وعينه للنَومِ لا تستكين، طِفلٌ تحمّلَ مَسؤولية حِماية أخيهِ بِطرفةِ عَين، على حين كان كلاهما بحاجةٍ إلى الاطمئنان في كَنفِ الوالدَين، بكى الصقرُ لخوفِ الطفل على أخيهِ من الفراقِ وهمّ السِنين، غَفا الطِفلُ بعدَ صراعِ مع عينيه والخَوفُ الذي لا يَلين. رأى الصقرُ غطاءً فَهبَّ يُغطي به الطفلينِ عن الأنظار، تأكّدَ أنَّهُما لم يفيقا، وحلَّق في تجددُ الشحن بالقنابل بِإصرار، فَهبَ سريعًا إلى مُعَسكر الغربان لطلبِ المُساعدةِ وايقَافِ الدَمار، ولكنَّ الغِربان أبَتْ طَلبه وأمرَته بتَركِ الصِغار، فَقال الصَقرُ بعزمٍ راسخٍ وهدوء قائدٍ مِغوار: أعينوني على ما أسعى لفعلهِ وخذوا بكلامي، مَا سَتَفعلونه سيعودُ عَليكُم بما لم تحلموا بامتلاكه، ثِقوا بي، أكياسٌ مِن الحُبوبِ تُغَذيكُم للسنوات القادمة إنْ سَاعدتُموني... وافقت الغِربانُ لإصرارِ الصقرِ الشَديد، فتبعتهُ وحلّقت مَعهُ حَيثُ يُريد، طلب منهم أنْ يَحمِلوا الحصى إلى مَصنع الحديد، حيثُ مُعَسكرِ المُحتَلين تحتَ أنظارِهم مِن بَعيد، ويُغلِقوا بِها مُحرك الطائراتِ ولا يُشعِروا بوِجودِهم أحدٌ، فقامت الغِربانُ بتنَفيذِ ما أمرها بهِ دِونَ تَردُد، والصَقرُ يُراقبُ ويُوجه الغِربان بِحكمةِ قائد، لم يشعر الجنود بِخطبٍ، فَالليلُ حَالكٌ ولونُ الغربانِ أسود. ولما أكمَلت الغِربان عَملها أخذت تُراقِب، والصَقرُ مِن فوقِهم لنجاحِ خُطتهِ مُتَرقِب، فيعود الجنود للطائراتِ المُحملة بِالقنابل، وما إنْ حَلّقت الطَائراتُ في السَماءِ حتى انفجرت مُعلِنةً نِهايةَ الحَرب... ولمّا همَّ الصَقرُ بالمغادرة منعته الغِربان، فأخبرهم: ما أنا بِهاربٍ... وحلّق الصَقرُ عائدا للطفَلين يشاهدهما بِتَرقُب، وبعدما استيقظا بعد انتِظارٍ لم يَطُل، هبط الصَقرُ وأمسك بمنقارهِ ثيابَهما وسحبهما مَعهُ حيثُ يَرغب، حيثُ باب أحدِ المَياتِم، دفع باب المَيتم الحَديدي بِرأسهِ قَليلًا ونظُر لِلطفل لَعلهُ يَفهم، فَعلمَ الطفلُ غَاية الصَقر، فحملَ أخاه ودَخل بِألمٍ، استقبلتهُ صَاحبة المَيتم وكانت مِثالًا لِلكرم، بِرحَابة صَدرٍ، فارتاح قَلب الصَقر ولِلمُغادَرةِ شدّ العَزم. عَادَ الصَقرُ للغِربانِ وأمَرهُم بِالانتظار حتى الفَجر، وافق الغِربانُ وعلم أهل الرافِدين بِالأمر، عِبر كاميراتِ المُراقبةِ في الطرق، حيث شاهدوا عَملَ الغِربان والصَقر، فوضعوا أكياسَ الحُبوب في سَطحِ كُل مَنزلٍ مَهجور، امتنانًا منهم وعربون شُكر، على عَملِ الغربان والصقر. حينئذٍ ختمت الجدّة رنيم قصتها قائلةً: هَذهِ قِصةُ الصَقرِ يا أولادي، حَيثُ أصَبحَ مِثالًا لِلفداءِ والتَفاني، وَمضربَ المَثلِ للتحابِّ بَين الغُرباءِ بِمُختلف الأعراق والألوانِ، فَاعلموا أنْ ليسَ كُلُّ مَا لا نُحبذُ رؤيته يُؤذينا يا صغاري، فالغربان تفتقر إلى الألوان الزاهية والشكل المُبهر؛ ولكن الصقر عندما أحبَّ الرَافِدينِ وفكّر في انقاذ أهلها وخاطرَ بِنفسهِ دون أنْ يُبالي، لم يَستعِنْ إلا بها؛ للونها الأسود القاتم الذي اختلط بسواد الليل وصنع مستقبلًا مشرقًا للأجيالِ.

اخرى
منذ 5 سنوات
930

لآلئ من نهج البلاغة

بقلم: يا مهدي أدركني الحكمة الثالثة/ الفصل الثالث قوله (صلوات الله وسلامه عليه) "وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ" الفقر كالشجرة التي لها جذور وساق وفروع وأغصان، فمنه ما كلما ازداد عند الإنسان، ازداد قوةً وتثبيتًا لها كالجذور، ومنها ما هو ضعيفٌ يتجمل بأوراقٍ تكسوه في أيام عزِّه ومن ثم تتخلى عنه في أيام الشدَّة، فتعصف بها الرياح وتتساقط عنه شيئًا فشيئًا كالأغصان. وقد قالوا في الفقر الكثير، ففيه المذموم وفيه الممدوح... الفقر في اللغة: هو العوز والاحتياج، وجاء في تعريفه في كتاب جامع السعادات [الفقر: ضد الغنى وهو فقد ما يحتاج إليه] (1). المفهوم العام للفقر يتمثل في الاحتياج، والاحتياج يصدق عندما تكون فاقدًا للشيء، فلا يُقال الفقر على شيءٍ تفقده ولكنك لستَ بحاجته. إنَّ الموجودات تنقسم إلى مادية ومعنوية، فيكون الفقر منقسمًا أيضًا إلى فقر معنوي وفقر مادي. أما الفقر المعنوي فهو الافتقار إلى الأمور غير المحسوسة، كالجهل فهو افتقار للعلم، والخوف افتقار للاطمئنان، والتردد افتقار للثقة في النفس، وما إلى ذلك من أمور يسبب الافتقار إليها إمراضًا روحية تؤدي إلى هلاك المجتمع، وقد تكون هناك أسبابٌ عديدة لهذا النوع من الفقر، منها تربوية واجتماعية. وأما النوع الآخر وهو الفقر المادي، فهو الاحتياج إلى كلِّ ما هو محسوس، ولا ينحصرُ بالمال فقط، وهذا النوع من الفقر يترك آثارًا كثيرة على مستوى الفرد والمجتمع، وسيأتي تفصيلُها لاحقًا إن شاء الله (تعالى). وهناك تقسيمٌ آخر بلحاظ الجهة التي يفتقر إليها الإنسان، وهذا النوع يعتمدُ على المعنى المحض للفقر وهو الاحتياج المطلق، فإذا أخذنا النظرة الفلسفية لحقيقة الإنسان سنجده ذلك الموجود المحتاج لعلته حدوثًا واستمرارًا، فهو كالمصباح الذي يحتاجُ إلى الكهرباء ليكونَ مصدرًا للنور حدوثًا واستمرارًا، فما إنْ ينقطعُ عنه ذلك التيار حتى يُصبحَ ظلامًا، فهو غيرُ قادرٍ على أنْ يفيضَ النور من ذاته، وهكذا هي حقيقة الإنسان فهو موجودٌ حادثٌ مسبوقٌ بالعدم، محتاجٌ إلى علَّته في أصل وجوده واستمراره، ولا بُدَّ أنْ تكونَ علتّه غنيةً مستقلةً قديمةً غير مسبوقةٍ بالعدم، وجودها من ذاتها، وإلا لأصبحت مثله في الاحتياج والفقر. وعليه يكون الإنسان هو الموجود المُحتاج الفقير في كل أحواله إلى ذلك الوجود الغني المُتكامل غير المتناهي، وهذا النوعُ من الفقر هو فقرٌ ممدوح، فيه رِفعةٌ للإنسان لا مذلة وإهانة؛ لذا نجدُ الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم) يتفاخرون به ويجعلونه شعارًا لهم، فقد ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وعلى آله) "الفقر شعاري"(2)، وقد ورد في المأثور من أدعيتهم (صلواتُ الله وسلامه عليهم) عبارة "ربي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين"، ومدلولُ هذه العبارة هو علمهم الحقيقي بأنَّهم موجوداتٌ فقيرة لا يُمكن لها تدبير أمورها من غير المُدبِّر الحقيقي وهو الله (تعالى)، فإنَّها من دون ذلك المُدبر ستكون عدماً، وعليه فإنَّ افتقار الإنسان من جهة الغني المعبود هو افتقارٌ حسن. من الناحية الأخلاقية، فقد حثَّ أهلُ البيت (صلواتُ الله وسلامه عليهم) على وجوب عدم التخلّي عن هذا النوع من الفقر، وإلا سيقع الفرد في شباك الاستكبار والاستعلاء على الناس، فيقع في وهم عملقة نفسه التي هي في الحقيقة أضعف من أنْ تقاومَ حتى ميكروبًا صغيرًا لا يُرى بالعين المُجردة. أما النوع الثاني لهذا التقسيم وهو الافتقار إلى الجهة الأخرى المتمثلة بالناس فهو مذمومٌ؛ لأنه افتقارٌ إلى ما هو فقيرٌ في حقيقته، وإنْ كان ذا مال وقوة وسلطة ولكنه في حقيقته أيضًا مفتقر للغني المُطلق، وهذا النوع يوجبُ المذلة والمهانة والاحتقار، ويكرهه العاقل ولا يرغبُ فيه وله آثار سلبية عديدة على مستوى الفرد والمجتمع، منها أمراضٌ روحية وقلبية كالحسد والحقد، مما تؤدي إلى تحويل ذلك الشخص إلى مصدر للطاقة السلبية التي تُحرِق نفسها أولًا، وما يُحيط بها ثانيًا، وقد تتطور لتصل إلى السرقة والرشوة والربا بل وحتى إلى القتل. إذا تبين هذا نقول: في محل كلامنا في هذه الحكمة، أراد أنْ يُشير إليه أمير المؤمنين (صلواتُ الله وسلامه عليه) إلى رؤية المجتمع وتعامله مع الفقير، وهذه الرؤية متفاوتةٌ تبعًا لطبيعة المجتمعات واختلاف درجاتهم الثقافية والدينية، ولبيان ذلك نُسلِّط الضوء على أهم تلك الأنواع من المجتمعات: الأول: مُجتمع مُتدين ومُتحضر ومُتقدم ثقافيًا. وهذا النوع من أفضل أنواع المجتمعات تعاملًا مع الفقير -إن وجد- وقد يكون هذا النوع من المجتمع هو النوع الذي يحلُمُ به عموم البشر بالخصوص الفئة الفقيرة منه، فهم يسعون إلى أنْ يأخذوا بيد الفقير ويرتقوا به ويفتحوا له أبواب وفرص العمل داعمين له نفسيًا واقتصاديًا، وقلّما تجدُ تفاوتًا طبقيًا شاسعًا في مثل هذه المجتمعات، وهذا النوع كان من أحد أهداف شريعة السماء بمُختلف أطياف دياناتِها، وبالخصوص الدولة الإسلامية، لذا اهتمت كثيرًا بنظام التكافل الاجتماعي المتمثلة ببيت المال، وجاءت الشريعة بقوانين إلزامية كالخمس والزكاة وأخرى حثت عليها ليس بنحو الإلزام وإنَّما من باب الاستحباب كالصدقة، وكلُّ ذلك من أجل أنْ تذوبَ تلك المشكلة وتتلاشى... ولكن لعدم تطبيقها بالشكل الصحيح وعدم الالتزام بتلك الشريعة لم يتحقق هذا الهدف وبقي كنجمةٍ يتأملها الفقير في سواد ليل احتياجه وافتقاره في سماء أمل دولة المهدي المنتظر (صلواتُ الله وسلامه عليه). وهنا قد يرد إشكالٌ، وهو: لماذا لم يطبقِ الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) ذلك النظام؟ والجواب: إَّن عدم تطبيق النظام ليس بسبب نقصٍ في حضرة المعصوم، وإنَّما السبب في المجتمع الكائن آنذاك وعدم التزامهم وكثرة تمرُّدِهم وعصيانهم للمعصوم مما أدى إلى تفشي الفقر والتفاوت الطبقي الشاسع، هذا بالإضافة إلى وجود فئةٍ كبيرةٍ جدًا من الظالمين كانوا يُشكِّلون مانعًا دون تحقيق أهداف المعصومين (صلواتُ الله وسلامه عليهم)، وخيرُ مثالٍ على ذلك اغتصابهم أرض فدك من الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها)، حيثُ منعوا وارداتٍ عظيمةً كانت تمثل نميرًا يسقي قلوب الفقراء والمحتاجين. الثاني: مُجتمع مُتحضر ومُتقدم ثقافيًا. وهذا النوع من المجتمع هو متحققٌ على أرض الواقع ومن المُمكن جدًا الاطلاع على بعض دول الغرب لنجدَ كيف استطاعوا أنْ ينتزعوا البعض من قوانين الحقوق التي سنَّتها الشريعة الإسلامية ليضعوها في إطار منظمات دولية تطبقها بقالبٍ آخر وتحت مُسمياتٍ جديدة، فحاولوا أن يتخلصوا من تلك القيود التي تفسخ المجتمع وتقعد به عن التقدم. الثالث: مُجتمع مُتأخر ثقافيًا ودينيًا. وهذا النوع هو محلُّ كلامِنا وسنحاولُ أنْ نبين رؤية هذا النوع من المجتمع للفقير وكيفية تعامله معه وأسباب ذلك وعلاجه. -رؤية وتعامل هذا النوع من المجتمع للفقير إنَّ مثل هذه المجتمعات تنظر إلى الفقير بنظرةٍ متدنيةٍ، فالغني ينظر إليه على أنَّه أقل منه، فلا يسمح له مثلاً بمخالطته ولا بتزويجه، بل ينظر إلى الفقير كأنَّه عيبٌ اجتماعي، فلا يأخذ حتى بكلامه ورأيه، بل في الحقيقة هو ليس مسموحًا له بالتعبير عن آرائه، وإذا دخل المجلس يكون غير مُرحبٍ به حتى لو كان رجلًا كبيرًا في السن، وبالمُقابل ونتيجةً لذلك تجدُ أنَّ الفقير سيتولد في داخله شعور يجعله ينسحب من تلك المجتمعات بهدوء فينعزل ويفضل عدم الاختلاط؛ وذلك لأنَّ لكلِّ فعلٍ ردة فعل، ونتيجة لذلك نجد هناك الكثير من الطاقات العظيمة الهائلة تُدفنُ تحت رمال الفقر والعوز بيدِ الجهلة، وبالتالي سينتج من ذلك مجتمع متخلف ثقافيًا، فيه الكثير من العاهات والأمراض الاجتماعية والتي قد يتولد البعض منها كردة فعلٍ من الفقراء أنفسِهم، حيث تنمو بكتريا الحقد والحسد في قلوبهم مما تؤدي إلى دمار المجتمع. أسبابها: 1- الجهل، وهذا الأمر واضح جدًا فإنَّ الجهلَ يُشكل حاجبًا يمنع من الرؤية السليمة مما يؤدي إلى الحكم المغلوط عادةً والتعامل غير السوي مع الآخرين. 2- الابتعاد عن الدين، وهذا الأمر له في الحقيقة تأثيران: أولي وثانوي، أما الأولي فيُسبب نمو تلك الفئة من الفقراء وانتشارها واشتداد حالتها نتيجة لعدم الالتزام بالواجبات الإسلامية من إعطاء الحقوق الواجبة والمستحبة، وأما الثانوي منها فهو التعامل الطبقي الذي حاول الإسلام أنْ يقتلعه من جذوره وأنْ يضعَ قاعدة كلية وفقها يتم التعامل، وميزانها هو التقوى كما جاء في قوله تعالى: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[الحجرات:13]. علاجُها: امتثالًا لقول الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) : "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"، نحملُ معنا أدوات البحث ونتوجه إلى حيث النجاة من كل ضلالة والخلاص من كل جهالة والعلاج من كل آفة منبع العلم القرآن الكريم وكأسه أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم). الفقرُ في القرآن الكريم. عالج القرآن الكريم مسألة الفقر من كل جوانبه ونواحيه ونحن هنا سنتناول جانبًا واحدًا منها وهو المختص بشذرة هذه الرواية، وهي رؤية المجتمع للفقير وكيف وضع أسس التعامل معه. فقد جاء في قوله تعالى: "وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ" [النور: 32] في هذه الآية أمر من الله (تعالى) بالتزويج، فهو (تعالى) يأمر بتزويج الأيامى (والمراد من الأيّم: الذكر الذي لا أنثى معه أو الأنثى التي لا ذكر معها) الصالحين. وفي ذيل الآية وعدٌ منه (تعالى) بأنَّه سيُغني الفقراء فلا تخشوا فقرهم وزوِّجوهم فإن خزائن الله (تعالى) واسعة، وفي هذا دلالة على حثٍّ منه جلَّ وعلا على أنْ يجعلوا من المجتمع نسيجًا متينًا من مُختلف الفئات والدرجات تتمازج فيه الطبقات وتتقبلها جميع الأطراف وبذلك يُذّوِّب تلك الفكرة ويمحوها. الفقرُ في روايات أهل البيت (صلواتُ الله وسلامه عليهم) في حقولِ روايات أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) نجدُ للفقر أنواعًا كثيرة وألوانًا، منها: 1- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "خيرُ هذه الأمة فقراؤها، وأسرعها تصعدًا في الجنة ضعفاؤها" (3). 2- وقال (صلى الله عليه وآله): "تُحفة المؤمن في الدنيا الفقر" (4). 3- عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) أنَّه قال: "المصائبُ منحٌ من الله، والفقرُ مخزونٌ عند الله" (5). 4- عن الإمام الرضا (صلوات الله وسلامه عليه) أنَّه قال: "الفقرُ شينٌ عند الناس وزينٌ عند الله يوم القيامة" (6). في هذه الروايات نجد أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) سلّطوا الضوء على الفقر وأظهروا الجانب الإيجابي منه، بحيث لو تمعَّن القارئ فيها لتمنى أنْ يناله ذلك الفقر لما فيه من ثوابٍ عظيم ومنزلةٍ رفيعة عند الله (تعالى)، وكيف هي نظرة الله تعالى لهؤلاء الفقراء وكيف تعامل معهم أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) وعليه فحري بنا أنْ نتبعَ خطاهم ونحذو حذوهم. وهنا سؤال: هل إنَّ الفقر هو علة تامة لإخراس الفطن؟ وهل هي قاعدةٌ كُلية لا يُمكن مخالفتها؟ في مقام الجواب نقول: إنَّ الفقر لا يُمثِّل علةً تامةً لذلك، وإنّما هو جزءٌ من العلة، فإنْ توفرت بقية الأسباب ووُجِدَ المُقتضي تحقق المعلول، ولبيان ذلك نأتي بمثالِ إحراق النار للورقة، فإن النارَ هي علّة الإحراق ولكن إذا توفرت بقيةِ الأسباب من ملامسة الورقة للنار وكونها جافة غير رطبة، حينئذٍ يتحقق الإحراق وإلا فإنَّ وجود النار وحده لا يكفي في تحقق الإحراق. وعليه فإن الفقير الفَطِن (وهو الذكيّ المُلتفت غير الغافل) يُسكِته فقره في بعض الأحيان والفقر هنا قد يكون ماديًا أو علميًا بمعنى أنَّ الطالب قد يسكت عن الكلام في حضرة مُعلِّمه تأدبًا واحترامًا. وقد يسكت الفطِن لأنَّه يعلمُ بنظرة المجتمع إليه فهو بهذا يحفظُ كرامته ويترفع عنهم بصبره عليهم ورضاه بما ابتلاه الله (تعالى) لينال بذلك رضا الرحمن. وأما إذا وجد في نفسه الضرورة للتكلم فقد يتكلمُ رغم فقره؛ لعدم توفر الأسبابِ الأخرى لصمته، أو لوجود مقتضٍ لكلامه في تبيين حقيقة أو دفع شبهة وما إلى ذلك من أسباب. إشارة: قد تكون في هذه الحكمة من أمير البلاغة أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) إشارة وإنارة وموعظة لكلِّ من أراد أنْ يتلبس بلباس الفقر؛ لما فيه من آثارٍ سلبيةٍ وخيمة على صاحبه من عدم الأخذ برأيه وعدم احترامه مما يضطرَّه إلى الالتزام بالصمت، فتكون رادعًا له عن ذلك. ومعنى التلبس بلباس الفقر هو شره النفس ونقصان القناعة لدرجة أنْ يبلغَ معها الغني درجة الفقر رغم غناه، أو قد يكون سببه البخل كما تقدم في بداية هذه الحكمة. _______________ 1- جامع السعادات للشيخ النراقي/ج2/ص79. 2- أنوار الحكم ومحاسن الكلم/ج1/ص92. 3- أنوار الحكم ومحاسن الكلم: ج1/ص97. 4- أنوار الحكم ومحاسن الكلم: ج1/ ص98. 5- أنوار الحكم ومحاسن الكلم:ج1/ ص100. 6- أنوار الحكم ومحاسن الكلم: ج1/ ص101.

اخرى
منذ 5 سنوات
1931

فقدانٌ

بقلم: حيدر عاشور اطفأتِ النور وتركت جسدها المُتعب يرتمي على السرير، امتدت يدها دون شعورٍ منها الى المذياع فتدفقت الأصوات واختلطت الإذاعات: قررت القوات الأمريكية سحب آخر لواء لها عبر الأراضي العراقية تطبيقًا لاتفاقية الانسحاب. أدارت مُوجّه المذياع: الفيضانات تُشرِّد سبعة ملايين من سُكان باكستان... الحرائق تجتاح روسيا والخسائر تُقدَّر بثلاثمائة مليار، وخشيةٌ من وصول النيران إلى المحطّات النووية... تهريب آثار عراقية عبر دول الجوار. استوقفها الخبر الأخير، وبدأتِ الأفكار والتداعيات تكبُر كدوائر الماء في محيط عقلِها، وتذكّرت وهي تَخرُج من الجامعة تلك اللافتات الصغيرة المُعلّقة على الجُدران أو قُرب مظلة وقوف السيارات، وقد كُتِبَتْ عليها كلمةٌ واحدة (فقدان): فُقِدَ شخص يُدعى (ناظم مراد) يبلغ من العمر حفنةً من الضياع ويرتدي الوجع اليومي، فمن يعثر عليه يُرجى تسليمه إلى أقرب دوريةٍ للقوات مُتعددة الجنسية. ظلّت كلمة (فقدان) تئزّ بقوةٍ تحت فروة رأسها الصغير، وكأن جرسًا بعثَ دقاته دون توقف، انقلبت إلى الجهة الأخرى وأغلقت المذياع، وارتسم أمام عينيها ووسط الظلام شريطٌ يشبه الشريط التلفازي (سبتايتل)... أعداد المفقودين في تزايد ولا أحد ينتبه إلى هذه الظاهرة، وتساءلت مع نفسها: هناك من يُفقَدُ في حادثةٍ، وآخر يُفقَدُ رغمًا عنه، وربما هناك من يختار الفقدان كمصير، ويُقرِّر الاختفاء الأبدي كنوعٍ من الاحتجاج على هذا المهرجان الجنائزي الذي يُحاصر الجميع بكلِّ أشكال الاندثار. نهضت بقوةٍ وأزاحتِ الغطاء، أضاءت المصباح وامتدت يدُها لتنسيق شعرها المتناثر، بحثت عن وجهها في المرآة المعلقة على الجدار المقابل تحت صورة التخرج من الجامعة / كلية الادارة والاقتصاد، ثم تطلّعت إلى معطفها الجامعي وهي تؤدي طقوس الماجستير والدكتوراه، الآن يُناديها الجميع: هناء، دكتوراه بالاقتصاد وتسكن شقة مُستأجرة مع والدتِها، كائنان مقطوعان عن العالم، وهي تُصرُّ على الصدف والتلقائية، ولم تجرؤ يوما على صبغ شعرها الأبيض وتُحوِّله إلى أصفر أو أحمر كما تفعل زميلاتها، حتى الطالبات يستخدمن الأصباغ والماكياج ويتحوّلن في نظرها إلى دمى مزيفة، الإنسان يجبُ أنْ يكون على طبيعته دون تزويق أو تزييف، الوجوه الحقيقية أفضلُ وأجمل من الأقنعةِ المُصطنعة.. قالت لها زميلتها الدكتورة وفاء: إنَّكِ يا هناء تعيشين في كوكبٍ آخر ليست له علاقةٌ بكوكبِنا، يا عزيزتي انتبهي إلى نفسكِ، أنا أصبح لي أحفاد وأنت... وسادَ الصمتُ الثقيل بينما، كانت هناء تتمنى أنْ تمتلك زميلتها الجُرأة التامة وتقول لها: إنَّكِ عانس، مضتِ الحياة عنك، وأفلَ كلُّ شيءٍ، واجتاح جسدك، وشعرك، وأسنانك، قطار العمر الاحتلالي، ولم يَعُد فيك ما يُغري أحدًا ليطلبَ يدكِ إلا من به طمعٌ في شهادتكِ، راتبُكِ يتبخر إزاء الأدوية التي تحتاجها أمُّكِ، وما يتبقّى تبعثين به إلى أختك وأطفالها الخمسة بعد تحوّل زوجها إلى مُعاق لا يستطيع مغادرة المنزل إلا بعكازتين، ما الذي بقيَ لكِ من عالمكِ، وتلك السنين التي مرّت بسرعةِ الضوء فلم تتمكني من امساك شيءٍ.. طفولة بائسة، ومُراهقة مُحاصرة، ثم الانكباب على القراءة والتقاتل من أجلِ الدرجات، ثم الماجستير والدكتوراه، والمصادر والبحوث وذهابكِ إلى طبيب العيون لفحص درجةِ النظر، ووضع نظارة طبية فوق الأنف زادت على عمركِ سنين أخرى. هل أصبحتِ راهبةً للعلم ومُمرضة للأمِّ ومرجعًا اقتصاديًا واجتماعيًا لأختكِ أم رضا، ما الذي ينتظرُكِ في الأفُق؟ وهل يختلفُ مصيرُكِ عن الأسرِ الباكستانية التي شرَّدها الفيضان؟ وحرائق روسيا التي لا تختلف عن الحرائق اليومية التي تبتلع الحياة وضحكات وأجساد الناس في الشوارع والأسواق وأمام الدوائر الرسمية؟ إنَّه داءُ الفقدان، وقد انتشر في كلِّ مكان، وقد يكونُ الفقدان ماديًا أو معنويًا، وقد يكون الفقدان بحجمِ العمر الذي مضى دون هوادة، وبلا توقف أو مراجعة. انتابها شعورٌ غريب يشبه المُفارقة، هل يُمكن أنْ تعيدَ لُعبةَ العُمرِ مرةً أخرى؟ فالإنسان يحتاج إلى حياتين، الأولى يعيشها وفق فلسفةِ الأقدار، وأخرى يصنعُها بنفسهِ بعد الوعي المُتراكم ومساحة الاختيار. هل جرَّبَ العالم مقدار الوحشةِ الشرسة حين تنامُ امرأةٌ في الخمسين وحدها بين جدرانٍ أربعة؟ رنَّ الهاتف النقّال حاملًا رسالة من رئيس القسم: غدًا مُناقشة رسالة الطالب (ربيع كامل)، فلا تنسي وأنتِ عضوٌ في لجنة المُناقشة. أثارتِ الرسالة رُعبًا داخليًا في أعماقِها كيف نسيت هذا الأمر، وهي الجادة والدؤوبة، والمُلتزمة، أخرجتِ الرسالة الجامعية، وبحثت عن نظارة القراءة السميكة، وأبحرت بين السطور والمباحث والهوامش واستغرقت في همٍّ جديد لتبقى على قيدِ البقاء.

اخرى
منذ 5 سنوات
838

هل سيعم الصمت يا كورونا؟

بقلم: حسين فرحان العالم يحبس أنفاسه، والكل حذر من الكل، لا تقترب أكثر.. لا تصافحني.. لا تلمس بيديك مساحة لم ترش بالمواد المعقمة.. ثم ماذا؟ أصبحنا نرى العالم من خلال (كمامة) البعض يظهر وجهها الأزرق والآخر يظهر وجهها الأبيض في لغة طبيّة بدأت تنتشر لتُغني عن كل اللغات، ربما لن تجد كلاماً -في بعض بقاع الأرض- سوى (أنت مصاب بالوباء فابتعد ودعني أنتظر دوري).. فرحة صغيرة تعم لتزيح بعضًا من الهم أن دولة اكتشفت الترياق المجرب وأن الأمور ستؤول إلى خير وسلام. الأخبار تتوالى تحمل مع عواجلها الاحصائيات، وحياة الشعوب أصبحت رهينة الأرقام فاسم الدولة يقابله عدد الإصابات والنتيجة شلل في مفاصل حياتها وإن لم يحصد الموت فيها أحداً. البعض يردد (لا عاصم اليوم..) وآخر يجزم أنها حرب بايلوجية وآخر يتهم الخفاش والأفعى ويلعن الثدييات والطفرة الوراثية والتعديل الجيني لهذا الفايروس السيء الصيت.. القلق من الإصابة هاجس البشرية جمعاء، فهل هو القلق على الأنفس أو على الأبناء أو على المتعلقين والأقرباء والأصدقاء؟ هل تتباين الأولويات في ذلك؟ اللجوء إلى الحلول كيف سيكون -فالقضية عالمية-؟ هل ستلتجئ البشرية إلى الحلول الطبية وتؤمن بها ذلك الإيمان المطلق مع استمرار الوفيات وتسارع الانتشار؟ هل سيكون للتوجه العقائدي نصيبه في نفوس البشر مع اختلاف عقائدهم، فغير المعتقدين بوجود الله تعالى شأنه سيتوجهون حتمًا لبوذا وللنار والفأر والبقر والطبيعة وطقوس تقديم القرابين للأنهار والبراكين؟ هو دون البعوضة التي ضربها الله مثلًا، لا يرى ولا يسمع له صوت سوى صوت نعي الأخبار العاجلة. (كورونا) ربما لن يمنح لكاتب ما الفرصة، لأن يكتب فيه قصة قصيرة فضلًا عن رواية ربما يعجبه أن يحاكي فيها رواية ماركيز فيكتب (الحب في زمن الكورونا).. والهواء ذلك المخلوق المجّاني الوحيد الذي تنعمت به البشرية منذ بدء نشأتها أصبح يُستنشق بحذر من وراء الكمامات، فأصبح يحمل إمارات الموت بل يحمل الموت بعينه.. وأخطر ما في الوباء أنه لا يعترف بأرض دون أرض، ولا بشعب دون شعب، فهو السائح الذي تحمله الرياح حيث جرت لتصنع فوبيا من نوع جديد هي (فوبيا الهواء أو التنفس أو الزحام أو العطاس أو السعال).. لم يحدث جنون البقر ولا أنفلونزا الطيور والخنازير ما أحدثه كورونا، حتى كأن العالم يقف عاجزًا أمامه وهو فعلًا لغاية اليوم أشبه بالعاجز.. فالقراءة للواقع مرعبة وأسوأ ما فيها هو أن ينتشر، وعندها سيكون الوضع في بلدان كثيرة غير ما نراه اليوم.. الإيمان بالله طوق نجاة، ومن اعتقد بالفرج سيراه، أما النظراء لنا في الخلق فسيرددون (هل سيعم الصمت يا كورونا؟) لا نملك إلّا الدعاء...

اخرى
منذ 5 سنوات
2667