بقلم: علوية الحسيني إنّ المُتأملةَ في رواياتِ محمدٍ وآل محمدٍ (عليهم السلام) تجد أنّ الافتخارَ على قسمين: ممدوح، ومذموم. والدعوةُ حتمًا موجهةٌ لكِ أُختاه بشأنِ الممدوح منه. أما المذمومُ منه فسيتمُّ التعريجُ عليه استطرادًا؛ لخطورة عواقبه. ■أولاً: التفاخرُ الممدوح الذي دلّ على هذا القسمِ عدة روايات، منها ما روي عن الإمام عليّ (عليه السلام): "ينبغي أنْ يكونَ التفاخرُ بعليّ الهمم، والوفاءِ بالذمم، والمبالغةِ في الكرم..."(١). وهذا فعلًا ما يحكمُ به العقلُ؛ لأنّها أمورٌ حسنةٌ، ينبغي على المؤمنةِ فعلُها. فالمرأةُ ذاتُ الهمّةِ العالية لو تفاخرتْ بهمَّتِها فإنّها ستكونُ مصدرَ قوّةٍ للأخريات، فضلًا عن بثِّ ما يُسمى اليوم (بالطاقة الإيجابية Positive energy) لهنّ، ولا رياء في ذلك. وكذا لو كانت توفي بما في ذمتِّها من حقوقِ الله (تعالى) والعباد، وأخبرتْ عن ذلك لا بقصدِ الرياء، وافتخرتْ، فإنّ افتخارَها سيكونُ مدعاةً للأخريات بالحذوِ حذوها. وأما صفةُ الكرم، فهي سجيةٌ لا رياءَ لو تفاخرتِ المرأةُ بها. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "ثلاثةٌ هُنّ فخرُ المؤمنِ وزينةٌ في الدنيا والآخرة: الصلاةُ في آخرِ الليل، ويأسُه مما في أيدي الناس، وولايةُ الإمام من آل محمد (صلى الله عليه وآله)"(٢). وللافتخار الممدوح أنواع، منها: 1/الافتخار بالعبودية لله (تعالى) إنّ عزّ المؤمنةِ وفخرها بالخضوعِ إلى خالقِها, فما بينَ العزّةِ والذُلِّ تنتجُ العبوديةُ الخالصةُ لله الواحد الأحد. جميعُنا نعلمُ أنّ النساءَ إماءُ الله (تعالى), والأَمَةُ من النساء في قِبالِ العبد من الرجال, سيّدها ومالكها هو الله (تعالى). وكما أنّ هناك من العبيدِ من يفتخرونَ بسيّدهم, كذا مِن الإماء من يفتخرن بسيّدهن. وقد رسمَ لنا الإمامُ علي (عليه السلام) قاعدةَ الافتخارِ بالعبودية لله (تعالى), قائلًا في مناجاتِه: "إلهي كفى بي عزّا أنْ أكونَ لك عبدًا، وكفى بي فخرًا أنْ تكون لي ربّا"(٣). 2/الافتخار بالدين إنّ الدّينَ السامي, الخاتم, لهو أكملُ الأديان, الذي به خُتِمَتِ النبوةُ فكان حبيبُ الله محمدٌ (صلى الله عليه وآله), وبه ستُختَمُ الإمامةُ فسيكونُ الإمامُ المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) الداعي إلى ربّها, فحريٌ بمن ولِدت على الفطرةِ عليه, أو اعتنقته بعدَ أنْ كانت دونه, أنْ تفتخرَ به، مع العملِ وفقَ ما جاءَ به من تعاليمَ سماوية. دينٌ سما بمبادئه, وتجدُّدِ علومه, والمساواةِ بين أبنائه, قائمٌ على الرحمة, مبنيٌّ على الحكمةِ والموعظة الحسنة, ذلك هو الدّينُ الإسلاميُ القيّمُ, قال (تعالى): {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَام}(٤). ٣/الافتخارُ بالمذهبِ وعقائده إنّ الانتماء إلى المذهبَ الذي هو الفرقةُ الناجيةُ كما نصَّ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) لهو أمرٌ يستدعي الافتخارَ، وشكرَ الله (تعالى) على هذه النعمة، وبالملازمةِ تكونُ منظومتُه الدينيةُ على صواب؛ من عقيدةٍ وفقهٍ وأخلاق. روي عن الإمامِ علي (عليه السلام) أنَّه قال: "قال رَسُولُ الله (صلَّى الله عليه و آله):" سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً، مِنْهَا فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ وَ الْبَاقُونَ هَالِكَةٌ، وَالنَّاجِيَةُ الَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِوَلَايَتِكُمْ وَيَقْتَبِسُونَ مِنْ عِلْمِكُمْ وَلَا يَعْمَلُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل"(٥). فالروايةُ تُصرّحُ بنجاةِ الفرقةِ التي تنهلُ عقيدتها من علومِ العترةِ المحمدية (عليهم السلام). وكفى بالمرأةِ فخرًا لو كانَ على مذهبِ وعقيدةِ الآل (عليهم السلام)، على أنْ تُقرِنَ ذلك بالعمل. ■ثانيًا: الافتخار المذموم ومصاديقه كثيرة، منها: ١/ الافتخارُ بالخلقةِ الحسنة إذا استلزم إهانة الآخرين. فكم من النسوةِ تفتخرُ على الأخرى بحُسنِها، فبدلَ أنْ تحمدَ الله (تعالى) على حُسنِ خلقتِها، وتقرأ الذكر المُستحب عند النظر في المرآة نجدُها تتفاخرُ على النساء اللواتي دونها جمالًا! بل وقد نجدُ بعضَهنّ يتفاخرنَ بجمالهنَّ الاصطناعي! فهذا التفاخرُ مذمومٌ أُختاه سواء أكان جمالكِ طبيعيًا أو صناعيًّا؛ لحديثٍ قدسيٍ حذّر الله (تعالى) فيه نبيّه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) قال فيه: "قلْ يا محمد لمن افتخر بالوجه الحسن{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُون}(٦). وهنا نقطةٌ واقعيةٌ مهمة لابُدَّ من الإشارةِ إليها أُختاه: رغم وجودِ بعضٍ من النسوة اللواتي يتفاخرنَ بجمالهنّ إلاّ أنكِ ربما تجدين من تتفاخرُ بجمالها حتى على الرجال الأجانب -والعياذ بالله- فتكون كالسلعةِ معروضةً للقاصي والداني، ومن هُنا جاء الحكم الشرعي بوجوبِ سترِ الوجه إنْ كانَ جمالُ المرأة جذابًا. ومما يؤسفُ ويجرُّ الويلات على أولئك اللواتي يتفاخرنَ بجمالهنَّ حتى على الرجال الأجانب، أنّ بعضهنَ لا يُبدينَ اهتمامًا بأنفسهنَ، واعتناءً بجمالهنَ داخل بيوتهنَ لأزواجِهنَ، الأمرُ الذي أدّى إلى طلاق البعض منهن! فتأملي أُختاه. ٢/ الافتخار بالمال والبنين قال (تعالى): {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون}(٧). ومما يؤسفُ له ذهولُ بعض النسوة وافتخارهنَّ بالمالِ والبنين، فنجدُ زوجةَ أو ابنة الغني تتفاخرُ على زوجةِ أو بنتِ الفقير! ومن لديها طفلان تتفاخر على من لديها طفلٌ واحد، وهاتانِ تفتخرانِ على من لا ذرية لها! وهذه الخصلة السيئة تعودُ على النساءِ بالسلب ليس فقط من بابِ أنّ التفاخر مذمومٌ، بل أيضًا من بابِ انشغالهنّ عن دورهنّ الأسمى؛ فالتي يكونُ همُّها تكثيرُ المال يموتُ قلبها، وتنشغلُ عن عبادةِ ربِّها، وقد تنتهكُ مبادئَها -إنْ لم تُحافظْ عليها محافظةَ القابض على جمرة-، فيكونُ افتخارُها بفقرِها أولى من افتخارِها بغناها المشوبِ بالتقصير بحقِّ الله (تعالى). والتي يكونُ همُّها تكثير الذرية قد تنشغلُ عن أداءِ وظائفها الزوجية، وبالتالي تُغضِبُ ربّها -إن لم تنظم وقتها-، فيكونُ افتخارُها برضى زوجها أولى من افتخارِها بكثرةِ ذريتها المشوبِ بالتقصير بحقِّ زوجها. ٣/الافتخار بالحسب والنسب وللأسفِ كم من النسوةِ من تفتخرُ بحسبِها ونسبِها، متجاهلةً أنّ الأنساب لا تشفعُ يومَ القسط إنْ لم تكنْ مقرونةً بعملٍ صالح؛ قال (تعالى): {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُون}(٨)، ومتجاهلةً أنّ الأفضلية عند الله (تعالى) هي التقوى والعمل الصالح؛ لقوله (تعالى): {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم}(٩). وكذا قوله (تعالى): { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون}(١٠). والأدهى من ذلك أنّ هناك من النساء من يتفاخرن على أزواجهن أيضًا بحسبهنّ ونسبهنّ! وكم استتبعَ ذلك العديد من المشاكلِ الزوجية أدّتْ بعضُها إلى الطلاق. فتأملّي أُختاه إلى سوء المآل... ٤/ الافتخار بالملبس والاختيال به. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) "من لبسَ ثوبًا فاختالَ فيه خسفَ اللهُ به من شفير جهنم، يتخلخلُ فيها مادامتِ السماوات والأرض"(١١). فكم من النسوةِ من تتفاخرُ بملبسها لاسيّما في مناسباتِ الأفراح والأحزان، وهذه خصلةٌ مذمومةٌ ينبغي تركها، فلا يُقاسُ الإنسانُ بلباسه؛ إذ كم من امرأةٍ ارتدتْ أفخرَ الثياب وهي بعيدةٌ كلّ البُعدِ عن الاتصاف بالصفاتِ اللائقة بالمؤمنة الشيعيّة قولًا وعملًا! ويدخلُ ضمن ذلك التفاخرُ بلبس الذهب. نعم أُختاه، لبسُ الثيابِ الجيّدة، والتحلّي بالحُلي هو أمرٌ مُستحسنٌ -شرطَ أنْ لا يكونَ فوقَ طاقةِ الزوج- لكن أنْ يكونَ اللبسُ بداعي التفاخر على النساء فهذا ما لا تحمدُ عُقباه. ٥/التفاخرُ بالأشخاص كمن تفتخرُ بزوجِها، أو صهرها، أو بفلانةٍ التي لها سُمعةٌ طيبةٌ بين النساء. فهذا أيضًا مدعاةٌ للتكبر على الأخريات. وقد لا يرتضي أولئك الأشخاص أنْ يُتفاخر بهم؛ إلاّ أنّ الصفةَ الغالبةَ على بعض النساء هي التفاخر أو ما يسمى عرفًا (بالتباهي)، فيجرينَ هذه الصفة على أنفسهنَّ دون إدراك عواقبها. وقد تكون بعضُ النسوةِ جاهلةً بعدم محبوبية التفاخر، أو بأنّ القِسمَ المذمومَ هو ما تُمارسه في سياقِ حياتِها، فمن الآن علِمتْ بقراءتِها لهذهِ الحروف التي تهدفُ إلى خدمتها، والوصول بها إلى الكمال الأخلاقي. ٦/التفاخرُ بالمشي وهذا ما لا يخفى على بعضِ النسوة قيامُ بعضِهن بذلك، فيتفاخرنَ بمشيهنَّ لا بقصدِ السكينة في المشي المطلوبة في شخصيّة المؤمنة، بل بداعي الخُيَلاء والتفاخر، وإلى هذه الخصلةِ السيئةِ أشارَ القرآنُ الكريم، بقول الله (تعالى): {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور}(١٢). _______________ (١) غرر الحكم: للشيخ الآمدي، ١٠٩٥٣. (٢) الكافي: للشيخ الكليني، ج٨، ح٣١٢. (٣) المناجاة المنظومة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام). (٤) آل عمران: ١٩. (٥) كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: للشيخ الخزاز القمي، ١٥٥. (٦) المؤمنون: ١٠٤. (٧) الشعراء: ٨٨. (٨) المؤمنون: ١٠١. (٩) الحجرات: ١٣. (١٠) النحل: ٩٧. (١١) الأمالي: للشيخ الصدوق، ٥١٤. (١٢) لقمان: ١٨. عبوديةٌ ثم ثباتٌ ثم نجاةٌ.. فهلاّ تفاخرتِ؟
المرأة بين الإسلام والغرببقلم: علوية الحسيني إنّ المُتأملة في بعضِ آياتِ الجهادِ كقوله (تعالى): {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين}(١)، تستظهرُ أنّ الخطابَ موجهٌ إلى المؤمنين من الرجال حصرًا؛ لكونِ سياقِ الآية الكريمة جاءَ بصيغةِ جمعِ المذكر السالم (جاهدوا). إلا أنَّ هذا الظهور ليس حجةً؛ إذ ليس هو مراد الله (تعالى)؛ فمراده هو مخاطبةُ الجنسين من الرجال والنساء، ووعده لهم بهدايتهم سُبُل الرضوان؛ فكما أنّ اللهَ (تعالى) كان قاصدًا مُخاطبة الجنسين بتكليفه إيّاهم بالصلاة، كما في قوله (تعالى): {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، فكذا آيةُ الجهاد فيه (تعالى)، وإلا لاختص فرضُ الصلاة بالرجالِ كما يُريد البعضُ أنْ يخصَّ مطلق الجهادَ بهم. نعم، للجهادُ في الله (تعالى) أقسامٌ، وبعضُها لا تُكلَّفُ المرأةُ به، ليس انتقاصًا من مقامِها؛ وإنّما لطبيعةِ خلقتِها، فلم يفرضِ الله (تعالى) عليها جهادَ القتال؛ لذا سيتمُّ بيانُ ما هو شاملٌ لها أو مختصٌ بها ضمن النقاط التالية: ١/ الجهادُ النفسي ويُسمّى بالجهادِ الأكبر، وأشارَ إليه الله (تعالى) في كتابه الكريم بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُون}(٢) فجهادُ المرأةِ لنفسِها بتزكيتِها وتهذيبِها ومنعِها عن اقترافِ الذنوب هو جهادٌ في سبيل الله (تعالى)؛ لأنّه (تعالى) يُريدُ بعبادِه الوصولَ إلى الكمال، وما يترتبُ على جهادِ النفس فهو كمال، إذًا الله (تعالى) يُريدهُ من المرأة كأمَةٍ له. وما الجهادُ النفسي إلاّ فأسًا يُهدِّمُ مملكةَ الأنا والتغطرس، وجميع الرذائل الأخلاقية، حتى يُصبِحَ القلبُ ساحةً خاليةً لا تعلّقَ فيهِ إلا بالله تعالى خالقه، عندها ستعيشُ المرأةُ حالةَ انخلاعٍ واندلاع؛ انخلاع عن كلِّ ما يُغضِبُ الله الواحد الأحد، واندلاع لروحٍ تسمو إلى التحليقِ في سماءِ الفضيلةِ والرضوان. وإنّ ما يُعينُ على مُجاهدةِ النفسِ بعد المحاسبةِ والمراقبةِ هو البكاء، وهو السلاحُ الصارمُ الذي أشارتْ إليه الأدعيةُ؛ جاء في دعاء كميل: "وسلاحه البكاء". والمرأةُ تمتلكُ هذا السلاحَ أكثر من الرجل؛ فهي التي ينكسرُ قلبُها بسرعةٍ بالبكاءِ والتضرُّعِ لله (تعالى) ولذا قيل "إنّ المرأةَ أسرعُ من الرجلِ وصولًا للكمالِ في السيرِ والسلوكِ لله (تعالى)"(٣)، ومن ثمَّ يكونُ جهادُها النفسي أثمرَ من جهادِ الرجلِ لنفسه. ويدخلُ ضمن الجهادِ النفسي الصبرُ على البلايا والرزايا، والتسليمُ لأمرِ الله (تعالى)، ولنا في السيّدتين الزهراء والحوراء زينب (عليهما السلام) أسوةٌ حسنة؛ فالأولى قد جاهدت جهادًا نفسيًا طوالَ حياتِها المباركة، وتجلَّى ذلك في صبرها على انقلابِ من زعموا أنّهم صحابةُ أبيها، وعلى ما اقترفوه بحقِّها وبحقِّ بعلها من شنيع جرمٍ، وهتكِ مقامٍ. وأمّا الثانيةُ فتعلّمت من أمِّها الجهادَ النفسي؛ حتى صبرت ولم تجزعْ قطّ منذُ استشهاد أمها، مرورًا بغصبِ حقِّ أبيها، وقتل أخويها، وسبيها... ٢/الجهاد بالمال قال (تعالى): {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُون}(٤). أيضًا يجبُ على المرأةِ أنْ تجاهدَ بمالِها بدفعِ الحقوقِ الشرعيّة المالية المُترتبةِ في ذمتِها من كفاراتِ تأخير صومٍ، أو إفطارٍ متعمّدٍ، أو حنثِ يمينٍ أو عهدٍ، أو خمسٍ، أو ديّةٍ، أو ردّ مظالم، فأداءُ تلك الحقوق هو جهادٌ من المرأةِ بمالِها. وفي غير ما فَرَضَتْه الشريعة لا يجبُ عليها الجهادُ المالي، لكنّه يدخلُ ضمنَ باب الاستحباب كمساعدة الفقراء والمعاقين والمحتاجين، وذلك قدر الإمكان وحال الاستطاعة المالية، كتزويج مؤمنٍ، أو صرف علاجٍ لمريضٍ، أو إقراض مؤمنٍ لبناءِ بيتٍ أو لسفرِ عبادة. فالسيّدةُ خديجةُ جاهدتْ بمالِها حينما ساهمتْ بالتجارة مع بعلِها نبيّ الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا مصداقٌ من مصاديق جهادِ المرأة بمالِها. ٣/الجهادُ الفكري لعلَّ الآيةُ الكريمة التالية تُشيرُ إلى بعضِ هذا الجهاد، وهي قوله (تعالى): {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم}(٥) فعادة ما يُجاهدُ المرءُ بفكره وهو في بلدٍ غير بلده، لاسيما البلدان المخالفة بالدّين أو المذهب لبلدِه، وحتمًا المرأةُ مشمولةٌ بهذا الجهاد، فكمْ من امرأةٍ انحرفَ فكرُها عن مبادئ دينِها ومذهبِها منذُ أولِ يومِ هجرةٍ لها لأماكنَ تعتقدُ بخلافِ اعتقادها دينًا ومذهبًا، بل حتى التي لا تعتقد بدين. فهنا إنْ ضَعُفَ دينُ المرأةِ أو دينُ ذويها، أو كلاهما وجبَ عليها أنْ تُجاهدَ جهادًا فكريًا إنْ كانت مؤهلةً لهذا الجهاد؛ إذ أنّه يتطلبُ عقيدةً راسخةً، ومكنةً على ردِّ الشبهات التي تُثارُ في تلك الأماكن، فلابُدَّ للمرأةِ أنْ تجاهدَ جهادًا فكريًا؛ بمحاربةِ البدعِ، والانحرافات، والتيه، والضلالات، وتكون نبراسًا لنفسها ولغيرها. فإن لم تستطعْ حرمُ عليها المكوثُ في تلك الأماكن؛ حيثُ إنّ هكذا النوع من الهجرة يُعَدُّ "من أعظمِ المعاصي، وتُسمّى (التَعرُّب بعد الهجرة)، والمقصود به الانتقالُ إلى بلدٍ ينتقص فيه الدّين أي يضعُف فيه إيمان المسلم بالعقائدِ الحقّة أو لا يستطيع أنْ يؤديَ فيه ما وجبَ عليه في الشريعةِ المقدسةِ أو يجتنبُ ما حرَّم عليه فيها"(٦) وأحيانًا يتطلبُ الموقفُ جهادًا فكريًا من المرأةِ وإنْ لم تكن مهاجرةً، وهي في بلدها، بل وفي قعرِ بيتِها، فبعدَ الانفتاح التكنلوجي باتتْ الشبهات الفكرية التي تحاولُ النيلَ من عقيدتِنا تغزو أفكارَ البعض، فهُنا لابُدَّ من تثقيفِ نفسِها ثقافةً عقائديةً رصينةً؛ كي تُنَجّي نفسها وذويها من الانحرافات، وتدافعُ عن دينِها ومذهبِها بدحضِ الشبهات، مستعينةً متقرّبةً لربّ السماوات. وإنِ استصعبَ عليها التعلُّم وجبَ عليها طرقُ بابِ أهلِ العلمِ من ذواتِ أو ذوي الاختصاص؛ لتحصلَ منهم على جوابٍ لكلِّ شبهةٍ تُثارُ أو سؤالٍ يُطرح، فما إعمالُ فكرها واستصعابه الجواب وعجزِها عنه إلاّ جهادًا فكريًا تؤجرُ عليه إنْ شاء الله (تعالى) ولهذا أكّد الإسلامُ على ضرورةِ طلبِ العلم؛ لأنّه نجاةٌ وحياةٌ، فيا أُختاه تسلّحي بالعلمِ وأعدِّي للعدوّ ما استطعتِ من قوّةٍ علميّة، تُحافظينَ بها على مُعتقدِكِ، وتُدافعين عنه، وتُنجين أقرانكِ من الجحيم الفكري المنحرف. ٤/ الجهادُ الأُسري وهو على مراتب: أ) حسن التَبَعُّل رويَ عن رسولِ الله محمد (صلى الله عليه وآله): "جهادُ المرأةِ حُسنُ التبعل لزوجها"(٧)، ومن مصاديق حُسنِ التبعّل خدمةُ الزوجِ وكلُّ ما يُرضيه ويصبُّ في مصلحةِ بيته. ولاشكَّ أنّ المرأةَ التي أحسنَتْ التبعّلَ هي كالمجاهدةِ في سبيلِ اللهِ (تعالى) في معامعِ الوغى؛ حيثُ إنّ مجرّدَ الإحسانِ والتودُّدِ للزوج، والخضوعِ لأوامره كقيّمٍ عليها هو نوعٌ من الجهادِ الذي يطمسُ روحَ العنادِ والتكبّر والتمرّد على أوامر زوجِها، فضلًا عن أدائها للأعمال المنزلية التي تعودُ نفعًا على الزوج لهو جهادٌ بدني، وفي جميع الأحوال مثوبتُها عندَ الله (تعالى) عظيمةٌ إنْ أحسنَتْ ذلك. روي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنّها أتتِ النبي (صلى الله عليه وآله) تسألُه عن جهادِ النساء، فقال لها: "إنّ حُسنَ تبعل إحداكنّ لزوجها، وطلبِها مرضاته، واتِّباعها موافقته يعدلُ ذلك كلّه[إشارةً إلى ما امتدحَت هي به النساء]"(٨) ب) الصبرُ على أذى الزوج قد تواجهُ المرأةُ المؤمنةُ من زوجها أذىً لأسبابٍ عديدة، ويصعبُ وضعَ حلٍ له، لذا فإنّ الإسلامَ قد وضعَ لها حلًا يُجدي نفعًا ومثوبةً، ويُعطيها منزلةً كمنزلة المجاهد في سبيل الله (تعالى)؛ حيثُ روي عن الإمام علي (عليه السلام): "جهادُ المرأةِ أنْ تصبرَ على ما ترى من أذى زوجِها وعشرتِه"(٩) وهُنا لاحظَ الإسلامُ ضرورةَ المحافظةِ على استمرارِ رابطةِ الزوجية، وأنْ يؤدي كلٌّ منهما التزاماته ويتمسكُ بحقوقه، وباقي تفاصيل ذلك موكولٌ للحكم الشرعي في الرسالةِ العملية لمن تقلّده الزوجة من المراجع. وما يهمُنا هنا هو تسليطُ الضوء على إعطاء الصابرة على أذى زوجها صفة المجاهِدة. ج) الموتُ أثناءَ الطَلَق والولادة وما بعد الزواج تعتري المرأةُ حالاتِ حملٍ ثم طَلَقٍ ثم ولادة، قد أثابها الإسلام عليها، وأعطاها منزلةَ المجاهِدة أيضًا في حالِ موتِها أثناء تلك الحالات؛ حيثُ رويَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) "...فقالت حوّاء: أسألكَ يا ربِّ أنْ تعطيني كما أعطيت آدم، فقال الله (تعالى): ... يا حوّا أيُّما امرأةٍ ماتتْ في ولادتِها حشرتُها مع الشهداء. يا حوا أيُّما امرأةٍ أخذها الطلقُ إلا كُتِبَ لها أجرُ شهيدٍ، فإن سلمت وولدت غفرتُ لها ذنوبَها ولو كانت مثل زَبَد البحر ورمل البر وورق الشجر، وإنْ مات[ت] صارتْ شهيدةً وحضرتها الملائكةُ عند قبضِ روحِها وبشّروها بالجنة وتُزّفُّ إلى بعلِها في الآخرة وتُفضّل على حور العين بسبعين[درجة أو حسنة]. فقالت حوّا : حسبيَ ما أعطيتَ"(١٠) ■والخلاصة: إنّ جميعَ أقسامِ ومراتبِ الجهاد مردُّه إلى الجهادِ الفكري بالمعنى الأخص؛ أيّ بالعلمِ بماهية كلِّ قسمٍ وبفضيلته، فعندئذٍ تستطيعين أُختاه اختيار ميدانكِ الجهادي، بالسلاح المناسب لنوع العدوّ. •فإن كانَ عدوَكِ شيطانًا فساحةُ جهادكِ النفس، وسلاحُكِ التخلُّق بأخلاق الله (تعالى) وأوليائه. •وإنْ كان عدوّكِ حبسَ حقٍّ مالي شرعي فساحةُ جهادكِ الواقعُ، وسلاحُكِ أداءُ ذلك الحقِّ. •وإنْ كان عدوّكِ هو الشبهات فساحةُ جهادِكِ الكتابةُ، وسلاحُكِ القلم. •وإنْ كان عدوّكِ هو أذى الزوج أو أذى الطلق والولادة فساحةُ جهادكِ البيت، وسلاحُكِ الصبر. ولا تنسي أُختاه أنّ مطلقَ جهادِ المرأةِ هو نوعٌ من التمهيد لدولةِ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؛ إذ يعني ذلك تهيئة كُمّلٍ من النسوة ليحظينَ بنصرتِه، والعيشِ في دولتِه الكريمة. ___________________ (1) العنكبوت: ٦٩. (2) الحجرات: ١٥. (3) المرأة في العرفان: للشيخ جوادي آملي، ص (4) الحجرات: ١٥. (5) البقرة:٢١٩. (6) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني دام ظله، ج١، م٣٠، ص١٣. (7) فروع الكافي: للشيخ الكليني، ج٥، باب جهاد المرأة والرجل، ح١. (8) ميزان الحكمة: للريشهري، ج٩، ص٩٦-٩٧. (9) فروع الكافي: للشيخ الكليني، ح٥، باب جهاد المرأة والرجل، ح١. (10) مستدرك الوسائل: للميرزا حسين النوري الطبرسي، ج١٥، ص٢١٤. علمٌ ثم إعدادٌ ثم قوةٌ ثم جهاد.. فهلاّ جاهَدتِ؟
المرأة بين الإسلام والغربالكاتبة: حوراء الساعدي لِمَ أصبحتِ نسخةً مِنهُن؟ لِمَ تخليتِ عن زهرائيتكِ ... عَن ذاتكِ ... لِمَ أصبحتِ نسخةً غربيةً لا شرقية ولا مسلمةً زينبية؟ قد قالوا لي: إنَّكِ تخليتِ عن العباءة وتزينتِ، وتخليتِ عنِ الحجاب وتعرّيتِ! وآثرتِ بذلك فضول بعضهم وجَذَبتِ! كُنتِ خيرَ عالمةٍ ومُعلمة ... والآن أصبحتِ في غروركِ وجمالكِ واهمة... أنا لا أنكر أنَّ بعض الرجال يرغبون بالمرأة المُثيرة، ويتنكرون للمرأة غير المُثيرة ولو كانت عالمة! بعض الرجال اليوم، تلفت نظرهم المرأة المُثيرة وبمرأى من نسائهم! فلم تصمدي إزاء ذلك، وحاولتِ كسب انتباهه بتقليد تلك المُثيرة... بنفس اللبس! بنفس السفور! بنفس الأفعال والحركات! وكأنَّكِ تقولين بغرور: إنَّي بارعةٌ في أن أصبحَ مثل تلك المُثيرة... ولكن هل تذكرتِ حينها خِدر السيدة فاطمة عليها السلام؟ عودي كما كنتِ... تلك الجليلة التي إذا ما مرَّت بزحمةِ رجالٍ فرجوا الطريق أمامها بكلِّ أدبٍ واحترام... عودي كما كنتِ... تلك الكريمة التي إذا ما سُئل عنها ذُكِرتْ بفخرٍ واعتزاز... عودي صاحبةَ السواد. عودي غاضّةَ البصر... شامخةَ الهامة... زينبيةً فاطميةً... كوني أنتِ ... كما أرادكِ الله تعالى... لا هذهِ ولا تلك ... أنتِ، وأنتِ فقط... ولتعلمي يا أميرتي أنَّه مَن أحَبَّ فِي اللهِ تعالى وأبغَضَ فِي اللهِ تعالى، وأعطى فِي اللهِ تعالى ومَنَعَ فِي اللهِ تعالى فَهُوَ مِن أصفِياءِ الله تعالى... فكيف ينسى الله (تعالى) من صمدَ لأجله له ولم يذهب لغيره؟!
المرأة بين الإسلام والغرببقلم: علوية الحسيني إنّ دائرة نصرة العترة (عليهم السلام) واسعة تشمل الرجل والمرأة؛ لإطلاق الأدلة، فضلاً عن وجوب نصرتهم عليها، وعليه سيتم تناول الموضوع ضمن المطالب التالية: ■المطلب الأول: سبب حث الأئمة (عليهم السلام) على النصرة إنّ السبب من وراء ذلك عقائدي بحت؛ حيث يكمن في بيان الإخلاص، وعمق الإيمان بأصول الدّين، صعودًا إلى الإيمان بما قاله النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا هو أصل النبوة، ثم بما شاء الله تعالى لهم من منزلة عظيمة، وهذا هو التوحيد، وبعدله سبحانه وهذا هو العدل الإلهي، حيث كانوا (عليهم السلام) هم ثاني من نطق بالربوبية بعد نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) في عالم الذر حينما سألهم الله تعالى (مَن ربّكم)؟ ونزولاً إلى الإيمان بمصير من ينصرهم (عليهم السلام)، وهذا هو المعاد، وحيث إنّ نصرتهم توجب الجنة. فمن خلالهم وصلتنا معرفة عن المعاد بصورة عامة –جنة أو نار-؛ إذ هم الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبالتالي نصرة الأئمة تشكّل حلقة ربطٍ بين اصول الدّين جميعها، السابقة لأصل الإمامة، وهي التوحيد والعدل الإلهي والنبوة، واللاحقة له، وهي المعاد، ومن بابٍ أولى تظهر لا بدية الإيمان بأصل الإمامة إذ إنّ نصرة أي إمام تكون فرع الإيمان به. إذًا النصرة تسبقها مرحلة مهمة وهي الإيمان، "والايمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالجوارح"(1). فلا يكفي قولكِ: (إنّي مؤمنة بالأئمة وأناصرهم)، ولا يكفي اعتقادكِ القلبي بنصرتهم، بل لابد من أن تقرني مع ذلك عملًا بالجوارح، والنصرة من الأعمال الجوارحية. والنصرة تتجلى في كلّ شيء يرضي الله تعالى. ولهذا كانوا يحثون على أن يكون شيعتهم زينًا وليس شينا، والزين هو في رضا الله تعالى. ■المطلب الثاني: مصاديق النصرة إنّ النصرة قد تكون جوارحية، وقد تكون جوانجية بلحاظٍ، وبلحاظٍ آخر قد تكون قولية وقد تكون فعلية، وعلى ذلك تتعدد مصاديق النصرة: أولاً/ من الأمثلة عن النصرة بالجوارح: •تستطيعين أختاه بيدكِ مناصرة الأئمة (عليهم السلام) بكتابة كتابٍ، أو ورقةٍ، تبين أفضالهم، وتذكر بمقامهم، أو من خلال النشر، أو بإتقان عملكِ البيتي او الوظيفي. •وتستطيعين مناصرتهم بقدمكِ بذهابكِ إلى أماكن لا يغضب الله تعالى لو وجدكِ فيها، فبامتناعكِ من الذهاب إلى بعض المناسبات التي تكون محفوفة بالغناء والموسيقى، هذه نصرة للأئمة؛ لأنّهم لا على هذا أدبوا شيعتهم، بل كان تأديبهم وتربيتهم لنا على كلّ طاعةٍ لله تعالى، لا على سخطه. •وتستطيعين مناصرتهم بسمعكِ، من خلال إيقاف سمعكِ على الكلام النافع لكِ، والابتعاد عن اللغو والزور والغيبة والنميمة والبهتان. •وتستطيعين مناصرتهم ببصركِ، من خلال ايقاف بصركِ على الحلال، والابتعاد عن فضول النظر فضلاً عن النظر إلى الحرام. فهذه الأعمال الجوارحية لو اقترنت بالإقرار اللساني بالإيمان بالأئمة، والاعتقاد القلبي، لشكلت لنا نصرة حقيقية خالصة لهم (عليهم السلام). ثانيًا/ من الأمثلة على النصرة القولية كأن تنصر الأئمة بقول الحق، بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر –مع توفر الشروط-، أو تنتصر لمغتابٍ اغتيب في حضرتها. ثالثًا/ من الأمثلة على النصرة الفعلية كأن تحسن البر بوالديها، وتحسن تبعل زوجها، وتربية أبنائها، وتحافظ على حشمتها وحجابها وعفتها، وتتصف بكل الصفات الأخلاقية الحسنة. حيث أنّ جميع ذلك مطلوبٌ منها كموالية لهم، لتعدّ الأجيال التي تتربى على التضحية والفداء من أجل عترة سيّد الأصفياء (عليهم السلام). رابعًا/ لحاظات أخرى للنصرة: فبمالكِ أختاه تستطيعين النصرة، من خلال أداء الحقوق المالية المترتبة في ذمتك كالخمس، والكفارات، وغيرها من دفع الصدقة، ومساعدة المرضى والمحتاجين، أو العمل على تزويج مؤمن، أو كفالة يتيم، فهذه نصرة مالية، وهي ما يرتضيه الأئمة (عليهم السلام)، حيث روي عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى اطلع على أهل الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا". وعلى ذلك تكون مناصرتكِ آصرة بينكِ وبين ساداتكِ. ■المطلب الثالث: خطورة عدم النصرة يا أختاه! إنّ المرأة التي لا تعيش هم النصرة فهي مخذولة في الدنيا والآخرة؛ والخذلان فرع عدم طاعتهم (عليهم السلام)، وهذا خطر كبير أشارت له الزيارة الجامعة الكبيرة: "من أتاكم نجا، ومن لم يأتكم هلك"، فإن أتيتِ إليهم تمسكتِ بنهجهم ووصاياهم، التي هي أوامر الله تعالى، فأنت ناجية فالحة كما يقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون}(2)، والآيات التي تليها كفيلة ببيان صفات المؤمنين. فالمؤمنة المتبعة لأوامر ربّها، ناجية، مناصرة لأئمتها (عليهم السلا). وإذا لم تتمسكي بنهجهم ووصاياهم (عليهم السلام) فقد خسرتِ خسرانًا مبينًا. ونظير هذا ما ورد في قول نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله): "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي [ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا] ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض". فمن لم تتمسك بكل من القرآن الكريم، والعترة المحمدية فإنّ الضلال مصيرها؛ بلحاظ أنّهم (عليهم السلام) المفسرون للقرآن، الناقلون لتشريع الرحمن، الهادون نحو الجنان. ولهذا اختاه تجدين أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) يعلّمنا أدب طلب نصرة الدّين بدعائه: "اللهمّ اجعلني ممّن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري"، وكأنّه يعلمنا المنافسة في هذا العمل حينما يقول: ولا تستبدل بي غيري، وهذا يدل على عظمة النصرة وخطورة الخذلان، ولستِ بعيدة عن الخطاب الدعائي هذا. ■المطلب الرابع: كيفية استعداد المرأة للنصرة أما كيفية الاستعداد فتكمن من خلال العلم والعمل الصالح، فمن تعلم ثم تعمل بما علمته نجت وناصرت، ومن علمت ولم تعمل هلكت، ومن عملت بلا علم تهافتت وسقطت. وقد حثّ أهل البيت (عليهم السلام) على هذه الثنائية، حيث روي عن الإمام عليّ (عليه السلام): "شيعتي والله الحلماء، العلماء بالله ودينه، العاملون بطاعته وأمره"(4). وخير مثالٍ على هذا السلوك ما قالته السيّدة زينب (عليها السلام)؛ حينما قالت: "إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى"، فقد أقرنت العلم بالعمل حتى وصلت إلى هذا المقام السامي الذي لا تناله إلاّ ذات حظٍ عظيم، فآمنت علمًا، وسلّمت عملاً. وكفاكِ فخرًا بالاقتداء، بالسيّدة الحوراء (عليها السلام)، وإلاّ لكنتِ محل سطوة تلك الخطورة. وإنّ أول استعدادٍ للنصرة هو تزكية النفس، وتهذيبها، وترويضها المنطلق من علمٍ سليم؛ لأنّ كل عمل لابد أن يسبق بمرحلة نفسية ثم تعمله الجوارح. والمرأة مخلوق أودع الله تعالى فيها هذه الروح، وأوجب عليها نصرة ائمتها (عليهم السلام) قلبيًا وجوارحيًا؛ فتعمل على تهذيب نفسها. وقبل ذلك كلّه لابد من أن يكون لها علم -كما أشرتُ أعلاه- لتنطلق منه وتعمل به، وتناصر. ومن هنا تتضح أهمية العلم للمرأة؛ فعليكِ أختاه بتنظيم وقتكِ، وتخصيص مقدار منه للعلم النافع، المشعر بالرحمة الإلهية، المعين على النصرة الولائية. ■المطلب الخامس: النصرة الخاتمية ولا يخفى عليكِ أيّتها المؤمنة أنّ نصرة الأئمة (عليهم السلام) نوعٌ من أنواع التمهيد لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، والنصرة سواء أكانت في زمن الغيبة أو في زمن الظهور، مكنونة في نفس كلّ موالية، فهي (مناصرة بالقوّة) كما يقال في علم المنطق؛ أي ممكن أن تصبح مستقبلاً مناصرة لمواليها (عليهم السلام)، وهذا المستقبل سواء أكان زمن الغيبة أو الظهور. بدليل ما نقرأه في زيارة أمين الله: "ونصرتي لكم معدّة"، ويكفي مجرد العزم على نصرته (عجّل الله فرجه الشريف) بخلوصٍ وصدقٍ وعزم، روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "القائل منكم: إن أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه له شهادتان"(5). ويلي وجوب النصرة التمهيدية النصرة في زمن الإمام (عجّل الله فرجه الشريف). فما أسعدكِ لو أمركِ الإمام لدعوة الناس إلى دين الله تعالى! وهل تتوقعين اختاه أنّه يختار لتلك المهمة امرأة لا علم لها؟ حتمًا لا؛ إذ أنّه سيختار ذوات العلم، اللواتي قرنَّ العلم بالعمل وناصرنَ أنفسهنَّ بالتغلب على الهوى والغرور والأنا والصفات الرذيلة، ثم ناصرنَ في بيوتهنّ بجهادهنَ المعروف الذي أشرنا إليه أعلاه. إذًا يجب على النسوة معرفة أهمية مقامهنّ في زمن الغيبة وزمن الظهور، ولهذا يؤكد العلماء المختصون بالقضية المهدوية على التوجيهات التالية بشأن نصرة المرأة لإمام زمانها: "ليس للمرأة بما هي امرأة خطاب خاص في عصر الغيبة، بل الخطاب موجه للمؤمنين عموماً وهي مِن بينهم، فبالنتيجة المرأة في عصر الغيبة مكلّفة بالتكاليف الموجهة للمؤمنين. وفيما يخص تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة: أولاً: الالتزام بالأحكام الشرعيّة. ثانياً: طاعة الفقهاء العدول الواجدين لشرائط التقليد. ثالثاً: الدفاع عن مصالح المؤمنين-مصالح الشيعة-. رابعاً: نشر فكر أهل البيت عليهم السلام بمختلف الوسائل من الخطابة والتأليف والشعر والنثر وعقد المجالس وإحياء المناسبات. خامساً: انتظار فرج مولانا صاحب الزمان عليه السلام والدعاء له. سادساً: التفقّه في الدين"(6) فما عليكِ أختاه إلاّ العلم، والعمل، والإخلاص، لتدوم الآصرة بينكِ وبين مواليكِ؛ لإنتاج نصرةٍ تليق بمقامهم (عليهم السلام)، نظير الآصرة الكيميائية بين الذرات التي تنتج مركبًا. .......................................... (1) مما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمالي الطوسي: للشيخ الطوسي، ج1، ص 379. (2) المؤمنون: 1. (3) الغاشية: 23-24. (4) المصدر سابق، ص576. (5) فروع الكافي، ج8، ص81. (6) مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). اللهم اجعلنا ممن تنتصر بهنَّ لدينك، وتعز بهنَّ نصر وليك، ولا تستبدل بنا غيرنا، فإنّ استبدالك بنا غيرنا عليك يسير، وهو علينا كبير، إنّك على كل شيء قدير.
المرأة بين الإسلام والغرببقلم: علوية الحسيني (شاوروهنَّ وخالفوهنَّ) ■تمهيد: تواجه بعض النسوة العديد من التصرفات التي تهبّط معنوياتها، ومن ذلك أنه استند البعض على أقوالٍ يدّعى أنّها منسوبة للأئمة (عليهم السلام) ومن ذلك أنه قيل إنه روي عن لأمير المؤمنين(عليه السلام) "شاوروهن وخالفوهن"، وتفاوت الفهم لهذا الحديث؛ فما بين من فهم منهم أن لا رأي للنساء بتاتًا، وبين من فهموا منه أنّه يدل على تقليل شأن المرأة فيطلب مشورتها ثم يضرب بتلك المشورة عرض الجدار؛ ويستظهر وجوب مخالفة ما أشارت عليه المرأة. وربما غاب على المتكلم أنّ الله (سبحانه وتعالى) لم يجعل فارقًا في أصل كلّ خير بين الرجل والمرأة، كالمساواة في الثواب في الأعمال الصالحة، بقوله سبحانه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ} (١). والمشورة خير كما هو واضح. والذي يظهر من الحديث هو التقييد بزمنٍ معيّن، كزمن الأمر بالجهاد، أو واقعة الحرب، أو حالاتٍ معينة يشوب آراء المرأة الخلل دومًا؛ إما لمرض، أو سذاجة، أو قد تكون سليمة إلاّ انها في زمن الحرب تعارض رأي زوجها أو أبيها أو أخيها في ذهابه ومشاركته في الحرب، فهنا مخالفة رأيها هو عين الصواب. وسيتم تسليط الضوء على حق المرأة بالمشورة ضمن المطالب التالية: ■المطلب الاول: هل يعقل أنّ الإسلام استهان بالمرأة؟ إن من يزعم ذلك هو بعيد كل البعد عن الإسلام، إذ هو الدّين الوحيد الذي أولى المرأة حقوقًا واحترامًا؛ وإلا فإن بعض الأديان حرّمت على المرأة التعلم، والجاهلية وأدت بناتها، وهذا غير خافٍ على أحد. وقد اعتبرت المرأة في الديانتين النصرانية واليهودية مصدر الإِثم ومرجعه فيهما حسب بعض الباحثين. أما الإسلام، فإنه قد أولى المرأة منزلةً عظيمة، فجعل سن مخاطبتها بالأحكام الإلهية –التكاليف- أسبق من زمن مخاطبة الرجل، كما هو معروفٌ في الحكم الشرعي، ويكفي ذلك لها احترامًا وتوقيرا. ■المطلب الثاني: هل أنّ القرآن الكريم نهى عن مشورة المرأة؟ إنّ المتأمل في ظواهر وبواطن الآيات الكريمة لم يجد نهيًا عن الأخذ بمشورة النساء، سواء أخذ المستشير برأيهن أم لم يأخذ. بــل أنّ القرآن الكريم قد وضع الحجر الأساس في اعطاء حق المشورة للرجل والمرأة معًا؛ بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون} (٢). فالآية الكريمة في معرض مدح المؤمنين الذين: ١- استجابوا لنداء ربّهم بالامتثال لأوامره واجتناب نواهيه. ٢- أقاموا الصلاة. ٣- اعتمدوا الشورى بينهم. ٤- أنفقوا مما رزقهم الله تعالى. والآية تخلو من قرينة تدل على خطاب الرجل دون المرأة، فتأملوا. إذًا كما أنّ الاستجابة لأوامر الله تعالى، وإقامة الصلاة، والإنفاق في سبيله، أمرٌ مكلّف به الرجل والمرأة على حدٍ سواء، كذلك أمر الشورى فهو مشترك بينهما أيضاً. وجاء في تفسير الآية محل شاهدنا: "وقوله: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ قال الراغب: والتشاور والمشاورة والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض... والشورى الأمر الذي يتشاور فيه... . فالمعنى: الأمر الذي يعزمون عليه شورى بينهم يتشاورون فيه، ويظهر من بعضهم أنه مصدر، والمعنى: وشأنهم المشاورة بينهم. وكيف كان ففيه إشارة إلى أنهم أهل الرشد وإصابة الواقع يمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول فالآية قريبة المعنى من قول الله تعالى: ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾" (٣). إذًا الشورى بصورة عامة لها تأصيل جذري في القرآن الكريم. وكذلك هناك بعض الآيات الكريمة جعلت المشورة حقًا مشتركًا، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِما} (٤). فالآية تتكلم عن جواز امتناع المرأة عن ارضاع وليدها، وهذا يخضع للتراضي والتشاور فيما بينها وبين أب الطفل. نعم، هناك آياتٌ اخرى قد يظهر منها مشورة الرجال، من قبيل المشورة في شؤون الجهاد والحرب، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين} (٥). وهذه الآية -وبعد الرجوع إلى بعض تفاسيرها- متعلقة بشؤون الحرب، حيث جاء الأمر الإلهي للنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) بمشورة أصحابه، كما شاورهم في معركة بدر وأُحد (٦). وليس فيها طعن بمقام المرأة، أو عيب تعاب به إذا لم تشملها الآية الكريمة أعلاه بوجوب أخذ مشورتها؛ إذ إن الجهاد والحرب ليس من وظيفتها حتى تعطي مشورتها في هكذا أمور، ولهذا اقتصرت الآية على الرجال ظاهرًا. ولا أعلم لِمَ يجعلون القرآن الكريم عِضين [قسمين] يأخذون بعضه ويتركون بعضه الآخر؟! فهنالك آياتٌ بينات، بحق مشورة المرأة صادحات، ولسداد رأيها مشيرات، منها قوله (تعالى): ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} (٧). هنا القرآن الكريم يؤكد على قيمة رأي المرأة، وأصوبيته، وأهميته، ويكشف أنّ نبيًا من أنبياء الله تعالى قد أخذ برأيها ونفّذه، ويكشف لنا أنّ رأيها أظهر لنا مواهب النبي موسى (عليه السلام) وجعله قويًا، وأنمى عوده، بل كثير من البركات التي عمّت على موسى وشعيب وأهلهما من بركات رأي هذه المرأة الصالحة. ■المطلب الثالث: هل لنا في التاريخ نسوة محل مشورة؟ في تأريخنا الاسلامي نجد أنّ الاعتماد على رأي المرأة أمرٌ واضحٌ جدًا، كالسيدة خديجة (عليها السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله)، والسيدة الزهراء مع أمير المؤمنين (عليهما السلام)، والسيدة الحوراء مع الحسنين (عليهم السلام)، والسيدة معصومة مع الرضا (عليهما السلام)، والسيدة طوعة مع مسلم (عليه السلام). كل هذه النماذج المباركة لو غُصنا في تفاصيل حياتهن لوجدنا أنّ لهنَّ بصمة في مسار الإسلام، وليس في مساراتٍ شخصيةٍ منزليةٍ فقط. ■المطلب الرابع: المجتمع اليوم بحاجة إلى مشورة المرأة. وفق الاستقراء الناقص وجدنا أنّ المجتمع باختلاف عاداته وتقاليده لا يخلو من مشاورة النساء؛ بلحاظ أنّهنّ نصف المجتمع. وحينما نشير إلى أهمية رأي المرأة في ما تحسن المشورة فيه لا يعني الجزم بصحة ما تبديه، فالمرأة ليست مخلوقًا معصومًا، وكذا الرجل ليس معصومًا، وكلا رأييهما قابل للتخطئة، فالمسألة نسبية إذًا. أنّ رأي المرأة كثيرًا ما يكون خيرًا وبركة حتى في مسائل الإدارة والتدبير إن كانت رشيدة، قد أسست أساسًا رصينًا، له دخالة بصحة ودقة كلامها ولو إجمالاً. والغريب، أنّ بعض الرجال لا يرتقون إلى نسائهم من الناحية الفكريّة والعلميّة، ثم يقولون: "أن لا رأي لهن" ! أو "أنهن لا يحسنَّ شيئاً من الحياة"! وقد عرفنا بطلان هذه العبارة. كما لا تؤيدها الكثير من الشواهد التي تؤكد على دور المرأة، وأهميتها في بناء المجتمع، وإلاّ كيف يركز الاسلام على دور المرأة ويحثها على بناء ذاتها؟! كيف تُهمل تلك الشواهد حتى يقال: "لا رأي لهنَّ ولا قيمة لمشورتهن"؟!. وأخيرًا أقول: ▪️ أيّـها الزوج: اهتم ببناء زوجتك الفكري والأخلاقي والعلمي، وكن لها سندًا وعونًا، ولا تقف بطريقها لمصالحك الخاصّة. ▪️ أيّــها الأب: كما تغذيها بالرعاية المادية اهتم برعايتها معنويًا، وابدأ معها مبكرًا في التعليم، وضع لها جدولاً وبرنامجًا تطويريًا؛ لتكون زوجة واعية راشدة مستقبلاً. ▪️ أيّــتها الأُم: كوني كالزهراء (عليها السلام) التي كانت مرآةً لانعكاس دور الأم الرشيد، صاحبة الرأي السديد، لابنتها الحوراء (عليها السلام). ▪️ أيّــتها الأخت: طوري ذاتك، واهتمي ببناء افكاركِ واخلاقياتكِ، ولا تتعذري بعدم وجود المساعد، انهضي والله معكِ، وضعي حدًا للتقصير في بناء الذات؛ لتكوني من عمّال الله تعالى في أرضه، فعّالة، لكِ كلمة فبيتكِ ومجتمعك. والطريق الذي لا عقبات فيه لا عواقب نافعة فيه. __________________ (١) آل عمران: ١٩٥. (٢) الشورى: ٣٨. (٣) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، تفسير سورة الشورى. (٤) البقرة: ١٣٣. (٥) آل عمران: ١٥٩. (٦) ظ: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر الشيرازي، ج٢، ص٧٤٨-٧٤٩. (٧) القصص: ٢٦. اللّهم أنطقني بالهدى، وألهمني التقوى، ووفقني للتي هي أزكى، بحق محمدٍ وآله سادة الورى.
المرأة بين الإسلام والغرببقلم: علوية الحسيني اكفري! قال تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} (١). إنّ الدعوة إلى الكفر هدفها الكفر بكلّ طاغوت، والطاغوت "هو الطغيان والتجاوز عن الحد ولا يخلو عن مبالغة في المعنى... ويستعمل فيما يحصل به الطغيان كأقسام المعبودات من دون الله كالأصنام والشياطين والجن وأئمة الضلال من الانسان وكل متبوع لا يرضى الله سبحانه باتباعه، ويستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد والتثنية والجمع" (٢). فأما عبادة الأصنام المادية فليست في عصرنا حتى تعبد، لكن هناك أصنامًا معنوية، كالأنا المتغطرسة، وبعض من النساء تعبد نفسها، بالغرور والتكبّر، وتلك صفات ملحوظة، بل وقد تتضح مع اقترانها بالغيرة والعياذ بالله. فتلك العبادة طاغوت، فاكفري بها. *وأمّا عبادة الشيطان فهي منبع من منابع الذنوب، وبما أنّ المرأة من بني آدم، فتسويلات الشيطان تعتريها مالم تهذّب نفسها. فتلك العبادة طاغوت، فاكفري بها. *وأمّا عبادة أئمة الضلال فمتحققة في زمننا هذا، فمؤازرته هي عبادة له، وهذه العبادة طاغوت، فاكفري بها. * وأمّا عبادة كل متبوع لا يَرضى الله سبحانه باتباعه، والمتبوعات كثيرة، بل ولعلها متفاوتة من امرأة إلى أخرى، فحريٌ بنا كنساء أن نكفر بها، فهي فتن إبليسية. أُختاه: كم من قولٍ طاغوتيِ نسمعه؟ وكم من سكوتٍ طاغوتيٍ ندركه؟ وكم من فعلٍ طاغوتيٍ نراه؟ هنا تتعيّن علينا وظيفة مقدّسة، أعطاها الله تعالى للأنبياء (عليهم السلام)، وهي الإصلاح، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإنّما خطابي لكِ موجّه لأنّني على دراية أنّكِ من اللواتي إن نطقتْ أصلحَتْ، وإن سكتتْ فعلى الرزانة برهنَت، وإن فعلتْ كقدوة اتُخذَت. فيا بنت الاسلام: إنّ الطاغوت قد أخذ يسري في جسم الإسلام بشكلٍ مسرطن، فهلّا حددنا موعدًا لاستئصاله؟ أختاه: حذار أن تكوني كَلًا على أمتك، وبلسمًا لكل طاغوت. استصرخكِ، لمن تتركين الميدان؟! ألّا يكتوي قلبكِ حين ترين الطاغوت متمثلًا بوحوشٍ كشَّرت عن أنيابها الفضائية، وراحت تعبث في عقول أخواتك، وتنتهك عفتهنَّ وكرامتهنَّ بدعوى التحرر من الدّين؟! فكثير من الطواغيت أخذوا يتكلمون بلسان النساء مطالبين بتحرير المرأة من الحجاب، وما شابه ذلك من تذويب المبادئ الإسلامية للمرأة المسلمة، كي يباح له النظر إلى ما حرّم الله تعالى! فهل يطيب لكِ طعام أو شراب وأنتِ ترين فتاةً تلو فتاة من فتياتنا قد رَمَت حجابها، وتركت صلاتها، وعصت أمر ربّها، منساقة وراء أبواقٍ خاسئةٍ ناعقة؟! رحماكَ يا الله، كيف تقوى نفسكِ على القعود وأنت تملكين – بفضل الله تعالى – القدرة على تحصين نفسكِ، وأخواتك من حبائل المفسدين ومكايد العابثين؟!. إنّ سكوتنا على الطاغوت –المنكر- مع قدرتنا على التغيير لسانيًا، وفعليًا، وتوفر الشروط، واحتمالية التأثير، لهوَ أصدق صور تأييد الطاغوت. لذا عليكِ وعليَّ وعلى كل امرأة أن تشدد عضدها بالأخرى، يكون هدفنا هو إصلاح الغارقات، وإعانة الثابتات، فإذا صلحت المرأة صلح نصف المجتمع، عندئذٍ لا خطر لما يطالب به النصف الآخر؛ لأنّه سيجد ردعًا تامًا. ولا يخفى عليكِ اختاه أنكِ بمجرد كفركِ بالطاغوت فقد دخلتِ في عداد الصالحات، وأصبحتِ خيرًا من ألف رجل غير صالح؛ كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "المرأةُ الصالحة خيرٌ من ألف رجل غير صالح" (٣). لكن الكفر بالطاغوت لا يكفي للاستقامة على طريق الحق، ولا يعين حتى لو تمسكتِ بالعروة الوثقى؛ لأنّ الله تعالى قد قرنَ الكفر بالطاغوت مع الإيمان به سبحانه. والإيمان: هو إقرار باللسان وعمل بالأركان، فالصالحات الكافرات بالطاغوت ممتثلات لأوامر ربهنَّ، منتهيات عن نواهيه، ومن تلك الأوامر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. "روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُنَاصِحَه" (٤). وما أشد حاجة مجتمعنا إلى ذلك التناصح، لاسيما من وإلى النساء. ______________ (١) البقرة: 256. (٢) تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي، ج2، ص344. (٣) وسائل الشيعة:الحر العاملي:ج20، ص172. (٤) الكافي: للشيخ الكليني، ج2، باب نصيحة المؤمن، ح1. كفرٌ ثم عزمٌ ثم اصلاح فهلاّ كفرتِ؟
المرأة بين الإسلام والغرببقلم: علوية الحسيني تزيَّـني إنّ المتأملة في قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ امَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} (1)، تجد أنّ الزينة بالأصل محلّلة، لا يحق لأحدٍ تحريمها. بل وإذا قرَنَتْ مع الآية الحديث المروي الإمام الصادق (عليه السلام): "البس وتجمل، فإن الله جميل يحب الجمال، وليكن من حلال" (2)، فإنّها تعطي معنىً مؤكدًا لما جاءت به الآية الكريمة، لحثّها على التجمّل، وحيث إنّ الزينة أحد مصاديق الجمال، فيشملها الكلام. نعم اختاه، إنّ الزينة أمرٌ جميل، بل ومطلوب منكِ كأنثى، وهو أمرٌ من الأمور التي يفترق بها ظاهر شكل الرجل عن المرأة، فتتزيّن الأنثى بالحلية؛ قال تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين} (3)، فالنشأة في الحلية للأنثى يكون منذ ولادتها، وترافقها زينتها طيلة حياتها، بل وحتى في الجنان، فهذا هو دين الله، دين الجمال، دينٌ جعل للزينة تأصيلًا قرآنيًا، فما أجمله من دين! وللزينة أقسام حسب اللحاظات، إلاّ أنّها بدوًا متداخلة؛ ولهذا سوف نتطرق إلى ثلاثة أقسام أساسية، ويتفرع عن كل قسمٍ فرعين. ■أولًا: زينة مادية، كالمجوهرات، والخواتم، والقلائد، والعطور، والأصباغ، والمساحيق، والكحل، وغيرها من الحلي، والثوب المزيَّن، والدهان. * وقد روي في التزيّن بالعطر أو الطيب: " عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما أنفقت في الطيب فليس بسرف" (4)، فرغم كون الإسراف مذمومًا إلاّ أنّ حكمه في شراء الطيب ليس إسرافًا، بل وقد أعطى الدّين الإسلامي للطيب أهمية وثقلًا في ميزان الحسنات يا اختاه، بدليل ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضًا: "ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر" (5). كما وروي "أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) كان يُرى يتبخر بالعود الهندي النيء ويستعمل بعده ماءً وردًا ومسكا" (6). وهناك روايات جعلت من المرأة المتعطرة خير امرأة، وقال (عليه السلام): "خير نسائكم... الطيبة الريح" (7). ورواياتٌ اخرى حثّت على أن تلبس النساء القلائد حتى مع الصلاة، بالإضافة إلى التعطر. *وبالنسبة للتزيّن بالدهان روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "الثوب النقي يكبت العدو والدهن يذهب بالبؤس والمشط للرأس يذهب بالوباء" (8)، فبالإضافة لفوائده فإنه يضفي زينةً وجمالًا. *وروي في جانب الاهتمام بالشعر الذي هو أحد مصاديق الزينة للمرأة، حيث روي عـن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها، فان الشعر أحد الجمالين" (9)، بل وفي روايةٍ اخرى حثٌ على الاهتمام بتصفيف الشعر "عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه" (10)، فحسن التصفيف هو تزيين. *وروي في التزيّن بالكحل "عن الباقر (عليه السلام) قال: "الاكتحال بالأثمد ينبت الأشفار ويحد البصر ويعين على طول السهر" (11). *وفي جانب التزيّن بالحناء، روي الصادق (عليه السلام): "الحناء يذهب بالسهك [الريح الكريهة] ويزيد في ماء الوجه ويطيب النكهة ويحسن الولد" (12). *وفي جانب التزيّن بالتختم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "تختموا بخواتيم العقيق، فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه" (13). والزينة المادية تلك على قسمين: (أ) محـللة: أي إنه يحلّ شرعًا الظهور بها، مع توفر شروطها، وقد أشار إليها القرآن الكريم محددًا موارد الظهور بها، بقول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاء} (14). وممكن تعداد تلك الفئات التي استثنتهم الآية الكريمة، وأجازت للمرأة الظهور بزينتها أمامهم ضمن النقاط التالية: 1/ بين النساء من بني جنس المرأة. 2/ البعل وهو الزوج. 3/ المحارم من جهة النسب والسبب -إن لم تسبب لهم افتتانًا-، كأب الزوج، الأبناء، أبناء الزوج، الإخوان، أبناء الاخوان، أبناء الأخوات. وقد أشار إليها الدّين الإسلامي بين طيّات آياتٍ كريمة، ورواياتٍ شريفة، في موارد مختلفة، بل وحسب كلّ زينةٍ في بعض الأحيان. 4/ ملك اليمين، هم العبيد، وهذا مورد غير موجود اليوم، فيترك تفسيره. 5/ التابعين من الرجال، وهذا مورد يقبّح زينة الحياء إن ذكرناه، فيترك تفسيره، كما أنّه ليس موردًا موجودًا في زمننا أيضًا. 6/ الطفل الذي لم يبلغ. •وهنا مــلاحظة مهمة، وهي: أنّ الظهور بالزينة أمام المحارم يجب أن لا يكون بقصد افتتان من تظهر بها أمامهم، وتضمن المرأة عدم وقوعها في الحرام، فالآية الكريمة وإن كانت مطلقة لم تورد القيدين، إلاّ أنّه لا يمكن تفسير القرآن الكريم دون الرجوع إلى السنّة النبوية -حديث محمد وآل محمد (عليهم السلام)-، فبرجوع الفقيه إلى الروايات الكريمة المفسرة لتلك الآية الكريمة يعلم أنّ هناك زينة مستثناة، يجوز للمرأة اظهارها. روي "عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ: (إلاّ ما ظهر منها) قال: الزينة الظاهرة الكحل والخاتم" (15)، فالرواية ظاهرًا هنا أجازت التزيّن الظاهر بالكحل والخاتم. وروي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: "سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)؟ قال: الخاتم والمسكة وهي القلب [السوار/ لسان العرب 1 : 688]" (16)، وهذه الرواية أجازت التزيّن الظاهر بالخاتم والسوار. واستفاد الفقيه من رواياتٍ أخرى فيها ذلك قيد (عدم قصد المرأة افتتان الرجال، وأن تأمن على نفسها من الوقوع في الحرام)، فقيّدت الروايات الآية؛ استنادًا لقاعدة أصولية مفادها (أنّ الخاص يقيّد العام)، فاتضح لكِ اختاه الحكم الشرعي مقرونًا بالقيدين. (ب) محرّمـة أي إنه يحرم شرعًا الظهور بها، ولهذه الزينة تأصيل في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِن} (17)، فتشمل بالإضافة إلى الحجال، جميع ما ذكر في الزينة المادية. فيحرم اظهار تلك الزينة لفئات، هم: 1/ المحارم إنّ سبب لهم افتتانًا، ولم تأمن من الوقوع في الحرام لو ظهرت بها أمامهم. 2/ الرجال الأجانب مطلقًا؛ سواء أ تحقق الشرطان أم لم يتحققا. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "أيما امرأة تطيبت، ثم خرجت من بيتها فهي تلعن حتى ترجع إلى بيتها متى ما رجعت" (18)، واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى وجنته. ■ثانيًا: زينة معنوية، كالأخلاق الفاضلة، والدّين، والنسب، والشرف، والحياء، والعفة، والملكات الحسنة، فالأخلاق لا وجود واقعيًا لها حتى نحكم عليه بالجواز أو الحرمة، إنّما هي أمرٌ اعتباري، إنّما الحكم يتوجه على آثارها، وهي قول أو فعل الإنسان. وهي على فرعين: (أ) مـحللة إذا أظهرتِ محاسن أخلاقكِ للجميع، محارمًا كانوا أو أجانب. *وقد روي في جانب عدّ الدّين زينةً وجمالًا للمرأة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين" (19). *وروي في جانب عدّ النسب زينةً وجمالًا للمرأة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير نسائكم نساء قريش..."(20)، فالرواية جعلت القرشية -ذات التقوى؛ لأنّ ميزان الأعمال عند الله تعالى هو التقوى، لا النسب وحده، وعلى هذا الفرض الرواية بُنيت- أفضل من غيرها من النساء، والأفضلية نوع من الزينة المحللة، وهي ظاهرة. *بل وهناك روايات عدّت اتصاف المرأة بشرار خصال الرجال زينةً وجمالاً لها، كالزهو -الكِبر-، والجُبن، والبُخل؛ "روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ: الزَّهْوُ وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ، فَإذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِذَا كَانَتْ بِخِيلَةً حَفِظَتْ مَا لَهَا وَمَالَ بَعْلِهَا، وَإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شِيْءٍ يَعْرِضُ لَهَا" (21). *ومن الرواية هذه ممكن أن نعدّ حفاظ المرأة على شرفها زينةً وجمالاً لها. (ب) محرّمــة إنّ الشارع حدد اطار تعامل المرأة مع الرجال الأجانب، وبعض الأخلاق -وإن كانت حسنة- إلاّ أنّها يحرم اظهارها للرجال الأجانب، أو التعامل بها معهم. * كالمصافحة مثلًا، فهي خلقٌ حسن، وزينةٌ تتصف بها المرأة فيما لو طبقته بين النساء، إلاّ أنّ تلك الزينة الفعلية يحرم انعكاس آثارها مع الرجال الأجانب؛ روي عن جعفر بن محمد، عن آبائه ( عليهم السلام ) ـ في حديث المناهي ـ قال: "ومن صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من الله (عزّ وجلّ)، ومن التزم امرأة حراما قرن في سلسلة من نار مع شيطان فيقذفان في النار" (23)، فالحديث وإن كان ظاهره محذّر للرجال فقط، لكن بالملازمة أنّ المرأة التي تصافح رجلًا يحرم عليها فتبوء بسخط من الله تعالى. ■ثالثًا: زينة فعلية (أ) محللة، وتشمل كلّ فعل يزيد المرأة جمالًا وكمالًا إذا راعت حدود الآداب والضوابط الشرعية، فهو كلّ فعل مباح، كطلب العلم، وامتهان مهنة محللة شرعًا، والأعمال الخيرية، وما شابه ذلك. وما يتزيّن به الإنسان عمومًا هو أعماله الحسنة، وحيث إنّ الله تعالى لم يفرّق بين الذكر والأنثى بتزينهما بتلك الأعمال، فهي ثابتة لكليهما؛ قال تعالى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} (24). (ب) محرّمة، وتشمل كلّ فعل يحرم فعله أمام الأجانب، مثل: 1/ مصافحة الرجال، وقد أشير لها في القسم المتقدم. 2/ الأفعال المنافية للأخلاق، وهذا أمرٌ وجداني تدركه كلّ امرأة بحيائها الفطري. ■رابعًا: زينة قولية (أ) محللة، وتشمل كلّ قول يجوز التلفظ به أمام المحارم، وهو انعكاس لتحلي المرأة بالأخلاق -الزينة الفعلية-، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقول الله تعالى: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفا} (25)، فالمعروف هو زينة للمرأة تكتسي بها؛ إذ إنّها لم تكن متصفة بها يومًا ما. ومن مصاديق هذه للزينة: 1/ الكلام النافع والحكيم. 2/ كلام النصح. 3/ كلام الاستشارة. (ب) محرّمة، وتشمل كلّ قول يحرم التلفظ به أمام المحارم، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَض} (26)، والخضوع بالقول هو ترقيق الصوت ومدّه، وتمييعه، والقصد من ورائه واضح. ومن مصاديق هذه الزينة: 1/ التميّع في القول. 2/ الكلام الفاحش. فهذا القول وإن عدّ محرّمًا إلاّ أنّه يعدّ زينةً من جهةٍ اخرى، وهي جهة منحصرة بتعامل المرأة مع زوجها، فالحكم الشرعي جاء هكذا مستنبطًا من رواياتٍ شريفة: "يحرم الفحش من القول، وهو ما يُستقبح التصريح به إمّا مع كلّ أحد أو مع غير الزوجة، فيحرم الأوّل مطلقًا ويجوز الثاني مع الزوجة دون غيرها" (27). ●وقبل الختام، هناك التفاتة، أختاه تأمليها: جميعنا يعلم أنّ الله تعالى عادلٌ يثيب المطيع ويعاقب العاصي. فحينما أمر الله الرجال بغض نظرهم عن النظر الى المرأة المتزينة بل الى المرأة بصورة عامة مع اقتران نظرته بالريبة؛ بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (28)، فإن عصى الرجل ربه ونظر فحتما هو يستحق من الله العقاب. وتخيلي اختاه لو سلطت ملائكة العذاب عذاب الله تعالى على ذلك الرجل، ووضعت الأغلال في رقبته ويديه واقدامه، وذهبت به إلى نارٍ تلظى؛ كما قال تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرا} (29)، ألا تتوقعين أن يخبر هذا الرجل ربه أنّكِ أنت التي فتنتيه، فيقول: ربي هذه فتنتني بزينتها، فتأتيكِ ملائكة العذاب، تلك الملائكة الغلاظ الشداد ويقيدونكِ بالسلاسل، ويلقون بكِ في نارٍ لا يصلاها إلّا الاشقى، وتستعران معًا، من فتَنتْ، ومن افتتن، يقول تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق} (30)، ما أهول هذه الآية! فالعذاب عذابان فيها، عذاب جهنم، وعذاب الحريق، لمن فتَن غيره ولم يتب، والحكم يشمل المرأة، لأنّها اكثر فتنةً؛ بلحاظ تعدد زينتها إن أُبديت. ترى، ماذا سيكون موقفكِ اختاه؟ أفلا يجب علينا أن نكون كالدرر المكنونة التي لا يطلع عليها إلاّ أصحابها؟ أم نكون كالسلعة التي يقلبها نظرًا القاصي والداني، والوضيع والشريف؟ اختاه، ليست منّا من لم تعش أيامًا غُمست في وحل الغفلة، فأبدت بض زينتها عن عمدٍ أو دون عمد، لكن خير الخطّائين التوابين، وبحر التوبة لازال جاريًا، فبحركة المد والجزر له يجرف معه جميع تلك الخطايا أو لحظات الغفلة، فقط لأنّ هناك ربًّا رحيمًاغفورًا، يريد منّا أن نعيش حياة طيبة مصونة، ذلك الربّ الذي كرّم المرأة وقدّسها لا يرتضي لها أن تكون محل فتنة، أو شبه سلعة، فطلب منّا أن نجعل ضريبةً على كل من أراد النظر إلينا متزينات. ثم إنّه تعالى أراد منّا أن نتزيّن بأجمل زينة، تلك الزينة المعنوية التي لو اكتسينا بها لتجملنا بباقي أنواع الزينة، وهي زينة المعرفة بالله تعالى، هي الكمال الذي يتنافس عليه المؤمنون، فحريٌ بنا كنساء أن نتنافس على الاكتساء بهذه الزينة اقتداءً بزين النساء، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ثم بأولادها (عليهم السلام)؛ روي عنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنه قَالَ : "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضْلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلَى مَا مَتَّعَ اللَّهُ بِهِ الْأَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ نَعِيمِهَا، وَ كَانَتْ دُنْيَاهُمْ أَقَلَّ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَطَئُونَهُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَ لَنُعِّمُوا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ (جَلَّ وَ عَزَّ)، وَ تَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. إِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ آنِسٌ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ، وَصَاحِبٌ مِنْ كُلِّ وَحْدَةٍ، وَ نُورٌ مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَ قُوَّةٌ مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ، وَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْم" (31). وأخيرًا اختاه، قد عرفتِ وبالدليل الزينة المحللة من المحرّمة، والحجّة أُلقيت علينا جميعًا، جعلنا الله تعالى ممن تسمع القول وتتبع أحسنه وأقربه رضًا له تعالى. _________________ (1) الأعراف:32. (2) وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج5، ح5. (3) الزخرف: 18. (4) مكارم الأخلاق: للشيخ الطبرسي، ص41. (5) المصدر نفسه، ص42. (6) ظ: المصدر نفسه، 43. (7) الكافي: للشيخ الكليني، ج5، ب أصناف النساء، ح6. (8)مصدر سابق، ص103. (9) وسائل الشيعة: للشيخ الحر العاملي، ج20، ح3. (10) مصدر سابق، ص103. (11) المصدر السابق. (12) المصدر السابق، ص78. (13) المصدر السابق، ص87. (14) النور: 31. (15) وسائل الشيعة: ج 20، ب109، ح2. (16) المصدر نفسه، ح3. (17) النور: 31. (18) مصدر سابق، ص43. (19) الوسائل: ج20، ب14، ح4. (20) الكافي: ج5، باب فضل نساء قريش، ح2. (21) نهج البلاغة: ح231. (23) المصدر نفسه، ب105، ح1. (24) آل عمران: 195. (25) الأحزاب: 32. (26) الأحزاب: 32. (27) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني، ج2، كتاب التجارة، م34. (28) النور: 31. (29) الإنسان: 4. (30) البروج: 10. (31) شرح اصول الكافي: للمولى المازندراني، ج12، ح347. اللّهم ألبسنا زينة الصالحات، وأكسنا من حلل المتقيات، بحق محمدٍ وآله عليهم أزكى التحيات.
المرأة بين الإسلام والغرببقلم: علوية الحسيني تعالَي إنّ المتأملة في حديثٍ مرويٍ عن الإمام علي (عليه السلام)، ما نصّه: "خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو والجبن والبخل، فإذا كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها" (1) تجده حديثًا جاءَ مشخصًا لحالة تعالي النساء على الرجال الأجانب تعاملاً. لكن هذا التعالي لا يعني أصالة اتصاف المرأة بالأخلاق السيئة كالتعالي والغرور على أرحامها وبني جنسها؛ بل هو مورد حصر في التعامل مع الرجال الأجانب. والمتتبعة لنهج السيّدة زينب (عليها السلام) تجد أنّها (عليها السلام) حينما دخلت مع السبايا على مجلس الطاغيتين (عليهما اللعنة) دخلت متعالية عن مخاطبتهما (متنكرة)، شامخة، واثقة النفس، شديدة العزم، رغم الفجائع التي مرّت بها. لا، بل تجد أنّ السيّدة (عليها السلام) قد رسمت مراحل التعالي المتمثلة بأربع مراحل: سكوتٌ، ثم تلميحٌ، ثم تصريح، ثم إعراض، هذا للتعالي غير المطلق، أمّا المطلق منه فلا مراحل فيه، وسيتم بيان ذلك في نقطتين مستقلتين. ■النقطة الاولى: التعالي غير المطلق ومراحله: 1- تعالي بالسكوت: وما يؤيد ذلك كتب التاريخ (2) المفجعة الناقلة للمآسي التي جرت على حرائر آل محمد (عليه وعليهن السلام)، فتذكر تلك الكتب أنّ تلك الحرائر قد أُدخلنَ على مجلس الطاغية ابن زياد (عليه اللعنة)، وكانت السيّدة زينب (عليها السلام) حين دخولها ذات جسدٍ متصدع، وقلبٍ متلوع؛ مما رأته من جسيم الفواجع، ولكنها لاذت بكل بكبرياءٍ واضح، وعزة نفس، وعلو حسب، وشرافة نسب، فجلست "مــتنكرة ...، منتحية ناحية من القاعة تحف بها اماؤها". وما جلوسها في ناحيةٍ إلاّ دليل على تعاليها على اللعين وشرذمته، إلاّ أنّ اللعين يبدو أنّه قد اكتسى بثوب الذلة حينما تجاهلت أصـل وجوده، بل وسؤاله امرأة سبية، "فنظر اللعين ابن زياد إلى الحاضرين أمامه، وتفحص كلاًّ منهم بنظرة، ثم تساءل عن هذه المنحازة وحدها ومعها نساؤها وهي شامخة الرأس عالية، فلم تجبه العقيلة السيدة زينب، فأعاد تساؤله ثلاثًا دون أن ترد عليه، فقال[ت] بعض امائها، هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وبنت الإمام علي عليه السلام". لعمري ما أصعبه من موقفٍ على اللعين ابن زياد وقد مسحت كرامته أرضًا بـــسكوتٍ من أميرة الكلام (عليه السلام)، فكيف به لو تكلّمَت؟ ولهذا كان لتــعاليها -سكوتها- (عليها السلام) ردّة فعلٍ من ذلك اللعين "فقال متشفيًا فيها: ـ الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم". 2- تعالي بالتلميح: هــنا اقتضت الضرورة أن تتكلم السيّدة ببليغ الكلام، مع الحفاظ على شموخ المقام "فردت عليه العقيلة السيدة زينب عليها السلام بكل إباء... وترفُع: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه صلى الله عليه وآله، وطهرنا من الرجس تطهيرًا، إنّما يُفتضح الفاجر ويكذَّب الفاسق وهو غيرنا". وفي عبارتها (وهو غيرنا) تلميحٌ جعل من ابن زياد ينطق بعبارات الكفر والزندقة بمحاولته اتهام الله سبحانه وتعالى بما جرى على الحسين وآل الحسين (عليه السلام)، "فلم يصبر اللعين بن زياد على قولها، بل رد عليها قائلاً: ـ كيف رأيتِ صنع الله في أهل بيتك وأخيك؟". 3- تعالي بالتصريح: فهنا كان جوابها تصريحًا مقتصًا من اللعين على سوء أدبه مع الله تعالى بنسبة الظلم لله (عزّ وجل)؛ ولهذا فإن جوابها لم يخرج عن حدود بيان عدل الله تعالى، ولم يكن دفاعًا عن أخيها الحسين (عليه السلام) فحسب، فغضبت لذات الله تعالى بدايةً، فقالت: "ما رأيت إلاّ خيراً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك ويبنهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة". وتذكر كتب التاريخ حال ابن زياد بعد هذا الموقف تحديداً وشدّة الحرج الذي وقع فيه وأنّه استثار غضباً، وحاول أحد شرذمته اخماد غضب اللعين، واصفاً السيّدة زينب (عليها السلام) بأنّها لا منطق لها، وأن كلامها فاسد! حيث "قال له [لابن زياد] عمرو بن حريث: إنّما هي امرأة، وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها، إنّها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل". لكن شيطان الإنس ابن زياد شعر بانحطاط مكانته في أعين الحاضرين وأصرّ على الكلام فقال: "لقد شفي الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك". 4- تعالي بالإعراض: تصرفت السيدة زينب (عليها السلام) بالإعراض عن الجاهل أمام عبارات الزندقة الصادرة من اللعين مرة اخرى باتهام الله تعالى بالقتل، فقالت: "لعمري لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي، فان كان في هذا شفاؤك فلقد اشتفيت". لكن اللعين ابن زياد أخذ يتكلّم والسيّدة زينب (عليها لسلام) متعالية عن الرد عليه، حتى بدأ الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالكلام. وفي مجلس الطاغية يزيد (عليه اللعنة) حيث الضرورة جعلتها تعرّف الناس حقيقة يزيد وأتباعه، فتكلمت هي وابن أخيها (عليهما السلام). "لقد شاهدت السيّدة زينب الكبرى (عليها السّلام) في مجلس يزيد مشاهد وقضايا، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشدّ أنواع الإهانة والاستخفاف بالمقدّسات، وأقبح أشكال الاستهزاء بالمعتقدات الدينيّة، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم في تصرفاته الحاقدة. مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته، وإنكاره لأهمّ المعتقدات الإسلاميّة . مضافاً إلى ذلك: أنّ يزيد قام بجريمة كبرى، وهي أنّه وضع رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) أمامه، وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه ، وهو حينذاك يشرب الخمر" (3). فخطبت متعاليــة، متجبرة، مهيمنة، عفيفة، لا تخشى ظلم الحاكم وحاشيته. ■النقطة الثانية: التعالي المطلق أي إنّ التعالي لا مراحل له، ومورد تطبيقه في غير حالات الضرورة المقتضية لأحد المراحل، ومثاله تعالي السيّدة زينب (عليها السلام) عن الكلام مع الرجال الأجانب أثناء المسير إلى الشام، حيث كان الإمام السجاد (عليه السلام) يردّ على الشامتين، فلما جيء بالسبايا إلى الشام قام رجل على درج دمشق وقال: الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم. فقال له علي السجاد (عليه السلام): أقرأت القرآن؟ قال: نعم... قال : أما قرأت: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}؟ قال: فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم. وبـهذا كانت السيّدة زينب (عليها السلام) في معرضٍ عن الرد عن أمثال هذا من أنصار يزيد. والخلاصة: من هذا نفهم وجوب التعالي عمّا لا يجب التساهل فيه، فتكبركِ اليوم عن التعامل الذي يهتك القيود مع الأجانب -أقاربًا كانوا أو غيرهم- هو تعالٍ ممدوح؛ ففيه النجاة، بعكس ما لو تساهلتِ في التعامل معهم بلا ضوابط شرعية. فتعالي عن التساهل في التعامل مع كل من هو غير محرم عليكِ ابتداءً بأبناء العم، وأبناء الخال، وزوج الأخت، وأخ الزوج، والبائع، والسائق، وغيرهم. ولستُ بصدد بيان الحكم الشرعي؛ لبداهته عندكِ أيّتها المؤمنة، والتقوى فوق الفتوى. ________________ (1) نهج البلاغة: الحكمة 234. (2) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد، 347-348. (3) المصدر نفسه، ص392. سكوتٌ ثم تلميحٌ ثم تصريحٌ ثم إعراض ... فهلّا تعاليتِ؟
المرأة بين الإسلام والغربيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى