تشغيل الوضع الليلي

المرأة ونصرة العترة المحمدية بين القوّة والفعليّة

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1753

بقلم: علوية الحسيني
إنّ دائرة نصرة العترة (عليهم السلام) واسعة تشمل الرجل والمرأة؛ لإطلاق الأدلة، فضلاً عن وجوب نصرتهم عليها، وعليه سيتم تناول الموضوع ضمن المطالب التالية:
■المطلب الأول: سبب حث الأئمة (عليهم السلام) على النصرة
إنّ السبب من وراء ذلك عقائدي بحت؛ حيث يكمن في بيان الإخلاص، وعمق الإيمان بأصول الدّين، صعودًا إلى الإيمان بما قاله النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا هو أصل النبوة، ثم بما شاء الله تعالى لهم من منزلة عظيمة، وهذا هو التوحيد، وبعدله سبحانه وهذا هو العدل الإلهي، حيث كانوا (عليهم السلام) هم ثاني من نطق بالربوبية بعد نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) في عالم الذر حينما سألهم الله تعالى (مَن ربّكم)؟
ونزولاً إلى الإيمان بمصير من ينصرهم (عليهم السلام)، وهذا هو المعاد، وحيث إنّ نصرتهم توجب الجنة. فمن خلالهم وصلتنا معرفة عن المعاد بصورة عامة –جنة أو نار-؛ إذ هم الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وبالتالي نصرة الأئمة تشكّل حلقة ربطٍ بين اصول الدّين جميعها، السابقة لأصل الإمامة، وهي التوحيد والعدل الإلهي والنبوة، واللاحقة له، وهي المعاد، ومن بابٍ أولى تظهر لا بدية الإيمان بأصل الإمامة إذ إنّ نصرة أي إمام تكون فرع الإيمان به.
إذًا النصرة تسبقها مرحلة مهمة وهي الإيمان، "والايمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالجوارح"(1). فلا يكفي قولكِ: (إنّي مؤمنة بالأئمة وأناصرهم)، ولا يكفي اعتقادكِ القلبي بنصرتهم، بل لابد من أن تقرني مع ذلك عملًا بالجوارح، والنصرة من الأعمال الجوارحية.
والنصرة تتجلى في كلّ شيء يرضي الله تعالى. ولهذا كانوا يحثون على أن يكون شيعتهم زينًا وليس شينا، والزين هو في رضا الله تعالى.
■المطلب الثاني: مصاديق النصرة
إنّ النصرة قد تكون جوارحية، وقد تكون جوانجية بلحاظٍ، وبلحاظٍ آخر قد تكون قولية وقد تكون فعلية، وعلى ذلك تتعدد مصاديق النصرة:
أولاً/ من الأمثلة عن النصرة بالجوارح:
•تستطيعين أختاه بيدكِ مناصرة الأئمة (عليهم السلام) بكتابة كتابٍ، أو ورقةٍ، تبين أفضالهم، وتذكر بمقامهم، أو من خلال النشر، أو بإتقان عملكِ البيتي او الوظيفي.
•وتستطيعين مناصرتهم بقدمكِ بذهابكِ إلى أماكن لا يغضب الله تعالى لو وجدكِ فيها، فبامتناعكِ من الذهاب إلى بعض المناسبات التي تكون محفوفة بالغناء والموسيقى، هذه نصرة للأئمة؛ لأنّهم لا على هذا أدبوا شيعتهم، بل كان تأديبهم وتربيتهم لنا على كلّ طاعةٍ لله تعالى، لا على سخطه.
•وتستطيعين مناصرتهم بسمعكِ، من خلال إيقاف سمعكِ على الكلام النافع لكِ، والابتعاد عن اللغو والزور والغيبة والنميمة والبهتان.
•وتستطيعين مناصرتهم ببصركِ، من خلال ايقاف بصركِ على الحلال، والابتعاد عن فضول النظر فضلاً عن النظر إلى الحرام.
فهذه الأعمال الجوارحية لو اقترنت بالإقرار اللساني بالإيمان بالأئمة، والاعتقاد القلبي، لشكلت لنا نصرة حقيقية خالصة لهم (عليهم السلام).
ثانيًا/ من الأمثلة على النصرة القولية
كأن تنصر الأئمة بقول الحق، بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر –مع توفر الشروط-، أو تنتصر لمغتابٍ اغتيب في حضرتها.
ثالثًا/ من الأمثلة على النصرة الفعلية
كأن تحسن البر بوالديها، وتحسن تبعل زوجها، وتربية أبنائها، وتحافظ على حشمتها وحجابها وعفتها، وتتصف بكل الصفات الأخلاقية الحسنة.
حيث أنّ جميع ذلك مطلوبٌ منها كموالية لهم، لتعدّ الأجيال التي تتربى على التضحية والفداء من أجل عترة سيّد الأصفياء (عليهم السلام).
رابعًا/ لحاظات أخرى للنصرة:
فبمالكِ أختاه تستطيعين النصرة، من خلال أداء الحقوق المالية المترتبة في ذمتك كالخمس، والكفارات، وغيرها من دفع الصدقة، ومساعدة المرضى والمحتاجين، أو العمل على تزويج مؤمن، أو كفالة يتيم، فهذه نصرة مالية، وهي ما يرتضيه الأئمة (عليهم السلام)، حيث روي عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى اطلع على أهل الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا".
وعلى ذلك تكون مناصرتكِ آصرة بينكِ وبين ساداتكِ.
■المطلب الثالث: خطورة عدم النصرة
يا أختاه! إنّ المرأة التي لا تعيش هم النصرة فهي مخذولة في الدنيا والآخرة؛ والخذلان فرع عدم طاعتهم (عليهم السلام)، وهذا خطر كبير أشارت له الزيارة الجامعة الكبيرة: "من أتاكم نجا، ومن لم يأتكم هلك"، فإن أتيتِ إليهم تمسكتِ بنهجهم ووصاياهم، التي هي أوامر الله تعالى، فأنت ناجية فالحة كما يقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون}(2)، والآيات التي تليها كفيلة ببيان صفات المؤمنين.
فالمؤمنة المتبعة لأوامر ربّها، ناجية، مناصرة لأئمتها (عليهم السلا). وإذا لم تتمسكي بنهجهم ووصاياهم (عليهم السلام) فقد خسرتِ خسرانًا مبينًا.
ونظير هذا ما ورد في قول نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله): "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي [ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا] ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض".
فمن لم تتمسك بكل من القرآن الكريم، والعترة المحمدية فإنّ الضلال مصيرها؛ بلحاظ أنّهم (عليهم السلام) المفسرون للقرآن، الناقلون لتشريع الرحمن، الهادون نحو الجنان.
ولهذا اختاه تجدين أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) يعلّمنا أدب طلب نصرة الدّين بدعائه: "اللهمّ اجعلني ممّن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري"، وكأنّه يعلمنا المنافسة في هذا العمل حينما يقول: ولا تستبدل بي غيري، وهذا يدل على عظمة النصرة وخطورة الخذلان، ولستِ بعيدة عن الخطاب الدعائي هذا.
■المطلب الرابع: كيفية استعداد المرأة للنصرة
أما كيفية الاستعداد فتكمن من خلال العلم والعمل الصالح، فمن تعلم ثم تعمل بما علمته نجت وناصرت، ومن علمت ولم تعمل هلكت، ومن عملت بلا علم تهافتت وسقطت.
وقد حثّ أهل البيت (عليهم السلام) على هذه الثنائية، حيث روي عن الإمام عليّ (عليه السلام): "شيعتي والله الحلماء، العلماء بالله ودينه، العاملون بطاعته وأمره"(4).
وخير مثالٍ على هذا السلوك ما قالته السيّدة زينب (عليها السلام)؛ حينما قالت: "إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى"، فقد أقرنت العلم بالعمل حتى وصلت إلى هذا المقام السامي الذي لا تناله إلاّ ذات حظٍ عظيم، فآمنت علمًا، وسلّمت عملاً.
وكفاكِ فخرًا بالاقتداء، بالسيّدة الحوراء (عليها السلام)، وإلاّ لكنتِ محل سطوة تلك الخطورة.
وإنّ أول استعدادٍ للنصرة هو تزكية النفس، وتهذيبها، وترويضها المنطلق من علمٍ سليم؛ لأنّ كل عمل لابد أن يسبق بمرحلة نفسية ثم تعمله الجوارح.
والمرأة مخلوق أودع الله تعالى فيها هذه الروح، وأوجب عليها نصرة ائمتها (عليهم السلام) قلبيًا وجوارحيًا؛ فتعمل على تهذيب نفسها.
وقبل ذلك كلّه لابد من أن يكون لها علم -كما أشرتُ أعلاه- لتنطلق منه وتعمل به، وتناصر.
ومن هنا تتضح أهمية العلم للمرأة؛ فعليكِ أختاه بتنظيم وقتكِ، وتخصيص مقدار منه للعلم النافع، المشعر بالرحمة الإلهية، المعين على النصرة الولائية.
■المطلب الخامس: النصرة الخاتمية
ولا يخفى عليكِ أيّتها المؤمنة أنّ نصرة الأئمة (عليهم السلام) نوعٌ من أنواع التمهيد لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، والنصرة سواء أكانت في زمن الغيبة أو في زمن الظهور، مكنونة في نفس كلّ موالية، فهي (مناصرة بالقوّة) كما يقال في علم المنطق؛ أي ممكن أن تصبح مستقبلاً مناصرة لمواليها (عليهم السلام)، وهذا المستقبل سواء أكان زمن الغيبة أو الظهور.
بدليل ما نقرأه في زيارة أمين الله: "ونصرتي لكم معدّة"، ويكفي مجرد العزم على نصرته (عجّل الله فرجه الشريف) بخلوصٍ وصدقٍ وعزم، روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "القائل منكم: إن أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه له شهادتان"(5).
ويلي وجوب النصرة التمهيدية النصرة في زمن الإمام (عجّل الله فرجه الشريف).
فما أسعدكِ لو أمركِ الإمام لدعوة الناس إلى دين الله تعالى!
وهل تتوقعين اختاه أنّه يختار لتلك المهمة امرأة لا علم لها؟
حتمًا لا؛ إذ أنّه سيختار ذوات العلم، اللواتي قرنَّ العلم بالعمل وناصرنَ أنفسهنَّ بالتغلب على الهوى والغرور والأنا والصفات الرذيلة، ثم ناصرنَ في بيوتهنّ بجهادهنَ المعروف الذي أشرنا إليه أعلاه.
إذًا يجب على النسوة معرفة أهمية مقامهنّ في زمن الغيبة وزمن الظهور، ولهذا يؤكد العلماء المختصون بالقضية المهدوية على التوجيهات التالية بشأن نصرة المرأة لإمام زمانها:
"ليس للمرأة بما هي امرأة خطاب خاص في عصر الغيبة، بل الخطاب موجه للمؤمنين عموماً وهي مِن بينهم، فبالنتيجة المرأة في عصر الغيبة مكلّفة بالتكاليف الموجهة للمؤمنين.
وفيما يخص تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة:
أولاً: الالتزام بالأحكام الشرعيّة.
ثانياً: طاعة الفقهاء العدول الواجدين لشرائط التقليد.
ثالثاً: الدفاع عن مصالح المؤمنين-مصالح الشيعة-.
رابعاً: نشر فكر أهل البيت عليهم السلام بمختلف الوسائل من الخطابة والتأليف والشعر والنثر وعقد المجالس وإحياء المناسبات.
خامساً: انتظار فرج مولانا صاحب الزمان عليه السلام والدعاء له.
سادساً: التفقّه في الدين"(6)
فما عليكِ أختاه إلاّ العلم، والعمل، والإخلاص، لتدوم الآصرة بينكِ وبين مواليكِ؛ لإنتاج نصرةٍ تليق بمقامهم (عليهم السلام)، نظير الآصرة الكيميائية بين الذرات التي تنتج مركبًا.
..........................................
(1) مما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمالي الطوسي: للشيخ الطوسي، ج1، ص 379.
(2) المؤمنون: 1.
(3) الغاشية: 23-24.
(4) المصدر سابق، ص576.
(5) فروع الكافي، ج8، ص81.
(6) مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف).
اللهم اجعلنا ممن تنتصر بهنَّ لدينك، وتعز بهنَّ نصر وليك، ولا تستبدل بنا غيرنا، فإنّ استبدالك بنا غيرنا عليك يسير، وهو علينا كبير، إنّك على كل شيء قدير.

اخترنا لكم

تسلِيمٌ، تَوكُّلٌ، رضَا بقضاءِ اللهِ (تعالى)

بقلم: شيماء المياحي مُفرداتٌ مُختلفةُ المعاني والثمرةُ واحدةٌ. لم يكتفِ الشّرعُ المقدّسُ بالإرشادِ والتوجيهِ لما يتعلقُ بالخُلق والسلوك الظاهري فحسب، بل شدد على ضرورة التحلّي بالأخلاق والصفات الباطنية الحميدة أيضًا؛ وذلك حرصًا منه على سلامةِ القلب من الوقوع في بعضِ الأمراض، والرذائل الروحية التي تقطعُ حبلَ الوصلِ بين الإنسان ومعبوده، كاليأسِ، والقنوط من رحمة الله(تعالى)، قال (تعالى): "وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ"[الطلاق:٣] ، وقال أيضًا: "نِعمَ أَجرُ العَمِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبّهِم يَتَوَكَّلُونَ"[العنكبوت: ٥٨-٥٩] وجاء في الحديث النبوي: سأل النبي (صلى الله عليه وآله) طائفةً من أصحابِه فقال: ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون . فقال: ما علامة إيمانكم؟ فقالوا: نصبرُ عند البلاء، ونشكرُ عند الرخاء، ونرضى بمواقع القضاء. فقال(صلى الله عليه وآله): مؤمنون وربِّ الكعبة(١) فهذه الصفاتُ الثلاثة: التسليم، والتوكُّل، والرضا بقضاءِ اللهِ (تعالى)، رغم اختلاف مفرداتِها، لكنّها متقاربةٌ ومتشابهةٌ في المعنى مع تفاوتِ معانيها؛ فالتسليمُ قريبٌ من الرضا، والتوكّلُ على الله (تعالى)، بل هو أعلى درجةً منهما؛ لأنَّ الرضا: هو موافقةُ النفس لأمرٍ ما، دون وجودِ تعارضٍ بينهما، أما التسليم فأعلى مرتبةً من الرضا؛ لأنّه عبارةٌ عن تركِ الاعتراضِ في الأمور الواردة عليه، وفوقَ مرتبةِ التوكّل أيضًا، فالتوكّلُ عبارةٌ عن الاعتماد على الله (تعالى) في كلِّ الأمور. ومن ثمرات هذه الصفات الثلاثة: ١ - الراحةُ في الدُنيا: فعن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام): "من رضيَ بما قسمَ اللهُ له استراح بدنه"(٢)، وعنه (عليه السلام): "من وثِقَ بالله أراه السرور، ومن توكلَ عليه كفاه الأمور"(٣) وفي حديث قدسي أنَّ الله (تعالى) أوحى لداود (عليه السلام): "تُريد وأُريد، وإنّما يكونُ ما أُريد، فإنْ سلّمت لما أُريد، كفيتك ما تُريد، وإنْ لم تُسلّم لما أُريد أتعبتُك فيما تُريد، ثم لا يكون إلا ما أُريد"(٤) ٢ - الغنى والسعادة: فعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "ارضَ بما قسمَ اللهُ لك تكن غنيًا"(٥). وعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "من توكَّلَ على اللهِ كفاهُ مؤونتَه ورزقه من حيثُ لا يحتسب"(٦) ٣ - الشعور بالقوة: عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله): " لو أنّ رجلًا توكّل على الله بصدق النية؛ لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم، فكيفَ يحتاج هو ومولاه الغني الحميد"(٧) ٤ - التقربُ من الله (تعالى) وخلافه البُعد عنه (تعالى): فقد جاء في الحديث القدسي: "من لم يرضَ بقضائي، ولم يصبرْ على بلائي فليطلبْ ربًا سواي"(٨) إذن التسليمُ والرضا بقضاء الله (تعالى) يجعلُ كلَّ بلاءٍ جميلٌ في عين المؤمن؛ لأنّه بعين الله (تعالى)، ومشيئته، ولحكمته، وهذا ما قالته السيدة زينب (عليها السلام) عندما سألها ابن زياد: كيف رأيتِ صنعَ اللهِ بأخيكِ وأهلِ بيتك؟ قالت(عليها السلام): "ما رأيتُ إلّا جميلًا" وما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء: "إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة" كان نابعًا من التسليم والرضا بقضاء الله (تعالى) فيما جرى عليهم. وسببُ خروجِ النبي يونس (عليه السلام) من بطنِ الحوتِ هو التسليم والرضا بقضاء الله (تعالى)، حيث قال الله(تعالى) في كتابه العزيز: "فَلولا أنّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ لَلَبثَ فِي بَطنِهِ إلَى يَومِ يُبعَثُونَ فَنَبَذنَهُ بِالعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ"[ الصافات: ١٤٣-١٤٤-١٤٥] ومن أهمِّ سبُلِ الوصول للتسليم والتوكّل والرضا بقضاء الله (تعالى) هو العلم والمعرفة. فالإنسانُ الذي لديه عقيدةٌ صحيحةٌ راسخةٌ بالأدلة اليقينية بالله (تعالى)، وبصفاتِه المقدسة يصلُ إلى التسليم والرضا؛ وذلك لاعتقاده بأنَّ الله (تعالى) عادلٌ وحكيمٌ ولا وجودَ للصدفةِ في مملكته- كما يظنُ البعض-. بل كلُّ شيءٍ يطرأ على الإنسان بمشيئته وحكمته، ولا يُقدّر لعبده إلا ما هو خيرٌ له، سواء أدرك العبدُ المصلحةَ في ذلك أم لم يُدركها، وسواء كانت المصلحة للدنيا أو للآخرة، فلا يسخط على ما يُقدّر له من ابتلاءات ومحن في الحياة، فالمريضُ لا يعترضُ على الطبيب إذا ما قام باستئصالِ عضوٍ من جسده؛ لأنه يعلم بوجود مصلحةٍ له في ذلك، بل وقد يُقدّم له كلماتِ الشكر والثناء على ما قام به! لذا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ أعلمَ الناسِ باللهِ أرضاهم بقضاء اللهِ عزّ وجل"(٩) ولابُدّ أنْ يعلم الإنسان أنَّ هناك أمورًا حتمية لا مفرَّ منها، ولا قدرةَ للإنسان على منعها كالموت، فلابُدَّ له من التسليم والرضا بما يحلُّ به من قضاءٍ وقدر. نعم، فالتسليمُ والرضا لا ينافيه السعي في طلب العلاج إذا مَرِضَ الإنسان، أو السعي لطلبِ الرزق وقضاءِ الحوائج. وكذلك الدُعاء لا ينافي التسليم والرضا، بل ينبغي للمؤمن أنْ يتوجه لله (تعالى) بالدعاء في الشدة والرخاء، عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: "الدعاء مخُ العبادة، ولا يهلكُ من الدعاء أحد"(١٠) فأيُّ حقٍ للعبد في الاعتراضِ على مشيئة ربّه وخالقهِ، وهو لا يملكُ لنفسه حتى الأوكسجين الذي به يحيا؟! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) البحار: ج٧٩/ ص١٣٧ (٢) البحار: ج١٠ / ص١١٠ (٣) البحار: ج٦٨ /ص١٥١ (٤) البحار: ج٧٥ / ص٢٥٩ (٥) البحار : ج٦٨ / ص١٣٥ (٦) كنز العمال (٧) المستدرك : ج١١ / ص٢١٧ (٨) البحار: ج٧٩ / ص١٦ (٩) الكافي: ج٢ / ص٦٠ (١٠) الوسائل: ج٧ / ص٢٧

اخرى
منذ 4 سنوات
2569

جمرُ القُبلةِ الأخيرة

بقلم: حنان الزيرجاوي تختلجُ مشاعري وكأنّها جمرٌ ملتهبٌ في قلبي، عندما اتذكرُ تلك النظرة والقُبلة، أهو فعلًا وداعٌ لمن لا تمكن مُفارقته؟ أم هو غيابٌ لمن ألِفته النفس فحسب، وهي تشعرُ أنّه ساكنٌ... بل إنَّه جزءُ أو كلُّ حناياها؟! ربما يُعدُّ ذلك تهويلًا لا مُبرر له، وقد بِتُّ أعاني ولا أكاد احتمل، ولكن من شرب من نفس الكأس، وأحسَّ مرارةَ مذاقها؛ أكيداً لا يستغرب من عدم مقدرتي على التقبل، والتسليم للألم الذي انتزعها من بين أضلعي انتزاعًا. عيناي لا تنام، وبلا تردد أقومُ من فراشي لأديرَ المفتاح بهدوءٍ في بابِ غرفتها، لكي لا أوقظ النائمين في البيت فقد قاربت الساعة الثانية ليلًا، أفتحُ زرَّ المصباح فينزاح الظلام عن وجه الأشياء، أنظر إلى سريرها، إلى سجادةِ صلاتها... قرآنها، أقبّلُ بعينيَّ كلَّ شيءٍ يخصها، فأطبق جفنيَّ على دمعةٍ أبت أنْ تبقى حبيسةَ المآقي، فتسيل حارةً... تأخذ مجراها على خدي، ولا أحِبُّ أنْ أمسحها، أتركها تجفُّ هناك. فجأة تشرقُ بوجهها المبتسم وهي تقول لي مداعبة: _ رأيتك في أحلام اليقظة، ولكنّك لمّا جئت إلى الدنيا كنت أجمل من الحلم! _ لكنّي لستُ بذلك الجمال الذي تصفين، بل لا أملك منه إلا القليل؟ _ لا أعني جمالكِ فقط، هذا أمرٌ لا تستطيعين إدراكه إلا عندما تُصبحين أمًا. أولُ وجهٍ رأيتُه في عالم الدنيا، وأولُ كفين لامستني بتلك الملامسة القادرة وحدها على أنْ ترفع الخوف مهما تعاظم وتزرع الأمان، والوحيدةُ التي كانت على استعداد تامٍ للتضحية ولو كانت الكلفة الحياة ذاتها. وأولُ حجرٍ ضمّني في دفئه وحنانه وأنا أتقلبُ لا أبالي؛ لأني على يقينٍ أنني لن أسقط منه، إنّها دنياي كلُها، وتجنبت التطرق لما بعدها. إنها ملاذي الذي لا أجدُ الأمان والراحة والطمأنينة إلّا بوجوده وقربه ورضاه... تناغيني تداعبني... تلاطفني كطفلةٍ حتى بعد أنْ كبرتُ كثيرًا، وأعظمُ حبٍّ في حياتي. كنت أنامُ بين راحتيها وكأني ثملة برحيق الهناء، فيغلبني النعاس فلا أبالي لسهرها، أو تعبها أو حتى مرضها، كنت على يقينٍ تامٍ أنَّ المرض يخشاها ولا يقترب من حدودها الآمنة ... أليست هي حصني؟ فهل يمرض الحصن؟! لم أكن أعرف بردًا ولا حرًا؛ لأنَّ دفئها يغمرني، وكان يزدادُ حبُّها لي كُلّما كبرتُ أكثر رُبّما لأني بكرها، وفعلًا كنتُ أفتعلُ التعب من أجلِ عذوبة حنانها، أشتاق إليه ولا أستطيع بعدًا عنه، وها أنا اليوم بأمسِّ الحاجة إليها، وللتراب الذي تحت قدميها لأشمه. لم أعُد أقوى على مجردِ تذكرِ تلك اللحظات التي كنتُ فيها جالسةً عند رأسها، وهي تُديرُ عينيها بيننا، وكأنّها تبحثُ عن شيءٍ مفقود وجدته في وجهي، أحسستها تهمسُ إلي: ــ كوني لإخوتك أمّاً.. أجبتُها بدمعةٍ، فابتسمت بشحوب، أمسكتُ رأسها وطبعتُ قبلةً على جبينها، ويداها الناعمتان في حضني ويدي، فنزلت دمعةٌ من عينها، لأجد يدي المرتجفة تمسحها، نظرتْ أليّ نظرةً بألفِ معنى، ثم نامت نومتها الأخيرة.

اخرى
منذ 4 سنوات
488

مشاكل المراهقين ومعالجتها في فكر السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام/ الأسباب والحلول/ (4)

بقلم: حنان الزيرجاوي التغيرات والظواهر التي تظهر في مرحلة المراهقة. ١- النمو الجسماني: يسير جسم الإنسان على طريق الحياة بتغير، وهذا التغير يمتد من الطفولة والمراهقة مرورًا بفترة الشباب فالشيخوخة، ولكل فترة من عمر الإنسان صفات وتغيرات جسمانية هامة، ففي فترة الطفولة يمر الطفل بمرحلة التجريب والاختبار فيجرب كل الحركات التي تراها عيناه كالمشي والقفز والركض، فيتعلم من خلالها الطرق المعتادة للحركة فيستخدمها في اللعب واللهو، وفي فترة المراهقة يتم استخدام كل الامكانيات الجسدية لتحقيق حلم المراهق مثل الرياضة والمسابقات والقتال الجسدي والتفاخر. أمّا في مرحلة ما بعد الثلاثين فيستخدم الإنسان حركته وجسده للاستمرار في العمل وبناء الحياة، وفي كل فترة تحدث تغييرات جسمانية مهمة تساعد الإنسان على النجاح بعبور هذه الفترة الحرجة. - نأتي الآن لنتحدث عن الفتاة المراهقة. فالفتيات يمتزن بالخجل والهدوء واتباع الأسلوب الناعم بالحديث والحركة، فيبدأ صوتها وجسدها وروحها بالتغيير، يبدأ الهرمونان البروجسترون والاستروجين بضخ الدم كي يؤثر على العقل والجسد، وهما هرمونان انثويان مهمان يرسمان الطبيعة العقلية والشعورية والجسدية للفتاة، يبدأ الرحم والمبايض بعملهما فتتفاجأ الفتاة بنزول الدورة الشهرية لأول مرة في حياتها وهذه إشارة لصحة الفتاة ونضوجها، وتبدأ غدد أُخرى بالكبر كالثدي والمبايض، وهذه التغييرات مهمة جدًا للفتاة حيث تتميز عن الذكر بالكلام والتصرف والشعور، وكلما زاد تقبُّل الفتاة لهذه التغييرات كلما نجحت بحياتها الأنثوية الشاقة والتي ستتحمل من خلالها الكثير من الأحداث كالزواج والحمل والولادة. فدخول الفتاة بفترة المراهقة هي بداية للظهور الأنثوي المعروف الذي يسخر الجسد والحركة والكلام لكسب الإعجاب والإطراء. - وأما الذكور فيدخلون بمرحلة المراهقة من خلال باب الركض واللعب والمنافسة وإبراز قدرات الجسد التي تُعتبر مهمة لجذب الجنس الآخر، فيبدأ الجسد بالتحول من الضعف للقوة، وتبدأ العضلات بالبروز، وتتصبغ الحركات والمشاعر والتصرف بلون الفحولة. وهذه التغيُّرات الفسيولوجية تظهر في الذكور بالاحتلام (أي خروج المنيِّ)، وبظهور الشعر الخشن في مناطقه المعهودة، وبخشونة الصوت، وظهور ما يُسمّىٰ بحَبِّ الشباب عند بعض المراهقين. ويبدأ التنافس يستعر بين الذكور المراهقين فتبدأ جولات القتال واظهار القوة، ويبدأ التحدي للأب، فيبدو أنّ الابن قد قرر أن ينافس أباه بالرأي والرجولة واتخاذ القرار. فيرى نفسه كامل الحكمة عظيم القوة. ولذلك تبدأ مشاكل المراهقين وتشمل التعارك والاصابات وحوادث السيارات والأعمال الطائشة الاخرى كتعاطي المخدرات. ونلاحظ جلياً أن مشاكل المراهقين الذكور هي اكثر واسوأ من مشاكل المراهقات الاناث خاصة في مجتمعاتنا الشرقية. سيكون تسلّيط الضوء على طرح التغيرات العامة والشائعة التي تنتاب الفرد في هذه المرحلة عن طريق تقسيمها إلى ثلاث أقسام وهي: النمو الانفعالي والنفسي، وكلاهما على نوعين سلبي وايجابي، فيجب التفريق بينهما: - فالنمو الانفعالي هو نتيجة الهرمونات التي تُضخ للدم وتؤثر على الكثير من الهرمونات الأُخرى والانزيمات. والتي بدورها تتحكم بصبر وانفعال وتسرع المراهق. فهو يبدأ ينظر لنفسه وكأنَّه أصبح رجلًا مُدرِكًا لكل الأمور، والفرق بين المراهق والكبير من ناحية الانفعال هو مقدار الخبرة بالحياة وتجربة المواقف والمعرفة الحياتية. فالمراهق ضعيف الخبرة والدراية ولذلك لا يتحكم بانفعالاته وهذا الضعف قد يسبب معاندة الأبوين والتمرد عليهما وعدم القناعة بما يقدمانه لابنهما او بنتهما. ويحاول أنْ يستقلَّ في تصرُّفاته عمَّن كانوا يُوجِّهونه لسنواتٍ عديدة. والانفعال يؤدي للتسرع والذي بدوره يؤدي للحوادث كالمغامرات والقتال وتعاطي المخدرات. وتظهر منه ردّات فعل إزاء بعض الأوامر من غيره. وأحيانًا يسبب انفعال المراهق التمرد والدخول بالأخطاء كنوع من الاحتجاج على الأبوين أو المجتمع فيهرب أو يقتل أو يسرق أو ينحرف او او....إلخ. ويحدث هذا للجنسين على حد سواء. يحسُّ برغبة في الظهور والبروز ولو من خلال مخالفة القوانين والتقاليد والأعراف والانشقاق على الواقع. - أمّا النمو النفسي فهو البحث عن الهوية. ففترة المراهقة تعتبر بداية معرفة المراهق بنفسه، فيبحث عن الايجابيات والسلبيات في ذاته، عن مناطق القوة والضعف. عن النور والظلام في داخله، ويبحث عن أهدافه. فتراه تارة يغامر ويقامر. يسافر ويهاجر. يعمل ويكسل. يساعد الناس وأحيانًا يؤذيهم. كل ذلك لإيجاد نفسه وتحديدها إن كانت جيدة أم سيئة. وبسبب قلة الخبرة الحياتية نرى بعضهم يضيع ولم يجد هويته ومكانته في الحياة. ويشمل ذلك الجنسين أيضًا. وأحيانًا يحسُّ برغبة في تكوين مجاميع من المراهقين أمثاله، وهنا قد يكون المراهق قياديًا، وقد يكون تبعيًا، وقد يُمثِّل بعضهم العنصـر المتخاذل، وآخر يُحِبُّ أنْ يجني الثمرات من دون أدنىٰ تعب. و قد تظهر عند بعضٍ منهم ميول نحو السفر خارج بلده الذي عاش فيه. (٢) وتظهر هذه التغيُّرات الانفعالية والنفسية علىٰ سلوك المراهق عبر عدَّة مظاهر مختلفة من شخص لآخر. ولا ننسى أنّ النمو الانفعالي والنفسي قد يكون ايجابياً فيساهم باستقرار الفكر والنفس فيكبر المراهق على طريق جيد وقد يكون سلبياً فيضيع وتضيع أهدافه جميعها، ويصاحب هذه التغيُّرات ازدياد ملحوظ في ذكاء المراهق (1). النمو الاجتماعي لدى المراهقين: ويشمل النمو الفكري، والثقافي، والاقتصادي، والإنساني، والأسري. - النمو الفكري: هو نمو التفكير لدى المراهق، فتفكير الطفل يبقى محدودًا باللعب والترفيه والطعام، ولدى دخوله بالمراهقة يتغير الطموح والتوجه ويصبح ميّالاً للتحصيل العلمي والدراسة، فيبدأ بالبحث عن سبل تطوير التفكير من خلال التوجه لقراءة الكتب، وتقليب صفحات التواصل الاجتماعي، ويبدأ بالتعرف على المبادئ العامة وحسن السلوك والتصرف أو يبحث عن طرق منحرفة تعكس إحساسه المشوه بالمجتمع، فأحيانًا يتحلى بالقيم وأحيانًا أُخرى يضربها عرض الحائط. - النمو الثقافي: يحتاج المراهق لأن ينمو ثقافيًا وتاريخيًا فيتعلم ثقافة مجتمعه وموروثاته الفنية والأدبية والدينية، ولا بد للأصدقاء من التأثير عليه سلبًا أو إيجابًا كي يكون جزءاً لا يتجزأ من هذا المجتمع. والمعرفة التاريخية مهمة فمن خلالها يتم تعيين أهداف المجتمع المستقبلية، ولكن كل هذا يعتمد على رغبة المراهق وأحاسيسه. - النمو الاقتصادي: يبدأ في سن المراهقة حيث تبدأ النزعات والغرائز التي ترتكز بالأساس على العمل والانتاج والتحصيل المالي وفي هذه الفترة تحدث صراعات نفسية واجتماعية كثيرة حيث تنصدم رغبة المراهق للعمل بواقع المجتمع الذي يوفر القليل من هذه الفرص، وإذا أخذنا بعين الاعتبار رغبة المراهق ببناء مستقبله فسيحدث صراع نفسي قد يسبب للمراهق الاكتئاب وحتى الانتحار، لذلك توفير فرص العمل يعتبر من الأشياء الأساسية لدى أي مجتمع. ويتنافس المراهق مع البقية من أقرانه في استحصال المال الذي قد يسبب الحسد والغيرة والكراهية. - النمو الإنساني: ينمو المراهق إنسانيًا ونموه هذا قد يساعد المجتمع أو يساهم في هدمه، فبعضهم تنمو لديه نزعة الكراهية للمجتمع لأسباب نفسية أو موروثة من أبويه فينحرف ويسرق ويقتل ولا يعير للبشر أي اهتمام، بينما هناك مراهقون يتحلون بالصبر والطيبة وحب مساعدة الضعفاء، فقد يكون المراهق عضوًا بنّاءً في المجتمع أو يكون عضوًا هدامًا. - النمو الأسري: وهو من اسمى سمات النمو المجتمعي لما فيه من توجهات اخلاقية وترابطية وإنسانية، فالنمو الذي ينتهي بالزواج وتكوين الأسرة هو الأفضل والأكمل لأن ذلك يبعد المراهق عن الانحراف والمشاكل، وهنا لا أعني أنّ على المراهق أن يفكر بالزواج لكن عليه أن يبدأ بالتفكير في تكوين أسرته الخاصة مستقبلًا، ويتكامل على مر السنين والخبرات ليصل لتلك القناعة لتكوين أسرة، فتكوين الأسرة ليس قرارًا سريعًا نتخذه في يوم واحد. بل هو مشروع علينا التخطيط له لسنين طويلة، فإنّ بناء الأُسرة يجب أن يكون ناجحًا ومستقرًا ويجب أن يكون نظامًا شبكيًا فهو يرتبط أيضًا بكثير من الأسر الأُخرى. فإن كانت الأسرة مستقرة فسيؤثر استقرارها على بقية الأسر. وبهذا يمكن أن نصل إلى التالي: إنَّ تحديد سنٍّ محدَّد لبداية المراهقة أو لنهايتها من الصعوبة بمكان، ذلك لأنَّ تلك التغيُّرات تتأثَّر في كثير من الأحيان بنوع الثقافة التي يعيشها الفرد والجوّ الأُسري ونوع الإلتزام الديني ونوع الجوِّ المدرسي وجوِّ الرفقاء، وحتَّى المُناخ له علاقة بظهور بعض تلك التغيُّرات، فمثلًا في المناطق الحارَّة تطمث الفتاة قبل مثيلاتها في المناطق الباردة، وهكذا. والمهمُّ في تحديد المراهقة إذن هي ملاحظة تلك التغيُّرات الفسيولوجية والنفسية (3). ______________________________ ١- الطفولة والمراهقة لسعد جلال (240 - 242) بتصرُّف. 2- رسالات تربوية - الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي 3- رسالات تربوية - الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

اخرى
منذ 4 سنوات
734

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76843

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56651

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44113

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43539

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40350

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33541