Profile Image

علوية الحسيني

يُريدُ أن يسلكَ العِرفان

نلاحظ في وقتنا هذا اندفاع الكثير من الناس إلى كتب العرفان, والجميع يتمنى أن يكون عارفاً ، دون مرشدٍ ومنهجٍ سليم, فضلاً عن اتباعه لكتب الصوفية، المؤدية إلى الانحراف العقائدي، -إلاّ مَن عصمه الله-. ولو اطلعت على قلوبهم لولَّيتَ منهم فراراً! فتجد الأغلب يريد أن يحصل على تلك القوى و المراتب ليعلم الغيب و ما يفعله الناس بالغيب و الخلوات !. والبعض يريد أن يحصل على الكيمياء و السيمياء !. في حين إنّ العرفان هو : التجرّد لله وحده. وانكار الذات والإخلاص له. وتهذيب النفس وتأديبها. والغور في علوم التوحيد والعدل والمعاد. وإزالة الحُجُب. وكسر أصنام العبودية. بعدها يمكنك أن تتعرف إلى الله من خلال كلّ شيء في هذا الكون؛ لأنّ مخلوقات الله هي آثار عظمته. نعم، يوجد مكان واحد فقط تستطيع أن تبحث فيه عن الحق تعالى، وهو قلب عاشق حقيقي لله. فلَم يعشْ أحد بعد رؤيته, ولَم يمُتْ أحد بعد رؤيته، بتلك الرؤية القلبيّة, فمن يجده يبقَ معه إلى الأبد. أهلُ العرفان كبريتٌ أحمر وهم آحاد الآحاد من أهل الله . إذا نظر لك أحدهم أحرق وجودَك , وهذّبَك بلمحات بصره. علوية الـحُسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
4768

دوران الأرض حول الشمس؟ أم دوران الشمس حول الأرض؟

يعدّ جاليلو ذلك العالم الإيطالي أول من اكتشف أنّ الأرض تدور حول الشمس، قد اهتدى أيضاً إلى أنّ الأرض تدور حول نفسها. ويلوح أنّ هذا الباحث الفيزيائي والمنجّم، الذي يدين له التقدم العلمي في العالم بفضل القوانين العلمية التي وضعها لأول مرّة، والذي مات بعد اكتشاف أمريكا بقرن ونصف قرن، كان يقول بدوران الأرض حول الشمس فقط، وأنّ محكمة التفتيش العقائدية (انكيزيسيون) حاكمت جاليلو، لمجرد أنّه قال أنّ الأرض تدور حول الشمس، وأكرهته على التوبة والاستغفار! وبعد ذلك بدأ البحار البريطاني (فرانسيس دريك) رحلة حول الأرض في سنة 1577، واستمرت رحلته إلى عام 1580، وكان ذلك بعدما اشتهرت نظرية (كروية الأرض) وشاعت في مختلف الأوساط. ولكنه لم يكن يعلم بدوره ما إذا كانت الأرض تدور حول نفسها أو لا؟ ولكي نفطن إلى أنّ نظرية (دوران الأرض حول نفسها) كانت من النظريات البعيدة عن الإدراك والفهم، فتتعين الإشارة إلى أنّ عالم الرياضيات الفرنسي هنري بوانكاره (Henry Poincarre) الذي توفي عام 1912م عن عمر ناهز السابعة والخمسين وكان يعد ألمع عالم في الرياضيات في هذا العصر، كان يمزح ويقول: إنني غير متأكد من أنّ الأرض تدور حول نفسها. فإن صح بأنّ عالماً فذاً كهنري بوانكاره تشكّك، ولو على سبيل الفكاهة في مطلع القرن العشرين بأنّ الأرض تدور حول نفسها، فمن اليسير علينا أن ندرك ماذا كان الناس يتصورون أو يقولون بشأن هذه النظرية في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي (النصف الأول من القرن الثاني الهجري) إذ كان قبول هذه النظرية شبه مستحيل. ودوران الأرض حول نفسها لم يثبت علمياً إلاّ بعدما وضع الإنسان قدميه على سطح القمر، وشاهد الكرة الأرضية من هناك وسجل حركتها. أمّا قائدوا المكوكات الفضائية فلم يتمكنوا من تسجيل حركة الأرض حول نفسها قبل وصول البشر إلى القمر، لأنّ مراكب الفضاء كانت تنطلق بسرعة فائقة وتدور حول الأرض مرة في كل 90 دقيقة، ولم تثبت أقدام رواد الفضاء في نقطة ما ليشاهدوا منها حركة الأرض، ولكن هذا تحقق من سطح القمر ومع أجهزة التصوير الدقيقة فشاهدوا عندئذٍ حركة الأرض وصوروها أيضاً. لقد سبق الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) الغرب بعلومه ودقّة ماتوصل إليه، حيث روي عن هشام الخفاف، قال: قال لي أبو عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام): كيف بصرت بالنجوم؟ قال، قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني. فقال: كيف دوران الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها. فقال: فإن كان الأمر على ما تقول، فما بال بنات نعش والجدي والفرقدين لا يُرَوْنَ يدورون يوماً من الدهر في القبلة؟ 《وفي المناقب: لا تدور يوماً من الدهر في القبلة؟》 قال، قلت: والله هذا شيء لا أعرفه، ولا سمعت أحداً من أهل الحساب يذكره. فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءاً في ضوئها؟ قال، قلت: هذا والله نجم ما سمعت به، ولا سمعت أحداً من الناس يذكره. فقال: سبحان الله، أسقطتم نجماً بأسره، فعلى ما تحسبون؟... الى آخره من الكافي ج8 ص351، و المناقب ج4 ص265) وهنا يسقط الإمام نظرية دوران الشمس حول الأرض لأنّها إن صحت، فكيف نهتدي بالجدي ونراه (والجدي نجم في القطب يهتدى به إلى القبلة). وبنات نعش والفرقدان لا تترك مواقعها، وإنما الأرض التي تتحرك حول نفسها ثم تتحرك في دائرة أوسع حول الشمس. -فإن قيل: والعلم الحديث مارأيه؟ قلنا: بفضل التقدم العلمي والصناعي الذي تحقق للإنسان في القرن العشرين، عرف أنّ كل نجم في منظومتنا الشمسية يدور حول نفسه، وأنّ حركة النجوم في المنظومة الشمسية تخضع لقوانين ميكانيكية دقيقة، وأنّ كرة الشمس التي تدور حولها الكرات الأخرى، والتي تمثل القطب أو المركز، تدور بدورها حول نفسها وتتصل حركتها حول نفسها في منطقة خط الاستواء فتمتد إلى مرة في كل 25 يوماً. وعندما اخترع جاليلو المنظار الفلكي، استطاع بمساعدته رصد المنظومة الشمسية والأجرام، وأيقن أنّ هذه الأجرام تدور كذلك حول نفسها. ولكن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) اكتشف هذه الحقيقة العلمية قبله باثني عشر قرناً، وقال (أنّ الأرض تدور حول نفسها)، وأنّ تعاقب الليل والنهار ليس سببه حركة الشمس حول الأرض. ثم قال إنّ مثل هذه الحركة مستحيلة مع دوران الشمس في منطقة البروج، وأنّ الليل والنهار ناشئان عن حركة الأرض حول نفسها. فيصبح نصف الكرة الأرضية في نهار مشرق، ونصفها الآخر في ليل مظلم. تُرى ما الذي جعل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يكتشف أنّ الأرض تدور حول نفسها فيتعاقب الليل والنهار بسبب ذلك. سابقاً بذلك العلماء جميعاً، ومنذ اثني عشر قرناً؟! في حين أنّ علماء القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين الذين أشرنا إلى أسماء بعضهم، قد اهتدوا إلى القوانين الميكانيكية للنجوم دون أن يتوصلوا إلى حقيقة دوران الأرض حول نفسها، وفي حين أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) يعيش في منطقة بعيدة كل البعد عن عواصم العلوم في روما واليونان، فكيف اكتشف هذه الحقيقة؟ ولقد كانت هناك عواصم علمية في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) هي أنطاكية والقسطنطينية وجنديسابور وبغداد، ولكنها لم تكن قد برزت بعد، ولا وجد فيها من اكتشف هذه النظرية. وهنا سؤال: هل كان الإمام الصادق (عليه السلام) الذي اهتدى إلى هذه الحقيقة العلمية، على علم بقوانين ميكانيكية النجوم؟ وهل كان يعرف أنّ هذه الأجرام تدور حول نفسها وحول الشمس وفقاً لقانون الجاذبية بجانبيه الموجب والسالب، الجاذب والطارد، الصادر من القاعدة أو المركز والعائد إليها؟ فلا يستبعد أبداً أن يكون الإمام العالم جعفر الصادق (عليه السلام) الذي اكتشف نظرية (دوران الأرض حول نفسها)، قد توصل قبل ذلك إلى قانون الجاذبية. فهذا القانون هو أساس تلك النظرية، ومن المنطقي أن يكون اهتداؤه إلى قانون الجاذبية قد هون عليه الاهتداء إلى نظرية دوران الأرض حول نفسها(١). أمّا علماء الوهابيّة فشذوا عن العلم وأهله، ففي سؤال وجه لموقع الشيخين ابن باز وابن عثيمين مفاده: "أصحيح أن الشيخين ابن باز وابن العثيمين… أفتيا بعدم دوران الأرض وأن الشمس التي تدور حول الأرض ومن قال غير ذلك فقد كفر؟ وإن كان صحيحا كيف يمكن أن يسمح علماء أجلاء كابن باز وابن العثيمين المسموعين في العالم أن يجعلون شبهة كهذه على القرآن الذي لا يتضارب مع العلم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا. الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: ... قد أثبت في المقال فيما نقلته عن العلامة ابن القيم ما يدل على إثبات كروية الأرض أما دورانها فقد أنكرته.. ولكني لم أكفر من قال به وإنما كفرت من قال إن الشمس ثابتة غير جارية لأن هذا القول مصادم لصريح القرآن والسنة المطهرة. اهـ. وكذلك نفى العلامة ابن عثيمين دوران الأرض ولم يكفر من قال به كما في فتاواه. والسبب في عدم قولهم بدوران الأرض هو عدم صحة الدليل النقلي عندهما في ذلك بالإضافة إلى ظنهم أن إثبات دوران الأرض مجرد نظريات قابلة للنقض"(٢). ووجه سؤالاً لشيخهم العلاّمة الجابري مفاده: "هل اعتقاد بأنَّ الأرض تدور حول الشمس - كما يقول الفلكيون - يعتبر من الكفر؟ الجواب: أقول: الذي دلَّ عليه القرآن والسُّنة أنَّ الدوران للشمس هي التي تدور تمشي والأرضُ ثابتة، ومن الأدلة على أنَّ الأرض ثابتة والشمس هي التي تمشي وتجري الحديث الصحيح؛ وهو أن يوشع بن نون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خليفة موسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - وارث النبوة بعدهما؛ دنا من بيت المقدس وقد مالت الشمس إلى الغروب فقال: ((إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ)) فلو كانت الأرض هي التي تدور لكان خِطابُ هذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للشمس لغو والأنبياء منزَّهون، هذا يعني القول بأنَّ الشمس هي الثابتة هذا تكذيبٌ للقرآنِ والسُّنة وهي نظريةٌ كافرة والفلكيون أكثرهم جُهَّال"(٣). ____________________ (١)ظ: الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: ترجمة د.نور الدين آل علي. (٢)موقع اسلام ويب. (٣)شبكة سحاب السلفية. فالحمدُ لله على نعمة موالاة معدن العلم والحكمة، وصلّى الله عليهم جميعاً صلاةً بمنتهى الكلمة. علوية الحسيني.

اخرى
منذ 6 سنوات
8470

تفشي السِّحرُ والشعوذة

تفشي السِّحرُ والشعوذة ____________________ وصلتني رسالة مِن إحدى الأخوات تنقل حال بعض النسوة اللواتي يترددْنَ على أماكن السِّحرِ؛ وهدف الأغلبيّة مِن زيارتهن هو (الحفاظ على ازواجهن لأغراضٍ عديدةٍ). وتمادت البعض منهن إلى الاشتراك مع تلك المرأة المشعوذة بشتّى الأعمال، منها: اخراجُ ميّت مِن قبرهِ وأخذ عيّنة مِن دماغهِ ، بدعوى أنّ السحرَ يكون قوي المفعول لو انعقد بعيّنةٍ مِن دماغِ الموتى!. ومِن تلك الأعمال أيضاً: كتابةُ آياتِ القرآنِ الكريم بالدماء ! والــــــعياذُ بالله مِن الشيطانِ وجنودهِ. ويعتقد الباحثون أنَّ أغلب زبائن المشعوذين من النساء اللواتي يفتقرْن للتعليم، لكن الواقع أن بعضهن يحملْن شهادات عليا، ولا يقتصر الأمر عليهن بل يتعدى إلى العديد من السياسيين والسياسيات، فهذا يدل على تردّد الرجال على تلك الأماكن. ولهذا اقتضت الضرورةُ مناقشة الموضوع من جوانبٍ عديدة، لعلّ وعسى يرعوي أهل الغيّ عن غيّهم ولو بأحد تلك الجوانب. ■مناقشة الموضوع قرآنيّاً: نجد أنّ الله تعالى في كتابه الكريم قد وصفَ السحر ببئسَ العمل، حينما تطرّق لقصة هاروت وماروت بقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(١). ■مُناقشـة الموضوع روائيّاً: رويَ عن رسول الله صلى الله عليه واله: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر ، ومدمن سحر ، وقاطع رحم )(٢). وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (من تعلّم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كـفر، وكان آخر عهده بربه، وحدّهُ أن يقتل إلاّ أن يتوب) (٣). وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: (الساحر كالكافر في النار)(٤). وروي عنه أيضاً: (أقبلت امرأة إلى رسول الله «صلى الله عليه واله» فقالت: إن لي زوجاً وبه غلظة عليَّ وإنّي صنعت شيئاً لأعطفه عليَّ؟ فقال لها رسول الله « صلى الله عليه واله»: أفٍ لك كدرّتِ البحار، وكدرّتِ الطين ولعنتْك الملائكة الأخيار، وملائكة السماء والأرض)(٥). ■مُناقشـة الموضوع فقهيّاً: لا أحد من الفقهاء يفتي بجواز العمل بالسحر مطلقاً، ومن يراجع الرسائل العمليّة لمراجعنا الكرام سيجد ذلك. فالمرجع الأعلى السيّد السيستاني دام ظله يقول: بأنّ "عمل السحر و تعليمه و تعلمه و التكسب به حرام مطلقا و إن كان لدفع السحر على الأحوط ، نعم يجوز بل يجب إذا توقفت عليه مصلحة أهم كحفظ النفس المحترمة المسحورة ، و المراد بالسحر ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما ، و في كون تسخير الجن أو الملائكة أو الإنسان من السحر إشكال ، و الأظهر تحريم ما كان مضرا بمن يحرم الإضرار به دون غيره"(٦). ■مناقشة الموضوع قانونيّاً: قانون العقوبات الجنائي بدوره وضع عقوبةً لفعل ثانوي مترتب على فعل السّحر وهو هتك حرمة الموتى، حيث نصّت احدى مواده على العقوبة بالقول: "يُعاقَب بالحبس مدّة لاتزيد عن سنتين، وبغرامة لاتزيد على مائتي دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مَن انتهكَ عمداً حُرمةَ جثّةٍ، إو جزءٍ منها، أو رفات آدمية، أو حسرَ عنها الكفن..."(٧). ___________________ (١) البقرة: ١٠٢ . (٢) وسائل الشيعة. (٣) المصدر نفسه. (٤) المصدر نفسه. (٥) المصدر نفسه. (٦) منهاج الصالحين: السيّد السيستاني دام ظله، ج٢، مسألة ٢٣. (٧) قانون العقوبات العراقي/ رقم ١١١، لسنة ١٩٦٩، المادة ٣٧٤، الفصل الثالث.

اخرى
منذ 6 سنوات
12428

الردُ على المُنادِينَ بتحريرِ المرأة

بعدَ الانفتاح التكنلوجي الذي يعيشه مجتمعنا أخذت بعض نسائنا تنجرف مع كلّ قولٍ بدعوى الحريّة، والمناداة بتحرير المرأة من الحجاب، أو إثارة الشكوك حوله، لذا واجب على المرأة الرسالية ان تكون ملمّة بالرد المقنع؛ انطلاقاً مِن مبدأ (الحجاب تراثنا). وفي هذا البحث سوف نسلّط الضوء على بعض الشبهات التي أثارها الغرب حول المرأة والـحجاب مـع أجوبتها؛ لتكون بين يديّ المرأة الرساليّة، وتتخذها سلاحاً لمواجهة الشبهات ضمن عدة مطالب. المطلب الأول: دحض شبهة أن الإسلام لايحترم المرأة: تعالت أصوات الباطل مناديةً بتحرير المرأة لعدم احترام دين الله لها ، وأنّه يجعل مستواها دون مستوى الرجل! والحال أنّ الله تعالى جعلَ مستوى المرأة بمستوى الرجل في الحظوة الإنسانيّة الرفيعة حينما كانت وضيعة القدر في الجاهلية، فجعلها الإسلام ذات مستوى رفيع بقوله تعالى {لِلرِجالِ نَصيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وَلِـلــنِساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ}(1) . وقوله تعالى: {وَلـَهُنّ مِثلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوف}(2). فالقرآن الكريم لم يتحدث عن ذكورة أو أنوثة الإنسان بــل تحدّث على سواء، فالمرأة مِثل الرجل نفخَ الله فيها مِن روحه، والمرأة مِثل الرجل أودع الله فيها صفاتٍ حميدة، والمرأة مِثل الرجل تُجازى على عملِها صالحاً كانَ أو سيئاً. يقول تعالى: {إنَّ أكْرِمِكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُم}(3), ويقول سبحانه: { المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِماتِ وَالمُؤمنينَ وَالمُؤمِناتِ وَالقانِتينَ وَالقانِتات .......أعَدّ الله لَهُم مَغفِرةً وَاجراً عَظِيمَا ً}(4). وبهذا يتضح للقارئ منزلة وتوقير المرأة في القرآن الكريم. المطلب الثاني: دحض شبهة إمكان مساواة المرأة مع الرجل: عرفنا أن الله تعالى ساوى الذكر مع الاُنثى بالنوع الــبشريّ، ولا تزال هذه الأصالة موجودة، لــكن هناك خصائص نفسيّة وعقليّة ميّـزت أحدهما عن الآخر في التكوين الذاتي لهما ممّا أدّى إلى وجود الفارق في توزيع الوظائف التي يقوم بها كلّ منهما في الحياة. حيث وزّعت تلك الوظائف بما يُناسب مؤهلات كلّ من الذكر والأُنثى، وهذا راجعٌ إلى عــدله وحكمته سبحانه في التكليف لعباده. مــثال/ إنّ معطيات الرجل الخلقيّة والخُلُقيّة تختلف عمّا هي عليه في المرأة, كـما تختلف طبيعتها الانثويّة الرقيقة (5) عن طبيعة الرجل الصلبة، وهذا سبب في الصمود عند مقاومة الحوادث. إذاً هي تعادل الرجل في الحقوق لــكن القوامة والحماية تُلقى على عاتق الرجل، فــهذا الذي استوجب تميّزاً (وَلِلرِّجالِ عَلَيهِنّ دَرَجَة)، وقد علّل القرآن الكريم ذلك بقوله (الرِّجال قوّامُونَ على النِساءِ َبِـمـا فَضّلَ اللهُ بَعضُهُم على بَعضٍ وبما أنفَـقُوا مِن أموالِهِم(6). المطلب الثالث: دحض شبهة أنّ القرآنَ أهان المرأة بالضرب في قوله تعالى:{وَالَّـتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيّاً كَبِيراً﴾. وجوابها مع التفسير: (7) إن النصَ ليس مطلقاً بل جاء مقيّداً بشروطٍ ومرتّباً بدرجات، فالنسوة اللاتي يتخلفنَ عن القيام بوظائفهنّ وواجباتهنّ، وتبدو عليهنّ علائم النشوز وأماراته فإِنّ على الرجال تجاه هذه الطائفة من النساء واجباتٍ لابدّ من القيام بها مرحلةً فمرحلة. وعلى كلِّ حالٍ يجب أن يراعوا جانب العدل, ولا يخرجوا عن حدوده ، وهذه الوظائف هي بالترتيب: ١- الموعظة: إِنّ المرحلة الأُولى التي على الرجال أن يسلكوها تجاه النساء اللاتي تبدو عليهنّ علائم التمرد والنشوز والعداوة، تتمثل في وعظهن كما قال سبحانه في الآية الحاضرة: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن). على هذا فإِنّ النساء اللاتي يتجاوزنَ حدود النظام العائلي وحريمه لابدّ قبل أي شيء أن يذكرن - من خلال الوعظ والإِرشاد - بمسؤولياتهنّ وواجباتهنّ ونتائج العصيان والنشوز. ٢- الهجر في المضاجع: وتأتي هذه المرحلة إِذا لم ينفع الوعظ ولم تنجع النصيحة (واهجروهنّ في المضاجع)، وهذا الموقف والهجر وعدم المبالاة بالزوجة وعدم الرضا عنها هو طريق للإصلاح، إذا لعل هذا الموقف الخفيف يؤثر في أنفسهنّ. ٣- الضرب: وأمّا إِذا تجاوزن في عصيانهنّ، والتمرد على واجباتهنّ ومسؤولياتهنّ الحدّ، ومضينَ في طريق العناد واللجاج دون أن يرتدعْن بالأساليب السابقة، فلا النصيحة تفيد، ولا العظة تنفع، ولا الهجر ينجح، ولم يبق من سبيل إلاّ استخدام العنف، فحينئذ يأتي دور الضرب (فاضربوهنّ) لدفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ الزوجية لانحصار الوسيلة في هذه الحالة في استخدام شيء من العنف. ولهذا سمح الإِسلام في مثل هذه الصورة بالضغط عليهنّ ودفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ من خلال التنبيه الجسدي. مع ملاحظة أنّ التّنبيه الجسدي المسموح به هنا يجب أن يكون خفيفاً، وأن يكون الضرب ضرباً غير مبرحاً -أي لا يبلغ الكسر والجرح- لا الضرب البالغ حد السواد كما هو مقرر في الكتب الفقهية. المطلب الرابع: دحض شبهة كيف سمح الإِسلام للرجال بأن يستخدموا بأسلوب التنبيه الجسدي المتمثل بالضــرب، ويتجاوزوا به على نسائهم؟: إنّ الجواب عن هذا الإِعتراض يبدو غير صعب بملاحظة معنى الآية والروايات الواردة لبيان مفادها وما جاء في توضيحها في الكتب الفقهيّة، وأيضاً بملاحظة ما يعطيه علماء النفس اليوم من توضيحاتٍ علمية في هذا المجال، ونلخص بعض هذه الأمور في نقاط: أوّلا: إِنّ الآية تسمح بممارسة التنبيه الجسدي في حق مَــن لا يحترم وظائفه وواجباته، الذي لا تنفع معه أيّة وسيلة أُخرى. ومن حُسن الصدفة أنّ هذا الأسلوب ليــــس بأمرٍ جديدٍ خاص بالإِسلام في حياة البشر، فـــجميع القوانين العالميّة تتوسل بالأساليب العنـيفة في حق مَن لا تنجح معه الوسائل والطرق السلميّة لدفعه إِلى تحمّل مسؤولياته والقيام بواجباته، فإِن هذه القوانين ربّما لا تقتصر على وسيلة الضرب، بــل تتجاوز ذلك - في بعض الموارد الخاصّة - إِلى ممارسة عقوبات أشـــد تبلغ حدّ الإِعدام والقتل! ثانياً: إنّ التّنبيه الجسدي المسموح به هنايجب أن يكون خفــيفاً، وأن يكون الضرب ضرباً غــير مبرح، أي لا يبلغ الكسر والجرح، بل ولا الضرب البالغ حدَّ السواد كما هو مقرر في الكتب الفقهيّة. ومن المسلّم به أنّ أحد هذه الأساليب لـــو أثر في المرأة الناشزة ودفعتها إِلى الطاعة، وعادت المرأة إِلى القيام بوظائفها الزوجية فلا يحق للرجل أن يتعلل على المرأة، ويعمد إِلى إِيذائها، ومضايقتها حتى تعود إِلى جادة الصواب والاستقامة في سلوكها، ولهذا عقـّب سبحانه على ذكر المراحل السابقة بقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) المطلب الخامس: بالنسبة لقوله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} لو قيل: إِن مثل هذا الطغيان والعصيان والتمرد على الواجبات الزوجية والعائلية قد يقع من قبل الرجال أيضاً، فهل تشمل هذه المراحل الرجال أيضاً؟ أي أيمكن ممارسة هذه الأمور ضد الرجل كذلك، أم لا؟ الجواب: نعم.. إِنّ الرجال العُصاة يُعاقَبون حتى بالعقوبة الجسديّة أيضاً - كما تُعاقب النساء العاصيات الناشزات - وغاية ما هنالك أن هذه العقوبات حيث لا تتيسر للنساء، فإنّ الحاكمَ الشرعي مكلّفٌ بأن يذكّر الرجال المتخلّفين بواجباتهم وظائفهم بالطرق المختلفة وحتى بالتعزير (الذي هو نوع من العقوبة الجسدية). وقصّة الرجل الذي أجحف في حق زوجته ورفض الخضوع للحق، فعمد الإِمام علي(عليه السلام) إِلى تهديده بالسيف وحمله على الخضوع، قصةٌ معروفة. ثمّ أنّ الله سبحانه ذكّر الرجال مرّة أُخرى في ختام الآية بأن لا يسيؤوا استخدام مكانتهم كقيّمين على العائلة فيجحفوا حق أزواجهم، وأن يفكروا في قدرة الله التي هي فوق كل قدرة (إِنّ الله كان علياً كبيراً). المطلب السادس: دحض شبهة أنّ الحجاب للمرأة تقييدٌ لحريّتها وهو كـالحبسِ لها: والجواب على ذلك يُقال: انّ هناكَ اختلافاً كبيراً بين أن تُحبَس المرأة وبين أن يُطلب منها السـتر إذا أرادت مواجهة رجلٍ أجنبيّ, وحبسُ المرأة لا وجود له في الدّين الإسلاميّ. إنما الحجابُ في الإسلام واجبٌ ملقى على عاتق المرأة يُطلَب منها بموجبه أن تكونَ متســترةً بصورةٍ معيّنةٍ عــند معاملتها مع الرجل الأجنبيّ، ولــــيسَ الرجل هو الذي فرضَ عليها هذا الواجب كمّا يدّعي البعض محاولين تشويه صورة الحجاب. فإن قــيل: لماذا إذاً فُرِضَ الحجابُ على المرأة؟ نقول: اقتضت رعاية بعض الشؤون الإجتماعيّة الخاصّة وضع بعض القيودِ على الرجلِ وعلى المرأة كذلك، بحيث يُلزمهما أن يسلكا سلوكاً معيّناً للحفاظ على هدوء الآخرين وراحة أعصابهم وعدم الإخلال باتزانهم الأخلاقيّ، فإننا لايمكن أن نطلق على تلكَ القيود اسم (الحبس) أو (الحَجر) أو (الاستعباد)، بــل لا نعتبرها منقصةً لكرامة الإنسان وسلباً لحريّته. ولــو أردنا أن نسميَ حجاب المرأة (ســجناً للحريّة) فــماذا نسميَ العقوبات التي تفرضها القوانين الوضعيّة على الرجل في بعضِ دول الغرب إذا خرجَ إلى الشّارع بـمظهرٍ غــيرلائق؟! فهـل هذا سجنٌ لحريّتهِ ؟ أم ذلك نوعٌ مِن التوازن الأخلاقيّ؟ إذاً فحجاب المرأة صون للمرأة ووقار وأمان من الأجلافِ والمراهقين والنزقين، فما حجابها إلاّ شرفٌ وتوقيرٌ لها، فــكثيراً مـا يكون الزيّ والهيئة ناطقان عن شخصيّة الإنسان، بالإضافةِ إلى طريقة كلامه ومشيته. وخيرُ مثالٍ على ذلك هو هندام وهيئة رجلِ الدّين بعمامتهِ، ومسبحته الذي يوحي للملأ بالتقوى والوقار والخشوع والأدب. وهندام وهيئة الضابط بنجومهِ وأوسمتهِ العسكريّة الذي يوحي للجنود أن قفوا لي إجلالاً وخذوا لي التحيّة، فهكذا المرأة وهندامها وحجابها. __________________________ (1) النساء/٢٣. (2) البقرة/٢٨٨. (3) الحجرات/١٣. (4) الأحزاب/٣٥. (5) المرأة ريحانة وليست قهرمانة, الحديث في نهج البلاغة. (6) النساء/ 34. (7) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزّل.

اخرى
منذ 6 سنوات
2802

إثبـات بعض مناسك الحـج مِن كتاب الانـجـيل

لـم ينفرد المسلمون بأداء تلك الفريضة المقدّسة، بل لو تتبع القارىء تاريخ الأديان لوجد تجسّد تلك العبادة إلى مناحٍ مختلفة. ولا يخفى إنّ لبعض العباد مكاناً وزمانً تختص بهما؛ للشرفيّة، كاختصاص الكعبة المشرّفة بعبادة الحج، وكاختصاص شهر رمضان بعبادة الصوم، وما ذلك إلاّ تعبّداً بالنص الوارد عن الله تعالى. ومِن السذاجة عدّ تلك الأمكنة أو الأزمنة آلهة تُعبد دون الله تعالى؛ إذ هو سبحانه مَن شرّعها لذلك, فأنّى له بأن يدلّنا على الشرك ؟! وهو سبحانه بقول في كتابه الكريم: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)(1). ولإيصال الجواب نضرب مثالاً عقليّاً، ونقول: لـو أقامت أحدى الدول تمثالاً لشخصية مهمّة كـتذكار له ومواقفه، هـل يعني أنها تحث على عبادة ذلك التمثال؟! العقل يجيب هاتفاً: "كلا"، فكذلك نصب الكعبة المشرّفة. إنّ الكعبة هي بيت الله الحرام الذي بني لتُقام فيه وعنده الصلوات لله وحده لاشريك له، وقد قيل لإبراهيم وهو يؤسسه: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(2). فها هي الكعبة أول بيت بني في الدنيا لتوحيد الله عزّ وجل، وما يؤدّى فيها مِن مناسك فإنّه مذكورٌ على الأغلب في كتب بعض الأديان, ومنها الإنجيل. فبحسب سفر التكوين – أحد أسفار العهد القديم في الانجيل- تنصّ النصوص التالية على أنّ اللهَ تعالى قد أمرَ النبيّ إبراهيم (عليه السلام) بتركِ زوجته هاجر وطفلهما اسماعيل فى الصحراء (صحراء باران) حيث لا يوجد ماء، فتترك هاجر ابنها باحثة عن الماء لمسافة رمية قوس – وهو ماعليه المسلمون اليوم مِن السعي ركضاً بين الصفا والمروة-، وعند عطش الطفل و بكاء هاجر فجّـر الله تحت أقدامه بــئراً للماء, ما اسم هذا البئر؟ وأين موضعه؟ وبمَ سينفعنا في هذا المبحث؟ هـذا مايجيـبنا عليه سـفر التـكوين: لـنقرأ ماذا نصّ الإنجيل على البئـر الموجود في بـكة (بـئر شيع) كما يُسميـه الانجيل الذي تفجّر تحت قدميّ إسماعيل النبي، إليكم النص باللغتين العربيّة والإنجليزيّة؛ توثيقاً للقارئ، ومنعاً من الاتهام بالتحريف والتدليس. "Early the next morning Abraham took some food and a skin of water and gave them to Hagar. He set them on her shoulders and then sent her off with the boy. She went on her way and wandered in the desert of Beersheba. When the water in the skin was gone, she put the boy under one of the bushes. 16 Then she went off and sat down nearby, about a bowshot away, for she thought, "I cannot watch the boy die." And as she sat there nearby, she began to sob. God heard the boy crying, and the angel of God called to Hagar from heaven and said to her, "What is the matter, Hagar? Do not be afraid; God has heard the boy crying as he lies there. 18 Lift the boy up and take him by the hand, for I will make him into a great nation. Then God opened her eyes and she saw a well of water. So she went and filled the skin with water and gave the boy a drink."(3). وبـترجمة النص: فبكّر إبراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعاً اياهما على كتفها والولد وصرفها.فمضت وتاهت في برية بئر سبع. ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار. ومضت وجلست مقابله بعيداً نحو رمية قوس.لأنها قالت: لا أنظر موت الولد. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. فسمع الله صوت الغلام.ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: ما لك يا هاجر، لا تخافي، لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. قومي احملي الغلام وشُدّي يدك به. لأني سأجعله أمة عظيمة. وفتح الله عينيها فأبصرت بــــئر مــاء. فذهبت وملأت القربة ماءً وسقت الغلام. وكان الله مع الغلام فكبر.وسكن في الـــبرية وكان ينمو رامي قوس. وسكن في برية فــــاران(4). والنتيـجة: •أنّ البئر التى تفجّرت تحت أقدام إسماعيل هى البئر التى يطلق عليها المسلمون الآن (بـئر زمــزم), وهي بئر الشبع –أو شيع- و التى لم تنضب حتى الآن, و يشرب الحجاج منها والعمار طوال هذه السنين والقرون. وبشأن ذبح ابراهيم النبي لولده (عليهما السلام) فقد أشار الانجيل إلى ذلك في سفر التكوين، الإصحاح 22: 13 "Abraham looked up and there in a thicket he saw a ram caught by its horns. He went over and took the ram and sacrificed it as a burnt offering instead of his son. 14 So Abraham called that place The LORD Will Provide. And to this day it is said, "On the mountain of the LORD it will be provided."(5) وتم تفصيل ذلك في الفقرات التالية من نفس الاصحاح: 1 وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم، فقال له: «يا إبراهيم!». فقال: «هانذا [ها أنا ذا]». 2 فقال: «خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسماعيل، واذهب إلى أرض المريا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك». 3 فبكر إبراهيم صباحاً وشدّ على حماره، وأخذ اثنين من غلمانه معه، وإسماعيل ابنه، وشقق حطباً لمحرقة، وقام وذهب الى الموضع الذي قال له الله. 4 وفي اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد، 5 فقال إبراهيم لغلاميه: «اجلسا انتما ههنا مع الحمار، وأما أنا والغلام فنذهب إلى هناك ونسجد، ثم نرجع إليكما». 6 فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسماعيل ابنه، وأخذ بيده النار والسكين. فذهبا كلاهما معاً. 7 وكلم إسماعيل إبراهيم أباه وقال: «يا أبي!». فقال: «هانذا يا ابني». فقال: «هوذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟» 8 فقال إبراهيم: «الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني». فذهبا كلاهما معاً. 9 فلما اتيا الى الموضع الذي قال له الله، بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب وربط إسماعيل ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب. 10 ثم مدّ إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه. 11 فناداه ملاك الرب من السماء وقال: «إبراهيم! إبراهيم!». فقال: «هانذا [ها أنا ذا]» 12 فقال: «لا تمدّ يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني». 13 فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكاً في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش واصعده محرقة عوضاً عن ابنه. 14 فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع «يهوه يراه». حتى إنه يقال اليوم: «في جبل الرب يرى». 15 ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء 16 وقال: «بذاتي أقسمت يقول الرب، إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر، ولم تمسك ابنك وحيدك، 17 أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر، ويرث نسلك باب أعدائه، 18 ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنك سمعت لقولي». 19 ثم رجع إبراهيم إلى غلاميه، فقاموا وذهبوا معاً إلى بئر سبع. وسكن إبراهيم في بئر سبع" (6). حيث أمر الله تعالى إبراهيم (عليه السلام) بالدعوة إلى الحج إليه والوقوف عليه عند حجّهم إلى بيت الله الحرام الذى رفع إبراهيم قواعده فى بكة، و المسلمون يقفون عند هذا الجبل كلّ عام, ولا يُعرف جبلاً غيره. ولو تمعنّا في أنّ إبراهيم النبي (عليه السلام) عرف الحق في أنّ ذريته ســـتملأ الأرض، و هل تملأ الأرض الآن سوى ذرية إسماعيل؟!. وما ذلك إلّا إشارة إلى مباركة ذلك النسل وبه تختم الرسالة السماوية – نبوّةً وإمامةً -. وما تلك إلاّ ومضات تزيد المسلمين ثباتاً على دينهم, في أنّه الدّين الخاتم فعلاً, وأنّ فرائضه منها ماهي مسنونة في كتب بعض الأديان – وإن أنكرها أصحاب تلك الكتب-. يُـذكر أنّ كتب الأديان ليست جميعها مشوبة بالتحريف كما قرأنا وجود الخطأ في اسم ابن ابراهيم النبي (عليه السلام) حيث ذكر الانجيل أنّ الذبيح هو اسحق! في حين أنّه هو اسماعيل (عليهما السلام), فمن النصوص ما هو صحيح, ومنها ما تطاولت أيدي القساوسة والرهبان لتحريفه وفقاً لمصالحهم, لـهذا يتم اعتماد الصحيح منها فقط للإستدلال. __________________________ (1) الحج: 31. (2) الحج: 26. (3) Genesis: 21. (4) سفـر التكوين: إصحاح 21. (5) سفر التكوين: اصحاح 22. (6) سفر التكوين: اصحاح 22, ف 1-19. وبهذا البحث المتواضع نكون قد سلطنا الضوء على بعض مناسك الحج كالسعي بين الصفا والمروة, والفدي والهدي, والوقوف على جبل عرفة، آملين أن نكون قد وفقنا في الإسهام بنشر معلومة تصب في صالح الإسلام والمسلمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين, وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين. عـلوية الـحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
2512

رسالاتٌ في زمن الوباء (١٠) مواقع التواصل الإجتماعي

بقلم: علوية الحسيني مع التطوّرِ التكنلوجي الحاصل, نعيشُ اليومَ زمن تلقّي الأخبارِ بسرعةٍ لم تكن مألوفةً قبل التطور. فما بين فضائياتٍ على التلفاز, وقنواتٍ على المذياع, ومواقع للتواصل الاجتماعي على الأجهزة الرقمية الحديثة, باتَ البعضُ مُستهلكًا جلّ وقته في متابعتها. ولعله زادت نسبِ المشاهداتِ كمتابعةٍ في زمنِ الحجر المنزلي المفروض نتيجة تفشي الوباء العالمي (كوفيد19)؛ فما بينَ أخبارٍ وتهويلات, وسخريةٍ واستهزاء, وانعزالٍ ولا مبالاة, ومُغالاةٍ وتشكيكات, أصبحَ حالُ واقعِنا الإعلامي بتعاملِه مع ذلك الوباء. وعليه, رسالتُنا اليومَ تُسلِّطُ الضوء على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي -وما بحكمها- بالأخبار وغيرها في زمن الوباء. ■أولاً: متابعة الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي. إنّ الاهتمام بمعرفةِ الأخبار والمُستجدات ولو على الصعيد المحلي والدولي مطلوبٌ جدًا, بل إنّ الإمام الصادق (عليه السلام) أشار إلى بُعد الاهتمام بأمور المسلمين, وحذّر من عدم المتابعة؛ حيثُ روي عنه أنّه قال: "قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِم"(1). لكن هذا على فرض على أنْ ننتقي الخبرَ من المصدرِ الموثوق, ذي المصداقية والموضوعية, فعلينا أنْ لا نسمحَ لأنفسِنا لنكونَ من عبّادِ النشر المزيف, المًضل, الكاذب؛ روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإنْ كان الناطقُ يؤدي عن الله (عز وجل) فقد عبدَ اللهَ، وإنْ كان الناطقُ يؤدي عن الشيطان فقد عبدَ الشيطان"(2). ولا غرو في ذلك؛ لأنَّ الناطق عن الله (سبحانه وتعالى) هو الناطقُ الحقُّ, الصادقُ, الأمينُ ببيانِ الحقائق كما هي، والناطق عن الشيطان هو الناطقُ الكاذبُ المغرضُ, فلنختر أيّهما نستمع له. ومعلومٌ أنَّ التهويل, وتزييف الحقائق, قبيحٌ عقلًا, فضلًا عن تحريمه شرعًا؛ لأنّه يؤدي إلى نتائجَ غير محمودة؛ لذا ينبغي تحرّي الصدق والدقة عند المتابعة, وحتى عند النشر. ■ثانيًا: متابعة عامة لوسائل التواصل الاجتماعي لاشكَّ ولاريبَ في أنّ لكلّ برنامجٍ سلبياتٍ وإيجابيات, وحيثُ إنّ رسالةَ اليومِ هدفُها الحفاظُ على الصحةِ الجسدية والروحية والفكرية عمومًا, وفي زمنِ الوباء (كوفيد19) خصوصًا, ستتمُّ الإشارةُ أولًا إلى بعضِ السلبيات؛ لتجنبها, أما الإيجابيات فالقُرّاء على درايةٍ بها -ولو اجمالاً- بالعلم والتجربة والوجدان. *فمن السلبيات: 1/ اضطراب الصحة النفسية. إنّ إدمانَ الإنترنت يؤدي إلى الإصابةِ ببعضِ الأمراضِ النفسية التي قد تُقلِّلُ من مناعةِ الجسم, وبالتالي يُصبِحُ أكثرَ عرضةً للإصابةِ بفيروس (كوفيد19)؛ يقول الدكتور كمبرلي يونغ: "يستشعرُ مُعظمُ مُدمني الإنترنت بالوحدة, واليأس؛ حينما يضعُفُ تقديرُهم لذاتِهم, أو حينَ شعورهم بالقلق, وعدم الاطمئنان"(3), وما أحوجنا اليوم إلى المناعة الكافية! 2/ اضطراب الصحة الجسدية. كذلك إدمانُ الإنترنت يؤدي إلى الإضرارِ بسلامةِ البصر, والسكر, والسمنة"(4). 3/ اضطراب اللغة. لعلّ هذا الداءَ ملحوظٌ؛ إذ كثيرٌ من مُدمني الإنترنت يختصرون بالألفاظ, أو لا يراعون القواعدَ النحوية عند الكتابة, أو نجدُهم يميلون إلى اللغةِ العاميةِ أكثر من الفصحى, فضلًاً عن استعمالِ مصطلحاتٍ أجنبية, إمّا بنشرٍ أو محادثة, أو تعليق على منشور. وهذا الأمرُ وإنْ لم يكنْ مُرتبطًا بالصحةِ العامة إلا أنّه يُمكِنُ أنْ يؤديَ إلى المساسِ بها؛ إذ إنّ مُدمِن الإنترنت لو سنحت له فرصةُ التعيين والعمل في مؤسسةٍ ما, فنتيجةً لركاكةِ تعبيره, واضطرابِ ألفاظه قد يُرفض من قبلِ أربابِ العمل, حيث "أظهرتِ الدراسات أنَّ 54 % من المشاركات توضِّحُ الضعفَ اللغوي للمستخدمين، و 61 % منها تُظهِرُ الألفاظَ غير اللائقة لهم"(5), وهذا يؤدي إلى اضطرابِ نفس المدمن, وقلقه, وقلة مناعته, ولاشكّ سيكونُ آنذاك فريسةً سهلةً للفيروس. 4/ اضطراب الأسرة. فما إن جاء قرار الحجر المنزلي الطوعي نعمةً لجلوسِ أفرادِ الأسرة مع بعضها لفترةٍ أطول مما اعتادت عليه قبلَ زمنِ الوباء, حتى بدّدَ شملها إدمانُ وسائلُ التواصل من قبلِ البعض, وبات بعضُ الأفراد –إنْ لم يكونوا جميعهم- مجتمعين صامتين, مع تلك الوسائل مُنشغلين! وقد جرّت هذه الحالة الكثير من المشاكل, أقصاها الطلاق, الذي لاشكَّ يجعلُ الحالةَ النفسيةَ –فضلًا عن الأسرية- في انتكاسةٍ, وبالتالي تضعُفُ مناعة الجسم, وما أشدَّ الحاجة إليها في زمنٍ بإمكاننا الاستغناء فيه عن كلِّ ما يُضعِفُ مناعتنا؛ لتجنبِ الإصابةِ بالوباء -فضلًا عن تفكُّكِ أسرنا-. 5/ اضطراب التوجه الديني. فإدمانُ الإنترنت قد يتسبب في كثرةِ مطالعةِ المعلوماتِ المنشورة, التي يخلطُ الأعداءُ فيها بينَ الحقِّ والباطل, إما بنشرٍ موهوم, أو بشبهاتٍ صريحة، من قبيل ما نراه اليومَ من حالةِ الاستهزاءِ بفيروس (كوفيد19), أو الشكِّ بعدلِ اللهِ (تعالى) إلا نتيجةَ متابعةِ ما تنشرهُ بعضُ الحسابات المغرضة. ومن تدنى توجهُه الديني بكثرةِ الشك, تدنّى مستوى وعيه وثقافته حتى في الالتزام بالإجراءات الصحية؛ إذ إنّه يرى الوباء أكذوبة! وكذا عدمُ التورُّعِ في استخدامِ وسائلِ التواصل بين الجنسين يؤدي إلى اضطرابِ التوجه الديني, بل تديّن الشخص نفسه, إنْ لم يُراعِ الأحكام الشرعية -ذكرًا كان أو أنثى-. وقبل الختام نقول: ما أحوج المجتمع اليومَ إلى حُسنِ استخدامِ وسائل التواصل, وعكس ذلك على جميعِ جوانبِ الحياة, بنشرِ التفاؤل, والتذكير برحمة الله (سبحانه وتعالى), رويَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللهِ فَإِنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًا"(6). ومن الممكن أن يتمثّلَ ذلك الإحسان بعدّة أعمالٍ, منها: 1/ نشرُ آيةٍ قرآنيةٍ كريمةٍ يوميًا, تشيرُ إلى لُطفِ ورحمةِ الله (تعالى) بعباده. 2/ نشرُ روايةٍ شريفةٍ يوميًا, إما في حُسنِ الظنِ بالله (تعالى), أو في عدلِه (تعالى). 3/ نشرُ أفكارٍ للتكافل الاجتماعي, فلعلّ بمساعدةِ العبادِ بعضهم لبعض يدفعُ اللهُ (تعالى) البلاء عن الناشرِ والمساعِد. 4/ نشرُ التوصياتِ الوقائيةِ للحدِّ من انتشارِ الفيروس. 5/ استضافةُ بعض الأطباء, والدعوةُ إلى متابعةِ البث. 6/ تصميمُ محاوراتٍ قصيرة تتناولُ طُرقَ الوقاية والعلاج, ونشرها. 7/ نشرُ فيديوهات توعوية لكافةِ الفئات العمرية, مع التركيز على تثقيف فئة الأطفال. 8/ نشرُ استطلاعٍ للرأي العام بأحدِ المواضيع التي تُلامسُ واقعَ الحال المُعاش. 9/ العملُ على نشرِ ثقافةِ الدعاء, فالدعاءُ يردُّ القضاء. 10/ لابأسَ بنشرِ كاريكاتير لتقريبِ صورةِ الوقاية من الفيروس؛ إذ بعض الأحيان تكونُ الصورةُ أبلغ تأثيرًا. 11/ للدعاةِ دورٌ كبيرٌ في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فبإمكانهم اتخاذها منبرًا, من خلال تصوير البرامج, أو المحاضرات التي تحثُّ على الارتباط الوثيق بالله (سبحانه وتعالى), "فقد أوضحت نسبةُ نتائجَ بعضِ الأبحاث أنَّ هناك 19.2من مستخدمي وسائل التواصل يتابعون البرامج والمواضيع الإسلامية دائمًا، كما أنَّ هناك 28.9% يتابعونها أحيانًا"(7). 12/ بإمكان ذوي التخصصاتِ الأكاديمية نشرِ معلوماتٍ من صُلبِ اختصاصِهم تعودُ بالنفع على جمهور المتابعين, فالطبيبُ ينشرُ أعراض الفيروس وكيفية الوقاية منه. والمهندسُ ينشر كيفية تصميم مستشفيات خاصة لعزلِ المرضى المصابين. والمحامي ينشرُ عقوبةَ من يُخالف الإجراءات الصحية, وهكذا. *خلاصةُ الرسالة: وسائلُ التواصل الاجتماعي باتت كالصحيفة اليومية, فانظر ماذا تتابع, وماذا تنشر, وتذكّر قول الله (سبحانه وتعالى): {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}(8). وتذكر أيضًا قوله (تعالى): {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا}(9). فانتبهْ لنشرِك المتشائم لئلا يقتل روحًا متفائلة, أو يُساهِمُ في تشويشِ أفكارِها فتُصبِحَ ميتةً بجسدٍ حي. ____________________ (1) الكافي, ج2, باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم, ح1. (2) المصدر السابق, ج6, ص434, ح24. (3) ظ: الإدمان على الانترنت: للدكتور كمبرلي يونغ، وترجمه إلى العربية: هاني أحمد ثلجي, ص39. (4) ظ: بحثNegative Effects Of Social Media On Your Health: لديليالا فالكون, نشر في موقع: www.symptomfind.com. (5) مقال: التأثير السلبي على المجتمع, موقع: أرقام ديجيتال/ http://digital.argaam.com/article/detail/ 94664. (6) الكافي ج2, باب حسن الظن بالله عز وجل, ح3. (7) ظ: الآثار الاجتماعية للإنترنت: للدكتور عبد المحسن بن أحمد العصيمي, ص590-591. (8) سورة الجاثية: 29. (9) سورة المائدة: 32. اللهمّ صلّ على محمّد وآله, واجعلني من دعاتك الداعين إليك, وهداتك الدالّين عليك, ومن خاصّتك الخاصّين لديك يا أرحم الرحمين.

القضايا الاجتماعية
منذ 4 سنوات
373

المـهديُّ فـــي الأديان

المـهديُّ فـــي الأديان _________________ تقريباً لفكرة وجود منقذٍ للبشريّة يقوم بوظيفة العدل في الأرض , لابدّ مِن التطرّق لتلك الفكرة في بعض الأديان, لنرى هل لها وجودٌ أم أنّ المسلمينَ فقط تقوقعوا عليها؟ سيتم تسليط الضوء في هذا البحث على ثلاثةِ أديانٍ بعقيدتهم في المنقذ الموعود, اليهوديّ, الميسحيّ, ثم الإسلاميّ, تباعاً. وسوف يتضح للقارىء صحّة الدّين الحق عموماً , والمذهب خصوصاً, بعد سردٍ لأدلّةِ المخالفين ديناً ومذهباً, مجرّدٍ من التحيّز بتاتاً,عبرَ عدّةِ مطالب. المطلبُ الأوّل: المنقذُ الموعودُ في الدِّينِ اليهوديّ أولاً: ماهي الــيـهوديــة: היהדות إنَّ تفسير اسم يهودا طبقاً للتوراة , وتحديداً النص الذي جاءَ في سفر التكوين الإصحاح 29 العدد 35 الذي يقول : Gen 29:35 וַתַּהַר עֹ֜וד וַתֵּלֶד בֵּן וַתֹּאמֶר֙ הַפַּעַם֙ אֹודֶ֣ה אֶת־יְהוָ֔ה עַל־כֵּן קָרְאָ֥ה שְׁמֹ֖ו יְהוּדָ֑ה וַֽתַּעֲמֹ֖ד מִלֶּדֶת وتفسيره: وأَنْجَذَ ابْنُ الْخَادِمِ وَقَالَ: «الرَّبُّ قَدْ أَنْجَذَ(*) الرَّبَّ ، وَأَنْجَبَ ابْنَ اللهِ ، فَأَنْجَذَ ابْــــنُ اللهِ». و تعدُّ الديانة اليهودية مِن أقدم الرسالات السماوية الثلاث، وهي عقيدةٌ يزعم أصحابها أنّهم يتبعون الدِّين الذي أنزل على موسى (1). فهي ديانةُ العبرانيين المنحدرين من ابراهيم، والمعروفين بـ (الأســباط) من بني اسرائيل الذين أرسل الله إليهم موسى مؤيداً بالتوراة ليكون نبياً لهم (2). وكانت الديانةُ اليهوديّة في أصلها ديانةُ توحيدٍ كما يُنبئنا بذلك القرآن الكريم، ولكــنَّ اليهود انحرفوا بها إلى التجسيم في جميع مراحل حياتهم(3) , إذ تحوّل الله إلى إلهٍ خاصٍ بهم أسموه (يـــهـوه)، خلق الكون والبشر لخدمة بني إسرائيل، وفضَّلَهم على العالمين(4). والكتاب المقدَّس عندهم هو التوراة، أو (العهد القديم)، وهو قسمٌ من الكتاب المقدّس الذي يحوي قسمه الثاني الإنجيل أو (العهد الجديد) كتاب المسيحيين المقدَّس،وكذلك فهم يقدِّسون (الـــتلمود) الذي يعدُّ كتاباً مقدّساً بعد التوراة. ثانياً: عقيدتهم يعتقد اليهود بأنّهم (شعب الله المختــار)(5), وأنَّ عقيدة المـــخلّـص أصيلة في الديانة اليهودية قد أكّدت عليها كتبهم المقدّسة عن طريقِ العديد من التنبؤات والرؤى. ثالثاً:عقيدتهم في المنقذ الموعود يعتقدون إنّ الله سيرسل لليهود مـــنقذاً ينتشلهم من البلايا والنكبات، ويضعهم في المكانة التي تقتضيها فكرة الإختيار، وأطلقوا على هذا المخلِّص لقب (المسيح المُنتظَر) المنحدر من نسل داود، والذي سيأتي ليُعيد مجدَ اسرائيل، ويجمع شتات اليهود في فلسطين، ويجعل احكام التوراة نافذة المفعول في اسرائيل والعالَم(6). وذكروا على اثر ذلك الكثير من النصوص والأخبار، فقد جاء في التوراة – ( سيأتي ابن الانسان على سحب السماء، ويعطى المجد والملك ومملكة تخدمها جميع الامم والشعوب) (7). وأنّ عقيدة المــــنقذ الموعــود -الذي سينقذ بني إسرائيل من الشتات، ويمنحهم السيادة على العالم- مِن أهم عقائد الديانة اليهودية، وإنّ هذا المخلص المسيح المنتظر هو الذي سيأتي في آخـــر الزمان ليملأ الارض عدلاً وسلاماً. وجاء في سفر زكريا- الصحاح التاسع يقول عن مجيء المسيح المنتظر: ( ابتهجي جداً يا ابنة صهيون واهتفي يا ابنة اورشليم، لأنّ ملكك مقبل إليك، وهو عادلٌ ظافرٌ ولكنّه وديع (8)، وأنّه سيدخل القــدس، وهو راكب حماراً رمزاً للسلام، وليس حصاناً رمزاً للحرب، وإنّ نفوذه سيمتدُّ من البحر ومن نهر الفرات إلى نهـــاية الأرض) (9). وأنّ إسرائيل ستسود العالم بمجيء (المسيح المــــنتظر) الذي ينشر الـعدالة بين البشر، وينقذ العالم من طغيان الطغاة، وعلى يده تسود العدالة الالهية في العالم (10)، بعد أن يقضي على قوى الشر بقوة ممنوحة له من الـــرب، وسيكون النـــصر في النهاية له(11). الـــمطلبُ الثاني: المُنقذُ الموعودُ في الدَّينِ المسيحيّ: أوّلاً: مـاهي المسيحية ؟ تطلق هذه التسمية على الدِّين الذي أتى به عيسى ابن مريم (عليه السلام) إلى بني إسرائيل، الذين اعتقدوا أنّه (المسيح) المُنتظَر، وقد تحوَّلت المسيحية على يد (بولس) الى دينٍ عالميٍّ بعد أن كانت خاصة باليهود. ثانياً:عقيـدتهم يرى مفكروا المسيحية أنّ الله الابن يصير انساناً، ويولد من مريم العذراء، لكي يكون إلهاً وإنساناً معاً، فهو إلهٌ (منذ الازل)، وإنسانٌ (من وقت التجسد)، وهو بذلك إلهٌ تام، وإنسانٌ تام، فهو ابن الله وابن الإنسان، كما لقَّبَ نفسه(12) , وهذه العقيدةُ باطلةٌ ؛ لأسبابٍ عدّة مــن بينها تأليه البـشر, وتركيب الإله, وتعدد الآلهة. ثالثاً: المنـقذ الموعود في عقيدتهم: تُعدّ فكرة المنقذ في الفكرِ الدينيّ المسيحيّ امتداداً لفكرة المنقذ في الفكرِ الدينيّ اليهوديّ، والفرقُ الجوهريُّ بين الفكرتينِ هو إنّ مسيح اليهود الموعود ســـيأتي، في حين إنّ مسيح النصارى صُـلِب، ولكنه سـيعود من جديد، فالمجيء الأول قد تمَّ على يد (عيسى ابن مريم)، وأنّ له مجيئاً ثانٍ. دعونا نأخـذ النصوص الدّالة عليه من الإنجيل: في إنجيل متى نقرأ: (فكونوا إذن على استعداد لأنّ ابن الإنسان يجيء في ساعةٍ لا تنتظرونها)(13). وفي إنجيل مرقس نقرأ ايضاً: (في ذلك الحين يرى الناس ابن الانسان آتياً في السحاب بكلِّ عزّة وجلال، فيرسل ملائكته إلى جهاتِ الرياح الأربع ليجمعوا مختاريه من أقصى الأرض إلى أقصى السماء)(14). والذي يُميّزالمنقذ في المسيحية عن غيره في الديانات والعقائد الاخرى هو: أنّهُ يجمع فضلاً عن صفته الانقاذية أنّه هو الــرَّب، وهو النـبي الذي صُلب، وأنّ ظهوره مرتبطٌ بيوم البعث والقيامة والحساب؛ لأنّه هو الذي يحاسب البشر, وهـذا بـاطلً ؛ تبـعاً لبطلان عقيدتهم. المطلبُ الثالث: المنقذُ الموعودُ في الدَّينِ الإسلاميّ في هذا المطلب سيتم تسليط الضوء على مذهبَين مهمَين في الدِّين الإسلاميّ أهل السّنة, والشيعة الإماميّة, وإليكم تباعاً سردُ عقيدتهما في المنقذ الموعود. أولاً: الـــمنقذ الموعود في مذهب أهل السّنة: يعتقدُ أهل السّنة أنّ المهديّ لـــم يولد بعد وسوف يولد آخر الزمان، وهو عندهم علامةٌ مِن علامات وأشراط الساعة ، وأنّه سيكون اماماً (خليفة) للمسلمين من أهل البيت نسباً، وستكون خلافته على منهاج النبوّة، يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلِئَت جوراً. والمهديُّ عندهم من آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد الحسن بن علي، وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، اسمه محمد بن عبد الله، أي اسمه على اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واسم أبيه على اسم والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(15). ثانياً: المنقذ الموعود في مذهب الشيعة الإماميّة: قيّدنا الشيعة بالإماميّة؛ لإختلاف الفرق الشيعية في ذلك, وهي الفرقةُ الأصـح . فعقيدتُنا في الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف) أنّه جزءٌ من أحد أصول الدين المنصوص عليه بالنص, ذلك هو المهدي المنتظر (محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام) الذي ولد في العام ٢٥٥ هجرية في سامراء، وهو حيٌّ لم يمت, وقد غيّــبه الله إلى أن يُنجِز وعده ويظهره ويظهر به دينه على الدِّين كلِّه، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجورا(16). وللمهديُ (عليه السلام) عند الشيعة الاثنى عشرية غيبتان: صغرى وكبرى. أمّا الغيبةُ الصــغرى, فمن مولده إلى إنقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفراء، وعدم نصب غيرهم، وهي تسعٌ وستون سنة، ففي هذه المدّة كان السفراء يرونه، وربما رآه غيرهم، ويصلون إلى خدمته، وتخرج على أيديهم توقيعات منه إلى شيعته في أجوبةِ مسائلٍ وفي أمورٍ شتّى. وأمّا الغيبةُ الكـــبرى, فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم ليملأ الأرض قسطاً وعلا ، وأنّ من ادّعى الرؤية بمعنى السفارة الخاصة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب. هـذا إجماليُّ عقيدتنا في المـهديّ الموعود. ســؤال: ماهو تقييم المذهب الصحيح ؟ يقول العقل: بأنّ الله لطيفٌ بعباده, ومن لطفه أنّه بعث الأنبياء ,ومن ثمَّ نصّ كلّ نبيٍ على وصيِ يخلفه في قومه , حيــث إنّ بعد الأنبياء لا يمكن أن تخلو الأرض من حجّة لله تعالى في كلّ زمان، ومما لا نقاش فيه أنّ صلاح البشر يتوقف على وجـودِ إمامٍ يرعاهم في كلّ زمان، عالمٌ بأمورهم، خبيرٌ بما يصلحهم وما يفسدهم، وما يقرّبهم إلى الله تعالى، فـيتمُّ بوجود الإمام نظم أمور الناس، وصلاح شأنهم في الدِّين والدنيا،و إنَّ وجود الإمام بين الناس من اللطف الإلهي، فوجوده إذن أمرٌ ضروريٌ، وهذا ما تقتضيه قاعدة اللطف. ولـربّ قائل يقول: غيابـه ينفي إمامته ! فـنقول: انّ الغيبة هي في مقابل الظهور وليس في مقابل الحضور, فالإمام عليه السلام وأن كان غائباً لكنّه حاضـرٌ معنا في كلِّ مسيرة حياتنا يتألم لآلامنا ,ويعمل على التخفيف عنها بما آتاه الله من قدراتٍ تكوينية. هذا مضافاً إلى أنّ غيبته لــم تكن من قبل الله ,أو من قبله عليه السلام , بل بسبب الناس والامة التي جحدته وحاولت قتله كما فعلت بآبائه عليهم السلام, فالتقصير من الأمة. وكـما إنّ موسى حينما غابَ عن قـومه لـم تُسلب منه نبوّته ؛ بـل كان ذلك بأمرٍ من الله جلّت أسماؤه, فكذلك الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) عندما غابَ لـــم تُسلَب منه إمامته. إذاً فــالعـقل يحكم بـلطف الله تعالى بـعباده ببعثه لهم نبيّاً ومن بعد النبي حجّة على العباد لـئلاّ تسيخ الأرض بمن فيها لولا تلك الحجّة (وهذا ما ورته كتب أهل السنّة أيضاً), وهذا الحجّـة حتى وإن غاب إلاّ إنّ غيبته من سنخيّة غيبة الإنبياء فلا ضير في غيبته إذاً , وهذا كلّـه لازمه أنّه مولود لا إنّه سيولد بـعد كما يعتقد بذلك أهل السنة. وبهذا يتضح للقارئ المائز بين العقيدة بين المذهبين خصوصاً, وبين الأديان عموماً. والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمدٍ وآل بيته الطيبين الطاهرين. علوية الحـسيني __________________________ (*) المعجم الوسيط, لسان العرب : انجذَ: انكسرَ, انقطعَ. (1) موسوعة الاديان الميسرة، ص ٥٠٤ (2) المصدر نفسه ، ص ٤٩٥. (3) أحمد شلبي، اليهودية، ط١٢، ص١٧٣. (4) موسوعة الأديان الميسرة، ص ٥٠٤. (5) أحمد شلبي، اليهودية،ص ١٨٧. (6)نديم عيسى خلف، الاصولية اليهودية في الكيان الاسرائيلي، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، ١٩٩٥، ص ٧٥. (7) سفر دانيال، الإصحاح السابع، ١٣-١٤. (8) سفر زكريا، الإصحاح التاسع، ١٢-١٣. (9) سفر زكريا، ٩\٩-١٠. (10-11) فؤاد حسنين علي، اليهودية واليهودية المسيحية، معهد البحوث والدراسات، القاهرة، ص ٤٠- ٤١. (12) عبد الغني عبود، المسيح والمسيحية في الإسلام، ص١٠٦. (13) إنجيل متى: ٢٤/٤٤، وإنجيل لوقا: ١٢/٤٠. (15)علاء بكر، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة وأهل البيت، ج١، ط١، ص١٩٤.4. (16)علي الكوراني العاملي، عصر الظهور، ط٨، بيروت ٢٠٠٥، ص٢٧١.

اخرى
منذ 6 سنوات
7292

شُـبهاتٌ عقائـديّة حــولَ مَذهبِ التشيُّـع فـي التوحيد (3) الشيعةُ يـعبدون النبي والأئمة

انطلاقاً مِن تسمية (عبد النبيّ)، (عبد الحسين)، (عبد الرضا)، وما شابه تلكَ الأسماء، أخذَ المخالفونَ يُشكلون على توحيد الشيعة في الربوبيّة والعبوديّة معاً، جهلاً منهم باختلافِ معانيَ تلك اللفظة. وتوضيحاً لذلك الجهل سيكونُ الكلام ضمنَ خطوتين: أحداهما، تختص بحلِّ الشبهةِ من ناحية التوحيد الربوبي... والأُخرى، مِن ناحية التوحيد العبادي. الخطوة الأولى: جواب الشبهة من حيث التوحيد الربوبي. والكلام هنا يقع ضمنَ نقطتَين: الـنقطةُ الأُولى: المـعنى اللغوي للفظةِ (الرب) بدايةً لابدّ من معرفة المعنى اللغوي للفظةِ ( الرب) لنرى هل حقاً وقع الشيعةُ في مغبةِ الشرك؟ الرَّبُّ : المالِك . و الرَّبُّ : السيِّد . و الرَّبُّ : المربِّي . و الرَّبُّ : القيِّم . و الرَّبُّ : المنعِم . و الرَّبُّ : المدبِّر . و الرَّبُّ : المصلِح (1). ووفق التحليل اللغوي لتسمية (عبد النبيّ)، (عبد الحُسين)، يكون هذان الاسمان -مثلاً- أرباباً بمعنى أنهم المدبِّرون لشؤون العباد -بلحاظ ولايتهم التكوينيّة-، وهُم المالِكون لزمام الأمر القيادي، وما إلى ذلك من تلك المعاني اللغوية أعلاه، ولا يُخالف ذلك سليمُ العقل أبداً. كل ذلك بمعنى يتلاءم مع عدم الاستقلال الذاتي، ومع الفقر الوجودي إلى الرب المستقل جل وعلا. ثــمّ إنّ لفظةَ (عبدٍ) هي لفظةٌ مشتركةٌ، حيث وردَ استعمالُ المشــــــــترَك اللفـــظي في القرآن الكريم بشكلٍ واضحٍ، وفي ألفاظٍ لا يمكن أن يتوهَّم المخالفون أنّها تدخل في حيز الشِرك، كقوله تعالى حكايةً عن نبي الله يوسف (عليه السلام) : (( وقالَ للذي ظنَّ أنّهُ ناجٍ مِنهُما اذكُرنِي عندَ رَبَّــكَ ))(2), فمرادُ النبيّ يوسف (عليه السلام) بالرَّب هنا هو ربُّ نِعمة هذا الشخص الذي سيطلق سَراحه، وهو الملِك، وهو أيضاً ما يفيده السياق الوارد في الآية، فهل يُتصور أن تُطلق صفة المشرِك على نبي الله يوسف (عليه السلام) لأنّه استعملَ لفظةَ (الرَّب) في هذا المورد؟! ولو تأملنا في آياتِ الكتاب الكريم أكثر لوجدنا عبارات صريحةً توضح المعنى الوثيق بينَ الرّب والعبد، قالَ تعالى: (( وانكحوا الأيامَى منكم والصّالِحين مِن عـِــبادِكم ))(3)، فهل هذا اصطلاحٌ شركيٌّ عندما يقول المولى سبحانه وتعالى لنا: انكحوا الصالحين من عبادكم؟! لا، بـل يُريد هنا الحثّ على تزويجِ العبيد والأرقاء الذينَ يملكهم السيّد، فألفاظ مثل (( الرب )) و ((العبد )) ألفاظٌ مشتركةٌ تتضحُ معانيها بحسب سياقها الاستعـــــمالي. الـنقطةُ الثانية: عقيـدتُنا في التوحيدِ الربوبيّ: التوحيد في الربوبية: هو الاعتقاد بأنّ تدبير حياة الإنسان والكون كلّها بيدِ الله سبحانه وأنّ مصير الإنسان في حياته كلّها إليه سُبحانه، ولو كان في عالم الكون أسبابٌ ومدبراتٌ له، فكلّها جنودٌ له سبحانه يعمَلون بأمرهِ ويفعلون بمشيئَته. ويقابله الشِرك في الربوبية: وهو تصوّر أنّ هناك مخلوقات لله سبحانه لكن فُوِّضَ إليها أمرُ تدبيرِ الكون ومصير الإنسان في حياته تكويناً وتشريعاً مستقلة عن الله تعالى(4). ودعوانا هي أنّ النبيَّ والأئمةَ (عليهم السلام) أربابٌ لهم ولايةِ التصرّف في الكونِ وما فيهِ, والخلائقُ عبيدٌ لهم، ليسَ مِن باب الاستقلاليّة عن مالكيّة الله تعالى، بـل بمشيئتهِ سبحانه، قالَ تعالى: ((بَل عِبادٌ مُكرَمون* لا يَسبقونَهُ بالقولِ وهُم بأمرِهِ يعمَلون))(5)، فالنبي أو الأئمة رغم مالكيّتهم التي هي تبعاً لمالكيّةِ اللهِ تعالى، فـهُم عبادٌ للهِ مُكرَمون، اجتباهم وأكرمهم بالولاية على خَلقِه، وكلّ ما يقومون به مِن فعلٍ فهو بــمشيئةِ اللهِ وأمرِه. وبهذا انتفت عنهم صـفة الربوبيّة الحقّة التي لا تليق إلاّ بــساحة قدسِ الله جلّ اسمه. ___________________ (1) ظ: المعجم الوسيط. (2) يوسف:42. (3) النور:32. (4) محاضرات في الإلهيات: للشيخ السُبحاني ,ص59. (5) الأنبياء: 26-27. والحمدُ للهِ ربِّ العالمِين وصلّى اللهُ على سيِّدِنا محمّدٍ وآلهِ الطاهرين. عــلوية الـحُـسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
3333

مــسائل خَـمس فـي العقيـدةِ المـهدويّة (ح1/ نــزولُ عِيسَى النَبيّ مِن السماء)

بقلم: علوية الحسيني تَمـهيدٌ في المسائِل بسـمِ اللهِ الرحمَنِ الرحِيمِ الحَمْدُ للهِ المُتفرّدِ بالأزَلِ والأبدِ، والصَلاةُ عَلى أوّلِ العَدَدِ وخَاتَمِ الأمَدِ مُحَمّدٍ وآلِه، الذين لا يُقَاسُ بِهم مِن الخَلْقِ أحَد. قَالَ اللهُ (تَعَالى): (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[القصص 5]. لاشَكَّ ولاريبَ أنَّ وراثةَ الأرضِ لا تكونُ إلاّ لأولياءِ اللهِ، والأئِمَةِ المُصْطَفَين الصَالِحِين، الذين كتبَ اللهُ لهُم ذَلكَ، كمَا في قوله (تعالى): (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ)(1)؛ ليُؤدّوا وظيفَتَهم المُبتغَاة مِنهم بِحكمِ اللُّطفِ الإلهيّ بِنا، وتمثُّله بِهم واقعًا وظُهورًا، إذ هُم مَن يهدونَ بأمرِ اللهِ، ويُقَرّبونَ النّاسَ مِن الطّاعاتِ، ويُبعدونَهم عن المعاصي، ويَأخذون بِأيدِهم إلى الخَيراتِ، ولِلَتي هِي أحسَن (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(2). وعلَى أساسِ ذلك لا بُدَّ مِن تَسليطِ الضوءِ على مَسائلٍ عقديّةٍ مُهمّةٍ، قد وَرَدَ ذِكرُهَا فِي المجاميعِ الروائيةِ الخاصَّةِ والعامّةِ، ولها ارتباطٌ وثيقٌ بعقيدتِنا فِي الإمَامِ المَهدي (عليه السلام) وظُهورِه وقيامِهِ بالحَقِّ، وهي تُسهمُ في تكوينِ رؤيةٍ مُستقبليّةٍ عَمّا سَيحدثُ مِن وقائِعَ عالميّةٍ, تَطالُ بآثارهِا التغيير، وخاصةً في المُنتظَمِ الدّيني السماوي والاجتماعِي، والاقتصادِي، والأخلاقِي، بل وحتى الحضارِي، ومنها على سَبيل المثالِ والبحثِ: نُزولُ السيّدِ المَسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) مِن السماءِ، وهذا بِحَدِّ ذَاتِه حَدَثٌ عَظيمٌ يَتعَاضَدُ بوقوعِه مع ظهورِ وقيامِ إمامِنَا المَهدي في العَالمين، من حيثِ التأييدِ له، والصلاةِ خَلفه، والدعوةِ معه إلى الإسلامِ العزيزِ، عقيدةً ودينًا، والحقِّ والهدايةِ والعدلِ، وَفضِ الكفرِ، والباطلِ والضلالة والظلمِ، وقد حكَى اللهُ (تعالى) ذلك في القُرآنِ الكَريمِ، ووعدَ به لِزامًا، كَمَا في قَولِه (تَعَالى): (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)(3). وفي مَعنى الآيةِ الأخيرةِ وتفسيرها ذَكَرَ الشيخُ الطبرسي في تَفسيرِه – مَجمَع البَيانِ – مَا نَصّه: "أي: ليس يبقى أحَدٌ مِن أهلِ الكتابِ، مِن اليهودِ والنَصارى، إلاّ ويُؤمنن بالمَسيحِ قبل مَوت المَسيح، إذا أنزله اللهُ إلى الأرضِ وَقتَ خُروجِ المَهدي، في آخرِ الزَمَانِ لِقَتْلِ الدّجَالِ، فَتصيرُ المِلَلُ كُلّها ملّةً واحِدةً، وهي مِلّةُ الإسلامِ الحنيفية، دينُ إبراهيم، عن ابن عباس، وأبي مالك، والحسن، وقتادة، وابن زيد، وذلك حين لا ينفعهم الإيمان. واختاره الطبري. قال: والآيةُ خاصةٌ لِمَن يكونُ منهم في ذلك الزمان"(4). و تكاثرت الأحَاديثُ المُعتبَرَةُ فِي نِزولِه (عليه السَلامُ) في آخِرِ هذهِ الأمةِ، وأنّه يُكَسِّرُ الصِليبَ، ويَضَعُ الجِزيَةَ، (رَوى الحُسَين بن مَسعود في شَرحِ السنّةِ، بإسناده عَن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قَاَل: والذي نفسي بيده لَــيوشَكن أنْ يَنزلَ فيكم ابن مَريم، حَكَمًا عَدْلًا, يُكَسّرُ الصَليبَ ويَقتلُ الخنزيرَ ويَضَعُ الجزيةَ، فَيفيضُ المَاَلَ حتى لا يَقبلَه أحَدٌ"(5) . وإنَّ نزولَ السَيّد المَسيح عيسى بن مريم (سلام الله عليهما) هو أمرٌ مُتفقٌ عليه ومَشهورٌ عند عُلماءِ المُسلمين كافةً، ويكونُ خُروجُه في آخرِ الزمانِ مع الإمام المَهدي (عليه السلامُ)، وقد بَيّنَ المُحدِّثُ الشيخُ حُسين الطبرسي النوري في كتابِه – النجم الثاقب – اعتقادَ عُلَماءِ المُسلمين في شأنِ النبي عيسى (عليه السَلامُ) وقال: "المَشهورُ بين علماءِ الخاصةِ والعامةِ بقاؤه (عليه السلام) في السَمَاءِ حَيًا بحياةِ الأرضِ، وقد رُفِعَ حَيًا إلى الَسَمَاءِ، ولم يَمُت ولا يَموتُ إلى آخرِ الزَمانِ، فينزلُ ويُصلّي خَلفَ المَهدي (صلواتُ اللهِ عليه) ويكونُ وزيرَه، والأخبارُ في ذلك كثيرةٌ "(6) . ومِن المَسائلِ العقديّةِ الجَديرةِ بالبحثِ والمُثيرةِ للجدلِ والاختلافِ الكبيرِ، هي مَسألةُ الدّجالِ، وهل هو شَخصٌ أو حركةٌ، وما مدى صحةُ الرواياتِ الكثيرةِ فِي هذه المَسأَلةِ، وهَل ثَمَةَ اختلافٌ في الرواياتِ في شَخص الدّجال ومواصفاته، ومَصيره ومَقتَله، فرواياتٌ تَذكر أنَّ النبي عيسى (عليه السلامُ) هو مَن سَيقتله، ورواياتٌ أخرى تَذكِرُ أنَّ الإمام المَهدي (عليه السَلامُ) هو مَن سَــيقتله. وفي شأنِ ذلكَ تعّرضَ الشيخ علي الكوراني إلى هذه المسألةِ، بحثًا و تحقيقًا فذكرَ رأيه: "يختلفُ التصورُ الذي تُقدّمه الأحاديثُ الواردةُ في مَصادرِنا الشيعية عن الدّجالِ وحركته، عن التصور الذي تُقَدّمه الأحاديثُ الواردةُ في المَصادرِ السنيّة ببعضِ الأمورِ، منها: خُلو أحاديثنا مِن أكثرِ العناصرِ التصويرية المُتقدّمَة، ومنها: أنَّ حركةَ الدّجالِ فيها ليست حادثًا ابتدائيًا، بل هي حركةٌ مُضادةٌ لثورةِ الإمَامِ المَهدي الشاملةِ، وقوامُ هذه الحركةِ المُضادِة لليهودُ والمنافقين من الدّاخِلِ، الذين يتصفون بدرجةٍ خاصةٍ مِن العِدَاءِ للإمَامِ المَهدي وأهل البيتِ (عليهم السَلامُ), ومنها: أنَّ الذي يَقتلُ الدّجالَ هو الإمامُ المَهدي وليس عيسى"(7). وهل هو عَلامةٌ مِن علاماتِ ظهورِ الإمَامِ المَهدي (عليه السلامُ) أو أنّه مِن أشراطِ السَاعةِ، كما هو عند العامّةِ، فقد أورَدَ هذا المَعنى الاعتقادي ابن حجر في كتابه –فتحُ البارِي -: "قَالَ الطيبي الآياتُ أماراتُ للساعةِ إما على قربها وإما على حصولها فَمِن الأولِّ الدّجالُ، ونزولُ عيسى ويأجوج ومأجوج والخَسف، فالذي يترجحُ مِن مجموعِ الأخبارِ أنَّ خروجَ الدّجالِ أولُّ الآياتِ العِظامِ المُؤذنة بتغيرِ الأحوالِ العامةِ في مُعظمِ الأرضِ، وينتهي ذلك بموتِ عيسى بن مريم"(8). وأنّه هو مَسيحُ ضَلاَلَةٍ بعنوانِ المَأثورِ الروائي عند العامّةِ، - فتنةُ الدّجالِ أو المَسيحُ الدّجال عند العامةِ - ذَكَرَ النووي ذلك في شَرحِه لصَحيحِ مُسْلِم : "وأمّا الدّجَالُ فقيلَ سُمِيَ بذلك؛ لأنّه مَمسوحُ العَين، وقيل لأنّه أعورٌ والأعورُ يُسمى مَسيحًا، وقيل لِمَسحه الأرضَ حين خُروجِه، وقيل غير ذلك، قال القاضي ولا خِلاف عند أحَدٍ مِن الرواةِ في اسمِ عيسى أنّه بفتحِ المِيم وكَسرِ السِين مُخففةً، واختُلِفُ في الدّجَالِ، فأكثرهم يقوله مِثله، ولا فرق بينهما في اللفظِ، ولكن عيسى (على رسولنا وآله وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام) مَسيحُ هُدىٍ، والدّجالُ مَسيحُ ضَلالةٍ"(9). وإنَّ أغلبَ الرواياتِ التي ذكرت الدّجال بوصفه شخصًا، أو فتنةً، جَاءَتِ عن طريق أبي هريرة - الوضّاع-، وكذلك عن طريق عِكرِمَةِ بن أبي جَهل وهو مِن الوضّاعين والكذّابين أيضًا. فــضلًا عن الرواياتِ المُرسلةِ غير المُسندةِ، مما يضعنا أمامَ خَيارِ التحقيقِ والتدقيقِ في مَوضوعة الدّجالِ، والتي مازجتها الإسرائيلياتُ بكثرةٍ واضحةٍ وظاهرةٍ للباحثِ والمُدَقّقِ، وقد أخذَ العَامّةُ أوصافَه مِن المَنامِ عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم )قال: "أراني الليلةَ عند الكعبة فرأيتُ رجلًا آدم كأحسنِ مَا أنتَ راءٍ مِن أدمِ الرجالِ، له لمةٌ كأحسنِ مِا أنتَ راءٍ مِن اللمَمِ، قد رجلها فهي تَقطرُ مَاءً، مُتكئًا على رجلين، أو على عواتقِ رجلين يَطوفُ بالكعبةِ، فَسألتُ : مَن هذا؟ قيل: هذا المَسيحُ بن مريم، ثم إذا أنا برجلٍ جَعدٍ قططٍ، أعورِ العَين اليُمنى، كأنّها عنبةٌ طافيةٌ، فَسَألتُ: مَن هذا؟ فقيل لي: هذا المَسيحُ الدّجَالُ"(10). ووقعَ الخَلطُ الكبيرُ في الرواياتِ المأثورةِ بخصوصِ الدّجالِ، بوصفه شخصًا أو حَرَكةً، أو عَلامةً للظهورِ الشريف، أو شرطًا من أشراطِ الساعة. فمُعظَمُ الرواياتِ المأثورةِ والتي عَرضتْ لِسَردِ مَوضوع الدّجالِ، (شخصًا، أو رمزًا) وبصورةٍ مَشوشةٍ ومُشابهةٍ بقدرٍ كبيرٍ للفكر اليهودي والإسرائيلي لدرجةٍ لا يُمكِنُ القبولُ بها دلالةً وتنظيرًا دون تحقيقٍ وهي مَحلُ بَحثٍ وتَأملٍ. وقد تَصَدّى سماحةُ الشيخ جعفر السبحاني لتوضيح ذلك في كتابه القيّم -الحديث النبوي بين الرواية والدراية - فَذَكَرَ مَا نصّه: "أخرجَ البخاري، عن عقبة بن عمر، عن حذيفة، أنّه سأله وقال: ألا تحدثنا ما سَمِعْتَ مِن رسولِ اللّهِ (صلى الله عليه وآله) قال: إنّي سمعته يقول: إنَّ مع الدّجَالِ إذا خَرجَ ماءً ونارًا، فأمّا الذي يرى الناس أنّها النار فماء بارد، وأمّا الذي يرى الناس أنّه ماءٌ باردٌ، فنارٌ تحرق، فمن أدرك منكم فليقع في الذي يرى أنّها نار، فإنّها عذبٌ بارد, أقول: إنَّ الروايةَ مهما صَحّ سندها فهي من الاِسرائيلياتِ، التي لا يُقامُ لها وزنٌ، حتى أنّ البخاري ذكرها في بابٍ تحتَ عنوانِ مَا ذُكِرَ عن بني إسرائيل, وإنْ ذَكرَها في كتابِ الفِتنِ مِن الجزءِ التاسع بصورةٍ مُوجزةٍ. وذلك أوّلًا: إنّ تزويدَ الدّجال بهذه المَعاجز يؤَدي إلى إضلالِ الناس، والغايةُ من خِلقةِ الاِنسان هي الهدايةُ لا الضلالةُ. وثانيًا: إنّ اختلافَ المَرئي في نَظَرِ الرائي رهنُ كون الدّجالِ ساحرًا، ويُخيِّل الشَيء بصورةِ عكسه، وهذا أيضًا من أسبابِ الضلال، فلماذا سلطه (سبحانه) على العِبَادِ. وأمّا تفسيرُ ابن حجر وقوله: يجعل اللّهُ باطِنَ الجنّةِ التي يُسخرها الدّجالُ نارًا وباطِنَ النارِ جنّةً، فهو تفسيرٌ بــعيدٌ لا يُحملُ عليه كلامُ أصحابِ البلاغةِ، فالحَقّ أنّ أكثر ما وردَ حول الدّجالِ إسرائيلياتٌ، لا يُذعنُ بها العقلُ الحَصيفُ، ولا يُظنُ لعاقلِ أنْ يُصدّقه، وإنْ كان أصلُ ظهور الدّجال في آخرِ الزَمانِ أمرًا مُسلّمًا بين المُسلمين"(11). وعـلى فَـرضِ صحَةِ الاعتقادِ جَزمًا بظهورِ الدجّال في وقتِ ظهورِ وقيامِ الإمَامِ المَهدي (عليه السَلامُ)، أو عقيبِ دولته وقُبيل قيامِ السَاعَةِ على مَبنى العامة، فإنّه سـيُسهمُ بقدرٍ كبيرٍ في إضلالِ الناسِ، وبأفانين تُناسبُ عَصره، مِمّا يَتولّدُ من ذلك حَركةٌ أو تيارٌ يَنتشرُ بسرعةٍ، وله تأثيره البليغ في دينِ الناسِ، وسلوكهم، ومصيرهم، بحسبِ مَقاصِدِ الرواياتِ، التي ذَكَرَتْ وقائعَه - الصَحيحُ منها عند العامة أو الضعيفُ عندنا – الخاصة-، وهناك قرائنُ لفظيةٌ صَاحبَتْ ذِكرَ الدّجَالِ في الرواياتِ، بحيث قد تُفيدُ بأنّه شخصٌ يُؤسِّس لحركةٍ ضًالةٍ ومُضلة. ومنها أنّه يَهربُ مِن مُلاحقَةِ النبي عيسى - عليه السلام- له عند العامة، كما في مَأثورِهم: "فإذا نَظرَ إليه الدّجَالُ ذابَ كَمَا يذوبُ المِلحُ في المَاءِ, ويَنطَلِقُ هَارِبًا ويقولُ عيسى (عليه السَلامُ): إنَّ لِي فيكَ ضربةً لن تسبقني بها، فيدركه عند بابِ اللدّ الشرقي فيقتله، فيهزمُ اللهُ اليهودَ"(12). أو مُلاحقةِ الإمَامِ المَهدي عليه السلام له عندنا- الخاصة - فيقتله. هذا فضلًا عن ورودِ أسماءٍ وأوصافٍ خاصةٍ له غير تلك التي تَخرقُ العادةَ بحسب زَعم رواةِ السنّة. وحتى يَكونَ المُتلَقي والقَارئُ على دِرَايةٍ -ولـو بوجهٍ مـا- بهذه المَسائلِ العَقدِيّةِ سَنَشرَعُ في بيانِهَا وتحليلها للخروجِ بمُعطياتٍ مَعرفيّة، تنفعنا في العقيدةِ المَهدويّةِ الحَقّةِ، سائلين اللهَ السدادَ والتوفيقَ، هو نِعْمَ المَولَى ونِعْمَ النَصيرِ. ويَتناولُ هذا البَحثُ مَسائِلَ خَمسَةً ضمن مَطالب عدّة: أولها: في نـــزولِ عِيسى النبي (عليه السلام) مِن السماء. وثانيها: في التعريفِ بشخصيّة الدّجّال. وثالثها: في حَرَكةِ الدّجّال وإماطةِ اللثامِ عن ماهيّته. ورابعها: في نهايةِ الدّجالِ سواءٌ أكانَ شخصيّةً حقيقيّةً أم حَركةً. وخامسها: في كيفيـّـة انتـشارِ الإسـلامِ في الدّولِ الغربيّةِ في زمنِ الإمامِ المَهْدي. ________________ (1) الأنبياء: 105-106. (2) الأنبياء:72. (3) الأنبياء: 157-159. (4) مَجمَعُ البيانِ في تفسيرِ القُرآنِ، الشيخُ الطبرسي، ج3، ص236، منشورات مؤسسة الأعلمي، ط1، 1415هـ. (5) بحارُ الأنوار، المَجلسي، ج52، ص383,ط3, بيروت ,1403هـ. (6) النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب ( عج )، تأليف خاتمة المحدثين آية الله الشيخ حسين الطبرسي النوري ج2، ص350، إعداد مركز الأبحاث العقائدية. (7) مُعجمُ أحاديث المهدي، الشيخ علي الكوراني، ج2، ص127، نشر : مؤسسة المعارف الاسلامية،ط1، 1411 ه‍ . (8) فتح الباري شرح صحيح البخاري، شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، ج11، ص303، ط بيروت. (9) شرحُ صحيح مُسلِمِ، النووي، ج2، ص234، دار الكتاب العربي بيروت – لبنان 1407 ه‍. (10) الموطأ لمالك بن انس، الشافعي، ج2، ص920، دار احياء التراث العربي، بيروت لبنان 1406 ه‍. (11) الحديث النبوي بين الرواية والدراية، الشيخ جعفر السبحاني، ص174,173. (12) سُنن ابن ماجة، ج2، ص1362، دار الفكر.

اخرى
منذ 4 سنوات
548

شُـبهاتٌ عقائـديّة حــولَ مَذهبِ التشيُّـع فـي التــوحيد (2) لـو كانت صفاتُ اللهِ عينَ ذاتِه كما يعتقدُ الرافضة لـلزمَ تعددُ الذات بتعددِ الصفات!

تـمهيد نتيجةً لانفراد مذهب الشيعةِ الإماميّة بالاعتقاد بــعينيّة الصفات الذاتيّة لله تعالى, أخذَت المذاهب الأخرى تُشكل على تلكّ العقيدةِ الحقّة، ومِن تلكَ الإشكالات إشكالُ اليوم. وقبلَ الإجابةِ على هذا الإشكال لابدَّ مِن إعلام القارئ الكريم بـعقيدةِ الشيعةِ الإماميّة في صفاتِ الله تعالى، وإعلامهُ كذلك بالأدلةِ الـتي اُسست عليها تلك العقيدة، وسيكون الكلام ضمن نقاطٍ ثلاثة. الـنقطةُ الأولـــى: عقيدتُنا في صفاتِ اللهِ تعالى الذاتيّة هي الصفات التي تثبت جمالاً وكمالاً في الموصوف، والتي لايمكن أن تنفكَ عن الذات حيثُ هي عينُ تلك الذات، كالقدرةِ، والعلمِ، والحياة، والسمعِ والبصر(باعتبار علمه بالمسموعات والمبصورات) والسرمديّة، والإرادة، والصدق. وتعتقدُ الشيعة أنّ صفات الله تعالى الذاتيّة هي عــــينُ ذاتهِ، فهو سبحانه يعلم لـذاته، ويقدِر لـذاته وحيٌّ لـذاته، وهلّـمّ جراً، فــذاتهُ كلّها قادرة وعالمة وحيّة...الخ. •الـنقطةُ الثانية: دليـلُ عقيدةِ العيــنيّة إنّ الدليلَ الّذي أسسـّوا عليه هذه العقيدة هـو دليلان: 1- الدليلُ الــعقليّ فكما نـعلم أنّ الحجّية القطعيّة للدليل العقلي قبل النقلي منه في اُصول الدّين، ومن أسمائه تعالى (الأحـد)، والأحديّـة صفةٌ ذاتيّةٌ تعني بساطة ذاته تعالى وعدم تركيبه –كما عرفنا في جواب الحلقةِ الأولى مِن هذه السلسة- . وعلى ذلك يحكمُ العقل بـــلـزومِ اتحاد صفاته مـع ذاته، ووجــوب تنزيهه سبـحانه عن التركيبِ والتجزئـة؛ لأنّ ذلك يلزم الإثنيـنيّة والغيريّـة، والـحال أنه سبحانه الغنـيّ المطلق، فمثلاً يعلـم بــذاته بكلّ الأشياء من دون حاجّة إلى شـيء غيـر ذاته المقدّسة. (ولــو كانت صفاتهُ تعالى غيـــرَ ذاته لـزمَ افتقاره إليها حال عدم اتصافه بها) , والتالي باطلٌ, فالمقدّم مثلهُ في البطلان؛ حيث إن الافتقار سمةٌ مِن سمات الممكن لا الواجب. (ولــو كانت صفاته تعالى غيــرَ ذاتهِ لــزمَ النقصُ عليه)، والتالي باطلٌ فالمقدّم مثلهُ في البطلان؛ فالنقص المتمثِّل بخلوّه مِن الكمال –خلوّه من تلك الصفات حين عدم اتصافه بها أي عند قصر النظر على ذاته فقط- والنقصُ سمةُ الإمكان كذلك. إذاً تعيّـــنَ عقــلاً أن تكون صفاتُ الله تعالى الذاتيّة عـــــينَ ذاته، لا منفكةً عنها. 2-الدليـلُ الــنقليّ: أ- رويَ عن الإمام الـصادق (عليه السلام) : ( لـــم يــزل اللهُ جلّ وعـزّ ربُّنا والـعلمُ ذاتـــــهُ ولا مـعلوم, والسمعُ ذاتــــهُ ولامسموع, والبــصرُ ذاتـــه ولا مُبصر, والقـدرةُ ذاتــــهُ ولا مـقدور) (1). ب- رويَ عن الإمام الرضا عليه السلام : (… لم يزل الله عزوجل علمه سابقاً للأشياء، قديماً قبل أن يخلقها، فتبارك ربنا وتعالى علواً كبيراً، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك لـــم يــزل ربُّنا عالماً سميعاً بصيراً)(2). ج- رويَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) : (…لـــم يــزل الله تبارك وتعالى عالماً قادراً حياً قديماً، سميعاً بصيراً بــذاته..)(3). د- قال أبان بن تغلب للإمام الصادق (عليه السلام) : أخبرني عن الله تبارك وتعالى، لم يزل سميعاً بصيراً، عليماً قادراً؟ قال عليه السلام : نــعم، فقلت له: إنّ رجلاً يــنتحل موالاتكم أهل البيت يقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بسمع، وبصيراً ببصر، وعليماً بــعلم، وقادراً بـقدرة. قال: فغضب (عليه السلام) ثم قال : (مَن قال ذلك ودانَ به فهو مـــــشركٌ وليـــس مِن ولايتنا على شيء، إنّ الله تبارك وتعالى: ذاتًا علاّمةً سميعةَ بصيرةً قادرة)(4). هـ- قال الشيخ المفيد (أنار الله مضجعه) : ( إنّ اللهَ عزّ وجلّ اسمه حـيٌّ لنفسـه لا بحياة، وإنّه قادرٌ لنفسـه وعالـمٌ لنفسـه لا بمعنى كما ذهب إليه المشبّهة من أصحاب الصفات... وهذا مذهب الإماميّة وكافّة المعتزلة إلاّ من سمّيناه وأكثر المرجئة وجمهور الزيديّة وجماعة من أصحاب الحديث والمحكّمة) (5). وتلك الأدلّةِ النقليّة واضحةٌ جليةٌ لاتفتقرُ إلى توضيحٍ, لما فيها مِن دلالةٍ واضحة. •الــنقطةُ الثالثة: جــوابُ الإشكال وبـعدَ مـعرفةِ العقيدةِ المُشكَل عليها، والأدلّة التي اُسست عليها, نأتي تسلسلاً إلى نقطةِ حلِّ الإشكال الوارِد على تلك العقيدةِ الحقّة. حيث إنه لامانع من أن تتصف الذات الإلهيّة بكلِّ صفاتِ الكمال، بل إن وجوده يقتضي اتصافه بكل كمال، لا يشذّ عنه كمالٌ أبداً وحيث إنّ وجودَهُ (تعالى) بسيط بَحت -غير مركب- حِينَئِذٍ نقول: إن ضرورة اتصافه بكل كمال مع بساطته تقتضي أن يكون الاتصاف على نحو العينية -أي أنه عيـنُ النعوت والأوصاف الكماليّة- غــيـرَ أن تلك النعوت متكثّـرة مع الذات الإلهيّة في عالمِ المفهومِ الذهنيّ, أمّـا في مقامِ المـصداق فالإلـهُ واحـدٌ مهما تعدّدت صفاته وهذا هو معنى العينية. ولتقريبِ الفكرةِ نأخذُ مثالاً: النــارُ كلّها هي حرارةٌ, وهي نورٌ, وهي واحدةٌ بمصداقها دون أن تتكثر (فلا نقول نارٌ حارّة, أو نارٌ منيرة), بــل هي نارٌ واحـدةٌ تطلق عليها تسميّاتٌ عديدةٌ, فتــأمل. فــكذلك الذاتُ الإلهيّة كلّها صفاتٌ ذاتيّة دون إنفكاكٍ. ومنه يتبيّن ان إثبات الصفات له جل وعلا لا يقتضي التعدد لأنه على نحو العينية لا الزيادة. والحمدُ للهِ الكائن لا عن حدث، الموجود لا عن عَدَم، وصلّى اللهُ على آل بيتهِ الطيبين الطاهرين. ______________________ (1) التوحيـد للشيخ الصدّوق:ص 139, باب 11, ح 1. (2) عيون أخبار الرضاعليه السلام: ج1, ص 118 ,باب ما جاء عن الرضا عليه السلام علي بن موسى من الاخبار في التوحيد ح8. والتوحيد: ص136 ,باب العلم ,ح 8. (3) الامالي للشيخ الصدوق: ص278, ح 5 , المجلس السابع و العشرون، و(عيون أخبار الرضا عليه السلام): ج1 ص119 ح10 باب ما جاء عن الرضا عليه السلام. (4) الآمالي للشيخ الصدوق: ص610 ,ح6 ,المجلس التاسع والثمانون، والتوحيد: ص143 ح8 باب صفات الذات وصفات الافعال، وروضة الواعظين: ص37 – 38 , باب الكلام فيما ورد من الاخبار في معنى العدل و التوحيد. (5) أوائل المقالات للشيخ المفيد: ص 56.

اخرى
منذ 6 سنوات
10619

شبهاتٌ عقائـديّة حولَ التشيّع في التوحيد (4) الروافضُ المُشركون يعبدون اثني عشرَ معبوداً!

وهذهِ إحدى الشبهات المُثارة في الوسط المخالِف؛ نتيجةً لـلجهل المرّكب –وربما البسيط-، وقد أوضحنا في الحلقةِ السابقةِ مِن هذهِ السلسلةِ حلّ هذهِ الشبهةِ مِن ناحيةِ التوحيدِ في الربوبيّة، والآن نُعالج الشُّبهة مِن ناحية التوحيدِ في العبوديّة. وسيكون الكلام ضمن نقاطٍ عديدة. النـقطةُ الأُولى: تعريفُ العبادةِ لغةً واصطلاحاً. النقطةُ الثانية: مظاهرُ العبودية. النقطةُ الثالثة: علاجُ الشّبهة. النـقطةُ الأُولى: تعريفُ العبادةِ لغةً واصطلاحاً. لــــغةً: قال الراغب في المفردات: "العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغ منها، لأنّها غاية التذلّل، ولا يستحقّ إلاّ من له غاية الإفضال وهو الله تعالى ولهذا قال: {وقَضى ربُّكَ ألاَّ تَعبُدوا إلاّ إيّاهُ...} ". وقال ابن منظور في لسان العرب: "أصل العبودية: الخضوع والتذلل". وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: "العبادة: الطاعة". لـكن التعريف اللغويّ هذا لا يمكن الأخذَ بهِ؛ لأنّهُ ليسَ كلُّ خـضوعٍ أو تذللٍ هي عبادة، ولهذا يعوّل على التعريف الاصطلاحي. فـالعبادةُ اصــطلاحاً: "هي الخضوع والتذلل لفظاً أو عملاً مـع الاعتقاد بأُلوهيّة المخضوع له"(1). فـالمعبودُ –على هذا- هو المستقلُّ بالذاتِ والصفاتِ والأفعال، وحيثُ لا ينطبقُ وصفُ الاُلوهيّةِ إلاّ على الله تعالى، فانحصرت العبوديّة الحقّة به. في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(2) نجدُ أنّ القرآن الكريم قدّمَ الضمير المُنفصِل (إيّاكَ) على الفعل (نعبُد) وهذا أسلوبٌ بلاغيٌّ يُفيدُ الـحصر، فانحصـرت العبوديّة الحقّة بالله جلّ جلاله. ولـو تأملنا في آيةٍ اُخرى لـوجدنا أنّ الرّبَ والإله هـو المـعبود، يقولُ تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}(3). من الناحية الروائيّة فقد روي: أنّ حبراً مِن الأحبار قال لعليّ (عليه السلام): أ فــنبيٌ أنت؟! فقال (عليه السلام) : "إنّما أنا عبدٌ مِن عبيدِ مُحمّد"(4)، وهنا يقصد (عليه السلام) بالعبوديّة المجازية. النـقطةُ الثانية: مظاهرُ العبودية لو لاحظنا العديد مظاهر العبوديّة لـوجدنا انّها تتناسق مع المعنى اللغوي للعبادة، ولـهذا يُشكل عليها بكونها شركاً، والمظاهر هي: -الـسجود -الانحناء -الحلف بغير الله -التبرّك -النذر لأهل القبور -التعظيم والإجلال -تقبيل اليد أو المتعلّقات -الاستعانة بغير الله -طلب الشفاعة مِن أولياء الله -زيارة القبور. إلا أن المُخالفين عدّوا تلكَ المظاهر مظاهرَ شــركٍ، ووقعوا في شُبهةٍ مــصداقيّة [أي إنّ معنى العبادةِ واضح عندهم إلاّ أنّهم لا يستطيعون تشخيص مفرداتها ومصاديقها]. في حين أنّ ممارسةَ هذه المظاهر إذا لــم تكن باعتقاد ألوهيّة المخضوع له، بل كانت باعتقاد التعظيم والتشريف والتكريم فــهو ليس شركاً، لأنها ليست عبادة بالمعنى المصطلح. النـقطةُ الثالثة: مُعالجةُ الشُّبهة لـو تمعّنَ الباحث عن الحق -دونَ انحيازٍ- في تلكَ المظاهر ووجدَ لها مصاديق قرآنيّة لأذعنَ أنّ المِلاك في اطلاق لفظة الشرك على تلك الأفعال هو الخضوع المصحوب بالاعتــقاد بأن المخضوع له رب مستقل. وإلا، فهـل يُعقل أن يأمرَ الله تعالى ملائكته بالـشرك؟! قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}(5). فـهل الملائكةُ مـشركون وإبليس هو الموحِّد؟! والخلاصة: أن العبودية الحقة لا تصدق إلا في الخضوع إلى الله تعالى، لأنه هو المعبود المستقل ليس غير، وإطلاق العبودية على غيره تعالى يكون ضرباً من المجاز. ___________ (1). ظ: محاضرات في الإلهيّات, للشيخ جعفر السبحاني. (2) الفاتحة: 5 (3) مريم: 36. (4) العلم والحكمة في الكتاب والسنة للريشهري, ص421, عن آداب المتعلمين ,ص74. (5) البقرة: 34. والحمدُ لله ربِّ العالمِين وصلّى الله على سيّدنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين. علويـة الـحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
1690

إثــباتُ إسـمِ ونبـوّةِ وموطِنُ النبيّ مُـــحمّـد (מַחֲמַדִּים) (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) مِــن كتاب الإنـجيل (1), (2)

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم قال تعالى: ( وإذ قال عيسى بنُ مريمَ يابني اسرائيلَ إنّي رسولُ اللهِ إليكم مصدّقاً لِما بينَ يديّ مِنَ التوراةِ ومبشّراً بــــرسولٍ يأتي مِن بعدي اسمُهُ أحــــمد) [الصف/6]. لـو لـم يرد هذا النصّ لا نفتح باب لمنكري نبوّة النبي الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله. إلاّ إنّ الحقَ أماطَ عن لثامه وأبى إلاّ أنْ يعلو، فبين يديكم كيفيّة الاستدلال على إثبات نبوّة نبيّنا الأكرم من كتاب الإنجيل، ضمنَ مباحثٍ عديدة. الـمبحثُ الأول: بــئر شيـع هو بـئر زمزم الموجود في مكّة بحسب سفر التكوين تنصّ النصوص التالية على أنّ اللهَ تعالى قد أمرَ النبيّ ابراهيم (عليه السلام) بتركِ زوجته هاجر و طفلهما اسماعيل في الصحراء (صحراء باران) حيث لا يوجد ماء، و عند عطش الطفل وبكاء هاجر فجّـر الله تحت أقدامه بــئراً للماء، ما اسم هذا البئر؟ وأين موضعه؟ وبمَ سينفعنا في هذا البحث؟ هـذا ما يجيـبنا عليه سـفر التـكوين: لـنقرأ ماذا نصّ الإنجيل على البئـر الموجود في بـكة (بـئر شيع) كما يُسميـه الإنجيل الذي تفجّر تحت قدميّ اسماعيل ابـن هاجر. وهذا النص باللغتين العربيّة والإنجليزيّة؛ توثيقاً للقارئ، ومنعاً من الاتهام بالتحريفِ والتدليس. 14 ((Early the next morning Abraham took some food and a skin of water and gave them to Hagar. He set them on her shoulders and then sent her off with the boy. She went on her way and wandered in the desert of Beersheba. 15 When the water in the skin was gone, she put the boy under one of the bushes. 16 Then she went off and sat down nearby, about a bowshot away, for she thought, "I cannot watch the boy die." And as she sat there nearby, she began to sob. 17 God heard the boy crying, and the angel of God called to Hagar from heaven and said to her, "What is the matter, Hagar? Do not be afraid; God has heard the boy crying as he lies there. 18 Lift the boy up and take him by the hand, for I will make him into a great nation." 19 Then God opened her eyes and she saw a well of water. So she went and filled the skin with water and gave the boy a drink)) (1) . وبـترجمة النص: 14 فبكر ابراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء واعطاهما لهاجر واضعاً إياهما على كتفها والولد وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئر سبع. 15 ولمّا فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار. 16 ومضت وجلست مقابله بعيداً نحو رمية قوس؛ لأنّها قالت لا أنظر موت الولد. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. 17 فسمع الله صوت الغلام. ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها ما لكِ يا هاجر. لا تخافي لأنّ الله قد سمعَ لصوت الغلام حيث هو. 18 قومي احملي الغلام وشدّي يدك به. لأنّي سأجعله أُمَّة عظيمة. 19 وفتح الله عينيها فأبصرت بــــئر مــاء. فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. 20 وكان الله مع الغلام فكبَر. وسكن في الـــبرية وكان ينمو رامي قوس. 21 وسكن في برية فــــاران)) (2) . الــــنتيـجة: •أنّ البئرَ التي تفجّرت تحت أقدام اسماعيل هى البئر التي يطلق عليها المسلمون الآن (بـئر زمــزم)، وهى بئر الشبع والتي لم تنضب حتى الآن ويشرب الحجاج منها والعمار طوال هذه السنون والقرون. •أنّ اسماعيلَ وهاجرَ قد عاشوا في أرض باران. وهـي مكّة المكرمة. حيث إن: فارن=باران= مـكّة= بكّـة= وادي البيلسان=وادي البـكاء. ليسمّوها ما شاؤوا مِن تسميات، فالمـهم هو إثبات أنّها مديــنة محمّد (صلى الله عليه وآله) التي تلألأ النور فيها بتلك الشريعة كما نصّ سفر التثنية: ((1 وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني اسرائيل قبل موته 2 فقال. جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتـــلألأ من جبل فـــاران واتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم)) (3). الـــــمبحثُ الــــــــثاني: مـحاولةُ طمسِ اسم بكّة في الإنجيل مِن المعروف أنّ النبيَّ الخاتم (محمّد صلّى الله عليه وآلهِ) قد ظهر في مدينة (مكة) ولادةً ودعوةً، وما زال ذلك اسمها: (مكة) أو (بكة)، حيث (بكة): هي أرض الحرم من (مكة). وهي التي يتوجّه إليها المسلمون في صلاتهم: مِن مشارِق الأرض ومغارِبها. وقد ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم باسم: " بكة " فقال سُبحانه : ((إنَّ أوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بــِ(بَــكَّةَ) مُبَارَكاً وَهدُىً لِلعَالَمِين)) (4) . والآن لــنر ماذا فعل المترجمون باسم " بكة " في ترجمتهم للعهد القديم؟ نقــرأ النــص: إنّ النص الأصلي في سفر المزامير كان يُقرأ هكذا: " عابرين في وادي بكة يُصيرونه يــــنبوعا " (5) . وباللغة الإنجليزية: " through the valley of Ba'ca make it a well " (6). فقام بعضهم باستبدال كلمة: (بكة) أو (وادي بكة) بـ: (وادي الـــبُكاء أو (وادي البلــــسان)! في حين أنَّ شجرَ (البلسان): هو شجرٌ (لا يظهر في هذه المنطقة إلاّ بمكة) وأنّ له مادة صمغية تشبه بالفعل (دموع الإنسان في البكاء)(7). _________________________________________ (1) Genesis 21. (2) سفـر التكوين/ إصحاح 21. (3) سفر التثنيـة: اصحاح 33. (4) آل عمران : 96. (5) سفر المزامير 84- 6. (6) المصدر نفسه. (7) موقع الأنبا تكلاهيمانوت القبطي الأرثوذكسي، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مصر، قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة- وادي البُكاء. يتبع في الحلقة التالية لإثبات اسم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من الانجيل. والحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
2671