بقلم: حنان الزيرجاوي شهر تترجم الأفكار فيه إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة، والكلمة إلى حياة، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر التقرب من الله للفوز برفيع الدرجات. شهر أوله رحمة، تضاعف فيه الحسنات، وتفتح فيه أبواب الجنان ، وأوسطه مغفرة، تقال فيه العثرات، وتغفر السيئات، وآخره إجابة، تجاب فيه الدعوات، شهر العتق من النار، شهر الاحسان والصدقات، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن. لكل فريضة أمرنا الله بها علينا حكمة إلهية وعلة، ومن هذه الفرائض هي فريضة الصوم، وكما جاء في روايات آل البيت (عليهم السلام) وخطبهم أن فريضة الصيام هي امتثال لأمر الله وطاعته واثبات الإخلاص له. الصيام يبني الإنسان وفق منهج متكامل الأبعاد، حيث تكون له ابعاد متعددة وآثار غزيرة مادية ومعنوية في وجود الإنسان، ومن هذه الأبعاد: البعد المعنوي: فترك الإنسان المؤمن للأكل والشرب وسائر الملذات من طلوع الفجر وحتى الغروب ليس بالأمر الهين، فإنه يحتاج لإرادة قوية وصبر وعزيمة وإيمان، ومجاهدة للنفس لترك عالم الماديات والتحليق في سماء المعنويات التي جعلها الله جزاء للصائمين القائمين القانتين والمستغفرين بالأسحار. ومن أكثر أدعية الصائم في شهر الرحمة هي طلب الغفران والعتق من النيران، والشوق الكبير للفوز بجنة جعلها الله للمتقين وللمؤمنين، فرجاء الإنسان برحمة الله يبعث فيه الارتياح والسعادة، ويقوي عزيمته وإرادته وصبره، فالخوف من نار أعدت للمذنبين والرغبة بجنة أعدت للمتقين تجعله يستقيم، فكل خطوة في هذه الحياة بحاجة إلى رجاء وخوف. البعد الروحي: الصوم ينقل الإنسان إلى عالم ملائكي، وأجواء روحانية عظيمة، لمن يطبق الصوم بشكل صحيح، لأن الصيام ليس ترك الطعام والشراب فقط، فالإسلام لا يريد من الصوم أن يكون حالة جسدية فقط، بل حالة روحية ونفسية وسلوكية، فالصوم وسيلة تربوية لبناء الفضائل، ودلالة ذلك واضحة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة:183) ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه؟! شهر رمضان فرصة عظيمة للتدريب على الالتزام والاستقامة والعمل بما يأمر به الدين والعمل بالواجبات وترك المحرمات، وكل ما كان الإنسان مستقيمًا أكثر كان أقرب درجة. فالصوم يطهر النفس ويهذبها، فهو يفتح شغاف القلب، ويمنح القدرة والقوة، ويبعث في النفس النور والصفاء. البعد التربوي والأخلاقي: من يلامس جسده نسيم ونفحات هذا الشهر المبارك، فإنه ينقله من حالة السكون والركود إلى حالة الحركة والعمل الدؤوب، ليصبح بذرة تبعث الحياة وروح التفاؤل في كل أركان الدنيا. شهر رمضان هو فرصة مناسبة لتربية الإنسان، فهو عامل محفز لعمل الخير، وتعويدها على الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس. والابتعاد عن الشر والبخل والغرور والطمع والبطر. روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: صوم الجسد الإمساك عن الأغذية بإرادة واختيار خوفًا من العقاب ورغبة في الثواب والأجر، صوم النفس إمساك الحواس الخمس عن سائر المآثم، وخلو القلب من جميع أسباب الشر... البعد الاجتماعي: شهر رمضان منعطف مهم في حياتنا الاجتماعية نحو التغيير للأفضل، والسير قدمًا نحو الطريق المستقيم والصحيح، وتحمل أعباء المسؤولية الفردية والاجتماعية. إن مراقبة الإنسان لنفسه للحفاظ على جوارحه وأفعاله وكل حركة منه خلال شهر رمضان، لها دور مهم في بناء الإنسان خارجيًا، إذ سرعان ما تنعكس على ظاهره، ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (سورة الرعد:11) فدلالة هذه الآية الكريمة على أن التغيير الداخلي للإنسان يسهم بدور كبير في تغيير بناء الأمة، لأن الفرد هو جزء من مجتمع، ومن الخطأ بين الناس أن التغيير والإصلاح إنما يحدث ويبدأ من المجتمع نحو الأفراد، بل إن عملية البناء والتغيير إنما تحدث من الأفراد أنفسهم متجهة نحو الآخرين، وبتظافر الجهود الفردية واجتماعها تحدث عملية البناء والتغيير الاجتماعي للأمة، وبالتالي متى ما يحدث التغيير الداخلي يحدث التغيير الخارجي، فإن كان خيرًا فخير أو شرًا فشر. (١) وهذا ما حثت عليه الشريعة الإسلامية بأحكامها الشرعية والاخلاقية التي تبني إنسانًا متكاملًا صالحًا لبناء مجتمع، وكذلك ما نلحظه في قول الرسول (صلى الله عليه وآله): (من أصلح باطنه أصلح الله ظاهره) (٢). شهر رمضان تتعزز فيه روح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، ليجد الغني مضض الجوع فيعطف ويحن على الفقير. وكذلك أيام شهر رمضان تساعد في توطيد العلاقات العائلية فيما بينهم، والعوائل المفككة من الممكن أن يكون هذا الشهر الفضيل سبب تصالح الخصماء، سواء على صعيد الآباء والأبناء أو الأخوة والأخوات والأقارب، وبذلك تعالج مشكلة القطيعة بين صلة الأرحام، قال تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الأنفال (الآية ٧٥) وتبادل الزيارات بين الأصدقاء والأيتام والمحتاجين. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} سورة الحجرات (الآية ١٣) هو فرصة لتطهير النفس من امراض القلوب التي تساعد في تباعد الأفراد، وتزرع الأحقاد والعداوات فيما بينهم. البعد الصحي: إن الله سبحانه وتعالى لا يأمر أو ينهى عن شيء إلا وفيه حكمة ومصلحة للإنسان سواء أكانت المصلحة متحققة في الدنيا أم مؤجلة للآخرة. للصوم فوائد صحية عديدة نذكر أن ما جاء عن الصادق الأمين النبي (صلى الله عليه وآله): (صوموا تصحوا)(٣) ، فهو كلام جامع لكثير من المعاني التي تصح الصحة أن كانت جسدية أو نفسية . ونذكر قليلًا مما يعالجه الصوم في الصحة الجسدية ، منها :- - التخلص من الدهون المتراكمة في الجسد، الناتج من الإسراف بتناول الأطعمة المختلفة بمرور الوقت (٤) - تخليص الجسم من الفضلات الزائدة التي تكون وسط صالح لتكاثر الميكروبات والأمراض. -ثبت علميا قديما وحديثا أن الإمساك عن الطعام يعتبر علاجًا فعالًا لكثير من الأمراض. - يجدد الخلايا الجذعية ويقوي جهاز المناعة. - يرفع من مستوى الذكاء بسبب تأثير الجوع على الدماغ. - يساعد على انخفاض ملحوظ في معدل السكر بالدم. - يقلل من معدل كريات الدم البيض في الدم. - يساعد بتجويع الخلايا السرطانية، والحماية من الإصابة بها. _____________________________ ١- الطبرسي، مجمع البيان: 6/15، والرازي، مفاتيح الغيب: 9/19 ٢- الكليني، الكافي: 8/307 شهر رمضان تتعزز فيع روح التعاون ٣- بحار الأنوار للمجلسي، 59/267، المتقي الهندي، كنز العمال: 8/45. ٤- كتاب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج1
المناسبات الدينيةبقلم: رضا الله غايتي اختلف علماء المسلمين في والدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هل كانا على عقيدة التوحيد أو لا؟ تعتقد الإمامية بأنهما كانا موحدين، يوافقها في ذلك بعض المخالفين، مستدلين بالكتاب والسنة، منهم السيوطي، إذ قال في كتاب مسالك الحنفاء: "المسلك الثاني: أنهما أي (عبد الله وآمنة) لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام). ولكن ذهب أكثر المخالفين إلى كفرهما مستندين إلى ما روي عن أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال (صلى الله عليه وآله): في النار، فلما قفى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار (1)! وما روي عن أبي هريرة قال: زار النبي (صلى الله عليه وآله) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" (2). وبالرجوع إلى كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن هاتين الروايتين لا يصح الاحتجاج بهما؛ لمعارضتهما الصريحة لقوله (جل شأنه): "وتقلبك في الساجدين" الشعراء (آية 219) أي إنّك يا رسول الله كنت تحت نظر الله (تعالى)طيلة مدة انتقال نطفتك المباركة من نبيّ موحد ساجد إلى ساجد آخر (3) كما إنهما تعارضان صريح السنة المطهرة أيضاً، فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إِلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية» (4) ولا شك أن أقبح أدناس الجاهلية هو الشرك وعبادة الأوثان؛ لقوله تعالى: "إِنّما المشركون نَجس" (التوبة 28) كما روي عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أنا دعوة أبي إبراهيم. فقلنا يا رسول الله، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟....حتى قال: "قال إبراهيم واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس، قال النبي (صلى الله عليه وآله): "فانتهت الدعوة إلي وإلى أخي علي لم يسجد أحد منا لصنم قط، فاتخذني الله نبياً، وعلياً وصياً" (5). كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: "يا محمد إن ربك يُقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبدالله بن عبدالمطلب والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب" (6). وبالإضافة إلى ذلك، فإن المصادر التاريخية الصحيحة هي الأخرى تؤكد إيمانهما، حيث تبين أن الكثير من العرب في الجاهلية كانوا موحدين ومؤمنين بالله الواحد، وأشهرهم في هذا الإيمان بنو هاشم -عبد المطلب وأبو طالب وعبد الله والد النبي-، حيث كانوا يعبدون الله عز وجل، ويجتنبون عبادة الأصنام، وينكرون ما كان أكثر العرب يعتقدون به (7)، وقد كان هؤلاء الموحدون يعبدون الله تعالى تارةً على مرأى من كفار قريش، وأخرى في مغارات الجبال. مما تقدم يتضح جليًا، أن والدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كانا موحدين، وأما الروايات التي نسبت إليهما الشرك كذبًا وزورًا فهي كأخواتها من الروايات التي وضعها بعض الحاقدين لتضميد عقدة حقارتهم، وتشبيه والديه الطاهرين (عليه السلام) بآبائهم المشركين، ومحاولةً منهم لإزالة العار المطبق على أجدادهم الكافرين. ولكن ما يؤسف له أن الكثير من المسلمين يعدّون هذه الروايات الموضوعة صحيحةً، وعليها بنوا أسس عقائدهم ونظرتهم لوالدي أشرف الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح مسلم ج1 ص191 (2) سنن ابن ماجةج1 ص501 (3) أنظر الأمثل ج11 ص478 (4) مرآة العقول ج5 ص233 (5) الأمالي للطوسي ج1 ص430 )6) الكافي ج1 ص656 (7) انظر سيرة ابن هشام ج1 ص252،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدج1 ص120.
اخرىبقلم: علوية الحسيني إنّ التوسل عقيدةٌ متسالم عليها نقلاً وعقلاً، وفي مبحثنا هذا سيتم تسليط الضوء على عقيدة الشيعة الامامية في التوسل بمقام الزهراء (عليها السلام) في هذا المطلب ضمن الفروع التالية: ■المطلب الأول: التوسل في عقيدة الشيعة الإماميّة. * الفرع الأول: تعريف التوسل التوسل لغةً: " الوَسِيلةُ : المَنْزِلة عند المَلِك . والوَسِيلة : الدَّرَجة. والوَسِيلة : القُرْبة. ووَسَّل فلانٌ إِلى الله وسِيلةً إِذا عَمِل عملاً تقرَّب به إِليه. والواسِل : الراغِبُ إِلى الله"(1) وَسَلَ. -التوسل شرعاً: "الوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر إلى جنابه تعالى، فهذه هي الوسيلة الرابطة"(2). *الفرع الثاني: أقسام التوسل إنّ التوسل على قسمين، والقسمان لا يختلفان عن بعضهما فكلاهما طلب من الله تعالى في اساس الفعل، وهذا اكبر دليلٍ على اتكائنا على الله سبحانه، ونفي الشرك لذي ألبسنا ايّاه اعداء المذهب. "والتصوران هما"(3). 1ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبد صالح ، أن يقضي حوائجنا، كما في قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا }(4). 2ـ وتارة نطلب من النبيّ والوصي ، والعبد الصالح ، أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج . كما في قوله تعالى حكاية عن أولاد يعقوب : { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(5). *الفرع الثالث: الأدلة على مشروعية التوسل دلّت العديد من الآيات الكريمة والروايات الشريفة على التوسل صراحةً وضمناً، وبين يدي القارئ بعضها. أولاً: التوسل في النص القرآني 1-قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}(6). فلو كان اتخاذ الوسيلة الى الله تعالى شركاً لَمَا أمر به في كتابه العزيز وجعل نتيجة ذلك الفلاح. 2-قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيما}(7). الآية تقول: لو أنّ قوماً اتخذوا نبي الله محمدًا (صلى الله عليه وآله) وسيلة ليطلب لهم المغفرة من الله تعالى، لقبل الله توبتهم، فلو كان طلبهم هذا شركاً لذمهم الله تعالى، ولما قبل توبتهم. 3- قوله تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه}(8). أفادت هذه الآية انّ المبتغين للوسيلة يرجون القرب من الله تعالى ورحمته ويخافون عذابه، وذلك بالطلب من تلك الوسيلة أن تطلب مرادهم منه تعالى. 4-قوله تعالى حكايةً:{ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِين}(9). توضّح بصورة مباشرة فائدة الوسيلة (يعقوب النبي) الذي اتخذه أبناؤه وسيلة إلى الله تعالى ليغفر لهم ذنوبهم متوسّلين به. ثانياً: التوسل في النص الروائي إنّ الأئمةَ عليهم السلام كثيراً ما كانوا يتوسّلون إلى الله تعالى، وقد وردت رواياتٌ عديدة تبيّن فضل التوسل بمحمدٍ وآله –عليهم الصلاة والسلام- ، وكيفية ربط الزيارة بالتوسل ومن ثم الشفاعة . نتبرّك بذكر بعضٍ منها: 1- في رواية: تقول قبل دخولك في الصلاة: اللهمَّ إني اقدم محمداً نبيك(صلى الله عليه وآله) بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك في طلبتي فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهمَّ اجعل صلاتي بهم متقبلة( 10). 2-ومن مناجاة أمير المؤمنين (عليه السلام): (فبذمة الإسلام أتوسل إليك وبحرمة القرآن أعتمد عليك وبحق محمد وآل محمد أتقرب إليك فصل على محمد وآل محمد واعرف ذمتي التي بها رجوت قضاء حاجتي برحمتك يا أرحم الراحمين)"(11). *الفرع الرابع: التوسل في الزهراء (عليها لسلام) في معتقد الشيعة الامامية إنّ العالم المادي خاضعٌ لنظام الأسباب والمسببات، فلكل معلولٍ علّة؛ فالمطر سبب لإنبات الثمرات، والأب سبب لإيجاد ابنه، مع ملاحظة أنّ تلك العلل ليست علّة تامة –أي إنّ المطر، والأب معلولان للعلّة التامة التي هي الله تعالى- فالنظام الكوني وما فيه خاضع لإرادة الله تعالى، وتحت حياطة علمه. وهكذا العالم المعنوي يخضع لنظام الأسباب والمسببات، وأيضاً كلٌ يندرج تحت إرادة وعلم الله سبحانه. فالتوسّل بالأرواح الطاهرة يجري في العالم المعنوي، ومن تلك الأرواح روح فاطمة الزهراء (عليها السلام). لقد قرأنا الآية الكريمة: {وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُم جَآؤُوكَ فَاستَغفَرُوا اللّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيما}(12). وعلمنا أنّ قوماً توسلوا برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) فاستغفر لهم، فانطلاقاً من هذه الآية الكريمة ممكن أن نثبت مشروعيّة التوسّل بالسيّدة الزهراء (عليها السلام)؛ فنقول: بما أنّ التوسّل ثبتت مشروعيّته للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فتثبت لآله، إذ لو كان التوسل محرمًا، لحرم حتى به (صلى الله عليه وآله)، ولكن حيث جاز به، وأهل بيته (عليهم السلام) هم نفسه، والزهراء عليها السلام روحه التي بين جنبيه، فجاز التوسل بها أيضًا. _____________________ (1) لسان العرب: لابن منظور، مادة التاء. (2) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة محمد حسين الطباطبائي (قدس سره)، تفسير سورة المائدة. (3) موسوعة الأسـئلة العقائدية: مركز الأبحاث العقائدية ، ج3، ص214. (4) النساء : 64. (5) يوسف : 97 ـ 98. (6) المائدة: 35. (7) النساء:64. (8) الإسراء: 57. (9) يوسف: 97. (10) الكافي: للشيخ الكليني، ج2، ص544. وفي المعنى أيضاً في الكافي 3: 309، التهذيب 2: 287، الفقيه 1: 302 عن أبي عبد الله (عليه السلام) وغيرها. (11) البحار: للعلامة المجلسي، ج 91، ص108. (12) النساء:64. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. يتبع: التوسل في مقام الزهراء (عليها السلام) بعقيدة أبناء العامة في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.
اخرىبقلم: قلم زهرائي حسيني نقاء.. من خيرة الفتيات اللاتي تعرفتُ عليهن وأحسنتُ اختيارهن، فتاة خلوقة ومتديّنة، روحها خضراء وثغرها باسم لا يحكي إلّا الصدق وطيب الكلام، رافقتها طويلًا، وكان هذا رزقًا وتوفيقًا أحمدُ الله تعالى عليه، كنت أراها مخلصةً في العمل مجتهدة في طلب العلم، خدومةً تحبّ الخير ومساعدة الآخرين، إلى جانب ذلك كنتُُ أراها قدوة في تربية النفس وتأديبها بأجمل الآداب، فكانت لا تشارك المغتاب، ولا تشجع على النميمة، وكل من عرفها يشهد لها بذلك... حظيَت نقاء باحترام جميع الفتيات، لأنها كانت تحترمهنّ جميعًا وتحسن إليهن، وكثيرًا ما رأيتُ تأثرهنّ بها وثقتهن برأيها، فكنّ يرجعْن إليها للاستشارة أو النصيحة، وكانت تقابلهن بكل حبّ وترحاب، كنت أعجبُ من طبعها وأتساءل: كيف وصلت إلى هذه المرحلة من حسن الخلق وطيبة النفس ونقاء السريرة؟ فكانت تجيبني بقول الإمام الصادق (صلوات الله تعالى عليه): "إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ وَصَدَقَ الْحَدِيثَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَر" (١). أتذكرها على الدوام... وأحد المواطن التي أتذكرها عنده؛ خطبة النبي الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولعلّها كانت تقرأها كثيرًا وجاهدت واجتهدت طويلًا لتعمل بما جاء فيها، ليس في شهر رمضان فقط، بل في كل الشهور. فعند قراءَتي لقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) "وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ" أتذكر كيف أنها كانت تخصص من مصروفها جزءاً وتضعه في محفظة خاصة، وعندما كنتُ أراها وأسألها تجيب: إني أجمع ما أوفقُ لجمعه لأقوم بإهدائه للفقراء والمحتاجين أو أشتري به شيئًا ينفعهم. وكانت تشجع والدتها وتساعدها في إعداد طبق من الطعام وإرساله إلى الجيران وتقول: ما أجمل أن نشارك ا لآخرين طعامنا وإن لم يكونوا من المحتاجين. وعند قوله (صلى الله عليه وآله): "وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ" أتذكرها أيضًا، فقد كانت تحترمُ والديها أيّما احترام، فكانت تنهض احترامًا إذا دخلا، وكانت تتأخر في المشي عنهما خطوات، وتحرص على ألا يعلو صوتُها صوتَهما، وكانت تسرُّ بخدمتهما ولا تتململُ من ذلك، ما جعلها ذلك محبوبةً لدى الجميع، وليس عند والديها فقط، وهذا بفضل برها بهما ورضاهما عنها ودعائهما لها... ولم تكن تأمر أحدًا بعمل شخصيّ، وحتى الصغار، فلا تقول لهم: اجلبوا لي هذا أو ذاك، بل كانت تخدم نفسها بنفسها، وتعاملهم بمنتهى اللُطف والمداراة؛ لذا كانت تحظى بحبهم أيضًا، و كنت أمازحها أن: يا نقاء، كأنك الحلوى أينما كنتِ اجتمع حولكِ الأطفال! وفي قوله (صلى الله عليه وآله)" أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ" أتذكرها كذلك، فقد كانت حريصة على التحلي بمكارم الأخلاق وجميل الطباع، كانت تقول لي: هذه الصفة جميلة وسيفخر بنا نبينا (صلى الله عليه وآله) وعترته وإمام زماننا إن تحلينا بها، وكانت تشجعني على الالتزام بها حتى تصير مَلكة لا تتغير مع تغير الظروف أو تبدل الأحوال. ذات يوم ذهبتُ إليها فرأيتها ترتدي الحجاب والعباءة والجوارب فتعجبت من ذلك وقلتُ: أفي هذا الحرّ الشديد وأنت صائمة! كيف تحتملين ذلك؟! فابتسمت وأخذتني من يدي وقالت: اخفضي صوتك، فلدينا ضيوف وقد اضطررت لمجالستهم مع عائلتي، ولأجل ذلك ارتديت هذه! وذات يوم، وبينما كنت أتجوّل معها في حديقة الجامعة، توقفتُ فجأةً ونظرت إليها وقلت: ها؟ أبشري، كم حبة رملٍ قد أحصيتِ؟ قلت ذلك لأنها كانت تغضُ بصرها كثيرًا وكأن عيونها تراقبان الأرض. لم تكن تقابل الإساءة بالإساءة بل كانت كثيرة العفو والصفح، وعندما كنت أستفهم عن سرّ ذلك تجيبني: لا ينبغي لأتباع آل محمد (صلى الله عليه وآله) أن يحملوا في صدورهم غلًا أو حقدًا، فماذا نخسر إن عفونا وصفحنا؟! ذلك يوجب قرب الله تعالى ورضاه، وإن هذه لمنزلةٌ عظيمة. ذات يوم دخلتُ مصلى الكليّة فوجدتها تجلس بمفردها، وعندما اقتربت منها حسبت أنها شاردة الذهن، ولكنها –وقتها- كانت تذكر الله تعالى بتسبيح السيّدة الزهراء (صلوات الله تعالى عليها)، ولكن لم أكن لأعلم بذلك إلا بعد حين مصادفة لأنها كانت تخفي المسبحة تحت عباءتها! ولعل السبب لئلا يدخلَ شيء من الرياء قلبها. كانت نقاء مصدر الأمان في مجموعتنا، فكُنّا نُسرُّ بوجودها ونحزن لغيابها، لقد كانت مصداقًا لقول سيد الأوصياء (صلوات الله تعالى عليه): «خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا اليكم» (٢). لقد كانت نقاء مثالًا للمرأة الواعية المثقفة، فرغم أننا وإياها كنّا في السنّ نفسه، ولكننا كنّا نتعلم منها وكأنها تكبرنا بسنوات! عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله عليه وآله:« قالت الحواريون لعيسى: يا روح الله من نجالس؟ قال من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله» (٣). ونقاء كانت كذلك. ـــــــــــــــــ (١) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج١٢، ص ٢. (١) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (صلوات الله تعالى عليه)، ج٤، ص٤. (٣) الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص ٣٩.
اخرىبقلم: علوية الحسيني إنّ العلم كمال، وكل كمال لابد له من مسلك يعرج إليه، وسبيل العروج إلى تحصيل العلم ورسوخه في الذهن يتمحور ضمن مراحل من خلالها يتم تأسيس قواعد رصينة تفيد في ترسيخ، وسهولة حفظ، وتدبر العلم، نسرد بعض منها: 1- الغذاء لابد من تغذية الروح أولاً؛ إذ للنفس اقبالٌ وادبار، وتطبّع بالآثار، فقد تتراجع نفس الطالب نتيجة تأثرها بالابتعاد عن الله تعالى، أو بحسد الآخرين، أو بكثرة مراقبته لدرجات زملائه، مما يعطّل عليه عملية تحصيل العلم ورسوخها في الذهن. فلا بد من الارتباط الروحي الوثيق بالله سبحانه وتعالى؛ من خلال الدعاء، وأداء الصلاة، والتقرّب إليه بالوسيلة. ومن الأدعية المجربة التي تساعد على الحفظ ما روي عن النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أردت أن تــحفظ كل ما تسمع وتقرأ فادع بهذا الدعاء في دبر كل صلاة، وهو (سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته، سبحان من لا يأخذ أهل الأرض بألوان العذاب، سبحان الرؤف الرحيم، اللهم اجعل لي في قلبي نورا وبصرا وفهما وعلما إنك على كل شيء قدير)(2). كما لابد من تغذية الجسد أيضًا بالغذاء الصحي؛ لتنشيط الذاكرة، وكتب الأطعمة كفيلة ببيان نوع الأغذية ذات الفيتامينات المساعدة على تنشيط الذاكرة، والحفاظ على حيوية الخلايا. 2- الكتابة. أي تقرير الدرس في دفترٍ خاص بأسلوب الطالب، على أن لا يخرج عن المفاهيم العلمية، مستعينًا بشرح الاستاذ، أو معتمدًا على كتب اخرى. وكثيرًا ما نجد الروايات تؤكد على كتابة العلم؛ حفاظًا على المعلومات من الفرار والنسيان؛ روي عن النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله): "قيّدوا العلم. قيل: وما تقييده؟ قال كتابته"(2)، فالتقييد إنما هو لأجل المنع من فرار المعلومة. ولا بد من الإشارة إلى ضرورة اطلاع استاذ المادة على كتابة الطالب –تقريره-؛ للتصحيح والتدقيق بصورةٍ دورية؛ حفاظًا على قلم الطالب من الخروج عن صلب الموضوع، أو خلط المطالب. 3- المباحثة وتتحقق باجتماع مجموعة من الطلاب، وقيام أحدهم بدور الأستاذ، فيشرح لهم الدرس، ويصغي إليه زملاؤه. ولهذه الوسيلة دور كبير في بث روح التعاون، ونبذ البخل العلمي؛ وتبادل المعلومات بين الطلبة، واستغلال الوقت بما هو نافع لهم كطلبة، وبناء شخصيتهم العلمية؛ حيث تؤهلهم للتدريس مستقبلاً، خصوصًا فيما إذا كان الطلاب قد قرروا درسهم؛ فيكون ما يشرحه لهم زميلهم مراجعةً لكن بطريقةٍ حتمًا مختلفة. 4- الدراسة. وهي أن يتولى الطالب دراسة كتابه بنفسه -بعد شرح الاستاذ، والتباحث فيها-، وقد تكون الدراسة شفوية -وذلك بقراءة الموضوع أكثر من مرّة-، وقد تكون تحريرية -بكتابة النقاط والتعريفات في مسودة لغرض الحفظ-. نعم، لابد من تهيئة ظروف مناسبة للدراسة تساعد الطالب على التركيز، وعدم التفكير بشيء سوى درسه، والوعد ببعض الهدايا التي تناسب مقامه وعمره، على أن لا تخرج عن حد النفع والحلال. 5- الـسؤال. بعض المطالب العلمية قد لا يرتفع الغموض عنها بمجرد شرح الاستاذ، إذ قد تنقدح في ذهن الطالب أسئلة لم يجد جوابًا لها بعد أن كتب درسه، وتباحث به، ودرسه، فيأتي دور السؤال ليحصل على جوابٍ يكون بمثابة المفتاح لفتح قفل المسألة الغامضة، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن هذا العلم عليه قفل، ومفتاحه السؤال" (3). ولابد أن يكون السؤال تعلّمًا، لا لمجرّد السؤال، أو لإحراج الاستاذ، إذ ليس من أخلاقيات الإسلام ذلك. كما ويجب أن يوجّه الطالب سؤاله للأستاذ في الوقت المناسب، وهو بعد الانتهاء من شرح الدرس؛ فمن غير اللائق مقاطعة الاستاذ؛ فلعل جواب السؤال يأتيه آخر شرح الدرس، فلينتبه لذلك، وليحترم مقام استاذه. _______________________ (1) بحار الأنوار: 83/ 9. (2) منية المريد: 340. (3) بحار الأنوار: 1/ 198. وفق الله تعالى طلبتنا وطالباتنا للنجاح الباهر
اخرىبقلم: إيمان صاحب ليس من الصعب على الإنسان أن يكون معاقًا حينما يعتاد على ما هو عليه، بحيث يشعر وكأنه شخص سليم يمارس حياته بشكل طبيعي، ولكن الصعوبة تكمن في تقبّل هذا الشيء عند بعض الأصحاء أصحاب النظرة المحدودة التي ترى أن الشخص المعاق عاجز لا يتمكن من أي عمل، فعليه أن يلازم البيت ولا يخرج منه إلّا للضرورة، وكأن الإعاقة ذنب عظيم يحاسب عليه مدى الحياة. أما النظرة الثانية: ترى في الإعاقة نقصًا لا ينفك عن صاحبها، ولذا حينما يتحدث عنه لا يذكر اسمه، بل يسمّيه بما فيه من عوق كقوله: أتى الأعرج أو الأعمى، وحتى في التعامل يشعره بأنه لا يقدر على عمل شيء وأنه دومًا يحتاج إليه حتى في أبسط الأمور. وبين هذه النظرة وتلك، ذات تتحلى بثقة عالية وإرادة قوية، تتخطى جميع العقبات رغم ما بها من ألم وحرمان، فهذا لا يعني أن لا يتقدم إلى الامام بأي شكل من الأشكال، فكم من معاق أبدع بمجالات متعددة حينما منح فرصة من الفرص، وكم من مبدع أشاد بأعماله من أهل الاختصاص، وحتى من يرى أبداعهم يقول: هذه العبارة (الله يأخذ شيئاً ويعطي شيئاً)، وذلك ناشئ من إرادة قوية والاعتماد على الله تعالى ثم الثقة بالنفس، مع التحلي بالصبر في مواجهة كل ما يخدش المشاعر، لأن عجز أحد الأعضاء عن الحركة أو تعطيل طرف من الأطراف لا يعني توقف كل شيء وعدم القيام به، مادام يملك فكرًا نيرًا يضيء لنفسه ولمن حوله لا أن يكون فردًا عاجزًا وناقصًا، بل العجز هو حالة الجمود التي يعيشها الإنسان حينما يتأثر بنظرة أو بكلمة إن خذله الدعم الذاتي واستسلم لليأس دون مقاومة المصاعب والتصدي لهكذا أمور، فلو بذل كل الناس الدعم والتشجيع لذات من ذوي الاحتياجات الخاصة وهو لم ينهض بنفسه ويدعمها الدعم الذي يحركها نحو الأمام لا يكتب لها النجاح مدى الحياة وإن كان العكس يبلغ ما يتمناه كما يبلغه غيره من الأصحاء.
اخرىبقلم: قاسم المشرفاوي هل تبحث عن حلول سحرية؟ أو وصفة طبية يمكن أن تتناولها وينتهي كل شيء وتصبح هادئاً؟ هل تفكر هكذا الآن وتنتظر منا أن نعطيك حلولًا أسرع من البرق؟ أو أننا نمتلك عصا موسى ونغير من طبيعتك وسلوكك؟ أنا أقول لكما أختي وأخي الكريم، لا توجد حلول سريعة ولا وصفة طبية يمكن أن تجعلنا هادئين، لأن الموضوع متشعب وفيه تفاصيل كثيرة. إذن ما الحل يا ترى؟ الكل يبحث عن حلول، ولكن البعض يريدها سريعة وفورية، ولا توجد هكذا حلول على أرض الواقع، وما نكتبه يمكن أن يفيد بعضكم ولا يفيد الآخر! لماذا ؟ لأن موضوع التغيير يعتمد أولًا وبالذات على قدرتك واستعدادك الداخلي للتغيير، فالله تعالى يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد ١١] أنا أستطيع أن أتحكم بأفكارك أو أن أُغير من طبيعة حياتك، فهذه الأشياء تخصك أنت. إنما الحل يكمن بداخلك. نعم بداخلك. وأكررها وأُعيدها وأتمنى أن تفهمها وتستوعبها وتهضمها جيدًا: بداخلك أنت. كل شخص لديه ظروف مختلفة عن الآخر، فمن الممكن أن يكون هناك سبب يجعلني أن أتعصب وأصبح عصبيًا ولا يدفعك أنت للعصبية؟ إن التأثيرات مختلفة، وهي تختلف وفقًا لفكرك ومنهجك في الحياة. إذن أسلوب العصبية وإن كانت نتيجته واحدة -وهي كونك عصبي المزاج- ولكن أسبابه متعددة وكثيرة، وعلينا أن نفهمها ونعرفها لكي نتجنبها ونعمل على تركها. فهذا هو الحل يا إخوتي الكرام. لو سألت نفسك، ما هو الشيء الذي يثيرني ويستفزني ويجعلني عصبيًا ومتوترًا؟ طفلي عنيد، لا يسمع الكلام، لا يقرأ، غير منظم، يتحرك كثيرًا، يركض ويتشاجر مع إخوته، لا يهتم لدراسته، يشاكس الأطفال، لا يقبل أن يتناول طعامه، ولا ينام بوقته، دائمًا أركضُ وراءه من أجل فعل واجباته المدرسية! أليس هذه الأشياء هي ما تثيركم وتستفزكم؟ يا إلهي! نسيت شيئاً مهمًا وهو: أن زوجي لا يشاركني في كل هذه الأشياء، فهو لا يبالي بما يدور في البيت لا من قريب ولا من بعيد! وبعد، هل توجد مثيرات أخرى؟ إنها أم زوجي ووالده، يوفرّان كل شيء لأطفالي مما يسبب تعارض آرائهم مع وجهات نظري في التربية! نعم، وبعد هل يوجد من المثيرات شيء آخر؟ البيئة الخارجية والظروف وصعوبة الحياة، كل ذلك سبب رئيسي يزيد من عصبية الأمهات ويرفع من توترهن وقلقهن! كل الأشياء التي ذكرتها هي أسباب رئيسية ترفع معدل العصبية لدى الأمهات والأخوات. ولكن، هل يكمن الحل بأن نتعصب ونصرخ ونضرب؟ بالتأكيد لا، هل تحاول التنفيس عن غضبك بهذه الطرق الخاطئة (الضرب، الصياح، العصبية)؟ نعم، أغلب الأمهات تستخدم هذه الأساليب لتفريغ توترها ولتغطي في الحقيقة على عدم قدرتها على مواجهة مشاكلها وحلها! إذن يجب أن تفكر بطريقة منطقية تجعلك تتوقف عن هذا السلوك البغيض والمزعج لك ولأولادك. أغلب الأمهات تعزو سبب عصبيتها إلى سلوك وتصرف أطفالها، وتلقي باللائمة عليهم. وأنا أقول: إن طفلك ليست له مدخلية في ذلك إطلاقًا! ذلك لأنه طفل، هل تعقلان هذه الكلمة يا أخي ويا أختي الكريمة؟! إنه طفل، ويريد أن يعيش طفولته، وإدراكه غير مكتمل وغير ناضج بعد. فلماذا تتعامل معه على أنه كبير ويدرك ويفهم كل شيء؟ هو يدرك ويفهم بشكل يتناسب مع مستوى فهمه و (دماغه). فكيف تطلب منه أشياءً أنت لا تستطيع فعلها؟! كيف يستطيع الطفل أن يسيطر على انفعالاته ويتحكم بأموره وأنت تفقد أعصابك على أمور تافهة وبسيطة؟ هل من الممكن أن يتعلم الطفل بسهولة، أو أنه يحتاج وقتًا وجهدًا لكي يتم بناء شخصيته بشكل صحيح؟ إذا كنت عصبيًا، وكان طفلك عصبيًا، هل تستطيع أن تغير عصبية طفلك وأنت عصبي المزاج وتقول: ابني عصبي ماذا أفعل؟ لا يمكن ذلك إطلاقًا. تخلَّ عن عصبيتك أولًا، وسيطر على أعصابك، بعدها سيتعلم ابنك منك كيف تتعامل مع الأمور. بإمكانك أن تفعل ذلك بشرط: ١- أن يكون لك هدف واضح يكمن في تعديل سلوكك الخاطئ، وهذا يتضمن إيمانك بنفسك. ٢- أن تقرر وتعتزم على التغيير والخلاص من أسلوب العصبية، وتبتعد عن إلقاء اللوم على الأطفال وتقول: عصبيتي من أطفالي، فأنت الكبير وهو الصغير. وهو يقلدك في كل شيء. ٣- بعض العصبية يُعزى سببها إلى صفة متجذرة في النفس منذ أيام الطفولة، فالأب الذي تعرض إلى التعنيف والضرب في أيام طفولته يمكن أن يعكس ذلك الآن بشكل لا واعي، فيتصرف بأسلوب عدواني استفراغًا لرسائل سلبية قديمة تستفز ذاكرته من حيث لا يشعر. والأم في ذلك مع الأب سواء. على أنه: إذا كانت صفة العصبية متوارثة منذ الطفولة فباستطاعتك التخلص منها إذا عزمت بصدق على ذلك، فالأمر منوط بإيمانك فالتغيير يبدأ من داخلك. 4- أحد أسباب العصبية والتوتر والاكتئاب هو نقص عنصر المغنسيوم والزنك في الجسم، مما يجعل هرمون السيروتونين منخفضًا، فالنواقل العصبية هي من تسيطر على ذلك. 5- باستطاعتك تنظيم وقتك في البيت وتخصيص وقت لنفسك، يمكن من خلاله أن تسترخي بعملية التأمل الذي يجعل أعضاءك تأخذ تمددها بشكل انسيابي من أجل الشعور بالراحة الداخلية. 6- الاستماع إلى القران الكريم من الحلول التي تجعلك مستقرًا نفسيًا.. 7- كلما شعرت بأنك ستصبح عصبيًا، حاول أن تردد: (استغفر الله ربي وأتوب إليه) وكرره كثيرًا، إلى أن تشعر بالاستقرار. 8- أخذ قسطٍ كافٍ من النوم، ولعب الرياضة، من الأسباب التي تجعلك هادئاً، لأنها ترفع من معدل السيروتونين في الجسم... 9- الابتعاد عن الهاتف النقّال وذلك بقفل النت في البيت وخصوصًا إذا كنت تقوم بتدريس أطفالك، فالأنترنت أحد أسباب التوتر في البيت... 10- الابتعاد عن الخلافات الزوجية وحلها بأسلوب هادى بعيدًا عن التوتر والصياح... 11- تناول المكسرات وخصوصًا اللوز؛ لأنه يرفع من معدل السيروتونين في الجسم... 12- المواظبة على الصلاة في أول أوقاتها يجعلك تشعر بالراحة والاستقرار. 13- زيادة المعرفة بفنون التربية النفسية والدينية للطفل لأنها تجعلكم تميزون بين الطبيعي وغير الطبيعي من سلوك أبنائكم. 14- قراءة كتب تتحدث عن كيفية التخلص من العصبية ومعرفة أسبابها ومتابعة برامج تخص هذا الأمر... 15- لا ننسى أن الإنسان الذي اعتاد على صفة العصبية والصراخ منذ سنوات، فإن هذه الصفة قد تجذرت وترسخت في شخصيته وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أسلوبه في الحياة، فالخلاص منها يحتاج إلى جهد جهيد ومستمر في مراقبة النفس ومحاسبتها باستمرار، وإعادة برمجتها بشكل إيجابي للتخلص من برمجتها السلبية السابقة، وبالتالي تتغير أفكارنا وطريقة تفكيرنا، وهذا التغيير يحتاج إلى خطوات عديدة بعضها ذكرناها في المنشور والبعض الآخر لا يسعنا ذكرها هنا. وأُذكركم: أنه لا يوجد شيء صعب في الحياة ما دامت الإرادة موجودة. وأخيرًا... فإن كل ما ذكرناه يمكن أن يساعدكم للتخلص من عصبيتكم المفرطة بشرط أن يكون لديكم الاستعداد لذلك...
اخرىبقلم: رضا الله غايتي رأيته مغبر المظهر رثَّ اللباس أشعث الشعر، قد طمس الحزن ملامحه، وغيّم الأسى على هيأته، حاملاً فأسه يضرب به على جدران ذلك القصر الجميل بكل قوته، وكأنه يريد أن ينتقم منه! شككت في كونه الشخص الذي أعرفه، أمعنت النظر وإذا به هو.. رباه ماذا يفعل؟ وما الذي حمله على ذلك؟ أوليسَ هو الذي خلّفتُهُ بالأمس القريب وهو أحرص الناس على أن يملك أفخم قصرٍ وفي أروع منظرٍ وأرقى مظهرٍ؟! عجباً ها قد تحقق ما كان يتمنى، فما باله اليوم يروم هدمه؟! رفعت صوتي لأُسمِعه؛ لأنه على ما يبدو مشغولاً بهمٍّ قد أصمَّ أذنيه وشلَّ ذهنه، وكأن كل ما يشغله هو التفاني لنوال شيء، لكنه يعجز عنه. ناديته: أن يا فلان ما الذي تصنع؟ أتهدم ما كنتَ بالأمس تتمنى؟ وتحطم بيديك ما كنت تبني؟ فأجابني بكلمات تصطبغ بالندم وبنبرات صوت قد مزّقتها حسرات الألم: نعم.. سألته بتعجب: ولماذا؟! أجاب: قد كنت أرى هذا القصر كما تراه أنت الآن. وأما بعد إن أرقدني المرض في السرير، ورأيت بأمِّ عيني كم أصبحتُ ثقيلاً على أولادي الذين لم أُشعرهم يوماً بحرمان أو تقصير، وغدا كلٌّ منهم يرمي بي على الآخر ضَجراً من سماع آهاتي، متثاقلاً من قضاء حاجاتي، هارباً من تلبية طلباتي.. حينها أدركتُ مدى قبح ذلك القصرِ الذي من أجله أهلكت عمري، ومدى تفاهة أمنياتي التي في سبيل تحقيقها أفنيت حياتي.. أتعلم، بالرغم من سعة هذا القصر وجماله كان يضيق عليّ حد الاختناق، فكان يبخل عليّ بهوائه إلا النزر اليسير.. ولم يمضِ على مرضي إلا أيام حتى حُرِمت منه حيث نقلني أولادي إلى دار المسنين.. أثار كلامه عجبي وألمي معاً: أ فهل ضاق عليك هذا القصر المترامي الأطراف لتنقل إلى دار المسنين؟! أجاب بحسرة بالغةٍ: بل ضاقت صدورهم التي حشوتُها بالمال الحرام.. آهٍ.. آه.. لكم قرأت وسمعت وقيل لي: إن إطعام الأولاد المال الحرام من الرشوة والغش والمعاملات الربوية له الكثير من الآثار الوخيمة والنتائج السقيمة. لكني لم أكن آبه لكل ذلك حتى تذوقت مرارة ما كنت أطهوه بكلتا يديّ على نار جشعي وطمعي. سألته: ولكن يا صاح، إن لم يضِق عليك هذا القصر فما ذنبه لتهدمه؟! أجاب: لا يغرنّك ظاهره الجميل يا صاح، فقد تحوّلت أسسه وجدرانه إلى حطب نار عظيمة تحرقني ليل نهار.. آهٍ.. آهٍ.. لغفلتي واغتراري ببهارج الدنيا الخدّاعة.. فكم ضيّعتُ من فروض صلوات وخمس وصدقات لأتمَّ بنائي وأنعم فيه مرتاح البال، وإذا بأركانه الشاهقة وزخارفه البرّاقة تزيدني الآن اشتعالاً فوق اشتعال.. وكم سمعت أن الحقوق والأموال المغصوبة تفعل ذلك، ولكن لم أكن أصدق حتى أيقنت الآن بكل ذلك حق اليقين.. ذُهِلتُ من الصور التي رسمها بكلماته فلم أنطق ببنت شفة. وأما هو فيبدو عليه أنه قد استسلم للطريق الذي مَهدَتْه عقيدته وأفعاله، بعد أن يئس من إمكانية التخلص من أليم تبعاته، رمى بفأسه على الأرض وهمَّ بالابتعاد.. مشى خطوتين ثم التفت قائلاً بنبرة يأس: أبلغ أولادي عني السلام وارجُهم ليخففوا عني ما أنا فيه من حريق، فوالله لم أعد أحتمله الآن وأنا في أول الطريق، فكيف بي لو خُلِّدتُ فيه يا صديق؟ ارجُهم .. فلعلهم.. مع إني أعلم بأنْ قد أثملتهم ملذات الدنيا كما أثملتني من قبلُ ومن يثمل بحبها فمن الصعب أن يُفيق.. استيقظت من النوم فزعاً وصورته لا تفارق مخيلتي، وما أن أرسلت الشمس أولى أشعتها معلنةً بدء النهار لتلملم شيئاً فشيئاً بقايا الظلام، حتى أسرعت إلى قصره لأخبره بما رأيت لعله يتوب، ويمحو قبل حلول أجله ما عليه من ذنوب.. ولكن قيل لي: إنه في دار المسنين. رُحماك يا رب.. ازداد قلقي فقد أصاب جزءٌ من الرؤيا.. اتجهت صوب الدار مسرعاً خائفاً من فوات الأوان، راجياً أن يتمكن من محو تبعات العصيان، وبينما أنا أتّجه إلى سريره الذي قيل لي إنه مازال فيه نائماً حتى الآن، وإذا بي أجده جثة هامدةً، فلقد مات وحيداً فريداً في عتمة الليل وظلمة الذنوب، لم يحظَ ولو بشخصٍ واحدٍ لتوديعه من بين كل من يعرفهم من الأهل والأصحاب والجيران! فكم هو مؤلمٌ أن يعيشَ المرءُ في الحياة الدنيا مكذباً ما يسمع من أحكام شرعية من دون دليل أو بحث أو تقصي.. مشتغلاً بتلبية ما تهواه نفسه من ملذات وظلم وطغيان وتعدي، فإذا مات أيقن صدقها، ولكن يقينه حينئذٍ لا ينفع ولا يُجدي.. إذ لا مجال للعودة إلى الوراء لتصحيح ما فات، وليس أمامه سوى الهلاك والعذاب الأبدي.. إلا ما رحم ربي.
اخرىبقلم: نرجس إبراهيم صافي أصبحت الدراما من متطلبات العصر الراهن؛ فهي تحكي الواقع الماثل بين أيدينا محاولةً فكّ شيفرة الزمن لتختصرهُ في عدة حلقات، وتجعل المتابع قادرًا على مشاهدة حياة الشخوص الديناميكية فيه والتنصّت على أفعالها وأقوالها عن كثب والحكمُ عليها، وتجنّب السير على خطى الشخصيّة السيئة –مثلًا- واتّباع آثار من نجحوا طوال هذهِ المسيرة التصويرية التي تحاكي الحياة. وهذا كلهُ يرجع إلى مدى تفوّق السيناريست في كتابة نصّ السيناريو والفكرة التي يحاول إظهارها من خلال الدراما، والشخصيّة التي يحاول التركيز عليها كأن تكون شخصيّة علميّة أو دينيّة ...إلخ. فالفن هو الواجهة التي يمكن من خلالها الدفاع عن الشعوب وإبرازها بصورة فاضلة. وكما نعلم أنه باتَ الشهرُ الفضيل مؤخرًا عبارة عن سوق للدراما يزداد شراسةً في كل عام وتتزايد معه أعداد المسلسلات العربيّة فضلًا عن تلك المستوردة التي تفتقرُ إلى أدنى معاني الذوق والنُبل! لكن الغريب في الدراما العراقيّة -على وجه الخصوص- هو التخلّي عن كل ما سبق ومحاولة جذب المشاهد بأعمالٍ وتصرفات طفوليّة لا تمتُّ للفنّ بأي صلة. والأغرب -كما عهدناه- هو تسليط الضوء على تصرفات فرديّة غير لائقة -أقل من أن ننعتها بالظاهرة- ووصفها بأنها ظاهرة تجتاح الشعب العراقي معممةً بذلك صورة غير منتشرة بين أوساط هذا الشعب ذا الحضارة العريقة. الدراما التي نراها تدعو إلى شعب منفتح، منحلّ أخلاقيًا، مضمحلّ الآداب والسلوك، لا يراعي حلالًا ولا حرامًا. نعم للفكاهة والكوميديا الأثر في جذب المُشاهد، ولا ننكر أن كثيرًا من الحكماء قد عوّلوا على جانب الطرفة في التأثير ولفت الانتباه، ولكن لا أن تصل إلى المستوى الذي تتحول فيه الكوميديا بل وحتى التراجيديا إلى استهزاءٍ محضٍ لا يحملُ بين معانيه شيئاً من الحكمة والعقل... كما كان ذلك في الزمن الجميل -كما يطلق عليه آباؤنا- رغمَ أن هذا الفن كان في بداياته آنذاك إلا أنه لم يكن يخلو من الحكمة. هذا وناهيك عن الإسفاف والابتذال والتهتك... إلى غياب العقل الذي -حسب التتبع الأولي- نرى أنه قد لا تخلو دراما عراقيّة حديثة من أحد الممثلين وهو يمارسُ دور المجنون هذا إن لم يكن سائر الممثلين يتقمصون ذلك الدور! ومن ثم تنتهي الدراما وتنتهي معها لحظاتٌ كان من الأجدى صرفها في أشياء أنفع خصوصًا فيما يتعلقُ بهذا الشهر الفضيل؛ أوليس شهرُ رمضان هو بمثابة المحطة السنويّة التي يضعها لنا الرّب كي نزكي أنفسنا من درن الذنوب إلى سنةٍ أخرى، فهل -والحال هذهِ- نضعُ كل فضائل هذا الشهر وراء ظهورنا ونسري خلفَ ما يُمليهِ علينا الفراغ وسط هذا الخضمّ المتلاطم.
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى