دور علماء الحوزة العلمية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك المجدد الكبير نموذجًا (الحلقة الأولى)

بقلم: دينا فؤاد المقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الغر الميامين. أما بعد ... تعتبر اللغة العربية ظاهرة مجتمعية إنسانية، وقد بحث الكثير من الكتّاب والباحثين عن تاريخها وكل ما يتعلق في وصفها وتفسيرها من المناهج والنظريات اللغوية والتربوية، وقد حاول البعض كشف السر في اتقانها واعجازها، ولكن كل ما تم كتابته لا يكشف السر الحقيقي لهذا الاعجاز والاتقان. ولقد تعرضت اللغة العربية وما زالت تتعرض لحد الآن إلى أشرس هجوم موجه نحوها سواء أكان من أعدائها أو من نفس أبنائها بعدم مبالاتهم بقواعدها وأساسياتها، ولو فرضنا أن هناك لغة قد تعرضت لما تعرضت له هذه اللغة العظيمة لضاعت واندثرت منذ زمن طويل، ولكن شاء الله أن يحافظ على هذه اللغة ويجعلها خالدة وصامدة في وجه كل من يهاجمها. ومحور بحثنا يدور حول الهجمة التي تعرضت لها لغتنا الأصيلة في ظل الحقبة المظلمة للحكم العثماني ومحاولة الحفاظ عليها بعد أن حاول البعض تبديلها باللغة التركية، فشهد التاريخ آنذاك نهضة علمية وفكرية وقفت ضد هذه الهجمة وردّها، لتكون درساً قاسياً بوجه كل من يحاول العبث بلغتنا الأم، لغة القرآن الكريم. ومن أبرز المحافظين على لغتنا العربية السيد المجدد الكبير محمد حسن الشيرازي، لقد ضم التاريخ في صفحاته الخالدة شخصية عظيمة، وهي شخصية المجدد الكبير الذي عد بحق نموذجاً رائعاً، حيث كان لدوره على مسرح الأحداث السياسية والفكرية والاجتماعية صدى كبير، ولهذا كان البحث بعنوان: دور الحوزة العلمية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك السيد المجدد الكبير نموذجاً. وقد يثار تساؤل حول السبب في جعل المجدد الكبير (الشيرازي) نموذجاً في الحفاظ على اللغة العربية وبالتالي الحفاظ على الهوية العربية مع انه لم يكن حياً آنذاك في وقت سياسية التتريك؟ والجواب: أولاً: وإن كانت سياسة التتريك كمصطلح رسمي ـــ وهو مصطلح يطلق على عملية تحويل اشخاص ومناطق جغرافية من ثقافتها الاصلية الى التركية بطريقة قسرية اي بالإكراه أو الاجبار والقهر غالبا ـــ للسياسة العثمانية تجاه العرب، ولكن المتأمل في الفترة التي حكم فيها العثمانيون والتي سبقت ظهور هذا المصطلح يجد الممارسات العثمانية في التتريك ولو لم تكن على مستوى الإكراه ولكن كان معمولا بها. وقد يرد اعتراض من قبل بعض الباحثين بعدم قبول مثل هذا القول ويدعي أن العثمانيين يحبون العربية، نقول: هذا صحيح ولكن حصوله كان بعد سيطرة جمعية الاتحاد والترقي. ثانياً: من المعروف أن الذي يبتكر طريقة في الحفاظ على الهوية العربية أو اللغة العربية، ويسير عليها تلامذته من بعده ويطبقونها يعتبر هو صاحب الفضل والدور الريادي له، فهو صاحب النظرية والابداع حتى وإن لم يعلم بحصول هذه السياسة فيما بعد. ثالثاً: بل ربما الارهاصات التي سبقت مرحلة سياسة التتريك وقراءة الواقع قراءة واعية فسوف تكون سببا للتفكير الجاد في وضع خطط في مواجهة المستقبل المحتمل. التمهيد مفهوم دور علماء الحوزة العلمية في اللغة والاصطلاح الدور لغة: (دور (أسم): الجمع: أدوار. الدور الاجتماعي: السلوك المتوقع من الفرد في الجماعة، أو النمط الثقافي المحدد لسلوك الفرد الذي يشغل مكانة معينة). (١) والدور اصطلاحاً: (هو مجموعة من الأنشطة المرتبطة والأطر السلوكية التي تحقق ما هو متوقع في مواقف معينة). (٢) الحوزة في اللغة: (حوزة: اسم، والجمع: حوزات، حوزة الرجل: ما في ملكه، حوزة الإسلام: حدوده ونواهيهه، حوزة الشيخ: مجلسه الذي يلقي على مريديه فيه العلم). (٣) وأما الحوزة إصطلاحاً فلا يمكن تحديد المعنى الدقيق لهذه المفردة إلا بعد إضافتها، فإذا أضيفت لها العلمية للتعبير عن معناها الاصطلاحي، فهي المكان الذي يحاز فيه العلم. (٤) والحوزة العلمية في الاصطلاح: (هي كيان علمي وبشري يؤهل للاجتهاد في علوم الشريعة الإسلامية، ويتحمل مسؤولية تبليغ الأمة وقيادتها). (٥) وعرفت أيضاً: (مركز التعليم الديني الذي يتبع في طريقه تعليمه النهج الذي تربى عليه الفقهاء السابقون منذ عصور الإسلام الزاهرة وحتى العصر الحاضر). (٦) اللغة: (اللغة: اللسنُ .. وأصلها لغوة على وزن فُعلة من لغا إذا تكلم، ولغوت إذا تكلمت، والجمع لغات ولغون، والنسبة: لغوي) (٧) واللغة اصطلاحاً: (هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم). (٨) وأما اللغة العربية: (فيضاف لها أنها لسان الإسلام ووحيه المعجز والتي ضمن لها القرآن الخلود الذي أراده الله لهذا القرآن والحفظ الذي ضمنه الله تعالى لهذا الذكر الحكيم). (٩) التتريك لغة: (ترك ـــ تتريكا، تركه: جعله يتخلق بأخلاق الأتراك ويأخذ عاداتهم ويتكلم بلغتهم). (١٠) والتتريك اصطلاحاً: (هو مفهوم يطلق على عملية تحويل أشخاص ومناطق جغرافية من ثقافاتها الأصلية إلى التركية بطريقة قسرية أي بالإكراه أو الاجبار والقهر غالباً). (١١) المبحث الأول: الحوزة العلمية والحكم العثماني لمحة عن تاريخ الحوزة العلمية تعتبر الحوزة العلمية هي مؤسسة عظيمة أسسها الشيخ الطوسي في النجف، وقد هاجر إليها أثر حوادث العنف التي حدثت في بغداد عام 448هـ، فوجد فيها حركة علمية فسعى إلى إنماء هذه الحركة (١٢)، فاختار النجف لتأسيس (ترسانتها) الحوزة العلمية (١٣)، فكانت هذه الهجرة التي تولتها العناية الإلهية هي البداية لتأسيس أكبر وأهم وأقوى الحوزات الدينية على الاطلاق. وقد ظهرت الحوزة العلمية للشيعة وانبثقت أهميتها بالمرجعية الدينية العليا، والذي يتولى زعامتها هو من شاء الله لأن يكون نائباً عامًا عن الإمام المنتظر الغائب (عجل الله فرجه الشريف)، بمعنى أنها: (الصلة الشرعية القائمة على الاجتهاد في غياب الإمام المعصوم) (١٤). ويتمتع المرجع الديني بشخصية قوية تبرز مكانته الاجتماعية في عموم المجتمع، والتي تقوم من خلال اهتمامه بالإحاطة بمصالح الأمة وحمايتها، الأمر الذي يعكس ابعاد التفكير وسعة الصدر وحدة العقل لهذه الشخصية. أهمية الحوزة العلمية للأمة مما لا شك فيه أن هناك أهمية بالغة للحوزة العلمية تظهر آثارها على أوساط الأمة الإسلامية بصورة عامة والأمة الشيعية بصورة خاصة، وذلك من خلال الوجود العميق للحوزة الحاصل بتأثر الأمة، وهذا الوجود أوجده الامتداد المرتبط من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الباب الأول لمدينة العلم وينبوع الحكمة وصولاً إلى الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن (عليه السلام). وقد جاءت النصوص الشريفة من أهل البيت (عليهم السلام) بالرجوع إلى أهل العلم من علماء الأمة في معرفة أحكام الله ونواهيه وحدوده، والاقتداء بهم، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): "ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على ايدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه" (١٥)، ومنها أيضاً قول الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف): "وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله". (١٦) كل هذه التوصيات من قبل الأئمة الأطهار وغيرها أدت إلى انصياع الشيعة الامامية للحوزة العلمية وعلمائها، والذين هم بدورهم قد ساهموا في نشر وحفظ علوم أهل البيت (عليهم السلام)، وأيضاً كان لهم الدور الكبير في حماية القواعد الإسلامية ومواجهة الانحرافات المختلفة والتي تصب في غاية واحدة وهي تشويه قيم ومبادئ الدين الإسلامي والقضاء عليه. قوة المرجعية لا شك في ان المرجعية تمتلك قوة كبيرة وعظيمة والتي كان لها الأثر الواضح في بسط هيبتها على ساحة المذهب الإمامي، ومرجع هذا يعود لهيبتها القدسية في نفوس الموالين لآل البيت (عليهم السلام)؛ باعتبارها امتداد لمقام المعصوم (عليه السلام)، فالمرجع الأعلى يمثل دور النائب العام للإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ومما ساعد على اكتساب القدسية وجود عاملين مهمين، وهما: الإحاطة بمعارف أهل البيت (عليهم السلام)، والتقوى. (١٧) ولأجل ذلك كانت الكلمة الأولى والأخيرة وما زالت هي للمرجعية العليا، وبذلك أصبحت هي المالكة لزمام قيادة أبناء المذهب الإمامي، وقد حافظت على هذا المنصب الكبير بدون أي منازعة تذكر، لأن امتلاكها هذه السلطة العظيمة لم يكن بخلافة ولا انتخاب أو اخضاع أبنائها بالقوة العسكرية، ولم يكن من خلال كسب الأصوات بالإغراءات المالية، وهذا ما أدى إلى زيادة الحقد والكراهية من قبل المعادين لمذهب الإمامية للمرجعية، فعمدوا إلى إثارة الفتن والشبهات، وحياكة المكائد والمؤامرات من أجل اسقاط الهيبة القدسية لتلك المؤسسة العظيمة، ولكنها بائت جميعها بالفشل بفضل العناية الإلهية. وبذلك أصبحت المرجعية تحتل القوة الاجتماعية والسياسية الكبيرة في المجتمع العراقي، والتي بدورها قلبت الموازين في وسط الساحة، وغيرت مجرى الأحداث فيها، وعلى هذا الأساس تم التحول الملحوظ في تاريخ العراق في السنوات التي أعقبت تأسيس هذه المؤسسة العظيمة. (١٨) ________________________ 1 ـ العطية، مروان، معجم المعاني الجامع، مادة دور. 2 ـ لورنس برفين، علم نفس الشخصية، ص58. 3 ـ العطية، مصدر سابق، مادة حوزة. 4 ـ ينظر، علاء الدين محمد تقي سعيد الحكيم، حركة التجديد في الحوزة العلمية في العراق إبان الحكم العثماني المباشر (1831م ـ 1918م)، رسالة دكتوراه، جامعة الكوفة، كلية الآداب، ص6. 5 ـ البهادلي، علي أحمد، الحوزة العلمية في النجف معالمها وحركتها الإصلاحية، ص94. 6 ـ محمد عبد الهادي الحكيم، حوزة النجف الأشرف، ص20. 7 ـ ابن منظور، لسان العرب، م5، مادة لغة. 8 ـ إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات، المعجم الوسيط، ج2، ص831. 9 ـ محمد عمارة، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، ص10. 10 ـ ن.م، مادة ترك. 11 ـ ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، HTTPS//AR.M.WIKIPEDIA.ORG. 12 ـ ينظر، حسن الحكيم، الشيخ الطوسي (رسالة ماجستير)، جامعة بغداد، كلية الآداب، 1975م، ص58. 13 ـ ينظر، سامي البدري، النجف المعاصرة وحجر الزاوية في المستقبل المشرق الموعود، نشرة فجر عاشوراء، ص3. 14 ـ النجف الأشرف إسهامات في الحضارة الإنسانية، وقائع الندوة العلمية التي عقدها مركز كربلاء للبحوث والدراسات، ص536. 15 ـ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج97، ص80. 16 ـ ينظر، الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، كتاب القضاء، ص101، ح9. 17 ـ ينظر، الخباز، منير، معالم المرجعية الرشيدة، ص7. 18 ـ ينظر، صلاح عبد الرزاق، الحوزة العلمية في النجف الأشرف ودورها الجهادي، ص23.

اخرى
منذ 6 سنوات
2009

لماذا تنحرف الذريّة؟ (3) استطلاعٌ للرأي حول الأسباب والوقاية والعلاج (الجزء الثالث)

بقلم: أم قنوت كُنّا قد انتهينا من وجهات نظر المشتركين للسؤال الثاني في الجزء السابق، أما جواب السؤال الثالث؛ ما هي الاحتياطات المطلوبة لمنع انحرافهم؟ فقد كان متشابهًا بين الآباء والأمهات مع اختلافات بسيطة، حيث اتفقوا على أن الأجواء العائلية الهادئة وتوفير الأمان والعاطفة، واختيار المدرسة والأصدقاء المناسبين كلها عوامل أساسية وجوهرية في تربية الأولاد، وبوجود النموذج القدوة ورسم برنامج حياة مناسب لجميع مراحل الأبناء العمرية، وأخذ التربية على محمل الجد فالوقاية خير من قنطار علاج، والمتابعة لهم بأدق التفاصيل وبأسلوب غير منفّر، وعقد صداقات (خاصةً بين الأب وابنه، والأم وبنتها)، وصقل شخصية الأولاد بأسلوب حضاري وإسلامي وتعليمي في آن واحد، كل ذلك يجعل الشاب أو الشابة متوازنين ومتخذين لقرارات سليمة، فوجود العلم مع الدين (والمال أحيانًا) يُشعر الابن بالاستقرار النفسي الداخلي. و للشباب وجهة نظر: وجود الرادع المغروس داخل الشاب من وجود حساب للآخرة ومعرفة الإمام (عليه السلام) عن طريق تثقيف الأهل أولًا، فالبعض يعاني جهلًا مركبًا ومطبقًا، فاللجوء لأهل الاختصاص لا يعيب أحدًا، هذا كله يؤدي الى تربية صالحة منذ نعومة أظافر الأبناء، والحوار الدائم بين الشاب وأهله وتعزيز ثقته بنفسه عن طريق اشتراك الأولاد برياضة قتالية مثلًا سيجعل الشاب محصنًا من تأثيرات العوامل الخارجية. أما الفتيات فنظرتهم للسؤال هكذا: تقوية أواصر العلاقات بين الأهل وأبنائهم، وعدم المعاقبة المبالغ بها، فهذا يجعلهم ينطوون على أنفسهم ولا يبوحون بأسرارهم خوفًا من العقاب الشديد، فالتزمّت الشديد مع عدم المراقبة يؤدي الى الانحراف، كما أن ترك الأبناء مع هواتفهم لفترات طويلة بدون متابعة لهم له عواقب وخيمة، وعقد الصداقات والحوار الدائم والخروج والسفر سوياً يقرب المسافات ووجهات النظر. رأيٌ ذو أبعادٍ مختلفة عّما طُرح سابقًا -مع التذكير أنه لا يوجد رأي صحيح وآخر خطأ، التقرير فقط لاستطلاع الرأي- أفردنا له مساحة لابتلاء البعض بأكل المال الحرام على وجه الخصوص وهو لسيدة من المشتركات قالت: جوابي للسؤال الأول هو أن بعض المتدينين يأخذهم العُجْب بأنفسهم وبدينهم، ومع زُخرف الدنيا الذي يعيشونه يؤدي بهم ذلك إلى عدم إعطاء الأولاد التربية الصحيحة ظناً منهم بأنهم سيكونون متدينين بالتبعية فينحرفون عندئذ، بالإضافة الى ذلك استحلال المال الحرام لأنفسهم ستظهر نتائجه السيئة على ذريتهم. إجابتها للسؤال الثاني كانت: الأهل يحتاجون إلى صدمة ليفيقوا من أسلوبهم الخاطئ الذي يتعاملون به مع الأبناء، ويجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم فلا يجوز أن يقولوا ما لا يفعلون. إجابة السؤال الثالث كانت: الغذاء الفكري والغذاء الروحي؛ فكريًا يجب أن يقدم الآباء لأبنائهم ما يُغني عقولهم، وروحيًا بعدم إدخال المال الحرام الذي يُفسد الروح ومن ثم تكون العاقبة سيئة. مطلبٌ مهمٌ لابد من مناقشته قبل الانتهاء من هذا التقرير؛ أيًّا كان سبب الانحراف، من غير المعقول أن تصبح تصرفات الابن المنحرف وصمة عار لشخص الأب أو الأم، فبعض الأحيان لم يبدر منهم ما أدى إلى وصول ذريتهم الى ذلك الطريق غير المستقيم، ولنا في ملحمة ابنيّ النبي آدم (عليه السلام) التي ذُكرت في القرآن الكريم أسوة، فما آلت إليه الأمور من قتل أحدهما للآخر لم يؤثر مقدار ذرة في عصمة النبي، فذريته أتت غير صالحة بغير تقصير منه. نشير في ختام هذا التقرير أن ما جاء من آراء فيه كان صورة مصغرة جداً لبحث عميق ومفصل، وأنه لم يكن بحثًا إحصائيًا قدر ما كان استطلاعًا للرأي، وكل من اشترك به هو من الجالية العراقية المغتربة في بريطانيا، فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار اختلاف المكان والبيئة المصاحبة لآرائهم. وننوّه على أن الشباب والشابات رأيهم كان أساسيًا ومكملًا لرأي الآباء، وعلى صغر سنهم إلا أن كم العقلانية والتصالح مع عقولهم من حيث فهم المطلب كان مبهرًا، حيث إن الأمهات استبشرن بطريقة ردود أولادهن على أسئلة تشغل بال الكبار ولا تأخذ حيزاً كبيراً من عقل الصغار.

اخرى
منذ 6 سنوات
839

الممهدات للظهور

بقلم: عذراء غالب الاطمئنان والسلام والأمان هو الحلم الذي تبحث عنه البشرية منذ الأزل، وهو ما خطط له الأنبياء والرسل والصالحون، وهو ما سيحققه الموعود الذي سيحقق الوعد الإلهي وسيملئ الأرض قسطًا وعدلًا، وسيمحو كل مظاهر الظلم والفساد تحت راية العدل الإلهي. ونحن الآن نعيش زمن انتظار ذلك الموعود. لكن السؤال: هل لدينا واجبات اتجاه صاحب الزمان تدخل ضمن معنى انتظاره؟ والجواب: هناك عدد من الواجبات التي تقع على عاتقنا -نحن المنتظرين- وللنساء دور في ذلك، فقد أكدت أحاديث وروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) في حضور النساء مع الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ودورها في صناعة التاريخ ودورها في زمن التنتظار والظهور وكما ورد عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: يكن مع القائم (عليه السلام) ثلاث عشر امرأة، قلت: وما يصنع بهن؟ قال (عليه السلام): يداوين الجرحى ويقمن على المرضى كما كان مع رسول الله (صلى الله عليه واله). فعلى المرأة المناصرة والمنتظرة للإمام أن تعي أهمية المسؤولية التي تقع على عاتقها وأن تسعى وتجتهد في تأدية واجبها اتجاه صاحب الزمان واتجاه الواجب الإسلامي الذي حدده الله سبحانه وتعالى. صحيح أن واجب المرأة هو التزام البيت وعدم الخروج منه إلا بإذن زوجها، وأن جهادها هو حسن تبعلها وتربية الأطفال وتأدية ما فرضه الإسلام من صوم وصلاة وحجاب وحسن التبعل، ولكن هناك جوانب عديدة يمكن للمرأة أن تقوم بها مع تمام حفاظها على حجابها وبيت زوجيتها وتربيتها لأولادها، منها بناء الذات وتربية النفس وإصلاحها والاهتمام بالعمل الصالح، فكل عمل صالح ومخلص هو انتظار الفرج، وتربية جيل صالح منتظر وإعداده وتقوية ثقافة الانتظار كل ذلك سيرسخ ثقافة الانتظار في المجتمع لأنها مشروع حضاري يرسم معالم المجتمع التوحيدي. ولا يغيب عنا بأن المرأة والمجتمع لديهم مشاكل عديدة لكن أهم المشاكل التي تعاني منها المرأة في الوقت الحاضر وخاصة المرأة المسلمة هو أنها لا تعيش الوعي الكافي ولا تعرف بأن الإسلام يمثل أطروحة نجاح مفيدة للمرأة بل لكل البشر، ولكن للأسف هناك تشتت في الوعي وابتعاد عن الدين. على المرأة أن تعي أطروحة الإسلام بشكل عام وبشكل خاص في ما يتعلق بقضايا المرأة وأن تضع الجدار العازل بينها وبين الأقاويل والأفكار التي تحارب الإسلام، أمثال: أن الإسلام يقيد حرية المرأة وأن الحجاب يجعلها متخلفة. على المرأة أن تخرج من الزاوية التي وضعها من يدعون الحرية والثقافة ومن يريد أن يتوقعها ضمن إطار الزينة والموضة وإطار الصورة لكي يبعدونها عن الاهتمام بشؤون المجتمع لذلك على المرأة أن تعرف المسؤولية التي تقع عليها وتعرف واجبها وحقها. وكما قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر: المرأة يمكن أن تصل إلى أعلى مدارج الكامل والرقي في كل الميادين من دون أن تتنازل عن أي قيمة من قيمها الإسلامية، وواحدة من أهم سبل العروج نحو الرقي والتكامل هو وجود المثل الأعلى والقدوة الحسنة للمرأة والفرد بصورة عامة والتي تخرجه من قواعد التنظير والأفكار الجامدة وتحولها إلى أطار الواقع التطبيقي وقد أهتم القرآن الكريم بأمر القدوة الحسنة الصالحة… قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) أي إن في النبي محمد (صلى الله عليه واله) قدوة وأسوة حسنة يمكن للإنسان أن يقتدي بها وهناك نماذج عديدة من النساء ولكن أفضل هذه النساء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والسيدة زينب (عليها السلام) وهما أفضل قدوة للنساء وأيضًا في نساء الطفوف أسوة حسنة وبهذا تتحول المرأة إلى إنسان إيجابي معطي يعيش المسؤولية والتمهيد للظهور معتمد على كل الآليات المتاحة أما أهم المرتكزات التي يجب أن نراعيها ونعرف مدى أهميتها هي: ما هي رسالتكِ في الحياة؟ فالمهم أن تعرف سبيل الوصول إلى الأهداف ورسم خارطة لها وأن تعوّد نفسها على تحمل المشاق والتعامل مع الضغوطات والحرص على الاستزادة من العلم و المعرفة، لا بد من رسم صورة مستقبلية عن نفسها كناصرة للإمام، عليها أن تقول مع نفسها:وأنا حاليًا في طريق التمهيد، فلا بد من آليات للتواصل مع الإمام الذي تعرض عليه أعمال مواليه، وواحدة من أساليب التواصل مع الإمام المهدي هو تقديم الهدايا للإمام مادية ومعنوية، كأن تكون ركعتي صلاة أو صدقة والاهتمام بذكرى مولده وقراءة الأدعية كدعاء العهد والندبة... وبذلك تصون المرأة هويتها وتحافظ عليها كما قالت العلوية الشهيدة بنت الهد: كوني مثلًا يقتدى به ولا تكوني ألعوبة، كوني متنوعة، لا تابعة، قاومي الإغراءات أصمدي أمام كل شيء. _______________________ (1) أثبات الهدة ج٣/ ص٥٧٥/ح٧٢٥ (ب٢٣فصل ٣٨) (2) سورة الأحزاب الآية ٢١

اخرى
منذ 6 سنوات
2019

لماذا تنحرف الذريّة؟ (2) استطلاعٌ للرأي حول الأسباب والوقاية والعلاج/ الجزء الثاني

بقلم: أم قنوت كُنّا قد طرحنا في الجزء الأول من هذا التقرير ثلاثة أسئلة على أربعةٍ وعشرين مشتركًا من آباء وأمهات وشباب وفتيات، وبينّا جوابهم للسؤال الأول، أما بالنسبة للسؤال الثاني؛ ما هو المطلوب من الأهل ليرجع الشاب عن الطريق المنحرف؟ فقد جاءت إجابة الآباء بهذا الشكل: إذا كانت البذرة صالحة فالزمن كفيل بتغيير مسار حياة المنحرف، خاصةً إذا كانت التجربة الجديدة التي يخوضها الشاب فاشلة، وبصبر الأهل -واتباع سياسة جديدة والبحث عن المسببات ومن ثم تغييرها كأصدقاء السوء مثلاً أو الأموال المفسدة أو الحرمان من العاطفة- كبير الأثر في تغيير مساره الجديد، فاستعادته إلى الطريق الصحيح تكون عن طريق التقرب للشاب والمحاولات المتكررة بالتذكير المستمر والابتعاد عن التهديد والوعيد والعقوبة الشديدة وإعطائه بعض الأمان والحرية بحدود، فيزول حينئذٍ السبب بزوال المسبّب. أما عاطفة الأمهات فاقترحت الآتي: الدعاء لله وبناء علاقة صداقة جديدة مبنية على الصراحة والثقة والتعامل برفق والكثير من الحب وإدخال الدين من باب محبّب لقلوبهم الفتية والاحتواء من جديد وعدم الانشغال الدائم عنهم وعدم الإلحاح عليهم بما يجب أن يفعلوه بطريقة منفرة، كل ذلك له كبير الأثر في إرجاعهم إلى الطريق الصحيح. كان هذا أصعب الأسئلة التي طُرحت على الشباب والبنات، حيث بعضهم أطال التفكير قبل الإجابة، والبعض الآخر لم يمتلك جوابًا من الأساس، فكان رأي الشباب: قطع العلاقات مع الصديق السيء واختيار صداقات جديدة في نفس الوقت، وإعادة جسور التواصل مع الأهل عن طريق دخول الأهل عالم أبنائهم الجديد والتعايش معه لو لزم الأمر، والتذكير الدائم لهم بالأخلاق الحسنة بلين ورفق لردّهم إلى الطريق الصحيح. و للفتيات كلمة: حضور المجالس الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) خصوصًا مجلس الإمام الحسين (عليه السلام) فقصة استشهاده شديدة التأثير على غير المتدين فكيف إذا كان الشاب صالحًا بالأساس ولكنه يمر بفترة إدبار عن الدين فيرق قلبه عندئذ ويرجع إلى طريقه القديم، هذا مع الدعاء الدائم والسياسة والإقناع والإصغاء وتقبُّل الرأي الآخر والمراقبة فيعود حينها إلى الدرب الصحيح تدريجيًا.

اخرى
منذ 6 سنوات
849

لماذا تنحرف الذريّة؟ (1) استطلاعٌ للرأي حول الأسباب والوقاية والعلاج (الجزء الأول)

بقلم: أم قنوت يمرُّ على مسامعِنا بين الفينة والأخرى انحراف أحد الشباب عن طريق الدين -بنتًا كانت أو ولدًا- رغم انحداره من عائلة معروفة بالاستقامة والأخلاق والدين، فتحار العقول وتتساءل: كيف لأبوين متدينين ومعروفين بالصلاح أن يصل الحال بذريتهما إلى الانحراف عن جادة الطريق؟ ولأن للموضوع احتمالات عدّة وأسباب عميقة، تولّدت فكرة استطلاع للرأي لشريحة مصغرة من المجتمع... على غرار التجارب العلمية، تم اختيار عينّات مدروسة لأربعة وعشرين شخصًا -آباءً وأمهات، شبابًا وفتيات- لنتعمق ونبحث في آرائهم حول الموضوع، تم تقسيمهم إلى مجموعات كل منها تحوي ستة، أعمار الآباء والأمهات تتراوح بين 37-54، وأعمار الشباب والشابات بين 13-22، كل الآباء والأمهات المشتركين من ذوي الشهادات -تبدأ من الدبلوم وتنتهي بالماجستير- في تخصصاتٍ علمية وأدبية ودينية واجتماعية مع استثناءاتٍ فردية. سألنا المشتركين ثلاثة أسئلة: 1. لماذا ينحرف الشاب أو الشابة عن جادة الطريق المستقيم، مع إن والديهم متدينون وذوو أخلاق وهم من أسرة غير مفككة؟ 2. ما هو المطلوب من الأهل ليرجع الشاب عن الطريق المنحرف؟ 3. ما هي الاحتياطات المطلوبة لمنع انحرافهم؟ أفردنا في هذا الجزء إجابات السؤال الأول للمشتركين، ونبدأ بفئة الآباء حيث شرحوا الأسباب حسب وجهة نظرهم الدينية والتربوية والاجتماعية كالآتي: نزعةُ الخير والشر داخل الإنسان موجودة منذ القدم متمثلة بأولاد النبي آدم (عليه السلام) قابيل وهابيل، فالنفس البشرية خاصةً في مرحلة الصبا تكون مقيدة بين هاتين القوتين، والشخص بكامل إرادته يختار أما طريق الخير أو الشر، وغياب القدوة والمَثَل الصالح يعزز الانجراف وراء الشهوات. هذا علاوة على أن الشخص المتدين على نوعين: الأول فاهمٌ لروح الدين ولكنه فاشل في متابعته للأولاد فالتأثير الخارجي في غياب المتابعة والرقابة له كبير الأثر في انحراف الأبناء، والثاني فاقدٌ للأسلوب الذي يتبعه في إيصال المفاهيم الدينية للأولاد؛ فتجده يستخدم طريقة غير مستساغة، لذلك يتمرد الشاب في أول فرصة متاحة له. هذا بالإضافة إلى وجود فجوة بين الدين ومتطلبات العصر واحتياجات واهتمامات الشباب وفي غياب الخطاب الديني المناسب أصبحت الفجوة أكبر. أما من الناحية التربوية فالانحراف سببه عدم التأسيس لحوارٍ صريح بين الآباء وأبنائهم، كما أن بعض الآباء يزجون بأبنائهم في أوساط ومجتمعات فاسدة ويكتفون بإيصال الدين عن طريق المسجد فقط ظنًّا منهم بأن ذلك يكفي، متناسين أن الأولاد يحتاجون إلى استراتيجية وخطة كاملة منذ الولادة إلى حين استقلالهم. أما فئة الأمهات فكان رأيهم كالآتي: الامتحان الإلهي وغياب العاطفة جنبًا إلى جنب مع تأثيرات البيئة الخارجية تؤدي إلى انحراف الشباب. كما أن غياب النموذج الحسن داخل الأسرة وعدم احترام الأب للأم أو العكس يزعزع ثقة الشاب في نفسه فيصبح عرضة للمؤثرات الخارجية خاصةً في حال جهل الأهل للمتغيرات والمستحدثات والتقنية ومدحهم الزائد للانفتاح والغرب حيث التأثير التكنلوجي والتطور الذي تكون له نتائج غير جيدة أحيانًا، سيّما إذا كانت طريقة تعليم الدين بأسلوب غير حضاري مستخدمين الشتيمة والصراخ والتهديد. بالإضافة إلى الإلحاح بقول (هذا عيب، هذا حرام) لكل صغيرة وكبيرة الذي يولّد الكبت عند الأولاد وانطوائهم ويجعلهم غير منفتحين على الأهل. وأسباب أخرى كتأخر سن الزواج والاختلاط مع قلة وعي الأهل والشدة والضغط منهم فيتولّد الانفجار. وللشباب بجنسيه كلمة مهمة في هذا التقرير فهم يتحدثون من قلب الواقع الذي يعيشه أقرانهم، فجاء رأي الشباب بهذا الشكل: بعض الشباب يعيش حالة من الازدواجية؛ مثلًا تجده يحضر المجالس باكيًا بينما هو غارق بالموبقات فيصبح الحضور جسمانيًا لا روحيًا ولا عقلياً، بحيث لا يتأثر أحدهم بما يقول الخطيب فهو هناك فقط لإرضاء أهله وإقناعهم أنه شخص جيد، وهذا ناتج عن غياب المتابعة والتواصل بينهم وبين الأهل والإكثار من التوجيهات على أساس العيب والحرام وإجبار الأولاد على تطبيق الدين بطريقة منفّرة على الرغم من علم الأهل بالتطور والانفتاح على العالم، ووجود وسائل التواصل الاجتماعي وتعلق الشباب الشديد بها مما يؤدي الى انحرافهم بالنتيجة. وللفتيات رأي: العقل غير المكتمل لبعض الشباب يجعله لاهثًا خلف رغباته فاقدًا السيطرة على النفس مما يؤدي للاختيارات الخاطئة خاصةً بوجود أصدقاء السوء وتزمّت الأهل والرغبة بالحرية مع ضغط الأهل عليهم بإعطاء أوامر دينية بقول (هذا حرام) لكل صغيرة وكبيرة وبطريقة منفرّة وغير منفتحة على الواقع. يأتي في الجزء الثاني: - إجابات السؤال الثاني: ما هو المطلوب من الأهل ليرجع الشاب عن الطريق المنحرف؟

اخرى
منذ 6 سنوات
1193

التنّمر لدى الأطفال

بقلم: قاسم المشرفاوي ربما يرجع أبناؤنا من المدارس وهم في حالة نفسية سيئة، نلتفت إليهم ونسألهم ماذا بكم، يترددون قبل الإجابة على سؤالنا، وربما البعض من الأطفال لا يُجيب أهله ويشعر بالخوف إذا نقل مشاعره السلبية وقال بأن هنالك من يضايقه ويعتدي عليه لفظيًا أو جسديًا، لأن غالبية الآباء والأمهات يوبخون ويضربون أبناءهم ويعتبرون أن ضعفهم هو السبب في تنمر الأطفال الآخرين عليهم. أسلوب الأهل هذا يدفع بالأطفال إلى الانكفاء على الذات وعدم قول الحقيقة بما يشعرون لكي يتخلصوا من عقاب ذويهم، وبالتالي زيادة حالة التنمر ضدهم وعدم التوصل إلى حلول، لأن الأهل يجهلون الحل ويقتصرون على إثارة مشاعر الكراهية والعدائية في نفوس أبنائهم من أجل الانتقام والثأر، وهذا ما يزيد الأمر تعقيدًا ولا يحله. التنّمر هو مضايقة الآخرين والاعتداء عليهم لفظيًا وجسديًا والتنكيل بهم سبًّا أو ضربًا لإرضاء نوازع نفسية وذاتية في شخصية المتنّمر، وتكثر حالات التنمر لدى الطلاب في المدارس وخصوصًا إذا لم تكن المدرسة قد وضعت حلًا لمثل هذه المشكلة المنتشرة بكثرة. ولو بحثنا عن أسباب التنمر المنتشرة لدى الأطفال لوجدنا من أسبابها ما يلي: 1- تنّمر الزوج على زوجته والإساءة إليها عن طريق السب والشتم والضرب والمضايقة بكافة أشكالها كالاستهزاء بشكلها أو بطبخها أو بأسلوبها، مما يسبب ردة فعل لدى الأبناء حيث يتم عكس طريقة آبائهم على الآخرين من الأطفال من أجل التنفيس عن طاقتهم المكبوتة لإرضاء ذواتهم. 2- تكثر حالات التنُمر لدى الأطفال الذين يكون مستواهم الدراسي منخفضًا وسيئًا، حيث يسيء الأهل والمعلمون إلى هؤلاء الأطفال بالتقليل من شأنهم ومناداتهم بالفاشلين والأغبياء أو باستخدامهم للمقارنة مع أصدقائهم الأذكياء، لذلك نرى أن أغلبهم يتنمر على من هو أعلى منه بالمستوى الدراسي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على خطأ أسلوب المقارنة الذي يستخدمه بعض المعلمين ظنًّا منهم بأنه أسلوب تحفيزي. فالتنمر سلوك ينتج عن شعور بالنقص، والطفل الذي لا يستطيع النجاح في الدراسة فإنه يصب سلوكه المتنمر على أصدقائه الذين استطاعوا أن يحققوا النجاح، فهو يعتدي عليهم وكأنهم السبب في فشله ورسوبه! 3- حالات الطلاق أحد أسباب التنمر، لأن الطفل يفقد الاهتمام المادي والنفسي وتصيبه آفات نفسية عديدة كالتوتر والقلق والذي من الممكن أن يعوض هذا الانكسار الداخلي بالاعتداء على الأطفال الآخرين ومضايقتهم والتنكيل بهم. 4- التفرقة في معاملة الأبناء وعدم العدل بينهم من الأسباب التي تدفع بأحدهم لمضايقة إخوته والاعتداء عليهم، لأن يشعر بأنهم أفضل منهم. أما لو تطرقنا إلى علاج التنّمر فمن الممكن أن يكون من خلال التالي: أ- الابتعاد عن المشاكل الأسرية التي غالبًا ما تحدث بين الزوجين. ب- استخدام الأساليب التربوية التي حث عليها الشرع المقدس وعلم النفس الإيجابي الذي ركز على توفير الحاجات النفسية للطفل من القبول والاحترام والحب وتنمية الضمير لدى الطفل منذ السنوات الأولى عن طريق غرس القيم التربوية كالتسامح واحترام الكبير وتوقيره واحترام حقوق الآخرين. ج- الابتعاد عن أساليب التحقير والاستهزاء والسخرية والانتقاد السلبي لشخصية الطفل، والعمل على رفع الروح الإيجابية لديه إذا أخفق من أجل إرجاعه إلى الطريق الصحيح ليشعر بأهميته ومكانته بين زملائه. د- محاربة التنمر واجب يقع على عاتق الأبوين أولًا وعاتق المدرسة، ويجب التنسيق بينهما من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي تفتك بالمجتمع. و- يمكن عمل ورشات للطفل المتنمر من أجل معالجته نفسيًّا بالتنسيق مع الوالدين، وحبذا لو يكون الأمر من قبل المرشد النفسي الخاص بالمدرسة إن وجد. علمًا أن كثيرًا من أطفال المدارس تركوا المدرسة بسبب تعرضهم للتنمر من زملائهم، لأن التنمر يسبب انخفاض تقدير الذات وبالتالي فقدان الثقة بالنفس، فالطفل الذي يتعرض للاستهزاء من زملائه باستمرار ستتحطم صورته الذاتية ويكره المجيء إلى المدرسة لأنها المكان الذي يشعر بالانتقاص فيه، لذا يجب على المجتمع بشكل عام محاربة ظاهرة التنمر والقضاء عليها من أجل زرع بذور المحبة في نفوس الأطفال. والله المستعان…

اخرى
منذ 6 سنوات
2860

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

بقلم: محمد حسن آل حيدر كثر في الآونة الاخيرة استدلال بعض الأخوة المؤمنين بالعلم الحديث واكتشافاته على صحة ديننا الحنيف وصدق كتابنا العظيم (القرآن) لأنه أشار إلى هذه الحقائق العلمية قبل اكتشافها بقرون وذلك دليل واضح على أنه ليس كتابًا بشريًا بل أنه صادر عن عليم خبير يفوق بقدرته وعلمه جميع البشر ويشكل – بذلك – وجه إعجاز لهم أن يأتوا بمثله. وكثر من جانب اخر اعتراض كثير من الناس والتيارات على هذا الاستدلال ومحاولة ابطاله بطرح اشكالين اثنين : 1- إن القران كتاب هداية ورسالة دين، لا كتاب علم واكتشافات لكي يذكر ما ليس يدخل في اختصاصه. وقد رد عليهم بعض الأخوة بآية "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" قائلًا: إن فيها دلالة واضحة على شمول القران الكريم لجميع العلوم والفنون وأنه يتكلم في كل شيء. فردوه بأن "كل شيء" هنا لا يقصد بها الكلية المطلقة لجميع الاشياء بل يقصد بها كل ما من شأنه أن يدخل في باب الهداية والدين من الاشياء ، فكما أننا نقول: إن هذا البيت أُثث بكل شيء ولا نعني انه اثث بجميع ما في الوجود من اشياء، بل نعني انه اثث بجميع ما يحتاجه البيت من اشياء ، فكذلك الحال هنا . 2- إن القران لو كان قد تكلم عن هذه الحقائق فعلا فلماذا نرى المتمسكين بهذا الرأي لا يخبروننا بما سيكتشفه العلم قبل أن يكتشفه؟ (اي يخبروننا بما اخبرهم به القران من اكتشافات مستقبلية) ويكتفون بأن يخرجوا لنا نصوصا من القران تخبر بالاكتشاف بعد أن يكتشفه المختصون واقعًا (أي يخبرون بالحقيقة بعد اكتشافها)، لماذا لم يدلّهم القران على الحقيقة إلّا بعد أن توصلوا لها واقعًا بالعلم الحديث؟ ولأجل الإجابة على هذين الإشكالين نقول: إن القران الكريم لما كان كتاب هداية ورسالة دين من الله تعالى كان يجب أن يحمل معه ما يدعو سامعه إلى التصديق به والتصديق بصدوره عن الله تعالى ، فكان ذلك الداعي هو الجانب الإعجازي فيه (فالبشر حين يعجزون عن الاتيان بشيء يدركون انه صادر عن قوة اكبر منهم ويكون ذلك مؤيدا لتصديقهم بصدوره عن ربهم فيصدقونه) وكان الجانب الاعجازي في القران الكريم حين زمن نزوله هو الاعجاز البلاغي الذي فيه . ثم ان القران لما كان خاتما للرسالات السماوية وكان الدين الذي يحمله هو خاتم الاديان الذي يجب ان يستمر الى آخر الدنيا استوجب ان يكون فيه داع للتصديق به مستمر معه على طول زمن بقائه لضمان استمرار فاعليته في الهداية وحجيته على البشر ، فلزم ان يكون ذلك الداعي متجددا في جميع الازمان وفاعلا في جميع الظروف ، فكان ((الاعجاز العلمي))، فهو يحوي إخبارات بحقائق علمية متنوعة سيكتشفها البشر فيما بعد في أزمان مختلفة ليكون اكتشافهم ذلك - بتوافقه مع الاخبار- كاشفا عن صدق المخبر وأعجازه وبالتالي داعيًا إلى التصديق به. ثم إن كون القران الكريم كتاب هداية ورسالة دين لا ينافي أبدًا بل ويستلزم في بعض الأحيان الإخبار بالعلوم المختلفة لما فيها من دخالة في الهداية بما تحويه من دلائل على وجود الخالق تعالى (مثلا)، أو بصحة احتمال تحقق معاجز الأنبياء السابقين (عليه السلام) التي اخبر عنها هو، أو بما في ذلك من اعجاز (كما تقدم) ... الخ. وبهذا تتبين صحة هذا الاستدلال وبطلان ما ورد عليه من اشكالات.

اخرى
منذ 6 سنوات
2460

عرّفني حجّتك

بقلم: زهراء حسام عند كل مناسبة دينيّة الأجدر بنا وبها هو الاستفهام من ضمائرنا، هل نحن في عامّة الأيّام والشهور كنّا في حالة ترجمة لمشروع صاحب هذه المناسبة؟ وكم سيتأكّد السؤال ويصعُب وقعُه عند طرحه في المناسبات الخاصّة بالإمام الثاني عشر، ومَكمن الصعوبة عندما يكون السؤال متعلّقاً بالشريحة التي ينتظرها الإمام للقيام بالأمر المُرتقب، وهم الشباب، وهل أن قاعدتهم بالمستوى الذي يُناسب أمر القيام؟ لو ذهبنا بعيدًا عن المشكلات الأخلاقية والاجتماعية التي تُمنى بها هذه الشريحة، وهي مشكلات معلومة الحلول (وإن تأخروا وتثاقلوا في تطبيقها) الى مشكلات تتعلّق بأصول الدين، تتمثل بالفكر والعقيدة. ما نلاحظه في بعض الطبقات الشبابية الساعية الى التطوير الفكري والثقافي بأن هناك طموحاً لديهم نحو التجديد والحداثة، تجديد يصل في أحيان كثيرة الى مستوى خروج مفهومٍ ما مِن المفاهيم الدينية عن معناه! فيصير غيره لا هو! ما عادوا يريدون ديناً يحظر الاختلاط بين الجنسين، ولا يعطي أهمية للحجاب، يريدون غناءً محللاً وعباداتٍ مألوفة للذوق مما يشتهون. لا مقدّس وإن ارتبط بالله، لا عقيدة غير مستوعَبة لعقولهم وإن نزل بها كتاب مبين، لا يريدون ثابتاً، بل.. لا يريدون حقيقة! يريدون ما يريدون هم فقط.. هكذا، بمعية البعض ممن افترش لهم مائدة الإرادات هذه لينتقوا منها ما لذ وطاب! مثلاً.. وبحكم التواجد في الجامعة أعرف بعض الطّالبات ممن هنّ بعيدات عن الدين وأجوائه ورجالاته، قد استغرقن في المسلسلات والغناء، شُغلهن مراقبة الوقت للتسمّر أمام التلفاز ومشاهدة كل ما لا ينفع.. فجأة تتحول الى مدوّنة تكتب ضد ثوابت وكُبريات الدين، فجأة نسمعها وعند زيارة مرقد سيد الشهداء تقول لزميلاتها: لماذا تُمسكن بالشباك، هذه خرافة! سبحان الله! أ في هذه الحالة من حالات كثيرة مشابهة أأتي وأقول أن المشكلة سببها "رجال الدّين" أو "المؤسسة الدينية" أو "الخطاب الديني" وهي وأمثالها مكانها قصيّ عن الدين برُمّته ولا تلتزم بأصغر مسألة فيه لتأتي وتفنّد وتُخرّف قضيّة عقائدية.. لماذا؟ لأنها قرأت وبحثت؟! كلا ومن أين؟ لأنها جلست في مجلس أحد علماء الدين في الحوزة ولم يقنعها فتبرأت من الدين، أو أنه استخدم أسلوباً جافاً معها فانتبذت الى غير هذه الملة؟ [وهل أن فضاضة الأسلوب مبرر لعقلها ولضميرها خروجها من الدين]؟ هي لم تستمع للمحاضرات فنفرت من رتابتها واستهلاك مواعظها، ولستُ في مقام الدفاع وأعترف أن هناك ركاكة فظيعة لدى بعضهم لا تُشجّع على الاستماع لمقولاتهم فضلاً عن الامتثال لها. هي لم تقرأ أصغر كتاب عقائدي فما الذي حدى بها الى ترك تراثنا الكبير واللجوء الى .....! لا هذا ولا ذاك.. تلك وأمثالها إنما وجدوا رأياً شاذاً لبعض المؤلفين "الكبار" ممن زجّوا بأنفسهم في ميدان الاختصاص وهم غرباء عنه، مؤلفين يرسمون الدين باللون "الوردي" هم بارعون جداً في ميادينهم، لا أدري لماذا يحشرون أنفسهم في غيرها، بل لماذا نأخذ منهم علم الكلام وأساسيّات ديننا؟! لماذا أأخذ منهم "شريعتي" وهناك منابع أصيلة لها؟! وقرأوا رأيًا آخر لشيخ فيسبوكي يخيط العقيدة والفقه بالفصال والموديل الذي يريده المعجبون والمعلّقون! ثم.. رويدًا رويدًا يترك الشاب ثوابته ويرد عليها، ولا تقنعه بديهياتها ثم ينبذ كل شيء ويصير ملحدًا، فينتج عندنا شابٌّ لا يعرف دينًا ولا ربّاً، بل لا يعرف نفسه. لماذا، لماذا لا يجتهد هؤلاء لردّهم لأصولهم؟ لعلوم دينهم التي تديّنا بها وسرنا عليها منذ زمن الأئمة والغيبتين وعلى امتداد الخط العلمائي؟ نعم، فالدين لا يختص بحقبة زمنية ولا بمرجع معيّن حتى نُفرغ عليه غضبنا إذا ما كرهنا زماننا أو اختلفنا مع مرجعيّته! هناك أمر تعوّدناه في الشريعة، نعم في الشريعة ذاتها لا عند المتشرعة فقط حتى نشكك فيه، وهو خفاء بعض أو كثير من علل أوامرها ونواهيها، بل حتى إذا ما لاحظنا سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم كثيراً ما اتخذوا مواقف لم يعللوها بعلل، وما صار لهم حواريّون من أصحابهم إلا لشدّة التسليم في تلك المواقف والانقياد دون تمرّد وسؤال.. فهل هناك قاعدة شبابية بهذا المستوى ينهض بها الإمام عند قيامه بالأمر العظيم؟! في هذا المقطع من دعاء زمن الغيبة تشخيص للمشكلة مع سلسلة حلولها: "أَللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي".

العقائد
منذ 6 سنوات
4346

لي أحشاء صوادٍ لمن في خدهِ خال

بقلم: زينب جواد الركابي في ليلةٍ قمراءَ، كان أبو محمدٍ إلى جانبي يقول كلاماً كالسحر على الجسد، يذهب بالعقل إلى عالم الحلم والخيال... أخذ مسترسلاً وأنا بين يديه الكريمتين أجول بخيالي الضيق عن ماهية القادم، متخيلة شعور الأمومة لكوكبٍ درّي يخرج من أرض الدنيا يصلُ أفقُ نورِه قاب قوسّين أو أدنى.... وأنا على هذه الحال فإذا بَشرساء تنثرُ ماءَ زمزم مخلوطًا بحباتِ آس من جنةِ النعيم! نظرتُ إلى زوجي المُدلَّه وسومةُ الشوق للقاء الخلف المنتظر بانت على محياه.... أشرقت الأرض بحجة الله ساجدًا لربه، فنزلت الملائكة بأذنِه تعالى ترتشف عبقَ عطرهِ العلوي مباركةً يعرفون بها في الملأ الأعلى أنصارًا وجنودًا... كنتُ أغبط أُمنا مريم بولدها الذي يبرئ الأكمهَ، فكان الرد: في الغد المشرق تُحي الأرض بعد موتها بالقائم ابني، وإن عيسى يصلي خلفه تأييدًا ومبايعة... وتمت أربعون ليلة، فإذا بصغيري يمشي في بهو الدار، كأنهُ يريد الغيبة مستعجلًا... يُضيء نوره الوَهّاج سماء سُرَّ من رأى. أصبّر النفس على لوعةِ فراقه المحتوم، محتسبة بذلك كأمِ موسى، حتى يرده الله إليَّ...

اخرى
منذ 6 سنوات
1102

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80618

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59957

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
49109

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
45096

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
44323

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34316