استعباد المرأة بدعوى تحريرها

بقلم: رضا الله غايتي تعد وسائل الإعلام من أهم الروافد الرئيسية المغذية لرؤى الجماهير وأفكارها، والعامل المؤثر في تحديد أولوياتها وأهدافها، والموجّه في غرس عاداتها بل والمساهم في رسم نمط حياتها. فهي تقوم باجتثاث أصول معرفية قائمة واستبدالها بأخرى، وهدم قيمٍ معتدٍ بها وبناء قيمٍ أخرى. من خلال ما تعرضه من الأخبار أو البرامج أو الدراما والمسلسلات والأفلام، بل حتى البرامج الفكاهية؛ وذلك لأن محتوى كل ذلك لا يخلو من رسالةٍ يستهدف القائمون على تلك الوسائل إيصالها إلى المتلقّي. وبما أن المرأة أكثر من الرجل متابعةً لوسائل الإعلام عادةً؛ فهي الأكثر عرضةً للتأثر بما تبثه تلك الوسائل من رسائل، سلبيةً كانت أو إيجابية. ولعل من أخطر الرسائل التي أثرت على المرأة بشكلٍ خاص والمجتمع بشكلٍ عام والتي كثيراً ما تؤكد عليها أغلب وسائل الإعلام إلا ما ندر هي: الدعوة إلى التفلُّت من الدين والأخلاق النبيلة والاستخفاف بالعفاف والقيم الجليلة بدعوى التحرر من القيود! فأُتخِمت البرامج بمفاهيم وأحكام خاطئة عن الحريات، وسُوِّقت في الأفلام والمسلسلات عبر مشاهد فاضحة وصور وإيحاءات تشير إلى ذلك بصورة واضحة. وفي الوقت الذي يدعو فيه القائمون على وسائل الإعلام تلك إلى تحرير المرأة، فإنهم يستعبدونها بشكلٍ صريح وفي وضح النهار! فهم يستعبدونها تحقيقاً لشهواتهم عندما يحثونها على التبرج للجميع ــ وكأنها مملوكة لهم ــ والتخلي عن حيائها الفطري. هم استعبدوها عندما يُشبعون ميولهم وميول الرجال في التمتع بالنظر إلى مفاتنها دونما أيِّ مسوِّغ شرعي، ويستعبدونها تحقيقاً لأرباحهم عندما يسوّقون بضائعهم في الإعلانات مستخدمين جسدها المُغري، ويستعبدونها حفاظاً على تقدمهم الفكري عندما يصورونها بصورة المرأة العاشقة التي لا هدف لها في الحياة سوى الفوز بقلب رجلٍ ما والتفاني من أجله، وعندما يغرسون فيها أن كل قيمتها تكمن في جاذبية جسدها المثير، فإن تحقق فلا أهمية بعدئذٍ للسعي والاجتهاد وصولاً إلى عقل منير. ولا ندّعي تأثير الإعلام برسائله المفسدة هذه على جميع النساء؛ وذلك لأن التأثر بالإعلام يختلف في مداه بين الأفراد بحسب الظروف الخارجية التي يخضعون لها والظروف النفسية التي يمرون بها والأهم من هذا وذاك مدى قابليتهم للانفعال والتأثر به. فضلاً عن طبيعة المحتوى المقدم ومدى إقناعه وجاذبيته والوسيلة التي يتم إيصاله عبرها. وهو أمرٌ مطمئنٌ لو تميّزت الجماهير بالوعي اللازم. إلا أن ما يقلق حقاً هو أن أغلب شعوبنا العربية قد أثبتت وبشكل عام أنها شعوب استهلاكية بامتياز، لا للبضائع المادية فحسب، بل و حتى للأفكار المعلبة والثقافات المستوردة. و أدل دليل على ذلك الحال الذي أصبح عليه أغلب المسلمين اليوم. لذا نجد الكثير من النساء قد تأثرن بتلك الرسائل سلباً، فخالف بعضهن الأحكام الشرعية أو تمردن على التقاليد الصحيحة. واقتصرت أهداف بعضهن على الفوز بقلب رجلٍ يملأ حياتها سعادة فارتكبت ما قد تشربت به من أدوار ومشاهد، فخانت صديقتها وكذبت على أهلها والتقته سراً، لتنتهي قصة البعض منهن بفاجعة مريعة.. وخلت محفظات نقود بعضهن نتيجة توجه بوصلة أهدافهن نحو الجسم المنحوت والشفاه الممتلئة ووو. فيما تراجعت الثقة بالنفس لدى أخريات لعدم استطاعتهن الحصول على خدود منتفخة أو بطون خاوية.. فإن كانت الحال على هذه الدرجة من الخطورة في الوقت الحاضر، فكيف يا ترى يكون المستقبل؟ لاسيما أن أغلب وسائل الإعلام متوجهة نحو تغريب المجتمعات وتذويب الهويات وأمركة الثقافات. من هنا، لا بد أن يدق رجال الدين والمثقفين عموماً -لا سيما النساء الواعيات المؤمنات خصوصاً- أجراس الخطر للفت الأنظار إلى هذه الرسائل السقيمة، وتوضيح آثارها الوخيمة، وتنبيه المربين إليها وتوعية النساء إلى سوء عواقبها وتحذير المراهقات من الوقوع في شراكها. بالإضافة إلى ضرورة تسليط الأضواء على القدوات من النساء من سيدتهن الزهراء (سلام الله عليها) إلى من هن على خطها المبارك من النساء المعاصرات. وتقديم سيرهن بقراءات حديثة تلبي طموح النساء وتلامس مشاعر الفتيات وتستنهض فيهن الغيرة على الدين والعفة والحرص على كسب العلم والتحلي بالفضائل وبكل همة. فضلاً عن ضرورة تكاتف وسائل الإعلام الدينية لتقديم البدائل عن المحظورات من أفلام وبرامج ومسلسلات، وهو ما قدمته وتسعى إليه ــ أيدها الله ــ بعض القنوات. ولكن نأمل المزيد منها كماً ونوعاً لتستغني به شرائح المجتمع عن مواد الإعلام الفاسد..

اخرى
منذ 5 سنوات
1025

جريمةٌ بحصانةٍ مجتمعية!

بقلم: عبير المنظور وُجِدَتْ الجريمة منذ بداية الخليقة، وقصة ابنيّ آدم (عليه السلام) هي قصة الجريمة الأولى على هذه البسيطة، حيث قتل قابيل أخاه هابيل لنوازع نفسية ومصلحية في قصة مفصّلة، ولا زلنا حتى يومنا هذا -وبعد فترات زمنية سحيقة- نتعاطف مع الضحية وندين القاتل وهو أول مجرم في التاريخ، وهذه الجريمة يستنكرها الجميع ويحاربها ويرفضها إنسانيًا وأخلاقيًا ودينيًا، كما يرفض كل الجرائم من قتل وسرقة وتزوير واختطاف وغيرها لكونها تمثّل التعدي على حقوق الآخرين وسلبها منهم. ومنذ فجر التاريخ والبشرية تقنّن التشريعات وتسنّ القوانين للحفاظ على نظام المجتمعات من التخبط والفوضى وللحد من معدل الجريمة، وكان العراق القديم مهد الحضارات أول من شرّع القوانين وسنّها، ومسلّة حمورابي المؤلفة من ٢٨٢ مادة قانونية شاهدة على دقة التشريعات خاصة فيما يتعلق بقوانين الأسرة حيث يحتوي القسم الثامن منها على المواد من 127-195 والتي تتعلق بشؤون العائلة وحقوق أفرادها. ويا للعجب! في بلد عريق وسبّاق لتنظيم المجتمع وسنّ القوانين لحفظ حقوق أفراد الأسرة والمجتمع وبعد آلاف السنين يفتقر لقانون يُجرّم من يقوم بالعنف الأسري وكأنها ليست بجريمة تستحق الردع بالعقاب والمحاكمة في زمن التطور والتكنولوجيا والتشدّق بحقوق الانسان! فالعنف الأسري في العراق جريمة تحظى بحصانة مجتمعية! الأسرة منظومة مهمة في البناء الاجتماعي وسلامته من سلامتها، وهذه المنظومة -شأنها شأن أي منظومة أخرى- قد تتعرض أحيانًا إلى التصدع، وأن لم يعالج هذا التصدع منذ البداية ويرمّم، فقد يسبب انكسارات عميقة قد تؤدي في النهاية إلى تضعضع كيان الأسرة وانهدامها. إن من أهم الأمور التي تسبّب تصدّع الأسرة هو العنف الأُسري، ويعني اصطلاحًا: استخدام القوة المفرطة ماديًا أو معنويًا في الإساءة لفرد أو أفراد من الأسرة أو إلحاق الأذى والضرر به لإجباره على أمر معين أو للسيطرة عليه تمامًا. وبرأيي فإن العنف الأُسري هو جريمة أيضًا ككل الجرائم لأنها تعتمد على سلب الأخرين حقوقهم بطرق غير مشروعة وبالإكراه. تختلف حدة العنف الأسري من مجتمع لآخر ومن منطقة لأخرى بحسب طبيعة المجتمع ودرجة الوعي فيه، إضافة إلى الفروق الفردية والثقافية بين أفراد الأسرة ذاتها. وللعنف الأسري أشكال متعددة هي: أ- العنف المادي: ويشمل الاساءة أو إلحاق الأذى بشكل مادي ملموس، وله عدة صور أيضًا: ١- العنف الجسدي: كالضرب واللّكم والركل والحرق والخنق والغرق والصعق والدفع أو استخدام آلات حادة أو تجويع أو حرمان من أدوية معينة وغيرها، وقد يتسبب هذا النوع في إعاقة جسدية وأحيانًا قد يؤدي إلى الموت. ٢- العنف الجنسي: والغرض منه ممارسة الجنس بإكراه الطرف الآخر. ٣- العنف الاقتصادي: حيث يُحرم أحدهم من المال أو يُستحوذ على أمواله كنوع من التحكّم وفرض السيطرة على الضحية. ٤- العنف العشائري: حيث يتم إهداء بعض نساء العائلة لحلّ لعض النزاعات العشائرية بسبب رعونة وطيش وإجرام أحد أفراد الأسرة. ب-العنف المعنوي: ولا يقل خطورة عن العنف المادي، فهو يعمل على تحطيم نفسية ومعنويات الضحية من خلال: ١- العنف اللفظي: كالسباب والشتائم والتحقير والاستهزاء أمام أفراد الأسرة أو خارجها. ٢- عزل الضحية اجتماعيًا: من خلال حبسه في البيت ومنعه من التواصل مع الأهل والأصدقاء. ولا يخفى أن جميع أنواع العنف الأسري المذكورة سابقًا تحدث بكثرة في مجتمعنا العراقي، ولكن مع الأسف لا يُعرف منها إلّا القليل، وحتى وإن عُرف فإنه يتم التعاطف مع الضحية قلبيًا فقط، لأنها لا تستطيع مجابهته وإيقافه في ظل الأعراف والتقاليد المجتمعية البالية التي لا تجرّم من يقوم بالعنف الأسري ولا تتدخل أحيانًا كثيرة بحجة أنها أمور عائلية، وأن للرجل حق القوامة على المرأة، أو أن للأب سلطة على الأبناء، وهو يربيهم بمعرفته، في حين نجد أن المعنفّين من النساء والأطفال لا حيلة لهم سوى التحمل وعدم الكلام عن الموضوع لأنه يعتبر إفشاءً لسر العائلة! نعم يجب أن تكون للعائلة خصوصية، لكن في حدها المعقول، وإلّا فما ذنب الزوجة التي تتحمل العنف الأسري المستمر أمام أولادها كي لا يُطلق عليها لقب (مطلقة) مثلًا، أو محاولة منها للّم شمل الأسرة، خاصة إذا كان هناك أطفال (ضحايا) بين الزوجين، أو مثلًا أب يحرم طفله من الدراسة ليعمل في الشوارع، أو طفل يتعرض للتعذيب على يد أبيه أو أمه أو أخيه أو زوجة أبيه... والغالبية العظمى من المجتمع يفهم أن العنف الأسري يقع بين الزوج والزوجة فقط، بينما تشير الاحصائيات إلى أن ٧٥% من حالات العنف الأسري تكون ضد الأطفال! فتأملوا خطورة هذه الجريمة. وعمومًا فان نسبة ضحايا العنف الأسري في العراق كبيرة جدًا في ظل مجتمع ذكوري في الغالب، يشجّع على السلطة المطلقة للرجل على النساء (أم، زوجة، أخوات) والأطفال حتى وإن كانت خارج سلطته الشرعية التي منحتها الشريعة له، والتي قد يفرط الرجل في استخدامها مع تأييد المجتمع لما يقوم به، وأنه ضرب من الرجولة والالتزام الديني، خاصة في ظل غياب القانون الذي يجرّم ويحاسب من يقوم بذلك، إن ذلك مما يزيد من حالات التفكك الأسري وازدياد معدل تسرب الأطفال من المدارس وهروبهم إلى الشارع، وبالتالي ازدياد معدل الجريمة واختلال القيم والمعايير الأخلاقية في المجتمع، وفي أحسن الحالات نجد الأمراض النفسية وعدم الاستقرار داخل المنظومة الأسرية، وهذا يمثل الاتجاه الاجتماعي لأسباب نشوء العنف الأسري الذي تعود أسبابه أيضًا إلى أسباب فردية ونفسية، منها ضعف الوازع الديني وعدم اختيار شريك الحياة على أسس صحيحة، إضافة إلى الاهمال وعدم تحمل المسؤولية. وبلحاظ ما تقدم يكون علاج العنف الأسري على مستويين: ١- مستوى فردي: ويكون ضمن إطار الأسرة نفسها من خلال تعميق الوازع الديني والتحلي بالأخلاق الحميدة والسير على نهج محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، بالإضافة إلى مسؤولية الأهل في إعداد البناء لمرحلة الزوجية ومعرفة أسسها وتعزيز مفهوم الشراكة فيها، ورسم حدود الحقوق والواجبات لكل فرد من أفراد الأسرة وفق الدساتير الدينية والإنسانية. ٢- مستوى اجتماعي: من خلال تفعيل الدولة للدوائر والمؤسسات ذات الصلة بحماية الأسرة، وتشريع القوانين التي تجرّم العنف الأسري والتشديد على إجراءات تلك القوانين، إضافة إلى توجيه الإعلام توجيهًا صحيحًا لبناء الأسرة والعمل على زيادة وعي المجتمع والنهوض به ثقافيًا وإنسانيًا، ولا يخفى دور مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الإرشاد الأسري في توجيه الأسرة نحو مسارها الصحيح لنضمن بذلك سلامة المجتمع وأفراده.

اخرى
منذ 5 سنوات
944

أنا دائمةُ الشجارِ مع زوجي

بقلم: أم قنوت سألتني سيدةٌ: أنا دائمة الشجار مع زوجي، فهل يعد هذا الأمر طبيعياً؟ فأجبتها: نعم، ولا! الخلاف أمرٌ طبيعي؛ فكلنا يعارضُ شريكَ حياته بين الحين والآخر، فعندما يعبّرُ كلا الشريكين عن أفكارهما ومشاعرهما الحقيقية ستطفو على السطح بعض الخلافات، إذن لنواجه الأمر ونقول: لا يهم كم من الحب والانسجام الذي تحمله لشخصٍ ما، فبالنهاية أنتما شخصان مختلفان يحملُ كلٌّ منكما أفكاره وآراءه الخاصة به؛ وفي الحقيقة هذا كان جزءًا أحببتماه في بداية علاقتكما، لذلك؛ نعم الخلاف والخصام الذي يحدث بين الحين والآخر هو أمرٌ طبيعي. ولكن لسوء الحظ قد تكثر خلافات بعض الأزواج بصورة تفوق خلافات الأزواج الآخرين، ولا يُفترض أن يصبح الأمرُ سيئاً عندما يتحول الخلاف إلى جدل، وإنما تكون المشكلة الحقيقية هي عندما يتحول الخلاف الى شجار، فأنت تقولين: أنا دائمة الشجار مع زوجي، وهذه مشكلة كبيرة؛ فمن الممكن أن يكون الشجار الدائم علامة على وجود مشاكل أكبر في العلاقة نفسها. لقد حضرت هذه السيدة مع زوجها لغرض الاستشارة الزوجية، رأيتهما يتشاجران على كل صغيرة وكبيرة في حياتهما عدا موضوع العمل، أما أي مجال آخر كتربية الأطفال، أو إدارة البيت والمال، أو الاحترام ... فقد كان شعلةً لبداية الجدال واستمراره حتى الموت فقط لإثبات من منهم المحق ومن المخطئ، لذا كان من المنطقي معرفة أن المشكلة التي بين يدي هي ليست إلّا مشكلة لإثبات عنوان "هذا على حق" ضد "هذا على باطل"، ولا عجب أبدًا بأن الزوجين تعيسان في هذا الزواج، فكلاهما -وبحسب كلماتهما- يحملان الكره الشديد لبعضهما البعض. يحطم الشجار الدائم بين الزوجين العلاقة الزوجية، لذا يعد من الضروري تعلّم كيفية إنهاء الشجار وإيقافه في مرحلة الخلاف، أو على الأكثر عند مرحلة الجدل؛ فهذا الأمر جوهري لاستمرار العلاقة الصحية، ويعد الغضب هو الشعور الأصلي ما وراء الجدل الذي يتحول إلى شجار، وهذه مشكلة بحد ذاتها؛ لأن الغضب سيكون هو المتحكم بالتفكير المنطقي وبطريقة المعاملة تجاه الآخر مما يؤدي إلى النطق بكلمات والقيام بأفعال شديدة الضرر على الطرف المقابل، فسيطرة الغضب على التفكير سيبعد الطرفين عن إيجاد حلٍّ للمشكلة، بل سيفتش الطرفان حينها عن أية طريقة يؤذي أحدهما بها الآخر، وتكرار الأمر بهذه الصورة سيحطم العلاقة الزوجية. ذكرتُ في منشورٍ سابقٍ: أن المفتاح لأي علاقة جيدة ليس هو في أن يتجنب الطرفان الخلاف، بل معرفة كيف يتعاملان معه؛ فالعلاقات الزوجية الصحية الناجحة لا تتجنب الصراع والخلاف والخصام المصاحب لهما، وإنما فيها يعلّم الشريكان أنفسهما كيفية التعامل مع الطرف الآخر ويبذلان الجهد بأن لا يتحول هذا الصراع إلى حرب منتجة لإساءاتٍ لفظية، كما يجب أن يعي الزوجان بأنه في حال حدوث ذلك يجب عليهما بذل الجهد لتقليل حدة الصراع، كأن يغادر أحدهما المكان، أو يلتمس بعض الوقت للتهدئة، كما توجد طرق أخرى لترويض الغضب، ويعرف كلا الطرفين في العلاقة الناجحة آلية التهدئة المناسبة لشريك حياته ويحترمان الحاجة لاستخدام هذه الآلية في علاقتهما. نوهّتُ في نفس المنشور المذكور بأنك ستفوز عندما تكون ناضجًا بالشكل الكافي لتختار العلاقة نفسها على أن تختار كونك على حق، ولكن يتخوف بعض الأزواج في حال التزامه بهذه الطريقة أن يظهر على باطل على الدوام، وستطفو معاناة السيطرة أو السلطة على السطح حيث إن كلًا من الزوجين يوّد إثبات كونه الطرف المتحكم. كان هذا التخوّف عقبةً في طريق الزوج المذكور في هذا المقال، حيث توّهم بأنه سيفقد سلطته إذا ما تبع الأسلوب المذكور، وهذا التخوف خاطئ، وسأذكر السر الذي لا يعلمه هذا الزوج: عندما تختار العلاقة نفسها على أن تظهر دائمًا على حق ستجد أن الخلافات ستصبح أقل وكنتيجة لذلك هناك احتمال أن يتبع شريك حياتك نفس الأسلوب ومن ثم ستصلان حال التعادل: فوز لفوز. يحدث الشجار بين الزوجين لأسباب أخرى غير المذكورة في هذا المقال، ولكن العلل النفسية المسببة لهذا الشجار ليست بأهمية معرفة كم يدمر شجاركما العلاقة الزوجية، وسيشعر الجميع بسعادة ورضى، وسيكون أنجح في مجالات أخرى إذا ما تمسك بالحقيقة التي تفرض أن الأشخاص غير الناضجين يختارون الاستبداد بآرائهم حتى لو كلفهم ذلك العلاقة نفسها، بينما يختار الناضجون أن يظهروا مخطئين في سبيل الحفاظ عليها. ماذا ستختار؟ هل ستختار أن تكون ذلك الشخص الناضج في شجارك القادم أو العكس؟ ستختار الفشل أو الفوز؟ جرّب طريق النضج وستفاجئك النتائج الإيجابية والتغييرات التي ستحدث في حياتك وفي علاقتك الزوجية. أصل المقال: https://www.guystuffcounseling.com/counseling-men-blog/bid/91711/i-m-fighting-with-my-husband-constantly _________________________ تقتضي الأمانة العلمية ذكر الآتي: ١- تم حذف أسماء أصحاب الاستشارة المذكورين في هذا المقال. ٢- الترجمة ليست حرفية وتم حذف كل مالا يتناسب مع الثقافة الشرقية وتعاليم الإسلام، وهو عبارة عن فقرة قصيرة وكلمة واحدة. ‏ Dr. kurt Smith, LMFT, LPCC, AFC

اخرى
منذ 5 سنوات
5757

غضبٌ وانتقامٌ

بقلم: أم قنوت رأيتهما رافعين الأكفّ يتضرعان إلى الله سبحانه وتعالى في ليلة الجمعة ويدعوان: "فَكَيْفَ احْتِمالي لِبَلاءِ الاْخِرَةِ وَجَليلِ وُقُوعِ الْمَكارِهِ فيها وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدتُهُ وَيَدُومُ مَقامُهُ وَلا يُخَففُ عَنْ اَهْلِهِ لاَِنَّهُ لا يَكُونُ إلاّ عَنْ غَضَبِكَ وَاْنتِقامِكَ وَسَخَطِكَ.." ، فتعجبتُ كلَّ العجب فهما يطلبان من الله عز وجل ما لا يفعله أحدهما للآخر! لا بل لا يفعله أحدهما لنفسه من الأساس!! لطالما تساءلت: لماذا يتشاجر ويصبُّ والداي غضبهما على بعضهما وينتقمان من شخصهما ومن بعضهما البعض ومنّا نحن بلا رحمة؟! يعتصرُ قلبي الألمُ وينعقدُ لساني في كلِّ مرة أشهدُ فيها شجارهما، فأجواء بيتِنا مشحونةٌ على الدوام بسبب صراعهما البائس لإثبات مَن منهم الذي هو على حق ومَن هو الذي على باطل، وقد مرَّتْ سنواتُ عمري مُحَمَّلةً بالهمومِ، يجول في ذهني أكثر من ألف سؤال يبحثُ عن إجابة، لكنني تجنبّتُ اللجوءَ إليهما خوفاً من إشعال فتيل حرب جديدة، وهرباً من الهجومِ... لذا انطلقت أبحث عن سبب صراعهما الدائم بعيدًا؛ فتيقنت أن كلامَ ربي عن الزواج مليءٌ بالرحمة والمودة، وفتشتُ في كتب سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (سلام الله عليهم)، فما وجدتُ أقل من المودة والرحمة، لا، بل أدهشني إمامي السجاد زين العباد (عليه السلام) بما ذكره في رسالة الحقوق، فما أجمل ما قال: "وأما حق رعيتك بملك النكاح فأن تعلم أن الله جعلها سكنًا ومستراحًا وأنسًا وواقية، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها.." وبينما أنا أقرأ كلام إمامي (عليه السلام) توجهت لربي قائلًا: رباه!! دلّني أين أبحث لأجد الحل، فما زلت غضًا لا خبرة لي، لا أرى في بيوت أصدقائي ما أراه في بيتِنا، وقد سئمتُ سماعَ صوت الغضب والانتقام هنا، الهي ارحم ضعفي وقلة حيلتي ونجنّي وأخوتي من هذا البلاء فقد طالت مدته ودام مقامه ولم يُخفف عن أهله (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (سورة غافر/٤٤) رسالةٌ إلى والدي المذكور في هذه السطور: رفقاً بهذا الرزق الصالح.

اخرى
منذ 5 سنوات
2448

العنف الأُسري وتأثيره على الزوجة والأبناء

بقلم: قاسم المشرفاوي من أكثر الظواهر التي تقصم ظهر المجتمعات، والتي تتسبب بتفكك الأسرة وتمزيق كيانها والقضاء على رونقها هو العنف الجسدي واللفظي الذي يمارسه أغلب الرجال ضد زوجاتهم وأبنائهم، ولو بحثنا عن الأسباب التي تدفع بالرجل إلى ممارسة دور المتسلط ضد أسرته لوجدنا من أهمها : أن البيئة التي عاشها الرجل وطريقة الأسلوب الذي تم التعامل معه في أيام طفولته وشبابه أدى إلى تكوين شخصيته وبلورتها بشكل عدواني، إذ العنف ظاهرة امتدادية تنتقل عبر الأجيال، فالأب الذي تعرض للتعنيف بكافة أشكاله في أيام طفولته، يمكن أن يمارس نفس الطريقة التي تلقاها ضد زوجته وأطفاله بشكل غير واعي، فالعقل الباطن يحتفظ بجميع الصور القديمة التي تشكلت نتيجة السلوك والآن يتم ترجمتها على شكل سلوك وأفعال مع الآخرين، فإذا تلقى الإنسان تعاملًا جيدًا من قبل أبويه والمحيطين به، فإنه سيعكس هذا التعامل وهذا الأسلوب مع أسرته ومع الناس، وأيضًا قد يعكس الصورة السيئة اللا واعية أيضًا ضد أسرته وأولاده، فهو يقوم بعملية تفريغ ما يكبته من مشاعر وأحاسيس، أما سلبية وأما إيجابية. وللعنف تأثيرات سلبية عديدة على الأسرة والأولاد منها: ١- ضرب الزوجة يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع مما يسبب في فقدان عامل الأمان النفسي للأبناء الذين سيعيشون في حالة من الانقسام والفوضى بين الأم والأب مما يسبب في تحطيم معنوياتهم وذهاب سعادتهم والتسبب في معاناتهم وزيادة آلامهم. ٢- ولو وصبرت الزوجة على ذلك من أجل الحفاظ على أسرتها وأولادها، فإن العلاقة الزوجية ستكون خاوية وخالية من معاني الحب والوئام والألفة التي تعتبر الركائز الأساسية في استقرار الأسرة. ٣- أمّا فيما يخص نظرة الأبناء اتجاه والدهم، فإنهم سيعتبرونه مصدر ازعاج وقلق يهدد سعادتهم ومستقبلهم، أو أنهم سيتأثرون بشخصية والدهم، أو يميلون إلى أمهم باعتبارها الطرف الضعيف في المعادلة. ٤- ممكن أن تمارس الأم العنف الذي يقع عليها ضد أولادها بشكل لا واعي، فهم الحلقة الأضعف بالموضوع وبالتالي هم ضحية أسلوب العنف، فشعور الزوجة بالقهر والظلم يجعلها متوترة وتعيش تحت الضغط النفسي، مما تفقد أعصابها في كثير من الأحيان بشكل لا أرادي. ٥- مظاهر العنف الموجودة في البيت ممكن أن يمارسها الأبناء ضد بعضهم البعض استنادًا إلى الاختلاف في القوة البدنية، فمظاهر العدوانية تنتشر وتتمدد ، فالكل يتأثر بالعنف من خلال البيئة التي يعيشها والتي تكثر فيها أساليب العنف. ٦- ضرب الزوجة يحطم شخصيتها ويحطم شعورها المعنوي كأم وكمربية مما يجعلها تفشل في تربية أولادها بسبب فقدان مكانتها وتقديرها عند أولادها. ومن أساليب العنف الأخرى المنتشرة في أغلب البيوت هو الصراخ، ومن آثاره السلبية: 1- أنه يبعث بالقلق والخوف في نفوس الأطفال، مما يربك عملية النمو النفسي والعاطفي والجسدي، فهو يدفع بالجسم إلى زيادة إفراز هرمون الضغط النفسي الذي يسبب الشدّ العصبي وأمراض بدنية كارتفاع ضغط الدم والسكري حسب الدراسات الطبية الحديثة. 2- يقلل من إفراز الجسم لهرمون السعادة (الدوبامين) حسب الدراسات النفسية التي أكدت ذلك. 3- ظهور مشاكل عديدة لدى الأطفال كالتبول اللا إرادي، وقضم الأظافر، ومص الأصابع، وهذه المظاهر تدل على عدم الشعور بالأمان والاطمئنان. 4- تقمص الأطفال لسلوك الصراخ يصبح عادة من عاداتهم السيئة في أيام طفولتهم، ومظهرًا من مظاهر التعامل الاجتماعي لهم. ومن مظاهر العنف الأخرى هو السخرية والاستهزاء والانتقاص من الزوجة، ومن سلبيات ذلك: 1- انعدام رغبة الزوجة في تقديم الخدمات لأسرتها، فهي تشعر بعدم التقدير والاحترام من زوجها. 2- التقليد الدائم على شكل الزوجة، أو طبخها، يتسبب بتجريح مشاعرها وعدم تقدير أتعابها، والواجب على الزوج الابتعاد عن هذه الأساليب غير الأخلاقية، لترسيخ مبدأ الحب في نفسية الزوجة، فالزوجة تحتاج إلى كلمة حانية تشعرها بقيمتها وأهميتها. 3- يقع الزوج في خطأ فظيع وهو يظن أن السخرية من زوجته يدفعها إلى الاهتمام بشكلها أو طبخها، فيستخدم مع السخرية طريقة المقارنة من أجل تحفيزها ودفعها إلى فعل الأفضل والأجمل، فيقول لها: فلانة أجمل منك، أو فلانة تطبخ أفضل منك، وهذا الأسلوب يدل على الجهل وعدم المعرفة بطبيعة المرأة. ولو تطرقنا إلى الحلول الممكنة، لوجدنا أن أغلبها تعتمد على استعداد الطرفين للوصول إلى حلحلة المشكلة والوقوع على أسبابها، فممكن أن تستخدم الزوجة أسلوب اللين مع الزوج من أجل تغيير قناعاته بأسلوب غير مباشر، فأغلب الرجال لا يتقبلون النقد المباشر، لذلك يجب على الزوجة استخدام أسلوب مؤثر في تغيير طبيعة تفكير الرجل من أجل ترك سلوكياته الخاطئة. ويمكن عقد جلسات -إن تعقدت الأمور- بمشاركة أطراف من أهلها وأهله ممن لديه خبرة وحكمة في التعامل مع هكذا مشاكل. ولا ننس الدعاء في صلواتنا من أجل تغيير الطرف المقابل، فالدعاء من الأساليب المؤثرة بإذن الله تعالى. والله الموفق والمستعان…

اخرى
منذ 5 سنوات
5339

أتحبين صاحب الزمان؟

بقلم: أمل راضي الحريشاوي سألتها.. أتحبين صاحب الزمان؟ قالت: كثيرًا والله. سألتها: الإمام يحب حجاب وستر إمه فاطمة وعمته زينب؟ قالت: نعم. سألتها: ولمَ لا تفعلين الشيء الذي يحبه إمامك؟ قالت: إن حب بالقلب، بالباطن لا بالظاهر. قلت: كم يؤلمني عندما أسمع أن الحب لا بالظاهر. قالت: ولِمَ؟ فأعطيتها مثالًا وقلت لها: لو أن إحدى صديقاتك اخبرتك أنها رأت زوجك في إحدى المطاعم مع فتاة، ويبدو أنهما يحبان بعض، ستذهبين الآن وبكل عجلة لتتأكدي أليس كذلك؟ وستفورين غضبًا عندما ترين بعينيك كيف يلاطفها، ويضحك معها، ولن تستطيعي أن تتمالكي نفسك وستذهبين له وتقولين له: يا عديم الرجولة أتخونني؟! فسيقف أمامك ويقول لك: عزيزتي، أنا أحبك أنتِ فقط! ما سيكون جوابكِ غير الاستهزاء وتسألينه: تحبني وترافقها وتتودد إليها وتأتي للعشاء معها! فسيجيبك: حبيبتي الظاهر ليس مهمٌ المهم هو القلب وحبكِ في قلبي... رأيت حالتها تغيرت! فقلت لها: هل ستصدقينه أو ستصدقين عينيكِ؟ فقالت والدموع تتلألأ في عينيها وأنزلت رأسها خجلًا: يستحيل أن أصدقه، فقامت مسرعة قلت لها: إلى أين؟ قالت: أريد أن أُرضي إمامي لأني أحبه.

اخرى
منذ 5 سنوات
1144

دور علماء الحوزة العلمية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك السيد المجدد الكبير انموذجًا (الحلقة الثالثة)

بقلم: دينا فؤاد المبحث الثاني السيد المجدد الكبير والحفاظ على اللغة العربية نبذة تعريفية عن المجدد الشيرازي هو آية الله العظمى الحاج ميرزا محمد حسن بن السيد ميرزا محمود ابن السيد ميرزا إسماعيل الحسيني الشيرازي. (1) لقب بالمجدد الشيرازي، والشيرازي الأول، والشيرازي الكبير (2)، وصاحب فتوى التنباك الشهيرة (3) والتي كان لها الدور البالغ في تعزيز قيادة الأحداث الكبيرة من قبل العلماء (4)، حيث استخدم السيد لموجهة الاستعمار الإنجليزي سلاح الفتوى (5)، ولقب أيضاً بالمدد الكبير من قبل الذين قاموا بترجمته في مؤلفاتهم مشيرين إلى حديث معروف بأن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. (6) ولد السيد محمد حسن في مدينة شيراز في الخامس عشر من جمادي الأولى من عام 1230هـ، الموافق لشهر نيسان من عام 1815م، وقد تمتع بزعامة زمنية بارزة في مدينة شيراز. (7) هاجر إلى العراق بعد هجرته إلى اصفهان وأقام في النجف الأشرف وتتلمذ على يد الأعلام من مدرسيها وخاصة الشيخ مرتضى الأنصاري، وبوفاته استغنى عن الحضور عند المدرسين لنبوغه وتوفر الملكات المودعة فيه ففتح باب التدريس على مصراعيه في النجف، وحضر بحثه العلماء وأهل الفضيلة، ورُجع إليه في التقليد، وأخذت مرجعيته بالاتساع على الرغم من أن النجف كانت فيها أقطاب العلماء والمراجع. (8) وقد عُرف أن السيد الشيرازي (أعلى الله مقامه) بأنه أعقل أهل زمانه، وأشهر علماء أوانه، وكان صاحب معرفة بأمور السياسة والحزم والعزم والكياسة، قد أقبلت الدنيا في عصره إليه وواكبت الطلاب عليه حتى أصبحت سامراء بفضله مركزًا علميًا كبيرًا (9)، وهذا بعد أن هاجر إليها في سنة 1293هـ وانتقال الحوزة العلمية من النجف الأشرف إلى سامراء بعد أن انتهت إليه رئاسة أكثر الإمامية من سائر الأمصار، وقد حدثت في أيامه الكثير من الفتن من قبل الساسة الأجانب، ولكنه تغلب عليها بفضل فراسته ومحاولته الحفاظ على وحدة المسلمين وحمايتهم، وبقي في مدينة سامراء حتى وفاته في الرابع والعشرين من شعبان سنة 1312هـ، وقد حمل على الرؤوس من سامراء إلى النجف والقبائل العربية تستقبل جثمانه الطاهر وتحمله إلى حد القبيلة الثانية ، وهكذا حتى استقر إلى مأواه الأخير أسكنه الله فسيح جنانه. (10) اللغة العربية والفترة المظلمة لقد أطلق البعض على الفترة التي عاشها العراق في ظل السيطرة العثمانية اسم الفترة المظلمة، ولا يعد هذا تجنيًا ولا ظلمًا نظرًا لما طال الفكر والعلم من الإهمال والتردي في تقديم الخدمات لهما من قبل السلطة الحاكمة للعثمانيين، وهذا ما دعا إلى قيام العشائر والعلماء من ذوي الوعي الديني المتحفز بالثورات التي تناهض هذه الأساليب، ويعتبر الميرزا محمد حسن الشيرازي عملاق هذه الفترة. (11) لقد شمل الظلم اللغة العربية في كافة مجالاتها، حيث كان هناك أصرار من قبل الاتحاديين في تنفير العناصر العربية وكل ما يمت بصلة إلى تلك اللغة الأصيلة، فأصروا أن تكون لغة التخاطب الرسمي والتعليم والدواوين وغير ذلك باللغة التركية، وكان هناك سعي حثيث لإبعاد أحد الوزراء العرب في الحكومة العثمانية بسبب لجوئه إلى قراءة دعاء باللغة العربية في نهاية الخطاب الذي ألقاه باللغة التركية أمام مجلس المبعوثان (12)، وهكذا أصبحت لغة التدريس هي اللغة التركية في المدارس المختلطة، حتى أن تدريس قواعد اللغة العربية كان باللغة التركية (13) الهجرة إلى سامراء والحفاظ على اللغة العربية لقد عدت الهجرة إلى سامراء من قبل المجدد الشيرازي نقلة نوعية في تاريخ سامراء نفسها لما طالتها من الأثار الإيجابية نتيجة تلك الهجرة المباركة، ومن تلك الأثار روجان بضاعة الأدب نتيجة اهتمام السيد الشيرازي بالأدباء والشعراء والصلة الوثيقة بهم (14)، وكان يجيز الشعراء على قصائدهم، وكان يجلس إليهم ويستمع لهم، ويستحسن الجيد من تلك الأشعار، ولهذا قصده الشعراء من سائر البلاد (15)، ولعل الغرض من إحياء المجالس الأدبية هو الحفاظ على اللغة العربية، وقد تكون هذه هي إحدى الأسباب التي دفعت المجدد الكبير إلى الهجرة، وعلى الرغم من أن الكثير من الكتّاب قد طرح أسباباً لهجرة السيد الشريفة، لكن لم يذكر أحد منهم السبب الذي قد يكون مهماً في نظر ذلك المرجع العظيم، وهو الحفاظ على اللغة العربية من الاندثار والضياع بين اللغات الهجينة، وخصوصاً أن أغلب أصول سكان سامراء من الأتراك وغيرهم كما هو معروف. لقد عزز الميرزا الشيرازي حركة الوعي الإسلامي داخل الأمة الإسلامية ورعى نموها الطبيعي بمبادراته، وحافظ على أم اللغات وهي اللغة العربية بعد محاولة العديد من المغرضين بجعل اللغة المعتمدة والمتداولة هي اللغة التركية. ومن أعماله المهمة تشييد المدارس (16) واستمرت مدرسته في السير على خطاه عبر تلامذته الذين حملوا أفكاره ورؤاه (17)، وكان يؤكد على تلامذته المجتهدين الأعاظم أن يتدرجوا في مدارج الأخلاق والتهذيب، حتى يكونوا دعاة إلى الله بأفعالهم قبل أقوالهم، وكان يؤمر بتلاوة شيء من نهج البلاغة كل يوم قبل الدرس، فكان يعدّهم ليكونوا خلفائه من بعده. (18) وكان السيد المجدد الشيرازي رضوان الله عليه مثالاً يحتذى به في حفظ الحرمات ورعاية مقتضيات الأخوة بين اتباع المذاهب المختلفة، وله في ذلك مواقف مشهودة تذكر فتشكر. (19) موقف الحوزة العلمية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك لقد شعر جماعة من أهالي النجف بضرورة تأسيس مدارس تعني بالعلوم الحديثة لزيادة الوعي الفكري والثقافي لأبنائها، وخاصة أثر الفتاوى التي صدرت من العلماء بتحريم الدخول إلى المدارس، وذلك بعد أن اعتمدت اللغة التركية لا في إجراء المعاملات والمخابرات فحسب بل تم اعتمادها لتكون لغة التعليم في المدارس أيضاً (20)، فانحسرت معرفة العلوم على التعليم الأهلي الذي تركز في المساجد والمدن كالنجف وكربلاء والعديد من المدن الأمر الذي أدى إلى إسهامة إضافية في حفظ اللغة العربية (21)، وهذا ما دعا الكثير من العلماء إلى تأييد وتشجيع الجماعات التي دعت إلى تأسيس المدارس الحديثة كأمثال آية الله الملا كاظم الأخوند (وهو أحد تلامذة السيد المجدد الشيرازي) وغيره، وقد تأسست لهذا الغرض هيأة علمية ضمت الكثير من العلماء والتجار فأسفرت عن تأسيس مدرستين أولهما العلوية التي افتتحت أبوابها للطلبة سنة 1326هـ، والثانية تسمى الرضوية. (22) وبلغ تأييد العلماء لإنشاء المدارس أن المجتهد الأكبر الملا كاظم الأخوند أجاز صرف الحقوق الشرعية على أمثال هذه المدارس، ولم يقتصروا على ذلك بل أنهم كانوا يحثون مقلديهم أينما وجدوا على الارتشاف من منابع الثقافة الحديثة. (23) وهكذا أصبح من الواجب الشرعي على علماء الدين المحافظة على اللغة العربية من أي مدخول أجنبي، فقد حافظت الحوزة العلمية طوال حياتها على سلامة اللغة من الرطنات الأجنبية الدخيلة، وكانت هي الوسيلة لتوحيد القوميات التي جمعها الإسلام (24)، وتم اعتبار التتريك تيارًا معاديًا للإسلام في النتائج والأهداف، ولهذا تمت مواجهته بكافة الوسائل والطرق الممكنة، وبالفعل تم القضاء عليه بفضل الوحدة التي جُمعت بين علماء الدين من الحوزة العلمية والشعب الحر المؤمن بلغته العريقة، لغة القرآن الكريم. الخاتمة وأهم النتائج ترى الباحثة ان للسيد المجدد الشيرازي الفضل الكبير في الحفاظ على اللغة العربية من خلال هجرته المباركة وطريقته في مواكبة الأحداث وزرع الوعي الفكري الإسلامي وحبه للشعر وتقريبه للشعراء، وقد خلف أجيالاً حملت أفكاره ورؤاه وطبقوها على ساحة الواقع. وأن لعلماء الحوزة العلمية من تلامذة السيد الشيرازي دوراً كبيراً في حماية اللغة العربية من التتريك والتي تمثلت بالأمور الأتية: 1/ الإفتاء بحرمة دخول أبنائها الإمامية إلى المدارس الحكومية العثمانية. 2/ تأسيس المدارس الحديثة لتوفير فرص التعليم لأبنائها. 3/ جعل اللغة المعتمدة في التدريس هي اللغة العربية وبكافة المراحل. 4/السعي والحث على دخول أكبر عدد ممكن من الطلاب إلى المدارس. 5/جواز صرف الحقوق الشرعية على المدارس. ________________________ 1ـ ينظر، القمي، عباس، الكنى والألقاب، ج3، ص222. 2ـ ينظر، الشجيري، أحمد عبد الرسول جبر عباس، الموسوعة الشاملة لشخصيات عراقية معاصرة، ص686. 3ـ مهدي عبد المهدي، شيعة العراق بعيداً عن الطائفية، ص251. 4ـ ينظر، ماجد الغرباوي، الشيخ محمد حسين النائيني، ص41. 5ـ ينظر، محمد الحسيني الشيرازي، تلك الأيام، ج1، ص3. 6ـ ينظر، الأمين، محسن، أعيان الشيعة، مج5، ص305. 7ـ ينظر، عبد الكريم آل نجف، مجلة التوحيد، العدد 75، السنة 13، ص164. 8ـ ينظر، محمد حرز الدين، معارف الرجال، ج2، ص233. 9ـ ينظر، الأصفهاني الكاظمي، محمد مهدي، أحسن الوديعة، ج1، ص129. 10ـ ينظر، محمد حرز الدين، مصدر سابق، ص234ـ237. 11ـ ينظر، غالب الشابندر، التحولات الفكرية والسياسية في العراق خلال القرنين الأخيرين، مجلة الفكر الجديد، مجلة فصلية، العدد الأول، السنة الأولى، ص167ـ173. 12ـ ينظر، زكريا سليمان بيومي، قراءة إسلامية في تاريخ الدولة العثمانية، ص188. 13ـ ينظر، شكري محمود نديم، العراق في عهد السيطرة العثمانية، ص91. 14ـ ينظر، عبد الكريم آل نجف، الإمام المجدد السيد محمد حسن الشيرازي، مجلة التوحيد، العدد 75، السنة13، 1995م، ص169. 15ـ علي الروزدري، تقريرات آية الله المجدد الشيرازي، ج1، المقدمة، ص43. 16ـ ينظر، كلمة المرجعية العليا في النجف الأشرف، إعادة افتتاح المدرسة الجعفرية في سامراء، HTTPS://IRAQ.SHAFAQNA.COM. 17ـ ينظر، محمد جواد مالك، شيعة العراق وبناء الوطن، ص191. 18ـ ينظر، الأوردبادي، محمد علي الغروي، موسوعة العلامة الأوردبادي، ج11، ص38. 19ـ ينظر، كلمة المرجعية العليا في النجف الأشرف، إعادة افتتاح المدرسة الجعفرية في سامراء، HTTPS://IRAQ.SHAFAQNA.COM 20ـ ينظر، توفيق علي برور، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني، ص81. 21ـ ينظر، يوسف عز الدين، الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر، ص23. 22ـ عبد الله فياض، الثورة العراقة الكبرى، ص86. 23ـ ينظر، ن.م، ص88. 24ـ ينظر، حسن الحكيم، المفصل، ج7، ص36.

اخرى
منذ 5 سنوات
1793

تجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي (4)

بقلم: علوية الحسيني "فَأنْشُدُ اللَّهَ مَنْ سَمِعَ كَلامِي الْيَوْمَ لَمَّا بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِب" *قوله: (فأنشُد الله) "النشيد: رفع الصوت... فتقول: استحلفتك بالله، وأنشدك بالله إلا فعلت: استحلفك بالله"(1)، فالإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يستحلف مواليه، رافعًا صوته، طالبًا منهم أن يبلّغ شاهدهم غائبهم ما جرى، من الظهور ومجرياته. *وقوله: (مَنْ سَمِعَ كَلامِي الْيَوْم) "مَنْ" يخاطب الامام (عجّل الله فرجه الشريف) العقلاء بغض النظر عن موقفهم، موالين كانوا أم محاججين. "سَمِعَ" فمَن سمع خطبة الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) قد يكون مباشرًا فيسمعه الحاضرون بحاسة السمع، وقد يكون غير مباشر، فيسمعه الحاضرون عن طريق التلفاز، أو الانترنت، أو وسائل التكنلوجيا المتاحة في ذلك الزمن. يذكر أن عصر التكنلوجيا لا زال في تطور مستمر، وسيتطور أكثر زمن الظهور؛ بدليل الحديث المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ المؤمن فــي زمــان القـــائم عليه السلام، وهو بالمشرق يرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق"(2) فكما لم يكن متوقعًا قبل عشرات السنين أن يرى الإنسان الذي في الشرق أخاه في الغرب، أو العكس، ثم تعقّل ذلك؛ نتيجة التطور التكنلوجي، فحصل ذلك بوسائل التواصل الاجتماعي، فكذلك أمر سماعنا خطبة الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) قد يسمعها بتلك الوسائل أو بأحدث منها؛ إذ الرواية تشير إلى تطور تكنلوجي في زمن الظهور، فبه يؤخذ. "كَلامِي" الكلام جمع كلمات، "بلحاظ أنّ كل لغة تحتوي على كلمة بسيطة، ومركبة، وهيأة تركيبية، فالشهادة هي هيأة تركيبية تم ربط كلماتها بحروف فأصبحت جملة تامة"(3) فخطاب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هيأة تركيبية من أسماء وأفعال وحروف؛ لذلك سُمي كلمة. "الْيَوْم" إشارة منه (عجّل الله فرجه الشريف) إلى اليوم الذي يلقى خطابه في مكة المكرمة، وهو يوم ظهوره العلني، وقد شخصته بعض الروايات بأنه يوم العاشر من شهر محرّم الحرام، "عن أبي جعفر (عليه السلام): كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائمًا بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل (عليه السلام) ينادي: البيعة لله، فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما وجورا"(4) نعم، بعض الروايات صرّحت أنّ يوم الظهور هو ليلة العاشر من محرم، فيكون من المحتمل أن الظهور ليلة العاشر، والبيعة يوم العاشر. ويوم الظهور يكون يوم الجمعة، لروايةٍ عن أبي عبد الله (عليه السلام قال: ...ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة..."(5) وقد يُقال بالفرق بين الظهور والخروج والقيام؛ "فهناك معنيان يفهمان من لفظة الظهور للإمام المهدي (عليه السلام) المعنى الاول: هو معروفية شخصه الشريف لمجموعة من الناس، خصوصًا أعداءه والتي تسبق عملياته العسكرية بعدة أشهر، وإليه تشير رواية (فاذا ظهر السفياني اختفى المهدي) في غيبة الطوسي 444. أما المعنى الثاني الذي يفهم من لفظة الظهور، فهو الزمن الذي يكون فيه الإمام (عليه السلام) معروفًا لجميع الناس أعم من بداية المعروفية، أو الإعداد والحروب العسكرية من قبيل ما روي (يدخل الصخري الكوفة ثم يبلغه ظهور المهدي بمكة...) في كتاب الفتن ص 218 . أما لفظة القيام للإمام المهدي (عليه السلام) وخروجه، فالكلمتان تشيران إلى قيامه بالعمليات العـسكرية، والحروب، وتطهير الأرض من الظالمين، وهذا ما يستفاد من الروايات من قبيل ما ورد (أنّ الملائكة ... ينتظرون قيام القائم(عليه السلام) الى وقت خروجه عليه صلوات الله وسلامه) في معجم احاديث الامام المهدي(عجل الله فرجه) 4/17 . والمتحصل من ذلك أنّ الظهور يستعمل مرةً استعمالاً خاصًا يشير إلى بدايات الظهور، ومرة استعمالاً عامًا، وهو الأكثر، ويشير إلى الأعم من البداية والخروج. أما الخروج والقيام فيستعملان بمعنى واحد وهو التحرك العسكري"(6) *وقوله: (لَمَّا بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِب): "لَمَّا" ظرف زمان معناه حين. "بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُم" التبليغ أيضًا يكون بطريق مباشر، أو غير مباشر بواسطة وسائل الإعلام، كأن تتناقل وسائل الإعلام الأخبار. وبالتالي سيكون تكليف الشاهد هو البلاغ فقط؛ بلحاظ كونه رسولًا من الإمام (عجّل الله فرجه الشريف)، وتكليف الرسول هو البلاغ، قال تعالى {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين}(7) وإنّ من يشهد الخطاب عموم الناس، وقد استعمل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) الضمير (مـَن) فتكون حتى النساء مشمولات بالخطاب ويكون تكليفهن الإبلاغ أيضا. وتذكر الروايات كيفية اجتماع قادة جيش الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) البالغ عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً منهم خمسون امرأة. ففي حديث روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): "إِذَا أُذِنَ الاِْمَامُ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْعِبْرَانِيِّ ، فَأُتِيحَتْ لَهُ صَحَابَتُهُ الثَّلاَثُمِائَةِ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ ، قَزَعٌ كَقَزَعِ الْخَرِيفِ ، فَهُمْ أَصْحَابُ الاُْلْوِيَةِ. مِنْهُمْ مَنْ يُفْقَدُ عَنْ فِرَاشِهِ لَيْلاً فَيُصْبِحُ بِمَكَّةَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَى يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً يُعْرَفُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَحِلْيَتِهِ وَنَسَبِهِ. قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَيُّهُمْ أَعْظَمُ إِيمَاناً ؟ قَالَ : الَّذِي يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً ، وَهُمُ الْمَفْقُودُونَ ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا ﴾"(8) ولعل سائلًا يتساءل: ألا يكون ذلك نوع من الإعجاز، والحال أنّ المعجزات من مختصات الأنبياء؟ فطريقة اجتماع أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) لا يدركها العقل على حد تعبير الرواية. فيُجاب: "يمكن القول: إنَّ طريقة الجمع للأصحاب ستتمُّ من خلال محورين: المحور الأوَّل: ما ذكرته الروايات الشريفة، حيث ذكرت الروايات أنَّ الأصحاب يجتمعون إليه بأمر من الله تعالى، فهناك من يُفقَد من فراشه ليلاً، ليصبح في مكّة المكرَّمة. وأنَّ هناك من الأصحاب من يُحمَل على السحاب، ليصل إلى مكّة المكرَّمة، وهل المقصود الإعجاز بحملهم على السحاب، أو الكناية عن سفرهم بالطائرة؟ الظاهر الأوَّل، والثاني محتمل، والله العالم. المحور الثاني: وهذا المحور نذكره كاحتمال لا أكثر: أنَّ هناك مجموعة من الأصحاب سوف يكونون في مكّة المكرَّمة، بأن يكونوا قد جاؤوا للحجِّ في عام الظهور، وعلموا بطريقة وبأُخرى بأنَّ الإمام سيظهر في العاشر من محرَّم، فأبقوا أنفسهم هناك انتظاراً لساعة الصفر. خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنَّ النفس الزكيَّة سيُقتَل في آخر أيّام موسم الحجِّ، حيث ستكون علامة واضحة لمن ينتظر الإمام، ولا شكَّ أنَّ الأصحاب سيكونون على علم واضح بذلك"(9). "الْغَائِبَ" وهنا نستبعد أن يكون الغائبون هم قادة جيش الإمام (عجّل الله فرجه الشريف)؛ لأنهم أول من يلبّي ويحضر، فيتعين أن يكون الغائب عن الحضور غيرهم. نعم، الجميع سيعلم بقرب ظهور الإمام عن طريق الصيحة السماوية، فيكون من المتعين عليهم أن يتربصوا للظهور العلني، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (عليه السلام)، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلَّا استيقظ، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت...، حتَّى تسمعه العذراء في خدرها فتُحرِّض أباها وأخاها على الخروج"(10)، وموعد الصيحة سيكون في شهر رمضان المبارك ؛ فعنه (عليه السلام) أنه قال: "الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان شهر الله وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخلق.(11) بل وجاء تشخيص أهل البيت (عليهم السلام) بصورة أدق في تعيين يوم الصيحة؛ دفعًا للالتباس الحاصل بين تلك الصيحة وصيحة أهل الباطل، ولا ننسى أنّ الزمن سيكون آنذاك زمن هرج ومرج، يفوق أهل الباطل أهل الحق عددا. روي عن الإمام أبو جعفر (عليه السلام): "الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين ينادي ألا إن فلانا[عثمان بن عفان] قتل مظلوما ليشكك الناس [بأنّ عليًا عليه السلام قد قتله وأخذ الخلافة منه] ويفتنهم، فكم ذلك اليوم من شاك متحير[يتحير في اتباع المهدي حفيد الإمام علي عليهما السلام] قد هوى في النار [إشارةً إلى إتبّاعه لعدو الله ومحاربته لولي الله]، وإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا أنه صوت جبرئيل وعلامة ذلك أنه ينادى باسم القائم واسم أبيه حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج"(12). فالصيحة التي تُعلم الناس بقرب ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هي صيحة حقّة ، جبرائيلية، سماوية. والصيحة التي تشكك الناس بالإمام هي صيحة ضلالية، إبليسية، أرضية. ومن اتبّع الصيحة الأولى فقد فاز ونجا، ومن اتبّع الثانية فقد خسر وهلك؛ روي عن أبي جعفر (عليه السلام): "لا بد من هذين الصوتين قبل خروج القائم عليه السلام: صوت من السماء وهو صوت جبرئيل، وصوت من الأرض، فهو صوت إبليس اللعين، ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوما يريد الفتنة، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتتنوا به"(13) فإن قيل: ما فائدة أنّ يناشد الإمام(عجّل الله فرجه الشريف) بأن يُعلم الشاهد منهم الغائب بظهوره وأنّ الصيحة قد أفهمت ذلك جميع العالم كلٌّ بلغته؟ يُجاب بنقطتين: ١- أنّ الصيحة أعلمت العالم بأنّ الحق مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) وتأمر باتبّاعه دون أن تشير إلى زمن ظهوره، فهي مجرّد إعلام وليس إعلانًا عن الظهور. في حين أنّ خطاب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) إعلان عن ظهوره وليس إعلامًا. ٢- إنّ الصيحة تسبق الخطاب المهدوي؛ فالصيحة تحصل شهر رمضان المبارك، والخطاب يحصل في شهر محرّم الحرام. فيتضح أنّه حتى لو كان الغائب عن خطبة الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يعلم سابقًا بمفاد الصيحة ولم يحضر، فتكون مناشدة الإمام للحاضرين بإبلاغ الغائبين عن حضور الخطبة من باب التأكيد على ما سمعوه من الصيحة، وحاشا الإمام من أن يشوب كلامه تحصيل الحاصل الذي يزعمه البعض. ________________ (1) لسان العرب: لابن منظور، ج ٣، ص٤٢٢. (2)بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج ٥٢، ص٣٩١، ح٢١٣. (3) ظ: دروس في علم الاصول: للسيد محمد باقر الصدر، ح٢، الدليل الشرعي اللفظي. (4) الغيبة: للشيخ الطوسي، ص ٤٥٣، ح٤٥٩. (5 ) الخصال: للشيخ الصدوق، ص٣٩٤، ح١٠١. (6) مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام. (7) النور: ٥٤. (8) الغيبة : للشيخ النعماني، ص ٣١٣، ب ٢۰، ح ٣. (9) على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الأسدي، ص١٢٦-١٢٧. (10)بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج ٥٢، ص٢٣٠_٢٣١. (11) المصدر نفسه. (12) المصدر نفسه. (13) المصدر نفسه، ح٩٦. أبرز يا ربِّ مشاهدته، وثبت قواعده واجعلنا ممن تقر عيننا برؤيته، وأقمنا بخدمته، وتوفنا على ملته، واحشرنا في زمرته، بحق محمد وآل محمد.

العقائد
منذ 5 سنوات
2908

دور علماء الحوزة العلمية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك السيد المجدد الكبير نموذجًا (الحلقة الثانية)

بقلم: دينا فؤاد الحوزة العلمية في النجف الأشرف وعلاقتها بالحكم العثماني: كان العراق يُعدّ جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وكان يحكم من قبل والٍ يتم اختياره من الباب العالي، ويكون هذا الوالي هو الحاكم المطلق للسلطات السياسية والعسكرية والإدارية. (1) قُسم العراق إلى ثلاث ولايات هي: بغداد والبصرة والموصل (2)، وكانت مدينة النجف مركز المرجعية الدينية تابعة إلى بغداد ضمن التقسيم الإداري ثم تبعت إدارياً إلى لواء كربلاء ثم إلى مدينة الحلة ثم رجعت إدارياً إلى لواء كربلاء مرة أخرى. (3) ولقد كانت الدولة العثمانية تنظر إلى النجف نظرة خاصة تدل على الخوف من ردة الفعل التي قد تثار تجاه أي موقف تتخذه هذه الدولة، وكان تعيين القائم مقام يأتي مباشرة من استانبول، فحكومة بغداد كانت عاجزة عن إبداء أي تدخل تجاه النجف خوفاً من ردة الفعل الوخيمة بسبب إثارة الرأي العام عليها، وقد اكتفت الحكومة بالخضوع الرمزي لها تاركة أهالي النجف يديرون شؤونهم بأنفسهم، فكان نظام الحكم في النجف أشبه بالحكم الذاتي (4)، وهذا عائد إلى السلطة التي تمتلكها الحوزة العلمية في النجف وتأثيرها المطلق على أبناء شعبها النجفي. الدولة العثمانية واللغة العربية من المعروف أن الحكم العثماني وخلافته المزعومة قد ضم في طياته الكثير من السلبيات، ومن أهمها: إهمال اللغة العربية، والتي كان من المفترض على السلاطين من آل عثمان أن يهتموا بها ويتعلّموها أكثر من لغتهم (اللغة التركية)، وذلك لأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، واللذان بدورهما يمثلان المصدر الرئيسي للتشريع (5) قال محمد قطب: "ولو تصورنا أن دولة الخلافة قد استعربت، وتكلمت باللغة التي نزل بها هذا الدين، فلا شك أن عوامل الوحدة داخل الدولة كانت تصبح أقوى وأقدر على مقاومة عبث العابثين. فضلاً عما يتيحه تعلم العربية من المعرفة الصحيحة بحقائق هذا الدين من مصادره المباشرة، كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، مما كان الحكام والعامة كلاهما في حاجة إليه، على الرغم من كل ما ترجم إلى التركية، وما ألف أصلاً بالتركية حول هذا الدين". (6) ولقد كان السلطان عبد الحميد يرى منذ توليه الحكم ضرورة اتخاذ اللغة العربية لغة رسمية لدولته، وكان يقول: "اللغة العربية لغة جميلة. ليتنا كنا اتخذناها لغة رسمية للدولة من قبل. لقد اقترحت على خير الدين باشا ـــ التونسي ـــ عندما كان صدراً أعظم أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، لكن سعيد باشا -كبير أمناء القصر- اعترض على اقتراحي هذا. وقال: إذا عربنا الدولة فلن يبقى للعنصر التركي شيء بذلك". (7) وإذا رجعنا إلى الحكم العثماني فإننا سنجد أنه سياسة استعمارية أرادت أن تمدد من حدود إمبراطوريتها من خلال الاستيلاء على أكبر قدر من البلدان والامصار، ولا يمكن السيطرة عليها مالم يمكن القضاء على هويتها وقوميتها، ولذلك حاولت أن تطمس الهوية العربية لكي يسهل لها السيطرة على بلاد العرب، وعند التحقيق في ذلك نجد أن من خطط الاستعمار أن يعمد إلى فتح المدارس الأجنبية لتعليم الحضارات المختلفة التي تقنع الإنسان العربي بتفوق اللغات الأجنبية على العربية لإثارة إعجابه بتلك اللغات والحضارات ليكون بعيداً عن الهوية العربية ولغتها. وإذا ما حققنا في أصول سياسة التتريك فإننا سنجد أن جذورها تمتد إلى الغرب، فالغرب يعلم بعمق العلاقة القائمة بين المسلم ودينه في أي دولة وأي مكان (8)، وعلى هذا الأساس عمد إلى اتخاذ عدة سياسات، ومن تلك السياسات التي اعتمدوها تشديدهم في تتريك التعليم، وقيامهم بإرسال أعداد كبيرة من المعلمين الاتحاديين الأتراك المتعصبين إلى العراق حيث أنيطت ببعضهم مهمة تدريس اللغة العربية مع جهلهم بها (9)، ويكفي القول بأن مدارس العراق كانت تدرس قواعد اللغة العربية باللغة التركية (10) وكانت بداية هذه السياسات بعد الانهيار الذي أصاب الدولة العثمانية وظهور عدد من السياسيين من داخل السلطة والذين مارسوا الضغوط لإعادة العمل بالدستور الذي صدر من قبل السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876م ثم علق بسبب الحرب العثمانية الروسية (1877ـ 1878 )، وعاد الاستبداد مجدداً مما أدى إلى تشكيل جمعيات وأحزاب سرية، وكانت أخطرها جمعية الاتحاد والترقي أو تركيا الفتاة (11)، وكان التركيز من قبل تلك الأحزاب على إبعاد انتخاب من لا يعرف اللغة التركية. (12) ______________________________ 1ـ ينظر، يوسف عز الدين، داوود باشا ونهاية المماليك في العراق، ص5. 2ـ ينظر، سبار كوكب علي الجميل، تكوين العرب الحديث، ص76. 3ـ ينظر، ناهدة حسين علي، تاريخ النجف الأشرف في العهد العثماني الأخير، أطروحة دكتوراه، ص12. 4ـ ينظر، الوردي، علي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص151ـ 152. 5ـ ينظر، إسماعيل أحمد باغي، الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، ص257. 6ـ قطب، محمد، واقعنا المعاصر، ص142. 7ـ إبراهيم حسنين، سلاطين الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، ص501. 8ـ ينظر، جهاد سعد، برناد لويس صهينة الغرب وتتريك العالم الإسلامي، ص181. 9ـ ينظر، جميل موسى النجار، لمحات من دور النجف في مناهضة سياسة التتريك، مجلة افاق نجفية، ص7. 10ـ ينظر، سليمان فيضي، في غمرة النضال، ص57. 11ـ بان غانم أحمد الصائغ، دور الحركات القومية في انهيار الدولة العثمانية الوطن العربي نموذجا، مجلة التربية والعلم، ص4. 12ـ ينظر، محمد مخزوم، ازمة الفكر ومشكلات السلطة السياسة في المشرق العربي في عصر النهضة، 38.

اخرى
منذ 5 سنوات
1239

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
79553

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59245

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
47550

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
44671

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
43219

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34084