بقلم: يا مهدي ادركني هي عبارة غريبة نوعًا ما، فكيف يكون الخطأ جميلًا؟! بل هل يمكن ان تكون هناك خطوط ذهبية للأخطاء؟ في الحقيقة نعم هناك خيوط ذهبي متناغمة مع أُخرى فضية متداخلة بينها حبات لؤلؤ، ممتزجة معها لتكون قطعةً فنيةً جميلةً تعكس بين ثناياها عبرًا ومواعظ... إذا نظرنا بتمعن الى تلك اللوحة وبدأنا بفتل تلك الخيوط، سنجد أن تلك الأخطاء التي قمنا نحن بها او قام بها شخص آخر هي في الحقيقة دروس نستفيد منها، فاذا فهمناها جيدًا ستجنبنا من الوقوع في شباكها مرةً اخرى. إذن، لتكن هذه العبارة (ما اجمل اخطاءك) مفتاحًا لقلوبٍ احببناها ورغبنا في ان ننبهها إلى تلك العقد التي نسجتها يداها، فإن للقلوب أقفالًا تفتح بسهولة لو استخدمنا مفاتيحها. عبارة سحرية جميلة ورقيقة (للقلوب أقفالها) ترقص على أنغامها تلك القلوب وتخفق استقبالًا لتلك الأقفال... فما هي مفاتيح تلك الأقفال؟ هنالك مفاتيح ذهبية وأخرى فضية مرصعة بنقوش ناعمة، تنبع من أرواح نقية لتفتح تلك القلوب برفق من دون حتى أن تخدشها، بل أنها تبعث السرور فيها، ولتكن عباراتنا واضحة فلنفتح معاني هذه الكلمات باستعراضنا لتلك المفاتيح: المفتاح الأول: المدح والشكر. وهذا يعني أن أسلط الضوء على المجهود الذي قدمه صاحب هذا القلب وما بذله وسعى لتقديم أفضل ما يمكنه حسب قدرته وقابليته، فهو يستحق الشكر على كل حال من الأحوال. المفتاح الثاني: تقديم البديل بدلًا عن التوبيخ. وهذا يعني ان اقدم البديل اولًا للخطأ الذي شخصته، ولنضرب مثالًا لذلك لتتضح الصورة، لو رأيت صديقة لي تهتم كثيرًا بالموضة مثلًا لتملأ وقت فراغها، فاقدم لها البديل بشراء كتاب لها او بعرض فكرة العمل الخيري لإدخال الفرحة في قلوب من يفتقدها. المفتاح الثالث: عدم اللوم، فللملامة طعم أمر من الحنظل. وهذا امر واضح لا يحتاج الى الخوض فيه كثيرًا، فتكفي الإشارة الى الاخطاء بطريقة سريعة من دون ان أعتصر تلك القلوب بكثرة اللوم. المفتاح الرابع: الوقت المناسب. فللخيوط الذهبية المتدلية من قرص الشمس وقتها الخاص بها وللخيوط الفضية المتدلية من قرص القمر وقتها الخاص بها ايضًا، فلتكن كلماتنا تبزغ من قلوب محبة في أوقاتها المناسبة لتملأ تلك القلوب دفئًا وسعادة. في الحقيقة هي طريقة للانتقاد الراقي وتوجيه لمن نحب، ولكن بأسلوب سلمي يؤدي الى زيادة المحبة والتآلف بدلًا عن جرح تلك القلوب بسكّين الانتقاد التي طالما أدمت تلك القلوب ومن بعد ذلك تم نثر ملح الملامة فوقها ليستمتع بأنين تلك القلوب التي ستقفل إلى الأبد ويلقى بمفاتيحها في قاع بحارٍ متجمدة.
اخرىبقلم: علوية الحسيني "ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي كِتَابِ اللهِ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِكِتَابِ اللهِ، ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي سُنَّةِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله فَأنَا أوْلَى النَّاس بِسُنَّةِ رَسُول الله". سبق وأن عرفنا معنى المحاججة، وهي "إلقاء الحجّة قبال الحجة لإثبات المدعي أو لإبطال ما يقابله"(1)، فقد أبطل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) محاججة منكريه "حينما حاجّوه بالله تعالى، ثم بالنبي آدم، ونوح، وإبراهيم، ومحمد (عليهم السلام جميعًا وعلى آل محمد)، وبسائر الأنبياء عمومًا"(2). ففي هذا المقطع الخطابي يبطل (عجّل الله فرجه الشريف) محاججة منكريه له بكتاب الله تعالى. *فيقول: (ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي كِتَابِ اللهِ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِكِتَابِ اللهِ) فلعل منكريه يقولون للإمام (عجّل الله فرجه الشريف) حين ظهوره، (حسبنا كتاب الله) أو (ارجع يا ابن فاطمة لا حاجة لنا بك). وما ردّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) إلاّ قصمًا لظهر باطلهم، وتكميمًا لأفواه شياطينهم الناطقة بها ألسنتهم. فلعل الأعداء يحاجّون الإمام بآياتٍ يزعمون أنّها متشابهة، والحال أنّها محكمة؛ وما فعلهم ذلك إلاّ لزيغ قلوبهم، وابتغائهم الفتنة، وادّعائهم علم تأويل الآيات، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه} (3). ولعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يستشهد بالآية الكريمة التالية، ويحاجج بها منكريه: قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون}(4). إن هؤلاء المحاججين هم من المسلمين، ولكنهم قد تزلزلت عقيدتهم، فقلّ ولائهم، وزاغت قلوبهم، حتى باتوا يحاججون إمامهم ويطالبوه بدليلٍ قرآنيٍ يثبت به إمامته لهم. حيث جاء في تفسير الآية أعلاه في كتب الشيعة الإمامية: "إنّ التعبير بـ( أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ) بمنزلة بيان الرمز لغلبة الإسلام وانتصاره، لأنّ طبيعة «الهداية» و (دين الحقّ) تنطوي على هذا الانتصار، ذلك أنّ الإسلام والقرآن هما النور الإلهي الذي تظهر آثاره أينما حلّ. وكراهية الكفّار والمشركين لن تستطيع أن تغيّر من هذه الحقيقة شيئاً، ولا تقف في طريق مسيرته العظيمة. ومن الظريف أيضاً أنّنا نلاحظ أنّ هذه الآية قد وردت في القرآن الكريم ثلاث مرّات بتفاوت يسير: الاُولى: كانت في سورة التوبة الآية (33). والثانية: في سورة الفتح الآية (38). والأخيرة: في هذه السورة «الصفّ»...ومن المسلّم أنّ النتيجة النهائية كما نعتقد سوف تكون للإسلام، وذلك عند ظــهور الإمام المــهدي أرواحنا فداه. إنّ هذه الآيات بذاتها دليل على هذا الظهور العظيم"(4). كما وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنه قال: "والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القـــائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه، حتى أن لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله" (5). إمن يرجع إلى تفاسير العامة المعتبرة عندهم للآية الكريمة أعلاه يجد أنهم فسروا الوعد الإلهي بإظهار الدّين على سائر الأديان، وشملوا ذلك في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وزمن نزول النبي عيسى (عليه السلام)، وقتل الدّجال- على فرض كونه شخصًا-، فيقول الطبري في تفسيره: " القول في تأويل قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا يعني تعالى ذكره بقوله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ) الذي أرسل رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] بالبيان الواضح، وَدِين الحَق، وهو الإسلام؛ الذي أرسله داعيا خلقه إليه ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) يقول: ليبطل به الملل كلها، حتى لا يكون دين سواه، وذلك كان كذلك حـــــــتى ينـزل عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، فحينئذ تبطل الأديان كلها، غير دين الله الذي بعث به محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] ، ويظهر الإسلام على الأديان كلها"(6). واخفاء اسم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من تفسير هذه الآية خير دليلٍ على إرادة المحاججة لأنصار الإمام أثناء غيبته، فتكون إرادتهم المحاججة عند ظهوره (عجّل الله فرجه الشريف) أمرًا غير خارج عما بنوا عليه منهجهم. فتفسيرهم يقول: يظهر الله تعالى رسوله على الدّين كلّـه ولو كره المشركون المعارضون حتى نزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، فيُســتبعد أن يكون عيسى النبي هو الرسول الذي يريد الله تعالى اظهاره على الدّين كلّه، لأنّ المتسالم عليه بين أبناء العامّة أنّ عيسى النبي سيعتنق الدّين الإسلامي، وسوف يصلي صلاة المسلمين خلف مســلم –وهو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)(7)، فمن المحال أن يدعو عيسى النبي العالم إلى دين المسيحية ويظهره الله تعالى على الدّين كلّه ويكون الدّين السائد هو المسيحية. بـل لابد أن يكون المرسل الذي يظهره على الدّين كلّه يدين بالأصل بالدّين الإسلامي، وهو أفضل من عيسى النبي؛ لشرفية مقامه –حيث يصلّى عيسى النبي خلفه-، ولخاتمية دينه –فالدّين الإسلامي هو خاتم الأديان ولا دين بعده-، ولأفضلية نبيّه (صلى الله عليه وآله) –فنبي الإسلام أفضل الأنبياء وأسبقهم شهادةّ لله تعالى بالربوبية-، وذلك المرسل الظاهر على الدّين كلّه هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). وبهذا يتضح بطلان محاججتهم، وافتضاح احدوثتهم. *قوله: (ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي سُنَّةِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله فَأنَا أوْلَى النَّاس بِسُنَّةِ رَسُول الله) كما وأنه قد يكون هناك مَن يحاجج الإمام بالأحاديث النبوية الشريفة زاعمًا أنّها تنفي أن يكون هناك إمام يظهر في آخر الزمان يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا. - وهؤلاء المحاججون قد يكونون ممن ادّعوا التشيع، لكنهم انحرفوا فكريًا مع السفياني وجيشه، فتبدّلت قلوبهم ومواقفهم، فأصبحوا خصومًا للإمام (عجّل الله فرجه الشريف)، وأخذوا يحاججونه أن يثبت لهم أنّه الإمام المهدي، أو يطالبونه بدليلٍ روائي ينص على إمامته. وذلك لأنّ بعض مدّعي التشيع يكون إيمانهم ضعيفًا، فيلحظ عليهم التزلزلٍ في العقيدة، همجٌ رعاع، أتباع كلّ ناعق، فعندما ينعق لهم السفياني عند خروجه من منطقة درعا، يتبدل موقفهم من ولائي إلى عدائـي، وإلى ذلك أشارت الروايات مسميةً ذلك اليوم بيوم الأبدال؛ أي يوم يتبدّل موقف وعقيدة الناس، فمن كان شامخ الإيمان، صلد العقيدة، ثبت ونجا، وغيره خسر وهلك. "ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية طويلة: ثم يأتي [أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)] الكوفة... [إلى أن يقول]: حتى يأتي العذراء [أو البيداء في نسخة أخرى] هو ومن معه، وقد لحق به ناس كثير، والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة حتى إذا التقوا، وهو يوم الأبدال يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد (عليهم السلام)، ويخرج أناس كانوا مع آل محمد (عليهم السلام) إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال"(8). ويكفي في الرد عليهم ما روي عن أبيه الإمام العسكري (عليه السلام): "إِنَّ الإمام وَحُجَّةَ اللهِ مِنْ بَعْدي ابْــــني، سَمِيُّ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَكَنِيُّهُ، الذي هُوَ خــاتِمُ حُجَجِ اللهِ، وَآخِــرُ خُلَفائِهِ. قال: مِمَّنْ هُوَ يا بْنَ رَسُولِ اللهِ؟ قال: مِـن ابْنَةِ ابْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، أَلا إِنَّهُ سَيُولَدُ وَيَــغيبُ عَنِ النّاسِ غَيْبَةً طَويلَةً ثُمَّ يَــظْهَر" (9). والراد على أحد الأئمة (عليهم السلام) كالراد على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى، والراد على الله تعالى كـافر. وقد يكونون من أبناء العامة، أو النواصب ، فالمتتبع لصحاح مروياتهم يجد عين ما صرّح به الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من مصداقية كونه المهدي، واجب الطاعة، الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، حيث روي "عن أبي سعيد الخدري ، قال: قال رسول الله (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) أبشركم بالــمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قـسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ويرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى"(10). ومن خلال ذلك يمكن القول: إن الفئات المحاججة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف): 1- علماء العامة. فمن يحاجج الإمام في آيةٍ محكمةٍ مدّعيًا أنّها متشابهة لازمه أن يكون عنده معرفة بعلوم القرآن. 2- فقهاء الضلالة: كالأشخاص الذين يدّعون المرجعية، فيتصدون للفتوى الخاطئة، ويحرّضون على الفتنة، وقد جعلت بعض الروايات –عل فرض صحة سندها- وجودهم كإحدى علامات الظهور؛ "فروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة المعراج ، قال الله تعالى: (وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلهم من ذريتك من البكر البتول، ... فقلت: إلهي وسيدي متى يكون ذلك؟ فأوحى الله جل وعز: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القرّاء ، وقلّ العمل ، وكثر القتل ، وقلّ الفقهاء الهادون ، وكثر فـقهاء الضلالة والخونة..."(11). وحتمًا لا يخلو زمان ولا مكان من وجود أمثال أولئك. 3- أتباع السفياني: السفياني وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان؛ بدليل ما روي عن الإمام علي السجاد (عليه السلام): "...ثُمَّ يَخْرُجُ السُّفياني المَلْعونُ مِنَ الوادي اليابِسِ، وهُوَ مِنْ وُلْدِ عُتْبَةِ بنِ أبي سفيان..." (12) وآل سفيان لهم جذور ممتدة هناك إلى يومنا هذا، فمن المؤكد سيكون لأحدهم دور في محاججة الإمام (عجّل الله جه الشريف) ومحاولة تكذيبه. 4- النواصب: وهم الفئة التي تنصب العداء لأهل البيت (عليهم السلام). ووجودهم واضح في مكة المكرمة –موطن الظهور العلني- للإمام (عجّل الله فرجه الشريف). ______________________ (1) الميزان في تفسير القرآن: للعلاّمة الطباطبائي، ج2، ص348. (2) آل عمران: 7. (3) التوبة: 32-33. (4) الأمثل في تفسي كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي. (5) كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ص670، ح16. (6) جامع البيان: لابن جرير الطبري، ج26، ص141. (7) ظ: كتاب الفتن: لابن ماجه، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج. ومسند أحمد: لأحمد بن حنبل. والدر المنثور في التفسير بالمأثور: للسيوطي، وغيره. (8) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي: ج52، ص224، ح87. (9) إثبات الهداة: للحر العاملي، ج3، ص569، ب32، ف44، ح680، عن الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة. (10) مسند الإمام أحمد بن حنبل: لأحمد بن حنبل، 11092. (11) كمال الدين واتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ص239، ب23، ح1. (12) الغيبة: للشيخ الطوسي، ص 334-344، ح437. اللهم استأصل كل من جحد حقّه، واستهان بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره، وعجّل الفرج والنصر له، بحق محمدٍ وآله.
العقائدبقلم: أم قنوت من الطبيعي أن تزورَ حالةُ الإقبالِ والإدبارِ المؤمنَ أثناءَ تأديته لعباداتِه، ولكن من المهم أن لا يسقطَ في شراكِ الشيطانِ فيدخلَ في حزبِه ولا يقدر على الإفلاتِ. في قولِ الإمام زين العِبادِ (عليه السلام) وصفٌ بالغُ الدقةِ وصورةٌ بليغةُ المعاني وطلبٌ جريءٌ وشجاعٌ حين دعا: "فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ قَبْـلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُـكَ إلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ" (1) فليتخيل كلٌ مِنّا هذا الوصفَ: عمري مرتعٌ للشيطانِ، أي إن الشيطان يأكلُ ويشربُ ويجدُ راحتَه ويرتعُ كما ترتعُ الإبلُ في الحظيرةِ، تخيلْ هذا الوصفَ! ألا تراهُ وصفاً مُخجِلاً؟ ثم شاركني الشجاعةَ، مَن مِنّا يطلبُ الموتَ فراراً من غضبِ الله عز وجلَّ، وأيُّ شجاعةٍ تلكَ التي نَتَّصِفُ بها لِنطلبَ مثلَ هذا الطلب؟ فقد مرَّ على مسامعِنا الكثيرُ من المواعظِ والرواياتِ المتحدثةِ عن صغائرِ الذنوبِ التي تؤدي الى الكبائرِ ولكنّها على ما يبدو قد مرَّتْ مرورَ الكرامِ على عقولِنا. كيفَ يصبحُ العمرُ مرتعاً للشيطانِ؟ هل أذكرُ مواردَ جوابِ هذا السؤالَ أم أتركُه لكلٍ منا ليتفكَّرَ كيفَ جَعَلَ عُمرَه مرتعاً للشيطانِ؟ أأذكرُ بعضَ الأمثلةِ؟! صلاةٌ تتأخرُ دائماً بلا سبب، وبالأصلِ لا يُعرَفُ كم صلاة يجبُ أن تُقضى مما فاتَ، ثم إنَّ الصومَ لا يُنالُ منه غير الجوعِ والعطشِ، والأموالُ متكدسةٌ لا تُصْرَفُ في مواضِعِها، واليومُ طويلٌ والبعضُ مشغولٌ بتوافِهِه، وأزعجَ صديقٌ صديقَه بعضَ الشيءِ فاغتابَه الآخرُ كثيراً، وغضبَتْ زوجةٌ ففضلَّتْ العنادَ وتطاولَتْ على زوجِها، ومرَّ رجلٌ بامرأةٍ جميلةٍ متبرجةٍ فأطالَ النظرَ، وأخذَت الغيرةُ مأخذَها مِنْ حاسدٍ لصديقين فآثرَ أن يَنُمَّ بينهما ليفترقا، ولم يستمعْ ابنٌ لنصائحِ والِدِه بالابتعادِ عن صديقِ السوءِ فأصبحَ مدمناً للمخدراتِ، وغفا أحدُهُم ليلاً بينما كان هاتفُه لا يزالُ يصدحُ بالمحرَّماتِ، أما سيارتها فتسبِّحُ لله بينما تستمعُ هي إلى لهوِ الحديثِ.... هذا غيضٌ من فيضِ أعمالِ المرءِ وعمرِه الذي كانَ مرتعاً للشيطانِ، ولكن من رحمةِ الله عز وجلَّ وعطاءِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) يتوجهُ المرءُ بدعوةٍ في ليلةِ الجمعةِ باكياً "وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذراً نادماً.." (2) فيردّ اللهُ (عز وجل) بحسنِ كرمه عليه قائلاً: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (3). _________________ 1_ دعاء مكارم الاخلاق. 2_ دعاء كميل. 3_ سورة الزمر، آية 53.
اخرىبقلم: علوية الحسيني إنّ الإنسان بطبيعته خلق مجبولاً على فطرة كونه اجتماعياً لا انعزالياً، والحالة الاجتماعية تلك تجعل بعض المصالح متضاربة فيما لو ترك أمر تنظيم حقوق كل فردٍ سدىً دون أن يكون هناك قانون يقر الحقوق والالتزامات لكل فرد من أفراد المجتمع. هذا القانون تارةً يكون شرعياً، وهو ما حكم به الله تعالى في دستوره المخلد القرآن الكريم، والروايات المفسرة له. وتارةً يكون وضعياً، وهو ما تحكم به المحاكم القضائية اليوم الدولية والمحلية استناداً لدستور يضعه مشرّعون قانونيون؛ ولهذا سمي بالقانون الوضعي. اليوم أريد تسليط الضوء بشكلٍ مختلف على واقعةٍ حصلت منذ مئات السنين، وهي واقعة ظلامة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وسيتم عرض أفعال أعدائها على الشرع والقانون لنرى هل تعتبر جريمة ولها عقوبة، أم أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) قد خولط عقلها خبلاً -والعياذ بالله- كما يزعم أحد أعداءها (١). لنُعِدْ إحداث الواقعة اليوم وليحكم كلٌ وفق اختصاصه، ومن لا اختصاص له فليجعل كتاب الله تعالى دستوراً يستخرج منه عقوبة أولئك الأشخاص. وعليه ينعقد هذا المقال على استقلال كل مطلب بجريمةِ اولئك الشرذمة، والمطلب الأخير سيأخذنا إلى العيش في زمن الدولة الإسلامية العادلة المتمثلة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). المطلب الأول: عقوبة مَن أحرق داراً لغيره. الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: روي عن "علي عليه السلام أنه قضى فيمن ... أو قطع شجرا أو أفسد زرعا أو هدم بيتا ... أن يغرم قيمة ما أفسد واستهلك ويضرب جلدات نكالا وان أخطأ لم يتعمد ذلك فعليه الغرم ولا حبس عليه ولا أدب..." (٢) -في فقه أبناء العامة: "... وأما ما تلف من الأرض بفعله، أو سبب فعله، كهدم حيطانها، وتغريقها، وكشط ترابها، وإلقاء الحجارة فيها، أو نقص يحصل بغرسه أو بنائه، فيضمنه بغير اختلاف في المذهب، ولا بين العلماء؛ لأن هذا إتلاف، والعقار يضمن بالإتلاف من غير اختلاف" (٣) الفرع الثاني: قانوناً "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمسة عشر سنة كل من اشعل النار عمدًا في مال منقول... إذا كان من شأن ذلك تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر" (٤). المطلب الثاني: عقوبة مَن انتهك حرمة مساكن وملك الغير. الفرع الأول: شرعاً: -في فقه الشيعة: روي "عن عبد العزيز بن محمد أنّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أخذ أرضا بغير حقها أو بنى فيها قال: يرفع بناؤه ويسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر (٥) -في فقه أبناء العامة: عن أبى بكرة أنّ النبي (صلى الله عليه [وآله]) قال: "إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ..." (٦) الفرع الثاني: قانوناً "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين: من دخل محلا مسكونًا أو معدا للسكنى أو أحد ملحقاته وكان ذلك بدون رضاء صاحبه وفي غير الأحوال التي يرخص فيها القانون بذلك" (٧) المطلب الثالث: عقوبة جريمة مَن آذى إنساناً بالترويع والضرب؟ الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: "حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى عليهما السلام قالت: سمعت أبي عليا يحدث عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه وعمه زيد عن أبيهما علي بن الحسين عن أبيه وعمه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"(٨). أيضاً وقال الصدوق في مناهي النبي صلى الله عليه وآله: "ألا ومن لطم خد مسلم أو وجهه بدد الله عظامه يوم القيامة، وحشر مغلولا حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب" (٩). وعن "علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللطمة يسود أثرها في الوجه أن أرشها ستة دنانير، فإن لم تسود واخضرت فإن أرشها ثلاثة دنانير فإن احمرت ولم تخضر فإن أرشها دينار ونصف" (١٠) -في فقه ابناء العامة: عن النعمان بن بشير عن النبي (صلى الله عليه[وآله]) أنه قال: لا يحل لرجل أن يروع مسلمًا"(١١) الفرع الثاني: قانوناً "من اعتدى عمدا على آخر بالجرح أو بالضرب أو بالعنف أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون فسبب له اذى أو مرضا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة التي لا تزيد على ثلاث مائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتيتن: أ- اذا نشأ عن الاعتداء كسر عظيم. ب-اذا نشأ عن الاعتداء أذى أو مرض أعجز المجني عليه عن القيام بأشغاله المعتادة مدة تزيد على عشرين يوما" (١٢) المطلب الرابع: عقوبة جريمة مَن أجهض جنيناً لامرأةٍ الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: عن "علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس أو غيره، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دية الجنين خمسة أجزاء خمس للنطفة عشرون دينارا، وللعلقة خمسان أربعون دينارا، وللمضغة ثلاثة أخماس ستون دينارا، وللعظم أربعة أخماس ثمانون دينارا..." (١٣). -في فقه أبناء العامة: (وإن ضرب بطنها ، فألقت جنينا حيا ، ثم مات من الضربة، ففيه دية حر إن كان حرا، أو قيمته إن كان مملوكا، إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله، وهو أن يكون لستة أشهر فصاعدا) هذا قول عامة أهل العلم . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن في الجنين ، يسقط حيا من الضرب ، دية كاملة ، منهم ; زيد بن ثابت ، وعروة ، والزهري ، والشعبي ، وقتادة ، وابن شبرمة ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ; وذلك لأنه مات من جنايته بعد ولادته ، في وقت يعيش لمثله ، فأشبه قتله بعد وضعه" (١٤). الفرع الثاني: قانوناً "يعاقب بالحبس من اعتدى عمدا على امرأة حبلى مع علمه بحبلها بالضرب او بالجرح او بالعنف...دون ان يقصد اجهاضها وتسبب عن ذلك اجهاضها" (١٥) المطلب الخامس: عقوبة جريمة مَن غصب أرضاً الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر" (١٦) -في فقه أبناء العامة: (ومن غصب أرضا ، فغرسها ، أخذ بقلع غرسه وأجرتها إلى وقت تسليمها ، ومقدار نقصانها ، إن كان نقصها الغرس) الكلام في هذه المسألة في فصول : أحدها، أنه يتصور غصب العقار من الأراضي والدور، ويجب ضمانها على غاصبها. هذا ظاهر مذهب أحمد وهو المنصوص عن أصحابه، وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن" (١٧) الفرع الثاني: قانوناً القانون المدني تعرض لهذا التصرف وعدّه تجاوزاً غصبياً "فيلزم الغاصب بردة مع أجر مثله وإذا تعرض العقار إلى تلف ولو بدون تعد من الغاصب لزمة الضمان"(١٨) هذا ما اشارت له المادة 197 من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 . المطلب السادس: تحريك الدعوى الجنائية. في زمن ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) فهو أرواحنا فداه سيحرّك الدعوى ويقضي فيها ويقتص من شياطين الظلم والجور، روي "عن الإمام الصادق عليه السلام: إذا قام الإمام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله حكم بين الناس بحكم داوود عليه السلام، لا يحتاج الى بينةٍ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قومٍ بما استبطنوه" (١٩) فالإمام لا يحتاج إلى شهود، ولا ادّعاء عام، ولا تحقيق، بل سيحكم بما أفاضه الله تعالى عليه من فطنة تكشف ما يبطنه المجرمون. لكن أقل ما يمكننا فعله اليوم، هو تحريك دعوى قضائية إلى قاضي محكمة الدولة الإسلامية الجعفرية المتمثلة بالإمام المهدي (أرواحنا فداه) فباسمي واسم جميع الشيعة نقدم عريضة دعوى تحقيق: م/النظر في جريمة قتل السيّدة زهراء محمد (عليها السلام) المدعي: جميع الشيعة المدعي عليه: أبناء السقيفة بسم الله الرحمن الرحيم السيد قاضي محكمة تحقيق الكوفة الإمام المهدي (عليه السلام). نرجو من سيادتكم التحقيق في سبب استشهاد السيدة الزهراء ابنة محمد (صلى الله عليه وآله)، والتحقيق مع من شرع بحرق باب دارها، ولطمها، وتسبب في اسقاط جنينها وكسر بعض أضلاعها، وهتك حرمة بيتها بدعوى أنه يريد مبايعة زوجها لأحدى الولايات. وشهد على ذلك كل من: ١-علي بن ابي طالب ٢- الحسن بن علي ٣-الحسين بن علي ٤-أسماء عميس ولسماحتكم الشكر والتقدير. التوقيع: □□□ الشيعة. عندئذٍ سيصدر مولانا قاضي التحقيق (عليه السلام) مذكرة توقيف. المطلوب تبليغه: أبناء السقيفة تقرر حضوركم للمحكمة الجنائية الجعفرية في الكوفة في اليوم الفلاني؛ نتيجة الدعوة المرفوعة عليكم من شيعة الزهراء (عليها السلام) وفي حال عدم حضوركم في الزمان والمكان المعينين سيتم إلقاء القبض عليكم وفق القانون المهدوي. ثم يصدر الإمام مذكرة أمر قبض وتحري آمرًا موظفيه: إلى جميع أعضاء الضبط القضائي وأفراد الشرطة أنكم مأذونون ومكلفون بالقبض على المدعو فلان وفلان وفلان؛ كونه متهمًا بجريمة حرق وضرب وترويع وغصب أموال السيدة فاطمة محمد (عليها السلام). لذا نفوضكم بالاحتفاظ بالمجرمين تحت الحراسة وتوقيفهم، حتى يتم إحضارهم أمامنا كي يجيبوا على الجرائم التي ارتكبوها، المعاقب عليها بمقتضى المادة (..) من القانون المهدوي. القاضي: الإمام المهدي. الختم◇. _____________________ (1) التعليق على صحيح مسلم: للعثيمين، ج٩، كتاب الجهاد والسير، ص٨٧. (2) جامع احاديث الشيعة: للبروجردي، ج١٩، ص٨٠، ح١. (3) المغني: لابن قدامة، ج٥، م٣٩٣٣. (4) قانون العقوبات العراقي المعدل لسنة ١٩٦٩، م٣٤٢. (5) جامع احاديث الشيعة: للبروجردي، ج١٩، ص٧٧، ح١. (6) صحيح البخاري: للبخاري، كتاب الفتن، ح٦٦٦٧. (7) قانون العقوبات العراقي، م٤٢٨. (٨) عيون أخبار الرضا عليه السلام: للشيخ الصدوق، ج٢، ص٧٠، ح٣٢٧. (9) امالي الصدوق: للشيخ الصدوق، ص٢٥٠. ونقل عنه في بحار الأنوار، ج٧٢، ص١٤٨. (10) فروع الكافي، ج٧، كتاب الديات، باب الخد، ص٣٣٣، ح٤. (11) الترغيب والترهيب: للمنذري، ج٣، ح٢٨٠٦. (12) قانون العقوبات العراقي، م٤١٣، ف٢. (13) فروع الكافي: للشيخ الكليني، ج٧، ص٣٤٣، ح٢. (14)) المغني: لابن قدامة، كتاب الديات، مسألة ضرب بطنها فألقت جنيناً حياً ثم مات ٦٨٥٨. (15) قانون العقوبات العراقي، م٤١٩. (16) جامع احاديث الشيعة: للبروجردي، ج١٩، ص٧٧، ح١. (17) المغني: لابن قدامة، كتاب الغصب، مسألة غصب أرضا فغرسها ٣٩٣٣. (18) ظ: القانون المدني العراقي رقم ١٧٠ لسنة ١٩٥١، م١٩٧. (19) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج٥٢، ص٣٣٩. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون، وحسبنا الله وكفى، سمع الله لمن شكى، وعجّل لمن يُندب ويُبكى.
اخرىبقلم: علوية الحسيني "فَمَنْ حَاجَّنِي فِي آدَمَ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِآدَمَ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي نُوح فَأنَا أوْلَى النَّاس بِنُوح، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِإبْرَاهِيمَ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِمُحَمَّدٍ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي النَّبِيَّينَ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِالنَّبِيَّينَ، ألَيْسَ اللهُ يَقُولُ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: ((إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))؟ فَأنَا بَقِيَّةٌ مِنْ آدَمَ، وَذَخِيرَةٌ مِنْ نُوح، وَمُصْطَفًى مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَصَفْوَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله". بعد أن يعرّف الإمام نفسه وأهله للعالم، يبدأ يرد على خصومه الذين حاجّوه شخصيًّا أو حاجّوا أجداده (عليهم السلام)، وحاولوا الالتفاف على أحقيتهم (عليهم السلام) في الإمامة. والمحاجّة هي: "إلقاء الحجة قبال الحجة لإثبات المدعي أو لإبطال ما يقابله"(1) بدأ الإمام يعدّد من حاجّوه بهم، وهم الأنبياء آدم، نوح، ابراهيم، محمد (عليهم السلام)، ثم سائر الأنبياء عمومًا. ولمفردة (أولـى) معانٍ عديدة، إلاّ أنّ ما يناسب سياق الخطاب هو: "أولى أفعل تفضيل بمعنى الأحــرى، وخبر لمبتدأ محذوف يقدر كما يليق بمقامه"(2) فالتقدير: هؤلاء الأنبياء أنــا أولى بهم منكم. فبعد أن يجملَ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يبدأ يفصّل في كلامه؛ فيبيّن كيف يكون هو أولــى الناس بالأنبياء، لكن قبل ذلك يستنطق من يحاجّونه، فيسألهم ببـلاغةٍ واضحة؛ بصيغة الاستفهام التوبيخي بقوله: " ألَيْسَ اللهُ يَقُولُ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: {إِنَّ اللهَ اصـــْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم}؟ والتوبيخ هو لوم القوم، واستقباح إنكارهم له، والعيبة عليهم؛ إذ هذا كتاب الله تعالى بين أيديهم ولــم يتدبروا بآياته، ورغم ذلك يحاجّون أولياء الله تعالى! والمتأمل في خطاب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يجد مدى ذوبانه في كتاب الله تعالى واتقان علومه؛ بدليل أنّه (عجّل الله فرجه الشريف) لم يقل ((أليس الله يقول في كتابه)) بــل أضاف قيدًا قيّد به آيات الله تعالى، فقال: ((أليس الله يقول في مُـحكم كتابه))؛ لأنّ كتاب الله تعالى فيه من الآيات ما هي مُحكمات، وما هي مُتشابهات، والفارق بينهما مهم جدًا. قـيل: "إنّ المُحكم هو كل كلام فصيح الألفاظ صحيح المعاني، وكل بناء وثيق أو عقد وثيق لا يمكن حله فهو (محكم)، فالمحكم هو الذي يحـتمل وجـهاً واحداً...، وقيل هو الذي يدل معناه بوضوح لا خفاء فيه"(3). والمُتشابَه عكس المحكم أي يحتمل النص وجوهًا عديدة. وهذا التقسيم قد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم قائلاً: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّــحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات}(4). فـمراد الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) أنّ القوم لو كانوا قد تدبروا بآيات الله تعالى لـعرفوا مقام حجّة الله عند ظهوره بدلاً من محاججته وعدم الإيمان به. و محاججتهم وعدم إيمانهم بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) لا تخلو من وجهين: 1/ أنّهم يجهلون آيات الله تعالى، فتكون محاججتهم لغوًا، فوظيفة الإمام تجاههم عندئذٍ هي الإعراض عنهم؛ امتثالاً لقول ربّه: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضــُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجـــَاهِلِين}(5). 2/ أنّهم يعلمون، بآيات الله تعالى، وعلى دراية بوجود آيات محكمات وأُخر متشابهات، وما يتلو الإمام (عجّل الله فرجه الله فرجه الشريف) عليهم هي آية محكمة لا يشتبه في فهمها عاقل إلاّ أنّهم يجحدونها، ويجحدون شخص الإمام وإمامته، لكن رغم ذلك فالنصر حليف الإمام كما وعد الله تعالى في كتابه الكريم كل الرسل الذين جحد قومهم بهم وبآيات الله تعالى التي يستدلون بها، قال سبحانه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَــجْحَدُونَ* وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّه}(6). وكلام الإمام مع الصنف الثاني –الذين يعلمون بآيات الله ويجحدونها- ويبدو أنّهم مصداق لأهل الفتنة الذين يريدون تأويل الآيات المحكمة إلى متشابهة؛ حتى يشتبه ويختلط على الناس أمر الإمام فينكروه، وبالتالي حتى لا يؤمنوا به، وماذا يترجى من النواصب ومتزلزلي العقيدة؟! ومستند ذلك قول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْـــغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفــِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه}(7). والآية المحكمة التي استدل بها الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هي: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين}(8). وهي الآية التي سأل مخالفيه عن وجودها في كتاب الله تعالى توبيخًا لهم بعدم التفاتهم إليها قبل محاججتهم . والاصطفاء: هو "...أخذ صفوة الشيء وتخليصه مما يكدره فهو قريب من معنى الاختيار، وينطبق من مقامات الولاية على مقام الإسلام، وهو جري العبد في مجرى التسليم المحض لأمر ربه فيما يرتضيه له"(9). "وقد ذكر سبحانه في هؤلاء المصطفين آدم ونوحًا، فأما آدم فقد اصطُفى على العالمين بأنه أول خليفة من هذا النوع الإنساني جعله الله في الأرض، قال تعالى: ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ البقرة: 30، وأول من فتح به باب التوبة... . وأما آل إبراهيم فظاهر لفظه أنهم الطيبون من ذريته كإسحاق وإسرائيل والأنبياء من بني إسرائيل وإسماعيل والطاهرون من ذريته، وسيدهم محمد (صلى الله عليه وآله)"(10). وبما انّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من ذرية النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) فهو مشمول بإطلاق الآية الكريمة، بالإضافة عن الروايات – حتى في كتب المخالفين- التي أثبتت أنّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) من ذرية محمّد النبي (صلى الله عليه وآله)، فضلاً عن الروايات في كتب الشيعة التي أثبتت أنّه (عجّل الله فرجه الشريف) أفــضل الأئمة التسعة الذين سبقوه في الإمامة (عليهم السلام). فالله تعالى اصطفى أو انتجب المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا، والمنتجب: هو "المختار من كل شيء، وقد انتجب فلاناً إذا استخلصه، واصطفاه اختياراً على غيره"(11). وبالتالي يكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من المصطفَين، فهو من ذرية أهل الاصطفاء الإلهي؛ فالمتتبع للسياق الآية الكريمة التي يتلوها الإمام يجد أنّ الآية التي تليها لها ارتباط وثيق بالمضمون، حيث قال الله تعالى فيها: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّــةً بَعْضـــُهَا مِــن بَــعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}(12). وذيل الآية الكريمة لا يخلو من نكتة عقائدية مهمة، حيث ختمت الآية بصفتين من صفات الله تعالى –السمع والعلم- وإن كانت صفة السمع تعود لعلمه تعالى -فمعنى كونه تعالى سميعًا أي يـعلم بالمسموعات- وبالتالي ظهور الآية الكريمة مفاده: أنّ أهل الاصطفاء هم النبي آدم، ونوح، وآل ابراهيم، وآل عمران، وذريتهما المؤمنة، وأنّ الله تعالى يعلم بوجود أجيال تجحد اصطفائية اولئك الأنبياء، أو آلهم، أو أحد ذراريهم المنصوص عليهم، وبالتالي يكون تنصيب مقام الاصطفاء إلهي محض، والراد على أمر الله تعالى ليس بمسلم. ثم يشرع الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) ببيان سبب أولويته من الناس بأولئك الأنبياء، فبعد أن عرفنا معنى الأولى، سيتضح لنا تعليل تلك الأولوية. *فقوله: (فَأنَا بَـــقِيَّةٌ مِنْ آدَمَ) المراد من لفظة بقية: "ما بقي من الشيء. وقوله تعالى: بقية الله خير لكم"(13). فالإمام (عجّل الله فرجه الشريف) باقٍ من الله تعالى عن طريق أول مخلوق بشري له في عالم الدنيا، وهو الـنبي آدم (عليه السلام). نعم، إنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) أفضل من النبي آدم؛ بلحاظ أسبقية الإمام بالإقرار بالربوبية لله تعالى قبل النبي في عالم الذر؛ ففي عالم الذر وبعد أن خلق الله تعالى مخلوقاته بهيأة ذرات [على رأي]، نثرهم وسألهم مَن ربّكم، فكان أول من أجاب بالشهادة هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) فروي "عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ أن أَبَا عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) قال: فَلَمَّا أَرَادَ الله أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلام) وَالائــِمَّةُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا..." (14). *وقوله: (وَذَخِيرَةٌ مِنْ نُوح) الإذخار هو الاختيار، أو الاتخاذ، فيقال: "واذَّخَرَهُ : اختارَهُ ، أو اتَّخَذَهُّ"(15). لعلّ مقصود الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) أنّ هناك وجه مشابهةٍ بينه وبين النبي نوح (عليه السلام) بلحاظ طول عمره، واستهزاء قومه وجحودهم به. *وقوله: (وَمُصْطَفًى مِنْ إِبْرَاهِيم) عرفنا أنّ الاصطفاء: هو "...أخذ صفوة الشيء وتخليصه مما يكدره فهو قريب من معنى الاختيار، وينطبق من مقامات الولاية على مقام الإسلام، وهو جري العبد في مجرى التسليم المحض لأمر ربه فيما يرتضيه له"(16). فلعل مراد الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هو أنّه مختار لأن يكون من آل ابراهيم النبي (عليه السلام) بل أفضلهم، تبعًا لأفضلية جدّه محمد (صلى الله عليه وآله) على سائـر الأنبياء (عليهم السلام)، وهذا ما تسالم عليه العامة والخاصة، فروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا ســيّد ولد آدم"(17). فممكن الاستدلال على اصطفائية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من خلال عدة طرق، نذكر منها اثنين: أما الأول فآية المباهلة التي تثبت أفضلية أهل الكساء المساوية لأفضلية النبي (عليه وعليهم السلام) إذ لـم يأمر الله تعالى أحدًا من أنبيائه بالمباهلة مع آله ســوى محمد وآله (عليهم السلام). -وأما الثاني فهو صلاة النبي عيسى (عليه السلام) خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) عند نزول النبي من السماء في عصر الظهور، وهذا الفعل يكشف لنا اصطفائيـة وأفضـلية الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) على النبي عيسى (عليه السلام) وهو من أنبياء أولي العزم. *وقوله: (وَصَفْوَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله) الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) ليس من ديدنه تكرار المفردات التي ظاهرها يشير إلى إفادتها معنى واحدًا، فلعل قائل يقول: هناك شبه بين (اصطفاء وصفوة). فيجاب: بمضمون حديث عن أهل البيت (عليه السلام) مفاده أنّ حديثهم صعبٌ مستصعب لا يحتمله إلاّ ثلاثة، منهم عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان. فمن أراد أن ينجح في ذلك الامتحان الإلهي عليه أن يذعن ببلاغة الإمام (عجّل الله فرجه الشريف)، فهناك فارق بين الاصطفاء والصفوة، نظير ما جاء في الآية الكريمة بشأن مريم بنت عمران: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاك} فالاصطفاء الأول يختلف عن الثاني، فهكذا كلام الإمام. فلعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يريد أن يقول: إنّه صفوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في وقت ظهوره، فإنه آنذاك لا صفوة للنبي سواه. أو لعل المقصود هو أنّه (عجّل الله فرجه الشريف) الصفوة مـِن أهل البيت (عليهم السلام)، لكن مع ضم القرينة الخارجية المنفصلة التي تدل على أفضلية أهل الكساء عليه –الإمام علي والحسنين والزهراء عليهم السلام- أي إنه أفضل أهل البيت (عليهم السلام) عدا أهل الكساء للقرينة الخارجية. فروي "عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ان الله اختار من كل شيء شيئاً... إلى أن يقول وتكمله اثني عشر إماماً من ولد الحسين تــاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفــضلهم وهو قــائمهم"(18). ويكون كلامًا معتمدًا على قرينة منفصلة ويصح معها الإطلاق عليه بأنه الصفوة، ولهذا قال (عجّل الله فرجه الشريف) "صـفوةٌ مِـــن محمد" ولم يقل "صفوة على محمد" فببلاغة كلامه استعمل مِن التبعيضية دلالةً منه على وجود مجموعة هم الصفوة وهو منهم، على أن منهم من أفضل منه، وهم محمد وعلي وفاطمة والحسنان (عليهم السلام) للقرينة الخارجية كما تقدم؛ لوصول موروث أجداده إليه بذلك؛ حيث روى الصَّدوقُ بإسناده عن الإمام الرِّضا (عليه السلام) عن آبائه عن النَّبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "الحسنُ والحسينُ خــيرُ أهلِ الأرضِ بعدِي وبعدَ أبِيهِما، وأمُّهُما أفضلُ نساءِ أهلِ الأرض"(19). ___________________ (1) الميزان في تفسير القرآن: للعلاّمة الطباطبائي، ج2، ص348. (2) المصدر نفسه، ج20، ص115. (3) الاصول العامة للفقه المقارن: محمد تقي الحكيم، 101، الإتقان: للسيوطي، ج2، ص 2-3. (4) آل عمران: 7. (5) القصص: 55. (6) الأنعام: 33-34. (7) آل عمران: 7. (8) آل عمران: 33. (9) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج3، ص164. (10) المصدر نفسه، ص165-166. (11) لسان العرب: لابن منظور، ج1، ص749. تاج العروس: للزبيدي، ج2، ص418. (12) آل عمران: 33-34. (13) لسان العرب: لابن منظور، ج 14، ص80. (14) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، باب العرش والكرسي، ح7. (15) ظ: المصدر نفسه، ج4، ص302. (16) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج3، ص164. (17) ظ: صحيح مسلم، كتاب الفضائل باب تفضيل نبيّنا على جميع الخلائق، سنن الترمذي 2 / 195، مسند أحمد 1/5. (18) الغيبة: للنعماني، ص73. (19) عيون أخبار الرِّضا: للشيخ الصدوق، ج2، ص67. وَالسَّلامُ عَلى حُجَّةِ الْمَعْبُودِ وَكَلِمَةِ الَمحْمُودِ، الحُجَّة ابنِ الحَسَن المُنقِذ المَوعُود، والصَلاةُ وَالسلامُ عَلَى مُحمّدٍ وَآلهِ أهل الكَرَم والجُود.
اخرىبقلم: علوية الحسيني "يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ وَمَنْ أجَابَنَا مِنَ النَّاس، وَإِنَّا أهْلُ بَيْتِ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أوْلَى النَّاس بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله" هذا أول جزءٍ من خطبةٍ للإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، يخاطب الناس في أولِ ظهورٍ علني له، مسندًا ظهره إلى الكعبة, معرّفًا بنفسه لهم. وكل فقرةٍ من هذا المقطع الدعائي تحتمل وجهين، أحدهما يحتمل أن يتكلم الإمام عن نفسه (عليه السلام) خصوصًا، والآخر عن أهل البيت (عليهم السلام) عموماً وهو منهم ضمنًا. فقوله (عليه السلام):"يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ وَمَنْ أجَابَنَا مِنَ النَّاس" لعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير لأهل البيت عمومًا، فيكون مقتضى كلامه: أنّه استعمل اسلوب النداء حينما بدأ يخاطب ويطلب النصرة من الله تعالى، وممن أجاب دعوته (عجّل الله فرجه الشريف)، وهي الدعوة الى الله تعالى، حيث قال "إنّــا" إشارة منه إلى ديدن أهل البيت (عليهم السلام) بصورة جمعية، فهم عندما تتكالب الأعداء عليهم يطلبون النصرة من الله تعالى، ومن مواليهم، فيشكلون قوة رادعة بوجه الأعداء -وان كانوا قلة؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة. وسيرة الأطهار كفيلة ببيان ذلك. ولعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير إلى شخصه الكريم، مستعملاً أسلوب التفخيم والتعظيم بقوله "إنّــا" فيكون مقتضى كلامه: أنّي أيضًا أطلب النصرة من الله تعالى وممن يواليني. يذكر أنّ أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يجيبون دعوته رغم اختلاف مناطقهم وجنسياتهم، فأين ما يكونوا يأت بهم الله تعالى عند مولاهم؛ فعن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام)، قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: ١٤٨]، إنَّهم ليُفتَقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكّة، وبعضهم يسير في السحاب يُعرَف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه، قال: قلت: جُعلت فداك، أيّهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً"(1). قوله (وَإِنَّا أهْلُ بَيْتِ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدٍ) لعل مراد الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هو أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل بيت النبي الذي تدين به البلدة التي يكون ظهوره فيها، وهي مكة المكرمة؛ فيبدأ يعرّف بأهل البيت لطائفة تخالفه في المعتقد، لا تقول بإمامة الإمام علي والأئمة من بعده (عليهم السلام)، بل تعتقد بخلافة السقيفة. ومن المؤكد أنه يستدل لهم بما لا يقبل الشك، وبما يؤدي إلى القطع واليقين. ولعل مراد الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) التعريف بنفسه كونه فردًا من أهل بيت محمد (عليهم السلام) فإنّه بدأ يعرف بنفسه (عليه السلام) بأنه من أهل البيت (عليهم السلام). وكون المهدي من أهل البيت (عليهم السلام) هو ما دلّ عليه النقل عند العامة والخاصة، فقد روي "عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية ، عن أبيه، عن علي (ر) قال: قال رسول الله (ص[صلى الله عليه وآله]) المهدي منّــــا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"(2). كما وروي "عن النبي (ص[صلى الله عليه وآله]) أنه قال : لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلًا من أهل بيتي يواطيء اسمه اسـمي واسم أبيه اسم أبـي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورا"(3). وروي عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم (عليهم السلام)"(4). قوله "وَنَحْنُ أوْلَى النَّاس بِالله" لعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير لأهل البيت عمومًا، فيكون مقتضى كلامه: نحن أهل البيت أفضل الناس عند الله، وأقربهم منزلة منه، وأكثرهم معرفة به. ودليل هذا نجده في الأدعية والزيارات التي صدحت بتلك الأولوية، ففي الزيارة الجامعة الكبيرة: "مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ"(5). فبواسطة أهل البيت (عليهم السلام) عرفنا أصول الدّين من توحيد الله تعالى وعدله ووجوب بعثته للأنبياء والأئمة ووجود معاد- وإن كان العقل أيضًا يدل على ذلك، لكن قولهم يزيد من اطمئنان الفرد وصحة ما توصل إليه عقله- كما بواسطتهم عرفنا التكاليف الإلهية من فروع الدّين من صلاة وصوم وحج وزكاة وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وولاية أولياء الله وبراءة من أعداء الله. ولعله (عجّل الله فرجه الشريف) يشير إلى نفسه بالخصوص، مستعملاً ضمير التفخيم والجمع "نـحن"، فيكون مقتضى كلامه: أنه أولى الناس بالله؛ كونه الإمام المجعول من الله تعالى، خليفة له على الأرض، وإمامًا مفترض الطاعة. ولمفردة (أولـى) معانٍ عديدة، إلاّ أنّ ما يناسب سياق الخطاب هو: "أولى أفعل تفضيل بمعنى الأحرى، وخبر لمبتدأ محذوف يقدر كما يليق بمقامه"(6) فالتقدير: نحن أهل البيت أولى منكم بالله تعالى. وعلى كلا الاحتمالين في توجيه الضمير نحن -بكونه عائدًا لأهل البيت عمومًا أو للإمام المهدي (عليه وعليهم السلام) خصوصًا- فإنهم يـكونون أفضل الناس عند الله تعالى، فأصبحوا أولياء الله، قال تعالى مبيّنًا للفظة الأولياء: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون}(7), فأوّل صفةٍ وصفهم الله تعالى بها هي الإيمان، ولـعل الله تعالى يشير إلى إيمان أهل البيت جميعهم بالله تعالى(عليهم السلام) بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وإقرارهم بالربوبية في عالم الذر، ففي عالم الذر وبعد أن خلق الله تعالى مخلوقاته بهيأة ذرات [على رأي] نثرهم وسألهم: مَن ربّكم؟ فكان أول من أجاب بالشهادة هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، فقد روي "عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ أن أَبَا عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) قال: فَلَمَّا أَرَادَ الله أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلام) وَالائــِمَّةُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا..."(8). وأسبقيتهم على غيرهم بإقرارهم (عليهم السلام) بـالربوبية لله تعالى في عالم الذر كان مقدّمة لتحميلهم العلم الإلهي، وجعلِهم أولياء على خلقه وخلفاءه على بريته. والروايات الشريفة وصفت هذا الحدث العظيم بأنّ الله تعالى جعلهم (صلوات الله عليهم) حملة عرشه. فقد روي "عَنْ دَاوُدَ اَلرَّقِّيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمٰاءِ » فَقَالَ: مَا يَقُولُونَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّ اَلْعَرْشَ كَانَ عَلَى اَلْمَاءِ وَ اَلرَّبُّ فَوْقَهُ. فَقَالَ: كَذَبُوا مَنْ زَعَمَ هَذَا فَقَدْ صَيَّرَ اَللَّهَ مَحْمُولاً وَ وَصَفَهُ بِصِفَةِ اَلْمَخْلُوقِ وَ لَزِمَهُ أَنَّ اَلشَّيْءَ اَلَّذِي يَحْمِلُهُ أَقْوَى مِنْهُ. قُلْتُ بَيِــّنْ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ. فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ حَمَّلَ دِينَهُ وَ عِلْمَهُ اَلْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ جِنٌّ أَوْ إِنْسٌ أَوْ شَمْسٌ أَوْ قَمَرٌ فَلَمَّا أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ اَلْخَلْقَ نَثـَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُـــولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِــيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اَلْأَئِمَـــّةُ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا فَــحَمَّلَهُمُ اَلْعِلْمَ وَ اَلدِّينَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ هَؤُلاَءِ حَــــمَلَةُ دِيــنِي وَ عِــلْمِي وَ أُمَــنَائِي فِي خَلْقِي وَ هُمُ اَلْمَـــــسْئُولُون"(9). وهنا لعلّ سائلًا يسأل: هل أنّ ولاية أهل البيت (عليهم السلام) فقط على بني جنسهم؟ أي فقط على البشر من أنبياء ورسل وسائر الناس؟ أم تمتد ولايتهم الجعلية وتشمل حتى الملائكة فيكونون (عليهم السلام) أولياء على الناس والملائكة؟ جواب تلك الأسئلة يتضح من خلال تتمة الرواية المتقدمة "... ثُمَّ قَالَ[الله وسبحانه تعالى] لِبَنِي آدَمَ: أَقِرُّوا لِلَّهِ بِــالرُّبُوبِيَّةِ وَ لِهَؤُلاَءِ اَلنَّفَرِ[النبي والأئـمة عليهم السلام] بِــالْوَلاَيَةِ وَ اَلطــَّاعَةِ. فَقَالُوا[المـلائكة]: نَعَمْ رَبَّنَا أَقـْرَرْنَا، فَقَالَ اَللَّهُ لِلْمَلاَئِكَةِ: اِشْـــهَدُوا. فَقَالَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ: شــَهِدْنَا..."(10). كما أنّ أولوية أهل البيت (عليهم السلام) على غيرهم كانت لأسبابٍ اخرى محل آثارها في عالم الدنيا, منها: 1- تنزههم عن دناءة الآباء وفجور الأمهات، فأهل البيت –والإمام المهدي منهم- (عليهم السلام) معروفون بطيب المولد, والعفاف المستقيم. 2- سلامة الخِلقة، فجميعهم (عليهم السلام) متصفون بسلامة الأبدان من التشوهات والأمراض التي تنفر الناس من الإيمان بهم كأئمة واجبي الإتباع بجعلٍ إلهي. 3- كمال الخُلق، وسيرة الأئمة (عليهم السلام) كفيلة ببيان كمال أخلاقهم ودرجة لائقية تعاملهم مع الناس. 4- كمال العقل، فالعقل الذي يتورع عن ارتكاب المعاصي، وتكون التقوى ملكة نفسانية لدى صاحبه، رغم امكانية فعله للمعاصي، لا يكون إلاّ عقلاً كاملاً، وهذا ما اتصف به أهل البيت (عليهم السلام). فجميع تلك الخصائص تجعلهم (عليهم السلام) أولى الناس بالله تعالى. والأصل في ذلك كله هو الجعل الإلهي. قوله: (وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله) الواو حرف عطف، عطف الجملة على السابقة، والمعنى نحن أهل البيت أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله). ولعل الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يشير إلى نفسه خصوصًا مستعملاً ضمير التفخيم والجمع "نـحن"، فيكون مقتضى كلامه: أنا أولى الناس بـمحمد (صلى الله عليه وآله) رغم أن هذا المعنى مستبطن في الأول. وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ المَهْديَّ مِنْ عِــتْرَتي، مِنْ أهلِ بَيْتي، يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، يُنْزِلُ لَهُ مِنَ السَّماءِ قَطْرُها، وتُخرِجُ لَهُ الأَرْض بَذْرُها، فَيَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً، كَما مَلأَها الْقَوْمُ ظُلْماً وَجَوْرا"(11). _________________________ (1) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٧٢، ب٥٨، ح٢. (2) مسند الإمام أحمد بن حنبل لأحمد بن حنبل, مسند العشرة المبشرين بالجنة, مسند الخلفاء الراشدين, ومن مسند علي بن أبي طالب (ر), ح646. (3) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية, الفصل الثاني في أن مذهب الامامية واجب الاتباع - الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه, ج4, ص95. (4) الخصال للشيخ الصدوق: ص480. (5) مفاتيح الجنان للشيخ القمي: (6) غيبة الطوسي للشيخ الطوسي: 178. (7) يونس: 62-63. (8) الكافي: للشيخ الكليني, ج1, باب العرش والكرسي, ح7. (9) المصدر نفسه. (10) المصدر نفسه. (11) غيبة الطوسي: 180. اَللّـهُمَّ اَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغ وَطاغ وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفُظْهُ مِنْ بَيْنِ يَديهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمالِه.
اخرىبقلم: زين العابدين لعل من أهم التكاليف -إن لم يكن التكليف الأوحد للمسلم في زمن الغيبة- هو الانتظار الإيجابي المقترن بالحركة والسعي الحثيث لإبقاء العلاقة الصالحة مع صاحب الزمان أولًا وتمهيد الأرضية الخصبة والصالحة لاستقبال مشروعه الإلهي ثانيًا وهذا الأمر بمجرد اقترانه بمشروع السماء لوراثة الأرض وخلافتها ليس بالأمر الهيّن. ومن هنا، فلابد أن يكون المنتظِر على وعي تام وتطوير مستمر لقابلياته الذهنية واقترابه من فكر وتراث أهل البيت (عليهم السلام) خصوصًا سيرهم (عليهم السلام) وكذا الاستفادة من القصص والدروس المذكورة في القرآن الكريم والمروية عن أهل البيت (عليهم السلام) والتي يستفاد منها وعورة الطريق في التمهيد أولًا والنصرة والتسليم للمنتظَر ثانيًا والثبات معه في مختلف الظروف ثالثًا، فإن كل مرحلة من هذه المراحل تمثل عقبة وامتحانًا يتساقط فيه المنتظرون أفواجًا إذا لم يتسلحوا بالوعي والمعرفة بالقدر الذي يكفي لأن يجتازوا هذه العقبات. وإن من القصص العجيبة والمخيفة التي وردت في القران الكريم والتي تخص المنتظرين لبعثة نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله) من اليهود ما ورد في تفسير الآية ٨٩ من سورة البقرة (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) حيث ينقل السيد الطباطبائي في تفسير الميزان هذه القصة عن مولانا الصادق (عليه السلام) اقتبستها كما هي لعظمتها ولخطرها حيث إنها تضع أيدينا على أهم البلاءات التي يُبتلى بها المنتظرون: "في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: «ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق» الآية قال (عليه السلام): كانت اليهود تجد في كتبهم أن مهاجر محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين عير وأحد فخرجوا يطلبون الموضع، فمروا بجبل يقال له حداد فقالوا حداد و أحد سواء، فتفرقوا عنده، فنزل بعضهم بتيماء، و بعضهم بفدك، و بعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم، فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه، و قال لهم أمر بكم ما بين عير و أحد، فقالوا له إذا مررت بهما فأذنا لهما، فلما توسط بهم أرض المدينة، قال ذلك عير و هذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله و قالوا له قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة بنا إلى إبلك فاذهب حيث شئت و كتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك و خيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار و اتخذنا بها الأموال و ما أقربنا منكم فإذا كان ذلك أسرعنا إليكم، و اتخذوا بأرض المدينة أموالا فلما كثرت أموالهم بلغ ذلك تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم ثم آمنهم فنزلوا عليه فقال لهم إني قد استطبت بلادكم و لا أراني إلا مقيما فيكم، فقالوا: ليس ذلك لك إنها مهاجر نبي، و ليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك، فقال لهم فإني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده و نصره فخلف حيين تراهم: الأوس و الخزرج، فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود، فكانت اليهود تقول لهم أما لو بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لنخرجنكم من ديارنا و أموالنا فلما بعث الله محمدا آمنت به الأنصار و كفرت به اليهود و هو قوله تعالى: و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا إلى آخر الآية." فنجد أن هؤلاء المنتظرين قد تركوا الأهل والأرض واستغنوا عن كل شيء وهاجروا إلى البلد الذي يعتقدون أنه بلد المنقذ الذي ينتظرونه، وكانوا يحاربون ويبذلون ويثقفون ويمهدون له، كل هذا الانتظار كان حركيًا وإيجابيًا، وربما يكون ظاهرًا انتظارًا مقبولًا عند الله وعند رسوله، ولكن بعد أن وصلوا إلى العقبة الثالثة التي ذكرناها في مقدمة المقال، وهي عقبة التسليم المطلق لأمر المنتظَر، بان الخلل واضحًا جدًا، حيث أن كل هذا البذل والانتظار والمعاناة التي عانوها، لكنهم كانوا يريدون إمامًا على مقاسهم، يريدونه كما يتمنون أن يكون، وهذا من أعظم الدروس لنا كمنتظرين لمنقذ نعتقد بأنه معصوم ويجب علينا التسليم المطلق لكل ما يصدر عنه (عليه السلام). فهل نحن مستعدون؟ فلنسأل أنفسنا هذا السؤال قبل كل حركة أو فعل: هل نحن منتظرون لإمامنا الذي نتمنى أن يلبي طموحاتنا أم نحن منتظرون للإمام كيفما كان سلوكه وحركته ولربما يكون سلوكه غير موافق تمامًا لأهوائنا و رغباتنا؟ وأخيرا نسأل الله تعالى أن يرزقنا الهمة والعزيمة على أن نكون من خيرة الممهدين والطائعين والثابتين مع مولانا صاحب الزمان (روحي له الفداء) بوعي وبصيرة لا تجعلنا نقول قبال قوله أو نفعل قبال فعله إنه أرحم الراحمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين…
اخرىبقلم: رجاء محمد بيطار "أولنا محمد، أوسطنا محمد، آخرنا محمد،... كلنا محمد" كلمات قدسية رفرفت أمام ناظري، فشدّت بصري إلى عليين... حديث نطق به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فكان -كما كل حديث شريف- نبراسًا نهتدي به، فنخرج من الظلمات إلى النور، فالله ولينا وهو رسوله،... به نؤمن ونقتدي، وبأهل بيته، بحبهم نستمسك، فهم العروة الوثقى، وهم الصراط المستقيم،... وهم كلهم "محمد"! أتوقف عند الكلمة وأتأمل مليًا ثم أغض الطرف، فمن أنا لأُفسر وأستنبط؟! ولكن قلبي يخفق فتتململ الكلمات في وجداني، وعشقي ينطق فيتمايل اليراع ويتأرجح فوق بناني، ويهتز كياني... إنه "محمد"، وإنهم "محمد"، وإن لم تكن لدي كل أدوات التفسير إلّا أنني أحمل قلبًا يعرف ربًا ويميز دربًا ويطلب من علاهم قربًا. وتنبثق من الكلمات -سوى الهدى الذي ترويه- أنوار مستفيضة... لا تعشي العيون فحسب، بل هي إلى القلوب أدنى وأقرب، تغشاها بألق مستديم لا يحول ولا يزول ولا يريم. وأخط شعاعًا من ذلك الألق فوق القرطاس، سطوري تنهج الصراط المستقيم، وكلماتي أرسمها غيضًا من فيض تلك الكلمات، بل عبيرًا فاح وراح يهز الكائنات... وأجد النجوى إليّ أقرب... فلماذا أتحدث بصيغة الغائب مع من ليس بغائب، وصيغة المخاطب هي الأنسب، لأنه في كل لحظة أمامي، يسكن فؤادي ويملأ أيامي، تمامًا كما يملأ مشاعري وكلامي... "مولاي" كلمة أرقى بها إليك... هي فوق ما أراه لنفسي أضعافًا مضاعفة... ولكن قاموس الكلمات لا يسعفني أكثر، فاعذرني ، وامنحني -أنت الجواد حتى أقصى غاية الجود- أن أُناجيك وأنا الهباء المتناثر تحت تراب قدميك... مولاي... يا كل النور المتألق في فضاء الكون... أنت بيننا، فوق رؤوسنا، متغلغل في سويداء أفئدتنا... بل أنت في متناول أبصارنا لو لم تكن كليلة دون رؤيتك، بعدما أعمتها الذنوب والأهواء والعيوب... وأنت يا مولاي تقول: "إن وجه الانتفاع بي في غيبتي كالانتفاع بالشمس إذا غطاها السحاب" إذًا تبقى لنا القلوب نستدل بها على معرفتك ونخاطبك بها في حضورك وغيبتك، يا معشوق القلوب، واسمح لي بأن أتجرأ وأقول، يا أحب حبيب ومحبوب... مولاي يا "محمد"! ويتلجلج اليراع من جديد، فبين "محمد" و"محمد" تتلاحق الأنفاس وتجهد... عذراً مولاي... عذراً، فدون ما أبغي أشواط وأميال، وأحلام وآمال، لست أدري إن كنت قادرة على بلوغ مداها، ودون ما أبغي آهات وحاجات، فعذرًا يا مولاي، عذرًا لأننا نحن البشر تغلب علينا حاجاتنا، ونتخذها دخلًا بيننا وبين أحبتنا، حتى ولو كان هؤلاء الأحبة هم أحبة الأرواح لا أحبة القلوب فحسب... ولكن، أراني اللحظةَ أتأمل وأتفكر، وما كنت ناسية لأتذكر... هي لحظات عشتها قبل سنوات، فحملتني إلى قمةٍ ما كنت أظن أن أبلغها يوماً، ولا في الأحلام، أنا القليلة القليلة حتى الانعدام... لحظة ما زلت أحياها وأتنفس شذاها، وأستلهم كنه معناها... لحظة، كنت فيها بين يدي مولى المتقين "علي"...نفس "محمد"...كان مثواه يمتد بين خافقيّ وناظريّ، هو في قلبي يحتلّ كله،...هو في وجداني يحتلّ كله، فكيف وقد أضحى أمامي في المكان حولي يحتلّه كله؟ قلت: إننا بشر تغلب علينا حاجاتنا، ولم أقل: إننا بشر تغلب علينا حواسنا وإدراكنا. وإذا المكان والزمان يتوحدان، يتداخلان. والروح والفؤاد يتداخلان؛ هاهنا مثوى يعسوب الدين، إمام المتقين وقائد الغر المحجلين... هاهنا مَن صفاته تضيق بها الحروف والكلمات، فأبحث عنها بين حنايا الخفقات والعبرات، فتسعفني وتنجدني وأذرفها مع الآهات... وتضيع كل الحاجات في ذروة ما بعدها ذروة، وتتلجلج العبارات... إذ كيف أطلب لدنيا أو لآخرة، وحاجتي الكبرى قد تناهت إليّ... لقد بلغتك يا غاية المأمول فدونك كل مأمول، وما بي حاجة إلى المزيد... فهل فوق ما أنا فيه من نعمة؟!... وهل يطلب بالغ الجنة أكثر من الجنة؟!... ...وأعود إليك يا مولاي،... ما فارقتك لأعود إليك، فكلكم "محمد"، و"علي" نفس "محمد"! حري بي وأنا بحضرتك، أنت الماثل أمامي في كل آونة "كالشمس خلف السحاب"،... أن تعتريني نفس تلك اليقظة التي اعترتني هناك، أن لا أطلب لكي أجاب،... بل أن أتدفأ وأستنير، وأنعم بدفئك ونورك بلا سؤال ولا جواب،... إذ يكفيني أن أُقبل الأعتاب، وأن أذرف دمع العشق على كل باب،... ويطرح السؤال نفسه،... مولاي،... نحن نعيش حزن السنين،... وتعيش أنت حزن الدهور... نحن على ما ابتلينا به صابرون،... وأنت أنت الصبور الشكور... نريدك يا أمل الآملين،... ولا نزرع البر في الزارعين... أنهوى رجاك ونرجو علاك،... ونمضي مع الخلق في الخائضين؟ فكيف نكون لنصرك ذخرًا،... ولسنا نمد إليك اليمين أ مولاي قد أخرتك الدهور،... وصبرك مع آلك الصابرين فهلا تنفست فينا بتقوى الإله لنصبح آل اليمين أ مولاي عذرًا، وصبرًا وشكرًا، فعفوك عفو النبي الأمين وصبرك صبر الوصي الحزين، وشكرك شكر القوي المتين فأنت "المحمد "في الأولين... وأنت "المحمد" في الآخرين،... وأنت "المحمد" في العالمين...
اخرىبقلم: أم قنوت تطّلُ النظريات العلمية المتوالية لتبهرنا بقوة العقل البشري بكل خلاياه المتناهية الصغر المتقبلة للبرمجة والتكيّف مع الأوامر، بقاعدةٍ لعلم النفس مُرادفة لما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ما ضَعُفَ بدن عمّا قويت عليه النيّة" (١). يُشير مضمون القاعدة إلى أن ممارسة ما ينوي الشخص اكتسابه من العادات يوميًا لمدة: واحد وعشرين يوماً كفيلٌ بتحويلها إلى عادةٍ ثابتة، وكعادة البحوث العلمية التي تتزاحم بـ "معَ أو ضد" وتتراكم باقتراحاتٍ جديدة، تأتي توصيات أحدث بأرقام ونتائج أكثر واقعية بأن اكتساب العادة الجديدة قد يستغرق مدة أدناها ثمانية عشر يومًا وأقصاها عشرة أسابيع حسب نوعها (٢)، فترك عادة التدخين على سبيل المثال تحتاج مدة أطول من عادة تنظيم ساعة معينة لوجبة طعام، فالأولى تستهلك عوامل مساعدة أكثر من الثانية ويأخذ الجانب النفسي منها حيزًا كبيرًا عند التطبيق. نظريةٌ تدعو إلى التفاؤل... فلو ابتدأ الشخص اليوم بالتنفيذ، فسينتهي بعد عام واحد مكتسباً ما لا يقل عن خمس عادات على أقل تقدير. ولو كانت منها واحدة على الأقل في الجانب الديني فالنتائج ستصبح أكثر إبهاراً، فاستغلال فترة مُستقطعة من اليوم لأداء ما فات من الصلوات لقضائها سيصبح عادة، وقراءة دعاءٍ ما يوميًا سيصبح عادة، وعندها سيُنفَّذ قول الإمام الصادق (عليه السلام) بحذافيره حيث بالفعل لن يضعف البدن عمّا قويت عليه النيّة. ما كانت النيّة أن يكون المقال علميًا جافًا وإن كانت المعلومة المذكورة مفيدة، لذا سافِرْ معي في رحلة روحانية لنطبّق يوم النصف من شعبان، يوم ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) القاعدة المذكورة في دقيقة! نعم! دقيقةٌ واحدة من الوقت نقضيها يوميًا في حضرة إمامٍ غائب... دقيقةٌ واحدة فقط من أربع وعشرين ساعة، تُفرغ فيها ذهنك مما يحمله من فوضى، وترجع لفطرتك البريئة، وتُلقي كل الهموم جانبًا، وتطهر قلبك من الصدأ، وتكفكف دموع قلبك التي أسالتها الهموم، لتستعد لدموع عشق إمام بعيد يسكن من الأرض أخفاها وأقصاها (٣)، ولكنّه قريب يسكن جوف قلبك... دقيقةٌ تتناحر ثوانيها ما بين دعاءٍ له ودعاءٍ لك، نعم سيزهر في قلبك، ستراه وتسمعه، لا بحالته المادية بل بالروحية، فحبه لك أكبر وأعمق من حبك له، فلمَ لا يُشرق ونهار قلبك قد أسفرَ عن نورِه؟ دقيقةٌ من وقتك ستتحول لاحقاً لساعات تُشعرك بالطمأنينة والسلام الداخلي.. دقيقةٌ ترفع عن كاهلك أثقال الحياة وتدفعك للإنجاز اللامتناهي.. دقيقةٌ إحدى ثوانيها تتلو سلامٌ على آل يس، والثانية ترتل دعاء الفرج. _____________________________ ١- الأمالي للشيخ الصدوق. ٢- Debate & analysis. Making health habitual, the psychology of “habit-formation” and general practice. Benjamin Gardner, Phillipa Lally, Jane Wardle. http://blogs.ucl.ac.uk/bsh/2012/06/29/busting-the-21-days-habit-formation-myth/ ٣- مكيال المكارم، المجلد الأول، من قول الإمام المهدي عجل الله فرجه:" إن أبي عليه السلام عهد إليّ أن لا أُوطّن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها إسراراً لأمري....".
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى