بعدَ كلِّ هذا الحبِّ والشوق والانتظار الطويل وبكاء المؤمنين كلّ جمعةٍ على حبيب قلوبهم أمل الصادقين ومبيد الفاسقين بعد حكايات الانتظار... في كلِّ جمعةٍ من مسجد جمكران في انتظار الحبيب بعد عُتمةِ الليل على العاشقين قد أصبحوا لا يرون شمس النهار فغيابه قد أعتم الوجود بعد رعدِ الهموم وعواصف الأزمات وضجّةِ القلوب ستُشرقُ شمس الشيعةِ لتُنير الأرض بنورها المهدوي فتُشرق القلوب ويأتي صباحٌ مليءٌ بالحبِّ والأمل بعد ليلٍ طويل مُثقلٍ بالألم .. ذاك سيكون أولَ صباح بعد ظهور الحبيب ...
اخرىبقلم: ضحى المهدي بسمةٌ علىٰ وجهِ رجلٍ غريب.. زهرةٌ بينَ أشواكِ صحراءِ الحجاز.. خبزٌ حلالٌ، ماءٌ زلالٌ لـسـنين قحط الشِعاب.. اُمٌ حانيةٌ للمئاتِ، قائدةٌ، قُدوةٌ، سندٌ لـغريبٍ، وَ مدرسةٌ لـتلك الأجيالِ القادمَة من بعيد.. تبدىٰ ضـوءُ الشمْس.. ذئابُ الأسىٰ نهشـت ابتسامته.. الزهرةُ ذبلت من جورِ السنين.. الماءُ تبخرَ و الخبزُ أُكلَ سحتًا.. أيتامٌ، القائدةُ فقدت، القدوة حسدت، والغريبُ بلا سَند.. الأجيالُ عانقت ما تبقىٰ من تلكَ الروح، أن علمينا فأنتِ معلمةٌ من الزمان البعيد.. (العظماءُ فقط من يُخلّدُون) في عامٍ مليء بالأحزانِ.. خفتت شمعةٌ عند بيت محمد (صلى الله عليه وآله).. صغيرةٌ تفركُ بأيديها.. أُماهُ، فاطمةٌ حبيبتكِ أنا.. أماهُ، فاطمةٌ ابنتكِ أنا.. مسكت يد طفلتها الرقيقة: يا بضعة محمدٍ وأم السادات بلّـِغي رسولنا فليُكفني بـعبائتهِ، أخجل أن أطلب منهُ.. ورحلت... رحلت ملتحفةً بها…
اخرىبقلم: أمل نصير جالت بنظرها تطلب كل ما هو جميل، واصلت تقليب الصفحات، وكأنها المكافئة التي انتظرتها منذ الصباح، فهي تقريبًا أنهت جميع واجباتها المنزلية، وجاء وقت استراحتها، وما هو الشيء الذي يكون اجمل من إمساك الهاتف النقال وخصوصًا بعد تحميل برامجه الحديثة، فهي تنقلها إلى عالم جديد عالم، غريب عالم، يختلف عما ألِفَتهُ أو عرفته، وكأنها تُعَوض نقصها به، وتشبع ما لم تستطع إشباعه، وتملي عينها من كل جميل ومباح. استمر الحال حتى صارت تتلهف للمساء، بل غدى الهاتف لا يفارق يدها حتى أثناء تأديتها لشؤونها المنزلية، فهو بوابة عجيبة اشبه بـ (مغارة علي بابا)، الذي كان يُروى عنه أنه بمجرد أن يلفظ بشفتيه: (افتح يا سمسم)، ينفتح أمام عينيه كنوز الأرض من مختلف الجواهر والأحجار الكريمة والأشياء الثمينة، من كل ما لذ وطاب، أما هي فلا تختلف بوابتها عن (مغارة علي بابا) إلّا أنّ بوابتها تنفتح بكبسة زر: افتح أيها الجهاز العجيب، خذني بعيدًا عن واقعي المرير، احملني بواسطة عينيّ إلى عوالم لم تطأها قدمي، دعني ألمس بذهني ما لم أتمكن من لمسه بواقعي… هذه القصور، هذه المناظر الخلابة، فواقعي مرير يكاد يخلو مما أرى فيك... إلّا أنّ هذه المغارة العجيبة التي تشبه (مغارة علي بابا) لا تشاركها بالتأثير فقط، بل تشبهها بالوصف أيضًا، فهي جعلت من (علي بابا) ذاك الفتى البريء لصًا، كذلك مغارة النقال جعلتها لصًا، ولكنها لا تسرق الجواهر والكنوز، بل تسرق ما يصعب استرداده، تسرق طهارة العيون تجبرها على رؤية ما لا تجوز رؤيته، لكنها أصبحت لصة متمرسة تجول في الجوال مسرعة.... إلى أن تصل إلى ما يشدها فتبطئ الحركة حتى تطبع بخيالها صوراً محرمة، صوراً قبيحة لا تجوز رؤيتها، فذهنها يطلب المزيد، حتى تكتمل الصورة، لكنها أثناء السرقة وبعد اكتمال التحميل، أحسّت بوخزة الضمير ... أرادت تدارك فعلتها والاعتذار عن غلطتها.. فكرت ماذا أفعل؟ لابد من ارجاع المسروق إلى أهله ولكنها تراجعت… ما هي سرقاتي؟! ما شكلها؟ ما لونها؟ كيف حمَلتها؟ كيف قمتُ بنقلها؟ وكيف أستطيع الآن إرجاعها؟ مَن هم أهلها؟! وهي مما لا يمكن ارجاعه... لقد انطبعت بمخيّلتي تلك المناظر المحرمة وكدّرت نقاء روحي وتلوثت منها سريرتي... فَزعتْ من عِظم ذنبها، وشديد معصيتها، أرادت أن تبحث في نقّالها في أمهات الكتب المُحَمَّلة عن عنوان لمعصيتها... كتبت: ما عقوبة من سرق ما لا يمكن ارجاعه؟ ثم غيرت الكتابة: ما عقوبة من هتك ستر الآخرين وإن كانوا راضين؟ ثم غيرت الكتابة: ما عقوبة من تصفح في اخلاق الفاسدين؟ ثم استدركت: ما عقوبة من تمعن في مساوئ المذنبين؟ ثم غيرت: ما عقوبة من شجع بنظره ذنب المجرمين؟ ثم أردفت: ما عقوبة من كدّر صفو خياله بأعمال الشياطين؟ ثم غيرت الكتابة: ما عقوبة من اهمل نفسه حتى (هوى من نظر رب العالمين)... عندها رمت هاتفها من يدها وانهارت بالبكاء... كفى بذلك عقوبة يا رب العالمين...
اخرىبقلم: وسن فوزي منصور في غيابك تخاصمت جميع الأشياء معي أحبُّهن إلي! قلمي، كراستي قهوتي، ضحكتي أفراحٌ لوِّنَت بألوان الربيع كُلُّــها تخاصمت معي! قلمي أعلن الحداد يخطُّ الحرف بين أوجاعِ الذكريات يبحتُ عنكَ كي أقرأ ما كتبَ لك لكن دون جدوى رحيلُك جعلَ للحرفِ صدى يشقُّ أسماعَ الطريق البعيد ويُحلِّقُ عاليًا يهمسُ إليك يا والدي، أين أنت؟ كراستي اجتاحها السواد لم تعدْ بيضاءَ مثل ما كانت لوّنتُها من أجلك بألوانِ الربيع بألوان الزهور، الاقحوان، والياسمين بألوانِ الشجرِ الأخضر لكنّها أبت ذلك! وأسقطت ألوانها كأوراق الخريف حتى قهوتي تُرثيكَ ما زالت باردةً تنتظرُ أنْ تُرتَشَفَ معك ولو للحظةٍ واحدة كما كُنّا نفعلُ في الأيام السابقة. أنا الآن وحدي أجلسُ معكَ تحت زخّاتِ المطر ألمسُ رملًا وحجرًا احتضنُ جُثمانَ حبيبٍ استعجلَ السفر أشكو إليه قلبًا منفطر أوجعه الغياب يا والدي فإلى مَ ينتظر؟! لعلَ يأتيه جوابٌ من داخل القبر غفوتُ، وإذا بصوتٍ خفيضٍ عذب قومي بُنيتي، وانفضي التراب ولا تجزعي لفقد الأحباب فالرحيلُ مكتوبٌ لا مُحال وأمرُ اللهِ تعالى هو الصواب كلانا يعيشُ في ظلِ مليكِ السماء وعنده سيكون اللقاء صحوتُ وأنا أرددُ عند مليكِ السماء سيكونُ اللقاء...
اخرىمبتسمة... نعم حزينة... نعم أ جمَعتِ النقيضين؟… لا ماذا إذًا؟ أقابلك ببشر وبسمة حبا لرب الانام وتسليماً مطلقاً له... أبتسم رغم المآسي والصعاب لأقول لها بابتسامتي: الهي رضا برضاك لا بمعبود سواك ... وأما الحزن فمسهد، فلا هو اعتراض على الحبيب ولا حُزنًا على الدنيا وما فيها... إنما هو حزن البعد والفراق... حزن تقصير واجتراء فلا تغرنك صورتي ولقياي إياك بالبشر.. فالداخل مأوى الحزن والآهات ...
اخرىبقلم: أمل نصير همّته سبقت عمره، لازم الأمين (صلى الله عليه وآله) منذ نعومةِ اظفاره، يرتوي من فيضِ أخلاقهِ، يرى بأُمِّ عينهِ ظُلم قريش حيث كانوا يُرسلون صبيانهم لضربهِ (صلى الله عليه وآله) بالحجارة، لكنهم خَسِئوا، لا لن يصلوا إلى النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)؛ لأنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) آمن به وبدعوتهِ، فلقد لبّى نداء دعوته الكريمة في عالمِ الذر، وهناك استحقَّ منصب الوصاية والإمرَةَ على جميعِ المؤمنين. فهو راعي وحامي هذا الدين، نشأ ونشأت بداخله بذرةُ الإيمان والهدى، وغدا يسقي شجرتها من نمير المصطفى (صلى الله عليه وآله)، كيف لا وهو يقتفي أثره كاقتفاء الفصيلِ أثر أُمِّه. ليس له خُطى! إذ كان يضع قدميه المباركتين موضع قدمي الرسول (صلى الله عليه وآله). لا يعرف الخوف، لا يعرفُ الخمول، كان لبيبًا فطنًا، يعرف ما يُريد المصطفى (صلى الله عليه وآله) من نظرهِ المُبارك، عرفتهُ قريش شابًا قويًا شجاعًا، لا يعصي للرسولِ أمرًا، فكان كالغُصة في أفواههم، بل كان كالشوكةِ في أعيُنِهم. يا ويحهم إنْ فكروا أنْ يمسوا شعرةً من رأس حبيبه المبارك (صلى الله عليه وآله)، لا يضع حَمائل السيف عن أكتافهِ المباركة إلا وقت الصلاة بعد أنْ يطمئن على محبوبهِ، ولا تعرفُ عيناهُ النومَ، ساهرًا يرعى ويتأمل جمال مُحياه. كَثُرَ المسلمونَ حولَ الرسولِ (صلى الله عليه وآله)، لكنهُ لم يجد صنوهُ؛ فهو يحومُ حولَ أشبارٍ من مسير المصطفى (صلى الله عليه وآله) حرصًا عليه من غدرِ الكافرين أو المشركين أو المنافقين أو اليهود أو النصارى، فالأعداء كُثُر، لكن مقبضَ سيفهِ يعدلُ آلاف الفرسان. طالما تَبسمَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) لصولاته؛ فهو إنسانٌ يمثلُ الشجاعة متجسدةً بجسد. ولطالما أخبر (صلى الله عليه وآله) أصحابه قائلًا: من أحبَّ أنْ ينظرَ إلى موسى في شجاعتهِ، فلينظر لهذا الفتى. وفي يوم أحد نزل الأمين جبرئيل (عليه السلام) مناديًا: "لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار". وأما علمه ومكارمه وأخلاقه وزهده وورعه وصبره وإقدامه وإيثاره وتحننه، فلا تكفي كلمات الدنيا لوصفها فهي أخلاق الله تعالى وكفى بذلك مُلهِمًا. أدار ظهرهُ الكريم عن الدنيا؛ فهي لا تعنيه، إذ سلوتهُ من الدنيا الصلاةُ، وسعادتهُ إغاثةُ الملهوف، وشغفُ لياليهِ ابتسامةُ اليتيمِ. ما ذاقَ من ملذاتِ الدنيا إلا قُرصَ شعيرٍ كان يتقوى به، لا يملِكُ إلا ثوبًا واحدًا، وهو في كلِّ آنٍ يلفظُ من الدررِ أنوارًا، وحكمته زادُ السالكين. وأما قلوب أعدائهِ فلا تزداد إلا حقدًا وحسدًا، فقد كانوا يحيكون التُّهمَ ضدهُ ويحاولون التخلصَ منهُ بأيةِ وسيلةٍ؛ فهو الإسلام يمشي على قدمين. وفي ليلةٍ قَدَرية ما ظلَّ مَلَكٌ في السماء إلا وقد حام حول حامي الحمى، حتى طلع الفجر فملأ الكون صوته المبارك بأذان الفجر، حتى ما بقي بيتٌ إلا دخلهُ صوته المبارك وكأنَّه يلفظ للعالم شهادته الأخيرة على مسمعِ الجميع، فقد أفنى صباه وشبابه وحياته على هذه الكلمات كي ترتفع، ودفع ثمنها من جراحات جسمه المبارك، لكن أقواها ما حدث في محرابه وكأنّها رسالةٌ يهودية: خذ يا وصي محمدٍ. في السجدة القدسية سقط إلى جانبه كُلُّ حرفٍ من الإنسانية، وكأنّها سقطت القيم وكأنّها خروج آدم من الجنة بعد انتصار الباطل، وكأنّها ضربةٌ في قلبِ الوحي، تهدمت والله أركان الهدى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قُتِل علي المرتضى، قتلهُ أشقى الأشقياء... هكذا كان التأبين الإلهي بحقِّ خيرِ الخلقِ بعد المصطفى وصيه وخليفته علي بن أبي طالب (عليه السلام).
اخرىبقلم: زينب العارضي يا لها من ليلةٍ توضأت بالحزن وتسربلت بالألم، ليلةٌ في ساعاتها المقبلة دويُّ مصابٍ جلل يحار في وصفه القلم، فإمامنا عليٌّ (عليه السلام) يعتزم الرحيل في ليلةٍ من ليالي الصيام، سيبكي الكون كله فقد الإمام، وسترتشف جبهة الحقِّ غُصةً من غدر الشيطان، ويتنفسُ النفاق وينوحُ العرش والميزان، ستفلق هامة الأمير وتتخضب لحيته بدمائه وهي تنعى رحيل الإنسان. سيدي أبا الحسن، أربعة عشر قرنًا من أعمدةِ القرون بلحظاتها وأيامها وساعاتها، ذابت كما تذوبُ حبة الملح في وسط المحيط، ولما يذُب بعدُ حرفٌ من حروف اسمك الكبير. فكلِّ حرفٍ انزلق على شفتيك الطاهرتين يا أبا السبطين، يأبى أنْ يتقلص في زمانٍ أو مكان، ويبقى عصيًا على النسيان، مُصرًا أنْ يضيء دنيا الإنسان؛ لأنه يحمل عنك القيم والأنوار، واعتلاجات حقيقة الحياة وهي أبعدُ من أنْ يحصرها إطار، وكانت: "فزت ورب الكعبة"، آخر كلماتك في محراب الشهادة، تقول لنا: إنَّ الموت للصالحين حياةٌ وولادة.. سيدي، تُرى كيف انطفأت شعلة الحياة من قلبك الذي وهبَ للدنيا الحياة؟! كيف توارى النور من عينيك اللتين استعار النور منهما بهاءه فأضاء الحالكات؟ كيف ارتخت يداك التي ما فتأت تقبض على السيف والرغيف؛ لتقتل بالأول الجهل، وتوقد بالثاني في قلوب البؤساء الأمل... مولاي هل هي النهاية القصية؟ أم هي البداية المتألقة البهية؟ لا والله، لا نراها إلا بداية المجد والخلود، والتحرر من وجع الدنيا وكلِّ القيود، ورحلة السعادة الأبدية بجوار المعبود.. سيدي، سلامٌ عليك وأنت ترى الليلة التي وعِدتَ بها، فتنهض قاصدًا مسجد الكوفة لرؤيتها، تنزلُ إلى باحةِ دارك، فتستقبلك الإوز مرفرفات بأجنحتهن، بأصواتٍ عالية يصِحن، وكن من قبل لا يفعلن ما فعلن! وكأنهن بصياحهن، يُطلقن الاستغاثة، أو يحذرن من مجهول، فتُتمتم وتقول: صوائحُ تتبعها نوائح... وتمضي باتجاه الباب قاصدًا المحراب فيتعلق بمئزرك، وكأنّه يريد بقاءك، ويرفض خروجك خوف فراقك، فتشدّه وتمضي إلى مقصدك، وتقول بلغة الشوق إلى لقاء ربك: "اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لنا في لقائك". وتدخل المسجد فتصعد المئذنة وتؤذن للمرة الأخيرة، فلا يبقى بيتٌ في الكوفة إلا اخترقه صوتك، ثم تنزل لتتفقد النائمين في المسجد المعظم، وتدعوهم للمثول بين يدي الرب الأعظم، ولما تصل إلى الشقي ابن ملجم، تراه نائمًا على وجهه، وقد أخفى سيفه تحت إزاره، فتقول له: يا هذا قم من نومك هذا؛ فإنّها نومةٌ يمقتها الله تعالى... عجبًا لشمسِ عطائك يا علي، كيف تشرق على الفاجر والتقي؟! عجبًا لقلبك يا كرار؟ كيف يفيض بالعطاء على الأخيار والاشرار. وتخفُّ مسرعًا للقاء الله تعالى، فللمناجاة طعمٌ لا يفقهه كلُّ أحدٍ، و للقاء الرحمن لذةٌ لا تضاهيها أية لذة، وتستغرق في وصال المعشوق، وتشغل بلقائه عن المكان ومن فيه، وينتهز الشيطان الفرصة فيوسوس لأتباعه ومريديه، فيستجيب ابن ملجم ويُعلن الطاعة لمن تولاه، ويحرك سيفه المشؤوم ليهوي به على من عفَّر بحب الله تعالى الجباه .. وهويت في المحراب، وبدت جراحك عظيمةً، تعلن قرب الرحيل والغياب، وارتفعت أصوات البكاء وضجَّ الناس بالعويل؛ فإمامُ القلوب يستعدُّ للرحيل الطويل.. تُحمَلُ جريحًا إلى منزلك، ويخيم الحزن والأسى على قلوب أهلك، ويأتي الطبيب، ويعمل جهده لإنقاذ الإمام الغريب، ولكن هيهات هيهات لقد استشرى السم، وها أنت طريحُ الفراش تعاني شدة الألم، تتهيأ للفراق، وتذرفُ من قلبك التواق، إلى لقاءِ الأطهار دموعَ الاشتياق، وتشتدُّ الآلام ساعةً بعد أخرى، وتنهمرُ الدموع من العيون حرّى، ويرتعشُ قلب زينب الكبرى، فتجلس إلى جنبك وتمتلئ لمرآك حسرة، وهي تراك بتلك الحالة المرة، وتصغي إليك وأنت تحدثها بما ينتظرها في قابل الأيام، وتعهد إليها بإكمال مسيرة أخيها ونصرة الإسلام. وتفيض عينك وأنت ترى العباس (عليه السلام)، ثم تغمضها بسلام، فتمتلئ الأرواح بالحسرات والآلام، وتتطلع العيون ليوم الظهور حيث ستعود مع حفيدك الموعود (عليه السلام).
اخرى