ظاهرةُ الانفصال النفسي والعاطفي بين الزوجين تُهَدِّدُ الحياةَ الزوجيّةَ بالانهيار

بقلم: مرتضى علي الحلّي الدوافعُ والآثارُ والعِلاجَات: مِن المعلوم بداهةً وتجربةً أنَّ أوّل عوامل الارتباط بين الزوجين هو العامل النفسي والغريزي والعاطفي، وقد أشار إليه اللهُ تبارك وتعالى في قوله سبحانه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم. فالمودةّ والرحمةُ المجعولةُ إلهيًّا بين الزوجين هي محلّ الشاهد والربط المَكين بينهما، فإذا ما تعرّضت للتصدّع أو الفتور أو البرود فستؤثّر قطعًا على استمرار العلاقة أو تضعفها وتجعلها مُتذبذبةً. والانفصال النفسي أو العاطفي: هو حالة سلبيّة خفيّة غير مرئيّة تعتري القلبَ والمَشاعرَ، بل وحتى السلوك تحدث بين الزوجين، وتُعرَفُ مِن الآثار المُترتّبة عليها، والتي قد تستبع قراراتٍ ومواقفَ حاسمةً بينهما تنهي العلاقة الحميميّة فعلًا وسلوكًا. دوافع الانفصال النفسي والعاطفي بين الزوجين: 1/البرود والفتور في إعمال العلاقة التواديّة بين الزوجين وإهمالها طويلًا، بحيث يشعر أحدهما بعدم وجود المودة والرحمة بينهما لا قلبًا ولا لفظًا ولا تطبيقًا. 2/غياب التعبير اللفظي والسلوكي عن مشاعر الحبّ والميل تجاه بعضهما بعضًا، والحال أنَّ التعبير عن ذلك من مقوّمات العلاقة استمرارًا ونتاجًا. 3/بسبب كثرة المشاكل وإهمال حلّها وعدم التحاور بهدوء وعقلانيّة بعيدًا عن أساليب العنف اللفظي والجسمي تحدث الكراهيّة الخفيّة بينهما والتي هي عامل مُدمّر لهما من حيث لا يشعران. 4/عدم وجود الثقة المتبادلة في نمطيّة التعايش الزوجي، واعتماد الكذب والتسويف ممّا يُسبِّبُ العزلة الروحيّة وتهوين الآخر معنويّاً واعتباريّاً. 5/الجهل وعدم المعرفة بأحكام الزواج وفق الشريعة الإسلاميّة السمحة والمُراعية للحقوق بينهما والمُلزمة للواجبات، أو التهاون في الالتزام بهما عمدًا أو غفلةً أو تقصيرًا. 6/الاختلاف في الوعي والثقافة وعدم التوافق القلبي والنفسي واقعًا، والاضطرار إلى قبول الآخر تحت مظلّة الإكراه الأسري والاجتماعي والقانوني. 7/تأثير عوامل الانفتاح الثقافي والحضاري والتكنولوجي والذي أثّر في طبيعة العلاقات الزوجية، نتيجة ما يطرحه الإعلام من مسلسلات غير أخلاقيّة وبرامج تستهدف إفشال الحياة الزوجيّة بحجّة الحريّة والمساواة وحقوق المرأة ومقالات وغير ذلك، والمقارنة بين وضع النفس الشخصي ووضع المرئي الافتراضي وترتيب الخيارات وفق ذلك. آثار الانفصال النفسي والعاطفي: يمكن اختصارها بحسب البيانات القانونية المعروفة باتخاذ قرار الطلاق الشرعي والرسمي بين الزوجين، أو تفكّك الأسرة والإضرار بعضهما ببعض وحدوث مشاكل نفسيّة واجتماعيّة تحرمهما من العيش بأمان وبحبّ ورحمة وسلام. بعض العلاجات والحلول: 1/تطويع النفس وبقناعة داخليّة قلبيّة وعقلانيّة بضرورة فهم الزوجين لبعضهما البعض، والذهاب بذلك إلى آخر الطريق قبولًا وتعايشًا وقرارًا. 2/اعتماد الحوار والأدب والهدوء في حلّ المشاكل الزوجيّة بينهما حصرًا، أو الرجوع إلى أهليهما في التحكيم وفضّ الشقاق والنزاع بينهما وفق حكم الله سبحانه وتعاليم دينه. 3/إشعار الزوج زوجته بأهميّتها عنده عاطفيًّا وقلبيًّا والإنفاق عليها ومُراعاة متطلباتها الضروريّة والكماليّة بحسب القدرة، وكذلك الزوجة معنيّة بإظهار حبّها وتوددها لزوجها في المشاعر وفي السلوك وإيجاد جواذب ذلك في نفسها ولباسها ومنطقها وأسلوبها وتجنّب المنفرّات الجسميّة والسلوكيّة واللفظيّة. 4/التغاضي عن الأخطاء وتجاوزها بالعفو والنسيان، فكلّ تجربة تواجه إخفاقات وعثرات والعاقل من يتّعظ بها خيارًا وسلوكًا. 5/تجنّب التعامل الفضّ والغليظ مع الزوجة إذا ما أخفقت في أمر ما، ومداراتها بالإرشاد والنصح واللين، وكذلك ينبغي بالزوجة أن لا تكون مستبّدةً في بيت الزوجيّة أو أن تتعالى عن طاعة زوجها وتخالفه عنادًا ولجاجًا. 6/تقدير الوضع المعاشي لهما وتفهم الظروف الاقتصاديّة والقناعة والرضا والتدبير المنزلي. 7/حسن وصدق النيّات القلبيّة بين الزوجيّن أقوى عوامل حفظ المودّة والرحمة والحبّ بينهما، فلذا ينبغي الالتفات لذلك مشاعرًا وتطبيقًا.

اخرى
منذ 5 سنوات
3928

بين الثريا والثرى!

بقلم: ريحانة القرآن أرجوحة... سأخبركم عن قصتي وأرجوحتي... ليست كباقي الأراجيح، غريبةٌ كشقلبان، كانت ترتفع بي دائمًا! كنت قرب السماء دائمًا! قرب الله! وحيث أبتي! عيناي اعتادتا أن تلمعا للسماء بكل براءة وعمق وهدوء، كنت أهيم بجمال السماء، يا الله... كم كان كل شيء صافيًا آنذاك... وفجأة سمعت -ولم يسبق لي أن سمعت- صريرًا وحشرجة وهمهمة، علمت فيما بعد أنها وسوسة، كانت من الأسفل حيث الركن الآخر لأرجوحتي الثابتة على أبواب السماء، رمقت الأسفل بطرْف غير مهتم، ثم أرجعته حيث كان، بعدها صرت أسمع هذه الأصوات كثيرًا، أو لربما أن سمعي بدأ يعمل من حينها فقط... لم أُعر الأمر وعيًا ومضى إلى أن... ويلاه! لِـمَ حصل ما أحصل؟! ومضى الأمر إلى أن تحركت، لأول مرة، وهَوت بي بعنف نحوهم، إلى الأسفل. الأمر مخيف ها هنا، أين أنا؟! من هؤلاء؟! كيف لهم أن…؟! الويل لأرجوحتي، تبًا لكِ أرجوحتي، سحقًا لكِ أرجوحتي، آنذاك كانت الثرى قاحلة، حيث كانت الأراجيح الأخرى تُدنْدن ذهابًا وإيابًا بسيطًا، كانوا بملامح بشعة، يبتسمون بأسنان صفراء عليها بقايا لحم عَفن... التهموني بسرعة، حتى قبل أن أطلب النجدة... فتحت عينَيّ ولا أعرف كيف! لكنهم كانوا بغاية الوسامة أصبحت أرجوحتي تتأرجح بمستواهم وإن عَلت عنهم أمسكها أحد الوِسام لأكون بجانبه... أصبح كل شيء جميلًا ، الهواء منعش رغم ذلك التراب المنتشر الذي لم ألحظه حتى، فتنوني حدّ الخدر... عندها عشت فقط هذه اللحظة، كنت أقول لنفسي: لا بأس براحتي، كل شيء بخير لأنني أنعم بالراحة -والخدر-... كنت أقول وأنا مغمضة العينين: كل شيء بخير ، نعم، كل شيء بخير... وفي يوم ضبابي كباقي أيامي هناك، شعرت بالاختناق و الغصة، فذهبت لأستمع لذلك القابع بقربي على الدوام، وسيم حد الإغراء، كان يملك صوتًا عذبًا كمياه شلال... أخبرتهُ: غنِّ لي لأزيل هذا الثقل عن صدري، بدأ يترنح ويغني... توقف، تبًا لك، أكاد أموت، أغلق فمك... ما هذا الألم؟! إنه يزداد، سأختنق يا الله... مهلًا هُنَيْهة، يا الله! ثم دوى صوتُ فجَر الصديد في مسامعي: أين أنتِ يا ابنتي؟! ابنتي؟! أبتي؟! جرى على خديّ نهران من حمم، لم أشعر بها البتة، لكن عينَيّ لا تنفكان عن ملاحقة ذلك الصوت الذي ملأ قلبي والأرجاء دفئًا مقدسًا... إنه أبي... أنا متأكدة، إنه أبو صالح، أبي! اعتدتُ على مناداته بأبي! لكن أين هو؟! ما لي لا أراه؟! لكن لمَ ضيعني؟! لا، هل أنا ضيعته؟! أنا خائفة! لقد اشتقت إليه! غرقت في ذينكما النهرين، واحترقت بشدة، ولم أرَ بعدها أي شيء ولا أي أحد! سوى تلكُما اليدين اللتين شدتا أرجوحتي للأعلى... فتحت عينَيّ وأنا أحدّق بالثريا، إنها السماء وهذه المرة تبدو أكثر جمالًا وأنا أكثر لهفة لها... لكن، أبتي! في حِجري تلكَ القصاصة حيث فيها: أنا هنا لا تخافي بعد الآن... أبوكِ من حينها صرتُ أُمعن النظر في السماء لأجد الله، وأبي... لا زلت أسمعهم وأستطيع رؤيتهم، لكنهم مثيرون للشفقة أكثر من ذي قبل... هذه قصتي وأرجوحتي المثبتة في أحد مقابض أبواب السماء... احذروا من تلك الأراجيح في الأسفل... إنها من سراب...

اخرى
منذ 5 سنوات
3542

الطلاق بداية حياة

من أسئلتكم بقلم: حنان الزيرجاوي/ أم قنوت سؤالي هو: ابني وبنتي -وهما مراهقان- أصبحا متمردين بكل تصرفاتهما بعد طلاقي من والدهما، وحتى صلاتهما تركوها وأُحاول جاهدة أن أُعيدهما لطريق الصواب لكن أجد صعوبة بالغة، مما يضطرني للاستعانة بأخي في أزماتهما، وأما بالنسبة لوالدهما فقد تركهما كليًا ولا يأبه لهما مطلقًا. أفيدوني بحل واقعي استطيع مجاراتهم به جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: الأخت السائلة، انطلقي من عنوان المقال، وأبدئي رسم ملامح الحياة الجديدة، لتعوضي ما قد فات... ولكن! تربية الأولاد أبداً لم تكن أمرًا سهلًا، فالعملية التربوية هي عملية تكاملية بين الأم والأب، ولكن غياب الأب -قسريًا كان أم إراديًا- يجعل الأم في موضع المسؤولية التربوية الأكبر، فيصبح دورها مزدوجًا. ويعد ذلك من أهم الصعوبات التي تواجهها المرأة المطلقة فهي ترغب بالطبع بتحقيق التوازن داخل عائلتها، وقد يراودها القلق والشك بعدم قدرتها على ذلك، ويزداد الأمر صعوبة خاصة مع انتقال الطفل لمرحلة المراهقة والشباب والتمرد، فقد يحتاج الأمر الشدة والحزم مع أولادها لتعوض النقص الحاصل بسبب غياب الأب، وفي الوقت نفسه عليها أن تمنحهم الكثير من الحنان والحب، إلى جانب متابعة كل شؤونهم من ألفها إلى يائها. الطلاق يُعتبر تجربة قاسية خضتي قبلها صولات وجولات من الخلافات مع زوجك، لاشك أن بعضها -أو قد يكون كلها- أمام أولادكما، فلا تندهشي من تمردهم، فقد كانوا متأرجحين ما بين شجاركما، لا يعلمون لمن يلجؤون، ولمن يساندون، فباتوا في حيرةٍ من أمرهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء... تذكري الحزن والألم الذي رافقك في زواجك... وربما بعد طلاقك... وقارني بين عمر النضوج الذي تعيشينه وبين عمر الصِبا وتقلباته الهرمونية الذي يعيشونه، ثم اشفقي واشفقي على أولادك وانتبهي إلى اللغة الجديدة التي يتحدثون بها إليك؛ تمرد وعناد وترك للصلاة، فهم يحاولون التعبير عن عدم ثقتهم بكل من يحيط بهم، وربما لسان حالهم يتساءل: هل منعت صلاة والداي الخلافات؟ هل هذا هو الدين؟ تساؤلات مشروعة لمراهقين غير ناضجين لم يعيشوا في كنف أب عطوف، فهم بحاجة لك وله. تذكري سطورنا الأولى في هذا المقال: إبدئي برسم ملامح حياة جديدة... فأنتِ أمام تحدي لتنشئة أبناء يعيشون في بيئة صحية يتوفر فيها التوازن على الصعيدين النفسي والوجودي. ستقولين كيف لي ذلك؟ وهل باستطاعتي حماية أولادي من السلوكيات المنحرفة؟ الجواب: نعم أخيتي تستطيعين ذلك؛ تأكدي أن لكل بداية ابتلاء هناك نهاية، لذا اطمئني وتوازني، واتبعي بعض النصائح التي منها: - إيجاد حالة من التوازن؛ فأولادك بحاجة الى حدود ومعايير واضحة أثناء تربيتهم، لذا وازني ما بين الحنان والحب وبين السلطة والسيطرة. - عليك بالنظرة الإيجابية للحياة، وأن تكوني أكثر تعقلًا وأن لا تجعلي من الطلاق نهاية للحياة، فوجود أم متفائلة وشجاعة وعقلانية يعني وجود أبناء متفائلين وناجحين في حياتهم ولديهم نظرة إيجابية للمستقبل. - اجعلي لأولادك أولوية في جدول اهتماماتك لهذه الفترة، فهذا سيشعرهم بالأمان. - استشيري أهل الاختصاص في الأمر، فربما يحتاج أحدهم استشارة شخصية، لذا كوني جاهزة لجميع الاحتمالات، لربما يكون أحدهم غير مستعد أو غير متقبل للوضع الجديد بعد. - قد يحملك الشعور بالذنب على منح الدلال الزائد لأولادك لسد الفراغ الحاصل بسبب غياب الأب، لكن هذا قد لا يعود بالنفع عليهم لذا انتبهي لذلك. - احرصي على تنمية مهارات تربية الأولاد واكتسابها، فذلك أمر صحي لبناء عائلة ناجحة تربويًا، ولا تخجلي من السؤال فكلنا قد يفتقر إلى بعض الجوانب ويحتاج أن يتعلمها. - حاولي شرح أسباب الطلاق بعقلانية لأولادك بدون خلق جو من التوتر، وذلك محاولة للتخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يعيشه الأبناء لكي لا يمرون في مرحلة صراع تؤثر فيهم سلبًا. - اسمحي لهم بالاتصال بوالدهم، فوجوده ضروري في حياة أولاده وأن لم يكن حضورًا جسديًا. - استمعي لأبنائك فالاستماع هو الطريق الواصل ما بين العقول والقلوب. -حاولي تجاهل بعض السلبيات وغض بصرك عنها فالزمن كفيل بإخفائها، كما أن التركيز على سلبيات الأولاد وتجاهل إيجابياتهم قد يزيدهم تمردًا. - تحدثي معهم عن السلوكيات غير المقبولة قبل حدوثها منذ بداية السنوات التربوية الأولى للطفل، وبعمر المراهقة، فذلك يعزز لديهم نبذ ذلك السلوك، والوقاية خير من العلاج. - غذي لديهم البعد الديني، وذلك عن طريق اعطاء معلومات دينية وقصص أخلاقية معززة بالآيات والروايات، لأن قوة الدين ستخلق الرادع الداخلي والواعز الذي سيعطيهم الحصانة المانعة للسلوكيات الخاطئة والمنحرفة. - استخدمي لغة الحوار الصحيحة بدلًا من إلقاء الأوامر المنفرة، واجعلي لهم فسحة للتحاور وأبداء الرأي، وكوني على دراية بكيفية إدارة الحوار ومتى يكون الوقت المناسب له. - تجنبي الانتقاد الدائم لما له من أثر سلبي على نفسية المراهق، فإنه يغرس شعورًا بداخله أنه شخص فاشل، وأن أي تصرف منه لن ينال رضاك مهما حاول ذلك. - استوعبي التغيرات التي يمر بها المراهقون وتعاملي معها بشكل صحيح، وتذكري أن المراهق عنيد معتز بنفسه يحب أن يميز شخصيته عن غيره، وأن مقارنته بأقرانه تعد إهانة له حتى وإن كانت صحيحة، فلا تحاولي مقارنته بأصدقائه أو أقاربه أو من هم في نفس عمره. - (إن لم أسيطر على ابني المراهق الآن، سأندم لاحقًا، لأنه سينحرف، يجب أن اضغط عليه لأحميه)؛ هذه فكرة خاطئة استحوذت على أفكار الكثير من الآباء، فانتبهي لخطرها. - اجعلي أمرك بين أمرين؛ لا أفراط ولا تفريط وإنما أمر بينهما، حيث يجب على الأم أن توازن بين الحرية والرقابة وتقديم الإرشاد بدون ضغط، ليستطيع المراهق طلب المساعدة بلا خوف، فلا يكون اطلاقًا كاملًا للحرية ولا كبتًا قاتلًا، وتذكري دائمًا أن "كل ممنوع مرغوب" وما لا يستطيع المراهق عمله أمامك سيقوم به من وراء ظهرك. - لا تجعلي من فشلهم واخفاقهم الدراسي معيارَ تقييمٍ لهم يدل على فشلهم أو انحرافهم، فالتغيرات التي يمرون بها ليست بسيطة. - أظهري مشاعرك وعواطفك لهم بلا خجل، فهم بحاجة ماسة لذلك ولا تتحرجي بأنهم اصبحوا كبارًا ولا يحتاجون لذلك، لا تخجلي من حق ابنك وابنتك عليك، هم بحاجة لمنحهم الحب والحنان، وتذكري أنك بذلك تعلمينهم التعبير الصحيح عن مشاعرهم وعدم الخوف أو الخجل من ذلك. - تذكري أن وجود الأب يؤثر كثيرا على نضوج ووعي المراهق، وخاصة مع الذكور، ويعمل على تعزيز الاشباع العاطفي لديهم، إذ إن غياب أحد أعمدة العائلة التي يستند عليها عاطفيًا واجتماعيًا يجعل من المراهق عرضة للضرر النفسي على المدى البعيد والقريب الذي بدوره يزيدهم ثقة بأنفسهم، لذا شاوريهم بشأن الاستعانة بخالهم، أو استعيني به خلسة في حال رفضهم. - علمّي أبناءك تحمل المسؤولية متكاتفين ومتحدين في مواجهة الصعاب، ووزعي المهام فيما بينهم حسب قدراتهم الإدراكية. عليك أيتها الأخت أن تتحلي بالشجاعة المطلوبة والإيجابية لتكوني قادرة على إدارة شؤون أسرتك وقيادتها لبر الأمان، فشعورك بالإحباط يولد زعزعة في داخل نفوس أبنائك، واجمعي كل ما فات في أمرين: الصبر والصلاة، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة ٤٥]. تذكري أن الدعاء مخ العبادة، فاستعيني بالله وأهل بيت رسوله (صلى الله عليه وآله)، ولن تُخذلي.

اخرى
منذ 5 سنوات
1783

النصف الآخر صراعٌ مرير

بقلم: آمال كاظم الفتلاوي كلماته تخرج من فم عذب، تأنقت بالجمال... تدخل إلى القلب بلا استئذان، تأسره... وتُغيّب دور العقل، هل الكلمات المعسولة لها هذا الدور الخطير؟ نعم، لها ذلك الدور. وهل تأثير الكلمة شيء هيّن؟ تفّقدته في أوقات الصلاة فلم تجد لهذه الأوقات وجودًا في حياته، فهو يعيشها بعبثية وفوضى دائمة، ليس هناك وقت مخصّص لأيّ شيء، فكلّ الوقت مفتوح للمزاح واللّعب والتنقّل في مواقع التواصل الاجتماعي من موقع إلى آخر... هنا اشتدّ الصّراع بين القلب والعقل، وزادت وتيرة الخلاف لدرجة قرّرت أن تصمّ آذانها وترقب من بعيد لترى لمَن الغلبة. في خضمّ الصراعات توالت انتصارات العقل تارة، ثم عاود القلب الغلبة تارة أخرى، كلٌّ منهما يضع خططه. لم تتوقع أن ترى كلّ هذه الخطط العسكرية والتكتيكات القتالية تجري في داخل نفسها... كانت أسلحة القلب (الجنون – الحرقة – الدموع – الحزن – الشوق – الذوبان)... أمّا أسلحة العقل (المنطق – التعقل – الرّزانة – الحزم – الرؤية البعيدة – قوة الرأي). تلاقى الطرفان وبدأ الجنون هجومه الانتحاري، لكن كان التعقل له بالمرصاد. قادت الرزانة المعركة وضربت الجنون بالمنطق، وسدّدت سهام الهدوء إلى الحرقة، ووجهت رمح الحزم إلى الدموع، وأطلقت الرؤى البعيدة نيرانها على الحزن، وانتصرت قوة الرأي على الشوق والذوبان... انتهت المعركة الطاحنة التي دارت في جولتها الأولى، وبعد أخذ قسط من الراحة عادت صولات المعارك من جديد، ولكن بشراسة أقل، وبقي العقل يمدّ فريقه بالإمدادات اللّازمة إلى أن تنتهي الحرب، وأنّى لها أن تنتهي ما دامت الحياة مستمرة والمغريات فيها كثيرة... كانت تتابع تطورات هذه المعارك باهتمام وشغف، وأخيراً استقرّ رأيها بعد أن رأت قوة العقل وحججه الدامغة، فرفضت من جاء يخطبها الذي لا يملك غير الكلمات المعسولة.

اخرى
منذ 5 سنوات
2379

لقاء مع الحبيبة

بقلم: آمال كاظم الفتلاوي وجهه يتّسم بالبشر والسرور، أكثر من كل يوم... كان على موعد مع حبيبته التي انتظرها وانتظرته على شوق... لم ينم ليلته لسروره بها... سامر نجوم الليل... أحصاها... ترجّى منها الأفول، فموعد الصبح بعيدًا عن مناه... الانتظار طويل وإن كان لساعات... تسارعت دقات قلبه وهو ينتظر انبلاج الصباح... تراتيل صلاة الليل لم تهدأ لوعة انتظاره... رسم قرآن الفجر الذي كان حليفه، صورة ذلك اللقاء المرتقب فكانت آية (((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)) الأحزاب: 23. تنفس الصعداء حينها، واطمأن لهذا المصير... ودّع والده الذي أنهكه المرض وفراق ولده الحبيب الدائم... طبع قبلة على يده المتعبة من عذابات السنين... كانت قبلة غريبة من نوع خاص تمازجت فيها نكهة الوداع الأخير مع شذا حنو الأب العطوف، شم فيها مازن عطر سنوات عمره كلها، تراءت له صور اليوم الأول له في المدرسة التي رافقه فيها والده كانت يده قوية وغضة... وتذكر كيف كان يحمله ويلعب معه ويصحبه إلى الأماكن التي يرتادها... كيف كانت هذه اليد تلطم على الإمام الحسين (عليه السلام)... وكيف كانت تطبخ طعام العزاء لمصابه... وكيف كانت تمسح عن عيونه دمعات الأحزان وتبدلها بابتسامات الفرح والسرور... إنها يد أبي (تمتم مازن)، تلك اليد الحانية التي لم تمتد إلى الخيانة وتصافح يد الجبناء.. يد لم تعرف إلا أن تصافح الأيادي الكريمة التي طهرها طيب المولد... يد والدي أنها نعمة السماء... انتهت إجازته وها هو يعود إلى سواتر الطفّ ليخط عليها بعضًا من دروس عابس وزهير... كان قلبه يسابق السيارة، فهو يجلس على جمر الشوق مع موعده... وصل إلى هناك وكانت معارك التحرير قائمة والانتصارات تتوالى وهي تبشر بالخير والأمل لهذا البلد المنهك من جراحاته... سكون رهيب يخيّم على المدينة المهجورة... كل شيء فيها موحش من الأرض إلى الجدران التي تحكي قصة العدوان الأليمة، حتى الفضاء يعبق برائحة الخراب والدمار... وككل المدن التي يستعدون لتحريرها، بدأ أبطال الجهد الهندسي بالمسح الميداني لهذه المدينة التي جعلها الدواعش الأنجاس مزرعة للعبوات والألغام... تقدم السيد مازن شبّر ليفكك ويبطل مفعول معظم العبوات، فهو بارع في ذلك، فقد فكّك آلاف العبوات منذ بدء العمليات... نظر السيد مازن إلى الأرض التي خلت إلا من الجدب، خُيّل إليه أن كل ذرة من ترابها تحكي له قصتها وتشتكي إليه ما شهدته من أفعال الأنجاس... كان يرفق بها وهو يدوس بأقدامه عليها ليطهرها... وجع عشق الأرض أكثر ألمًا، وأقسى من الوأد.. يده الكريمة تحنو عليها وهي تقلب ترابها لتزيل عنها مِغرز الغدر الذي أوجع العراق أيما وجع... قارب الأبطال على الانتهاء من عملهم المقدس، ولم يتبق إلا مبنى تابع لوزارة الإسكان والأعمار، مكون من ثلاثة طوابق تم تلغيمها... عليهم معالجته... تقدم الأبطال لتطهير المبنى، وأتموا تفكيك عبوات الطابق الأول والطابق الثاني، وبقي الطابق الثالث الذي تقدم إليه بطلنا الذي قادته أقدامه إليه بحذر، فبحكم خبرته عليه أن يحسب لكل شيء غير متوقع حسابًا... أحس بأنفاس غريبة تعبق بالمكان... أنفاس ليست مألوفة تزفر بشدة وبغيض تنفث معها سموم الحقد والظلام... ها هو يشعر بقربها... تسلل إلى صدره شعور غريب لم يعهده من قبل... فجأة ظهر أمامه وحش آدمي يرتدي حزامًا ناسفًا مغبرّ الشعر أشعثه... وجهه يحمل قبح الشياطين، نعم هذه صفاتهم... وهذا أحدهم يقف أمامه بكل ما تحمله كلمة القبح من معنى، ملأ المكان بسواد وجوده... أمسك بزِرّ التفجير ليضغط عليه، لم يمهله بطلنا الفرصة لإلحاق الأذى بمجموعته، ألقى نفسه على هذا المسخ ليعلن أنها آخر عبوة سيعالجها في حياته، وأن روحه آخر ما تبقى لديه ليفتدى بها إخوته والوطن... دوى انفجار رهيب تناثرت أشلاؤهما سوية، لكن كانت أنوار القداسة تلملم ما تناثر من جسد سيد من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) وتزفّها إلى الجنان بكل إجلال، لتستقبلها أمه الزهراء (عليها السلام)... كانت هي الحبيبة التي تنتظره على أبواب الجنان، فما أروعه من موعد وما أجملها من حبيبة. تم تطهير المدينة ولملم الأبطال جراحاتهم وعزفوا من حزنهم على مازن ترنيمة حرصوا على تحفيظها لأولادهم... وأمام والده المفجوع الذي عجزت أقدامه عن حمله عند سماع الخبر، فأقعدته مشلولًا ينتظر اللحاق بابنه على أحر من الجمر.

اخرى
منذ 5 سنوات
2218

كهلًا في طفولته

بقلم: محمد رضا في أحد أيام هذه الدنيا المسْودة بالظلم والنفاق، المتسخة المريضة المخادعة السالبة لحق اليتيم والفقير، ولدنيا سادة عروشها الطغاة الفاسدين، الذين جعلوا من بساتين الورود وأماكن الجمال بيوتًا مهجورة تسكنها الوحشة ويدوي فيها صوت اليأس. من المعلوم أنه يستحيل أن تجد وردة في وسط رماد! هكذا كان النظر للبيئة التي يسود فيها الظلم، والدمار الروحي والمدني، حيث أقول: هذه الأماكن عقيمة أن يولد فيها طفل... (ليست الولادة المعروفة: الطفولة)، وإنما أعني مرحلة يعيشها الإنسان في صغره تُدعى (الطفولة)، لأن ما أراه هي أن النساء تلد كهول! حيث ما يقع على شخصية الكهل والشاب تجده مفروضًا على الطفل في وقتنا الحالي، حتى وصل بنا الحال أنّ قصص ما قبل النوم التي تُقرأ هي مآسي حروب ودمار، فينبت اليأس في بستان ذهنه المستقبلي... ومن المفروض أن يعيش في بيئة تدعى (جمال الطفولة)، وليس أن يطّلع عليها في كتاب فقط أو تروى له قصص طفولة، وبالنتيجة يكون قد سمع بالطفولة ولم يذقها... وبعد كل ذلك اليأس والظلام أرى نورًا يبزغ من بعيد، وسط انقاض الآمال، وبقايا الطموح، يخالف كل مألوف عن الظاهر الذي يجري في محيطه. مَنْ ذلك؟! هو طفل! يشق جدران المستحيل وينهض بالطفولة ويرجعها بمفهومها الأصلي، ويسقيها من أنهر البراءة والحب بعد أن فقد والديه في الحرب وأصبح وحيدًا. أخذ هذا الطفل يعبر عن كل ما يراه حوله بلغة الجمال التي لدى الطفولة، حيث صنع في نفسه من نيران الانفجارات شمسًا تضيء الطريق وتدفء الشتاء، ومن الطائرات طيور السلام البيضاء، ومن سواد حطام الحرب ليلًا يتأمل فيه لأحلامه البيضاء، ومن أنهر الدماء أنهرًا تسقي وردة الامل التي زرعها من بقايا الوان نفايات الحرب وخيم التهجير... هذه صورة واحدة مما التقطت كامرة ذكرياتي في عالمنا العربي، وبالأخص العراقي... لقتل برعم من براعم الحياة برماد اليأس والحروق. فبزراعة الأمل تحت تعريف (اليأس)، تخرج لنا بعد فترة شجرة بإكليل، أوراقها تخترق اليأس، وتجمل لوحة الحياة ببريق لونها، مهما كانت قساوتها.

اخرى
منذ 5 سنوات
1325

غُربَةٌ وأُلفَةٌ

بقلم: آمال كاظم الفتلاوي من الصعب على الإنسان أن يعيش غريبًا في وسط أحبابه وأهله... الغربة: أمواج تلاطمت على صخور الجحود، وترنحت على شفا جرف الآلام، عزلة اختيارية تفقدك الشعور بالموجودات، وجدار عالٍ من الصعب اختراقه. كان هذا حال فاطمة وزوجها أيمن، الذي كان لا يتواجد في بيته إلّا في ساعات متأخرة من الليل، يعود مرهقاً لينام ويصحو باكرًا للذهاب إلى عمله، تحتار فاطمة في كيفية التواصل معه، فوقته لا يكفي لتحدثه عن كلّ ما يجري في بيته أثناء غيابه، أو لتبثّه ما يجول في خاطرها أو لتعيش معه لحظات صفاء هادئة... كان هذا الوضع يؤرّقها وتعاني من هذا الإهمال من قِبله، ومن الوحدة التي تُشعِرها بالغربة، وعلى الرغم من أنها كلّمته في هذا الموضوع وأوضحت له ضرورة أن يخصّص لها وقتًا من حياته، إلّا أنه لم يصغِ إليها بذريعة أن عمله أولى، وأنه يأخذ منه كلّ وقته، وأنه غير مقصّر معها من الناحية المادية... إلخ. تعرّض أيمن إلى أزمة صحية بسبب الإجهاد، ونُقل على إثرها إلى المشفى، هرعت فاطمة إليه وحرصت على أن ترعاه كالأم الرؤوم، ولم تفارقه يومًا واحدًا، تسهر على راحته، وتخفّف عنه آلامه، ومع أن الظرف كان غير مفرح إلّا أنّ فاطمة وأيمن شعرا بالقرب الروحي أكثر من ذي قبل، خاصة أنّ الإنسان يحتاج إلى أقرب الناس إليه في ظلّ أزماته... وجد أيمن في فاطمة حنان الأم وحبّ الزوجة وحرص الأخت ووفاء الصديقة، وشعر بأنه يراها من جديد ويكتشف أشياء كانت غائبة عن عينيه، شعر بالفخر حينما كانت تستقبل أقرباءه وأهله الذين لم يرهم منذ مدة طويلة، وكانت مدة رقوده بالمشفى فرصة لإعادة صلة الرحم التي تناساها في خضم حياته التي كرّسها لعمله فقط، وفي يوم خروجه من المشفى قرّر أن يرتب حياته من جديد، وأن يضع جدولًا لكلّ شيء، ويخصّص وقتاً لعمله ووقتاً لزوجته وأهله وأقربائه وأصدقائه، فقد كان ابتلاء المرض فرصة لمراجعة النفس، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد، ليجعل لهم حيّزًا في حياته.

اخرى
منذ 5 سنوات
3090

تجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي(5)

بقلم: علوية الحسيني "وَأسْألُكُمْ بِحَقَّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَبِحَقَّي - فَإنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقَّ الْقُرْبَى مِنْ رَسُول اللهِ - إِلاَّ أعْنَتُمُونَا وَمَنَعْتُمُونَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا، فَقَدْ اُخِفْنَا وَظُلِمْنَا وَطُردْنَا مِنْ دِيَارنَا وَأبْنَائِنَا وَبُغِيَ عَلَيْنَا، وَدُفِعْنَا عَنْ حَقّنَا، فَأوْتَرَ أهْلُ الْبَاطِل عَلَيْنَا، فَاللهَ اللهَ فِينَا لاَ تَخْذُلُونَا وَانْصُرُونَا يَنْصُرْكُمُ الله". هنا في هذا المقطع الخطابي، كلام الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) موجه إلى أنصاره، إذ مثلما يوجد من يسمع خطابه من صنف المحاججين، فكذلك يسمعه من صنف الموالين، فيطلب الدعاء منهم والمعونة، ويبين ظلامته، وظلامة أجداده (عليهم السلام). *وقوله: "وَأسْألُكُمْ بِحَقَّ اللهِ وَرَسُولِه" "أسألكم" السؤال هو صيغة تدل على الطلب. وإن قيل: إنّ الإمام أعلى درجةً من مواليه –بالعصمة والجعل الإلهي- فكيف يسأل العالي الداني؟ فُيقال: بأنّ السياق القرآني استخدم هذه الصيغة على لسان النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) من قبيل قوله: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلاّ المودة في القربى}، فها هو النبي (صلى الله عليه وآله) يسأل قومه -موالين ومعارضين- المودة في قربته. فكذا الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) في خطابه مستخدمًا إياها. -"بِحَقَّ اللهِ" حق الله تعالى هو الإيمان بأصول وفروع دينه، والتحلي بأخلاقه المنزلة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي حفظها وبلّغها الإمام (عجّل الله فرجه الشريف). وقد جاءت روايات معبرة عن حق الله تعالى مبيّنةً أنّ ذلك الحق هو العبادة؛ فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "حقّ الله على العباد أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا"(1). وأخرى بيّنت أنّ حق الله تعالى هو العلم، والعمل بالعلم؛ روي عن زرارة بن أعين، أنّه قال: "سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام): ما حق الله على العباد؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عندما لا يعلمون"(2). -"وَرَسُولِه" أما حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو طاعته، والالتزام بأحاديثه، ومن ضمنها حديث الثقلين، الذي اوصى فيه النبي (صلى الله عليه وآله) بالتمسك بالثقل الاكبر -القرآن الكريم-، والثقل الأصغر -أهل البيت عليهم السلام- روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إني تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسَّكْتُم بهما لن تضلوا؛ كتاب الله المنزل وعــترتي أهل بيتي"(3). -"وَبِحَقَّي فَإنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقَّ الْقُرْبَى مِنْ رَسُول اللهِ" وللإمام (عجّل الله فرجه الشريف) حق خاص على مواليه، منصوص عليه من قبل جدّه رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وهو حق القربى، فلقرابة الإمام (عجّل الله فرجه الشريف)، ورجوع نسبه الطاهر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) شرافة، وتميز وميزة، توجب طاعته والإيمان به؛ حيث سبق وأن أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) بقربته امتثالاً لأمر إلهي، حيث قال تعالى على لسان نبيه محمد (صلى الله عليه وآله): {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ}(4). العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) في تفسيره لهذه الآية ذكر "أنّ الأمر الذي نَفَته الآية هو الأجرُ على تبليغ الرسالة والدعوة الدينيّة، وعن الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السّلام) أنّه خَطَب الناسَ بعد شهادة أمير المؤمنين بن عليّ (عليهما السّلام)، فقال: أنا من أهلِ البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، فقال: قُل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى)"(5). وبما أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من أهل البيت (عليهم السلام)، فيشمله حق المودة في القربى. وهو (عجّل الله فرجه الشريف) يسأل الناس بحقه عليهم. *وقوله: "إِلاَّ أعْنَتُمُونَا وَمَنَعْتُمُونَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا" متعلق الدعاء او القسم: المعونة ودفع الأذى من الظالمين والاعانة، والمنع من أذى الأعداء يتحقق بالدفاع والنصرة عن أهل البيت (عليهم السلام). *وقوله: "فَقَدْ اُخِفْنَا" والمراد من ذلك ما خاف منه أهل البيت (عليهم السلام) من قبل أعدائهم، وهذا لا ينافي عصمتهم كخيفة النبي موسى (عليه السلام). والمتتبع لسيرة الأطهار محمد وآل محمد (عليهم السلام) يجد أنّ أعداءهم قد أخافوهم وروعوهم من أولهم إلى قائمهم. *وقوله: "وَظُلِمْنَا" قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون}(6). فجميع أعداء محمد وآل محمد (عليه وعليهم السلام) كذّبوا الله تعالى وآياته؛ تحقيقًا لمصالحهم وأهوائهم. وأشد ظلامة مرّت عليهم (عليهم السلام) هي واقعة كربلاء، وما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام)، ونسائه، وعياله، كما هو واضح. *وقوله: "وَطُردْنَا مِنْ دِيَارنَا وَأبْنَائِنَا" كما طُرد الإمام الحسين وأهله (عليهم السلام) من مكة المكرمة، وطرد الامام الهادي وابنه العسكري من المدينة إلى سرّ من رأى. *وقوله: "وَبُغِيَ عَلَيْنَا" بغى الشّخص أي "تجاوَز الحدَّ واعْتَدى ، تسلَّط وظلَم"(7). وكلّ انسانٍ يعقل انّ أشد أنواع الظلم هو الجرأة على حدود الله التي أوضحها في كتابه الكريم أو على لسان نبيّه الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله) ، حيث قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(8)، أي: أساء إلى حدود الله بالتعرض لسخط الله تعالى ومقته، ونيل سطوته. فحدودُ الله هي حدود محمّد وآله (عليهم السلام)، ومَن تعدّى على تلك الحدود فهو ظالمٌ لامحالة، وقد توعّد الله تعالى الظالمين بقوله تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}(9). ونِعمَ به سبحانه مِن حكيمٍ ما أعدله. *وقوله: "وَدُفِعْنَا عَنْ حَقّنَا" وأجلى مثالٍ لذلك هو دفع من اجتمع تحت السقيفة حق الخلافة عن الإمام علي (عليه السلام). ودفع معاوية ذلك الحق للإمام الحسن (عليه السلام). ويزيد عن الإمام الحسين (عليه السلام)، وهكذا سائر الأئمة (عليهم السلام). *وقوله: "فَأوْتَرَ أهْلُ الْبَاطِل عَلَيْنَا" لعلّ مراد الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) قطعونا عن أهلنا بالقتل، فأوتروا أهل البيت (عليهم السلام)، كما قالت السيّدة زينب (عليها السلام) للطاغية يزيد: "وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت"(10). *وقوله: "فَاللهَ اللهَ فِينَا لاَ تَخْذُلُونَا وَانْصُرُونَا يَنْصُرْكُمُ الله" وهذا مثيل طلب الإمام الحسين (عليه السلام) النصرة من مواليه في واقعة كربلاء، حينما قال: ألاّ من ناصر ينصرنا. فلعل طلب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) النصرة والمعونة من مواليه حتى يأخذ بثأر من رضي بذلك التخويف، والظلم، والطرد، والبغي، والدفع عن الحق من ذراري أعداء أهل البيت (عليهم السلام). وبما أنّ محمدًا وآل محمد (عليهم السلام) هم أشرف خلق الله تعالى، بل هم بابه تعالى، فتكون نصرتهم نصرةً لله عزّ اسمه وتباركت قدرته؛ فمن ينصر الله فقد نصره الله، قال تعالى في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(11). فظاهر الآية يقول بوجود طرفين، الله تعالى، وناصر الله. وهناك طرف ثالث هو أولياء الله؛ لقرينة خارجية منفصلة، وهي آية كريمة اخرى تقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}(12). فالنصرة فرع الطاعة، فكما أنّ طاعة الله تعالى ورسوله وأولي الأمر –أهل البيت عليهم السلام- واجبة، كذلك نصرتهم جميعًا واجبة؛ فلازم اللازم لازم. اذًا فالثلاثية في آية النصرة محتملة كما تحتمل الثنائية. وتتحقق النصرة أما بالقول، فلعلّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يطلب نصرتنا له بنقل كلامه حين ظهوره، وكيفية محاججته لأعدائه، أو بالرد القولي على كلّ من جحد الإمام ولم يحضر خطبته (عجّل الله فرجه الشريف). أو بالفعل، فلعلّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يطلب نصرتنا له بمحاربة الظالمين الجاحدين، ونصرة خليفة ربّ العالمين. أو بالقلب، فلعلّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يطلب نصرتنا له بالدعاء الخفي، وهذا الاحتمال وارد لمن يعيش في بلدةٍ مكتظة بمخالفين له في العقيدة، فيشكّل مجرّد التجاهر بالدعاء بالنصرة لإمام الزمان (عجّل الله فرجه الشريف) خطرًا عليه وعلى إمامه، فكيف به لو نصره قوليًّا، أو حتى فعليّا؟!. فتتعيّن عليه النصرة القلبية. وعلى كل حال، كأن الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هنا يريد تذكير الناس بمظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، ويُعلمهم أنّ الإيمان بهم إيمانٌ جمعي، فليس بمؤمن من آمن بالأئمة وأنكر القائم منهم (عليهم السلام)، ومن وقف على إمامة إمامٍ، ورغم ذلك فالإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يعطيهم فرصة للإيمان والتوبة. __________________ (1) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج 3، ص 10. ج 71، ص 3، 11. (2) المصدر السابق: ج2، ص113، ح2. (3) أمالي الطوسي: للشيخ الطوسي، ص161. (4) الشورى: 23. (5) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج 52، ص18. (6) الأنعام: 21. (7)ظ: القاموس المحيط. (8) البقرة: 229. (9) الكهف: 87. (10) زينب الكبرى (عليها السلام) من المهد الى اللحد: للسيد محمد كاظم القزويني، ص401. (11) محمد: 7. (12) النساء: 59. اللهم عجّل فرجه، وأيّده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه، ودمدم على من نصب له، وكذَّب به.

العقائد
منذ 5 سنوات
2462

مسرح الطائفية

بقلم: كوناي البياتي على صورة طفل أقنعوني كيف أحب جميع الطوائف! نعم... إنها القناعة، ونقطة التأثير...وموهبة اختيار الكلمات، التي جعلتني أخجل من نفسي، وأبدأ بالبحث عن إنسانيتي، في الأزقة البعيدة عن الرحمة... عندها أدركت بأننا يجب أن نفكر في جميع الجوانب. عندما نحب أو نكره، ويجب أن ندرك جيدًا بأن الحب والسلام نحن فقط من نصنعه... وأن نتجنب قدر الإمكان بأن لا نحوّل أنفسنا إلى مسرح لتنازع العصبيات الدينية... وحتى نتنفس بعيدًا عن هذا الاختناق الفكري والجو الذاتي... فيجب أن... نضع الطفل البريء أمام البندقية التي يجب أن تطلق الورود لا الرصاص! ونصنع روح الأمل… وأن ندع الأفكار المتعبة جانبًا، وأن ندفن التوقعات غير اللائقة لمستقبل وطننا، فنحن من نساهم في بناء وطننا، وترسيخ الأفكار الراقية في عقولنا... وأن لا نكون سببًا لتفككه وانهزامه... قبل أن تتحول هذه النزعة إلى مرض شديد التعقيد، وعميق التجذر، والغرابة، وقبول اختلاف الآخر فيه إرهاق كبير للنفس، ولا يكون إلا لعظماء النفوس، الذين طهروها من العنصرية، وحب الذات، فهنا يلتفت إلى نقطة مهمة وهي إصلاح هذه الروح، ومحو آثار هذا المرض تحت شعار: سيبتسم وطني يومًا ما... أجل إنها الأقدار التي جعلتني أقف، وقفة تأمل... استوقفتني عبارة... عندما طرحنا سؤالًا في إحدى الجامعات... كيف نحترم جميع الطوائف؟ عندها أجاب أحد الأساتذة... عبارة اختصر بها كل شيء، حيث قال: (إذا أردت أن تحترم طائفة... انظر إلى الطفل البريء الذي لا ذنب له... قرر بعدها..) نعم فعندما تتفوق عليك عبارة بأسلوبها المؤثر والمربي... فأعلم أنك مؤهل لإعادة بناء نفسك... نعم عبارة واحدة كانت كافية بأن تعمل على تغيير التيارات الفكرية، التي كانت مصحوبة برياح الأزل، بعاصفة ليس باستطاعة أي كائن تهدئتها، فمنذ فجر التاريخ، منذ أن خُلق الإنسان على وجه الأرض، فعرف ما يضره وما ينفعه، وأدرك السبل المختلفة في مسيرته المجهولة، كان لا يهمه هذا، وإنما يهمه طمع، جشع، ذاته، وجوده، فكانت النتيجة... الفوضى، الظلم، بل كان الهلاك، والدمار، والخراب، فلماذا نتقيد بهذه الأفكار؟! لنطلق العنان ونعلن الحرية، لنتقبل أفكار الآخر، وأن لا نلتفت الى ديانته أو قوميته، فلكل شخص له الحرية في الحياة وفي المعتقدات... لنصل إلى الحرية التي تحبها البشرية جمعاء صغيرها وكبيرها غنيها وفقيرها. ومتى وُجدت الحرية وُجدت السعادة .

اخرى
منذ 5 سنوات
927

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
79586

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59267

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
47593

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
44684

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
43250

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34092