سَألَتنِي المُعَلِمَةُ

بقلم: العلوية سهام جواد محمد دَخَلَتْ عَلينَا مُعَلِّمَةُ الأخلاقِ وَهيَ تَحمِلُ بَينَ يَدِيهَا كِتابًا لَمْ أُميزُ ما اسمهُ. فَسَلَمَتْ وَجَلَسَتْ، وأبتَدَأ الدَرسُ فَبادَرَتْ وَقالت: أُرِيدُ أنْ اطرَح عَلَيكُنّ سُؤالًا وَأُرِيدُ الإِجابَةَ. فَقالَتْ: ما هَو السُّؤالُ الذي تَخَافِينَ أنْ يَسألَهُ إياكِ مُولاكِ وإمامُ زَمانكِ وَصاحِب أمركِ (عجل الله فرجهُ) إذا أذِنَ اللهَ لهُ بالظُّهُورِ؟ لم أتوقع أنْ يأتيَ يَومٌ وأُسألَ مِثلَ هذا السُّؤالَ، فَقَدْ كانتْ كَلِماتها تِلكَ كَالصَّاعِقَة بِالنِّسبَةِ إليَّ واختَلجَتْ في ذِهنِي أفكَارٌ وأفكَارٌ، وَنَظَرتُ إلى زَمِيلاتِي وقَدْ بَدَا على وجُوههنِّ الاستغرابَ! وَأخَذن بِالإِجِابَةِ وَأنا استَمِعُ إلى كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ، وَوَصَلَ الدَّورُ إليَّ فَنَظَرَتُ إلى المُعَلِمَةِ وأنَّا مَذهُولةٌ، لَيتَهَا تَغُضُ بَصَرهَا عَنِّي، وَبَدَتْ أفكَارِي مُشَرَدةً، وَلم يَكَدْ لِسَانِي يَنطِقُ بِكَلِمِةٍ واحِدَةٍ، ولم أدرِ ما أقُولُ حَياءً مِن مُعلِمَتِي وُمِن زَمِيلاتِي لِما يَدُورُ في ذِهنِي مِن الاسئلةِ التي أخشَى أنْ يَطرَحَها عَليَّ الإمامُ (عجل الله فرجهُ)! وَلكنِي أجبتُ بِإجابةٍ وَأنتَهَى الدَّرسُ... ومَرَّ ذَلكَ اليَومَ ولمَّا عُدتُ إلى مَنزِلي أخَذَتْ نَفسِي بالمُحاوَرَةِ فَقالتْ: مَا بَالكِ؟ وَمَا الذي دَهاكِ؟ ومَا هو السؤالُ الذِي أخافَكِ وخَجِلتِ أنْ يَسألَهُ إياكِ مَولاكِ وإمامُ زَمانكِ (عجل الله فرجهُ) وأنْ تَعرِفَهُ مُعَلِمَتكِ وَزَمِيلاتُكِ؟ سُؤالهُ عن تَقصِيرَكِ في الواجِباتِ الشَّرعيةِ التي أمرَكِ اللهُ بها؟ صَلاتِي هَل كانَتْ تَنهانِي عن الفَّحشاءِ وَالمُنكرِ؟ صِيَامِي هل كانَ صِيَامَ جوارحٍ أم إِمسَاكًا عَنْ الطَّعَامِ؟ التَّزامِي بالحِجَابِ الذِي أُمرتُ بهِ أمْ الحِجَاب الذي فَرَضَتهُ عليَّ المُوضَات الخَداعة؟ والى آخِرهِ مِن الوَاجِبَاتِ... أمْ عن عَدمِ ابتِعَادِي عن نَواهِيهِ؟ مِنْ غِيبَةٍ وَنمِيمَة وَكَذِبٍ وبُهتَانٍ... وَغَيرَهَا مَمَّا نَهانِي الله عنهُ أمْ عَنْ سُؤاله عَنْ وَسَائلِ التَّواصُلِ التي قدْ أمتَلأ جَوالِي المَحَمُول بِها حَتى تَكاد تأخُذُ كُلَّ وَقتِي... وَقتِي يا وَيلِي أينَ هَدَرتهُ؟ أينَ أضَعتَهُ؟ أذ لم استَثمِرهُ بِما يَنفَعُنِي وَيَنفَعُ الآخرين مَن حَولِي. أولادِي زَوجِي صِلَةُ رَحِمِي، تفقد أحوالهم، زيارة مرِيضهُم شُؤونِ فُقَرائهُم. والدِي والدَتِي هل هُم راضِيانِ عني أم إنِّي قد قَطَعتُ قَلبِيهِمَا شوقًا إليَّ وحزنًا على تَصَرُفاتِي وابتِعادِي عَنهُمُّا بحُجَّةِ عدمِ وجودِ الوقتِ للتواصلِ، بينما أجدُ وقتًا وليسَ بالقَصِيرِ الذي يُستهانُ بهِ للأمورِ التَّافِهَةِ (جوال، علاقات زائدة وإنْ كانت معَ النِّسَاءِ، لعب ولَهو يِمينًا وَشِمَالًا) أضَعتُ صَلاتِي، قُرآنِي، مُنَاجاتِي مَع الله، مُناجاتِي مَع سَيدِي بَقِيةَ اللهِ (عجل الله فرجهُ) لَم أشعُر بوجُوده معَ أنَّهُ مَوجُودٌ مِعِيَ، وَيَرانِّي... يا اللهُ ما تلك الذنوبُ التي حَجبتهُ عن أنظاري، فأذن أنَّا لَم أكُن منتظرة .... ولم يَكُن اسمي في سِجل المُنتظِرِينَ كما كنتُ أعتقدُ، لأنَّ الذي يَنتظِرُ محبوباً يهيئُ للقائِهِ. وَتَوَقَفَت عن التَّساؤلِ لَحظةً! فَصَدَمتها بسُؤالي وقُلتُ لَهَا: أنتِ تَقُولِينَ إنِّي خائفٌ وهذا صحيحٌ! ولكِنْ أجيبي بصدقٍ: نَحنُ نَعلمُ بأنَّ مَن يُريدُ مُخاطَبَةَ شَخص ما ويوجه لهُ سُؤالًا فاللازم أنْ ينظرَ إليهِ حَتى يَعرِف المُقَابِل أنَّ الكَلامَ موجهٌ إليهِ، فَهَل سينظُرُ سَيدي بقِيةَ اللهِ (عجل الله فرجه) في وَجهِي؟ هل يطرحُ سُؤاله وهو مُلتفتٌ إليَّ أم قَدْ أعطانِي ظهرهُ وأدارَ مُحَيَاهُ المُبَارَكَ عَني. فَهُزِمَتْ نفسي وانهَارَتْ... وبعدَ صَمت عميق بَينِي وَبَينهَا قَالت مُتَفَاخِرةً: لستُ مَن أُجيبكِ، بَلْ أنتِ التي تُجِيبينَ عن سُؤالكِ، لأنَّ الإجابةَ بَدَتْ في ملامحِ وَجهَكِ عندما سَألتك المُعَلِمَة وخَجِلتِي مِن أنْ تُجيبِي أمامَها وأمَامَ زَمِيلاتكِ، فَكَيفَ إذا سَأَلَكِ مَن كُنتِ تَظُنينَ وتعتقدينَ أنَّكِ تَنتَظِرِينَهُ وتتشوَقِينَ للِقائِهِ! فَأفحَمَتنِي وصَمتُّ صمتًا عميقًا وصمَتّ! وفي قَلبِي لوعَةٌ، وكَم تَمنيتُ لو أنِّي أبوحُ لِسَيدي (عجل الله فرجهُ) جميعَ ما يَختلجُ بِداخِلي، وكم تَمَنيتُ لو أنِّي أنتظرهُ باستعدادٍ تام، عارفة بحقهِ مُستعدة للانحناءِ أمامهُ منْ دونِ أنْ أشعرَ بالخَجَلِ، وكَمْ تَمنَيتُ لو أنِّي أقولُ لهُ: سيدي دَعني أُقبّلُ ترابَ أقدامك الطاهرة، سيدي خذ بيدي إلى ما يُرضي الله تعالى ويُرضيكَ، وادع لي بالتوفِيقِ فإنَّ دُعاءكَ مُستجابٌ (اللهم عَجل لوليكَ الفرج)

دراسات في الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
منذ 5 سنوات
4572

مجاب الدعوة يقهر الظالمين

بقلم: حنان الزيرجاوي وإشراق الخاقاني السيد إبراهيم المجاب (عليه السلام). ليلٌ أرخى سدوله، عواصف رعدية تنبئ بهطول مطر جديد، القمر اكتمل ليُحلِق على صدر السماء، والأنجم حوله كأنهن نثار! أرى من بعيد نجمًا متألقًا، من جهة الشمال الغربي للقمر، يعيدني لشخصٍ رأيته مرات ومرات... جذبني علو مكانته، وأثار فضولي ارتفاع شأنه على غرار أقرانه... ترى من يكون؟! الروح تتوق لمعرفة الحقيقة، لتجوز عبر الزمان والمكان، لا تعرف العتمة من وضح النهار. كم هو وافر الحظ الذي شملته رحمة الله لتجعله يرقد في جوار المعصوم، فالبعض يخلد بإشارة من سيد الشهداء وتكون تلك الإشارة وسامًا حسينيًا خالدًا . كيف بالذي تضمه تربة واحدة مع سيد الشهداء؟ فهو محل للبركات وسبيل للنجاة، فالشمس إذا طلعت أفلت النجوم، ترتقي لتزين الأرض بمصابيح الأنجم الزاهرة في صفحة الثريا حائمة حول القمر الدري لتملئ القلوب نورًا. هكذا هم اعلام البيت العلوي والفاطمي. مظلومٌ، كآبائه! فلم تنقل الأخبار لنا إلاّ النزر القليل عنه (رضوان الله عليه)، في حين تغص الكتب بأخبار الفاسقين في عصره! بدأنا نتداول أطراف الحديث؛ نبحث لاستقصاء الحقيقة؛ لمَ كل هذه العظمة؟ هناك سر علينا معرفته! ما أن ينتهي الزائرون من التشرف بزيارة المرقد الشريف للإمام الحسين (عليه السلام) وولده علي الأكبر والشهداء والأصحاب يتجهون نحو الرواق الغربي حيث مرقد السيد إبراهيم المجاب (عليه السلام). نسبه: هو السيد إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن موسى بن جعفر (عليهما السلام). والده: كان أبوه من خيرة الخلق ومن أفاضل أولاد الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، كان يلقب بالعابد لكثرة عبادته، وصومه وصلاته وورعه. ولكن حاله حال آبائه وأجداده نُكّل به وشرد وشتّت عائلته بسبب الظلم والجور ودفن في شيراز. والدته: أم ولد (١). زواجه: يقال: إنه تزوج من قبيلة بني أسد الساكنين محاذاة الفرات، وارتباطه بهذا الزواج يجعل منه محميًا للتنقل معهم في حلهم وترحالهم. ذكر المؤرخون بأنه سيد ضرير، كان يقطن في الكوفة يطلق عليه: (الضرير الكوفي) قلت كما قالوا: الله يجعل سره في أضعف خلقه. لم نجد له أثرًا في الكوفة! لم تخُر القوى لنواصل البحث... قال آخر: إنه في سنة من سني عمره رحل لكربلاء بعد انتهاء حكم المتوكل سنه ٢٤٧ھ، وآثر الاستيطان فيها، سكن في الحائر الحسيني مع عائلته... أول علوي يستوطن كربلاء بعد واقعة الطف! سكن إلى جوار جده الحسين (صلوات الله عليه)، عمَّر حرم الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، كانت مقاليد الحرم تحت يديه... قيل: إنه (رضوان الله تعالى عليه) سلم على أبيه الحسين (عليه السلام) فرُدَّ عليه السلام فلُقّب (بالمجاب) فأي منقبة تلك! دفن في جوار جده الحسين (عليه السلام) وأي فضل هذا ومما زاد على الفضل بروز قبره على سائر القبور الأشراف والوزراء التي دفنت هناك... نعم، إنه سيد إبراهيم بن محمد العابد بن الامام الكاظم (عليهم السلام) المعروف (بإبراهيم المُجاب) المدفون في الرواق الشمالي الغربي لضريح أبي عبدالله الحسين (عليه السلام). ألقابه: -المجاب: حظي بجواب المعصوم -وهذه كرامة عظيمة- لخصوصية أراد الله أن يحبوه بها، فعندما دخل مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) وألقى السلام فقال: السلام عليك يا أبي، جاءه الرد: وعليك السلام يا ولدي. (٢) ويقال: إن سبب تسميته بالمجاب لشدة ورعه وتقواه، وقد يكون بسبب أن الدعاء عند قبره مستجاب سواء بدعائه أو عن طريق أجداده المعصومين (سلام الله عليهم). -صاحب الصندوق: لُقب به وذلك لعدة أسباب منها: إنه لا يوجد قبر عليه صندوق من غير أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) إلا هو، رغم وجود آلاف القبور في المرقد الشريف، إذ إن قبره الوحيد من بين قبور السادة والعلماء والأفاضل من غير أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) كان عليه صندوق بارز ومن ثم شباك ظاهر. (٣) ففاز ببروز قبره فوق نسبه الشريف. كما قد يكون قد وضع على قبره صندوق ليميزه عن قبر عمه إبراهيم بن موسى بن جعفر (عليه السلام) المدفون خلف ظهر الإمام الحسين (عليه السلام) بستة أذرع وليس على قبره صندوق، أو قد يكون المقصود هو وضع صندوق لوقفيات المرقد الشريف. -الضرير: لأنه فاقد للبصر - الكوفي: لأنه يسكن الكوفة قبل مجيئه إلى كربلاء. جانبٌ من أحداث حياته: -انتقل إلى كربلاء في سنة ٢٤٧هـ بعد هلاك المتوكل الذي هدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان برفقته نفر من بني هاشم وبرفقة الاشناني الذي شهد هدم القبر الشريف. -قام بخطوة استشهادية عندما استغل فرصة تراخي السلطة في تلك الفترة بعد موت المتوكل وسكن كربلاء. إذ إنه لم يستطع أحد قبله بالاستيطان في منطقة الحائر، بسبب تتبعهم من قبل السلطات الظالمة وأنزال أقصى العقوبات، فكان له الشرف بعمارة القبر الشريف. - يعتبر شرف تنصير كربلاء وجعلها مدينة استيطانية كان من نصيب السيد إبراهيم المجاب (عليه السلام) عندما سكن هو وأولاده وذريته بها... أثبت السيد إبراهيم المجاب أن منهج أئمتنا (عليهم السلام) في حث شيعتهم على الاندماج داخل محيطهم ومجتمعاتهم وفي توطيد علاقاتهم الاجتماعية هو المنهج الصحيح، وأن لا يكونوا أفرادًا منفرين للمذهب وإنما يكونوا زينًا للمذهب وليس شيناً، وأن المعطى الثقافي هو الأولى في حركة التشيع، فهو الذي يجعل من التمدد دون إثارة الطرف الآخر ودون استدراجهم لردود الفعل، وأن كان ثمة ظلم قد يقع فليقع لأننا نمتلك الحجة عليهم وهي ليست بيد خصمنا من خلال عدم تمكينهم من رقابنا. لذلك ذهب إلى كربلاء واندمج في المجتمع وأصبح شعاعًا يجذب الناس للاستيطان في تلك البقعة المطهرة لترتقي وتشمخ المنارات الذهبية لكل من هب ودب رغم أنوف أعداء أهل البيت (عليهم السلام). ____________________ ١- كتاب الارشاد للمفيد ٢-كتاب غاية الاختصار ٣-كتاب الاعيان

اخرى
منذ 5 سنوات
2427

الإدراك البشري (2)

بقلم: كوناي البياتي العقل الإيماني العقل الإيماني: هو العقل الدي يصل إليه الإنسان بعد خبرته العميقة في الدين وصحة مبدئه، وهو الإنسان الفطن الدي يحمل دينه وحججه في عقله ويقوي عزيمته ويضعف عزيمة من يعارض دينه. العقل الإيماني يحلي الدين ويسهل الواجبات في عينيك، فيتحول العبد من عبد فقط لله إلى عبد ومحب لله (عز وجل)، أي يستشعر وجود الله ومحبته في قلبه وكل تقلباته. فيعمل كل شيء لوجه الله ومحبة لله تعالى، فلا يصلي الفرائض كتأدية واجب أو خوفًا من النار، بل يصلي لأنه يريد أن يصلي ولأنه يرى الصلاة لقاء مع الله (عز وجل). وكذلك باقي العبادات. الإيمان الصحيح إنما هو بشاشة الروح ورضا القلب والنفس، الإيمان الحقيقي لم يكن يومًا بالصلاة أو الصيام ما أكثر القائمين وما أقل المصلين. قالت أمي لي: ابنتي، إذا عصيتي الله ستدخلين النار… لم تخبرني أنني إذا عصيت الله ابتعدت عن الجنة، كنت انا بنفسي أخمّن العكس، أي بأن لا أذنب حتى لا ابتعد عن الجنة... كانت الأصح أن تخبرني أن الذنب يبعدني عن الجنة. فكلمة النار مرعبة في حد ذاتها فكيف باستقبالها عند الطفل. حتى في فريضة الصلاة، اخبرتني أمي أن الصلاة عبارة عن فريضة تقام خمس مرات في اليوم وأنني مجبرة عليها في كل حالاتي. لم تخبرني أن الصلاة لقاء مع الله (عز وجل) وأنها رياضة أخلاقية وصحة للبدن وإصلاح للنفس، وليست كما أدعت أنها حركة بدنية من قيام وركوع وسجود فكنت بدل عجزي عن تأديتها كنت أعشق أوقاتها وأصليها رغبة وشوقًا فتتحول الصلاة من أضعف معانيها إلى أقواها، حتى في الوضوء يتحول عندئذ إلى مسحة سماوية ينساب في شعوري فيشفيني من الاسقام والضلال. حتى في تلاوة القران عندما لمسته أول مرة غضبت أمي وقالت احذري أن تخطئي في تلاوتها واخبرتني أنني إذا لفظت الهمزة ألفًا لكانت صلواتي غير صحيحة ولربما أدخل النار بسب الهمزة. أمي غرست عندي نفورًا من القرآن، لخوفي أن أخطأ فيه. لمَ لمْ تخبريني أن القرآن حديث العبد مع الله وليس مجرد دقة في اللفظ وتمتمة كلمات اكررها؟ كان أجدر بكِ أن تخبريني كالآتي: ابنتي إنه أول لقاء بينكِ وبين الله (عز وجل) لربما لا تتقنين القراءة، ولكن معًا ستتقنين اللقاء والأسلوب وأن الله (عز وجل) لن يؤاخذك على أخطاء تسعَينَ من خلالها للوصول إليه، وأنه (عز وجل) سيسهل طريقك في الوصول إليه. ثم يأتي شهر رمضان لتبدأ مراقبة أمي لنا خوفًا أن نفطر ليتها كانت تراقب أفعالنا، وعندما سألتها عن سبب الجوع والعطش في هذا الشهر؟ أجابت: رب العالمين شرع الصيام لنمسك عن الطعام والشراب شهرًا كاملًا ومن لم يصم رمضان يدخل النار. يا إلهي متى تكف أمي عن لفظة النار؟ أليس هناك غير هذا المصطلح؟! هكذا دائمًا كانت إجابات أمي مختصرة وغير مفرحة ولا ناجحة… كيف يا أمي؟ رب العالمين يريد منا أن نبقى جياعًا وقد قتل الظمأ قلوبنا؟ لماذا يا أمي لم تخبريني أن الصوم صوم الروح قبل أن يكون صوم البدن؟ وأنه إمساك عن الرذائل قبل أن يكون إمساكًا عن الطعام والشراب؟ وأنه تهذيب للنفس وتزكيته؟ ثم يأتي شهر الحزن شهر محرم، وتبدأ أمي تبكي وتلطم وترتدي سوادًا حتى في ملامحها... وعندما أسألها عن سبب بكائها، تجيب أن في هذا الشهر استشهد إمام من أئمتنا يدعى (الحسين).. كانت تبدو على ملامحي علامات استفهام... ليت أمي تشرح لي الأشياء على حقيقتها... إلى أن كبرت وعلمت أن أمي اكتفت بالتعبير عن ظلم الإمام الحسين (عليه السلام)، بجملة مختصرة ولم تفلح بتعريف تضحية الحسين ورسالته لابنتها... كان أولى لها أن تخبرني أن الحسين ثورة وأنه عالم كامل، فقضية الحسين ليست البكاء فقط وإنما مدرسة، الحسين نور إلى الآن نبصر به. وأنني أرى قضية شهادة الحسين مدعاة للفخر والسرور فليس كل الأديان تمتلك قائدًا كالحسين، وأنني أرى ضرورة شرح قضية الحسين وغايته أكثر من الاغراق في البكاء واللطم الذي لا يجدي نفعًا مثل ما سبقها. __________ * ليس المقصود هنا الام الخاصة بكاتبة المقال بل هو نداء للأمهات جميعًا

اخرى
منذ 5 سنوات
1744

قبسٌ عقائدي من نورِ الإمام الجواد

بقلم: تقوى القلوب إحدى الوسائل التربوية التي اتبعها أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وأيضًا وسيلة لبث علومهم من دون إثارة حفيظة الظلام، هي: الدعاء. الإمام الجواد (عليه السلام) كسائِر الأئمة تعرّض للظلم والتضييق من قبل الحكام الظالمين وأعوانهم، وقد كان عليه من جهة أخرى القيام بأعباء الإمامة والخلافة عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، في نشر تعاليم الشريعة المقدسة لكافة النّاس. وقد قام باستخدام الدعاء لبث التعاليم الإسلامية ونشر العلوم المحمدية، وقد ورد عنه (عليه السلام) عدة أدعية وأذكار، سنأخذ واحداً منها وهو: دعائه (عليه السلام) في شهر رمضان: "يا ذا الذي كان قبل كل شيء، ثمّ خلق كل شيء، ثمّ يبقى، ويفنى كل شيء، يا ذا الذي ليس كمثله شيء، ويا ذا الذي ليس في السّماوات العُلى ولافي الأرضين السّفلى، ولا فوقهنّ، ولا تحتهنّ، ولا بينهنّ إله يُعبَد غيره، لك الحمد حمداً لا يقوى على إحصائه إلا أنت، فصلّ على محمّدٍ وآل محمّد، صلاةً لا يقوى على إحصائِها إلا أنت" (1) - المضامين العقائدية العالية في دعائه (عليه السلام): الدعاء فيه مطالب عقائدية مهمة والتركيز من قِبَله (عليه السلام) على عقيدة التوحيد واضح، باعتبار أنه هو أصل الأصول، وأما باقي الأصول الاعتقادية، والتي هي العدل والنبوة والإمامة والمعاد، فإنّما هي مترشحة ومتفرعة عن ذلك الأصل. يفتتح دعاءه بقوله (عليه السلام): "يا ذا الذي كان قبل كل شيء" إشارة إلى أن الله تعالى هو القديم والمنزه عن الحدوث والتغيير. في توحيد الله (عز وجل) لا يكفي فقط إثبات الصفات الكمالية له سبحانه مالم ننزه ذاته المقدسة عن جميع صفات النقص. يكمل ويقول: "ثمّ خلقَ كلَّ شيء". ذكر الإمام في هذه الفقرة من الدعاء أن الله تعالى هو خالقُ كل شيء في إشارة منه إلى التوحيد في الخالقية، وأيضًا لتذكير النّاس عامّة والمسلمين خاصة بفضل الله تعالى عليهم إذ أفاض عليهم نعمة الوجود والخلق، بل وخلق كلّ شيء لأجل الإنسان ولخدمته. في قوله (صلوات الله عليه): "ثمّ يبقى ويفنى كلّ شيء" إتمامًا لذكر صفة القِدَم لله تعالى ذكرَ صفة البقاء والخلود، والاسم الجامع لهاتين الصفتين هو: السرمديّ، أي الذي لا أول لأوليته ولا آخِر لآخريته. "ويا ذا الذي ليس كمثله شيء" تنزيهًا وتقديسًا لله تعالى من أنه الرب الذي لا مثيل ولا شبيه له، فهو لا يشبهه شيئاً من مخلوقاته ولا يمكن أن يشبهه شيءٌ من صنع مخيلاتنا أو أوهامنا. ويستمر الإمام (عليه السلام) في التنزيه والتقديس فيقول: "ويا ذا الذي ليس في السماوات العُلى... ولا بينهنّ إله يعبد غيره" هنا يذكر الإمام أهم محور من محاور التوحيد ألا وهو: التوحيد في العبودية. وهنا قد يسأل سائل: - لماذا ذكر الإمام هذه الفقرة؟ وماذا يقصد بها؟ وهل بعد مجيء الإسلام والدعوة لعبادة الله تعالى الواحد الأحد وإزالة جميع الأصنام التي كانت تُعبد من دونهِ تعالى، هل بعد ذلك نحتاج إلى التذكير بأن الرب والمعبود هو الله عزّ وجلّ؟! في مقام الجواب نقول: نعم، فقد يكون نور الإسلام قد أزاح ظلمة الشرك الظاهر بالله تعالى في عبادة من سواه بدعوى أنه -وسبحانه- إله في السماء فقط، أو أن عبادة آلهة أخرى هي لتقربهم إلى الله زلفى، قال تعالى: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعبُدُهُم إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلفَى" (2)، ولكن هناك من أشركَ مع الله تعالى في العبادة، سواءً كان متعمدًا أو غافلًا، ومنها: 1- هوى النفس، كما في قوله تعالى: "أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَواهُ" (3) 2- الإتيان بالأعمال العبادية رياءً والسمعة، كما في الرواية عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): "إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء...." (4) ويستمر بدعائه (عليه السلام): "لك الحمد حمدًا لا يقوى على إحصائه إلا أنت". عرّجَ الإمام (عليه السلام) هنا على بيان أهم واجبات العبد تجاه الرب المنعم والخالق والإله الواحد وهو: الشكر له، لأن العقل أولاً هو من يفرض علينا شكر المنعم، والنصوص القرآنية التي تؤكد على شكر الله تعالى كثيرة ومنها قوله تعالى: "ثمّ بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون" (5) والروايات الشريفة أيضًا تؤكد على هذه المسألة المهمة. وقوله (سلام الله عليه): "حمدًا لا يقوى على إحصائه إلا أنت" بيان جليّ عن أنّ نعم الله كثيرة ولا يمكن إحصاؤها، فإن كنّا عاجزين عن إحصاؤها، فنحن عن شكرها أعجز. فيوكل (عليه السلام) له سبحانه، عدد الحمد والشكر على جميع النعم. "فصلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، صلاةً لا يقوى على إحصائِها إلا أنت" لم يغفل الإمام (عليه السلام) عن تنبيه المؤمنين من أنّ واسطة الفيض الإلهي للعباد هو وجود الرسول الأعظم وآله الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين)، وتقديم الصلوات لتلك الذوات النورانية هو من باب الشكر، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، كما أنّه هنا أوكل إحصاء الصلاة إلى الله تعالى، وهذه أيضًا إشارة إلى فضل الرسول الكريم وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) وأنه مستمر ما دامت الحياة إلى يوم القيامة. فسلام الله على إمامنا الجواد يوم ولِد ويوم قضى شهيدًا مسمومًا ويوم يبعثُ حيًّا. _____________________ 1/كتاب المقنعة للشيخ المفيد. 2/سورة الزمر (3) 3/سورة الجاثية (23) 4/عدة الداعي لابن فهد. 5/سورة البقرة (56)

اخرى
منذ 5 سنوات
1752

لماذا أنت حزين أيها الطائر؟

بقلم: عبداللطيف الشميساوي لحكايات أجدادنا وآبائنا نكهة وطعم لا يكاد يفارق مخيلتنا، وكل حكاياتهم عبر ومواعظ ودروس لعلهم استلوها من واقعهم المليء بكل صور الوفاء بالعهد، وأداء الأمانة وصدق القول والحديث. لا أنسى كيف كنا نجلس حولهم كتلاميذ مطيعين لأستاذهم، نحدق بأبصارنا إلى حركة شفاههم مرة، وإلى نظرات عيونهم أخرى، وكلنا شوق لسماع قصة جديدة عادة ما تنتهي بحكمة أو موعظة أو طرفة فيها من المعاني الكثير. ومن خلال حكاياتهم غرسوا فينا حب أهل البيت (عليهم السلام)، واسمعونا مآثرهم، ولازلت لا أنسى أبي (رحمه الله) وهو إذا رأى أحدنا يحسن للآخرين ويعبث في بيتنا كانت تملأ وجهه الابتسامة، وهو يقول: (هذا أخوكم مثل حمام الكاظم). كان ذلك المثل كلما ذكره أبي أتساءل في نفسي. لماذا هذا الحمام بالذات؟ وكبرت وكبر معي كل شيء، ورحل أبي عن هذه الدنيا، ولكن لم تزل حكاياته هي... هي... تأخذ صداها في نفسي، ولم أنس ذلك الحمام... وفي يوم ذكرى استشهاد مولاي الإمام محمد الجواد (عليه السلام)، حضرت مع أصدقائي إلى ضريحه الطاهر، وبعد أداء الزيارة رأيت تلك الطيور تهبط وتعلوا في المرقد الشريف غير آبهة بكثرة الزائرين، ولا خائفة ولا وجلة بل تهبط بكل طمأنينة لتلقط حبها وتحلق عاليًا. نعم، فأسرابها لا تنقطع هبوطًا وصعودًا، هنا تذكرت مثل أبي الذي كان ينعت به أحد أخوتي والذي تبين لي معناه وقصده فيما بعد. عجبًا! عجبًا! هناك طائر من بين تلك الطيور حزين لا يشاركها الطعام، ولا متعة الطيران والمرور بين الزائرين، وكأنه في عالم آخر، بجلسته الحزينة وهو مطأطأ رأسه، وقد جلس على بعض الشُرَف القليلة الارتفاع. دنوت منه رويدًا، رويدًا… ظنًا مني أنه سيهرب حين أدنو منه، ولكنه غير مكترث لقربي منه، كدت ألمسه، فخفت أن يفارقني، فحدقت به كثيرًا وكنت أمعن النظر إليه طويلًا... وأخاطب نفسي وأسألها... لماذا هو يبدو حزينًا؟ لماذا لا يمتع نفسه مع الآخرين؟ لماذا لا يلتقط طعامه أما يخشى أن ينتهي الطعام ويبقى جائعًا؟ أهو مصاب بعلة؟ وأنا أطرح بالأسئلة تباعًا، وبدت نظراتي إليه تأخذ منحى الاشفاق عليه... وإذا بي أسمع همسًا... بل صوتًا رقيقًا ضعيفًا حزينًا شجيًا... لا... لا... لا... ليس كما ظننت أيها المحب لإمامك. قلبت طرفي يمينًا وشمالًا فلم أجد أحدًا يخاطبني. أنّا... أنّا... من يخاطب... أنا الطائر... فتحت عيني مستغربًا ومذهولًا... وإذا بالصوت يخرج منه. نعم... أنا... وفيمَ الدهشة أيها الموالي... رأيتك تركت كل شيء حولك وصرت تتساءل عن ما أنا فيه... ازددت دهشة وتعجبًا! واقتربت أكثرًا منه... وقلت في تعجب! أنت؟ نعم أنّا... اجلس وسأُخبرك عن حالي... امتثلت لأمره وجلست حتى كاد يلامس أذني. اصغ لي أيها المعزي... اصغ ولا تقاطعني. ولا تسألني كيف هذا؟ أو لماذا حدث؟ فقط... اصغ لحديثي... حدثني أبي كما كان يحدثك أبوك عن أجداده، في زمن ماض كان جدي ومعه مجموعة من أصدقائه اعتادوا أن يذهبوا كل يوم إلى بيت الإمام الجواد (عليه السلام)، وينزلوا على سطح داره ليجدوا طعامًا وشرابًا لم يجدوا ألذ منه في الوجود، ومرت السنوات وهم على هذا الحال، وقال أبي عن أجداده: في يوم من الأيام ذهبنا لنمتع أنفسنا بلذيذ الطعام والشراب، وهبطنا كعادتنا فرحين يسابق أحدنا الآخر وكانت المفاجئة! لم نجد طعامًا أو شرابًا... انتظرنا، انتظرنا! ولكن بدون جدوى. أشار عليهم أحدهم أن ننزل بصحن الدار فنزلنا لم نجد شيئاً... طفنا حول الدار ونحن نسترق النظر والسمع من نوافذه لم نستطع فكها مغلقة. عجبًا! هل غادر الإمام داره... قال أحدهم: لا، لا... حتى وإن غادر فهو كريم ابن كرماء لا يغادر ويتركنا بدون أن يهيأ لنا طعامنا وشرابنا. غادرْنا ونحن في حزن شديد... وعدنا في اليوم الثاني لنرى من بعيد شيئًا على سطح الدار، ففرحنا وأخذ أحدنا يسابق الآخر. يا للدهشة! يا للدهشة! ما هذا؟ إنه إمامنا مسجى على سطح الدار يتقلب من الألم وشفتاه ذابلتان. نظر أحدنا إلى الآخر وطرنا نبحث عن ماء نحمله إليه وجدنا الماء حملناه بمناقيرنا مع قلته، ولكن لعله يبرد غليل إمامنا... وصلنا إليه... يا للمصيبة! يا للفاجعة... قد قضى نحبه عطشانًا... وبقي ثلاثة أيام على سطح داره ونحن نحمل إليه الماء لنرشه على جسده الطاهر، ونصنع له ظلًا من حرارة الشمس بأجنحتنا، ونمرغ أجسادنا بجسده الطاهر. هل عرفت أيها الباكي لمَ أنّا حزين.

اخرى
منذ 5 سنوات
2140

جواد الأئمة

بقلم: سماهر الخزرجي السكون يعم المكان (سكينة الروح) وضجيج الناس يملأ الأزقة، الناس رائحة وغادية، وضحكات صبية تعلو تارة تلو أخرى، وقف بقربهم صبي جميل الشمائل حسن المكارم بهي الطلعة، بينما كان هناك موكب مهول يتقدمهم، تزين بالفرش والديباج يحيطه رجال خاضعون لأوثان مطامعهم، أثار ذلك المنظر الذعر والخوف في الصبية ففروا متفرقين في الطرقات والأزقة، ولم يبق إلا ذلك الصبي منتصبًا في مكانه ومن بين جنباته يضيء النور الجلي... هاله منظر الصبي ورباطة جأشه وقوة شكيمته، ما زال صبيًا لم يشتد عوده بعد، لكن في نظراته وخلجات نفسه ما يوحي بأن لديه النفس الأبية والقوية في جنب الله، فترك فراشه الوثير وحث الخطى ليسأله ما باله لم يفر مع الصبية؟! فتهادر إلى أذنه صوت مليء بالثقة والشجاعة: ما ليَ ذنب فأفرَّ منه ولا الطريق ضيق فأوسعه عليك، فسر حيث شئت… جوابٌ صعقه، ضعضع أحلامه، وسرق منه غبطة الشبيبة، فأربد وجهه واكفهرّ كقطع الليل المظلم، وقطب حاجباه وامتقع لونه وعُقل لسانه، فلا الكلام ينقاد له، وبدا سحر الحياة يتحول إلى صحاري مقفرة، تمتم بين نفسه (لم يكن للشجاعة لسان من قبل)! لقد تلبست أرواحَهم الأبالسةُ، وظلام الخطايا يخيم على أرواحهم، فجرهم إلى أعماق الهاوية متناسين الزمن المتسارع نحو العدم... اضرم في قلبه نارًا للحقد وتركه يتلوى في اضراها نارًا. فظهرت مخبآت الصدور، وبدأت تحيك المؤامرة لإطفاء ذلك النور الأزلي، ولم يعرفوا بأنهم يحفرون لحود تاريخهم بأيديهم، وينفثوا فيها لهات علة باتت تتابع عليهم اللعن الأبدي فتناسوا أنه من سلالة قالوا عن أنفسهم: (نحن أهل بيت النبوة لقد زُققنا العلم زقا، فإن كبيرنا لا يقاس وصغيرنا جمرة لا تداس).

اخرى
منذ 5 سنوات
2469

محادثة قبل السحر

بقلم: حنان الزيرجاوي اعتادت أن تتلو بعض آيات القرآن الكريم قبل أن تخلد إلى النوم، لتشعر بالطمأنينة والسعادة الغامرة؛ لتسافر في عالم الملكوت، وهي تتأمل في بليغ نطقه، وتتدبر جميل معانيه، وختمت تلاوتها بالآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم}ٌ. فآوت إلى فراشها وهي تردد هذه الآية الكريمة، وتسبح الله وتحوقله، سبحانك ربي كيف لمن يعاشره الإنسان ويحبه، ويغدق عليه مما رزقه الله، ويقابل هذا الإحسان بالعداء والبغض، هل فعلا من يفعلون ذلك يحملون قلبا بشريا وعواطف واحاسيس؟ كيف لمن يُحسن إليه، يقابل ذلك الإحسان بالإساءة؟ كانت تدور في رأسها تلك الأسئلة وغيرها، وهي تقلب صفحات التاريخ لتقف على تلك النماذج وتشمئز نفسها، كلما تذكرت واحدة منهن، وانتهى بها المطاف إلى خائنة فاقت الأخريات في كل شيء، فبدأت تخالجها أفكارها، كيف تجرأت هذه اللعينة على إمام معصوم كالإمام الجواد؟! فأخذتها الغفوة عنوة ليسري بها عالم أحلامها إلى زمن كان الإنسان يخشى أن يقال له شيعي. وهنا التفتت لترى باب ذلك الزمان قد فتح مصراعيه ليتلقفها بأكف حِنان، ودمعة حزن ليهمس بأُذنها: أراك مشوشة البال تغرقين ببحر أفكار تكاد تسلبك رغيد نومك . التفت إليه فأجبتُه: نعم... نعم... سبرت أغوار ذلك العالم الذي لم آلفه، ولم يتسن لي أن أرى ملامحه، فقدحت في قلبي التفاتة، وناديت في ذلك العالم: يامن يسمع صوتي، أُنادي... هل من مجيب على ندائي؟ وفي صخب عالم لم يألف الهدوء سرى إلى سمعي صوت لا أكاد أميز نبراته، وهو يهمس في أذني: ماذا؟ ماذا؟ ماذا؟ فأجبته وأنا تهزني قشعريرة خوف: نعم... نعم... فأعاد... ماذا تريدين وسط هذا الصخب؟ هنا استجمعت قواي وكأني أُصارع موجًا جارفًا: هل لي بإجراء مكالمة عبر اثير زمنكم؟ مكالمة! قالها متعجبًا ومستغربًا: ماذا تقصدين بمكالمة؟ في عالمنا الذي أعيش فيه من يريد أن يكلم شخصًا تبعده المسافات يتصل عبر أثير زماننا. مهلًا... مهلًا... دعيني آلف بل دعيني استبق الزمان لأهيئ لكِ ما تطلبين. مرت برهة صمت قاتلة، وإذا به يهمس لي ثانيًا: تفضلي... تفضلي أيها المتطفلة على الزمان فأثيرنا متاح لك... تكلمت في أثيرهم دون معرفة رقم هاتف، وناديت أريد أن أتكلم مع أم الفضل. فأدهشتني سرعة الإجابة: أي أم فضل تريدين؟ فلدينا الكثير الكثير، أهي صالحة أم طالحة؟ فأجبت: بل هي طالحة؟ أي نوع من الذنوب ارتكبت؟ فأجبت: لا أعلم عنها، وعن ذنوبها كثيرًا لكن أعلم أن لها ذنبًا يفوق كل الذنوب، هي قاتلة لبعلها وهو خير خلق الله في زمانه. - أم الفضل بنت المأمون إذن هي! فقلت: نعم. فبادرني: أن الاتصال بها صعب جدًا جدًا... ولكن انتظري قليلًا... وإذا بصوت يرتجف، ويتلعثم في الكلمات... أنا أم الفضل من يناديني... فدهشت وارتعدت فرائصي، ثم هدأت قليلًا وأنا أخاطب نفسي: هذا طلبك... هذا مرادك فبادرتها بالسؤال: كيف تجرأتِ على قتل إمام معصوم؟! وكيف للمرأة الرقيقة الحنونة أن تفعل ما فعلت؟! فإذا بذلك الصوت المرتعش يجيبني: كنت في زمان غير زمانكم، كنت احمل بغضًا وحقدًا، وحسدًا لو وجّهته نحو جبل لتضعضع، فقد غُذيت وتربيت وطعمت حقدًا، وبغضًا لأهل هذا البيت، بحقدي وبغضي هذا كنت اتمنى تقطيعه اربًا اربًا. ولكن لم يتسن لي ذلك، ولما جاءت الفرصة وطُلب مني أن أدس له سمًا فرحت فرحًا شديدًا، وكم كنت في نشوة الفرح وأنا أراه يتناوله، كنت مأمورة بدس السم فقط، ولكن بغضي لهم جعلني أفرغ البيت من الماء لأني أعلم أن المسموم يطلب الماء، وأوصدت الأبواب جميعًا بشكل محكم، وخرجت وأنا أشعر بالزهو لانتصار نفسي! هنا انقطع صوتها... ناديت... ناديت... لم يجبني أحد. وأنا أُنادي وإذا بأمي توقظني... وهي مفزوعة... ما بكِ؟ ما بكِ؟ فانتبهت، أنا كنت في عالم ليس عالمي... استغفرت الله وتوضأت، وجلست على سجادتي وأنا أبكي وأبكي على مصيبة إمامي الجواد (سلام الله عليه) الذي مات عطشانًا كجده الحسين (سلام الله عليه).

اخرى
منذ 5 سنوات
1179

وريث العلمِ والتُقى الإمام محمد الجواد (عليه السلام)

بقلم: أم باقر الربيعي بيتٌ ليس كسائر البيوت، بيتٌ هو للشرفِ والعلم ِوالقداسةِ والطهارةِ عنوان، بيتٌ أذِنَ اللهُ أن يُرفعَ ويُذكرَ فيه اسمه، لمع نجمُ الامامةِ في فضائه فزاده علواً ورفعةً، بلغ الإمام محمد الجواد ( عليه السلام) مُنذ صغره من العلمِ والحكمةِ والادبِ وكمالِ العقل؛ بحيث لم يساوه أحدٌ من مشايخ زمانه ولا علماء دهره، والقاعدة العقلية تحكم بعدم جواز تقديم المفضول على الفاضلِ. وكيف لا يُقدَّم من استقى العلمَ والمعرفةَ من آبائه وأجداده (صلوات الله عليهم أجمعين)، الذين كان علمهم من منبعِ النبوة وارتوت شجرته من معينها المعطاء، ففي التاسعةِ من عمره الشريف أراد أعداء الدين إفحام الإمام (عليه السلام) ببعض الأسئلة لبيان عجزهِ عن الإجابةِ، فاتفق علماء ومشايخ زمانه على أن يسأله يحيى بن أكثم قاضي القضاة في زمانه... فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي جُعلتُ فداك في مسألة؟ فقال (عليه السلام): سَل ما شئت. فقال يحيى: ما تقول جُعلتُ فداك في مُحرمٍ قتلَ صيدًا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): في حِلٍ أو حَرم؟ عالمًا كان المُحرم أو جاهلاً؟ قتله عمدًا أو خطأ؟ حُرًّا كان المُحرمُ أو عبداً؟ صغيرًا كان أو كبيرًا؟ مُبتدِئاً كان بالقتلِ أو معيدًا؟ من ذواتِ الطيرِ كان الصيد أم غيرها؟ من صغارِ الصيدِ أم من كبارها؟ مُصرًّا كان على ما فعل أو نادمًا؟ ليلًا كان قتله الصيدِ أم نهارًا؟ مُحرِمًا كان بالعمرةِ إذ قتله أو بالحجِ كان مُحرِمًا؟ فتحير يحيى بن أكثم وتلجلج لسانه وبان عجزه وقد لاحظ جميع من في المجلس ذلك" (1). هذا جانب من جوانبِ علمهِ الوضاء الذي لا زال يزين صفحات التأريخ على مر العصور والأجيال، قال تعالى: "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)"(2). عاصر الإمام الجواد (عليه السلام) اثنين من خلفاء بني العباس المأمون شطرًا من حياته ثم المعتصم، الذي مارسَ نفس سياسة المأمون، فاستقدمَ الإمام الجواد (عليه السلام) من ديارِ جدهِ رسول الله (صلى اللّه عليه وآله)، ليُبقي الإمام أمام عينه خوفًا من التفاف الناس حوله ووثوبه للخلافة، كما فعل المأمون بأبيه الإمام الرضا (عليه السلام)، فلم يرقب بنو العباس في آل رسول اللّه إلّاً ولا ذمةً، فحقدًا وحسدًا قام المعتصم بدس السم للإمام الجواد (عليه السلام) عن طريق زوجته أم الفضل، فتقطعت أحشاؤه من شدةِ السم، فقضى نحبه وهو في الخامسة والعشرين من العمرِ، وفاضت روحه الطاهرة تشكو إلى خالقها غصص الظلم والجور من حكامِ بني العباس... فسلامٌ عليه يومَ ولِدَ ويومَ استُشهدَ ويومَ يُبعثُ حيًّا. قال الشاعر في رثاء الإمام محمد الجواد (عليه السلام) لا تسألن عني ودع إيذائي *** اشكو لمقتل تاسع الامناءِ اشكو على ظلم القتيل بداره *** لمَ لا تسيل على الجواد دمائي وسقته أم الفضل من كأس الردى *** حتى تراه مقطع الاحشاءِ كم اسرفوا في قتل آل محمد *** فكأنهم من أبغض الأعداءِ ذبحٌ وتشريدٌ وسجنٌ مظلمٌ *** ومغسَّل وُريْ بغير رداءِ وسقاه معتصم الضلال لكي يرى *** شمس الهداة بتربة غبراءِ خمس وعشرون قضاها حسرة *** بين الطغاة كدولة اللعناءِ ___________________ 1- سيرة الائمة الاثني عشر للشيخ جعفر السبحاني :ص 122. 2- سورة التوبة: آية 32.

اخرى
منذ 5 سنوات
3363

وحيدة...

بقلم: ريحانة المهدي أنا نسمة... ولقاء جعلني الله تعالى، وبي يستجاب الدعاء... وقتي ثمين، ولي عطر جميل، ولكن ليس لي أحباب وأصدقاء كثيرون! لأن القليل يستجيبون للنداء، في أرجاء السماء، حينما يحين اللقاء... لي أربع أخوات... لسن غنيات كغناي... ولي قصر كبير، وجميل، فيه أزهار وبساتين... عكس أخواتي فلهن قصورهن، لكن ليس كقصري... وليس لديهن كخيري... ولكن لديهن أصدقاء وأحباب كثيرون! يزورونهن باستمرار، بدون ملل وانقطاع... وأنا حين يأتي موعد زيارتي، لا يرغب بي ولا يأتي لزيارتي سوى القليل ممّن أحبوني وتعلقوا بي… ولا يستطيعون هجراني... كأني نسمة باردة... تلامس قلوبهم الصافية وقت اللقاء هجرني الأقرباء وأغلب الأصدقاء فهم في شغل لزيارة أخواتي كل يوم... لماذا هذا الهجران والابتعاد؟! أنا الخير الكثير... أنا الرزق الوفير... أنا الجنة العالية والقطوف الدانية رغم غناي وخيري الكثير المبذول للجميع، بدون استثناء... تفرق عني الأهل والأحباب... تملّكني الحزن على أناس حتى تناسوني، ولا ذكرى لي إلّا في شهر رمضان… لأن الكل مستيقظون ...فيأتون لي، ويزوروني في هذه الأيام، ولهذا أحب أن يطل شهر رمضان دومًا، وأنتظره بشوق، فهو سبب سعادتي بزيارة بعض الأصدقاء… البعض يزورني مرة في الأسبوع... والبعض لا أراهم، فاشتاق لهم، ولكنهم تناسوا وجودي… ولم أعد موجودة في قاموس حياتهم، ولا لي حبٌّ في قلوبهم… البعض يأتيني وبه خمول وبدون رغبة واشتياق، ليقضي معي دقائق معدودات، يطلب بهن رضا رب السماء… بات الحزن الكثير يؤذيني؛ لهجرانهم لي... ماذا أفعل؟ لم أقصر معهم، فأنا كثيرة العطاء... البعض ينصح بي الأصدقاء، ولكن لم يرغبوا بي رغم الخير والعطاء… فلا حياة لمن تنادي، فهم يبتعدون عني أكثر وأكثر منشغلون بأمور دنيوية، يسهرون يضيعون الوقت الثمين هباء، بدون فائدة ودعاء، ولا صلاة ليل ومناجاة، وعندما يحين دوري للّقاء معهم... ينامون! ويتركونني وحيدة... لماذا يحرمونني أنسهم؟ لماذا ينسوني؟ فأنا من يبدأ الفجر الجميل بندائي! أنا أُنس المؤمنين... أنا صلاة الفجر، أنا صلاة الفجر حلوة اللقاء، يحلو بي بداية الصباح، وترتيل آيات الله فقد أُوصيَ بي في القرآن... أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل... وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا

اخرى
منذ 5 سنوات
2768

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
79586

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59267

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
47593

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
44680

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
43246

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34091