بقلم: حسين فرحان حزينة هي، لا لشيء أصابها فأورث قلبها لوعة مصاب أو غصة اكتئاب… لسان حالها ينبئك أن ذاتها تنصهر بحوادث الدهر وتغيُّر الأحوال وما ستؤول إليه الأمور.. هي لم تكن في معرض ابتلاء بواحدة منها، لكنها ألقت بطرفها حيث مواطن التجلي لهموم العباد في الوطن الجريح، فوجدت الفقير الذي يكابد فقرًا والغني الذي بدل نعمة الله كفرًا.. هي أنصتت لأصوات قدمت من مكان قريب وأخرى من مكان بعيد، طغى بعضها على بعض فما عاد يعرف الصوت من صداه، وما عاد يفهم من همس الخائف إلا خوفه، ولا من صراخ المظلوم إلّا الحيف الذي وقع عليه، ولا من قهقهة الطغاة إلّا استهتارهم، ولا من المرجفين إلّا أباطيلهم وجعجعة طبول حرب، فلم تجد غير صوت مبحوح -يمنحها الأمان والهدوء- لحكيم أبلغ في النصح، لكنه لم يجد الأذن التي تصغي كما ينبغي. هي حزينة... لأنها تفكر بما لهذا الأمر وهي تعلم أن الأرض تدور وتدور لتقترب بالدنيا شيئا فشيئا من حد الامتلاء بالظلم والجور... أخبروها: أن مع العسر يسراً، وأن الشمس تجري لمستقر لها، وأنها حين تشرق من مغربها ذات يوم سيعود للدنيا قسطها وعدلها وراية حقها. هي حزينة لأنها ترى الشهداء كأنهم أخوتها وتبكي كلما خلت بنفسها وتقلق لما سيحدث.. مشغولة الفكر حتى كبحت الهموم نشاطها وأربكت عملها... فانفعلت -ولها العذر في ذلك- فصارت تغلق بعضًا من نوافذ تواصلها لعلها تستعيد النشاط وتهتم بحياتها، لكنها تشعر بالذنب، فالنوافذ التي أغلقتها هي التي كانت تطل منها على هموم من شاطرها الدين والوطن، فلا ينبغي ترك الاهتمام خشية الوقوع في خطيئة الأنا وحب الذات، وبين اختيار إغلاق النوافذ وبين اختيار ضرورة الاهتمام وبين إرادة متابعة الحياة تساءلت: ( كيف أوفق بين الاهتمام بأمور المسلمين وبين متابعة حياتي بشكل ولو يقرب من الطبيعي؟) ليس من يجيبها في حل مما ابتليت به، فكلنا يحمل ما حملت من هموم ولو بنسب مختلفة، لكنها هي ذاتها.. أغلقنا ذات يوم نوافذنا وأبوابنا فلم نطق صبرًا فعدنا، انتفضنا على الذات لنمنحها أمانًا فكانت ترفض التخلي عن الانشغال بهموم وطنها، جربنا أن نكتفي بغيرنا لنسعد بذلك فلم نستطع.. أخبروها: أننا جميعًا ولدنا لنعيش تلك القضية التي لم تكتمل بعد، ودورنا فيها إكمال مسيرة الآباء والأجداد.. قضيتنا هي انتظار الفرج، وانتظاره لا يكون بالجلوس على قارعة طريق معشوشب، أو قطعة من جنة تجري من تحتها الأنهار.. انتظار الفرج بروح الولاء أمر صعب مستصعب تتعدد فيه المشاهد، فلربما يكون في جانب منه حزن كربلائي، حيث عاشوراء وطريق السبي ولربما هو دون ذلك.. أخبروها: أن لا تغلق نوافذها لمجرد أن مشاهد الحزن تؤلمها، فالابتعاد قد يحرمها مشاهد أخرى جميلة كانتصار السواتر وإحياء الشعائر .. أخبروها فقط أنها زينبية ليتضح لها الأمر.
اخرىتمر الأيام مسرعة، بين الأمس واليوم أختلاف كبير، مرة يكون المكان مكانك والوقت ملكك، ومرة تكون ضيفًا، ولك الخيار بخفة ظلك أو ثقله... اصطحب حفيده صباحا في اليوم المدرسي الاول الى المدرسة وهو يداعبه ويلاطفه فلما ولج باب المدرسة تسمرت قدماه واخذ يقلب نظره في ممراتها وكأنه يسمع اصوات تلاميذه. استاذ... استاذ... فبدأ يشجعهم احسنت محمد جيد علي بوركت امير هنا شعر بحفيده يجر يده بقوة فعرف انه الان ولي امر وليس معلما كما كان.
اخرىبقلم: صفاء الندى كثيرًا ما يتمنى الإنسان حدوث أمور في حياته ويسعى لتحقيقها، أو يتأمل من الآخرين الأخذ بيده لبلوغها أو فعلها له، فإذا قدّم المرء الأسباب وتوكل على الله تعالى واستنفد كل الطرق لتحصيل هذا الأمر ولم يحصل، فعليه أن لا يملأ قلبه حسرة، بل عليه أن يطمئن، وأن يضع في حسبانه أنه لو كان فيه نفع ليسّره الله له، تبعًا ﻷخذه باﻷسباب، أو ليراجع نفسه لعلّه ارتكب ذنبًا -وإن كان لممًا- فحال بينه وبين بلوغ أمنيته، وهي رسالة تذكير أو توبيخ من الله (عز وجل) على المؤمن الانتباه لها، فعندما يخرج قطار الأمنيات عن السكة المرسومة له.. ليس بالضرورة أن يكون الخلل ميكانيكيًا بل لعلّه خلل ذاتي من سائق القطار نفسه! أما إذا وضع الإنسان آماله بالناس وظن أنهم سيفعلون له ما يريد فهو مخطئ وغارق في أوهامه ويفتقر إلى الوعي الذي به ترسم حدود الأمنيات. فأقرب الأقربين سيسير معك نصف الطريق متثاقلًا، ويعود أدراجه داعيًا لك بالتوفيق… وصديقك الأعز سيخطو معك خطوات معدودة ويتقهقر إلى الوراء تجذبه انشغالات الحياة وهمومها… أما الأبعدون فهم غير ملومين لو لم يتفاعلوا معك، وإن تمنوا لك التوفيق لصلاحهم. لذا؛ أيها الإنسان، ندعوك إلى اليأس عمّا في أيدي الناس فهو من اليأس المحمود الذي دعت إليه الشريعة، اعتمد على نفسك وثق بربك واطلب العون من الله سبحانه وتعالى فهو عند حسن ظن عبده به. عن نبينا محمد (صَلَّى الله عليه وآله) قال: "أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة" (١) ولأن الله سبحانه هو الوحيد الذي سيواكب مسيرك إلى النهاية وستحوطك عنايته على الدوام... (وكن اللهم بعزتك لي في كل الأحوال رؤوفا وعلي في جميع الأمور عطوفا) (٢) فإن تكّرم وأعطى فهو خير ورحمة منه، وإن منع وحجب فهو خير ورحمة أيضًا، ولكن هذا المنع يستوجب من الإنسان المراجعة والاستغفار والمواصلة بالإلحاح على الله تعالى. فعند باب ربك اسكب ماء وجهك، ولا تستنكف وتستكبر ليسبغ عليك من ضياء نوره وجزيل نعمائه وجوده، فيقضي حاجاتك وأمنياتك، وتراها ماثلة أمام عينيك وأنت -أيها المؤمن- ترفل بالعزة والوقار. عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله فإذا علم عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه" (٣). _________________ (١) صحيح الترمذي 3479 (٢) مقطع من دعاء كميل (٣) شرح أصول الكافي -المازندراني -ج9ص3
اخرىاِلـهي قَرَعْتُ بابَ رَحْمَتِكَ بِيَدِ رَجائي وَهَرَبْتُ اِلَيْكَ لاجِئاً مِنْ فَرْطِ اَهْوائي، وَعَلَّقْتُ بِاَطْرافِ حِبالِكَ اَنامِلَ وَلائى...* ولاء المؤمن لحبل الله المتين وذريته (عليهم السلام) يبدأ بحب السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) القائل فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني، وولداها عضداي، وأنا و بعلها كالضوء، اللهم ارحم من رحمهم، ولا تغفر لمن ظلمهم*. *دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه السلام. *بحار الانوار الجزء ٢٣.
اخرىبقلم: زهراء المتغوي يا كلّ جـــــرحٍ وُجـــوديٍّ ودُملتُـه تظـلّ تفجعُ من جاؤوا ومن رحلوا يا صــرخةَ الكونِ في إتمامِ دورته حول المجــرّة لمّـا طوّق الأجَـــلُ يا سورةَ البدء في سردِ العزاء ويا ختمَ البُكاءِ ، دعيني فيكِ أرتجــلُ وكيف أحصي دموع الأرضِ إنّ لها من المناحـةِ ما لم توصف الجملُ؟ (زهراءُ) أيُّ نشيدٍ فـاضَ من وجعي حزنــًا وأي فؤادٍ بـــات يحتمــلُ ؟! هل كانَ فقدًا تشظّى في جوانحنا وبين أضلاعنا النيــرانُ تشتعـــل؟ إذاً سنمتهنُ الآهــاتِ، نمزجهـــا بغيمـــة الدمع والأحداق تكتحلُ إذاً نفـرُّ إلى الذّكــــرى على قلقٍ وفي الشآبيبِ جمرٌ بات يعتمـــلُ إذا العزاء خطى في العمرِ تُتعبنا والانفعـــالاتُ بابٌ صارخٌ وجـــلُ يؤذِّنُ البـابُ فينــا كلّمــا عبرت ذكرى الضلوع ومرّ الخدُّ والمُقـلُ ويجفــلُ الشعــرُ والأبياتُ ذاهلــةٌ والدهرُ طفلٌ يتيمٌ والمدى ثكــلُ لا تتركيـــه فليلُ التّيْـــه بعثــَــره يغفــو وأنتِ على شطــآنه أمـــلُ وحين آنس نارًا، كنتِ جذوتــــه إيحاءه الفذّ، لا تأتي به الرّســل كمن يعانق في الآلام بلسمـــه ومن هواك يطيبُ السقمُ والعللُ لن يخذل الله قلبــًا أنت مؤنســه لمّــا بـ(فاطمة الزهراء) يبتهــــلُ
اخرىلم تكن فاطمة الزهراء (عليها السلام) امرأة ككل النساء... قلبها معدن التأويل، ومجمع النورين (النبوة والإمامة)، بل إنها قطب رحى الوجود للمنظومة الإسلامية الكبرى، وكما قال عنها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة علينا). فالسلام على الزهراء وعلى أبيها وعلى بعلها وبنيها
اخرىبقلم: إشراق الخاقاني/ والحوراء المبحث الثاني: العصمة وثبوتها لفاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد أن أوضحنا في المبحث السابق، أن علم الزهراء (عليها السلام) فيض إلهي (لدني)، نناقش في هذا المبحث عصمتها (عليها السلام)، لأن العلم الإلهي هو أحد مناشئ العصمة، وللوقوف على ماهية العصمة، والأدلة على ثبوتها للسيدة الصديقة الشهيدة (عليها السلام)، نتطرق في هذا المبحث إلى مطالب ثلاثة: - المطلب الأول: تعريف العصمة لغةً واصطلاحًا. - المطلب الثاني: الأدلة على عصمتها (عليها السلام). - المطلب الثالث: الثمرات المترتبة من عصمتها (عليها السلام). المطلب الاول: تعريف العصمة لغةً واصطلاحًا. الفرع الأول: العصمة في اللغة -تعني: المنع، فمعنى اعتصم بحبل الله، أي امتنع بلطفه عن المعصية (1). والاعتصام: هو الامتناع. الفرع الثاني: العصمة في الاصطلاح -عرفها علماء الكلام بعدة تعريفات نكتفي بذكر اثنين منها: أولًا: ما عرَّفه الشيخ المفيد في النكت الاعتقادية، بأنها: (لطف يفعله الله بالمكلّف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما) (2). ثانيًا: ما عرَّفه السيد الشيرازي في شرح التجريد، بأنها: (حالة نفسانية مانعة من ارتكاب المعاصي، صغيرها، وكبيرها من دون كون تلك الحالة بالغة حد الالجاء) (3). _______________ (1) مختار الصحاح: محمد عبد القادر، باب العين، ص230. (2) النكت الاعتقادية: الشيخ المفيد،ص37. (3) القول السديد في شرح التجريد: السيد محمد الشيرازي، ص333.
اخرىبقلم: إشراق الخاقاني/ والحوراء المطلب الثاني: الأدلة على عصمتها (عليها السلام). إنَّ عصمةَ السيّدة الزهراء (عليها السلام) ثابتة بالعقل، والنقل، وسنخصص هذا المطلب لإثبات عصمتها بالدليل النقلي، ذلك لأن بعض الأمور الاعتقادية يكفي فيها الأدلة الشرعية، من نصوص القرآن، أو الروايات الصحيحة المعتبرة. فبعد إثبات وجود الله، وبعثة الأنبياء، خصوصًا الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله)، بالأدلة العقلية، فكل ما يقوله يكون حجة لدينا، ولابد من قبوله حتى لو كان مرتبطًا بأمر عقائدي، فهو القائل فيه الحق تعالى: ﴿مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (1)، وبناءً على ذلك نتطرق في هذا المطلب إلى فرعين يتضح من خلالهما ثبوت العصمة لها(عليها السلام)، وكالتالي: الفرع الأول: الدليل القرآني: كثيرة هي الآيات القرآنية الشريفة الدالة على عصمة السيدة الزهراء (عليها السلام)، ولكن تماشيًا مع اختصار البحث نقتصر على ذكر اثنتين منها: أولًا: آية التطهير. قال تعالى: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (2)، أجمع أهل التفسير، الحديث، والتاريخ وفي كتب الخاصة والعامة على أن المصداق الأبرز –على الأقل، وإن كنا نعتقد أنها منحصرة- بأهل البيت هم الطيبون الخمسة (محمد، علي، فاطمة، الحسن، والحسين) (عليهم الصلاة والسلام)، وقد دلت على ذلك روايات عديدة، منها: 1- رُويَ في تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿إنّما يُريد اللهُ ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ قال: "نزلت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وذلك في بيت أم سلمة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم ألبسهم كساءً خيبرياً ودخل معهم فيه ثم قال:" اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: ابشري يا أم سلمة انك إلى خير" (3). 2- ما روي عن أُم سلمة (عليها السلام) في ذخائر العقبى: إن النبي (صلى الله عليه واله) جلّلَ الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً وقال: "اللهم هؤلاء اهلُ بيتي وحامتي ،أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: "إنك على خير" (4). 3- ما رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس: "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل بيت محمد (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)" (5). ثانياً: فاطمة (عليها السلام) لها الحاكمية على البشر. قال تعالى: ﴿إنها لإحدى الكُبر*نذيراً للبشرِ﴾ (6). - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يعني أنها فاطمة (عليها السلام). - روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ﴿إنها لأحدى الكُبرِ*نذيراً للبشرِ﴾ قال: يعني إنها فاطمة (عليها السلام) (7). فلفاطمة (عليها السلام) الحاكمية على البشر وتعني: الولاية والقيادة على الأمة، فهي من آيات الله الكُبر، وبشيرة، ونذيرة ، وهي فيصل للحق وفرقان لأنها معصومة. بيان: البعض يستشكل على تفسير الآية، وإن المقصود من ذلك فاطمة (عليها السلام) على اعتبار أنَّ المقصود ب (الكُبر) عندهم هي جهنم، أو سقر، أو الآيات العظام والأمور، والدواهي العظيمة، ونرد على ذلك ببيان بعض الأمور: 1-"أياً ما كان المقصود (بإحدى الكُبر) النار، أو القيامة أو غير ذلك، فإنّه لا يتنافى مع ما ذكرته الرواية، من أنها فاطمة (عليها السلام) لأنها حجة من حُجج الله الكبرى، فبولايتها يُنجي الله من يشاء من النار، فرضاها رضا رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي هو فرع رضا الحق تعالى، وغضبها يوجب غضب رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي هو غضب الله تعالى، وقد اكده رسول الله (صلى الله عليه واله) وقال: "إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن أذى الله لعنه الله ملء السموات والارض"(8). فالذي يحدد علاقة المسلم من الحق تعالى قربه، أو بعده منه جل وعلا هو الموقف من فاطمة (عليها السلام)، فهي العنوان الكامل الحقيقي للرضا والقبول، أو للغضب والرفض الإلهييَّن" (9). 2- لا مانع من أن يكون للزهراء (عليها السلام) مقام الإنذار، قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾(10)، أي إن رسول الله (صلى الله عليه واله) نذير للبشر، وحسب الحديث المختلق لأبي بكر حيث قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا، ولكنا نورث الايمان والحكمة والعلم والسنة" (11)، واستنادًا لهذا الحديث –من باب الإلزام- يتضح أن الزهراء (عليها السلام)، ترث مقامات أبيها من علم ،حكمة، نذارة، وحجية...الخ، وهي ما يُعبر عنها البعض (بالوراثة الاصطفائية) أي وراثة المقامات، وما دام مقام النذارة ثابتاً بنص القرآن للنبي الاعظم (صلى الله عليه واله)، فهو ثابت لابنته ووريثته الصديقة الشهيدة (عليها السلام). الفرع الثاني: الدليل الروائي. وردت الكثير من الروايات، والأحاديث الشريفة الدالة على عصمتها (عليها السلام) وفي كتب الفريقين بلغ البعض منها حد التواتر، نقتصر على ثلاثة منها: أولاً: رضى الله رضاها وغضبه غضبها. -روى الحاكم النيسابوري في مستدركه عن عمر بن على عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال، قال (رسول الله صلى الله عليه وآله) لفاطمة: "ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك" (12). -ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال.(13). -وهذا الحديث خير دليل على عصمتها (صلوات الله وسلامه عليها)، لأنها لو لم تكن معصومة فلا معنى لأن يرضى الله تعالى لرضاها، ويغضب لغضبها، إذ قد لا يكون لغضبها منشأ إلهي وسبب صحيح لو لم تكن معصومة، فقد تغضب لأجل متابعة الهوى، والميل النفساني الشخصي. ثم لو لم تكن معصومة فما هو الفرق بينها وبين أنسان مؤمن عادي، فلماذا يغضب الله لغضبها ولا يغضب لغضب شخص أخر؟! ثانيًا: يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين... -عن ابن عباس، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في حديث طويل يبين فيه مقام السيدة الصديقة (عليها السلام) يوم القيامة، نكتفي بذكر محل الشاهد منه:"....فيقول الله: (يا فاطمة) انطلقي فمن اعتصم بك فهو في الجنة ، فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين فتسيرين ومعك شيعتك، وشيعة ولدك، وشيعة أمير المؤمنين آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد ذهبت عنهم الشدائد، وسهلت لهم الموارد ،يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس وهم لا يظمئون" (14). ثالثاً: فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي حبل الله الممدود... "... عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): "فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والائمة من ولدها أُمناء ربي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى"(15). ___________________ (1) النجم:3و4. (2) الأحزاب:33. (3) تفسير القمي:علي بن إبراهيم القمي،ج2،ص193. (4) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: محب الدين الطبري،ص21. (5) شواهد التنزيل: الحاكم الحسكاني،ج2،ص25. (6) المدثر:35و36. (7) تفسير القمي: مصدر سابق،ج2،ص396. (8) عوالم العلوم(فاطمة الزهراء عليها السلام):المحدث البحراني،ج11،ص149. (9) *من كتاب مانزل من القرآن في شأن فاطمة: محمدعلي الحلو،ص109_110، بتصرف. (10) الاحزاب:45. (11) شرح نهج البلاغة: لإبن أبي الحديد، ج16،ص214. (12) المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري،ج3،ص153_154. (13) ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للذهبي،ج1،ح2002،ص535. (14) بحار الأنوار: العلامة المجلسي،ج43،ص227. (15) فرائد السمطين: للمحدث إبراهيم الجويني،ج2،ح390،ص66.
اخرىبقلم: إشراق الخاقاني/ والحوراء المطلب الثالث: الثمرات المترتبة على عصمتها (عليها السلام): إنَّ الثمرات المترتبة من عصمة أصحاب العصمة الاستحقاقية، ومنهم الصديقة الشهيدة (عليها السلام) كثيرة، سواء كانت دنيوية، أو أخروية، كثيرة، وسنذكر في هذه الحلقة بعضاً من ثمرات عصمتها (صلوات ربي وسلامه عليها): 1-إنّ أصحاب العصمة الاستحقاقية كالسيدة الزهراء (عليها السلام)، قد وصلوا إلى أعلى مراحل الكمال الروحي، والتقوى الكاملة حتى مازجت لحمهم ودمهم، مما تجعل صاحبها إنساناً كاملاً، لا يرتكب المعصية، ولا يصدر منه الظلم صغيره، وكبيره، سهواً، أو عمداً، فهم مصداق الآية الكريمة: ﴿الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (1). 2-إنَّ من شروط الامامة: العصمة، والقرآن الكريم يوضح لنا إن الإمامة تُعطى لمن صبر، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ (2). والزهراء (عليها السلام) هي حلقة الوصل بين النبوة والإمامة، قد رضيت بما قُدر لها من مرارة الحياة، وصبرت، وهذا يعتبر من أعلى درجات الإيمان بالله عز وجل، حتى وصلت الى مقام صبر العارفين وهو: التلذذ بالمكروه، ولذلك نقول لها في زيارتها "يا مُمتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل ان يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة..." (3). 3- حجيتها (عليها السلام) في أقوالها، وأفعالها، وتقريرها على جميع الخلائق، وهذا أمر طبيعي، لأن الله تعالى فضّل العالم على الجاهل فقال عز من قائل:﴿... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...﴾(4)، فرفع أولي الحُجى عمن ضل وزاغ عن الصراط، ثم رفعهم درجات على من لم يستخدم العقل، بل فضل العالم على العابد، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:" فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر" (5)، والسيدة الزهراء (صلوات الله عليها) صاحبة العلم اللدُني حجة على جميع الخلائق، فهي مفروضة الطاعة على جميع الخلائق، كما ورد عن المعصومين (عليهم السلام)، ونترك التفصيل في هذا الحديث إلى المبحث اللاحق إن شاء الله تعالى. 4- شفاعتها (سلام الله عليها) فإن لفاطمة مقام الشفاعة، وفي القيامة يُبيِّن رب العزة والجلال قدرها فتشفع للخلق، ،حيث قال في محكم كتابه: ﴿... وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ...﴾ (6)، فالشفاعة مقام سامٍ لا يناله إلاّ من ارتضاه الحق تعالى، وفاطمة من المرضيين، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله): "... إن لفاطمة يوم القيامة موقفا، ولشيعتها موقفا، وإن فاطمة تدعى فتلبي، وتشفع فتشفع على رغم كل راغم" (7). 5- من ثمرات عصمتها عليها السلام هي صيرورتها المثل الأعلى، والكامل للنساء مطلقاً بوصفها سيدة نساء العالمين ، وذلك في كافة جوانب حياتها. وسنقتصر على ذكر بعض الجوانب التي يمكن للمرأة المؤمنة من خلالها أن تتأسى بمولاتها سيدة النساء، ومن هنا صَلُحَت الصدّيقةُ فاطمة لتكون القدوةَ والأسوةَ الحسنة لنساء العالمين أجمعين، كما قال تعالى في حق أبيها النبي الخاتم محمد ’: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. فكذلك يكون الحث على التأسّي بفاطمة الزهراء وبمنهجها القويم، وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة: 6] . أولًا: عبادتها التامة الكاملة، ودوام ذكرها لله، وإخلاصها في عبادتها. -فقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال لسلمان "يا سلمان ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشه ففرغت لطاعة الله..." (8). وهنا نتعلم من السيدة الزهراء (عليها السلام) ضرورة دوام ذكر الله تعالى فهو احياء للقلوب، كما أوصتنا بالإخلاص في عبادتنا حيث قالت:" من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله عز وجل له أفضل مصلحته" (9). ثانياً: إيثارها. إنَّ المعصومين تكون أفاقهم واسعة لا حد لها، وإدراكهم كبيراً وروحانيّتهم عاليّة جدًا وعقولهم واعية، والروح إذا كانت واسعة لا ترضى إلاّ بالعطاءات الواسعة، والمقامات العالية، وخير مثال على ذلك السيدة الصديقة (عليها السلام)، وكلنا سمع انها تصدقت بثوب عرسها في صبيحته على فقيرة. ثالثاً: الزهراء خير زوجة لعلي (عليهما السلام). -ذات مرة سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): كيف وجدت أهلك؟ قال الامام علي (عليه السلام)"نعم العون على طاعة الله"(11). فبيت فاطمة (عليها السلام) بيت لا توتر فيه، ولا تعقيد، هو بيت المحبة والتعاون . يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله (عز وجل) اليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فيكشف عني الهموم والاحزان" (12). وهذا دستور شاملٌ للنساء المؤمنات ينتفعن منه في بناء حياتهن الأسرية. وشيٌ عظيمٌ أن يُحدِّث الزوجُ عن أخلاق زوجته الصالحة، وكذا شيءٌ عظيمٌ أيضا أن تُحدِّث الزوجةُ عن أخلاق زوجها، لذا نحن بأمسّ الحاجة التربوية الفعلية لأن نتخلَّق بأخلاق المعصومين. وشهادة علي (عليه السلام) هذه في حق فاطمة (عليها السلام)، إنما هي رسالة بيِّنة وهادفة تشير إلى ضرورة أن تفقهَ الزوجة ثقافةَ التعايش مع زوجها وَفق ثنائية الحقوق والواجبات، وكذلك أن يفقه الزوج معنى الزوجية في مفهوماتها وتطبيقاتها الشرعية والأخلاقية حياتياً. رابعاً: حجابها وعفتها: فهي المثل الأعلى في العفاف، والستر، فتستر نفسها حتى عن الاعمى، وحتى قبل وفاتها أوصت أن يصنع لها نعش خاص، حتى لا يراها احد، فكانت تقول لأسماء: "إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فلا تحمليني على سرير ظاهر، استريني، سترك الله من النار" (13). فسلام على سيدة العفاف والستر يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تُبعث حية. _____________________________ (1) الأنعام: 82. (2) السجدة: 24. (3) تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي،ج6،ص10. (4) المجادلة: 11. (5) ميزان الحكمة: للريشهري،ج3،ص2069. (6) الأنبياء: 28. (7) الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي،ص294. (8) مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب،ج3،ص116. (9) ميزان الحكمة: مصدر سابق،ج2،ص822. (11) بحار الأنوار:مصدر سابق،ج43،ص117. (12) كشف الغمة: ابن أبي الفتح الآربلي،ج1،ص373. (13) أعلام الهداية فاطمة الزهراء عليها السلام: لجنة التأليف في المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)،ج3،ص185_186.
اخرى