عاد بعد يومٍ مُرهق من بين غبار الأوراق... أصوات المراجعين... لتفتح له أنيسته، تستقبله بابتسامةٍ تزيل عن كاهله التعب... تُطعمه ما لذّ وطاب... فينام بعدها على أملٍ بيومٍ آخر مليءٍ بالنشاط والرحمة..
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي سفينة في وسط بحر تتلاطمها الأمواج من كل جانب، تكاد تعلوها وتغرقها لشدتها، لكني رأيتها تذهب يمينًا ويسارًا، ثم ترجع لتواصل مسيرها للأمام كأن شيئاً لم يحدث. عجبًا! ما هذا الذي جعلها تثبت ولا تنجرف رغم قساوة الأمواج العاتية وقوتها، وإذا بي أسلّط عدستي نحو وتد نور وسط تلك السفينة الكبيرة هو الذي يجعلها ثابتة لا تنزلق. أمعنت النظر ما هذا النور وممن ينبثق وما هو مصدره ومن أين يستمد كل هذه القوة التي تجعله يمسك بتلك السفينة؟! تتبعت وتحريت وإذا به فرع من شجرة محمد وآل محمد ذرية بعضها من بعض، وعرفت انه يستمد هذه القوة من جده أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي يقطن بجانب مرقده الطاهر. هذا هو حال بلدي العراق الذي نراه كل يوم ينزف دمًا، ويزداد الضغط عليه، لكي ينزلق أبناؤه أمام تلك الفتن ويحترق الأخضر واليابس، لكن بفضل الله تعالى على العراق أوجد فينا وتداً عظيماً وعمود نور، ليضيء الطريق راسمًا للعراق خريطة النصر لحماية أبنائه وفرض سيادته، ألا وهي مرجعيتنا الرشيدة التي تفوت الفرصة دائمًا على الأعداء والمتربصين بنا الدوائر.
اخرىهوت على قبر ابنها الشهيد الذي لم يزل ترابه طريًا. فأطالت لثمها للتراب وهي تشمه بنفس عميق. رفعوها عنوة فإذا بها تقول: دعوني أتزود من رائحة الجنة.
اخرىكما رجع السيد المرجع إلى الطبيب المختص وقلَّده؛ لأجل علاجه، نرجع إلى المرجع المعتبر ونقلِّده؛ لأجل تصحيح عباداتنا ومعاملاتنا. #التقليد_ديدننا.
اخرىالتقت في طريقها الى أهلها بسيدة كبيرة السن تجلس على قارعته. اقتربت منها، ألقت السلام وقالت: -هل أنت بحاجة إلى مساعدة ؟ -نعم أريد أن أجري تحليلاً لحليبي لأني أشك أنه لا حنان فيه... فقد رماني من أرضعته به!! فأجابتها: لا تحزني... إنما قالها الله تعالى: "ونفس وما سوّاها فالهمها فجورها وتقواها" وكان الفجور خياره!
اخرىبقلم: صفاء الندى لم يعد حسام يرغب في أن يرى أحدًا منهم، فضلًا عن أن يعاشرهم ويخالطهم فهم قد ملأوا كل جوانب حياته وحياة من حوله عبثًا وفوضى وسرقات وإساءات؛ لذا قرر أن يقدم استقالته من العمل، لعلّه يأمن شرهم، ولكي يحافظ على ما تبقّى له من فتات إيمانه وذرات عقله، فهو يرى أنهم قد أُعطوا أكبر من قدرهم ومُكّنوا في دوائر الدولة بغير استحقاق منهم، سوى أنهم أناس متحزبون لجماعاتهم ويرفدونهم بالتمويل اللازم، فهم يغلبون خُصماءهم ومنافسيهم ليس بالذكاء والحكمة والعلم، بل مكرًا وتجبّرًا وتسطيحًا للأولويات وتوهينًا للقيم والمثاليات. حسام موظف أمين ومن ذوي الكفاءة العالية، منذ سنوات لم يرتق سُلم الدرجات الوظيفية، ولم يحصل على زيادة راتب ولا حوافز مادية، وهذا ليس تقصيرًا منه وإهمالًا، وإنما إجحافًا بحقه وتقليلًا من شأن خبرته، وما زاد الوضع سوءاً واثقل قلبه غمًا وهمًّا هو أنهم استبدلوا رئيس قسمه المحترم بشخص آخر لا يفقه من بديهيات العمل وأخلاقياته أدناها وأقلها، فهو ظن متوهمًا أنهم عندما سلموه إدارة القسم أنه قد ملك دولة بأكملها وبمقدراتها وأنهم -الموظفين- شعبه المغلوب على أمره، وعليهم تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، فكل يوم قرارات جديدة حسب المزاج وتعطيل لمعاملات المراجعين وصفقات تجارية مشبوهة وإهانات لفظية تخدش كل من عنده حياء. جاء زملاء حسام في العمل إلى بيته راجين منه التراجع عن قراره في الاستقالة، وطالبوه برجاء أن يتغاضى عن بعض المخالفات القانونية والشرعية التي تحصل في الدائرة، وأن يغلق أذنيه وأيضًا فمه ويعمي بصره عمّا يصدر من رئيس قسمهم المعتوه، وليتحمل من أجل لقمة عيش أولاده، غضب حسام واستفزه حديثهم، ولكنه قدّر أنهم ضيوف في بيته فشد حزام صبره وتمالك زمام نفسه وقال لهم: أشكركم لمجيئكم واهتمامكم بأمري، وإن ما ذكرتموه هو ليس نصيحة بل فضيحة، يحاسب عليها القانون الوضعي والسماوي لو كانت القوانين مفعلة وهي السائدة بيننا، ولكن...! سكت حسام متفكرًا مطرقًا برأسه، فأجابه جميع من حضر: ما تقوله صحيح يا حسام. فقال لهم: هل ستقولون ذلك بوجه المدير وذراعه الأيمن رئيس القسم الجديد أو نقدم شكوى ضدهما؟ فأجابه أحدهم متهكمًا: يا لخيالك الواسع يا صديقي، دع الحال على ما هو عليه، ما يهمنا الراتب نستلمه آخر الشهر. وأردف آخر: وإذا اعترضنا واشتكينا لن نجني أي نتيجة تذكر . فتساءل حسام: إذًا ما الحل برأيكم؟ فأجابوه مجتمعين: ما قلنا لك بدءاً أول حديثنا... فرد حسام مستنكرًا: تقصدون التكيف ومجاراتهم ومدارتهم وإذا تطلب الأمر الخوض معهم في منكراتهم. فأجابوه بصوت واحد: لا -ليس كذلك- ليس بالدقة كما تقول... فقال حسام: أرجوكم دعوني وشأني ما الذي تريدونه من وجودي بينكم؟! فأجابوه تباعًا: أنت صديقنا ونريد مصلحتك، وليس من السهل ان تجد عملًا آخر، ونحن نعرفك إنساناً فقيراً، من أين ستعيش أنت وعائلتك؟! فقال حسام وهو واثق بربه مستشهدًا بهذه الآية الكريمة: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) سأبحث عن مصدر رزق آخر أتكسب منه، فلا أريد أن أعمل تحت ظل وسيطرة أشخاص لا آمَنُ على ديني وأخلاقي معهم. فقال أحد الحاضرين متعجبًا: أنت يا حسام! أنت لا تُستدرج فإيمانك قوي وراسخ ونحن نثق بك ونفرح بوجود رجل مثلك بيننا. فأجابه حسام وقد أنهكه ثقل الحديث بهذا الموضوع: إخوتي -أنتم كمن يطمئن وتسكن نفسه لرؤية الورود أمام عينيه ويشمُّها بين فينة وأخرى مستمتعًا بعبق عطرها الفوّاح ولكنّه إن رأى أحدًا ما يريد إيذاءها أو قطعها لا يدافع عنها ويحميها! أنتم تحبون الناس الصالحين ويعجبكم ما هم فيه من تقوى و صلاح ولكنكم لا تحبونهم ولا تريدونهم أن يكونوا مصلحين وناصحين وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، ولعلكم ستكونون أول من يقف بوجهي إذا عزمت على مواجهتهم! فقالوا له: ننصحك أن تفكر بنفسك... فأجابهم وقد تصبب عرقًا وتسارعت نبضات قلبه المتهالك: سأهرب بديني ونفسي بعيدًا، فلم تعد تطاوعني بسهولة وبدأت تزين لي بعض الأمور السيئة، فعندما مرض ابني -لعلكم تذكرون ذلك- وأردنا إجراء عملية مستعجلة، احتجت للكثير من الأموال، تجرأت نفسي وحدثتني: أنْ لا بأس أن تمد يدك لهم فقد أغلقت بوجهك السبل وأنت مضطر! فبدت على وجوههم علامات الاستغراب من اعترافات حسام، وشعروا بالحزن لحالهم وحال صديقهم المحبب لديهم، فانكفأوا صامتين، واسترسل حسام بحديثه: نعم سأهتم بنفسي ولكن ليس بالطريقة التي تفعلونها بالرضوخ لرغباتها ونزواتها بل سأُحافظ عليها أن تظل نفسًا لوّامة وداعية لكل خير كما يريدها الله تعالى ولا أغرقها بالمال الحرام والشبهات فتموت أو تضعف. ولم يكد حسام ينهي شجون حديثه معهم حتى قاموا مودعين له ومسرعين إلى الباب، كُلٌ ينظر إلى صاحبه خشية التأثر بما يقول أو لعلهم غاضبون لعدم قدرتهم على جلبه لساحتهم، ساحة الإثم والضياع التي هم فيها... وقد حث حسام خطاه ليلحق بهم ولكن بلا فائدة فهم خرجوا من بيته وتركوه وحيدًا غريبًا مع عالمه الذي يعيش فيه قابضًا على جمرة.
اخرى