بقلم: رضا الله غايتي تقدم أن عدم استجابة الدعاء يعود إلى جملة من الأسباب هي: القسم الأول: أسباب تتعلق بنفس الدعاء وتفصيله التالي: أولًا: الدعاء المناقض للقوانين الكونية أو الشرعية: شاءت الحكمة الإلهية أن تحكم الإنسان قوانين كونية وأخرى تشريعية، وعليه فلابد أن يعي الإنسان ذلك ويحرص على أن لا يتجاوزها، فإن هو دعا فلابد أن يكون دعاؤه ضمن دائرتها وإلا فلا يستجاب. وعليه فإن الدعاء –مثلًا- لأجل الخلود في الدنيا، والدعاء لأجل قطع رحم، وما شابه ذلك لا يمكن أن يستجاب. روي عن الإمام علي (عليه السلام) وقد سمع رجلا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الفتنة" قال: "أراك تتعوذ من مالك وولدك، يقول الله تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ولكن قل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن" (1). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن قوله تعالى: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض" قال: "لا يتمنى الرجل امرأة الرجل ولا ابنته، ولكن يتمنى مثلها" (2) ثانيًا: دعاء الحبيب على حبيبه فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "سألت الله أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه" (3). قد يدفع الغضب أحيانًا لأن يدعو حبيبٌ ما على حبيبه، ولو كان هادئاً لما فعل، فإن تحققت الإجابة فقد يكون هو أول المتألمين عليه، هنا تتجلى أهمية سؤاله (صلى الله عليه وآله) ليجسد مدى رأفته ورحمته (صلى الله عليه وآله) بعموم الناس، كيف لا؟! وهو الرحمة المهداة منه تعالى للعالمين أجمع؟! ورب سائلٍ يسأل: كيف يمكن التوفيق بين الرواية السالفة الذكر وبين ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله تعالى: دعاء الوالد لولده إذا بره، ودعوته عليه إذا عقه، ......." (4)؟ ألا يبقى الولد حبيب والده حتى وإن عقّه كما هو المعلوم؟ في مقام الإجابة نقول: قد تقدم أن هناك شرطًا مجموعيًا يمثل العلة التامة لإجابة الدعاء، فإن تحقق استجيب الدعاء وإلا فلا. والروايتان المذكورتان كلاهما قد وردت على نحو المقتضي لا العلة التامة، بمعنى أنهما تتوقفان على مقتضيات الحكمة الإلهية في الإجابة أو عدمها، فإن شاءت حكمة الله أجيب الدعاء وإلا فلا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أمالي الطوسي ج2 ص193 (2) تفسير العياشي ج 1 ص 239 (3) ميزان الحكمة ج3 ص205 نقلاً عن البحار ج90 ص378 (4) أمالي الطوسي ج 1 ص 287
اخرىبقلم: أم سيد محمد حسين/ علوية الحسيني الحقدُ والصداقةُ الحقيقيةُ أمران مُتناقضان فيما لو كانَ الشخص نقيًّا يعكس صفاء ظاهره. فَـالحقدُ مرضٌ يصيبُ القلبَ يحدثُ بسبب خُبث النفس، وبُغضها الخير للآخرين، وَقد يكون نتيجة تحصيل أذى منهم فيغتاظ القلب ويترسخُ الحقدُ فيه. أما الصداقةُ فهي مظلةٌ يحتمي تحتَ قُبتها الذين مَنَّ الله تعالى عليهم بتوحدِ القلوب، وهي شعورٌ جميل لا يمكن لأحدٍ أن يُنكر قدسيته. لكن ماذا لو اجتمعَ الاثنان معًا: الحقدُ والصداقة؟! حَسب اعتقادي أنهُ غير مُمكن إلاّ إذا كانت الصداقةُ مزيفة؛ فالصديقُ الحقيقي يُحبك في الله تعالى، يؤثركَ على نفسهِ ويتمنى لكَ الخير، ففي زمنِ الجحودِ الذي نَعيشهُ الآن هناك الكثير من العلاقاتِ التي تقعُ تحت مسمى الصداقة، فَيبدو الشخص في ظاهرهِ هو ذلك الصديق الوفي، وفي باطنهِ هو أولُ من يُكنُّ لكَ الحقد والحسد! تجدهُ يسايركَ في أمورِك العامةِ والخاصةِ، ولكن في حقيقة الأمر أنه حالما تعتريكَ السعادة تراهُ قد خيّم عليهِ الحزن، يرشيكَ بابتسامات مزيفةٍ، وَيبتعدُ عنكَ محاولاً اخفاء ما يكنّهُ قلبه من حقدٍ. وما أن يعتريكَ الحزن تراهُ أول الحضور يجاهدُ في معرفةِ الأسباب التي أدّت بكَ إلى ذلك، ليس حبًا بك، وإنما ليُبرد غليلَ قلبه ويشهد على ضعفِكَ، فَـتُبانُ عليهِ ملامحِ الانتصار، حتى يهيئ الله تعالى لكَ الموقف المناسب ليصفعكَ الواقع، فتجدُ ذلك الصديقَ الذي تَودهُ المُتصف بحلاوةِ اللسان الإنسان الناصح لك الذي تقصدهُ في السراءِ والضراءِ، في الراحةِ وعند الحاجة، هو ذاتهُ الذي يلتهبُ قلبه حقدًا عليكَ، يتربصُ بك كالثعلب، ويرمي بسمّهِ كالأفعى، وينسجُ كالعنكبوتِ شباكًا للإيقاعِ بك. قد يكون السببُ في ذلك هي الغيرة التي تنمو مع الأيامِ لتتفحل على شكلِ مرض مُزمِن، أو فقدان الاتزان على عتلةِ الثقة نتيجةِ لثقلِ صورتك في ناظرهِ، وقد يكون الحقدُ بين الإناث أكثر منهُ عند الذكور، حتى ولو كانت الصداقةُ لا تشوبها شائبة في بادئ الأمر، ولكنها مع الأيامِ تتلوثُ لما تشهدهُ النفس من مقارنات؛ نتيجةَ الشكل والمظهر، أو النجاح وكثرة الأصدقاء المحيطين، خاصة في الوسطِ الدراسي. فأصبح الحذرُ واجبًا؛ حيثُ الصداقة الحقيقية عملةٌ نادرة، وغالبًا ما يتخللُها مصالحُ شخصية، ومجاملات وأحقاد في زمنٍ أصبحت فيهِ الحياة تربةً خصبة لهكذا أمور. ولو رجعنا إلى الثقلين لوجدنا أنّهما رسما للعبد القواعد الكلّية لاختيار الصديق، وبيان حقوقه والتزاماته، وكيفية التعامل معه حال احسانه أو اساءته. *ففي القرآن الكريم نجد قواعد عديدة، من أهمها: 1/ أنّ الله تعالى قدّس الصداقة فأطلق عليها تسميات عديدة، منها، الخليل، وأعطى للصديق منزلة الشفاعة إن كان الصديق من الأتقياء الصالحين؛ بدليل قوله تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين} (1). وبالتالي من كان حقده دفينًا، وصداقته مزيفة لن يكون من المتقين، فلا منزلة الشفاعة تُعطى له، ولا رضا ربّه ناله. 2/ أنّ الله تعالى أطلق على الصديق المرافق اسم الصاحب في بعض آياته، والصاحب على درجاتٍ ثلاث: - صاحبٌ في الجنة، بدليل قوله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّة}(2). - صاحبٌ في الأعراف، بدليل قوله تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُم}(3). - صاحبٌ في النار، بدليل قوله تعالى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّار}(4). وبالتالي فالصديق الذي كان الحقد ملازمه، مُكنًّا العداء لمن صادقه، حتمًا أنّه متعدٍ على حدود ربّه، تلك الحدود الناطق بها الكتاب المبين الذي يزعم أنّه يؤمن به، فلا يبعد أن تكون النار مصيره، بل وإن نالته شفاعة غيره فليس ذلك بعد استعاره في النار عدلاً من الله تعالى كعقوبةً له. *وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) نجد أيضًا قواعد عديدة، نأخذ ما روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وأهمها: 1/ التأكيد على أنّ الصداقة لابد أن تكون في ذات الله تعالى: روي عنه (عليه السلام) أنه قال: "فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته، والناس إخوان، فمن كانت اخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة، وذلك قوله تعالى: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)"(5). وبالتالي فإنّ الصديق الذي يكنّ الحقد لصديقه لا تكون صداقته في ذات الله تعالى، بل هي صداقة مصلحةٍ، أو تقضية وقتٍ، أو ما شابه ذلك من غاياتٍ دنيوية. 2/ بيان معالم الصداقة أن تكون كالجسد الواحد: روي عنه (عليه السلام) أنّه قال: "الأصدقاء نفس واحدة في جسوم متفرقة" (6). وبالتالي لو كان الصديقان كالنفس الواحدة لما تحاسدا، ولما تحاقدا، ولما تكبرا على بعضهما البعض، فيظهر أنّ تلك الصداقة وهمية، لا قداسة لها. 3/ التأكيد على اختيار الصديق حتى لا يحصل أي مجال للتشكّي منه فيما بعد: روي عنه (عليه السلام): "مَنِ اتَّخَذَ أخاً مِن غَيرِ اختِبارٍ ألجَأَهُ الاِضطِرارُ إلى مُرافَقَةِ الأَشرار" (7) وبيّن (عليه السلام) كيفية الاختبار في مضامين أحاديث مروية عنه، منها: عند الشدة، والغضب، والسفر. وبالتالي فمن لم يختبر صديقه حتمًا أنّه سيكون صريع الصدمة بحقده، وضغينته، وغشه، وخداعه. ____________ (1) الزخرف: 67. (2) البقرة: 82. (3) الأعراف: 48. (4) الأعراف: 36. (5) البحار: 78 / 92 / 100، ص 82 / 78. (6) غرر الحكم: 674، 1669، 8760، 2059. اللّهُمَّ َسَدِّدْنِي لأنْ أعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ، وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ وَاُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ وَاُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ واُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكرَ الْحَسَنَةَ وَاُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ.
اخرىبقلم: رضا الله غايتي مما لا شك فيه أن من أبرز سمات الإنسان الافتقار والاحتياج إلى الله (تعالى) في وجوده، حدوثًا واستمرارًا، وفي أيسر أموره فضلًا عن أعظمها. لذا فهو يلجأ إليه بالدعاء بنحوٍ فطري وإن كان منكراً لوجوده سبحانه! لأنه يشعر فطرياً بأن هناك قوة غيبية قادرة على إنقاذه وقضاء حوائجه، غاية ما في الأمر أنه ينفي أن تكون هو الله تعالى. ومن لطف الله (جل وعلا) به أنْ حثّ الإنسان على دعائه وضمن له الاجابة قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (1)، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ليسأل أحدكم ربه حاجته، حتى يسأله الملح وحتى يسأله شسعه" (2). وبالرغم من كل هذه التأكيدات على استجابة الله دعاء العباد إلا أننا نجد أن الكثير من الأدعية التي ندعو بها لا تُستَجَاب، وما ذلك خلفٌ للوعد الإلهي والعياذ بالله، فهو (جل وعلا) أعظم وأجل من أن يُخلِفَ وعدًا؛ لقدرته اللامتناهية، فهو لا يُعجِزه شيء، ولغناه المطلق، فهو ليس بمحتاج إلى خلف الوعد، كما أنه ليس مجبرًا على ذلك؛ إذ لا قدرة تفوق قدرته سبحانه، علاوة على أن الوفاء بالوعد صفة كمالٍ وهو جل في علاه عين الكمال المطلق، فلا يعقل أن يفتقر إليها. وعليه، فإن لعدم استجابة الدعاء أسبابًا، يحسن بنا قبل التعرف عليها أن نمثل بالمثال التالي: لإتمام عملية إحراق ورقةٍ ما، لا بد من توفر جملة من الشروط تشكل بمجموعها العلة التامة للإحراق، فإن توفرت بمجموعها تم الاحتراق وإلا فلا، وهذه الشروط هي: توفر المقتضي للإحراق وهي النار، وتحقق الشرط وهو تقريب الورقة من النار، وانتفاء المانع فلا تكون الورقة مبتلةً مثلاً. فإن توفرت كل هذه الشرائط مجتمعةً ووافقت مشيئة الله تعالى بذلك تحققت عملية الإحراق، وإلا فلا. وعليه فقد لا يتحقق الإحراق إن لم يشأ الله تعالى ذلك رغم توفر سائر شرائطه؛ وذلك لأنه سبحانه هو الذي منح النار صفة الإحراق وهو وحده تعالى من له إمكانية رفعها، كمشيئته سبحانه التي اقتضت تجريد النار من علة الإحراق إنقاذًا لخليله إبراهيم (عليه السلام)، قال تعالى: "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ" (3). فإذا اتضح ما تقدم، أمكننا تكوين صورة تقريبية وبشكل إجمالي للأسباب الرئيسية التي قد تؤدي إلى عدم إجابة الدعاء وهي: أولًا: أسباب تتعلق بنفس الدعاء. ثانيًا: عدم تحقق شرائط الدعاء وآدابه. ثالثًا: الإتيان بأحد موانع استجابة الدعاء. رابعًا: اقتضاء حكمة الله تعالى عدم الاستجابة. يمكن أن يكون ما تقدم جوابًا اجماليًا للسؤال المطروح، ولكن لأهمية الموضوع من جهة ولكثرة طرح هذا التساؤل من قبل المؤمنين فضلًا عن تبادره إلى أذهان الكثير من جهة أخرى، ارتأيت تناول تلك الأسباب بشيءٍ من الإيضاح ضمن عدة حلقات تأتي تباعًا إن شاء الله تعالى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) غافر 60 (2) مكارم الاخلاق ص 313 (3) الأنبياء 69
اخرىبقلم: علوية الحسيني إله الشيعة لا تمكن رؤيته فهو عدم تمهيد: أخذ المجسمة بالتشنيع على مذهب الشيعة الامامية؛ ظنًا منهم أنّ القول بجسمية الله تعالى ولوازمها هي العقيدة الحقة، وبعيدًا عن الانحياز إلى مذهبٍ دون آخر سوف نبيّن عقيدة كلا المذهبين، واللوازم المترتبة عليها عقلًا ونقلًا، وعندئذٍ يتضح لأولي الألباب المذهب الحق. يذكر أنّ الشيعة الامامية قالوا بتنزيه الله تعالى عن كل الصفات السلبية، وأوجبوا سلبها عن الله تعالى؛ بتأويلها، فمنعوا عن الله تعالى الرؤية والمكان والشريك والجسم، بخلاف بعض المذاهب الأخرى التي أجازت تلك اللوازم عليه سبحانه (جلّ جلاله). وهنا مطالب: المطلب الأول: عقيدة الشيعة في رؤية الله تعالى. تعتقد الشيعة الامامية تبعًا لأهل البيت (عليهم السلام) أنّ رؤية الله تعالى ضرورية لترسيخ الإيمان (1)، فالعبادة بدون رؤية ليست عبادة حقيقية، لكن هذه الرؤية ليست الرؤية البصرية التي اعتقد بها بعض من خالفنا في العقيدة، بل هي الرؤية القلبية، استنادًا إلى أدلة عقلية ونقلية نزّهت الله تعالى عن الرؤية البصرية في الدنيا والآخرة. وليس كلّ ما لا يمكن رؤيته بالبصر فهو عدم؛ وكفى بالروح مثالًا، فلا عاقل يقول بعدمها رغم عدم إمكان رؤيتها. وما امتازت به الشيعة الامامية عن سائر المذاهب هو التأويل، وهذا ما تصدح به كتبنا، فمتى ما صادفنا نص ظاهره يثبت الرؤية البصرية وجب تأويله؛ تنزيهًا لله سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا عن ذلك الظاهر. وعليه، لو تعارض ظهور الآيات مع الدليل العقلي القائل بتنزيه الله تعالى عن الرؤية، فيؤخذ بالدليل العقلي؛ لأنّه بمثابة القرينة المتصلة في علم التفسير، والقرينة تقدّم على ذي القرينة، فيقدّم الدليل العقلي على ذلك الظهور، ويُؤول الظهور بما ينفي عن الله تعالى أي نقص محتمل، كالجسمية التي هي لازم من لوازم الرؤية البصرية. ولتتضح الصورة نقول: أولًا: وجه امتناع رؤية الله تعالى عقلًا: 1/لو أمكن رؤيته تعالى لهيمنت عليه أبصارنا وأحاطت به فيكون الرائي (نحن المخلوقات) أقوى وأكمل من المرئي (الله سبحانه) وهذا باطل عقلاً؛ إذ جميعنا يشهد على نفسه بالافتقار إليه تعالى فكيف تنقلب الموازين هنا بجعل الله تعالى محدودًا تحده أبصار مخلوقاته! 2/لو كان الله تعالى مرئيًا لكان في جهة، والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان. *بيان بطلان المقدم: (لو كان تعالى مرئيًا) إنّ الرؤية إمّا أن يكون المرئي فيها مقابلاً للرائي مباشرةً، كنظرنا إلى بعضنا. وإما أن يكون المرئي بحكم المقابل للرائي، أي بالواسطة، كنظرنا إلى المرآة التي تعكس صورتنا، فالصورة في المرآة بحكم الشيء المقابل نظرًا. والرؤية بكلا صورتيها محالة على الله تعالى. *بيان بطلان التالي: (لكان في جهة). الجهة هي مقصد المتحرك، ومتعلق الإشارة الحسية، فهي حيزٌ للشيء، وكلّ متحيّز محدود، والحد من صفات المخلوق لا الخالق، فامتنع كونه تعالى في جهة. ثانيًا: وجه امتناع رؤية الله تعالى نقلًا: 1/قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} (2)، أخبرنا سبحانه أنّه لامثيل له حتى نجري قانون الرؤية عليه -وسائر ما ينطبق على المخلوقات-، فالعين لا تدرك الاّ الأجسام أو صور الأجسام، والله تعالى ليـــس بجسمٍ ولا صورة جسمٍ حتى تحيط أعيننا به. 2/قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي} (3)، فحرف (لن) يفيد التأبيد لغةً، فجاء نفي الله تعالى لرؤيته مؤبدًا -دنيا وآخرة، للنبي ولغيره-. ثالثًا: عبارات توحي بإمكان الرؤية البصرية. في تراث الشيعة الامامية هناك مقاطع من أدعية محمد وآل محمد (عليهم السلام)، أو من مناجاتهم، توحي للقارئ بإمكان رؤية الله تعالى بصريًّا، من قبيل: ما جاء في مناجاة الراغبين: "والزلفى لــديك، والتمتع بالنــظر إليك"، وما جاء في مناجاة المُحبّين: "واجتبيته لـمشاهدتك"، وما جاء في مناجاة المُتوسلين: "وأقررتَ أعينهم بالـنظر إليك يوم لقائك"، وما جاء في مناجاة المُفتقرين: "وشوقي لا يبله إلاّ النظر في وجـهك"، وما جاء في مناجاة الذّاكرين: "ولا تسكن النفوس إلاّ عند رؤيـاك"، وما جاء في مناجاة الزّاهدين: "وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك"، وغيرها كثير... وكل ما في هذه العبارات ينصرف إلى الرؤية الفؤاديّة، وليس الرؤية بالبصر وبالعين الباصرة؛ تأويلًا. فالإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان بحيث حصل له القطع واليقين والعلم المتين بــوجود الخالق العظيم من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالة عليه سوف يرى الله تعالى -بقلبه المُـذعن، الـخالي عن الماديات، الصـافي من الشكوك والأوهام والترهات- رؤية نورانيّة معنوية. المطلب الثاني: عقيدة المجسِّمة في رؤية الله تعالى تعتقد المجسمة والمشبهة والكرامية بإمكان، بل بوجوب رؤية الله تعالى رؤية بصرية؛ لجمودهم على ظاهر النصوص القرآنية، والابتعاد عن نهج سادة التوحيد محمد وآل محمد (عليهم السلام)، وهذا ما أدى بهم إلى الاعتقاد بكونه تعالى جسمًا، وكلّ جسمٍ مرئي، إذًا ممكن رؤية الإله عندهم. ولتتضح الصورة نقول: أولًا: امكان رؤية الله تعالى عقلًا ذكروا أدلة على ذلك من قبيل: 1/إنّ الوجود مشترك معنوي بين الواجب والممكن، فإذا كان المنشأ هو الوجود، لا فرق حينئذ في جواز الرؤية بين تعلقها بالممكن أو الواجب، فيلزم من ذلك إمكان رؤية الباري عز وجل" (4) وهذا ما استدل به الأشاعرة. ويرد: بأنّ أبا الحسن الأشعري يقول بالاشترك اللفظي (5) وإنّه يقول بعدم زيادة الوجود عن الماهية وأنّ الوجود هو نفس الماهية (6). ثمّ أنّ الوجود وإن كان مشتركًا معنويًا إلاّ أنّ حقيقته ذات مراتب طولية مشككة، وما به الاشتراك عين ما به الامتياز؛ فلابدّ من خصائص تميّز وجود الواجب عن وجود الممكن. 2/ دليل الوجود: "أنّ كل موجود فلابد وأنْ تكون رؤيته ممكنة، وأنّ ما لا يمكن رؤيته فلا يمكن أنْ يكون موجودًا. قال الإيجي في المواقف: وهو طريقة الشيخ [أبي الحسن الأشعري إمام الأشاعرة]، والقاضي [أبي بكر الباقلاني وأكثر أئمتنا]" (7). ثانيًا: امكان رؤية الله تعالى نقلًا ننقل بعض كلماتهم وما رووه في هذا المجال: 1/ يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة: حدثني أبي، حدثنا أبو المغيرة الخولاني، حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال : إن الله (عز وجل) إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تزلزل وإذا أراد أن تدمدم على قوم تجلى لها" (8). وأخرج الخبر بنفس هذا المضمون الطبراني في كتاب السنة حسب نقل ابن تيمية عنه في فتاواه الكبرى، يقول ابن تيمية: "لا يقال في صفات الله لفظ البعض، فهذا اللفظ قد نطق به أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم ذاكرين وآثرين، قال أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة: حدثنا حفص بن عمرو، حدثنا عمرو بن عثمان الكلابي، حدثنا موسى بن أعين، عن الأوزاعي" (9) إلى آخر الخبر. 2/ التجلي الخنصري! ويستمر تشويه التوحيـد من قبل عقيدة بني التجسيم، إنّ إلــههم تجّلى للجبل بمقدار الخنصـر! أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة حيث قال: حدثني خلاد ابن اسلم، حدثنا النضر بن شميل أنبأنا حماد يعني ابن سلمة، حدثنا ثابت، عن يروي بن مالك، عن رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم): انه قرأ هذه الآية ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ) قال: تجلى بسط كفه ووضع إبهامه على خنـصره" (10). 3/ ويستمر التشويه العقدي، حتى يصل الأمر إلى أن تحد رؤية الإله بالزمان، وبالتفاوت بين جنسٍ وآخر، فيراه المؤمنون أكثر من المؤمنات! لعمري لم أعلم أنّ قاعدة للذكر مثل حظ الانثيين جارية حتى في رؤية إلههم! أخرج الدار قطني، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): "إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم (عز وجل) فأحدثهم عهدًا بالنظر إليه في كل جمعة، ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر" (11). ثالثًا: ما يشكل على عقيدة المجسمة 1/ عقلًا: أ- إذا كان لله تعالى أبعاض لكان مركبًا! فررتم من نسب الجوارح له بكلفتكم -بقولكم بلا كيف-، والآن حصحص الحق فأزلّ الله تعالى ألسنتكم بنطق شيخ التجسيم ابن تيمية حينما قال: إنّ الإله يتجلّى بعضه! تكاد السماوات تقع على الأرض من عقيدتكم يا قوم، فكيف بتلفظّكم ودفاعكم عن هذا الكفر الصريح؟! وطالما كان الإله مركبًا إذًا هو محتاج، والاحتياج نقصٌ، والنقص من صفات الممكن دون الواجب. وبذا صيرتموه جــوهرًا، والجوهر حادثٌ؛ بدلالة عدم خلّوه من الحوادث، فكل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. ب- إنّ القول بالرؤية البصرية لله تعالى هي إحاطة منّا به سبحانه، فيحيط المحاط بالمحيط، وهذا باطل عقلًا. 2/ نقلاً: أ- قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} (12) فالنفي الوارد في الآية واضح؛ معللاً سبحانه بالسبب من عدم رؤيته تعالى بأنّه هو الذي يدرك الأبصار ويحيط بهم حيث هو خبير بشؤون أصحاب الأبصار، وليس العكس. ب- قوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِم} (13)، وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرا} (14). فلو كانت رؤية الله تعالى مشروعة لما سلّط عليهم العذاب، وذمَّ فعلهم. _________________________ (1) من كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): أ فأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القــلوب بــحقائق الايمان. (2) الشورى: 11. (3) الأعراف: 134. (4) شرح المواقف: للايجي، ج8، ص 139. (5) شرح المقاصد: للتفتازاني ج، 1 ص 307. (6) المواقف 48 (7) المصدر نفسه، 302. (8) كتاب السنة: لأحمد بن حنبل، ج2، ص 470، ح1069. (9) الفتاوى الكبرى: لابن تيمية، ج5، ص 87. (10) كتاب السنة: لأحمد بن حنبل، ج2، ص 525، ح 1205. (11) الدر المنثور: للسيوطي، ج6، ص293. (12) الأنعام: 103. (13) النساء: 153. (14) الفرقان: 21. وَسُبْحانَكَ اللّهُمَّ طَوَتِ الْأَبْصارُ في صُنْعِكَ مَديدَتَها، وَثَنَتِ الْأَلْبابُ عَنْ كُنْهِكَ أَعِنَّتَها، فَأَنْتَ الْمُدْرِكُ غَيْرُ الْمُدْرَكِ، وَالْمُحيطُ غَيْرُ الْمُحاط.
العقائدبقلم: اشواق علي الموسوي ابكتني والله بعد مرور خمسة عشر عامًا من الزواج والصبر والثبات على مرض زوجي، إلى أن شفاه الله وعافاه، مررت باختبارات صعبة من أم زوجي التي كانت تحملني فوق طاقتي وكنت أصبر لأكون نعمة الزوجة لرجل أحببته. كان كلي يقين بأن الله سيشفيه. كان يتعجب ويقول: أنت تعيشين بالأمنيات! كنت أقول: إن الله على كل شيء قدير شاء الله وقدر له الشفاء وكلي فرحة... كنت أرتب في داخلي كيف سأرد عليه وقت أن يطلب مني أن نسافر لقضاء شهر عسل! أنا لم أفرح مثل باقي البنات زوجي مرض وأصيب بحادث يوم زفافنا! كنت انتظر لهفته عليّ، وكنت أقول: أنا ما زلت عروسًا نسيت أن أنظر إلى نفسي بالمرآة، لاحظ أني تقدمت بالعمر، واهتممت به وبصحته ونسيت الاهتمام بنفسي، كبرت، ومن الهم والتعب ظهرت التجاعيد بوجهي، ولم ألاحظ ذلك... يا الله... إن العمر قليل قليل. بعد شفاء زوجي بشهرين، وبمعنى أصح بعد أن اعتاد عليّ كخادمة له، كان يطلب منى كل شيء بالبيت، كان لا يعطيني وقتًا لأستريح، وأجده يقول لي: أنت مهملة! لأول مرة منذ خمسة عشر عامًا تُقال لي هذه الكلمة، صُدمت وبكيت حد الوجع، كنت أنام الساعة الثانية عشرة ليلًا، وأصحو في السابعة صباحًا، بدون مبالغة لا أستريح إلا وقت الصلوات، نحن في بلد ريفي وكثير منكم يعلمون نظام البيوت الريفية... حتى لا أطيل عليكم بدأ زوجي يراني عجوزًا، ولا يرغب بي، حتى جاء يوم أمام الجميع من أهله وقال: إنه سيتزوج بأخرى حتى يعوض سنين عمره التي قضاها بالمرض! أتعرفون أحساس الذل والقهر والوجع وحبس الدموع حتى لا ينهار الكبرياء؟! كنت أشعر بأن روحي تسحب مني ببطء شديد... فات أسبوع كامل وبعد استخارة وأكثر، طلبت الطلاق متنازلة عن كل شيء، بما فيها قائمة جهازي الذى في بيته، حتى ملابسي تركتها لأخواته اللاتي كُنّ ينهشْن لحمي. خرجت من بيته مع أخي، أبكي بحرقة، كان الجيران يبكون لبكائي، كانوا يهينون زوجي بأبشع الكلمات، جاء إمام مسجد من الجيران وقال لي: ما ظنك برب العالمين؟ قلت: نعم، الإله سيجبرني ولو بعد حين... قال: والله ستُجْبَرين قريبًا. رجعت إلي بيت أخي، وجد لي عملًا، والحمد لله بدأت أستعيد شبابي من جديد، بدأت أشعر أني لي حق في هذه الحياة. مرت السنوات أو ما يقرب من العامين... جاء زميل لي بالعمل لخطبتي، ولم يسبق له الزواج من قبل رغم أن عمره 40 عامًا، تعجبت كثيرًا وجلست معه في بيت أخي. قال: بكل وضوح وصراحة وانكسار أنه لم يتزوج لأن لديه مشكلة بالإنجاب، ولكنه يود الزواج من إنسانة على خلق فكري، واخبريني بردك، وأيًا كان الرد أرجو عدم أخبار أحد بموضوع الإنجاب، وهمّ ليخرج وإذ بي أقول له: موافقة! والله لا أعلم لماذا قلتها، وكيف خرجت مني هذه الجملة دون تفكير... لعلها إرادة الله (عز وجل). لو كنتم معي لشاهدتم فرحة في عيونه، والله لم أرها من قبل، حتى أني بكيت من بكائه بفرحته... مضى شهر ونحن مخطوبين، وجاء وقت الزفاف، أصر أن يعمل لي فرحًا، ووافقت كأني ما زلت عذراء... وتم الزفاف على كتاب الله وسنة نبيه، وكان فرحًا إسلاميًا، وبعد الزواج بشهر يفاجئني بعمرة، وكانت أمنية حياتي، ذهبنا لبيت الله نرجوه وبكل حب ندعوه أن يرزقنا الذرية الصالحة... بكى زوجي كثيرًا وكنت احتضنه وأقول له: أنت عوض الله لي، ولن يرد الله دعاءنا... رجعنا من العمرة، كأننا ولدنا من جديد، والله يا أخوات كأني تبدلت حتى بالشكل، أصبحت جميلة بشكل عجيب، حتى أن زوجي بدأ يغار فقلت له: أريد ارتداء النقاب. فرح جدا وانا بعقلي أقول: يا إلهى اي كرم هذا ،زوج جميل يسر القلب ونقاب يزيد الستر، وحياة في طاعتك، اللهم أدمها نعمة ... بعد ستة أشهر من رجوعنا من العمرة، تعبت، وذهبنا للطبيبة، فتبشرنا بأني حامل في شهرين! زوجي سجد أمام الطبيبة باكياً ويصرخ: ما اكرمك يا رب العالمين تهدئنا الطبيبة وتسألنا عن قصتنا، فرويناها لها فتقول: والله لقد سُر قلبي لكما أكثر من نفسي بارك الله لكما ورزقكم طفلا سليما معافىً.... ومع تقدم الحمل تبشرنا الطبيبة بأني حامل بتوأم ليزداد خجلنا من كرم رب العالمين فاللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت و لك الحمد بعد الرضا أترون يا أخوات، عوض الله لي ولزوجي!! اقتربوا أسألكم سؤالا واحدًا.... ما ظنكم برب العالمين؟!
اخرىبقلم: حوراء الساعدي لكِ عزيزتي لكل فتاة ما زالت محافظة على دينها… تصون نفسها وتضع كمامة تقيها من أمراض آخر الزمان... لتلك التي تركت تراهات المجتمع، ورسمت لها طريقًا مختلفًا، ربما زُيّن بالأشواك والصعوبات، لكن ثماره جنان الخلد... لتلك الزينبية التي اتخذت من مولاتها قدوة في لباسها وحشمتها وأخلاقها، لم تتزعزع ولم تيأس، لم تقم بتحريك ربطة رأسها إلى الخلف مظهرة بعض خصل شعرها، ولم تقصر بعض ملابسها، ولم تضيق الحدود على خصرها، ولم تتمايل في مشيها ،ولم تتمايع في حديثها مع الشباب، لزمت حدودها في كل مكان، حتى في مواقع التواصل الاجتماعي... كانت زينبية في كل خطواتها، ولم تلهث خلف نيران جهنم، وانتظرت فارس أحلامها الذي قال فيه الله "وآتوا البيوت من أبوابها" ذلك الذي سيطلب يدها بحلالٍ لا بحرام. لكِ أنتِ عزيزتي طوبى لكِ هذا التمسك والإصرار... لا تهتمي بتفاهات من يدّعى لكِ النصيحة، فأنتِ تسيرين في الطريق الصحيح الذي يريده الله، ولا تخافي من عدم العثور على شريك مناسب لحياتك، وتأخر قدومه، فإن الخير فيما اختاره الله لكِ، وعاجلًا أم آجلًا سيبعث الله لكِ من يستحقك ويحافظ عليكِ كما يحافظ على نفسه. واجعلي من "ولعل الذي ابطئ عني هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الامور" شعارك دائمًا... عزيزتي الزينبية، أبقي أنتِ، وسيأتي لكِ هو... حينما يكتب الله ذلك، وحينها سيكون اللقاء لقاءً سماويًا مباركًا من الله تعالى وأهل بيته (عليهم السلام) هذه رسالتي اليكِ... فتمسكي… وكوني كما يريدكِ الله... لا كما يريدون…
اخرىبقلم: وفاء لدماء الشهداء أبي الحبيب، مع ذكرى رحيلك السنوية أحببت أن أزف لك أخبارنا السعيدة، فلقد تحررت الأرض، ورحل الأعداء الأشقياء، يجرون أذيال الخيبة والخسران، وارتفع من جديد في مدينتنا صوت الأذان، وفتحت أبواب المدارس وابتسم الأطفال، وعاد لنا -كما كنت تحلم- السلام والأمان، وأنا سعيد بتحقق أمنياتك، فقد جاءت بالثمار الجنية كل تضحياتك. سعيد؛ لأنك بعت حياتك كي تشتري الأمن والسلام للضعفاء، كي يصان العرض وترتفع الرؤوس عزًا وكبرياء... سعيد؛ لأنني زرتك اليوم في رياض الشهداء، هناك رأيتك ترقد بسلام مع رفاقك الأوفياء، وشعرت بأرواحكم تسافر كأسراب الحمام المهاجرة، بكل شغف نحو العلياء. أعلم يا ابتي أنني وكل من يقف على قبوركم النوراء، يزرع في داخله الشوق للتضحية والفداء، فأنوار بطولاتكم تضيء لنا الطريق للارتقاء، ووهج كلماتكم ووصاياكم لا زالت ترن في مسامعنا لتعطر الأجواء، فتحثنا وتدفعنا كي نسمو بالاستضاءة بها نحو عوالم النور والضياء. أما الخبر الثاني الذي أردت أن أزفه إليك أيها العزيز، فهو خبر نجاحي في الامتحان، لقد أتيت بوثيقة تخرجي من الابتدائية؛ لأريك إياها كما كنت أفعل في كل مرة، ولكنني أشعر بالخجل منك يا ابتي؛ فدرجاتك أعلى وشهادة تخرجك أعظم، فقد سجلت بالدم القاني إجابتك عن كل الأسئلة، ورحلت صادقًا وفيًا وفزت بأعلى منزلة، وها أنت مع كل فجر تشرق؛ لتزرع في روحي أزهار الولاء، فيخضر على يديك الحلم ويتفتح البرعم، وينمو الأمل بأن القادم أجمل. أبتي الحبيب: لقد وقفت مع أصدقائي في وادي السلام عند رياضكم، وبلّلنا بالدمع حبات ترابكم، همسنا بأرواحنا وقلنا لكم: دعونا نقتبس ألقًا من دمائكم، ونقتات من خبز حكاياكم؛ علّنا نوفق للسير على نهجكم، ونسعى بكل وفاء لإكمال مسيرتكم. مكثنا عند مشاهدكم لساعات، كانت أجمل من كل أيامنا دونكم، ثم اضطررنا للرجوع إلى بيوتنا التي تغمرها رائحتكم، وصدى ضحكاتكم، وتنبض كل زاوية منها بعطر ذكرياتكم. وقبل الوداع، وضعت يدي على قبرك، وأسندت خدي على صورتك، وقلت لك: وداعًا أيها الحبيب، وعهدًا أن أكمل المسير حتى الرمق الأخير. ولدك الصغير.
اخرىبقلم: علوية الحسيني شراءُ ملابسِ العيد قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم و(َتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) (1). إنّ شراء ملابس العيد بات أمرًا عرفيًّا، والإسلام يدعو إلى التجمّل، إلاّ أنّ بعض النساء أصبحنَ ما بين إفراطٍ وتفريط في شراء تلك الملابس. فيا اختاه: إن رُمتِ الشراء فلابد من مراعاة ضوابط لها أسس قرآنية، وأخرى روائية. فالإسراف في كل شيء مذموم، فإن أسرفتِ في شراء ملابس بأغلى الأثمان، وعملتِ على تجديد الشراء كلما صادفتكِ مناسبة لهو الإسراف بعينه. نعم، وأمّا بنعمة ربّك فحدِّث، لكن لا على شكلٍ يؤثر على اقتصاد منزلكِ، فالزوج وإن كان من واجبه الإنفاق عليكِ إلاّ أنّ للنفقةِ حدودًا، وكذا الأب، بل وكذا نفسكِ إن كنتِ ممن تكفلّت بالنفقة عليها، قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين}(2). وهناك أمور لابد من مراعاتها عند شرائكِ لملابس العيد، منها: 1/الأنسب أن تداومي على ذكر الله تعالى، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "إذا دخلت سوقك فقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، اللهم إني أعوذ بك من أن أظلم أو اُظلم، أو أبغي أو يبغى علي، أو أعتدي أو يعتدى عليّ، اللهم إني أعوذ بك من شر إبليس وجنوده، وشر فسقة العرب والعجم، وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم" (3). 2/إذا كنتِ تريدين ارتداء الثوب الذي سوف تشترينه للظهور به أمام الأجانب، "فالمعتبر في حجاب المرأة ستر ما يجب ستره عن الرجال الأجانب بحيث لا يبرز مفاتن جسدكِ لهم، والعباءة خير ثوبٍ ساترٍ لكِ، فإذا كان غير العباءة يفي بهذا الغرض فلا بأس به، لكن مع ذلك فسماحة السيّد المرجع يحبذ للمرأة المسلمة أن تختار العباءة كلباسٍ دائمٍ، فمن بابٍ أولى ترجيح التحبيذ أيام العيد" (4). 3/أن لا يكون ذهابكِ للسوق بمفردك، ويتحتم عليكِ عدم خلق المشاكل فيما لو نُهيتِ عن الذهاب في الوقت الذي تم تحديده من قبلكِ، فعاقبة تأجيلكِ الموعد لحين تفرّغ من تذهبين معه من المحارم أقل تأثيرًا عليكِ فيما لو غامرتِ ودخلت السوق بمفردك. فإن غامرتِ فالله الله في الحشمة القولية والفعلية، فلا خضوع في القول، ولا تميّع في الفعل. 4/خروجكِ للسوق لابد أن يكون بلباس الحشمة والوقار، بعيدًا عن التزيّن مهما استساغه العرف، وبعيدًا عن التعطر المقصود، والبنطال الذي يُقصد منه إظهاره تزينًا، والكعب العالي. 5/احذري بل وتجنبي قدر المستطاع التعامل مع البائعين من الرجال؛ إذ قد يجر الكلام به إلى أن يشخص ما يليق بكِ كقياسٍ من الملابس، وهذا هتكٌ لحرمتكِ أيّتها المبجلة، ولهذا الأفضل لكِ اصطحاب أحد المحارم معكِ ليتولى عملية الشراء؛ فالإسلام يوجب على الجميع معاملة المرأة معاملة الأميرة القارورة الريحانة، فاكتنزي دوركِ. 7/إذا كان الثوب الذي تودين شراءه مخالفًا لذوق زوجكِ، ويترتب عليه نفوره منكِ فيما لو ارتديتِه، فالشرع يأمركِ بطاعة الزوج، والأنسب أن يكون الاتفاق بينكما هو سيّد كلّ موقف. 8/إذا كنتِ تريدين شراء ثوبٍ تظهرين به أمام أخواتكِ المؤمنات وصاحباتكِ فالأنسب أن تراعي الحداثة والمظهر واللائقية، بشرط أن لا يخرج عن حدِّ الحشمة والوقار، ويكون بعيدًا عن الشهرة، أو التشبه بالرجال أو بالكفار. 9/إذا صادفتكِ حالات تتطلب منكِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبادري بنصح اختكِ في الله، واعطيها العذر في عدم انتباهها على حجابها الذي يحتاج إلى تستر؛ واحمليها على سبعين محملٍ، إذ لعلّ شدّة الزحام، أو تمسكها بأطفالها، أو عدم مبالاتها غير المقصودة أدت بها إلى أن تصل إلى حالةٍ تستوجب نصحٍ من اختٍ لها أمثالكِ. وكثيرةٌ هذه الحالات لاسيما مع قرب أيّام العيد. 10/إذا اشتريتِ ما ناسبكِ ذوقًا، فيستحب أن تكبِّري الله تعالى ثلاث مرات؛ روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبر ثم قل: اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك، فصل على محمد وآل محمد، واجعل لي فيه فضلا اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من رزقك، فاجعل لى فيه رزقا، ثم أعد كل واحدة ثلاث مرات" (5). ________________ (1) فاطر: 12. (2) الأنعام: 141. (3) وسائل الشيعة: للشيخ الحر العاملي، ج17، ب18 باب استحباب الدعاء بالمأثور عند دخول السوق، ح2. (4) الحكم وفق فتوى سماحة السيّد السيستاني دام ظله. (5) وسائل الشيعة: للشيخ الحر العاملي، ج17، ب20 استحباب التكبير ثلاثا عند الشراء، ح1. ألبسنا الله تعالى وإيّاكنّ في جنته من الاستبرق والحرير، والياقوت والمرجان، إنّه هو السميع المنّان.
المناسبات الدينيةبقلم: كاردينيا ياس رددها... لتطمئن روحك ويعمّ السلام بارجاء نفسكَ المتعبة وترفرف اجنحة الأمل والتفاؤل فوقَ كل الأمنيات... لتلوّح لكَ حاجاتكَ: أنا هنا، فقط أرفع كفّ الدعاء.
الخواطريستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى