خاطرة

لا تخفْ من العنكبوت، التي ألقت بخيوطها على قلبكَ، ونسجت بيتها فيه. قاومْ للتخلصِ منها وتذكّرْ: أنْ مهما كان العنكبوتُ متقنًا لنسجِ بيتِه بدقةٍ، فلن يصمد أمام عقلك، فمع دقةِ العنكبوت لكنّ بيته أوهن البيوت كنْ صاحبَ إرادةٍ وأزلْ تلك الخيوط بقوةِ الإرادة

اخرى
منذ 4 سنوات
645

لستُ بخير!

بقلم: نورا گاصد العبودي لم أعتدْ قولها أو كتابتها حتى ... لكنّي اليوم أشعرُ بها ... بعد ما زارتني الخيبة أمس، جلست بكلِّ وقاحةٍ أمامي تحملُ مرآةً بيدها ... وتُريني قباحة أفعالِ سُكّان القلب... وأخذت تضحكُ بصوتٍ عالٍ، مُردّدةً عباراتِ الانتصار ... ثم سألتني: كيف تعامل معكِ آخر جنودي؟! -تقصد خُذلان الكلام- أشحتُ بناظري عنها، وقلت لها: أنا من صمتُّ؛ فالكلام لم يعُدْ يُجدي نفعًا مع الوحوش البشرية، الذين يصبّون جامَ غضبِهم بكلامٍ يحملُه الغبار فيرميه في مزبلةِ النسيان! أنا أتمسكُ بالشيءِ الخالد فقط! قلمي.. سينصُرُني، وهو ينزف أملًا، ويبثّه عشقًا... رغم أنف الخيبات..

اخرى
منذ 4 سنوات
675

من شكا لمؤمنٍ كمنْ شكا للهِ (تعالى)

بقلم: شيماء المياحي ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من شكا الحاجةَ إلى مؤمنٍ فكأنّما شكاها إلى الله، ومن شكاها إلى كافرٍ فكأنّما شكا الله"[ نهج البلاغة] الإيمانُ مفهومٌ واسع، يُطلقُ على كلِّ من يوالي أمير المؤمنين وأولاده الميامين (صلوات الله وسلامه عليهم)، وإنْ كانت تلك الموالاة ظاهريةً فقط فهو يُعتبر مؤمناً، وله حقوق المؤمنين من عدم جواز اغتيابهم، والحفاظ على حرمتهم، ...وغيرها . وكما هو واضحٌ من هذا الحديثِ الشريف أنَّ الشكوى للمؤمن بمنزلةِ الشكوى لله(تعالى). ولكن، ليس كلّ مؤمنٍ، بل لابُدَّ أنْ تتوفر فيه- ولو بعض- من صفاتِ المؤمن الحقيقي؛ لتكون الشكوى له بهذا المقام العظيم، ويحصل على ثمرةٍ منها، ومن هذه الصفات: ١ - كتمانُ السرّ: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "من ضَعُف عن حفظِ سرِّه، لم يقوَ لسرِّ غيره"(١) فينبغي التثبت من وجود هذه الصفة في المؤمن الذي يُراد الشكوى له، وإلّا قد تكون النتيجةُ عكسيةً إنْ لم يكتمْ سرّ المُشتكي له. ٢ - الحكمة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "كاد الحكيمُ أنْ يكون نبيًا"(٢) يُفترض أنْ يكون المؤمنُ ذا حكمةٍ في إبداءِ رأيه لوضعِ الحلول التي يُحتمل أنّها تُساهم في علاج المشكلة. وإلّا ستكون الشكوى له مجرد فضول كلام، بل قد تتخللها بعض المحرمات إذا كانت الشكوى ترتبط بطرفٍ آخر، كالغيبة وغيرها، أو قد يساهم في تعقيد المشكلة أكثر؛ لافتقاره إلى الحكمة. ٣ - التفقه في الدين والعدالة: من الضروريّ جدًا أن يكون الشخصُ المتصدي لوضعِ حلولٍ لمشكلاتِ الآخرين مُتفقهًا في الدين؛ حتى يُعطي كلَّ ذي حقٍ حقه بحسب ما جاء في الشريعة المقدسة، وإلّا قد يُبخس حقُّ طرفٍ على حساب إرضاء طرفٍ آخر. ومن هذا يتبين لنا أنّه لا ينبغي الشكوى: لأيِّ عابرِ سبيل ولا لصديقٍ جديد ولا لصديقٍ افتراضي ولا لأخٍ يفتقد هذه الصفات أو بعضها.. فضلاً عمّن يبثُّ شكواه في العالم الافتراضي، ويُطلِعُ عليها كلَّ من هبّ ودبّ، بذريعةِ أنّ من شكا لمؤمنٍ كمن شكا للهِ(تعالى). ------------------------------ (١) ميزان الحكمة: ج٢ / ص١٢٨٢ (٢) كنز العمال : ج١٦

اخرى
منذ 4 سنوات
1642

الغزو الثقافي وتداعياته على الفئة الشابة/ الجزء الرابع

بقلم: دعاء الربيعي نرى الشبابَ اليوم مغترين بشبابهم وقوتهم ظنًا منهم أنها تدوم، فتراهم يرتكبون المعاصي ويتبجحون بها غير مبالين بما يقال عنهم، لكن ليعلموا أنّ هذا الشباب فانٍ، وهذه القوة زائلةٌ لا بد لها من الأفول يومًا ما. وآنذاك لن ينفع الإنسان إلا أعماله الصالحة، كما ورد في الحديث الشريف: "اغتنم خمسًا قبل خمسٍ: شبابُك قبل هرمك، وصحتُك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" وعلى الرغم من قوة الشباب ونشاطهم في هذه المرحلة، إلا أننا نجد تثاقلًا من بعضهم عن أداء الفرائض خصوصًا الصلاة لا سيما صلاة الصبح، فتراهم يسهرون طوال الليل، وبالتالي يصعب عليهم أداؤها في وقتها المخصص. كما نجد تكاسلًا عن قراءة القرآن الكريم، مما يتوجب علينا حثهم دائمًا على العبادات، وترغيبهم بها وبالثواب المترتب عليها، وتذكريهم بالعقوبة المترتب على التهاون في أدائها. كما ينبغي استثمار هذه المرحلة من العمر في السعي إلى إتقان مهنة أو كسب تخصّص، وإجهاد النفس والكدح لأجله؛ فإنّ فيه بركاتٍ كثيرةً يشغل به الشاب قسمًا من وقته، فيقضي على الفراغ، وينفق به على نفسه وعائلته، فينفع به مجتمعه، ويستعين به على فعل الخيرات، ويكتسب به التجارب التي تصقل عقله وتزيد خبرته، ويطيب به ماله، لأنّ المال كلّما تعب الإنسان في تحصيله أكثر كان أكثر طيبًا وبركةً. كما أنّ الله (سبحانه وتعالى) يُحبّ الإنسان الكادح الذي يُجهد نفسه بالكسب والعمل، ويبغض العاطل والمهمل ممّن يكون كلًا على غيره، أو يقضي أوقاته باللهو واللعب. فلا ينقضينَّ شباب أبنائنا من دون إتقان مهنة أو تخصّصٍ؛ فإنّ الله (سبحانه) جعل في الشباب طاقاتٍ نفسيّةً و جسديّةً ليكوّن المرء من خلالها رأسُ مالٍ لحياته، فلا يضيعنّ بالتلهّي والإهمال. نرى اليوم الكثير من الشباب المسلم عاطلاً عن العمل بحجةِ عدم توفر الفرص المناسبة، أو لأن الأهل هم من ينفقون على الشاب، وهذا أحد الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى الضياع؛ فالشاب الذي ليس لديه ما يشغل به وقت فراغه، تراه يتصفح مواقع التواصل بلا فائدة وبلا هدفٍ يُذكر، وبالتالي يؤدي ذلك إلى انحرافه عن جادة الصواب. أما إذا شغل وقته بعمل أو بوظيفة نافعة يكسب منها رزقًا حلالًا يُنفق منه على نفسه وعلى أسرته، فلا يشعر بالممل أو الضجر؛ لذلك حفزوا أولادكم العاطلين عن العمل وخصوصًا الشباب على البحث عن عمل أو وظيفة ما. وأما بالنسبة للفتيات، فما أجمل تعليمهن بعض الأعمال اليدوية مثل الخياطة أو الحياكة أو غير ذلك من الأعمال اليدوية، خصوصًا في فترة العطلة الصيفية ليشغلن بذلك وقت فراغهن بها، بدل أنْ تهدر معظم وقتها أمام شاشة التلفاز وما يبث من مسلسلات وأفلام تشوّه عقل البشر، أو في تصفح مواقع الإنترنت الخادعة. ومما تنبغي الإشارة إليه: أن ليس جميع البرامج التلفازية أو المواقع التواصلية هي غير مفيدة، لكن الاستعمال الغالب لها هكذا، فلا بأس أن تشاهد الفتاة أو الشاب بعض المسلسلات الهادفة التي لا يوجد فيها وفي سياق أحداثها ما يُخلُّ بالحياء والعفة، ولا بأس بأن يتصفحا بعض المواقع المفيدة ليتعلما بعض الأمور، ولاسيما بالنسبة إلى الفتيات بعض التطبيقات التي تتضمن الكثير من الأفكار المنزلية الرائعة والوصفات وغير ذلك. ومن الضروري جدًا تحبيب الالتزامات إلى الشباب وتبغيض النواهي إليهم بطريق الترغيب وبلغة العصر وبما تميل إليه أنفسهم، كتوجيههم إلى الالتزام بمكارم الأخلاق وتجنّب المذموم منها، عن طريق بيان أنَّ ما من سعادةٍ وخيرٍ إلا ومبناها فضيلة، وما من شقاءٍ وشرٍ ــ عدا ما يختبر الله (تعالى) به عباده ــ إلاّ ومنشؤهُ رذيلة. والأخلاق الفاضلة: هي العفاف في المظهر والنظر والسلوك، والصدق في القول، والصلة للأرحام، والأداء للأمانة والوفاء بالعهود والالتزامات، والحزم في الحق، والترفع عن التصرّفات الوضيعة والسلوكيّات السخيفة. وأما الأخلاق الرذيلة: فالعصبيّات الممقوتة، والانفعالات السريعة، والملاهي الهابطة، ومراءاة الناس، والإسراف عند الغنى، والاعتداء عند الفقر، والتبرّم عند البلاء، والإساءة إلى الآخرين، ولا سيّما الضعفاء، وهدر الأموال، وكفران النعم، والعزّة بالإثم، والإعانة على الظلم والعدوان، وحبِّ المرء أنْ يُحمد على ما لم يفعله. ولا بُدَّ للمرء لكي يضمن من نفسه التحلّي بالأولى والتخلّي عن الثانية من الالتزام ببرنامج محاسبة النفس، بدءًا بمشارطتها ومراقبتها ومحاسبتها وانتهاءً بمعاقبتها إن هي لم ترتدع إلا بها. وعلى الرغم من أنَّ العفاف خلقٌ يجب أن يتسم به الشاب والشابة على حدٍ سواء، إلا أنّها للفتيات أهم؛ فإنّهن لظرافتهن أكثر تأذّيًا وتضرّرًا بالسلبيات الناتجة عن عدم الحذر تجاه ذلك. فلا ينخدعن بالعواطف الزائفة ولا يَلِجن في التعلُّقات العابرة مما تنقضي ملذّتها، وتبقى مضاعفاتها ومنغّصاتها. فلا ينبغي للفتيات التفكير إلاّ في حياةٍ مستقرّة تملك مقوّمات الصلاح والسعادة. وما أوقر المرأة المحافظة على ثقلها ومتانتها المحتشمة في مظهرها وتصرفاتها، المشغولة بأمور حياتها وعملها ودراستها! فلا تنخدعي أختي المؤمنة وخصوصًا أنتِ الشابة التي تذهبين للجامعة أو مقرِّ عملكِ، ولا تغتري بالموضة في ارتداء الحجاب والملابس؛ فإنّ هدف الغرب هو إماتة اللباس والزي الإسلامي وتبديله بأزياءٍ غربية تُحاكي الموضة وتجعل من جسمكِ عرضةً للآخرين. وتأملي أخيتي الفاضلة بالفاكهة، فإنّكِ تفضلين ما كان بقشره منها على منزوع القشر؛ لاحتمال تعرض الأولى إلى التلوث والأتربة وما شابه ذلك. وكذلك الشاب المؤمن لو فكّر في الزواج حتمًا سيختار المرأة العفيفة الطاهرة التي لم تُبرِز مفاتنها أمام الآخرين. كما لا تغفلي عن الاهتمام بتكوين الأسرة بالزواج والإنجاب من دون تأخير؛ فإنّ ذلك أنسٌ للإنسان، وباعثٌ على الجدّ في العمل، وموجبٌ للوقار والشعور بالمسؤولية، واستثمارٌ للطاقات ليوم الحاجة ووقايةٌ للمرء عن كثيرٍ من المعاصي المحظورة والوضيعة حتى ورد: أنّ من تزوّج فقد أحرز نصف دينه. وهو قبل ذلك كلّه سُنّةٌ من أوكدِ سنن الحياة، وفطرةٌ فُطِرت النفس عليها، ولم يفطم امرؤ نفسه عنها إلاّ وقع في المحاذير، وابتلى بالخمول والتكاسل. وبالنسبة إلى الشباب، فلا يخافنّ أحدكم فيه فقرًا فإنّ الله (سبحانه) جعل في الزواج من أسباب الرزق ما لا يحتسبه المرء في بادئ نظره. وليهتم بخلق من يتزوجها ودينها ومنبتها، ولا يبالغن في الاهتمام بالجمال والمظهر والوظيفة؛ فإنّه اغترارٌ سرعان ما ينكشف عنه الغطاء عندما تُفصِحُ له الحياة عن جدّها واختباراتها، وقد ورد في الحديث التحذير من الزواج بالمرأة لمحضِ جمالها. وليعلم أنّ من تزوّج امرأة لدينها وخُلُقها بوركَ له فيها. ولتحذر الفتيات وأولياؤهن من ترجيح الوظائف على تكوين الأسرة والاهتمام بها، فإنّ الزواج سُنّة أكيدة في الحياة، وأما الوظيفة فأشبه بالنوافل والمتمّمات، وليس من الحكمة ترك تلك لهذه. ومن غفل عن هذا المعنى في ريعان شبابه ندم عليه عن قريبٍ حين لا تنفعه الندامة، وفي تجارب الحياة شواهد على ذلك. ولا يحقُّ لأوليائهنّ عضلهن عن الزواج أو وضع العراقيل أمامه بالأعراف التي لم يلزم الله (تعالى) بها، مثل الغلاء بالمهور، والانتظار لبني الأعمام أو السادات، فإنّ في ذلك مفاسد عظيمة لا يطلعون عليها. وليُعلم أنّ الله (سبحانه) لم يجعل الولاية للآباء على البنات إلاّ للنصحِ لهن والحرصِ على صلاحهن، و من حبس امرأةٍ لغير صلاحِها فقد باء بإثمٍ دائم ٍ ما دامت تعاني من آثار صنيعه وفتح على نفسه بذلك بابًا من أبواب النيران. لذا نأمل من أعزِّتنا شباب اليوم، ورجال المستقبل أن يكونوا على قدر المسؤولية التي أُنيطت بهم؛ فهم عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملو لوائها ورايتها، وقائدُو مَسيرتها إلى المجد والنصر. فأنتم أيُّها الشباب أغلى ما تمتلك الأمة، فالأمم تمتلك كثيراً من المقدرات: مقدرات اقتصادية، عسكرية، ومقدرات جغرافية، إنسانية وأغلى ما تمتلك الأمة من المقدرات الإنسانية هم الشباب. فإذا أردت أن تعرف مستقبل أيّ أمةٍ فلا تسَلْ عن ما تملك من أموال وثروة، بل انظر إلى شبابها واهتماماتهم، فإذا رأيته شبابًا متدينًا يُفدي نفسه من أجلِ نصرة معتقده ودينه ومقدساته كما هو حال بعض شباب العراق الباسل الذي التحق للدفاع عن تراب بلده من دنس الحاقدين، فاعلم أنّها أمةٌ جليلةٌ الشأن، قويةُ البناء، لا تُهزم بسهولةٍ، ولن تستسلم للطغاة أبدًا. وإذا رأيته شبابًا هابطَ الخلق، منشغلًا بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل فاعلم أنّها أمةٌ ضعيفةٌ مفككةٌ، سرعان ما تنهار أمام عدوها. ونحن إنْ شاء الله (تعالى) أمةٌ قويةٌ بإيمانها وبشبابها الواعي الذي يُحارب أعداء الله ليظفر بالنصر الذي بات قريبًا. وأخيرًا أوجِّه رسالتي إلى المربين وأقول لهم: اتقوا الله في فلذات الأكباد، ولا يقودنكم الغضب لظلمِ أبنائكم والإساءة إليهم والتفريط بهم، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم، فذلكم النقيض وضده، ولا يلتقي النقيضان. وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية وتركوا أولادهم دون مراقبة، فانحلّوا، وضاعوا، ولم ينصاعوا لأوامر آبائهم. أخواتي إخوتي، إنّ الغيور ليتساءل: كيف لأبٍ أو أمٍ أنيطت بهما أمانة عظيمة ينامان قريري العينين، يكتحلان بالنوم ملء جفنيهما، وأبناؤهما خارج منزلهما. فلا بُدَّ من رعاية الشباب والناشئة ومراقبتهم مراقبةً جدية، والتقرب منهم وكسبهم كأصدقاء ليتحدثوا إليكم عن مشاكلهم وما يجول في خواطرهم من أسئلة وأفكار. كما يتوجب عليكم أنْ تُرشدوهم إلى الطريق الصحيح الواضح حتى يكونوا نواةً صالحةً لدينهم ومجتمعهم، ولا يكونوا عالةً على المجتمع، ولا يشوّهوا صورة الإسلام والمسلمين ولا تتزعزع عقيدتهم بدينهم. فاتقوا الله معشر العباد، واحفظوا وصية الله (تعالى) إيّاكم في الأولاد، وتذكروا موقفكم يوم المعاد: " يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ". فأنتم مسؤولون عن انحراف الشباب، ومُحاسبون على تربيتهم أمام رب الأرباب. اللهم انفعنا بالقرآن الكريم، وبهدي النبي العظيم، واجعل شبابنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اخرى
منذ 4 سنوات
725

الغزو الثقافي وتداعياته على الفئة الشابة/ الجزء الثالث

بقلم: دعاء الربيعي أشار كتاب الله (تعالى) المبارك إلى ضرورة صيانة الأبناء وتربيتهم تربيةً دينية صحيحة؛ لبناء أساسٍ قويٍ ثابتٍ يستعينون به على مواجهة الصعوبات والتحديات والمنزلقات الخطرة التي تهدف إلى الإطاحة بهم وجرِّهم نحو ما لا يُحمد عقباه. ومع ذلك لا بُدَّ من الاستمرار بتذكيرهم وعدم تركهم؛ لأنَّ الإنسان وإن كان عالمًا بمواطن الخطر إلا أنّه ربما يغفل، وكم من شبابٍ معتدلين أسوياء في غفلةٍ من أنفسهم قد انساقوا للشهوات ووقعوا في وحل الانحراف، أو أغرتهم بعض الفئات المشبوهة بأفكارها التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، حتى أوقعتهم في شباكها. علاوةً على ذلك، فإنَّ للصحبة والخلة تأثيراً فاعلاً على الأخلاق والسلوك سلبًا وإيجابًا؛ فالمرء على دين خليله. وأصحاب الشر والفساد حريصون على إفساد غيرهم حتى تقوى شوكتهم ويتسع نفوذهم، فيعملون على استمالة من يرونه سهل الانقياد والإذعان لهم، ويُظهرون له المودة والمحبة حتى يطمئن إليهم، ثم يبدؤون في تعتيم أفكارهم. كما أنَّ للمؤسسات التربوية عمومًا -وأهمها المنزل والمدرسة والمسجد- دورًا كبيرًا في التوجيه والإرشاد وأهمها الأسرة التي تحتضن الشاب مدةً طويلة من حياته. وأيُّ تقصيرٍ في تنشئةِ الفردِ هو مسؤولية من الأبوين معًا، وسيتحملان عواقبه، فكم من الآباء من يشكون عزلة ولدهم عنه وعدم تواصله معهم، وتمضي الشهور بل الأعوام وهو لا يعلم عنهم شيئًا. بودي هنا ذكر نموذجيين لشابين من واقع الزمن المعاصر، الأول انجرف مع التيارات المُضللة مع أنّه من عائلةٍ مؤمنةٍ! وكان قد عاش في أسرةٍ صغيرةٍ مع والده وأمه وإخوانه هو الأخ الأكبر فيها، وكان الأبُ مشغولًا من ساعات الصباح الأولى وحتى المساء بعمله، والأمُّ منشغلةً بأعمال المنزل ومهنة الخياطة التي تُساعد بها زوجها لتوفير حياة هانئة. ولم يُدركوا أنّ أطفالهما بحاجة إلى شيءٍ آخر غير الطعام والشراب، ألا وهو بثّ القيم والأفكار الإيجابية من خلال التربية الإسلامية الصحيحة. ومرت الأيام والسنون وبلغ هذا الولد من العمر ثمانِ عشرة سنة، وفي تلك الفترة كانت وسائل الاتصال في أوجها، وقد وفّر الأبوان له غرفة خاصة به تحتوي على جهاز حاسوب مرتبط بشبكة الإنترنت، وكان هذا الشاب ينام نهارًا ويستيقظ ليلًا ليقضي وقته أمام شاشة جهازه مع الأصدقاء الافتراضيين من كافة أنحاء العالم، وهم يبثون سمومهم وأفكارهم في عقله بعيدًا عن نظر أبويه المشغولين في كسب المعيشة، فغاب الرقيب والحسيب عن ذلك الشاب. وبمرور الأيام تشرَّب هذا المراهق الأفكار والمفاهيم المدسوسة له من قبل أصدقائه الافتراضيين الذين كان كلُّ همِّهم هو السعي لانحراف هذا الشاب عن جادة الصواب، فصار الشاب يعتقد بمعتقداتهم البعيدة كلّ البعد عن القيم الإسلامية. في بادئ الأمر كان يدخل الشاب في حواراتٍ ومناقشاتٍ مع أقربائه عن حقيقة وجود الله (تعالى) والتشكيك بالنبوة والإمامة وإلى غير ذلك، كما أنّ معاملته مع أهلِه أصبحت سيئةً جدًا. وقد لاحظ الجميع هذا التغيير في شخصية هذا الشاب، فحاول أهله وأقرباؤه أنْ ينتشلوه من المستنقع الذي سوف يؤدي به إلى الهاوية، لكن لات حين مناص فلقد اقتنع بالمفاهيم الخاطئة عن الدين، وبات لا يكترث إلى ما يقوله أهله، والأكثر من ذلك أنّه يعتبرهم أناسًا جهالًا يعتقدون بأفكار ليس لها صحة! واستمر الأمر هكذا إلى أنْ كشف الشاب عن فكره الإلحادي بشكلٍ علني، والتخلي عن كلِّ مبادئ الإسلام التي يعتبرها خرافات وغادر بلاده إلى أحدِ البلدان الغربية في فترةٍ فتحت بعض البلدان أبوابها للجوء، فهبَّ إلى ترك الوطن وغادر إلى دول الغرب التي هي في منظوره دول متحررة من سلطةِ العبودية، وتدعو الإنسان إلى نبذِ كلِّ المعتقدات السلبية. وبات الأبوان يقلبون أكفهم حسرةً وندمًا على ما فرّطوا في ولدهم الذي ضاع في مهبِّ الأعاصير. وكلُّ ما ذكرته هو واقعٌ قد وقع فعلًا، وما هي إلاِ واحدةٌ من آلافِ القصص التي يعيشها بلدنا الحبيب؛ والسبب في ذلك يعود إلى الحملة الشعواء التي يشنُّها الغرب لزعزعة عقيدةِ الناس بدينِهم. فحرب أعداء الإسلام الثقافية لم تقتصر على إشاعة الفواحش فحسب، بل انتقلت إلى ما هو أخطر من ذلك وهو التشكيك بوجود الله (تعالى). فالحذر كلّ الحذر -والكلامُ موجهٌ إلى كلِّ عائلةٍ فيها أفراد شباب ومراهقون- من هذه الهجمة الشرسة؛ لنتقيَ الله (تعالى) في أبنائنا وفي أسرنا، ونكون كما أرادنا أنْ نكون. قال (تعالى): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6)"[التحريم6] يجب علينا كمربين مراقبة أولادنا والحرص على مصاحبتهم، وعدم السماح لهذه الأجندة بالعبث في عقولهم الفتية, فضعيف الإيمان سرعان ما ينخرط ودون توقفٍ في دواماتِ الشرك، خصوصًا إنْ لم يكن متحصنًا بحصن المعرفة. كما يجب على الباحثين والمفكرين السعي إلى محاربة تلك الآفة من خلال المؤتمرات والحوارات؛ لتقوية معتقدات الشباب، وجذبهم وتعليمهم كيفية حلِّ الإشكالات العقائدية التي تُبَثُّ إليهم من خلال الرجوع إلى أهل العلم حال تعرضهم إلى مسألةٍ عن نكران حقيقة وجود الله (تعالى)، أو عن الأدلة على وجوده (سبحانه)، وحقيقة أصل النبوة و الإمامة؛ فغالبًا ما يواجه الشاب غير المتعلم صعوبةً في الإجابة عنها، فتؤدي به إلى الإبحار في الأفكار المنحرفة دونما توقف. ومن المفيد جدًا وضع مناهجَ دراسيةٍ في المدارس والجامعات، تغني الطالب بتعاليم ومبادئ السماء من خلال تعليم العقائد والأخلاق لكلِّ الاختصاصات؛ ليكونوا قادرين على الرد على الشبهات التي يُثيرها الغرب ضد الإسلام، ومواجهة التطرف. إذ يُعدُّ التطرف تحديًا كبيرًا يواجهه عالمنا العربي والإسلامي خلال المرحلة الحالية من تاريخه، إذ تحاول بعض الجماعات المتطرفة احتكار الحديث باسم الدين الإسلامي، عبر شعاراتٍ زائفة، تقدِّم صورةً مشوّهة عن هذا الدين ومبادئه التي تحثّ على التسامح والتعايش. كما تروّج في الوقت ذاته للصدام والصراع ورفض الآخر، وهو ما أسهم في انتشار الأفكار المتطرفة التي تغذّي العنف وتبرّر اللجوء إلى الإرهاب. فأصبح من الضروري التحرك لمواجهة هذه الهجمةِ الشرسة التي تواجه ديننا الإسلامي الحنيف من جانبِ هذه الجماعات التي تتاجر بالدين، وتنشر الفكر المتطرف وتغذّي العنف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشكلٍ عام والشباب والمرهقين بشكلٍ خاص . أما النموذج الثاني الذي أودُّ ذكرَه، فهو شخصيةٌ مغايرةٌ للشخصية الأولى تمامًا، هو أيضًا شابٌ مراهقٌ لكنّه اتجه إلى اتجاهٍ آخر، واقتدى بشخصيةٍ إسلاميةٍ فاضلة كان لها الفضل في بقاء الإسلام وقيمه وتعاليمه السمحاء. اسم هذا الشاب (مثنى قاسم الكلابي)، يبلغ من العمر ستة عشر ربيعًا، يسكن في قريةِ النعمانية في محافظة واسط، يدرسُ في المرحلة الإعدادية في إحدى مدارس النعمانية، لكنه كان يُمنّي نفسه دائمًا بالشهادة ويخطُّ هذه الجملة على كتبِه المدرسية (الشهيد البطل مثنى قاسم الكلابي)، خصوصًا بعد سماعة لفتوى المرجعية الرشيدة التي حثّت الشباب على الالتحاق بجبهاتِ القتال للدفاعِ عن الأرض والعرض والمقدسات. تقول أم الشهيد مثنى إنّها حاولتْ منعه كثيرًا لتصدَّه عن هذا القرار، ألا وهو قرار الالتحاق بجبهات القتال لكن دون جدوى، فقد كان مصرًا ولم يكن بيدها سوى الموافقة على أنْ ترسل ولدها إلى سوح العزة والشرف. وفعلًا انطلق وقد ملأتِ الأفراحُ قلبه. التحق في قاطع (بيجي) مُصرًا على نيل الشهادة، حتى نالها، فتشرف به أهله ومدينته، وسُميَّت المدرسةُ التي كان يدرس فيها باسمه. اقتدى مثنى بشبلِ سيد شباب أهل الجنة القاسم بن الحسن (عليهما السلام)، وسطَّر ملاحمَ البطولة والولاء على سواتر الشرف مدافعًا عن أرضه، مُلبيًا لنداء مرجعيته الرشيدة.

اخرى
منذ 4 سنوات
657

الغزو الثقافي وتداعياته على الفئة الشابة/ الجزء الثاني

بقلم: دعاء الربيعي إنّ المُتتبع لوسائل الإعلام المُعادية التي تهدف إلى إشاعة المنكر والفاحشة بين الاوساط الاجتماعية وزعزعة الفكر والعقيدة الإسلامية وتشويه المعتقدات والإساءة إليها بشتى الطرق والوسائل يرى أنّها تُقدِّم نفس الفكرة المسمومة والمدسوسة ولكن بقوالبَ مختلفةٍ وهيئاتٍ مغايرة. وقد حققت أهدافها -مع الاسف- وأكبر دليل على ذلك ازدياد نسب الطلاق في البلاد العربية والإسلامية خصوصًا ما نشهده في بلدنا العراق اليوم. فلقد أشار سماحة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية (الشيخ عبد المهدي الكربلائي) إلى ذلك في خطبة صلاة الجمعة حيث قال: إنّ (الإحصائيات الصادرة من السلطة القضائية الاتحادية إلى تصاعد حالات الطلاق في العراق بصورةٍ لم تكن مسبوقة من قبل، فبلغت أكثر من (5200) حالة في حين بلغت حالات الزواج التي سُجلِت رسميًا لنفس الشهر (8341) حالة. ويُلاحظ بالإضافة إلى ذلك التصاعد في عددِ حالات الطلاق المُسجلة منذ عام 2004 ولغاية هذا العام بحيث ازداد العدد المسجل قضائيًا في كلِّ سنةٍ مقارنةً بما قبلها) وبلا شكَّ أنّ هذه الظاهرة تُعدُّ ظاهرةً خطيرة في المجتمع العراقي، تُهدِّد الكيان الأسري بالتفكك والانحلال وتُشكِّل خطرًا محدقًا على التماسك الاجتماعي، إضافة إلى ما تتركه من آثارٍ نفسيةٍ ومجتمعيةٍ وأخلاقية ذات أبعاد مُخيفة، كما تحدّث سماحته عن ضرورة دراسة الأسباب الحقيقية والأساسية لبروز هذه الظاهرة، وضرورة تظافر جهود جميع الجهات والمؤسسات القادرة على معالجتها والحدِّ من تصاعد حالات الطلاق. فهناك مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية تُحتِّم على المبلغين والخطباء ومؤسسات المجتمع المدني والآباء والأمهات وإدارات المدارس والجامعات أنْ تنهض بأداء مسؤولياتها في هذا المجال، وتُشمِّر عن ساعد الجدِّ لوضع خططٍ مناسبة للمساهمة في تضييق دائرة هذه الظاهرة وفي الحد الأدنى عدم السماح باستمرارها في التصاعد. ومن هذا المنطلق تقع علينا مسؤوليات جمّة كباحثين ومبلغين وإعلاميين أنْ نساهم بجديّةٍ وإخلاص ولو بالشكل البسيط لتعريف المجتمع بخطورة تلك الثقافات الدخيلة علينا، والمساهمة في إصلاح ذات البين بين الأسر؛ للتقليل من حالات الطلاق، ووضع حلول ناجعة في مواجهة تلك الظاهرة التي باتت كبيرةً تهدد المجتمع بأجمعه وتزعزع استقراره. إنَّ الكيان الأسري ليس امرأةً فقط، وليس رجلًا أيضا، إنّما هو كيانٌ متكامل، للمرأة وظيفة أنثوية وللرجل وظيفته المُكملة، ولو تعاضدا وتشاورا وأدى كلٌّ منهما رسالته المطلوبة منه لصلُحت الأسر، وبالتالي صلُح المجتمع. لكن -مع بالغ الأسف- نرى اليوم الدفق الهائل من السموم عبر "وسائل الاتصال الحديثة " التي تدعو إلى تمرُّد المرأة على الرجل وتهديم النظام الأسري الذي وضعه الله (سبحانه وتعالى), فتدعو إلى تحرير المرأة من الحجاب، والنكوص على الإعقاب بالتزيين، ولبس الملابس غير المحتشمة، والدعوة إلى الاختلاط المحرم. كما تدعو إلى نبذ فكرة الزواج المبكر للشباب والشابات، والدعوة إلى أنّها فكرةٌ دونية تحطُّ من مكانة المرأة وقيمتها، فيصورون الزواج على أنّه أغلالٌ وقيودٌ تُكبِّلُ الحرية وتحجز الإنسان عن الانطلاق وتحقيق الرغبات والأهداف في الحياة، فلوثوا عقول الشباب بأفكارهم التي تدعو إلى علاقاتٍ محرمة بحجةِ الزمالة والصداقة إلى غيره من المسميات. ومما يؤسف له حقًا أنّ هذه الأسر التي غزاها أعداء الإسلام مهددةٌ بالانهيار بسبب الجهل بمقاصد الزواج السامية, والحقوق الشرعية المتبادلة وفن التعامل، بحيث تصور تلك الأفكار الدنيئة صعوبة تهيئة الزوجين لتحمُّلِ مسؤولية الحياة وتبعاتها، والعيش وتكاليفه، فيكونُ السقوط السريع والمريع عند أولِ عقبةٍ في دروب الحياة؛ وذلك لأنهم يظنون أنّ الحياة تمتُّعٌ دائم لا ينقطع، وسرورٌ لا يُنغّص، وبهجةٌ لا تنطفئ مع أحلامٍ وردية, وأمانٍ ساحرة، مما تسبب في هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسبابٍ مقنعة أو خلافاتٍ جوهرية. وهكذا يُكسر هذا الكيان الصغير الجميل بسهولة، والبيت الذي كانت تُظلّله سُحُب المحبة والوئام، يُكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد وهوج التفكير. والشيطان حين يُفلِحُ في فكِّ روابط الأسرة، لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يضع شرًا محدودًا، إنّما يوقعُ الأمةُ جمعاء في شرٍ بعيد المدى؛ ذلك أنَّ الأمة التي يقوم بناؤها على لبناتٍ ضعيفة، من أسرٍ مُخلخلة وأفرادٍ مُشردين لن تحقق نصرًا، ولن تبلغ عزًا، بل تتداعى عليها الأمم.. ولا يخفى عليكم أحبتي أنَّ وسائل التواصل الحديثة شغلت الناس، فباتوا بعيدين عن قراءة الكتب المفيدة، أو مشاهدة البرامج التلفازية الهادفة، أو سماع البرامج الإذاعية التوعوية ذات الفائدة. حتى صار شغلهم الشاغل هو الجلوس أمام أجهزتهم اللوحية التي تنوّعت في الشكلِ واتحدت في المضمون، فكانت بحق أحد أسلحة الغزو الثقافي إذا ما أسيء استخدامها كما هو الأعم الأغلب بين الناس بالوجدان. وكيف لا تكون أسلحةً بيد الأعداء، ولو تأملنا جيدًا بها أمثال (الفيس بوك) و(تويتر) وغيرها فلسوف نرى أنَّ الأعم الأغلب يستخدمها صغارًا وكبارًا، لكن هناك من أساء استخدمها وحقق من إنشائها غاياته الشيطانية. وتكمن خطورتها في أنَّ المستخدم لها وإنْ كان جالسًا في غرفته محاطًا بالجدران إلا أنه يستطيع أنْ يتحدث مع الأشخاص الآخرين في شتّى أنحاء العالم، ويمكنه إرسال الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الكلامية ومشاركتهم حياته اليومية بكلِّ سهولةٍ وبساطةٍ وبسريةٍ تامة من غير أنْ يعرف أهله بذلك، فما هو إلاَّ زرٌ يُضغط ويرسل ما يريد، وآخر يمحو كلَّ أثرٍ لئلا يطلع عليه أحد. كلُّ ذلك تسبب في انحراف الكثير من الشباب والمراهقين خصوصًا الذكور، فهم مع بالغ الأسف يتجوّلون بين هذه التطبيقات مُتصفحين شتى أنواع الصور والفيديوهات التي وضعت خصيصًا لاستهدافهم واستدراجهم نحو الرذيلة. ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب بل اتجهوا إلى تكوين علاقاتٍ غير شرعية مع الفتيات المراهقات اللاتي وجدن في كلامهم المعسول ما يجذبهن نحو الخطأ والوقوع في شباك المجهول. وختامًا لهذا المبحث أقول: إنّ الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى الانحراف عن جادة الحق، وبدلًا من ذلك يُمكننا استخدام هذه الوسائل وتوظيفها للمنفعة العلمية والفكرية والاجتماعية كونها وسيلةَ تواصل بين الأشخاص والإسراع في إيصال المعلومات بما ينفع المجتمع الإنساني.

اخرى
منذ 4 سنوات
683

الغزو الثقافي وتداعياته على الفئة الشابة/ الجزء الأول

بقلم: دعاء الربيعي "المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا" هكذا وصف القرآن الكريم البنين وصورهم بأنّهم زينةٌ للحياةِ الفانية، فهم ثمارٌ للقلوب، وعمادٌ للظهور، وفلذاتٌ للأكباد، وهم بهجةُ الروح، وأنس العيش، بهم يحلو العمر، وعليهم تُعلَّق الآمال، وببركة تربيتهم يُستجلب الرزق، وتنزل الرحمة ويُدفع البلاء، ويُضاعَفُ الأجر.. فاحذروا أيُّها الناس من التفريط في تربيةِ أولادكم، أو التخلّي عن المسؤولية تجاههم، فهذا هو الغدر، وتلكم هي الخيانة، وذلكم هو الغش الموصل إلى النار، فارعوا أبناءكم وحافظوا عليهم، وأدّوا أماناتِكم، وانصحوا لأولادكم، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته. والشبابُ هم عمادُ الأمة، وعزُّها المجيد، ومجدها التليد، فالشبابُ في عصرِ النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا حماةً لدينهم، مدافعين عن أعراضِهم، مقاتلين لأعدائهم، متبعين لسنةِ نبيهم، متمسكين بدينهم، مضحين بأرواحهم في سبيلِ نصرةِ دينِهم الفتي، أمثال الإمام علي بن أبي طالب (عليه سلام الله)، وغيره الكثير .. فلقد كانوا حماةً لأوطانهم، شبابًا تعتمدُ عليهم أمتهم، لا يُرهِبُهم عدوهم، ذلكم هو الشباب المسلم الأبي. وعندما يُقلِّبُ العاقل بصره، لا يجدُ اليومَ إلا شبابًا قد أوهنتهم حمى الغرب، وضربتهم شمس التقدُّم الزائف، وطغتْ عليهم حضارة الكفر، فقُذِف في قلوبهم الوهن، وأخذوا يقلدون الغرب بالكثير من الأمور, فبعد أنْ عجز الغرب عن إبعاد المسلمين عن دينهم بقوة السلاح, اتجَّه إلى الاستيلاءِ على عقول الشباب, فبُثت القنوات، ووضعتِ المُخططات، وأُنشئتِ الدراسات. كلُّ ذلك للإطاحةِ بشباب الإسلام ، ويا للأسف فقد تحقّق للغربِ ما أرادوا، ونالوا من شبابنا ما نالوا، ولكنْ لم يكنْ ليتمَّ ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة، ومشاركة أولياءٍ جهلة ظلمة، تنصّلوا عن التربية، واهتموا بزخرفِ الحياة، فأصبح لدينا جيلٌ تنكَّرَ لدينه، وخرج من عقيدته، وتبرّأ من أهله وعشيرته، وتخلّى عن عاداته وتقاليده. ولقد نجحَ الغربُ كثيرًا في مجالِ صناعةِ الثقافة الزائفة ودسِّها في المجتمع العربي عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، فعمل الغرب على نشرِ ثقافاتٍ لا تمُت للإسلام بصلة، عن طريق تلك الوسائل. تبدو لنا اليوم وبشكلٍ واضحٍ الهجمةُ الشرسة التي يتعرض لها المسلمون من قبل الغرب، فهم يسعون جاهدين لزعزعة مبادئ الإسلام وطمس أحكامه وتعاليمه السمحاء. أتحدث في هذا المحور عمّا عشتُه من غزوٍ ثقافي معاصر كوني من جيل التسعينات، فمنذُ سقوط الطاغية بدأت الحملةُ الإعلامية لغزو العراق ثقافيًا، فأدخِلت في البدءِ أجهزة الاستقبال وصارت متاحةً لجميع فئات الشعب، فأسرعت فئاتٌ من المجتمع لشرائها وربطها على جهاز التلفاز ليشاهدوا المحطات المتنوعة وما تحتويه من برامج دخيلة على ثقافتنا، تُسرِعُ سرعةَ السيلِ الجارف إلى عقول المشاهدين.. كان الناس مستمتعين بكثرةِ المحطات، وتنوع البرامج في شتى المجالات، بعد أنْ كانوا مقيدين بقناتين فقط، وهذا ما يعرفه كلُّ من عاصر النظام البائد. فبدأت العائلة تشاهد ما يُبثُّ من مسلسلاتٍ وبرامجَ وأفلامٍ إلى آخره، ومنذُ سنة 2003 إلى يومنا هذا. وخلال هذه الفترة تطوّر الإعلامُ وتطوّرتْ وسائله وتقنياته بشكلٍ ملحوظ، حيث ظهرتِ الكثيرُ من القنوات المدعومة التي كان كلُّ همِّها هو إشاعة الفساد بين الأوساط . ولا يخفى على الجميع أنّ هناك بعض القنوات تتصدرُ اللائحةَ في بثِّ البرامج المغرية للمشاهدين، كما أنّها تتفرّدُ ببرامجها الحصرية، وكلُّ هدفِها من ذلك هو الحصول على نسبة مشاهدةٍ أكبر، وبالفعل فقد حققت ما تتمنى وما تصبو إليه، ففي الفترة المذكورة بدأت القنوات العربية ببثِّ المسلسلات (غير العربية) التي أخذتْ صداها في المجتمعات الشرقية. وبعد فترةٍ وجيزةٍ من بثِّ تلك المسلسلات باتَ الكلُّ يتحدثُ عن أبطالِ تلك المسلسلات وعن الأدوارِ (الرائعة) التي صارت محط الأنظار، فعندما تدخل إلى بعض العوائل تراها على أهبة الاستعداد لمشاهدة حلقاتِ المسلسلاتِ الاجتماعية ، وهم في حالة إصغاءٍ منقطعِ النظير مندمجين مع أحداث ذلك المسلسل، فترى الأمّ التي يُفترض بها أنْ تكون القدوة في بيتها ولا تسمح بنفاذ ذلك الغزو اللا أخلاقي إلى عقول أبنائها، حيثُ على العكس تراها هي أول المشاهِدات لتلك الثقافة غير مُدركةٍ للسموم التي تدخلُ بيتها وتفتكُ بأسرتِها الفتية التي أغلب أفرادها من المراهقين. ناهيك عن دورِ الأبِ والجدِّ والجدّة في البيت، فهم على حدٍّ سواء يتشاطرون نفس التوجه, وأنا بذلك لا أبالغ في هذا التشخيص بعد توثيقِ ذلك لكثيرٍ مما شاهدته من بعض العوائل. وبعد النجاح الواسع الذي حققته هذه المسلسلات والأجندة التي تدعمها أخذتِ القنوات العربية الأخرى ببثِّ تلك الثقافات الدخيلة واحدةً تلو الأخرى. وكانت هذه المسلسلات تشيعُ الفاحشة بين عناصر المجتمع مع بالغ الأسف، حيثُ كانت أغلب قصصها مُغريةً للفئة الشابة, كما أنّها أخذت طابعًا آخرَ لسيرِ أحداث المسلسل، فلقد كانت أحداث المسلسلات قديمًا متشابهةً بالأفكار والأسلوب نوعًا ما، حيثُ تدورُ القصة حول أحداثٍ عائليةٍ تحصلُ في أغلب البيوت بين الإخوان مثلًا أو بين الأب والابن أو الجيران وهكذا.. على حين أحداث هذه المسلسلات المقصودة والمدسوسة والمدروسة جيدًا تدورُ حول أحداثٍ غريبةٍ ودخيلةٍ على المجتمعات العربية والإسلامية، فأحداث هذه المسلسلات غير العربية تتحدثُ عن العلاقاتِ غير الشرعية والمشبوهة، وتشرعن الخيانة الزوجية وتجعل منها شيئًا متعارفًا وغيرَ منبوذٍ في المجتمع ولا ضيرَ فيه. ولا عجب لو قلنا إنَّ هذا هو هدف المسلسل الرئيسي، حيث يسعى لإدخال هذه الأفكار المسمومة إلى صميم المجتمع الإسلامي شيئًا فشيئًا كالسمِّ البطيء في الجسمِ؛ من أجلِ إشاعة الفاحشة والتفكك الأسري الذي يسعى له الإعلام الغربي. وبالتالي يتحقق الهدف الأساسي وهو السيطرة على الشعوب وأفكارهم وتوجهاتهم والتحكم بخيراتهم ومقدراتهم. ولربما تكون فكرة بعض المسلسلات مذمومة وغير مقبولة من قبل المشاهدين العرب، لكن مع الاستمرار والانغماس في أحداثه المشوِّقة والمرغِّبة للمشاهدين من خلال انتقاء الممثلين والاهتمام بالأثاث والاتكيت والملابس وما شابه؛ فكلُّ هذه الأمور تجذب المشاهدين للمتابعة ومن حيثُ لا يشعرون ليُدسَّ السمُ بالعسل. كما أنَّ حلقات بعض المسلسلات تتجاوز المائة حلقة؛ ولعل الهدف من طول فترة العرض هو لترسيخ الفكرة في ذهنِ وعقلِ وجوهرِ المشاهد الغافل الذي عند نهيه عن مشاهدة مثل هكذا مسلسلات يجيب: ما الضير من ذلك؟ فأنا لا تعجبني أفكارهم، لكن أتابع المسلسل لمشاهدة الأثاث أو الثياب التي يرتديها الممثلون إلى غير ذلك من أمور, لكنّه يجهل ولا يدري أنَّ الاستمرار بالمشاهدة له الأثر الفعّال على تفكيرِه وسلوكِه إنْ لم يكن اليوم فغدًا أو بعد غد. ولو يعرف البعض كم لهذه المسلسلات من أخطار على فئات المجتمع وبالخصوص الشباب لعَلِم ما الغاية والهدف من بثِّها في مجتمعاتِنا المسلمة. وما الغاية والهدف إلا ليتشرَّب المجتمع بتلك الأفكار الشيطانية شيئًا فشيئًا، حتى يغدو لا يجد حرجًا من أنْ يطبقها على أرضِ الواقع يومًا من الأيام.

اخرى
منذ 4 سنوات
834

أ تَذكُر الطفلَ ذا الثلاثة أعوام

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية صورةٌ حيّرتني، ورسمتْ في مُخيّلتي ألف صورة ... من بينِ الصورِ التي لاحتْ في مُخيّلتي: صورةُ طفلٍ صغيرٍ في السادسةِ من العمر ... نطقَ كلماتِه التي نزلت على قلبي كصاعقةٍ فأدمتْه ... فكيفَ بقلبِ إمامي الرؤوف؟! قال: أمّاه، ما أوحشَ هذا العالم وأتعسه! ما للناسِ هكذا ظالمون! أهو حظكِ يا حبيبة، أم حظي، أم ماذا؟! أخبريني يا سلوة الفؤاد وأوضحي لي الأمر، فلا خبرةَ لي بالحياة.. أتعلمُ يا أخي ما سبب هذا الكلام؟ أو نسيت ابنك ذا الثلاثة أعوام الذي تركته بعد أنْ زرعتَ في قلبِه الصغير الألم والكره لكلمة الأب، وعاش بين يديك حياةَ الرعبِ والاضطهادِ... نعم، هو ابنك ذو الثلاثة أعوامٍ قد بلغ الستة الآن وقال ما قال ... يا أخي هل انتبهتَ لسوءِ الأفعال؟ وإلى ما قادتك إليه نظرة الحرام؟ فقد هدَّمت البيت باتباعك الملذات، ولم تُفكِّر سوى بالأنا والشهوات .. فطفلُ الستة أعوام قد اظلمَّتِ الحياةُ في عينِه، وحُرِمَ حنان الأب وتحمّل العناء .. فلا تتوقع أنْ ترتاحَ بالحياةِ، وستظلَّ تلهثُ وراءَ الأهواء دون أن تشبع أو تنال الأنس، وستمحق بيديك نعمةَ المودة والرحمة بينك وبين زوجتك. سأكتفي من الوعظ والإرشاد، وتكفيك كلماتُ الطفلِ ذي الثلاثة أعوام؛ لتراجعَ نفسك فتكفيك الآثام. ويا ليت قصتك تكون عبرةً لغيرك.. فيفكر قبل أنْ يُقدِمَ على خطوةِ الزواج وإنجاب الأبناء، ويترك نظرة الحرام وسماع الغناء..

اخرى
منذ 4 سنوات
670

أسرِعْ لإنقاذِ فلذات الأكباد واترك الأعذار

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية ترى الخطرَ يحفُّ ببيتك، وأنت تنظرُ بصمتٍ دون أنْ تُحرِّك ساكنًا! ما لكَ؟! أخبرني ألا توجد طريقةٌ لتنقذَ ما تبقى منه؟ لا تخفْ، وسارعْ لترميم بيتِك ما دام الأساسُ قويًا ولم ينهد. هناك نوافذُ وأبوابُ، حاولْ بشتى الطرقِ فتحها؛ لتصل لمُبتغاك وتُغيّر؛ فمهمتُكَ بناءُ البيت بصلاحِ الأبناء. لا تتحجج بالإنترنيت والتلفاز والأصدقاء، أو الموضة والتقدم، أنت ربُّ البيت والمسؤول عنه. ولا تنظر إلى الخطأ وتشجعه، بل كُنْ قدوةً لهم، ثم حاورْ وناقشْ بحُبٍّ واحترام، فبيتٌ أساسُه حبُّ عليٍّ وأولاده (عليهم السلام)، وينتظر الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ويدعوه للقيام، كيف ينهدُّ بربِّك؟! لا وربِّ المشرقين لن ينهد ولن يتمكنوا منه أبدًا، فقط انهض واستعن بالإمام، وسترى التوفيق والتسديد قد أحاط بك. اصلح من في الدار، وردِّد دائمًا عند الجلوس، وعند القيام، وحتى في المنام: يا غاية الخلق، بل يا أيُّها السبب المتصل بين الأرض والسماء! أصلح حالي، وأعنِّي على الإصلاح، وبناء جيلٍ واعٍ لنصرتك، يا قرة عين الزهراء (عليها السلام) أ أدركتَ مقامك يا عزيز؟ فما خُلِقْتَ عبثًا، ولم توكل إليك المسؤولية ببناءِ بيتٍ سُدى، ودون جدوى، بل كنتَ أهلًا لهذا البناء. فلا تتخاذلْ وتتراجع لأتفهِ الأسباب، ربِّهم منذُ الصغر وسيكونون أسودًا وخيرَ أنصارٍ، وإنْ كبروا فلم يَفُتِ الوقتُ بعد، طالما تغذوا حبَّ علي الكرار (عليه السلام) منذُ الصغر، وزرعتَ حبَّ الغائبِ الحاضرِ في قلوبِهم...

اخرى
منذ 4 سنوات
729

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80512

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59888

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
48939

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
45059

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
44200

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34293