قراءة في نص المرجعية الدينية العليا حول الشهداء.

قراءة في نص المرجعية الدينية العليا حول الشهداء. خرج النص المصور عن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف هذه الأيام والذي يحمل على إجماله عظيم المدح والثناء والتبجيل للشهداء الأكرام. ١- لقد عبرت المرجعية الدينية عن الذين سقطوا بساحات القتال دفاعاً عن الأرض والمقدسات بشهداء الدفاع الكفائي ولَم تذكر مفردة الجهاد ولا غير ذلك من المفردات، مما يعني أنها تنتهج المنهج السلمي ولم تَر أنهم خروجوا كمجاهدين بل كمدافعين، وهي رسالة بليغة لكل الأطراف التي تشكّك في نية المرجعية وأتباعها، كما أنها رسالة واضحة لمن يريد أن ينحرف بقراءة نتائج المعركة مع داعش لصالحه، وبذلك تقطع حبل النوايا المشتبهة. ٢- إن لهؤلاء الشهداء السعداء كامل الحق والاستحقاق في أن نبجّلهم ونذكرهم، فمن أعطى دمه لنعيش لا يجازى بشيء! من هنا عبرت: إن لهم حقاً عظيماً علينا، وأداء هذا الحق يتجسد من خلال رعاية عوائلهم، وتفقد أيتامهم ، وتدوين بطولاتهم وتخليد ذكراهم ليس في الكتب فحسب بل في ذاكرة وضمير الامة. ٣- إنها - المرجعية العليا - سألت الله عز وجل أن يحشرهم مع أنصار الحسين عليه السلام، وفي ذلك رسالة بليغة جداً، على أنهم أنصار العقيدة والمبدأ وأنهم أصدق صورة تتجسد عن أنصار الحسين عليه السلام في يومنا هذا، فقد تَرَكُوا المال والعيال للتطوع والذود عن حمى الوطن والعقيدة وبذلك كانوا أصدق من لبّى نداء العزة الحسينية. إضافة إلى أنهم قد رسموا الطريق لكل من يأتي بعدهم في مشوار الدفاع عن الوطن والعقيدة. ٤- بيان منزلتهم الرفيعة في يوم القيامة عند الله عزوجل ، فإن الشهداء لهم ما ليس لغيرهم ويظهر ذلك من صريح القرآن الكريم والسنة المطهرة. ٥- إنهم أكثر الأفراد في مجتمعنا من حازوا على الرضا والدعاء التام من قبل المرجعية الدينية العليا المتمثّلة بآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف).

اخرى
منذ 6 سنوات
2113

ابحث عن مفقود

قالت حواء… نشأتُ في بيئة ريفية، وتعلقتْ في ذاكرتي صور من الماضي، صور جميلة، صور تلونت بلون الطبيعة -زاهية ناصعة -لم يستطع الزمن رغم عواصف الهموم وأمطار الحزن ان يغير ألوانها. كلّما نظرتُ في جدران مخيلتي أقف أمام واحدة. كان أبي كل يوم يأخذني معه إلى البستان، كنت طفلة صغيرة ألعب وأمرح، فإذا سقطتُ في الوحل وابتلّت ملابسي يضربني، وبعد حين إذا غسلتُ وجهي وجفّت ملابسي يقبّلني ويحملني. كان البستان قريباً من الشارع المؤدي إلى قريتي. رأيتُ جدتي إذا مرت سيارة شيخ القرية تجلس وكأنها تبحث عن شيء وتغطي وجهها. رأيت نساء القرية عندما تمر إحداهن ويأتي رجل تتأخر حتى يتقدمها! لم أسال أمي ولا جدتي لماذا؟ ثم مرّت الأيام ومات والدي قبل بلوغي سن التكليف واخترت طريقي، قرّرتُ أن أكمل تعليمي. لبستُ العباءة في الصف الخامس كانت تحميني من برد الشتاء وحرارة الصيف ....كانت تجمّلتي وتزينني.... وحين وصلتُ إلى ماوصلت إليه وتوظفتُ في أحد مؤسسات الدولة وجدت نساءً غير تلك النساء وجدتُ المرأة تصافح الرجل عند اللقاء. وجدتُ الجميع يجلس ويتشاطر الحديث بل البعض أصدقاء. وجدت مجتمعاً يقلد الغرب. ولا أحد يحب عباءة جدتي. ثم عدتُ لأبحث عن مفقود في ذاكرتي .عدتُ لأقول لأختي وصديقتي: علّمي ابنتك أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يأخذ زينب (عليها السلام) ليلاً لزيارة أمها الزهراء (سلام الله عليها). عدتُ لأنصح كل أم أن تعلّم الحياء لابنتها. عدتُ لأبحث عن مفقود في مجتمعي. نجاة رزاق شمخي

اخرى
منذ 6 سنوات
1085

احذروا البرمجة السلبية

روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه "(1) ، فعن زرارة قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قوله الله عز وجل:{فطرة الله التي فطر الناس عليها}؟ قال: "فطرهم جميعا على التوحيد"(2). فإذا كان للأبوين الدور الكبير في تغيير فطرة الانسان بحيث يترك التوحيد لتأثره بهم ويغير دينه الى غيره، فمن باب أولى أنه يتأثر بما يرددانه على أسماعه يومياً وما يرسلان إلى عقله الباطن من الرسائل التي تترسخ فيه لمكانتهما وأهميتهما في نفسه وتصحبه معه أينما حل وإرتحل وإلى مدة قد تكون طويلة من الزمن... فكم من شخصية قد كسرت، وثقة بالنفس قد هدمت، ومستقبل قد ضاع، وحياة قد تحولت إلى جحيم بسبب الرسائل السلبية التي تشبعت بها العقول الباطنية للأبناء من قبل الأمهات خصوصاً ومن قبل سائر الأهل بشكل عام، وبالتالي يُبرمج هؤلاء الأبناء برمجة سلبية حيث أن من لا يسمع سوى إنك فاشل سيفشل في العادة، ومن تسمع أنها قبيحة ستقتنع بذلك، ومن يُعامَل على أساس أنه عديم المسؤولية وضعيف الشخصية سيكون كذلك، ومن تتربى على أنها ليست مرغوب بها ستتكسر في نفسها قدرات لا تحيى ربما مدى الحياة .. وقد يتصور من يقرأ هذه الكلمات أننا نبالغ، إلا إن ذلك هو الواقع حقاً، لأن الطفل ومنذ بدء إدراكه يرى أن أهله هم المقيّمين لذاته والمشخصين لمدى نجاحه سواء كان دراسياً أو اجتماعيا أو اقتصادياً وعلى أساس ما يقيمونه وما يشخصونه يقتنع به الابن تماماً ويبني عليه ما يؤدي به بالتالي إلى تحقيق ذلك التقييم فعلاً وتحويله من مجرد رأي للأهل إلى واقع يعيشه، وهذا ما يدعى في التنمية الذاتية بالبرمجة فالأبناء لا سيما في أولى سنوات حياتهم كالجهاز الآلي (الروبوت) الذي يحمل مختلف السمات والقدرات إلا إن ما يبرمج عليه منها هو ما سيقوم به في الخارج فعلا ، فإن بُرمِجَ على التنظيم سيكون منظما لا محالة وإن برمج على التخريب فإنه لا يكون إلا ذلك .. الى ما شاء الله من السنين .. وعلى الرغم من خطورة البرمجة لتأثيرها الكبير على حياة الأبناء إلا أنها وفي الوقت ذاته تعد مفتاحاً من أهم مفاتيح التربية الناجحة والإعداد السلوكي السليم للأبناء فيما لو أحسن الأهل ــ وبصورة خاصة الأمهات ــ توظيفها ؛ لأن الأبناء في الأعم الأغلب سيعتمدون عليها في ممارسة حياتهم واتخاذ قراراتهم وبناء مستقبلهم ما شاء الله من السنين فإن كانت برمجة سليمة كانت حياتهم وقراراتهم وسلوكهم كذلك وإن كانت سقيمة كانت أيضاً كل من حياتهم وسلوكهم وقراراتهم كذلك.. ولذا نجد البعض يفشل في حياته ولا يعلم الأسباب ويجهلها حتى يدرك الحياة ويفهم الواقع ويشخص أخطاءه ليجد المفاجأة أن أهله هم الذين أوصلوه الى هذه النتائج المزرية والطامة الكبرى. وغالباً ما يكون ذلك بعد أن اختار التخصص العلمي وشغل الوظيفة ربما بل وقد يكون فات الأوان كما لو اختار الزوجة أو اختارت الزوج وأصبحوا آباء أو أمهات بناءً على البرمجة الخاطئة ! ولو تغلغلنا إلى أذهان الكثير ممن فشل في حياته سنجده يشير بأصبع الاتهام إلى أهله في كل ما يجنيه اليوم من متاعب وما يحصده من مصاعب، ولكن مع ذلك لا بد له أن يسامح الجميع كما ويسامح نفسه ولا يحمّلها نتيجة عمل زرعه غيره فيه ويطوي صفحته الماضية تماماً إن أمكن وينطلق في بداية جديدة لحياته.. وقد يقول من وجد نفسه فيما أسلفناه من كلام: كيف لي أن أبدأ من جديد وقد فاتني الكثير وربما أهم القرارات في الحياة كالتحصيل والتخصص العلمي أو كاختيار شريك الحياة أو ما الى ذلك ؟ نجيب نعم، نوافقك الرأي إن الموقف لا يخلو من غصة وألم كما هو مفعم بالصعوبة غالباً إلا أن خسرانك لجزء مهم من حياتك لا يسوغ لك خسرانها جميعاً، فحاول النجاح في القابل من عمرك فإن الإنسان لا يعدم الفرص في النجاح إلا حينما يعدم الحياة ، فتحلَّ بالأمل ، وانفض عنك غبار الشجن، وبرمج نفسك بنفسك برمجة صحيحة خالية من السلبية والتردد والجبن ، وكن شجاعاً في اتخاذ ما يمكنك من قرارات ولو قصيرة المدى وقليلة الأثر فإنه بتراكم هذه الصغائر من الخطوات الصحيحة يكمن النجاح الباهر ويتحقق المستقبل الزاهر... لكل ما تقدم .. احذروا أن تبرمجوا أولادكم برمجة خاطئة واحرصوا على أن لا يقوم بذلك أحد أبداً مهما كان عزيزاً عليكم .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عوالي اللآلي ج1 ص20 (2) المحاسن ج1 ص 241

اخرى
منذ 6 سنوات
2236

رب ارجعون

كلمتان وردتا في القرآن الكريم لبيان حال الانسان عندما يأتيه الموت إذ يقول الباري (جل وعلا) : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) " (1) والهدف من طلب الرجوع هو ليعمل الصالح من الأعمال ... كلمتان تختصران الكثير من المعاني وتختزلان الكثير من المشاعر، الخوف والهلع من الموت والقلق لما هو قادم عليه في ذلك العالم ، ممزوجاً بالندم والحسرة على العمر الذي ضيعه هباءً منثوراً وعلى المال الذي شقي في جمعه ولم يستثمرهما في إثقال كفة حسناته ... وقد يكون الكثير منا مر في حالة خوف من أمر أهون من الموت بآلاف المرات بل قد لا يكون بينهما أي وجه مقارنة، أو مر بحالة ندم على أمر هو لا يمثل الواحد بالمليار بالنسبة إلى أمر عظيم كخسران العمر وضياعه ومع ذلك فقد كان الشعور بالخوف عظيماً وبالندم مراً لا يطاق، فكيف بالشعور الذي سيشعر به كل منّا عند الموت ونحن بين فكي الموت تفترسنا أنياب المنايا وتغرس مخالبها فينا آلام الموت وعذابات نزع الروح؟! أم كيف سنشعر وقد سُجّينا في ملحودتنا وقد أحاطنا التراب من كل جانب وإبتلعتنا وحشة الظلمة وقد تنقّل الدود على وجوهنا؟ هل الموقف مخيف؟ وهل لنا فرصة في تدارك ما فاتنا لوْ حلَّ فينا الموت وأصبحنا من ضيوف دكة المغتسل وأمسينا ليلتنا الأولى في منزلنا الذي لم يؤثث إلا بأعمالنا ولم يُكيّف إلا باعتقاداتنا؟ لا شك أنك توافقني عزيزي القاريء أن لا فرصة يمكن أن نحصل عليها حينئذٍ فقد أجاب (تعالى) طلب من جاءه الموت ممن سبقنا بالرفض إذ قال: " كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " ... فلِمَ لا نتخيل أننا قد صرنا الى ما صار اليه من جاءه الموت وطلب من الله (تعالى) الرجعة الى الحياة ولنفرض أن الله أجاب طلبنا وها نحن اللحظة عدنا الى الحياة ... ترانا ماذا سنصنع؟ هل نعود إلى ما كنا عليه من تأخير الصلاة؟ واستماع الغيبة والأغاني؟ والنظر إلى ما حرم الله؟ والتقصير في حق الوالدين والأرحام؟ أم كنّا سنتغير إلى الأفضل؟ ها هي ذي الفرصة بين أيدينا والفطن من يعرف كيف تقتنص الفرص وتستثمر ... ــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المؤمنون 99و100

اخرى
منذ 6 سنوات
2193

الاستهانة بالمفقود

من بين أهم الأسباب التي تسبب تعاسة الانسان بل و قد تحيل حياته الى جحيم أحيانا هو فقده لأمر يعتبره غاية في الاهمية و ركناً أساسياً من أركان سعادته. فالبعض يشكو فقدانه للصحة، وآخر يشكو فقدانه للذرية، وثالث يشكو فقدانه للمال...وهكذا، فيحزنون ويتذمرون بسبب ماديات افتقدوها يظنون أنها سبيلهم الى السعادة، وقد تكون كذلك أحياناً .. إلا أن السعادة لا تكمن فيما حولنا من ماديات بل هي شعور داخلي يحسه الإنسان يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير. وهذه لا يمكن أن تتأتى بالأمور المادية بتاتاً؛ ما لم يكن هناك شعور بالسعادة ينبع من داخل الانسان ؛ لأن السعادة هي بما الإنسان عليه من شعور لا بما تحيطه من ظروف. فالسعادة ليست في كثرة المال وإلا لسعد قارون، ولا في رفعة المناصب وإلا لسعد هامان وزير فرعون، ولا في متعة دنيوية زائلة بل السعادة الحقيقية في طاعة الله، والبعد عن معصيته، وراحة الضمير.. و مع ذلك فمن الصحيح أن يسعى الانسان بكل جهده للحصول على ما يشعره بالسعادة سواء كان مالاً أو ذرية أو زوجة أو بيتاً واسعاً... وما إلى ذلك فإن كان الله (تعالى) قد قدر الخير فيما يبتغيه منحه له فلا بخل في ساحة المولى (عز وجل)، وإلا منعه منه حرصا عليه. فقد ورد في الحديث القدسي: " أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك وأن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك " (1) فإن بذل كل ما في وسعه و تعسّر عليه أن يجد ضالته ففي هذه الحال لا يجدي نفعا التحسر على ما يفقده مع كل نفس و في كل حين . و إلا فسيعيش التعاسة بعينها بسبب شيء لم يقدر الله (تعالى) أن يكون من نصيبه يوماً، فقد روي عن الإمام علي (عليه السلام): " ما أعجب هذا الإنسان مسرور بدرك ما لم يكن ليفوته، محزون على فوت ما لم يكن ليدركه، ولو أنه فكر لأبصر، وعلم أنه مدبر، وأن الرزق عليه مقدر، ولاقتصر على ما تيسر ولم يتعرض لما تعسر " (2). و لعل خير بلسم لجراحات كل فاقد ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو قوله : " السعيد من استهان بالمفقود " (3) . و قد يتساءل البعض كيف يمكن أن يحقق مجرد (الاستهانة بالمفقود) السعادة؟ و للجواب على ذلك نقول: إن الاستهانة بالمفقود تعني أن يرضى الانسان بالحال التي هو عليها و لا يتذمر مما يعانيه بسبب فقده لبعض الاشياء ..و هذا بحد ذاته يمثل : أولاً: عبـــادة ؛ لأنه رضا بما قسم الله (تعالى) ، والرضا كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : " الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين " (4)، فضلاً عن الثواب العظيم الذي يرصده الله (تعالى) لمن يرضى كما روي عن الامام الصّادق (عليه السلام) أنه قال: " من رضي القضاء، أتى عليه القضاء وهو مأجور. ومن سخط القضاء، أتى عليه القضاء وأحبط الله أجره " (5). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب الله تعالى يوم فقركم والإفلاس "(6). وبالإضافة إلى ذلك يكون دعاء الراضي بما قسم الله مستجابا فقد روي عن الإمام الحسن (عليه السلام): " أنا الضامن لمن لا يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له " (7). بل وإن الرضا سبب لاصطفاء الله لعباده كما روي عنه (صلى الله عليه وآله): " إذا أحب الله عبدا ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه " (8). لذا كان الرضا بالقضاء مطلبا للأئمة (عليهم السلام) و الصالحين فقد ورد في الزيارة الخامسة من زيارات الجامعة ": واجعل الارشاد في عملي،... والرضا بقضائك وقدرك أقصى عزمي ونهايتي وأبعد همي وغايتي، حتى لا أتقي أحداً من خلقك بديني ولا أطلب به غير آخرتي "(9) ثانياً: راحة نفسية: فالإنسان الراضي بما قسمه الله (تعالى) له يعيش في راحة نفسية وهدوء لا يمكن أن يصل إليهما من شغل باله بالهم و قلبه بالحزن و صدره بالضيق بسبب ما يفتقده و بالتالي ينعكس ذلك على سلوكه فلا ينفكَّ يتذمر ساخطاً على قدره متشنج السلوك مما يدخله ذلك في سلسلة من المشاكل و الخصومات مع غيره والتي تزيد من وضعه تأزماً وتعقداً. لذا فقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام): " الروح والراحة في الرضا واليقين، والهم والحزن في الشك والسخط " (10). وعنه (عليه السلام): " ارضَ تسترح " (11). وعنه (عليه السلام) أيضاً: " من رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته " (12). وعنه (عليه السلام): " الرضا ينفي الحزن " (13). وعنه (عليه السلام): " نعم الطارد للهم، الرضا بالقضاء " (14). و عنه (عليه السلام): " إن أهنأ الناس عيشا من كان بما قسم الله له راضيا " (15) ثالثاً: طريق الى السعادة: فقد أثبت علماء الطاقة اليوم أن الإنسان يبث طاقة تشبه ما هو عليه من تفكير ومشاعر وتجذب هذه الطاقة بدورها ما يشابهها من ظروف وأحداث إليه عبر قانون الجذب. وبما أن الذي يعاني من الفقد لا يبعث إلا طاقة الفقر والسلبية فإنه لا يجذب اليه سوى المزيد من الفقر في الأحداث والسلبية في الظروف. وبالتالي يعيش في سلسلة من الأحداث المؤلمة والظروف القاسية والتي لا تنتهي إلا بانتهاء تفكيره السلبي وشعوره العالي بالفقد وذلك لايمكن الا من خلال الاستهانة بالمفقود . وبما إن الاستهانة بالمفقود والقناعة بالموجود غنى في حد ذاته كما روي عن الامام علي (عليه السلام): " من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس " (16)، وهي كذلك تبعث من الإنسان طاقة الغنى والإيجابية فإنها بالتالي ستجذب إليه المزيد من الأحداث المفرحة والإيجابية والسعادة بحسب قانون الجذب. وقد ورد في الروايات ما يعاضد هذا المعنى: " إن الله تعالى أوحى إلى داود (عليه السلام): تريد وأريد وإنما يكون ما أريد فإن سلّمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد " (17) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عوالي اللآلي ج2 ص29 (2) التحف في مناقب السلف ص 54 (3) غرر الحكم و درر الكلم ج1 ص108 (4) بحار الانوار ج75 ص135 (5) ميزان الحكمة ج4 ص101 (6) بحار الأنوار ج 79 ص 143 (7) مشكاة الأنوار ص 74 (8) بحارالأنوار ج 26 ص 142 (9)المصدر السابق ج4 ص99 (10) ميزان الحكمة ج4 ص100 (11) غرر الحكم ص 104 (12) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد، ج19 ص355 (13) غرر الحكم، ص 31 (14) عيون الحكم والمواعظ ص 494 (15) نفس المصدر السابق ص 143 (16)بحار الانوار ج75 ص158 (17)ميزان الحكمة ج4 ص101

اخرى
منذ 6 سنوات
4067

جنة في محضر الشياطين

منذ شهور وقد تجمدت مشاعرها فلم تعد تسمع كلمة حب أو همسة شوق.. و ذات ليلة كادت مشاعرها و عواطفها أن تنفجر .. ولِمَ لا؟! أولم يقولوا إن الكبت يولد الانفجار؟ .. و لكنها تغافلت عنها مقنعة نفسها كما في كل ليلة .. عليّ أن أنام فأنا أشعر بنعاس شديد ... دفعت باب غرفتها لتجده قابعاً في زاويتها محدقاً بكلتا عينيه مستمتعاً بمحادثته مع من تتقنَ حديث الغرام وفن الهيام مبتسماً سارحاً لا يكاد يشعر بما حوله... رفعت طرف الغطاء لترمي بنفسها وسط السرير .. حاولت النوم و لكن عبثاً.. فقد أهجرت شعلة عواطفها الملتهبة الكرى من عينيها المغرورقتين بالدموع ... حانت منها نظرة إلى رف سريرها لتجد جهازها.. فقررت أن تطالع كتاباً تنشغل به إلى أن تنام كما اعتادت... ما إن لمست جهازها لتشغيله حتى وقعت عيناها على طلب المراسلة الذي أتخم بعبارات الحب والشوق.. وهنا تحلقت شياطين الجن و الإنس حولها .. فشيطانٌ قصّر في واجبه فزهد معها بما يوزعه على باذلات الشرف والعفة و الحياء بلا مقابل ...وشيطانٌ أتقن نصب شراكه ليوقعها في صيده... و شيطانٌ يوسوس بأن هذه فرصة ويجب إغتنامها... لم تتمالك نفسها وأرخت عيناها بالدموع التي بللت وسادتها .. لم ترَ حولها إلا الظلام و لم تشهد عيناها إلا العتمة ...تشّدد قبضتها على جهازها تارة وترخيها أخرى. وفجأة تنهدت بعمق ورمت بالجهاز على الأرض وارتسمت على وجهها الحزين ابتسامة الأمل... ضجّ بعض الشياطين صارخين مجنونة .. مجنونة .. اغتنمي الفرصة .. عاقبيه بالخيانة .. ولكنها لم تكن تسمع كلمة واحدة ... إذ كان صدرها منشرحاً لما حلّقت به عيناها... في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.. قائلة في سرها: ما حجْمُ عمري إن ذهب حسرات بأجمعه و قد قال ربي " وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)"

اخرى
منذ 6 سنوات
2652

مفتاح السعادة

خرجت أبرار من غرفتها و قد حزمت حقيبتها و هي ترتجف من الغضب، وتردد كلمات طالما رددتها من قبل: " لا يستحق ما أقوم به... لا يستحق ما أقدمه له ... هل هذا جزاء صبري معه ؟ ... هل هذا جزاء تضحيتي ؟ ... " و ما إن وصلت الى مخرج المنزل حتى تذكرت أنها لم تأخذ معها مفتاح منزل أبيها الذي خلا منذ مدة، فعادت مسرعة وهي تبحث عنه فسألتها زهراء: عمّ تبحثين؟ أجابتها : أبحث عن مفتاح منزل أبي لأعيش فيه وأرتاح فيما بقي من عمري من هم أخيك . تبسمت زهراء قائلة : استهدي بالله . فصرخت بوجهها وقالت: لن أكون نسخة مكررة منك... تعانين من فقر زوجك ومع هذا تصبرين على سوء خلقه وتعاملينه بالحسنى وكأنه أفضل زوج على هذه المعمورة تبسمت زهراء ثانية و أرادت أن تلفت انتباهها فقالت : لقد وجدت المفتاح .. أقبلت عليها أبرار قائلة: إذن أعطيني إياه لأرحل عن أخيك الناكر للمعروف و الجاحد للجميل أجابتها زهراء: لم أقصد مفتاح منزل أبيك بل قصدت الأهم منه! قالت أبرار: أي مفتاح تقصدين؟ أجابتها بكل ثقة: مفتاح السعادة... ألا يهمك أكثر من مفتاح المنزل؟ قالت بحسرة: يهمني... ولكن أين أجده؟.... مع أخيك؟! قالت: نعم أجابتها باستهزاء : وكيف ذلك يا فيلسوفة؟ وأنا معه منذ سنوات ولم أجده؟ قالت زهراء : لم تجديه لأنك تقدمين كل ما تقومين به طوال هذه السنين لأخي، وأنت تعرفين أنه لا يجازيك بالحسنى... فلمَ تقدمين له؟ ولمَ تطالبيه بالجزاء؟ أضعتِ جهودك وسبّب لك ذلك التعاسة ... ألم تفكري يوماً أن تتقربي بكل ما تقدمينه لزوجك وأسرتك إلى الله ( تعالى ) وتطلبين منه الجزاء. قال تعالى: " يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ " (1). وقال أيضا: " وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " (2) وقال: " قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " (3). عزيزتي أبرار: لا تهدمي هذا البناء المقدس بطريقة تفكيرك هذه، ولا تكدري حياتك بل استثمري وضعك الذي أنت فيه للتقرب إلى الله.. ولا تنتظري جزاء من أحد فإن جزاء الله خير الجزاء.. لا يعدله جزاء الناس أجمعين.. فكري بهذه الطريقة تهدأ نفسك ويرتاح بالك و ينشرح صدرك و ستحصدين الثواب الجزيل و سيجازيك عليها الرب الكريم " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ " (4) سرَتْ كلمات زهراء في قلب أبرار وهدّأته فسادَ فيه الاستقرار والاطمئنان .. و ما إن أنهت زهراء كلامها حتى جلست أبرار على سريرها، وقالت: الآن عرفت سر سعادتك وسكينتك، رغم ما تكابدينه من الألم وتتجرعينه من الحزن. وددتُ لو أنك قلت لي ذلك قبل سبعة عشر عاماً، لكان كل ما قدمته لأخيك من خير في ميزان حسناتي، ولما تنغصت عيشتي طوال تلك السنين، ولما ملأ شعري شيباً... بل ولتمتعت بحياتي.. نعم لكنت أشعر بالسعادة عندما أقدم لهم خدماتي، لأني أقدمها بأجر باهض مودع عند أمين مقتدر، يردها لي يوماً أحوج ما أكون فيه إلى الجزاء والثواب . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) آل عمران 171 (2) هود 115 (3) يوسف 90 (4) الزلزلة 7

اخرى
منذ 6 سنوات
2192

لا تيأسوا من روح الله

جَلست في زاوية من زوايا المنزل و قد أسدل ستار الصفرة و الشحوب على وجهها، فأخفى ابتسامتها المشرقة، وأبدل وجنتيها المتوردتين إلى هالات سوداء أحاطت عينيها اللتين غارتا لكثرة البكاء، وطول النحيب وأضعف جسمها النشيط الهمُّ، فأصبحت لا تنهض من مكانها إلا لأمر ضروري جدا... هي على هذه الحال منذ أيام بعد أن سئمت التنقل المستمر بين المحطات الفضائية فتارة تتابع المسلسلات و أخرى تستمع الأغاني .... كل ذلك محاولة منها لإسكات الضجيج الذي يسود رأسها و الصوت الذي يسّهد ليلها كلما طرق سمع قلبها ...أنتِ أخطأت .....أنتِ أذنبت ....أنتِ ابتعدت عن خالقك... أنت... أنت... أنت... فتشعر بحقارة نفسها وقذارة تلفُّ باطنها... ولطالما حاولت جاهدة إسكات ذلك الصوت بشتى الوسائل و بمختلف الطرق ولكن دون جدوى.... بقيت جالسة في مكانها والأفكار تعجّ في رأسها كأنما ساحة وغى يتقاتل فيها جيشان كلاٌ منهما يبذل أقصى ما في وسعه لتحقيق الانتصار على خصمه... فتارة فكرة شيطانية تزين لها الاستمرار في المعاصي فلا مجال للتوبة بعدئذ والمبتلّ لا يخشى المطر.... وتارةً فكرة رحمانية تطلب منها محاولة العودة إلى الله ( تعالى ) وما إن تسترسل فيها حتى يدخل أبو مرة فيقطع حبلها ويأمرها بالانتحار انتقاماً من نفسها التي عصت.... فأشفقت على حالها المزرية ولم تستطع الصمود أكثر... فانتفضت صارخة كفى... كفى..... توقفا عن العراك ... قد سئمت منكما.... إلى متى وأنتما تتباريان على الفوز بالانصياع لكما... إلى متى... إلى متى... ارحماني... وما إن أتمت حديثها معهما حتى أطرقت برأسها نحو الأرض هُنيئة وانتبهت فجأة وقد علت وجهها ابتسامة ثم قالت ساخرة من نفسها... ما أغباك، أتأملين رحمتهما وتيأسين من رحمة الله ثم استجمعت شتات قواها المتحطّمة وقالت من كل قلبها... ولا تيأسوا من روح الله... فاستجمعت قوى جسمها المنهك و خطت خطوات لتسبغ الوضوء و تصلي ركعتي التوبة ... و لكنها تذكرت قذارتها التي أحاطت بها بسبب المعاصي فأكملت وضوءها وتوجهت لتغتسل من ذنوبها وقد رفعت صوتها وبكل عزم وقوة وإرادة: عليَّ أن أفتح صفحتي الجديدة مع ربي وخالقي وأنا طاهرة...

اخرى
منذ 6 سنوات
1396

سن التكليف

الأب مقاتل في جبهات القتال .. قائد بطل شارك في معظم عمليات التحرير . الأم امرأة صالحة ترعى أطفالها وربّتهم على الأخلاق الحميدة والعادات الصحية الصحيحة . زينب طفلة على أبواب سن التكليف الإلهي… وخلال هذه الفترة تسمع والدها يخاطب والدتها: يجب أن تعلمي زينب ما هو التكليف، وماذا يجب عليها فعله؟ سمعت زينب بهذا المفردة من معلمة الإسلامية، لكن لماذا أبي يريد من أمي أن تعلمني؟ في كل مرة يأتي الأب محمّلاً بالهدايا لها ولأخوتها، لكن هذه المرة الأمر مختلف، جاء وقد خبأ هديته عن ابنته، اقترح أبوها أن يقيم حفلة صغيرة واختار ليلة الجمعة، تلك الليلة المباركة، ليبارك الله لابنته بتكليفها. وفي عصر الخميس جاءت زينب وقالت يا أبي لا أريد التكليف! ضحك الأب بصوت عالٍ وقال ما هو التكليف ياحبيبتي ؟ قالت: أنا أحبك وأحب جميع هداياك، ولكن الحجاب الشرعي الذي جلبته لي لا أريد لبسه، لا أريد غطاء الرأس. تألّم الأب لأنه أحس أنه مقصر بحقّ ابنته، وقال: اذهبي وغيّري ملابسك، سوف نخرج في نزهة لوحدنا . ذهب وقال لزوجته معاتباً: أنا طوال الوقت أغيب وأحامي عن وطني وأرضي ولا أستطيع أن أحمي ابنتي؟! وخرج مع ابنته إلى إحدى الحدائق القريبة، وعندما جلسا أراد أن يقطف زهرة، قالت له: لا يا أبي إنها جميلة، قال: ولكنها لجميع الناس، قالت: هكذا قالت المعلمة. جلسا قليلاً وهي تنظر إلى الزهرة الجميلة، كل من جاء فإنه يشمها من غير أن يمنعه أحد. ثم أخذها إلى أحد الأسواق، وأراد ان يشتري لها الحلوى، قال: يا ابنتي هل نشتري من هذه المعروضة أم من تلك المغلفة؟ قالت: تلك أنظف وليس عليها غبار. بعد عودتهما إلى البيت ناداها: يازينب، يازينب، يا ابنتي إن سن التكليف نعمة من الله سبحانه لنبحث ونعرف تكاليفنا، وأنت يا حبيبتي أغلى من تلك الزهرة وأجمل لا أريد أن تكوني كزهرة المتنزه كل من جاء يشمها أو يقطفها، لا أريد غبار الذنوب يلوثك هل رأيت كيف اخترتي الحلوى المغلفة؟ أريد أن افتخر بك عندما يقولون: أبو زينب المحجبة. وجاء بهديتها ووضعها على رأسها وقال: أنت الآن أقرب إلى ربك وأعز على قلب أبيك يا حبيبتي.

اخرى
منذ 6 سنوات
3012

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76847

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56652

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44114

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43539

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40351

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33541