علاقةُ الشعرِ بالدين

بقلم: علي محمد عبدالحسين ابو شبع إنّ الموقف الديني لا يختلفُ مع الشعر والشعراء, إلا في بعض الأحيانِ حين يكون الشعرُ للهوِ, والاستهزاءِ, والذمِّ, وغير ذلك، ففي هذه الحالة ينتقدُ الدين الشعر, عندما يصلُ إلى غايةِ الهمجية. وقد أنزل الله (سبحانه وتعالى) آيةً يذمُّ فيها الشعراء في قوله (تعالى): ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾[الشعراء 224_226]. نزلت هذه الآياتُ الثلاث واصفةً الشعراءِ بالغواة، وهذا الوصفُ تحوّل الآن إلى الفنِّ والفنانين بعد الشعرِ والشعراء؛ فهناك جماعاتٌ من الناس يشترون لهوَ الحديث؛ ليصرفوا الناس عن الأعمال الجادة للدنيا والدين، يعبدون الجماهير وتعبدهم الجماهير؛ فكلهم عابدٌ معبودٌ أو معبودٌ عابدٌ. وأما ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ فهي استفهامُ تقريرٍ وقدحٍ للرؤية, وأنّها ظاهرةٌ فاحشٌ أمرُها, وقدحٌ في وصفِ الشعراء وسوء طبعهم. وقد ذكر المطعني في (التفسير البلاغي): ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ "إنّ هذه الرؤية علمية؛ لأنّ موضوعُ الرؤيا أحوالٌ لأدواتِ الشعر، وأحوالُهم المقررُ بها لا تُدرك بحاسةِ البصر, بل بعضها يُدرك بالسمع، وبعضها بالعقل، فغلّب ما يُدرك بالفكر على ما يُدركُ عن طريق السمع، وهو عباراتهم وألفاظهم وجمعهم بين فنون القول". إنّ هؤلاء الشعراء يتحركون في عالمِ الخيال يبحثون عن العيش, واللذّة, والغزل, والتحريف, حتى في كتاب الله العزيز. كما هو الحال بالنسبة لبعض شعراء هذا العصر ممن يغيرون لفظ الجلالة (الله) ويضعون مكانه اسمًا لغير الله (سبحانه وتعالى) فيدخلون بالشرك، ومن أمثلة ذلك قيامُ أحدِ الشعراء بتغيير اسم الله (سبحانه وتعالى) ووضعِ اسمٍ لشخصٍ من أهل البيت(عليهم السلام)، حين ذكَرَه على لسان زوجة المعصوم في القصيدة قائلًا: (قُلْ هُوَ الأكبر أَحَدٌ) بدلًا من ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص\1]. وهذا التغييرُ فاحشٌ وفادحٌ لا يتوافقُ مع الدينِ مطلقًا سواءٌ في الشعر الفصيح والشعبي. وقد ذكر الشيرازي في (الأمثل) أنّ هذه المجموعة من الشعراء المعاصرين والسابقين "غارقون في أخيلتهم وتشبيهاتهم الشعرية, حتى أنّ القوافي تجرّهم إلى هذا الاتجاه وغير ذلك, ويهيمون معها وفي كلِّ وادٍ، وهم غالبًا ليسوا أصحابَ منطقٍ واستدلال, وأشعارهم تنبعُ ممّا تهيجُ به عواطفهم وقرائحهم ... وهذه العواطف تسوقُهم في كلِّ آنٍ من وادٍ لآخر! فحين يرضون على أحدٍ يمدحونه ويرفعونه إلى أوجِ السماء وإنْ كان حقُّه أنْ يكون في أسفلِ السافلين، ويلبسونه ثوبَ الملاكِ الجميل وإنْ كان شيطانًا لعينًا" وذكر الشيرازي أيضًا عن شعراء السوء: "ومتى سخطوا على أحدٍ هجوه هجوًا مرًا وأنزلوه في شعرهم إلى أسفل السافلين, وإنْ كان موجودًا سماوّيًا. ترى هل يشبه محتوى القرآن الدقيق المنطلقات الشعرية أو الفكرية للشعراء وخاصة شعراء ذلك العصر، الذين لم تكن منطلقاتهم إلا وصف الخمر والجمال والعشق والمدح لقبائلهم وهجو أعدائهم... ثم إن الشعراء عادة هم رجال خطابة وجماهير لا أبطال قتال، وكذلك أصحاب أقوال لا أعمال، لذلك فإن الآية التالية تضيف فتقول عنهم: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾(الشعراء\226) مما تقدّم من الأوصاف التي ذكرها القرآن الكريم عن الشعراء, يُمكن أنْ يُقال بأنّ القرآن وصفهم بثلاثِ علامات: الأولى: أنّهم يتبعهم الغاوون الضالون, ويفرّون من الواقع, ويلجؤون إلى الخيال. وأما الثانية: أنّهم رجالٌ لا هدف لهم, متقلبون فكريًا, وواقعون تحت تأثير العواطف! والثالثة: أنّهم يقولون مالا يفعلون، وحتى في المجال الواقعي لا يُطبِّقون كلامهم على أنفسهم. وقد وصف الدكتور رمضان محسن في كتابه (الفنون الشعرية غير المعربة) هذه النماذج من الشعراء بالرعاع وغير ذلك. ولكن القرآن الكريم قد استثنى الشعراء المخلصين نحو قوله (تعالى): ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً﴾[الشعراء 227], فاستثنى هذه المجموعة من الشعراء المخلصين الذين يهدفون لصالحِ الأعمال والأقوال، ويوجهون شعرهم وفصاحتهم نحو الحقِّ والصدقِ. ومن أجل أنْ لا يضيعَ حقُّ هؤلاء الشعراء المؤمنين المخلصين الصادقين, استثناهم عن بقيةِ الشعراء فذكر عنهم الآية التي ذكرناها آنفًا. وذكر الشيرازي في (الأمثل) "أن هؤلاء المستثنين من الشعراء لم يكنْ هدفهم الشعر فحسب، بل يهدفون في شعرهم أهدافًا إلهيةً وإنسانيةً، ولا يغرقون في الأشعار فيغفلون عن ذكر الله، بل كما يقول القرآن: وذكروا الله كثيرا. وأشعارهم تُذكِّر الناس بالله أيضًا، وإذا ما ظلموا كان شعرهم انتصارًا للحق وانتصروا من بعدما ظلموا. فإذا هجوا جماعة هجوهم من أجلِ الحقِّ ودفاعًا عن الحقِّ الذي يهجوه أولئك فيذبون عنه". أمثالُ الشعراء الذين واكبوا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) كحسان بن ثابت وغيره. وبعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) يوم الطفّ، فإنّ أكثرَ الشعراء قد توجّهوا بشعرهم نحو مصيبتِه (عليه السلام) والمصائب الأُخرى، مصوّرين في شعرهم ما حدث في تلك الواقعة، ويُثيرون الحزن والألم والبكاء في قلوبِ مُحبّي أهل البيت(عليهم السلام). وعندما تعرّض الوطن العربي للاحتلال تغيّرت وتعدّدت اللهجات بعدما كان الكلام كُلُّه فصيحًا, اختلفت اتجاهات الشعراء فمنهم من توجّه إلى الشعر الفصيح كما كان, ومنهم إلى الشعر الشعبي (العامي)، ومنهم إلى كليهما، ومهما كان التوجّه فلا نجد اختلافًا في علاقة الدين بالشعر. وقد لوحظ في بعضِ المواقع الإلكترونية التي تهدفُ إلى تعليمِ الشعر والرواديد تجمعُ علماءِ الدين والشعراء وغيرهم, حتى أنّ بعض العلماء عندما يتكلمون على المنابر الحسينية يذكرون شيئًا ما عن الشعراء، أمثالِ الدكتور المرحوم الشيخ أحمد الوائلي (ت2003هـ)، حيث قال في إحدى محاضراته: (أعرفُ تاجرًا ثريًا قد مات ولم يمشِ وراء جنازتِه إلا ثلاثةُ رجالٍ)، وبعد ذلك ذكر أحدَ شعراءِ النجفِ الأشرف الشعبيين وهو متأثرٌ به إذ قال: (بينما عبد الحسين أبو شبع رجلٌ فقيرٌ ماديًا، ولا يملك شيئًا قد ازدحمَ الناسُ في تشييعِ جنازته...). إنّ هذا لدليلٌ على أنّ علاقة الدين بالأدبِ ليست متنافرةً؛ لذلك تجد أنّ بعض الخطباء بعد إكمالِ محاضراته يُلقي قصيدةً لشاعرٍ على الجمهور، مما يعني أنّ الموقفَ الديني من الشعر والشعراء جيدٌ، وبخاصةٍ إذا ما كان توجُهُ الشعرِ إلى القضايا الدينية والأدبية والاجتماعية العامة، وهو ما نجدُ تجلياتِه في كثيرٍ من الكتب الدينية والأدبية.

اخرى
منذ 4 سنوات
1361

بوابــةُ المُراد

بقلم: نرجس مهدي " لم يولدْ مولودٌ أعظمُ بركةً منه" (1) ليس لأنّه ابنُ الرضا (عليهما السلام) الوحيد، الذي انتظره القريب والبعيد، بل لأنّه ثمرةٌ من الشجرةِ الطيبة المباركة التي جادت بكلِّ ما تملك، حتى وصلت إلى بذلِ النفس من أجلِ تقويمِ الدين وتوجيه الخُطى للطريق المستقيم. ولم تكنِ الدنيا قد أسَرَّتْ مولانا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) كمثلِ ذلك اليوم السعيد، إذ ترقّبَه بعد الرشدِ من السنين، وكان بوعدِ ربه شديد اليقين. فأنارت ولادته أحداق مُحبيه ومواليه، ورسمت على وجنة الدنيا ابتسامةً عريضة، وضحكَ سنُّ الدهرِ لتلكَ الهيبة الملكوتية، التي تنسابُ إلى أعماقِ القلبِ فتجمعُ شُتات أركانه، حتى صار الفؤادُ مشغوفًا به، مولعًا بشمائله. إيهٍ يا أبا جعفر، هكذا كنّاك أبوك الرؤوف، ومن فرطِ حُبِّه صار مُلازمًا لمهدِك يُغذّيك، وبعلمه يُناغيك ويرويك، وعيناه تراقبك وتُفدّيك، وقد بلغتَ سبعًا من السنين، وجاء وقتُ الرحيل والأنين، ففارقك على مضض. ومذ فارقتْ عيناهُ عينيك، لم يَطِبْ مجلسُه إلا بذكراك، ثم لم يُمهلِوه أنْ يرتوي من مُحيّاك؛ فسهامُ غدرِهم أصابت عُرى الدين، وفصمتْ روحُه عن روحك فأتاه اليقين. لكنِ الورى اكتحلت بوجودك، بعد رمدِها بفقدِ أبيك، واستأنست باشتداد عودِك، وتفطّر فؤادك من الفراق في صغرك، فواسيت جدّك النبي (صلى الله عليه وآله) في يُتمِك. وقِدُّكَ الميّاسُ كالسيفِ الممشوق بوجه عدوك، صار رايةً جمعتْ تحتَ ظلِّها أنصارك ومحبيك، وخيمةً يلجؤون إليها ويستقون من ينابيع علمك المفتوق. وكنتَ بلسمًا لشيعتك، ونارًا تحرقُ قلوبَ أعدائك، فأصبحت يا قدوة الشباب نبراسًا يلوحُ في بطونِ الأفق. فمن كان يُدانيك؟ ويصلُ إلى مرافئ بحرك المترامي؟ عذّبَهم وجودُك، فلم يجدوا بدًا إلا بإزهاق روحك. أيُّ حطبٍ تحت مراجلِ حقدهم قد أوقدوا؟ أيُّ هوجِ أعاصير وزمجرةِ سحبٍ هدّدت حياتهم فارتعدوا؟ إيهٍ يا أبا جعفر، حسدوك لغزارةِ علمِك، ولبهاء طلعتك، ولنفاذِ بصيرتك، أم لطهارةِ روحِك، وصفاء سريرتك. صفاتٌ كانت عصيةً عليهم، لقد قلعتَ بابَ حصونِ جهلهم؛ فلن يتقبلوك وتشاوروا في جلسةِ غدرٍ أنْ يقتلوك، وبسمِّهم يسقوك، وأنت للدينِ كالقلبِ من الجسد، وكما العين للحدقة؛ فلم تعالجْ شأنًا إلا أسبرتَ فيه غورًا وسلّطتَ عليه من نورِك نورًا. وها هي المنيةُ قد سدّدت في كبدِ قوسِها سهمًا أصابت به قلبَ الإمامة، والليلُ أمامَ الفجر يرمي آخر ذيلٍ من ذيول ظلامه. آهٍ لأنفاسِك التي تفورُ كالحِممِ كأنّها في الكوّةِ الضيقة، تتصعّدُ جمرًا فتكوي قلوبنا حزنًا وكمدًا. وزهورُ عمرِك قد آنَ قطافُها، يا باب المراد! فوسّدوك خلفَ جدِّك أسد بغداد. تشتكي إليه ظُلامتك، فيواسيك بآثارِ قيدِ يديهِ، ويمسحُ دمعةَ مهجتِك. يا أيُّها الإمامُ الذي أبوا إلا أنْ يوتروه، يا أيُّها السرُّ المستودع، امضِ إلى سنا ربِّك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- الكافي : الجزء 1..ص 321

اخرى
منذ 4 سنوات
690

إنّها "الشيطنة"

بقلم: نرجسة الزمان الموسوي رجلٌ يقتلُ زوجتَه! زوجةٌ تقتلُ زوجها! أبٌ يقتلُ أطفاله! أمٌّ تقتل طفلها! والحبل على الجرار. في الآونة الأخيرة، كثيرًا ما تناهى إلى مسامعنا مثل هكذا جرائم التي تجعلنا نشعر أنّنا عُدنا إلى عصور الجاهلية الأولى، أو أنّنا اخترنا العيشَ في غابة. وعندما أتابعُ تعليقاتِ الناس في عوالم التواصل الاجتماعي، أجدُ العجبَ العُجاب! فهناك من يُبرّر لهذه الأفعال بأنّها تصدرُ من مرضى نفسيين ليس إلا. وهذا ما دفعني إلى أنْ أبحث عن هذه الظاهرة –المأساة-، و أسأل بعض المختصين: هل حقًا أستطيعُ أنْ أُسمِّي المُجرم مريضًا نفسيًا؟ وإنْ كان كذلك فما الداعي إلى عقابه؟ سواء كان في الدنيا أو في الآخرة. أولًا لنعرف الفرق بين المرض النفسي والمرض العقلي علميًا. إنَّ المرض العقلي مرتبطٌ باضطراباتٍ أو عطلٍ في خلايا أو كيمياء المخ، وفي هذه الحالة يكونُ المرض مرضًا عقليًا "أوليًا". في حين أنّه يمكنُ أنْ يكون المرض العقلي تابعًا، أو ثانويًا؛ بمعنى أنْ يكون الشخص لديه مرضٌ عضويٌ في الكبد، أو مصابًا بالسرطان ما يؤثر على خلايا المخ؛ فيصيبه بمرض عقلي. وأما المرض النفسي فهو "اضطرابٌ وجدانيٌ يرتبطُ بالمشاعر، وبالمزاج، و بالنظرة للحياة". وقد قالت إحدى المتخصصات: إنّ الأمراض النفسية متنوعةٌ، والفرقُ بينها لا يكادُ يبين، إلا أنّه قد يوجد الإدراكُ المجنون ولا يُدرِك أنّه مجنون، ومنها الهروب من الواقع، ومنها ما يؤدي إلى الجنون، و منها ما هو وراثي. ولكن هناك أمراضٌ نفسيةٌ شبه عقلية، وهناك أمراضٌ نفسية إنْ لم يستعمل المريض الدواءَ لعلاجها، فإنها تتحول إلى عقلية، ويفقد معها الإدراك. وقد يُصابُ بـ"الهلوسة"، أو غير ذلك من الأمراض العقلية. أيضًا، هناك اختلافٌ بين فقدِ الإدراكِ وفقدان السيطرة على التحكم في المشاعر مثل الرجل الذي يرى زوجته تخونه فيقتلها. وقد نجدُ شخصًا آخر يمرُّ بالظروف ذاتِها، لكنه يُسيطر على نفسه، ويفكر في عواقب الأمور، فلا يلجأ إلى العقاب بيده، وإنّما يرجعُ إلى القضاء، أو إلى الحاكم الشرعي. كثيرًا ما نجدُ أنَّ المجرم يقعُ في فخِّ مكائد الشيطان؛ فلا يسيطر على غضبه ليتبين، كما في قصة ذلك الزوج الذي قتل زوجته؛ لأنه وجد رسالةً غرامية في دولابها، وبعد أنْ لفظتْ أنفاسها الأخيرة، تذكّر أنّ زوجته لا تعرف القراءة والكتابة! وعلم - فيما بعد - أنّ جارتهم الماكرة قد أعطتها هذه الرسالة بصفةِ أمانةٍ لتوصلها لأحدٍ تعرفه. وبعد إلحاحٍ منها على الزوجة، ولأنّ زوجته لا تعرف القراءة وذات قلبٍ نقيٍ حسب ما وصفها، فإنها وافقت، وقد انهار من وخزِ الضمير والندم وما نفع ذلك إلا رحمة الله. وهنا نتساءل: ما السرُّ في استطاعة الإنسان أنْ يضع جهاز تحكم في ردود أفعاله، ولا يتحول إلى مجرم؟ من البديهي إنّه هو الوازع الديني لا غير. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: قُلتُ له: ما العقل؟ قال: ما عُبِدَ به الرحمن، واكتُسِبَ به الجنان. قال: قلت: فالذي كان في فلان؟ قال: تلك النكراء، وتلك الشيطنة، وهي شبيهةٌ بالعقل، وليست بعقل. *بيان: النكراء: الدهاء والفطنة وجودة الرأي، وإذا استُعمِل في مشتهيات جنود الجهل، يقال له "شيطنة"؛ ولذا فسّره (عليه السلام) بها. وهذه إما قوةٌ أخرى غير العقل، أو القوة العقلية ذاتها، وإذا استُعمِلت في هذه الأمور الباطلة وكمُلت في ذلك، تُسمى بـ"الشيطنة"، ولا تُسمى بـ(العقل) في عرف الشرع المقدس. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق .

اخرى
منذ 4 سنوات
1136

ماذا لو؟!

- ماذا لو تُرِكتِ الإنسانيةُ بلا تشريعٍ سماوي؟ - ماذا لو اندثرَ التشريعُ مع نهايةِ حياةِ المُشرّع؟ - ماذا لو انقطعتِ العلاقةُ بيننا وبين السماءِ لعدمِ وجودِ الحُجّة؟ - ماذا لو لم يُشرَّعْ وجودُ النيابةِ العامةِ بعد النيابةِ الخاصّة؟ - ماذا يحصلُ لو انعدم - لا سمحَ الله- وجودُ المرجعياتِ على سالفِ الأزمان؟ - ماذا ستفعلُ القِوى المُعتديةُ الجائرةُ بالشعوبِ المُستضعَفَة؟ - ماذا يحصلُ لو لم تنصع الشعوبُ إلى توجيهاتِ المرجعية؟ - ماذا حلَّ بنا لو لا أنَّ (الجهاد) تكليفٌ شرعيٌ؟ هذه التساؤلاتُ تحتاجُ التأمُّل في إجاباتها، علّنا نُدرِك أهميةَ دور المرجعية الدينية في الحفاظ على كرامةِ وعزةِ الأُمّة.

اخرى
منذ 4 سنوات
642

نجواي لك..

بقلم: نور الهدى الحسيني إليك سيّدي يا صاحب الزمان.. أكتبُ لك كلماتي التي منبعها فؤادي ووجودها نجواي .. تحاولُ الخروجَ رويدًا رويدًا، لكنّها لا تستطيع.. قيَّدتْها الذنوبُ عن الخروج .. يا نبعًا من النقاء... يا قلبًا أرهقه شقاء شيعته في أرجاء العالم .. يا من كان لنا حارسًا .. يا من كان بنا عارفًا... يا من عجزت العيون والأبصار عن رؤيته .. نعم، عجزت لا لعدم وجودك .. بل لعدم وجود عيونٍ لائقةٍ بمقامِك؛ لتكتحل برؤياك ناظراها.. أما حان وقت ظهورك سيّدي؟ صاحبُ العصر رحمةً بالحيارى ..... أنت نجمٌ، وبالنجومِ اهتداء فإذا شامَ* نورَك اليوم قومٌ ..... صيبٌ فيه للعطاشى رواء فاسقِهم من سنا الكرامةِ كأسًا ..... فيه نصرٌ وعزةٌ ورخاء لم نزل نرقبُ الطلوع المُرتجى ..... له في زحمةِ الظلام جلاء ونُناديك آملين فهلّا ..... رجعت بالإجابة الأصداء)** ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * نظر إِليه يتحقَّق أَين يكون مَطَرُه **العذاب الشديد....للشاعر: علي جعفر آل إبراهيم

اخرى
منذ 4 سنوات
643

زهرةُ البَطحاء

بقلم : منارُ المهديّ زهرةٌ هي نبَتَت في سَبسبٍ، واستقت ينبوعًا تفتّق مُخترقًا قلب الجَلمود الأصَم، في وسط أُم القُرى، المُكتظّة بهواجِس الضَياع واندِثار الحياة تحت كومةٍ من أعرافٍ بالية. حيثُ تعلو أصوات البواتِر على صوتِ أغاريد الربيع، ويختفي بين ضجيجها وقعُ خطوات الودَق على خدّ الأرض. كان قلبُ السيّدةِ ينطوي على أملٍ يُدغدِغ إحساسها كنسَماتِ مكّة الخجولة، الأمرُ يتعدّى أرباحَ القافِلة التجاريّة التي أودعت زِمامها بيد ذاك الفتى الهاشِمي. ولمَ الخشية؟! أليس هو الصّادِقَ الأمين؟! لقد أفرَغ مَيسرة -غُلامها- كُلّ ما بجُعبته عن هذا الشاب ولم يدّخِر في ذاكِرته شيئًا إلّا وقصّه عليها .. أيُّ نفسٍ ينطوي عليها هذا الفتى؟ خديجةُ (الطاهِرة) سيّدةُ نساء أهل مكّة، كوردةٍ وسط البيداء المُدجّجة بالأشواك. وردةٌ مونقةٌ بين اللّبلاب السّام، صافيةُ النفس، جليلةُ القدر، لم تنلْ منها خُشونةُ الصحراء ولا سماجة خُلُقِ الأعراب .. جوهرةُ البَطحاء، موسِرةُ الحال، وفيرةُ المال، بالِغةُ الجمال، تملك ما تهفو إليه نفوسُ الآدميين، وأما هي فتهفو إلى الرّوح الممسوسةِ بالعُلا والجلال. أنْ تجدَ الذي تنعكس السماءُ في مرآة قلبه الأسيل، أنْ تجدَ غُصنًا غضًّا نبتَ بين كُثبان الرِّمال، هكذا وجدت السيّدةُ من يُشاطرها الطُّهر، ويزيدُ عليها بمراتب من نور. قسماتُ وجهِه الوضّاء تسطعُ بين الوجوه التي غيّبت الفضاضةُ تقاسيمها، فأضحت دونما ملامِح، أما دماثة خُلُقِه فكانت مضربًا لأمثال العَرب. الصادقُ الأمين، الفتى الهاشمي المُبارَك أخذ عليها لُبّها، كان دُرّةً يتيمةً تلمعُ أمام خديجة الطاهرة، تُرسِلُ أنوارَها إلى عنان السّماء.. عاد بخيرٍ وفير، مُحمّدٌ (صلى الله عليه وآله) ربح تجارةَ خديجة، وأما هي فربحتْهُ هو. تلك السيّدة القُرشيّة، المهيبةُ الغنيّة، تخلعُ رِداءَ الغنى والجاه، فتبسطُ مالها فرشًا تحت قدَمي الحَبيب.. أيُّ طُهرٍ رأى فيها الباري فاصطفاها حليلةً لحبيبه، وحضناً دافئًا للمُدّثر العائِد من الغار الأنور بمشعل النبوّة، أوّل النساء إيمانًا به، وأول ساجِدةٍ لصلاةٍ بإمامته، وهي أُمٌّ لخير مَن ذرأ اللهُ وبرأ. أمّا فاطِمة فوحدها قِصّةٌ أُخرى، أيُّ وعاءٍ طهورٍ سَبَحت فيه وسبّحت؟ فلمّا بُعِثَ الحبيب، واشتدّ لهيبُ الحِقد المُتّقد في الصدور العارية من الوجدان، بقيت تلك الطاهرة وحيدةً، تحتوي فاطِمة في أحشائها، تؤانسها وتسُدّ عليها خلّة الهَجر. ولما أزف بزوغ شمس الزّهراء (عليها السلام)، وقامت خديجةُ تبحث عن جذعِ نخلةٍ تلتجئُ إليه، غشّى نورٌ غرفتَها وسطع فبدّد وحشتَها وإذا بصاحِبة النخلةِ الميساء مريم بنت عِمران تتوسّط آسيا وحوّاء بأباريقَ وطست من الجِنان، وماءٍ من الكوثر الزُلال يُبشرنها بخيرةِ النسوان. خديجةُ الغّراء تحتضنُ السيّدة الزهراء تلك الأُم الرؤوم، زوجُ النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) كانت كمبخرةِ عطرٍ في بيت أبي القاسِم (صلّى الله عليه وآله). وذات يوم أقرأها الأمينُ جبرئيل عن ربِّها السّلام وبشّرها ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ لا صَخَب فيه ولا نَصَب، كما كانت بيتًا دافِئًا لرسوله (صلّى الله عليه وآله)، كما كانت حِجرًا عطوفًا لرأسه المُثقلِ بالهُموم، وكما أصبحت بيته في كبدِ الصحراء، فقد كان جزاؤها بيتًا في فراديس الجّنان. وها هي الأيّام تمُرُّ، والقسوةُ تحفرُ القُلوب؛ لتُظهر لُبّها الأسوَد، والإحن يغلي في الصدور كنارِ جهنّم، وأعلن القتادُ كلمته أنْ لا مكان للأزهار بين الأشواك. وها هي خديجةُ تُلملم صبرها، وتمسك بيد فاطِمة، لتتوارى في شِعب أبي طالب (عليه السلام) البطحاء، فلم تعُد كما هيَ. يبدو أنّ حبل ظُلمتهم قد جذمتهُ خيوط الشمس؛ فأجبروها على الاستتار.. حاولوا خنق العِطر في زُجاجته ، لكن خديجة بنت المجد كانت تفيضُ صبرًا وعطاءً رغم كربتها، كأنّها لم تذُق مُرًّا، كأنّها عضدٌ خُلِق يشدُّ عضد النبي، يؤازره ، يفتديه ويحرُسهُ كزمرُّدةٍ فريدة. شاطرتهُ عناء الكَدح، وزفرات الأسى، وتباريحَ الأمل في حشاشتهِ الطّاهرة، شاطرته جوعَ الحِصار، واختبرت وجع النَبذ بعد إذ هيّ سيّدة. كان عامًا حزينًا ذاك الذي رحلت فيه الطاهرةُ إلى الرفيق، رَقَت وخلّت فاطِمة تتخطّفها يدُ الوجل والرُزء، خلّت محمدًا يُكابدُ ألم الجوى والوَجيب. نُدبةُ عامِ الحُزن ذاك تأبى أنْ تُفارقه حتى بعد أنْ تلاشت ذِكراها من ذاكرةِ الدُنيا الخائِنة. ظلّت تُلازمه، تمرُّ السنون وجُرح فراقها لمّا يندمل بعد، يراها في رفيقاتها، يُكرمُهُن، يفرشُ رِداءهُ بُسطًا لهُن وفرشًا. فعن عائشة قالت: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا ذكر خديجة لم يكَدْ يسأمُ من ثناءٍ عليها واستغفارٍ لها، فذكرها ذاتَ يوم فاحتملتني الغيرة فقُلت: لقد عوّضك الله من كبيرة السّن، قالت: فرأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غضِبَ غضبًا شديدًا، وسقطت في يدي، فقلت: اللهم إنْ أذهبت غضبَ رسولك عنّي لم أعدْ لذكرها بسوءٍ ما بقيت. قالت: فلما رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما لقيت، قال: كيف قُلتِ؟ والله لقد آمنت بي إذ كفَرَ بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، ورُزقت منّي الولد حيث حُرمتموه". هكذا بقيتْ السيّدةُ خديجةُ حيّةً في قلبِ النبيّ (صلى الله عليه وآلِهِ) حتى بعد وفاتها، لم يتزوّج عليها في حياتها، ولم ينسَها بعد مماتِها، أمُّ البتول الطّاهرة وسيّدةُ قُريش، كانت (أوسط نِساء قُريش نسبًا، وأعظمهم شرفًا، وأكثرُهم مالًا، وأحسنهُم جمالًا). وعن عائشة أنّها قالت لفاطِمة (عليها السّلام): ألا أُبشّرُكِ أنّي سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: "سيّداتُ نِساء الجنّة أربع: مريمُ ابنت عمران، وفاطِمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وخديجة بنت خويلد، وآسية". فسلامٌ عليكِ وأنتِ مُخدّرةٌ في وسط الرياح الزمهرير، وسلامٌ عليكِ وأنتِ تشعّين كالشمس في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسلامٌ عليكِ مُحاطةً بمريم وآسيا وحوّاء، سلامٌ عليكِ أم القاسِم وفاطِمة البتول، وسلامٌ عليكِ جائعةً في جوف الغارِ، سلامٌ عليكِ راحِلةً إلى الجليل مُستّلةً من قلب الحبيب، وسلامٌ عليكِ ساكنةً بيت القَصَب ..يا نبعًا لمّا يُنضب، وسراجًا لمّا يَنكفئ، وغّراء وكُبرى وطاهرةً وفُضلى.

اخرى
منذ 4 سنوات
800

مقتطفاتٌ من دُعاءِ مكارم الأخلاق (2)

بقلم: شيماء المياحي تحدّثنا في الحلقةِ الأولى عن الفقرة الأولى من دعاء مكارم الأخلاق، وهي: الإيمان وكيفية بلوغ أعلى درجاته، وهنا سوف نتناول الفقرة الثانية من الدُعاء: "وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ اليَقِينِ" قبل أن نتعرف على سُبلِ الوصول لأفضلِ اليقين، لابُدّ أنْ نتعرف على معناه. *اليقين لغةً: هو زوال الشك. اصطلاحًا: ما يقابل الجهل المركب والشك، وهو الجزم بعلمٍ وطمأنينة واستقرار نفس، مطابقًا للواقع غير زائل بشبهة وإنْ كانت قوية. ولا بُدّ أنْ يكون اليقين بكلِّ ما جاء في الكتاب العزيز والسنة النبوية عن الله (تعالى) يقينًا يدفع الإنسان إلى العبودية لله (تعالى) وبإخلاص النية، كما جاء في كتابه العزيز: "وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَاَ أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالأَخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ"[البقرة:٤]. ولصاحب اليقين علامات: ١ - التوكُّل والثقة بالله (تعالى): فلا يتوكل الموقن إِلا على الله (تعالى) ولا يثق إِلا به، ولا يعتمد على الأسباب، ويراها مسخّرة منه وبمشيئته وأمره (تعالى)، ولا حول ولا قوة لأحدٍ إلّا به ومنه(تعالى). وأنْ يعلم أنَّ كل ما يطرأ عليه من وجود وعدم، وخير وشر، وصحة ومرض، وغنى وفقر، من الله (تعالى)، وما قُدّر له سيُساق اليه، ويرى كلَّ ذلك بعينٍ واحدةٍ. ٢ - الخشوع: أنْ يكون دائم الخشوع لله (تعالى) في كلِّ أحواله في العبادة وغيرها، وأنْ يعيش بين الخوف من عظيم سُلطانه، والرجاء لواسع رحمته ومغفرته. فاليقينُ يجعل المؤمن دائمَ الخوف والوجل من عظمةِ الخالق من جهة، ويبعثُ روح الطمأنينة والسكينة في قلبه من جهةٍ أُخرى؛ لعلمه ويقينه بأنَّ الله (تعالى) غفورٌ رحيم وشديد العقاب. ٣ - استجابة الدعوات: يكونُ صاحب اليقين مستجابَ الدعوات إنْ اقتضت ذلك الحكمة الإلهية؛ وذلك لأنّه يدعو وهو متيقن بالإجابة، وقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: قال قومٌ للإمام الصادق (عليه السلام): "ندعوا ولا يُستجاب لنا؟ قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه"(١) بل ويكون صاحب كرامات أيضًا في بعض مراتبه، فكُلّما زاد يقينُ الإنسان زاد تجردًا، فحين ذُكِر النبي عيسى (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّه يمشي على الماء، قال:(صلى الله عليه وآله): "لو زاد يقينًا لمشى في الهواء"، وعنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله"(٢) ولليقين مراتب: ١ - علم اليقين: وهو العلم الجازم بوجود الخالق وبكلِّ ما جاء عنه بالأدلةِ اليقينية التي لا تقبل الشك ومثاله: العلم بوجود النار من خلال رؤية الدُخان. ٢ - عين اليقين: وهو المشاهدة للحقائق الإلهية بعين البصيرة، وهي أقوى من مشاهدة عين البصر ويحصل من خلال تزكية النفس وتنقيتها من كلِّ درن، ومثال ذلك أن يرى عين النار. ٣ - حقّ اليقين: وهو الشعور بالحقيقة وكأنّه فيها، ومثاله: اليقين بوجود النار بالدخول فيها من غير احتراق، وهذا إنّما يكون لمن أدرك الكمال العرفاني. والحصول على هذه المرتبة يتوقف على مجاهدة النفس مجاهدةً شاقّة لترويضها بالحدّ من اتباع الشهوات، والوصول إلى النقاء الروحي. وقد سمعت أحدهم يقول عندما فقد ولده الشاب في حادثٍ مروُّع: (الآن شعرتُ بلوعةِ قلبِ الإمام الحسين (عليه السلام) على فقد ولدِه علي الأكبر)، واقعًا الذي يستمعُ المصيبة ليس كمن يستشعرها . ولمتعلق اليقين أنواع نذكر بعضها: ١ - اليقين بوجود الله (تعالى): وهو اليقين بوجود خالقٍ واحدٍ لا شريك له، يتصفُ بجميع صفات الكمال والجلال، ويحصل من خلال النظر والتأمُّل في الأدلة العقلية التي لا تقبل الشك -كما مر- وتأتي الأدلة النقلية مؤيده لها . ٢ - اليقين بعدل الله(تعالى): وهو من أبرز صفات الله(تعالى) الكمالية، والذي جُعل أصلًا من أصول الدين. واليقين بأنّ الله(تعالى) عادلٌ وليس بظالمٍ يترتب عليه الطمأنينة والتسليم والرضا بقضاء الله(تعالى) وقدره، وكذلك الاعتقاد والتصديق بالثواب والعقاب الذي أوعد الله(تعالى) عباده به، الذي يظهر أثره على جوارح الإنسان. ٣ - اليقين بأولياء الله(تعالى): وهو التسليم وعدم الاعتراض على كلِّ ما ورد عنهم؛ وذلك لأنهم مُنصَّبُون من قِبل الله (تعالى), واليقين بهم نابعٌ من اليقين بعدله (تعالى)، ومن أروع صور اليقين بالأولياء التي نقلها التاريخ هي قصة هارون المكي، وكيف أنّه امتثل لطلب الإمام الصادق (عليه السلام) برحابةِ صدرٍ ودون أيّ اعتراض أو تردد، وقام وجلس في التنور وهو مسجور. فهذه الطاعة التامة نابعةٌ من قوة يقينه بالإمامة. نعم، هذه المرتبةُ صعبةٌ جدًا لعوام الناس، ولكنّها ليست مستحيلةً. ويمكن التدرج بمراتب اليقين شيئًا فشيئًا من خلال الالتزام بالدين ومفرداته، والإلحاح على الله (تعالى) بالدُعاء، ومطالعة قصص الصالحين، وكيف كانوا على مرتبةٍ عاليةٍ من اليقين. وبذلك يصل الإنسان ولو لنسبةٍ معينة من اليقين الذي يكون درعًا واقيًا له عن الاعتراض لكلِّ ما ورد ورودًا قطعيًا وغير قابل للنقاش عن الأئمة(عليهم السلام)، ومن يمثلهم في زمنِ غيبةِ قائمهم (عجل الله تعالى فرجه الشريف). _______________ (١) بحار الانوار (٢) كنز العمال

اخرى
منذ 4 سنوات
776

كمثًلِ كلمةٍ طيّبة

بقلم: الأستاذة نعمت أبو زيد التعاملُ مع المُخطئ في يومٍ من الأيام، كان الحسن والحسين (عليهما السلام) يتوضّآن، فوجدا رجلًا كبيرًا لا يُحسنُ الوضوء، فكّر الإمامان في طريقةٍ مهذّبةٍ ليُعلّما الرجل الوضوء دون أنْ يخجل منهما. تقدّم الحسن (عليه السلام) نحو الرجل الكبير وقال له: "هذا أخي الحسين (عليه السلام) يقول إنّه يتوضّأ أحسن مني، فاحكم أنت بيننا" توضّأ الحسن (عليه السلام) فأحسن الوضوء، وتوضّأ الحسين (عليه السلام) فأحسن الوضوء، ففهم الرجل أنّهما يُحسنان الوضوء ولكنّهما أرادا أنْ يعلّماه الوضوء بطريقةٍ مهذّبةٍ، فشكرهما الرجل وأعاد الوضوء كما تعلّمه من الحسن والحسين (عليهما السلام). إنّ في الأسلوب لسحرًا، ينمّ عن تربيةٍ سماويّة التعاليم، ربّانية الأخلاق. فمن منا لا يُخطئ؟ ومَن منا يُعالجُ الخطأ بأسلوبٍ مناسب؟ بالطبع كلٌّ منا يُخطئ -وهذا من سلوك البشر- ولكن من الخطأ أنْ نستمرَّ في خطئنا، ولا نعالجه أو لا نسعى لمساعدة الآخرين على انتشالهم من هفواتهم والتي ربما تكون عن غيرِ قصدٍ أو معرفة. وهذه المعالجة من الضروري أنْ تكون بأساليبَ ناجعةٍ تسودها الحكمة والرّويّة؛ حتى لا يتفاقم ونزيد من ضخامته بدل أن نمحوه. والجديرُ بالذكر، أنّ الإنسان يتعلّم عن طريق المحاولة والخطأ نتيجةً لانعدام الخبرة والمهارة، لذلك علينا احتواء المُخطئ وأن نحُسن التعامل معه، وأن نستخدم بعض الأساليب كالتي انتهجها إمامانا الحسن والحسين (عليهما السلام) في تعليم الرجل الكبير بطريقةٍ غير مباشرة ومحببة: - الابتعاد عن أسلوب اللوم الذي غالبًا ما يكون سهمًا قاتلًا يحطّم كبرياء النفس ولا يؤدي النتيجة المطلوبة. - من الأساليب الجميلة والمحببة أيضًا: ذكر إيجابيات الفرد قبل ذكر خطئه؛ ليكون وطء الكلام أقلّ وقعًا وأثرًا، مع القيام بمدح الصواب وإنْ كان قليلًا؛ لتثبيته كسلوكٍ دائم. - اقتراح بعض الاحتمالات لإصلاح الخطأ كأن نستخدم: ماذا لو فعلت كذا بدل كذا سيكون أفضل، أو ما رأيك لو تفعل كذا أفضل من كذا.. - من الجميل أنْ نستفسر عن الخطأ مع احتمالية عدم القصد وحُسن الظن. - استخدام أسلوب المكافأة قبل العقاب وخصوصًا مع الأطفال والمراهقين للترغيب في تبديل السلوك. - إعطاءُ فرصةٍ للتصحيح من المخطئ وعدم إطلاق أحكام خاطئة وغير صحيحة ربما تساهم في تدمير الشخصية. - التحدث عن الخطأ الذي بدرَ منه لا عن أمورٍ غير بارزة ومخفية حتى لا تختلط الأمور ولا تؤدي إلى النتيجة غير المرجوّة. - استخدام الكلمات الطيبة بدل القاسية فلكلِّ كلمةٍ مرادفها الذي يؤدي المعنى ذاته. - ذكر بعض النماذج لإبراز أنّه ليس الوحيد الذي يُخطئ، كأن يقال له: أنا حدث معي نفس الموقف لكن تصرّفت بكذا وكذا حتى يُرمم ثقته بنفسه ولا يشعر بالإحباط. - كلما كان كلامنا مليئًا بالعطف كلما تسللّ إلى القلب دون استئذان، فلنجعله منفذًا لتمرير النصيحة وتصحيح الأخطاء. وأخيرًا، لا ننس العفو والصفح عمّن أخطأ؛ فإنّها من سمات بارئنا (تبارك وتعالى) وأئمتنا الأطهار (عليهم السلام)، ولنسعَ دومًا لردم الأخطاء عند الآخرين وعدم نشرها حبًا بالله (جل جلاله).

اخرى
منذ 4 سنوات
2115

حبُّ إمامِ الزمان هو الأمان

بقلم: أمونة جبار الحلفي دقاتُ القلبِ الموجعةُ هذه جميلةٌ، فبكلِّ دقةٍ هناك وجعٌ هو حبٌ، هو سعادةٌ، هو أمانٌ، هو شوقٌ.. الحياةُ، البكاءُ، الفرحُ، السعادةُ، القولُ، الفعلُ، العقلُ، الفكرُ، الخيالُ، كلُّ تفاصيلَ حياتي بحذافيرها تتعلقُ بكَ أنت.. لا علاقةَ لي بكلِّ أمرٍ يخصّني؛ فأنت الأبُ الحنون، وكلُّ شيءٍ يحدثُ معي أوكله إليك، أنت تأمرني وأنا طوع أمرك في أوجِ السعادة. أنا في كلِّ ما يحيطني منك من عنايةٍ وأوامرَ لا شيء لديّ لأُحِبّه أو لأختاره، فكلُّ تفاصيلَ حياتي هي من دعائك لي. نفحاتُ دعائك تلامسُ روحي، وأنا أؤمن عليه، نفحةُ الأمان هذه استوطنت القلب، فأخذ يضخُّ الأمان، وهو الحب في أرجاءِ الروح، ولازال يضخُّ إلى ما بعد الممات.. شكرًا لدعائك لي يا صاحب الزمان #أمانُ_القلبِ_أنت

اخرى
منذ 4 سنوات
666

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80510

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59888

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
48939

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
45059

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
44198

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34293