هلا اوقفت سخريتك..

بقلم: علياء يعاني الآلافُ من البشرِ من مرضٍ يُدعى (الوسواس). لا يعرفُ المُصابُ أسبابَه ولا حتى متى بدأ؟ وكُلّما طالتْ مدّةُ المرضِ صَعُبَ علاجُه أكثر. وفي مقابل هذا المرض نَجِدُ أنَّ الكثيرَ يسخرون من صاحبِه (المصاب بالمرض)! فهلّا أصغيتَ لي لحظةً يا صديق، لِمَ السُخرية؟ لِمَ كُلّ تلك الضحكات والكلمات الساخرة التي لا يعرفُ مدى ألمها إلا من أطلقت سخريةً منه؟ هل عرفتَ الألمَ الذي يُعانيه هذا الشخص؟ أم هل سمعتَ صرخاتِ روحه؟ وهل لامستَ الحزنَ في عينيه؟ أم أنّك فقط رأيته بشكلِهِ الظاهري ومدى تكراره للغُسلِ والوضوء و... ؛ ولذلك فقط قُمتَ بالسخرية منه.. لا تظنن أنّي معه، وأعي تمامًا أنّ بإمكانِ أيّ شخصٍ التخلص من هذا المرض بقوةِ إرادته وإيمانه، لكن ما يُثيرُ الاستغراب والعجب هي السخرية والاستهزاء ممن هم حوله. فهلّا أبدلت سخريتك بالمساعدة... فبدلًا من أنْ تسخرَ ابحثْ عن حلول وساعدْ هذا الشخص في إيجادها ومعالجته لهذا المرض، أو اتصل بطبيبٍ نفسيٍ ليُساعده، بلى قد تعجزُ عن مساعدتِه أو لستَ مُتفرغًا لذلك، إذن اغلقْ فمك أو انصحْ بلا تجريح... فلا داعي للسخريةِ؛ فأنت لا تدري كم دمعة قد أنزلت، وكم قلباً قد جرحتَ بثرثرتك هذه...

اخرى
منذ 4 سنوات
797

هل لكم أميرٌ كأميرنا؟!

بقلم: أم باقر الربيعي مُفترقٌ واحدٌ لطرقٍ متعددةٍ، جمعَ أكثرَ من مائةِ ألفٍ من حجاجِ بيتِ الله الحرام، ذاك غديرُ خُم. ما الخبر؟ ولماذا الوقوف بهجيرِ الحر، وبهذا المكان تحديدًا؟ وهل هناك من الأهميةِ لأمرٍ يستدعي الوقوف رغم التعبِ ومشقةِ السفر؟ حجةٌ خاتمةٌ للنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)، كيفَ تكونُ والداعي فيها ربُّ العزةِ، والمُلبي فيها سيّدُ المرسلين؟! أجواءٌ روحيّةٌ اكتنفتِ الحجيج، هدوءٌ وسكينةٌ للنفوس، وسرورٌ باطني غريب بالصحبة الكريمةِ للرسولِ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، لمن وعتْ قلوبُهم قولَ الحقِّ واستأنست به. حجةٌ فريدةٌ من نوعِها، لها مضامينُ عاليةٌ وأهدافٌ بعيدةٌ سامية، لولاها لذهبت سنوات تبليغِ الدعوة أدراج الرياح. حجةٌ عالميةٌ لإحياءِ الإنسانيةِ ختامُها غديرُ خُم، ذلك المكانُ الذي أُقيمتْ فيه الحُجةُ على الناس أجمع؛ حتى لا يُنكرَها بعد ذلك مُنكرٌ ويشكُّ فيها مُرتابٌ، إنّها الخلافةُ والإمامةُ؛ تنصيبٌ من اللهِ (تعالى) على لسانِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، إذ ليس من الحكمةِ أنْ تُتركَ الأمّةُ بعد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بلا راعٍ يُديرُ شؤونَها السياسية والدينية والاجتماعية، تجتمع فيه أعلى وأسمى صفاتِ القائد الشجاع والعاِلم الفقيه والمُربي الفاضل، فكانتْ وقفةً تاريخية تحسمُ مصيرَ أمّةٍ هي من خير الأمم. وقفةٌ تجمعُ آلاف الحجاج قبلَ قفولهم راجعين إلى أهاليهم؛ للإعلانِ بالتصريحِ عن خليفةِ الله (تعالى) ورسوله الشرعي (صلى الله عليه وآله). أمرٌ في غايةِ الأهمية؛ به يكتملُ الدينُ وتتمُّ النعمةُ، رغم مشقةِ السفر وعناءِ الطريقِ وهجير الحر، لابُدَّ من تبليغ الأمر الإلهي. وصدحَ صوتُ الحقِّ مُدويًا "من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه"، وماجَ الناسُ ما بينَ فرِحٍ مُسرور، وما بين مُستغربٍ مُتعجب، وخصوصًا البعض منهم ممن أظهرَ الإسلام وأبطن الحسد والبغض والنفاق، وكأنّهم يقولون في دواخلهم: أيضًا علي! لكن أمر الولاية حُسِمَ شاؤوا أم أبَوا... نعم، هو عليٌ أولُ القومِ إسلامًا، وأقدمهم إيمانًا، رايةُ الحقِّ ومنارُ الهدى والمحجةُ العظمى، أخُ الرسول وصنوه والمحامي عنه وحامل لوائه، بيده كسّرَ الأصنامَ، وبسيفه قامَ الإسلامُ، وثبتت قواعده، قاصمُ شوكةِ المُعتدين، ومُبيدُ فلولِ الظالمين، فهل لكم أميرٌ كأميرِنا؟! كلّا، وألفُ كلّا... هو عليٌّ، لمْ ولنْ يتكرر أبدًا.. عَلِيٌّ أَمِيرِي وَنِعْمَ الأمَير نَصِيرُ النَّبِي وَخَيرُ النَّصِير أبُو الحَسَنَيْنِ وَزَوْجُ البَتُول وَوَرِاثُ طَهَ وَأعْلَى وَزِيـــر عَلِيٌ أمِيرِي بأمْرِ الإله العَظِيم الذي لا إله سَــــوِاه لَقَدْ هَامَ قَلْبِي بعِطْرِ شَذَاه فَأَحْيَا فُؤَادِيَ ذَاكَ العَبيــــــر

اخرى
منذ 4 سنوات
661

خاطرة

حافي القدمينِ.. يسيرُ على الحجارةِ، ويحملُ حجارةً.. أو ربما يدفعُ عربةً في سوقِ الخُضار.. أو حمالٌ في سوقِ البضائع.. أو بائعٌ جوّالٌ.. تحملُه قدماهُ المثقلتان بجُهدِ العمل، و في قلبِه حلُمُه البعيدُ بأنْ يحملَ يومًا كُتُبَه من جديد، ويُنادي رفاقه أنْ هلِّموا بنا نبني مستقبلنا السعيد.. حُلُمٌ نأى عنه بسببِ .. لقمةِ العيش.. أمٍّ جاهلة .. أو أبٍ قلبُه من حديد.. أو معلمٍ كسولٍ لا يعرفُ سوى الوعيد..

اخرى
منذ 4 سنوات
751

التّوازُن بين الواقعِ والمواقعِ

بقلم: شيماء المياحي بعد الغزو التّقنيّ-إن صحَّ التعبير- لمواقع التواصل الذي اجتاح حياة الأفراد في المجتمع، والذي تغلّغل في كُلِّ جزيئاتها؛ بَرَزْت لدى الكثير منهم الشخصية الإلكترونية، وهي: شخصيّة وهميّة تميلُ كثيرًا للوجود الإلكتروني؛ لأنّه يتلاءم مع تصنعها للمثاليّة، خلافًا لواقعها تمامًا.. فصاحبُ الشخصية الإلكترونية يتحدّثُ عن براءةِ الطفولة، ويُناغي صورَ أطفاله على مواقعِ التواصل، وكأنّه الأب/الأم الرؤوف بهم، وصاحب القلب العطوف عليهم، وربما هو في الواقع فرعونُ زمانه معهم. وعندما يتحدّثُ عن بِرّ الوالدين؛ يغبطه كثيرٌ من الآباء والأمّهات في العالم الافتراضي ظنًا منهم أنَّ تغريداته تُمثّل سلوكه مع والديه في الواقع. وإذا ترنّم بعذوُبة الكلام والرقّة والرومانسية التي تستحقها الزوجة ازدحمت على شاشته الافتراضية إشعارات برامج التواصل من قِبل الساذجات من رائدات العالم الافتراضي؛ توهمًا منهُنَّ بأنّه فارسُ الأحلام الذي تتمنّاه كل فتاة، وزوجتهُ المظلومة المُضطهدة تُشاهدُ بصمتٍّ وتتألمُ لما يتداوله زوجها على المواقع خلافًا لسلوكه الواقعي المعاش معها! هكذا شخصية -غالبًا ما- تُفضل الحياة الافتراضية على الحياة الواقعية، والتعامل المباشر مع الآخرين؛ وذلك لأنّها تُخفي ملامحها وسلوكها الواقعي، وتظهره بصورةٍ جميلةٍ جذّابة.. وهذا أحدُ أنواع النفاق الذي وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين"(١)، وقال أيضًا: "نفاقُ المرءِ من ذُلٍّ يجده في نفسه"(٢) فينبغي الاعتدالُ والتوازُن في التعاملِ بين الواقعِ والمواقع الإلكترونية، كما ينبغي الاعتدال في النشر أيضًا؛ فلا إفراطَ ولا تفريطَ ببثِّ كُلِّ ما يتعلقُ بحياةِ الإنسان الخاصة وكذا العامة؛ حتى لا يكون الإنسان كتابًا مفتوحًا يتصفّحه الجميع.. وأخيرًا ينبغي أن يُعْلمْ بأن العالم الافتراضي ليس مسرحًا لعرض المميزات الشخصيّة من سلوكياتٍ ومشاعر-صدقًا أو كذبًا- وغيرها مما يتعاملُ به المرء مع أفرادِ عائلته ومجتمعه، بل هو وسيلةُ تواصلٍ بما يتناسبُ مع المنطق والدين. ....................... ١ و٢ غرر الحكم

اخرى
منذ 4 سنوات
690

حكاياتُ الجدِّ أبي محمد حسن: الماس في الصحراء بل أغلى

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية الجدُّ أبو محمد حسن شخصيةٌ لطيفةٌ ورائعةٌ أينما يذهبُ ينثرُ الوردَ، يُحِبُّه الجميعُ، لا ينطِقُ إلا حقًا، مواعظُه دُررٌ ثمينةٌ تُحاكي العقولَ وتخترقُ القلوب.. في أحدِ أيامِ الصيفِ الحارّة أرادَ أنْ يَعُدَّ أحفادَه، ويُبيّنَ لهم بعضَ الأمور لكن كعادته لا يستخدمُ الطُرقُ التقليدية؛ ليوصل إليهم الحقائق، بل يحاولُ أنْ يجعلهم يكتشفون الحقائقَ بأنفسِهم ويعيشوا الأحداث. في هذهِ المرّةِ قرَّرَ أنْ يأخذَهم برحلةٍ شاقةٍ إلى الصحراء في يومٍ شديدِ الحر، وطلب منهم أنْ يؤدّوا بعضَ الأعمال، شعروا بالتعبِ فأرادوا الرجوع، لكن لم يأذنْ لهم الجدُّ، ورفضَ طلبهم، ثم قالَ لهم: - فلنذهبْ إلى ذلك البيت الذي بنيتُه منذ فترة، وتحمّلتُ الصعابَ والمخاطرَ لأكمله من أجلكم، أنا أحبكم وأخاف عليكم؛ لذا بنيتُ هذا البيت ليحميكم.. ذهب الجميعُ للبيتِ الصغير في الصحراء وارتاحوا فيه وأكلوا وشربوا، وبقوا ثلاثة أيامٍ، وفي اليوم الثالث قرّر الجدُّ أنْ يُنفذَ خطته، بالاتفاق مع بعضِ الأشخاص الذين أحضروا مكبرات صوت وقاموا بتشغيل صوتِ ذئابٍ، كأنها تحومُ حولهم. لم يخف الصغار؛ لأنّ جدَّهم كان معهم، وبيده سلاحٌ يدافعُ عنهم فهم مطمئنون بجانبه. وفي هذه الأثناء قال لأحفاده الصغار: أنا اليوم يا أحبائي أشعرُ بتعبٍ شديدٍ وسأرتحلُ عنكم قريبًا، فصُدِموا بكلامه، ودخلهم الخوف، وأخذوا يفكرون بمصيرهم بين هذه الذئاب، ما الذي يفعلونه.. ثم قال لهم مطمئنًا إيّاهم بأنَّ يومَ غدٍ أنْ شاء الله (تعالى) سيُخبرهم بأمرٍ مهم جدًا وسيُنجيهم من الذئاب فلا يخافوا. وبعدَ أنِ انتهوا من العملِ الشاقِ الذي كلّفهم به أمرَ الجميعُ أن يصعدوا على سطح الدار، فصعد الجميع لسطح الدار وحرارة الشمس المحرقة جعلتهم يرفعون قدمًا ويضعون أخرى، لكن لأهمية الأمر لابُدَّ أنْ يجتمعوا ويستمعوا لما سيقوله جدهم، فتكلّم معهم وقال لهم: أنا أحبكم كثيرًا ومستعدٌ لأن أضحي بنفسي لإنقاذكم.. قالوا: نعلم بذلك يا جدّاه.. فقال لهم: كلُّ ما أقوله لمصلحتكم، ولابُدَّ لكم من طاعتي، وإلا ستأكلكم الذئاب. قالوا: نعم يا جداه؛ فأنت جدنا، وأهم شيءٍ لديك هو مصلحتنا وكل ما تقوله لضمان سعادتنا . نادى أحد أحفاده واسمه علي، وقال: تعالَ يا علي وقِفْ بجانبي، فقال لهم ممازحًا: أنا أحبُّ عليًا، وأثنى عليه، ثم قال لهم: انتهى الاجتماع. فأصابتهم خيبةُ الأمل، وقالوا له: يا جدّاه نعلمُ بمنزلةِ علي عندك وأنك تحبه، فقد أخبرتنا بذلك ومدحته في أكثر من موضع، فلِمَ جعلتنا نتحملُ حرارةَ الشمس فقط لأجلِ أنْ تخبرنا بأنّك تحبّ عليًا؟! ابتسم الجدُّ وقال لهم: أنا أمازحكم يا أعزائي، لم أقصد هذا الأمر سأخبركم بما أردته منكم.. علي هو أخوكم الأكبر، وقد أعطيتُه المفاتيح جميعها، وهو يعرف كلَّ الطرق التي ستنقذكم وتصل بكم إلى طريق النجاة، اشربوا يا أعزائي هذا العصير البارد لترووا عطشكم وتذوقوه، كم هو لذيذ لأكمل باقي الكلام.. شرب أحباؤه العصير البارد بهناءٍ، وكان حلوًا ذا طعمٍ لا يوصفُ لروعته. أكمل الجدُّ الكلام وقال لهم: إياكم أنْ تخالفوا أخاكم في أي أمرٍ، ونفذوا ما يأمركم به، وإلا فستُضلون الطريق، وتفترسكم الذئاب. علي لديه كل أسراري، وحفرنا سويًا الخندق، وسيقودكم إلى النجاة فلا تخافوا، وثقوا به كثقتكم بي.. قالوا له: سمعًا وطاعةً يا جداه، لن نخالف ما قلت، وسنتبعُ ما يأمرنا به علي، فأي أحمقٍ سيُخالفُ وهو يعلمُ أنَّه السبيل الوحيد للنجاة، وهو موضعُ ثقةٍ لدى الجميع؟ فرحَ الجدُّ كثيرًا من ردِّهم الرائع الذي يدلُّ على رجاحة عقولهم، وابتسم لهم وقال: أحسنتم كثيرًا يا وروداً زُرِعتْ بحُبِّ آلِ محمدٍ فأزهرت.. لقد نجحتم بالاختبار يا أيّتُها العصافير المُغردة. تعجَّبَ الأولاد وقالوا: ما الذي تقصده يا جداه... قال الجد: انا بأتمِّ الصحة والعافية، ولا توجد ذئاب..

اخرى
منذ 4 سنوات
615

الجوهرةُ الثمينةُ في الإنسان

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية وهبكَ اللهُ (تعالى) جوهرةً ثمينةً من خلالِها تتمكنُ أنْ تصلَ إلى الكمالِ وتنال الجنان، ومن خلالِها أيضًا يُمكِنُك أنْ تتسافلَ وتقبعَ بدركِ الجحيم. إنه العقل... فما عليك إلا أنْ تُغذّيه بالغذاءِ الصالح الطيب الزكي الرائحة، وتربيه كما تُربّي ابنَك الصغير؛ أبعدهُ عن كلِّ طالحٍ، ولا تُقحمه في الشبهات، دلِّلهُ بما لذَّ وطاب من الأطعمة المعنوية؛ بقراءةِ القرآن والسيرة وأحاديث أحبّ الخلق إلى الله (تعالى)، ثم عرِّجْ على سيرةِ العلماء والصلحاء، وآنِسْه بقراءة طرائفِ الحكم، واخزنْ العلمَ بتدوينِه، ولا تنسَ إمراره على القلب، وتجسيده بالأفعال. وما دمت حرًا طليقًا تهوى الخير وتُحِبُّ رفقةَ الأخيار، فاحذرْ أنْ تشتري غذاءً رخيصًا ذا رائحةٍ نتنةٍ يُفسِدُ جوهرتك، ويُعتم نور العقلِ بالظلام وذهاب الحكمة فتبقى حبيسَ الأوهام. وخذِ العلمَ من أهلِه، ولا تغفلْ عن بابِ علمِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، فمِن فيضِ عطائهم سترتقي بالفكرِ وتنال الجنان. وحافظْ على الحواس، ولا تقعْ فريسةَ الآثام، ولا تنظرْ لمُحرَّمٍ أو تمدَّ يدَك لسرقة، أو يلفظ لسانك سوءًا، أو تستمع أذنك لصوتِ غيبةٍ أو غناءٍ. والقلب فاحرسه لئلا يتلوث بغير الحلال؛ فحرَمُ اللهِ (تعالى) حافظْ على طهارتِه. واسعَ جاهدًا لطيبِ ما تأكلُ من الطعام بحلّيته، ولا تُسرف في الأكل، وحافظْ على روحِك وجسدِك، وأعطهما أشدَّ الاهتمام، فأيُّ تقصيرٍ سيُرَدُّ تأثيره على العقل بأسوأ الآثار، فبنظرةِ حرامٍ تفقدُ التركيز، وتتسبب في النسيان، وتتحرك لديك تخيُّلاتٍ تعيسةٍ تُفسِدُ لحظاتِ الوئام. أما كثرةُ الأكل وملءُ البطنِ بالحرام فيا لسوءِ آثاره التي تُصيب العقل وتسبب له الدمار. حافظْ على عقلِك الواعي، ولا تملِ على نفسك إلا الخير والسلام، وردِّد: أستطيعُ، وسأصلُ، وكُنْ إيجابيًا ومتفائلًا في كلِّ الأحوال؛ لخطورةِ ما سيخزن في عقلك الباطن إنْ لم تنتبه للأفعال والأقوال؛ فكلُّ ما يُلتقط بحواسكِ، بعقلك الواعي سينتقل إلى اللاواعي، وسيتحكمُ بك دون أنْ تعلم أو تلتفتَ لحالِك؛ لذا كم نُحذِّرُ من أنْ يرى الطفلُ في سنيّه الأولى ما يسيء أو يستمع إلى ما يضر، كما أكدنا على زيارةِ الأضرحةِ، وقراءةِ القرآن، وسماعه حتى قبلَ أنْ يولد، لما لذلك من تأثيرٍ، وتكوين الأساسات التي تُبنى عليها الأفكار، فمثلًا عندما تقول: (أنا فرحان) ستعيشُ بفرحٍ وسعادةٍ وإنْ كنتَ وسطَ الأحزان، ولو قلت: (أنا تعيس) فلن تفرحَ وتذوق طعم الراحة ولو كنت مُحاطًا بالأفراح! فابدأ بنفسك والأبناء، وبرمِجْ عقلَك، وازرعِ الوردَ والريحانَ؛ فعقولنا بأيدينا، وأفضل عقلٍ وأكرمه ولا يُقدّرُ بالأثمان ما عُبِدَ به الرحمن واكتُسِب به الجنان ... وازرعْ بعقلك هدفًا لا ترضى بغيره بديلًا وهو رضا الله (سبحانه)، والتمهيد للإمام (عجل الله فرجه الشريف)...

اخرى
منذ 4 سنوات
997

العيدُ في بيتِ الشهيد

بقلم: وفاء لدماء الشهداء صباحُ العيدِ صباحٌ بهيُّ الجمالِ، تتعالى فيه أصواتُ الدعاءِ، ونلمحُ فيه سعادةَ الأطفال، وأما في بيتِ الشهيدِ فتعصفُ الذكرياتُ بالأيتام، فيتذكرون ما مضى من الأيامِ، حين كانتْ رائحةُ الكعكِ الذي تُعدُّه الأمُّ تمتزجُ بأنفاسِ الأبِ الحنون، الذي رحلَ كحمامةِ سلامٍ، ولم يعُد بينهم في هذا العيد، ولكن يبقى هديلُها على شبابيك حياتهم، يُعيدُ شريطَ ذكرياتٍ جميلة، حيثُ الأثواب المُلوّنة والألعاب اللطيفة والبسمات البريئة والفرحة الغامرة بقدومِ العيد وارتداءِ الجديد. ولا ريبَ أنَّ هؤلاءِ الأطفالَ الذين فقدوا آباءهم في سني طفولتِهم هم بحاجةٍ إلى من يُبلسِمُ جراحهم، ويمدُّ يده ليمسحَ على رؤوسِهم، ويُخفف عنهم، ويسعى بكلِّ ما يستطيع ليرسمَ من جديدٍ البسمةَ على وجوههم، وهذا أقلُّ وفاءٍ منّا لدماءِ آبائهم؛ فهم بقيةُ الشهيدِ وكلُّ ما يُفعَلُ بحقِّهم سيبقى ضئيلًا قبال تضحياتهم. فهنيئًا لمن يُفكِّرُ في زيارةِ بيتِ الشهيد قبل زيارةِ الأصدقاء، ومباركٌ لمن يحملُ همَّ أبناءِ الشهداء، وطوبى لمن كان همُّه أنْ يُدخِلَ السعادةَ والهناءَ إلى بيوتِ هؤلاء، فقد وردَ عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنَّ اليتيمَ إذا بكى اهتزَّ لبكائه عرشُ الرحمن، فيقول اللهُ لملائكته: يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم؟ فتقولُ الملائكة: أنتَ أعلمُ، فيقول الله (تعالى): فإنّي أشهِدُكم أنَّ لمن أسكته وأرضاه أنْ أرضيَه يومَ القيامة". والمتأملُ في الآياتِ والرواياتِ يلحظُ مدى الاهتمام الذي كُرِّسَ لموضوعِ الإحسان إلى الأيتام، وكيفية إحاطتهم بسياجٍ من الحُبِّ والدفء والاحترام، فالقرآنُ الكريمُ يشدِّدُ على أنْ يحيا اليتيمُ وسَطَ المجتمعِ بشكلٍ سليم، ويحثُّ على عدمِ قهره ونهره فيقول: "وأما اليتيم فلا تقهرْ". كما ويُبيّنُ الإسلامُ أنَّ رعايةَ الأيتامِ لا تقتصرُ على إطعامِهم وإيوائهم، بل تتعدى إلى الاهتمامِ بهم بحيثُ يسعى المرءُ إلى تعويضِهم عن حنانِ وعطفِ والدِهم. وعليهِ لا بُدَّ من رعايتهم اجتماعيًا ونفسيًا، والسعي لإدراجِهم في المجتمع، وفسحِ المجال أمامَهم للتعبيرِ عن أنفسِهم ورسمِ المسار الصحيح لهم ليكونوا أعضاءً نافعين. ومن جهةٍ أخرى حثَّ الإسلامُ على رعايةِ الأيتامِ ماديًا بتوفيرِ احتياجاتِهم حتى يشتدّ عودُهم ويستطيعوا الاعتماد على أنفسِهم، فقد وردَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): "من عالَ يتيمًا حتى يستغني أوجبَ اللهُ (عزّ وجل) له بذلك الجنة". والأحاديثُ في هذا المجالِ كثيرةٌ، نلمسُ من خلالِها مبلغَ حرصِ الإسلام على رعاية الأيتام من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى الآثار العظيمة المترتبة على ذلك: كرفعِ الدرجاتِ وزيادةِ الحسنات، وبلوغ الجنان ورضوان الرحمن، فهذه كُلُّها محفزاتٌ للعنايةِ بهذهِ الشريحةِ المهمة التي كواها اليُتمُ وأضرَّ بها الألم. فتعالوا لنجعلَ هذا العيدَ مختلفًا في بيتِ الشهيد، هيّا لنمُدَّ اليد فنمسحَ على رؤوسِ أيتامه، لنأخذَهم في نزهةٍ مع أطفالِنا، لنُدخلَ الفرحَ والسرورَ إلى قلوبِهم الرقيقةِ بشراءِ الملابسِ الجديدة، كما نشتري لأعزِّ أولادِنا. هيّا لنمدَّهم بالأملِ والتفاؤلِ ونوحي إليهم أنّهم سيتمكنون من صنعِ حياتِهم وتحدّي ظروفهم، ونذكرُ لهم قصصَ الأنبياءِ والعُظماءِ الذين تحدّوا يُتمَهم وواجهوا كلَّ عسيرٍ اعترضَ طريقهم، حتى لمعَ نجمُهم، وسطعَ في الآفاقِ ذكرُهم. دعونا نشدُّ على أيديهم ونقول لهم: إنّنا سنبقى معكم، وإلى جنبِكم حتى تحقيق أهدافكم، والتمكن من حملِ لقبِ والدكم ووسام الشهادة الذي نالَه من أجلِ سعادتِكم وجمالِ مستقبلكم.

اخرى
منذ 4 سنوات
841

لماذا أكتُبُ في مدونةِ الكفيل (عليه السلام)؟

بقلم: أم محمد السوداني لماذا أكتُبُ؟ بينما تنتقل نظراتُ عيوني المترقبةُ بين صفحاتِ تدويناتي المُلتهبة شوقًا إلى من يقرأها ويتأثرُ بصورِها، وقفَ قلمي مُتسائلًا، لماذا أكتُبُ؟ قالتِ المُدونة: لأنّكِ خُلِقتِ للكتابة؛ (ن والقلمُ وما يسطرون)؛ كي تكوني قلمًا من النورِ المُبينِ ضدَّ أقلامِ الشياطين.. تنهّدَ القلمُ وقالَ مُتحسرًا: لماذا أقِفُ ضدَّ الأقلام؟! تبسّمَتِ المُدونةُ وقالت: لأنَّ الحقَّ والباطل منذُ الأزلِ يقتتلان، وقدِ اختاركَ اللهُ (تعالى) وزيرًا للحقِّ، وألبسَكَ ثوبَ العلمِ والمعرفةِ؛ لتنصرَ أنبياءه وأولياءه, فتَحَمّلْ مسؤوليتكَ وقِفْ لتقولَ كلمتَك.. صاحَ القلمُ مُضطربًا: ولكنّها مسؤوليةٌ عظيمةٌ، تنوءُ من حملها الجبالُ، وأشفقتْ منها السمواتُ والأرضون، وأخافُ أنْ أفشلَ فيها وانكسر ... إجابتْهُ بهدوء: حيثُ تقبعُ روحُك المُتهالكة هناك ... لا تيأسْ، وانهض؛ ففيكَ انطوى العالمُ الأكبر، فمنكَ وفيكَ معاني الخلود، تلكَ التي تبحثُ عن الذين لا يعرفونَ الانكسار .. تأوَّهَ القلمُ ونادى بصوتِ الجراح: ماذا أكتُبُ وقد لَبِسَ الباطلُ ثوبَ الحقِّ، وكُسِرَتْ أقلامُ الهُداة، ومُزِّقتْ قراطيسُ المعارفِ والدعاء، وقد خلطوا الأوراقَ، وزخرفوا الكذبَ، ونشروا الأباطيلَ، ونصروا أولياءَ الشياطين. احتضنتْه بقوّةٍ وقالتْ: هدِّأ من روعِك، واعلمْ أنّ اللهَ (تعالى) ناصرٌ من ينصرُه ولو بعد حين، والجهادُ بالكلمةِ أقوى من سيوفِ الأعداء، فأطِلقْ سهامَ كلماتِك، ومزِّقْ ثوبَ الباطلِ، وبدِّدْ ظُلُماتِ الفتنِ؛ لتُشرِقَ شمسُ الحقيقةِ بينَ الأنام. فللحقِّ كلمةٌ مُدويّةٌ تصلُ عِبرَ الأجيالِ إلى يومِ الدين، وتسلّحْ بالعلمِ والمعرفةِ، واقرأ قبلَ أنْ تكتبَ "اقرأ وربُّك الأكرم الذي علَّم بالقلم علَّم الإنسانَ ما لم يعلم" تحسَّر القلمُ وأجابَ متحيرًا: قرأتُ كثيرًا، وكتبتُ أكثر، ولكن لا أحدَ يقرأ؟! إجابته باطمئنانٍ: إليهِ يصعدُ الكَلِمُ الطيّبُ، والعملُ الصالحُ يرفعُه، ولأن يهدي بك الله (تعالى) رجلًا خيرٌ لك مما طلعتَ عليه الشمس. فثبِّتْ موقفَك، وقُلْ كلمتَك، وارفعْ صوتك فوق ضجيجِ الأقلام الصفراء التي تصرخُ بالسّمِ، وتبثُّ العداوةَ والبغضاء، عسى بكلمةٍ تهدي ضالًا، أو تنصر مظلومًا، أو تُطفئ نارًا أوقدها شياطينُ الفتن. اكتبْ كلماتِك على صفحاتِ التاريخ، وسيأتي يومٌ تُنشرُ فيه الصحائفُ، وتُرفعُ الأقلامُ، وهذا يومٌ ينفعُ الصادقين صدقهم. أخيرًا أسألُك وأرجو المعذرة: لماذا أكتُبُ على مدونةِ الكفيل (عليه السلام) بالذات؟ فهناكَ الكثيرُ من المواقعِ والمدونات والمجلات؟! إجابته مُدونةُ الكفيل (عليه السلام) والكلماتُ تميلُ وتميلُ، تُريدُ أنْ تصلَ لنهايةِ الكلام؛ لتهدأ نبضات قلبِ القلمِ الكسير، التفتت إلى صفحاتِها فإذا بها تنوحُ بدموعِ العين، وقد خُطّتْ كلماتُها الأخيرة بوجعِ المصاب: لأنّ صفحاتي نُسِجَتْ من نورِ قمرِ بني هاشم ذبيحِ شطِّ الفرات؛ لترتشفَ منه الصفحاتُ مدادَ الحياة الذي قدَّمَ دماءه مدادًا لنصرةِ من لم يجدْ له ناصرًا ولا كفيلًا، وبطلعته يُنيرُ ليالي مدونةِ الكفيل (عليه السلام)، ويطلعُ بدرًا على الأُفُقِ جلّلته الدماءُ .. تكتبُ كفّاهُ بسهمِ عينهِ المسمومِ على صفحاتِ الأجيالِ والعصورِ قصةَ الفداءِ والولاءِ الحسيني .. فهل تُريدُ أنْ تكونَ تحتَ كفالتِه ومن أنصاره؟ هل تريدُ؟

اخرى
منذ 4 سنوات
649

أفلا تكون عبدًا شكورًا؟!

بقلم: شمس الغدير الجبوري في بيتها الصغير المتواضع الذي لا يتجاوز الـ٦٠ م٢، تحاولُ أمُّ جعفر أنْ تجعله بيتًا ينبضُ بالحياة. فهي تنظرُ من منظورها أنَّ السعادة لا تكمن في القصور الفارهة، فكمْ من هذه القصور لا تدبُّ بها الحياة، خاوية على عروشها، قد تحولت جُدارنُها إلى سجنٍ كبير. هي تؤمن أنّ البيت الذي يملأُه الحُب والحنان والألفة حتمًا سيغدو قصرًا نيّرًا. كالمعتاد، وفي كُل يوم تقفُ في مطبخِها الصغير جدًا المطلي بطلاءٍ بنفسجي فاتح اللون، الباعث للطاقة الإيجابية، حامدةً الله (تعالى) وشاكرةً فضله وإحسانه. ذلك المطبخ الذي تفوحُ منه رائحةُ الأطعمة الشهيّة المُتبّلة، تلك الرائحة الطيبة التي تُداعبُ أنفَ كُلّ من يدخله. تعملُ وتستمعُ، وترددُ مع قارئ القرآن وهو يرتل سورة الواقعة في كلِّ ليلةٍ عند تحضيرها وجبة العشاء. تشعرُ أنَّ لذلك الاستماع أثرًا طيبًا على نفسها، فكانت تقول لصديقاتها وجاراتها كلّ يومٍ: أعطِّر وأطهِّر البيت بقراءة القرآن بدلًا من رشِّ الملح في زواياه.. وذاتّ يومٍ وأثناء انشغالها بتحضيرِ الطعام وإذا بولدها جعفر يدخل، رمقته بنظراتها متعجبة! وقد اغرورقت عيناه بالدموع، ووجهه مصفرٌ شاحبٌ تبدو عليه علامات الاكتئاب! وعلى ما يبدو أنّ ذلك من آثار الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا؛ وقد اعتاد جعفر على الركض ولديه شغف بلعبة كرة القدم. سألته قائلة: ما بك عزيزي جعفر لِمَ تبدو بهذا الشكل؟! جعفر : أمّي أشعر بالمللِ والضجر دعيني أخرج قليلًا إلى الشارع، عسى أنْ أجد أحدًا من أصحابي؟ أجابته وعلى ملامحها ابتسامةٌ لطيفة وهي تمسح بيدها على رأسه: لا يا حبيبي، فالوضع كما ترى وتسمع ليس على ما يرام، ولكن دعنا نتكلم قليلًا. على الرغمِ من كونك صغيرًا ولست مُكلفًا بعد ولكن أنت مؤمنٌ إن شاء الله (تعالى)، ولا ينبغي للمؤمن يا عيناي أنْ يُقابل نِعم الله (تعالى) بالمللِ والضجر والتأفف، بل لابدّ من عملٍ مفيدٍ يُنظِّم وقتك، ويكسر لديك هذا الحاجز المصطنع من التذّمر. ولكَ في أختك حوراء أسوة، شاهد كيف هي تُنظِّم وقتها بين الجدِّ واللعب ، فقد خصصت وقتًا ونظّمت جدولًا لتعلّم كتاب الله (تعالى) قراءةً وتدبرًا وحفظًا. وما دمت في بحبوحةٍ من العيش ولم تَذُقْ طعم الضنك فأحمد الله (تعالى) واشكره على نعمه المتتالية, وآلائه المتوالية, وعطاياه التي لا تُعد ولا تحصى .. وأذكر لك يا حبيبي، أنَّ إبليس اللعين عندما أمره الله (تعالى) بالسجود لآدم أبى واستكبر وكان من العاصين لله (تعالى) وأخذَ بالمعاندة والتّوعد بقوله: "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ". ولا تجد أكثرهم شاكرين لله (تعالى)؛ وذلك لابتعادهم عن التوحيد وإيقاعهم في دائرة سوء الظن بالله (تعالى). واعلم يا قرةَ العين أنَّ في هذه الدنيا لن يكون إنسانٌ بمنجى من مواجهةِ المُنغِّصات كالاحتياجات والأمراض والعداوات وأنواع الحسد وغيرها، وفي نهاية المطاف الموت الذي لابدّ منه. فلا يستطيع إنسانٌ أنْ يهربَ من هذه الحياة! وليس له إلا الصبر وانتظار الفرج وذكر الله (سبحانه) وشكره على أيّ حالٍ يمرُّ به، وأُذكِّرُك وأذكِّرُ نفسي أنَّ الانقطاع عن الله تعالى هلاك الدنيا والآخرة .. لقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته كثيري العبادة والخضوع والتهجد على الرغم من معرفة مكانهم في الجنّة، فقد ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام) قوله: "إنَّ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله و) قد غَفر الله (تعالى) له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فلم يدعِ الاجتهاد، وتعبّد ـ بأبي هو وأمّي ـ حتّى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبدًا شاكرًا؟ جعفر: فعلًا يا أمي، لقد بعث كلامكِ إليّ الراحة والسكينة، وأعدُكِ بعدم تكرار هاتين الكلمتين (الملل والضجر) الأم: أحسنت يا قرةَ عيني، يبدو أنَّ الطعام قد جهز، بعد قليل سأحضره لكم، ولكن ما رأيك أنْ تصعد إلى سطح المنزل تتوجه نحو القبلة تدعو الله (تعالى) بالفرج، وتُسلِّم على الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام)، وأنت تشاهدُ القبتينِ والمنائر، تأملْ في شموخها على مدى السنين وخلودها، وما السرُّ في ذلك الشموخ والخلود؟ جعفر : نعم يا أمّي سأصعد إن شاء الله.. وقد بدت على وجهه ملامح الرضى والابتهاج والانشراح ..

اخرى
منذ 4 سنوات
802

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80503

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59888

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
48932

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
45057

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
44194

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34292