أنا غبي! أنا فاشل! هكذا كان يردد حسن مع نفسه هذه الكلمات؟ كنت منتبها له لأنه كان أكثر التلاميذ حزناً، وكان شارد الذهن ، ولا يرغب بالدراسة، كنت مهتماً لأمره لعلني أقع على سبب حزنه وانكساره النفسي والدراسي؟ فعندما أطلب منه أن يشاركنا في الحل يبقى واقفاً وصامتاً لفترة ويقول: أنا غبي وفاشل يا أستاذ؟ -يقولها والدمع يترقرق في عينيه! والحسرة والألم ينبعثان من صدره!- فما تقوله ليّ أمي صحيح، فأنا لا استطيع النجاح لأنني غبي ولا أفهم شيئاً! قلت له: يا ولدي ويا عزيزي، لا يوجد شخص غبي وفاشل! فالله تعالى وهبنا العقل وباستطاعتنا استعماله بشكل صحيح، فالإنسان قادر على النجاح وفعل المستحيل، وأنت قادر على ذلك يا فتى! ابتسم الطفل ابتسامة الفرح والاستغراب، وكأنه وقع بين التصديق وعدمه! كررت العبارة مرة أخرى للتأكيد وقلت له: نعم، أنت تستطيع أن تنجح أنا متأكد من ذلك، بل وواثق منك وستفعلها! بكلمات بسيطة استطعت أن أُعيد له بصيصاً من الأمل والحياة! نعم، إنها الكلمة الإيجابية يا سادة؟ فكلمةٌ تبني... وكلمةٌ تهدم!! بعد أيام التقيت به مرة أخرى وسألته عن أحواله الدراسية فقال: استطعت النجاح بمعدل متوسط في مادتي العربي والرياضيات بعد أن كنت راسباً بهما. فقلت له: ألم أقل لك أنك تستطيع النجاح؟ إيمانك بنفسك وبقوتك الداخلية هي من أعادت لك الأمل؟ فقال الولد: إنها كلماتك يا أستاذي التي غيرت من نظرتي حول نفسي، فأنا كنت انظر لنفسي بأنني لا أستطيع أن أفعل أي شيء، بل كنت قد كونت تصوراً سلبياً عن ذاتي، فأنا طوال هذه الفترة انظر لنفسي على أنني إنسان غبي وفاشل، فكثرة ما ترد هذه الكلمات على ذهني جعلتني أصدق بأنني غبي وفاشل ولا أنفع لفعل شيء صائب! ولكن يا أستاذي عندما رجعت إلى البيت وأنا فرح ومسرور بنتيجتي التي حققتها في الامتحان، استقبلتني أمي وقالت لي : أكيد إنك راسب في الامتحان اليوم! فأصابني الحزن والإحباط وفقدت الأمل من جديد، فأمي دوماً تُكسر أحلامي وتبدد آمالي وتجعلني أشعر بالأسى على نفسي. قلت له: لا عليك، أمك لا تُحسن استخدام الكلمات، هذه قدرتها ومعرفتها، فهي تحاول مساعدتك ولكن بأسلوب خاطئ، فهي تظن أنها بكلماتها هذه تستطيع أن تحفزك نحو الدراسة، ولكنها تعمل العكس تماماً. ما عليك فعله هو أن تثق بنفسك وتؤمن بها وتتوكل على الله تعالى فهو حسبك يا فتى. ودعته هذا اليوم وأنا مبتسم، وقبل أن أخرج من الصف أهديت له كتاباً بعنوان ( تستطيع، إذا اعتقدت أنك تستطيع) ففرح به كثيراً وبادلني ابتسامة الواثق من نفسه. فإليكِ أيتها الأم، وأيها الأب العزيز، عليكما أن تُحسنا اختيار كلماتكم وعباراتكم مع أبنائكم، فللكلمة قوتها وتأثيرها، فبها نرفع أبناءنا وبها نحطمهم. فالمدح هو أسلوب الناجحين، فكن ناجحاً في أسلوبك وخطابك اتجاه أبنائك. وابتعد عن أسلوب العاجزين، فالنقد السلبي يسبب الألم ويدفع الأبناء إلى الفشل، فالطفل يُصدق ويعتقد ما يسمعه منا، فلا تجعله يسمع منك إلّا الجميل والحسن، فابتعد عن إطلاق الألقاب والعبارات التي تسبب لطفلك الانكسار والشعور بالفشل، وشجّعْه وأجعله موضع ثقتك، فالطفل يطمح أن يكون عند حسن ظن أهله به، فكن عند حسن ظن أولادك، فبهذا تستطيع أن توصلهم إلى القمة... فللكلمة تأثيرها... قاسم المشرفاوي
اخرى"أشدد حيــازيمك للموت فإن الموت لاقيكــا ولا تجــزع مـن المــوت إن حـلّ بــنــاديـكــا ولا تــغــتـــرَّ بالــدهــــر وإن كــان يـواتـيكـا كـمـا أضــحـكــك الدهــر كذاك الـدهر يبكيكا" ... وشدّ الإمام رداءه الذي تعلّق به باب الدار، ومضى بخطىً وئيدةٍ مستغفراً مسبّحاً مودّعاً تلك الأحجار. ولكن، ترى ... أنى لتلك الأحجار أن تودعَه، وهي تنظر إليه ولو نطقت لنادته مفجعَة، ولو تحركت لتشبّثت بردائه لترجعَه، عساها تثنيه عن الوصول إلى قدره المحتوم. إي والله، ... لا قدر أفجع وأوجع من ذلك القدر، وإني لأعجب كيف استطاعت ملائكة السماء أن تتحمل ما جرى، ولا أعجب للبشر، فالبشر ديدنهم نسيان الإحسان إلا فيما ندر. مولاي، يا قائد الغر المحجلين، كيف كان مسراك في تلك الليلة المظلمة المكفهر بدرها في السماء؟! ... كيف تحمّل الثرى المجبول بعرق جهادك وقع خطاك؟! ... بل هل تململت الحصباء تحت قدميك المطهّرتين كما يتململ تحت مركب العشاق الراحل الماء؟! أيها المركب المشرع قلوعَه في وجه الريح، ... أسمعت يوماً عن شراعٍ يملأ القلوع ويبث الريح في القلب المَنوع، فينتصب فوق الذرى الشامخات لواءً مرفرفاً في رحلة الذهاب بلا رجوع؟! أسمعت عن بحرٍ ينتظر ربّانه، وجزيرة غارقة بالوجد مزدانة، وعيون تبكي وتبكي وتذرف كل ذلك الزبد المالح بل الموج المقبل والرائح، عساها تستعيد لحظةً في ظل المركب السابح؟! ... مولاي، تنفس الفجر بآهات أذانك المتغلغل في أجواز الفضاء، يذكّر الغافلين بموعد التحاقك بركب السماء، ثم تهاوى منطرحاً عند محرابك لينزف من هامتك الشماء، ما يغذي وريده أبد الدهر، فإذا هو منك صادرٌ وإليك وارد، ودماء العشق تلوّن الشفق المتسلل من عِمّة الطهر، ويعمّ قدسك كل الوجود حالما ينطلق من شفتيك ذاك النداء: " فزتُ ورب الكعبة!" مولاي، وكيف لا تفوز والفوز موعدك والكعبة مولدك، والكوثر موردك، والجنة كل الجنة مرقدك؟! ولكن، واهاً للخسارة الكبرى، نحن الذين فقدناك وتيتّمنا برَداك، بعدما تعوّدنا أن يضمنا رِداك ويكرمنا نداك، نمشي على خطاك ونهتدي بِلِواك، فهل للحياة والهدى طعمٌ إلّاك؟! مولاي، لولا أننا علمنا أن كل شهيدٍ حيٌّ عند رب الأرباب، وأنك أنت أبو الشهداء، لا زلت فينا حيّاً رغم الغياب، لكان الموت لنا هو الأمنية الوحيدة التي تجمعنا بك، فطوبى لك حياتك وشهادتك، وطوبى لنا نحن كل ذاك!
اخرىلا تجد كتاباً في هذه الدنيا أكثر بركةً ونفعاً للإنسانية كلِّها من القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي شاء الله تبارك وتعالىٰ أن يجعله خالداً إلىٰ يوم القيامة من دون أن تمسَّه يد التحريف، وهذه من أهمّ الميزات التي تميَّز بها القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية المنزلة. إنَّ من يجالس هذا الكتاب العظيم، فإنَّه لن يُعدَم الفائدة أبداً، فمُجالِسه في زيادة مستمرَّة. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، وَالمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، زِيَادَةٍ فِي هُدىٰ أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمىٰ»(1). إنَّه يُمثِّل الغنىٰ المطلق، الذي غفل عن غناه الكثير من الناس، فإنَّ الروايات تؤكِّد أنَّ من كان عنده القرآن، فهو من أغنىٰ الناس، ومن ذلك ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «... ومن أُوتي القرآن فظنَّ أنَّ أحداً من الناس أُوتي أفضل ممَّا أُوتي فقد عظَّم ما حقَّر الله وحقَّر ما عظَّم الله»(2). إنَّ قلوبنا لتصدأ كما يصدأ الحديد، لسبب وآخر، فالهموم في الحياة، والذنوب التي نحتطبها بإرادتنا واختيارنا، والتصـرُّفات اللا مسؤولة التي تصدر منّا، والألفاظ التي نرمي بها من دون تروٍّ ولا حكمة، وغيرها كثير، أُمور تؤدّي إلىٰ أن يُصاب القلب بالصدأ، والرين، والغفلة، وقد ينتكس! لذلك، احتجنا أن نعمل علىٰ جلاء قلوبنا بمجلاة باستمرار، وليس هناك كمثل القرآن مجلياً لها. روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «إنَّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد»، قيل: فما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: «كثرة تلاوة كتاب لله تعالىٰ، وكثرة الذكر لله »(3). هناك أسباب كثيرة قد تعمل في قلوبنا أعمالاً تجعل منه كالحجارة، وربَّما أشدّ، وليس هناك ما يمكنه أن يُليِّنها كالقرآن الكريم، إذ هو جلاء الصدور وشفاء لها من كلِّ داء، ومن هنا، ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «الغناء واللهو ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب، والذي نفسـي بيده! إنَّ القرآن والذكر لينبتان الإيمان في القلب كما ينبت الماء العشب»(4). وإذا أردت أن تجعل النور في بيتك، فما عليك إلَّا أن تتلو القرآن فيه، ليُزهِر لأهل السماء كأحلىٰ وأجمل ما يكون النور. يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : «نوِّروا بيوتكم بتلاوة القرآن، ولا تتَّخذوها قبوراً كما فعلت اليهود والنصارىٰ، صلّوا في الكنائس والبيع وعطَّلوا بيوتهم، فإنَّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره، واتَّسع أهله، وأضاء لأهل السماء كما تضيئ نجوم السماء لأهل الدنيا»(5). ___________________ (1) نهج البلاغة: 252/ الخطبة: 176. (2) الكافي للكليني 2: 604/ باب فضل حامل القرآن/ ح 5. (3) كنز العمّال للمتَّقي الهندي 2: 241/ ح 3924. (4) كنز العمّال للمتَّقي الهندي 15: 221/ ح 40670. (5) الكافي للكليني 2: 610/ باب البيوت التي يُقرأ فيها القرآن/ ح 1. من كتاب قطاف شهر رمضان/ صفحة (٩٧-٩٩) الشيخ حسين عبدالرضا الاسدي
اخرىبسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. مما لاشك فيه أن للأسرة أهمية خاصة لدى الشريعة الاسلامية، ويتَضَح ذلك من خلال اهتمام الشَريعةِ بوضع الضمانات التي تُمكِّن الأسرة من أن تكون الأساس الصالح والتُّربة الطيبة التي تَمنح المجتمع الإسلامي كلَّ مقوماته. وحَثّت الشَريعَة الإسلامية على الحِفاظ على العائلة في إطارٍ اجتِماعيٍ شرعيٍ يكفل الرعاية والأمن والتكامل لها. واعتبرتها خطّ الدّفاع الأول في المُجتَمعِ، كما أنّها اللّبنة الأساسيّة في بنائه. فالعائلة إذا ما صلح أفرادها هذا يعني صَلاح المُجتَمع، وصلاحُ المُجتُمعِ يَعني نهُوضَهُ للقيامِ بواجِباتِه ومَسؤولياتِه الدّينيّة والإنسانيّة. وأهم أفراد الأسرة والمسؤول الاول عن تربيتهِ وأخلاقه وسلوكياته هي "الأم" فكيف يكون حال الأسرة إذا لم تكن "الأم" على قدر المسؤولية العظيمة المناطة إليها؟! كيف يكون وضع وحال الجيل الجديد إذا لم تعرف الأم أحكام دينها التي يجب عليها الالتزام بها؟! علينا أولاً أن نعي بأن من المفترض أن نتحمل مسؤولية غرس القيم والمبادئ في نفوسهم، فلننتبه لما سنغرس فيهم من أخلاق وقيم، وماذا أعددنا لهم وما الذي سيواجهون به الحياة. فها نحن نرى بعض "امهات الجيل القادم" لا تعي شيئاً مما تُلزمها به الشريعة الاسلامية، بعض النساء في المجتمع، تراعي ما يلزمها به زوجها ويطلبه منها وتعمل جاهدة على تحقيقه وإن كان لا يرضي ربها، ومن أقرب الأمثلة هو: (وضع مساحيق التجميل عند الخروج للتنزه، ولبس الملابس الضيقة، ذات الألوان الزاهية والبراقة، ولفها للحجاب بشكل ملفت وجذاب)! وإن سُئلت: لماذا تفعلين ذلك؟ أجابت بكل صراحة ورضاً عن نفسها: لا يريد أن يراني بمنظر العجائز! وهي غير ملتفتة إلى حجم المعصية التي ارتكبتها بحق نفسها أولاً، لأنها ظهرت متبرجة أمام الأجانب، وبحق بناتها، لأنها قدوتهن ومثالهن الأعلى. ومتناسيةً قول الإمام الصادق (عليه السلام) «مِنْ صِحَّةِ يَقِينِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ الله»(١) لاشك أنّ الشريعة الإسلامية حثت على حسن التبعُل، وإطاعة الزوج، وأفضل النساء هي المطيعة زوجها والتي لا تغضبه، ولكن لا تكون هذه الطاعة (طاعة عمياء) ولا مطلق الطاعة، لأن هناك حدوداً وقيوداً لهذه الطاعة... فلا يجوز للمرأة مخالفة الشرع لطاعة الزوج. ___________________________ 1_أصول الكافي ج3 ص95. ولاية علي حصني
اخرىفي ظل الظروف الصعبة التي تعيشها أغلب العوائل والبيوت بسبب ضغط المعيشة وصعوبتها، تتراكم في عقل الإنسان ضغوطات نفسية عديدة تؤدي إلى فقدان الصبر والاتزان في طريقة تعامله مع أحداث الحياة المختلفة. ولكن يجب أن تبقى الآية الكريمة نصب أعيننا (فإن مع العسر يُسراً) لتعطينا الأمل وتجدد لنا الأيمان بأن الأحوال والظروف لا تبقى ثابتة، وإنما تتغير وفقاً لإيمان العبد بربه وسعيه نحو تحقيق الهدف. ولكن البعض من الناس لا يستطيع الثبات أمام مشاكل الحياة وتحدياتها مما يؤدي إلى ظهور مشاكل عديدة تظهر علاماتها في الأسرة، فالتعب والضغط الذي يشعر به الأب بسبب العمل المستمر والذي يكون غير مريح أو ليس راضياً وقانعاً به، يؤدي بالأب إلى تفريغ كل طاقته السلبية بزوجته فتكون الزوجة كسلة المهملات والقمامة، باتخاذها مكان لتفريغ الكبت النفسي والضغط الذي يشعر به الزوج. يجب أن يتحلى الزوج بالصبر والتحمل مهما كانت ظروف الحياة، وهذا الضغط الذي يُمارَس ضد الزوجة يدفع بها إلى ممارسة وإسقاط هذا الأسلوب المكتسب على الأبناء لا إرادياً، فعملية تفريغ المشاعر السلبية تحدث بشكل دائري ومتسلسل، والأبناء أيضاً تظهر على سلوكياتهم بوادر العدوانية والاعتداء على الآخرين من الأطفال. إذن هي سلسلة أخطاء تحدث وتستمر بالانتشار بسرعة، مُحدثة عمليات عكسية على المجتمع ككُل، وتستمر معاناة الأبناء في ظل وجود آباء وأمهات غير منضبطين سلوكياً وفاقدين للسيطرة على النفس. والحل الذي يجب على الأبوين اتخاذه هو: أن يقوما بتقييم الحالة السلوكية والنفسية لهما من أجل العمل على إعادة البرمجة الذاتية لهما للوصول إلى الضبط الذاتي الذي يكون سبباً في إدارة الذات بشكل صحيح، وبالتالي الوصول إلى إسعاد الأسرة والعمل على بث روح التفاؤل فيها. وهنا توجّب على الأبوين أن يعقدا النية الصادقة في محاولة تغيير نفسيهما والسيطرة على المشاعر والانفعالات غير المدروسة والمستعجلة، وهذا يتم عن طريق التحكم بالأفكار الواردة إلى العقل اللاواعي بواسطة العقل الواعي، فكل ما يسمح به العقل الواعي من أفكار، فإن العقل اللاواعي يقوم بتصديق تلك الأفكار والتعامل معها على أنها صحيحة باعتبار أن بوابة العقل الواعي سمحت بدخول تلك الأفكار. فإذا كانت تلك البوابة بدون حارس واعي، فإن جميع الأفكار السلبية تدخل بسهولة إلى العقل الباطن وتستقر فيه، وبالتالي يتم تعامل الشخص مع تلك الأفكار دون التميّز بين ما هو إيجابي وما هو سلبي. فعلى سبيل المثال: إذا تأخر الزوج في العمل أو في السفر فأن ما يخطر في عقل الزوجة من أفكار سلبية يمكن أن تكون قاتلة ومدمرة للعش الزوجي، فممكن أن تتخيل الزوجة بأن زوجها متزوج عليها أو لديه علاقات غير شرعية.. أو.. أو.. أو... ومثل هذا التفكير والتخيلات تسبب أمراضاً بدنية كارتفاع ضغط الدم أو زيادة سرعة ضربات القلب أو مرض الوسواس المستمر، وأمراض نفسية عديدة، لذلك أوصانا النبي الكريم محمد (صلى الله عليه واله وآله) بالتفاؤل، فهو أحد العناصر التي تبعث في النفس الارتياح والسعادة. وقد أثبت العلم الحديث أن التفكير الإيجابي يدفع الجسم إلى إفراز هرمون السيروتونين، وهو هرمون السعادة، والذي يجعل الإنسان يشعر بمشاعر الفرح والرضا عن الذات. إذن، لنعمل سوية على طرد كل الأفكار والتصورات السلبية التي تهدم الأسرة والمجتمع، فالسماح لهذه الأفكار بالولوج إلى عقولنا تسبّب لنا فقدان الصبر والكآبة ويصبح الإنسان عصبي المزاج سريع التأثر والانفعال، وبعدها يكون ذا طبع حاد مع زوجته وأطفاله. وكذلك الزوجة يجب عليها العمل على اكتساب صفة الصبر والعمل على التخلص من تلك الأفكار والتصورات الذهنية السلبية، فالمطلوب إذاً من الزوجين العمل الجاد على السيطرة على الأفكار الواردة إلى العقل الباطن والتحكم بها من أجل تنقية الأفكار وصقلها وتبني ما هو مفيد وهادف وناضج ، يدخل في إدارة الأسرة بشكل فعّال. إن الأطفال الذين يعيشون في بيئة مشحونة بالتوتر والصياح والعصبية، يُصابون بأمراض نفسية عديدة إضافة إلى الأمراض البدنية والجسدية التي تكون نتيجة طبيعية لما يشهده هذا البيت من توترات وانعكاسات خطيرة. إن عدم امتلاك بعض الآباء والأمهات لصفة الصبر والتحمل يجعلهم يُثارون لأتفه الأشياء التي تصدر من أطفالهم، والتي تكون في غالب الأحيان تصرفات طفولية تدخل في خانة اللعب والحركة والاكتشاف، فالطفل في عمر السنتين والثلاث يكون كثير الحركة واللعب محاولة منه للتعرف على الأشياء واكتشافها، وهذه التصرفات والسلوكيات تُثير حفيظة البعض من الأهل، الذين لا يمتلكون خبرة تربوية وفهم عالي للمراحل العمرية التي يمر بها الأطفال من أجل النمو. فيجب على الأهل زيادة وعيهم المعرفي والتربوي بمتطلبات المراحل العمرية التي يمر بها أبناؤهم، فهذا يُجنبهم الخطأ في التعامل مع الأبناء، ويكسبهم خبرة في كيفية فهم تصرفات أبنائهم، والتمييز بين السلوك الطبيعي والشاذ، فوقوع الأطفال في بعض الأخطاء من الأمور الطبيعية التي يجب أن يتعامل معها الأهل بشكل طبيعي، لأن الأطفال يتعلمون من أخطائهم ويتطورون بمرور الوقت. ونشاهد أن البعض من الأهل يطالب الأطفال بأشياء تفوق قدراتهم وطاقاتهم ويحاسبهم على عدم فعلها، وهنا يجب أن يلتفت الآباء والأمهات إلى أن ممارسة الضغط وفق هذا الأسلوب يسبب للأطفال فقدان الثقة بالنفس وانخفاض في تقدير الذات، وهذا يصيب للأطفال بمشاعر الخيبة والفشل وعدم القدرة على فعل الأشياء. هي دعوة من أعماق القلب الى كل الآباء والأمهات من أجل العمل على اكتساب الصفات الحميدة، كالصبر والتحمل وفق المنهج الذي ذكرناه، للوصول إلى الاستقرار الأسري من خلال بناء جيل واعي مؤمن بالقيم والأخلاق وقادر على مواجهة كافة التحديات التي تعصف بالمجتمع والحياة. والله ولي التوفيق قاسم المشرفاوي
اخرىلا تستغربوا.. واستمعوا قليلاً.. وستجدون أنَّ لهذا السؤال واقعاً.. لكن علينا أن نلتفت أوّلاً إلىٰ أنَّه ليس المقصود من الموت هي مفارقة روح الإمام لجسده وخروجه من الدنيا، كلَّا. فإنَّ من يقول بهذا الأمر الآن يُعتَبر كافراً بما ثبت عن رسول الله من أنَّه لا بدَّ من قيامه. فقد ورد عن رسول الله الأعظم أنَّه قال: «... المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً، لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتَّىٰ يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسىٰ بن مريم فيُصلّي خلفه، وتشـرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(1). بل لو مات الإمام، فهذا معناه أنَّ الأرض ستبقىٰ بلا إمام، وعندئذٍ لا يمكن أن تستمرَّ الحياة، فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لو أنَّ الإمام رُفِعَ من الأرض ساعة لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(2). إذن، نقصد من الموت هنا معنىٰ آخر. فكيف مات الإمام المهدي؟ لقد مات الإمام في قلب من لا يذكره. لقد مات الإمام في قلب من لا يعرفه. لقد مات الإمام في قلب من يتذكَّره عند المعصية فيتناساه. لقد مات الإمام في قلب من لا يقف حبُّه حائلاً دون المعصية. لقد مات الإمام في قلب من لم يُعرِّف أولاده بإمامهم. لقد مات الإمام في قلب من لم يجعل وقتاً خاصّاً لزيادة معرفته به. لقد مات الإمام في قلب من أنكره. لقد مات الإمام في قلب من يئس منه ومن ظهوره. لقد مات الإمام في قلب انشغل بحبِّ شهوي دنيوي وتناسىٰ آخرته. وهناك ألف قلب وقلب مات الإمام فيه! في رواية أبي سعيد الخراساني، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... وسُمّي القائم لأنَّه يقوم بعدما يموت، إنَّه يقوم بأمر عظيم»(3). وفي رواية الصقر بن دلف، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، ولِـمَ سُمّي القائم؟ قال: «لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته»(4). هذه الرواية وأمثالها تدعونا إلىٰ أن نراجع أنفسنا، وأنَّه هل نحن فعلاً من الذاكرين للإمام القائم (عليه السلام) أم من الناسين له؟! وفي نفس الوقت تدعونا إلىٰ العمل علىٰ أن نكون من الذاكرين له في صلواتنا ودعائنا وصدقاتنا وجميع أحوالنا حتَّىٰ لا نكون ممَّن مات ذكر القائم في قلوبهم. فهل مات الإمام في قلوبنا؟! _________________ (1) كمال الدين للصدوق: 279 و280/ باب 24/ ح 27. (2) بصائر الدرجات للصفّار: 508/ ج 10/ باب 12/ ح 3. (3) بحار الأنوار للمجلسي 51: 30/ ح 6. (4) بحار الأنوار للمجلسي 51: 30/ ح 4. من كتاب على ضفاف الانتظار/ صفحة (24-27) الشيخ حسين عبدالرضا الأسدي
اخرىبقلم: علوية الحسيني مَن هوَ الدَجال ؟ مَعنى دَّجَّال: كَذَّابٌ، خَدَّاعٌ، مُدَّعٍ مُضلِّلٌ، يُمَوِّه الحَقَّ بالبَاطِلِ. و قِيل: يَدّعِي أنه اللهُ الخَالِقُ, "والدَّجَّال هو المَسيحُ الكَذّابُ، وإِنّمَا دَجلُه سِحرُه وكَذبُه. ابن سيده: المَسيحُ الدَّجَّالُ رجلٌ مِن يَهُود يَخرجُ في آخِرِ هَذه الأُمةِ، سُمِيَّ بذلك؛ لأَنّه يَدْجُل الحَقَّ بالبَاطِلِ، وقِيل: بل لأَنّه يُغطّي الأَرضَ بكثرَةِ جُموعِه، وقِيل: لأَنّه يُغَطّي على النّاسِ بكُفرِه، وقِيل: لأَنّه يدَّعي الربوبية، سُمِي بذلك لِكِذبِه، وكُلُّ هذه المَعاني مُتقَارِبة. وقَد تَكَرّرَ ذِكرُ الدّجّالِ فِي الحديثِ، وهو الذي يَظهرُ في آخرِ الزَمان يَدَّعي الإِلهيَّةَ, وفَعَّالٌ مِن أَبنيةِ المُبَالَغَةِ, أَي يَكثرُ مِنه الكِذْبُ والتَلبيسُ"(1). وهو مِن علاماتِ آخرِ الزمانِ, "عن أميرِ المُؤمنين (عَليه السلامُ) قال: قالَ رَسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) عَشرٌ قَبلَ الساعةِ لابُدّ مِنها: السفياني، والدّجالُ، والدخانُ، والدابةُ, وخروجُ القائم، وطلوعُ الشمس مِن مَغرِبها، ونزولُ عيسى (عليه السلامُ)، وخسفٌ بالمَشرق وخسفٌ بجزيرة العرب، ونَارٌ تَخرجُ مِن قَعرِ عَدن تسوقُ الناسَ إلى المَحشَرِ"(2). وبِحَسَبِ ظاهرِ بعضِ الرواياتِ أنَّ ظهورَه يَتزامنُ مع نِزولِ عيسى ابن مَريم (عليه السلام), أو قُبَيلَهُ بقليلٍ، "في روايةِ أبي الجَارودِ، عن أبي جَعفرٍ الإمامِ الباقرِ (عليه السلامُ) في قولِه (تعالى): إنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلى أنْ يُنَزّلَ آيةً, وسَيُريَكَ في آخرِ الزمانِ آياتٍ, مِنها دابةُ الأرضِ والدّجَالُ، ونُزولُ عيسى بن مَريم، وطُلوعُ الشَمسِ مِن مَغربِهَا"(3) . وقد عَبّر بَعضُ العَاّمةِ عنه في رواياتِهم بالمسيحِ الدّجالِ لكَونِه ضالًا ومُضِّلًا, و يُقَابِلُ المَسيحَ – عيسى بن مَريم- مَسيحُ هُدَىٍ- فِي دَعوتِه, وذكرَ النووِي ذلِكَ فِي شَرحِه لصَحيحِ مُسلِم: "وأمّا الدّجَالُ فقيلَ سُمِيَ بذلك؛ لأنّه مَمسوحُ العَين, وقيل لأنّه أعورٌ والأعورُ يُسمى مَسيحًا, وقيل لِمَسحه الأرضَ حين خُروجِه, وقيل غير ذلك, قال القاضي: ولا خِلاف عند أحَدٍ مِن الرواةِ في اسمِ عيسى أنّه بفتحِ المِيم وكَسرِ السِين مُخففةً, واختُلِفُ في الدّجَالِ, فأكثرهم يقوله مِثله, ولا فرق بينهما في اللفظِ, ولكن عيسى (صَلى اللهُ عليه وسَلّم) مَسيحُ هُدى, والدّجالُ مَسيحُ ضَلالةٍ "(4). وذكرتْ بعضُ الرواياتِ أنّ عينَه مَمسوحَةٌ فسُمِيَ بالمَسيحِ أعوَرِ الدَجّالِ, حيثُ روي عَن النَبيِّ (صلى اللهُ عليه وآله) أنّه قال: "وإنّه واللهِ لا تَقومُ الساعةُ حَتّى يخرِجَ ثلاثون كَذّاباً, آخرهم الأعورُ الدَجّالُ, مَمسوحُ العَينِ اليُسرَى"(5) . ورويَ فِي عِدّةِ رواياتٍ أنَّ ظهورَ الدَجّالِ يَقترنُ بظُهورِ الفَسَادِ والمُنكَرَاتِ فِي الأرضِ, وقد حَدّدَتْ ظُهورَه بِعلامَاتٍ مُعيّنَةٍ فإذا ما تَحقّقتْ فذلك يَعني قُرب خُروجِ الدَجّالِ, فمنها ما رُويَ عَن أميرِ المُؤمنين (عليه السلام) أنّهُ قال: "إنَّ عَلامةَ خُروجِ الدَجّالِ إذا أماتَ الناسُ الصلاةَ, وأضاعوا الأمانةَ, واستحلوا الكَذِبَ, وأكلوا الربا, وأخذوا الرِشا, وشيّدوا البنيانَ, وباعوا الدّينَ بالدنيا, واستعملوا السُفهاءَ, وشاوروا النِساءَ, وقطعوا الأرحامَ, واتبعوا الأهواءَ, واستخفوا بالدّمَاءِ, وكان الحِلْمُ ضَعفًا, والظُلمُ فَخرًا, وكان الأمراءُ فَجَرَةً, والوزراءُ ظَلَمَةً, والعُرفَاءُ خونةً, والقُرّاءُ فَسَقَةً, وظَهرَتْ شَهاداتُ الزّورِ, واستُعْلِنَ الفِجُورُ وقَولَ البُهتانِ, والإثم والطغيان, وحُلّيَتْ المَصاحِفُ وزُخرِفَتْ المَسَاجِدُ, وطُوّلَتْ المَنائرُ, وأكرِمَ الأشرَارُ, وازدحَمَتْ الصفوفُ, واختَلَفَتْ الأهواءُ, ونُقِضَتْ العقودُ, واقتربَ المَوعودُ, وشَارَكَ النِسَاءُ أزواجَهُن في التجارةِ حُرصًا على الدنيا, وعَلَتْ أصواتُ الفُسّاقِ, واستُمِعَ منهم, وكان زَعيمُ القَومِ أرذَلَهُم, واتَقِيَ الفَاجِرُ مَخَافَةَ شَرَّه وصُدِّقَ الكَاذِبُ, واؤتِمَن الخَائِنُ, واتُخِذَتْ القِيانُ والمَعازفُ, ولَعَنَ آخرُ هَذه الأمةِ أوّلَها, ورَكِبَ ذَواتِ الفِروجِ السِروجَ, وتَشَبّه النِساءُ بِالرِجَالِ, والرجالُ بالنسَاءِ, وشَهدَ الشَاهِدُ مِن غيرِ أنْ يَستشهدَ, وشَهدَ الآخرُ قَضَاءَ الذِمَامِ بغير حَقٍّ, وتُفِقّه لغيرِ الدِّينِ, وآثروا عَمَلَ الدنيا على الآخرةِ, ولبسوا جلودَ الضّأنِ على قُلوبِ الذئابِ, وقلوبهم أنتنُ مِن الجيفِ وأمرُّ مِن الصِبّرِ, فعند ذلك الوَحَا الوَحَا, العَجَل العَجَل"(6). وفي مُقابلِ ظُهورِ هذه العلامَاتِ التي تُنذِرُ بقربِ خُروجِ الدَجّالِ قد حثَّ الإمامُ جَعفرُ الصادقُ (عليه السلامُ) على ضرورةِ الانتِظارِ, والصَبرِ والثَبَاتِ إزاءَ ذلك, والحَذرِ, وطَلَبِ النَجَاةِ مِن اللهِ, رَوى الشَيخُ الكُليني بسنَدِه عنِ الإمامِ الصادِقِ (عليه السَلام) في حَديثٍ قالَ: "ألا تَعلَمُ أنَّ مَن انتّظَرَ أمرَنا وَصبَرَ على مَا يَرى مِن الأذَى والخَوفِ هو غَدَاً في زمرتِنَا, فإذا رأيتَ الحَقَّ قد مَاتَ وذَهَبَ أهلُه, والجَورَ قد شَمَلَ البِلادَ, والقُرآنَ قد خُلِقِ وأُحْدِثَ فيه مَا ليس فيه, ووِجّه عَلى الأهوَاءِ, والدِّينَ قد انَكَفَا كَمَا ينكفئ الإناءُ, وأهلَ الباطِلَ قد استعلَوا على أهلِ الحَقِّ, والشَرّ ظَاهِرًا لا يُنْهَى عنه, ويُعْذَرُ أصحَابُه والفِسقَ قَد ظَهَرَ, والنَاسَ هُمُّهم بطونُهم وفروجُهم, لا يُبالون بِمَا أكلوا, وبِمَا نَكَحوا, والدنيا مُقبلَةٌ عليهم, وأعلامُ الحَقِّ قد دُرِسَتْ, فَكُنْ على حَذّرٍ, واطلبْ من اللهِ النجاةَ"(7). وعلى أساسِ ما تَقدّمَ يُفهَمُ أنَّ الدَجّالَ هو ظُهورٌ – غَلبَةٌ وتَمَكُّنٌ - للفسادِ في البّرِّ والبَحرِ, وبِمَا كَسَبَتْ أيدي النّاسِ, كما قالَ اللهُ (تعالى): (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )(8). وقد أشَارَتْ بَعضُ الرواياتِ إلى هَذا المعنى في ظُهورِ الفسادِ فِي البَرِّ وَالبَحرِ على يَدِ الدّجّالِ والتي عَبّرتْ عَنه بِأنَّه (يَخوضُ البحار), وسَنَذْكِرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعدُ . وأيضًا قد بَيّنَتْ بعضُ الرواياتِ أنَّ للدَجّالِ أتباعًا لهم أوصافٌ معيّنَةٌ, وهم أولادُ الزنا, وأصحابُ الطيالسةِ الخضر. والطيلسانُ هو مَا يُوضَعُ على الرأسِ, وصِفَةُ الخُضرَةِ إشارةٌ إلى إظهَارِ الخَيرِ والأمرِ الحَسِنِ، وأصحابُ الطيالسةِ الخُضرِ هم مُجموعةٌ مِن المُنافقين, الذين يُظهرونَ الخَيرَ ويُضمِرونَ الشَرّ والعِدَاءَ للمُؤمنين ولأهلِ البيتِ (عَليهم السَلامُ), وستَظهرُ نواياهم عندَ لِحُوقهم بالدَجّالِ أثناء خُروجه, ففي الخبرِ عَن أميرِ المُؤمنين الإمام علي (عَليه السَلامُ) في خطبتِه عن الدَجّالِ: "ألا وإنَّ أكثرَ أتبَاعِه يَومئذٍ أولادُ الزِنَا، وأصحَابُ الطيالسةِ الخُضرِ, يقتله اللهُ (عَزَّ وجَلَّ) بالشَامِ عَلى عقبَةٍ تُعْرَفُ بِعَقَبَةِ أفيق لثلاثِ ساعاتِ مَضتْ مِن يَومِ الجُمعةِ عَلى يَدِ مَن يُصَلّي عيسَى بن مَريم (عَليه السَلامُ) خَلْفَه"(9). وهُناكَ رواياتٌ عَرَضَتْ إلى أنَّ الدّجّالَ يَخُوضُ البحارَ ويَدّعي الربوبيّةَ, ويَصَنعُ الخوارِقَ, وكُلّها مَحَلُ تَأمُّلٍ وتَحتَاجُ إلى تَحقيقٍ وتدقيقِ, وإنّما نَذكُرُهَا مِن بابِ التَعريفِ بالمَأثور, حيثُ رويَ عَن الامامِ أميرِ المُؤمنين (عليه السلام) في حديثه عَن الدَجّالِ وِصفاتِه: "يَخُوضُ البِحَارَ, وتَسيرُ معه الشَمسُ، بين يديه جَبلٌ مِن دخَانٍ وخَلفه جَبلٌ أبيضٌ, يَرى الناسَ أنّه طعامٌ، يَخرجُ حين يُخرجُ في قَحطٍ شديدٍ, تحته حِمارٌ أقمرٌ، خِطوةُ حِمَارِهِ مِيلٌ, تُطوى له الأرضُ, مَنهلًا مَنهلًا, لا يَمرُّ بمَاءٍ إلاّ غَارَ إلى يَومِ القيامَةِ, يُنادي بأعلى صوتِه يَسمِعُ مَا بين الخافقين مِن الجّنِ والإنسِ والشياطينِ يَقولُ: إلى أوليائي أنا الذي خَلقَ فَسوّى وقَدّرَ فَهدَى, أنا ربكم الأعلى, وكذِبَ عدو اللهِ, إنَّه أعورٌ يطعُمُ الطَعَامُ, ويَمشِي فِي الأسوَاقِ"(10). _______________ (1) لسانُ العَرب: ابن مَنظور الأفريقي, مَادَةُ دَجَل. (2) الغَيبَة: الشيخ الطوسي, ص436, مؤسسة المعارف الاسلامية,1411ه. (3) بحارُ الأنوار: العلاّمة المجلسي, ج52, ص181, ط بيروت,1403ه. (4) شرحُ صحيح مُسلمِ: النووي, ج2, ص234, دار الكتاب العربي بيروت – لبنان 1407 ه . (5) المُستَدرَك: الحَاكمُ النيسابوري, ج1, ص330, ط دار المعرفة, بيروت, لبنان. (6) كمالُ الدّينِ وتمامُ النعمَة: الشيخُ الصدوقُ, ص525, باب47, ح1, نشر مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة. (7) الكافي: الشيخُ الكليني, ج8, ص37, ح7. (8) الروم: 41. (9) مُختصرُ بَصائر الدرجات: الشيخ حَسن بن سليمان الحلي, ص32, وهو تلميذُ الشهيد الأول مِن علماءِ أوائل القرن التاسع, ط1, منشوراتُ المطبعة الحيدرية في النجف 1370 ه - 1950 م. (10) الخرائجُ والجرَائحُ: قطبُ الدينِ الراوندي, ج3, ص1136, تحقيقُ ونشر مُؤسسة الإمامِ المَهدي عليه السلامُ ,قُم المُقدّسة. اللّهمّ قِنا شرَّ الفِتَن, ما ظهرَ منها وَما بَطَن, والحمدُ للهِّ ربِّ العالمين, وصلّى اللهُ على محمدٍ وآلهِ الطيبين الطاهرين.
اخرىمنذُ تلك اللحظةِ التي تعالَت فيها صَيحاتُك الأولى، أوَّلُ ما أنصتتْ له أُذُناك الصّغيرتان "أشهَدُ أنَّ عليًّا وليُّ الله" فَـ هل ما زلتَ شاهدًا إلى اليوم؟ هل مازال عليٌّ ولياً لأفعالك وتصرّفاتك وحتى أفكارك؟ أم استحوَذَت عليك شِباك العناكبِ المُتناثرة؟ أن تكون مواليًا لعليٍّ فهذا يعني أن تتحلّى بصفاته وتنتهج نهجه، أن تمضي على طريقِ الحقِّ وعلى بصيرةٍ من أمرك. لا تغريك شوائب الدُّنيا وملذّاتها. أن تكون مواليًا يعني أن تعِي أفعالك جيّدًا، وتُثمِّن كلّ كلمة تخرج من فيكَ ولا تسمح لأبغض الأفكار أن تجد طريقها إلى عقلك. أن تكون مواليًا يعني أن تقف في وجهِ الظلم وتنصر كلّ مظلوم، أن لا ترتضي رؤية الفقر وتحارب من أجل الصّلاح. أن تكون مواليًا يعني أن تجرَّ رِجلَيكَ على صراط الحكمة، أن ترفض العيش في ظلام الجَهل، أن تطرق باب العلم بعليٍّ كي تعلو. ولاية عليٍّ ليست مجرّد قول تردّده في كلّ صلاة، بل هي بَيعة وعهد تقطعه على روحك خمس مرّاتٍ يوميًّا.. فكيف لك أن تنساه؟ قال (عليهِ السّلام): "أفضلُ الأمانةِ الوفاءُ بالعهدِ".. فمتى ستقفُ لتشهدَ حقًّا بـ أنَّ عليًّا وليُّك! هدى الحسيني
اخرىيتباين الناس فيما بينهم في شخصياتهم وفي مواقفهم ، فبينما تجد تلميذاً ينكبّ على كتابه يلتهم معلوماته التهاماً متعطشاً الى العلم والمعرفة، يجد لذته في زيادة علمه، تجد تلميذاً آخر لا يحتمل القراءة ولو لمدة وجيزة. وبينما تجد شخصاً يواجه مصاعب الحياة ويتغلب على مشاكلها مهما بدت عسيرة، تجد شخصاً آخر ينكسر عند أدنى المواقف صعوبة . وبينما تجد شخصاً لا يكلّ ولا يملّ من المحاولة لبلوغ هدفه مهما فشل، تجد آخر يستسلم عند أول فشل . ومما لا شك فيه أن هذا التباين بين الشخصيات هو الذي يفصل ويميز الشخصيات الناجحة عن سواها. ولكن ترى ما سبب هذا التباين أساساً؟ وما الذي تسبب في هذا الاختلاف؟ أ هو التباين الفسيولوجي؟ قطعاً لا، فإن جسم العالم لا يختلف عن جسم الجاهل ، كما إن أعضاء الناجح بشكل عام لا تزيد قوةً على أعضاء الفاشل، وهكذا ... إذن ما السبب؟! أ هو الظروف الخارجية كما يحلو للبعض أن يودعها قفص الاتهام عند كل كبوة وتعثر؟ قطعاً لا، فهناك الكثير من القصص التي تؤكد نجاح البعض رغم صعوبة الظروف وفشل آخرين رغم توفر كل ظروف التفوق وأسباب النجاح... إذن ما السبب؟ السبب يكمن في داخل الانسان، إنه شيء ينبع من باطنه ويدفعه الى تحقيق النجاح ويشده الى تحويل الأحلام الى واقع، وبلوغ الطموحات رغم كل المصاعب والمتاعب والتحديات .. إنها الإرادة القوية والعزيمة الأكيدة .. والإرادة هي القدرة على التصميم لبلوغ الهدف، والإصرار على تحقيق النجاح، والصمود في وجه الصعوبات من أجل ذلك.. ويتميز ذو الإرادة القوية بأنه لا يستسلم أبداً للفشل ولا يُقلع عن حلمه ولا ييأس من تحقيقه، فهو إما أن يحقق هدفه أو يغادر الحياة وهو يحاول ذلك.. والإرادة أمر فطري مغروس في نفس الانسان، فترى الطفل منذ ساعاته الأولى عندما يفتح فمه باحثاً عن الغذاء، فإنه لا ييأس أو يتوقف عن المحاولة إن لم يحصل عليه بل يحاول ويحاول. وما إن يقطع أشهراً معدودة حتى يبدأ بمحاولة الوقوف على قدميه، وعلى الرغم من كثرة سقوطه وما يتكبده من آلام وصعوبات، إلا أنه يبقى يحاول ويحاول حتى ينجح في ذلك... ولأن التكامل مطلب فطري، فإنه لا يتوقف عند إنجازه الوقوفَ على قدميه بل يبقى محاولاً الى أن يتمكن من المشي ومن ثم الركض وهكذا.. ومن الملاحظ أن الناس سواسية تقريباً في تحقيقهم لهذه النجاحات، مما يدل على أن مستوى الإرادة واحد عند جميعهم... إلا أن مستوى هذه الارادة قد يرتفع أو ينخفض تبعاً لتفكير كل إنسان وتجاربه، وبما لُقِن عليه منذ نعومة أظفاره، وما غُرس في صفحة نفسه وما طُبع في عقله الباطن... وعليه فإن قوة الإرادة أو ضعفها ليست صفة تكوينية أصيلة، وإنما هي صفة كسبية ثانوية... بل يمكن القول: إن الارادة كالعضلات تماماً، الجميع يمتلكها، لكنها تختلف قوة وضعفا تبعاً لاهتمام الانسان بتدريبها وتقويتها أو عدمه .. ومن هنا كان للمواقف التي يمر بها الانسان والظروف التي يعيشها دور كبير في صقلها وتقويتها أو العكس. ومن نعم الله (تعالى) علينا أنْ منّ علينا بدورة تدريبية عامة لجميع المسلمين -إلا من خرج بدليل خاص من المعذورين- وشاملة لمختلف التدريبات التي تعمل على تقوية الارادة وتنمية العزم والتصميم ، وتوطين النفس على الصبر وعلى قساوة الظروف والثبات عند المصاعب، وتبعث فيها الارادة القوية على مواجهة الإغراءات .. وقد اكتشف بعض علماء النفس أن تغيير العادات السيئة وغرس العادات الحسنة في النفس تتطلب مدة واحد وعشرين يوماً بشكل عام، ولكن قد يتطلب بعض الناس أكثر من ذلك بأيام، ومن رحمة الله (تعالى) بعباده أنْ جعل هذه الدورة التدريبية تمتد لشهر وهي المدة التي يتمكن فيها جميع الناس من ذلك شريطة أن يلتزموا بشروط الدورة. وما تلك الدورة إلا وجوب أداء الصوم في شهر رمضان المبارك، فالصوم خير عبادة تلزمنا بالامتناع عما اعتادت عليه أنفسنا من عادات يومية مباحة كالأكل والشرب مثلاً، ليكون علينا رفض العادات المحرمة أسهل، فما أن يمر وقت ما على تناول الطعام حتى تخلو المعدة منه، ويبدأ الجسم بإرسال إشعارات الى العقل بأني أطلب الطعام، متوقعاً منه أن يرسل إيعازاته الى الجوارح بالتحرك لتحقيق ذلك كما هي عادته. إلا أنه يُفاجأ بإيعاز الإرادة: أن لا طعام! ولا يمضي الكثير من الوقت حتى يشعر الجسم هذه المرة بالعطش الشديد... هذه المرة يبدأ برفع طلب الإسعاف الفوري لرفعه... ويأتيه جواب الإرادة مرة أخرى وبصورة قاطعة: أيضاً لا! إن الصوم يدرب أنفسنا على التعالي عن الشهوات، بالرغم من حليتها، ليسهل عليها فيما بعد التعالي عن المحرمات منها.. ومن مميزات هذه الدورة التدريبية (صوم شهر رمضان): تحديدها بزمن معين لا يقبل التأخير ولا التقديم ولا الزيادة فضلاً عن النقيصة ، الأمر الذي يغرس في النفس القدرة على التكيّف مع ما تكره، والتخلي عما تحب وترغب، والقوة على مواجهة الظروف القاسية والصبر على المصاعب. ومن مميزاتها أيضاً: أنها تدعو الى نبذ الخمول والكسل، وضرورة الاتسام بالحركة والنشاط والعمل، لما تتضمنه من أحكام، كالحكم ببطلان الصوم في حال تعمد البقاء على الجنابة ــ على تفصيل يذكر في الكتب الفقهية ــ. فمهما كان المؤمن مرهقاً أو متكاسلاً أو راغباً في الخلود الى النوم، فإن صوت إرادته القوية لابد أن يدوّي في باطنه ويقضّ مضجعه، رافضاً كل الأعذار، متجاوزاً كل تلك العراقيل، متغلباً على كل الصعوبات، امتثالاً لحكم رب السموات. ومما تتفرد به هذه الدورة التدريبية: أنها تصقل إرادة الانسان صقلاً لتمنح قوتها صلابة وقوة، فتحكم على الإنسان بوجوب مواصلة نية الصوم منذ الفجر وحتى الغروب، دونما أي تردد يساوره، أو تراجع يراوده أو فقدان للتصميم على الصوم يعتريه ولو للحظة من لحظات النهار، وإلا فإن صومه يُحكم عليه بالبطلان وإن لم يأتِ بأي أمر من المفطرات. إذن، أهم ثمرة يمكن للإنسان أن يقطفها من عبادة الصوم هي تقوية الإرادة، وتنمية صمود النفس، وتوطينها على الثبات، وتعويدها على الحيوية والحركة والنشاط.
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى