آهات المتزوجين

بقلم: قاسم المشرفاوي في يومٍ شديد البرودة، كنت جالسًا في البيت أمام المدفئة الكهربائية، وإذا بالباب تُطرق، وكالعادة ذهبت لأفتح الباب وإذا بصديقي أرآه أمامي، بادرني بالسلام بلهفة منكسرة لم اعتدها سابقًا منه، أدخلته إلى غرفة الاستقبال، فبادرته بالحديث: مالي أراك كئيبًا ومنكسرًا؟ لم أعهدك هكذا من قبل، فأنت صاحب الابتسامة الدائمة! فقال لي: أريد أن أُطلق زوجتي! قلت له: ماذا تقول، كررها على مسامعي مرة ثانية، أُريد أن أُطلق زوجتي. قلت له: ما الذي حصل، ألم تحدثني دائمًا عن أخلاقها وطيبة قلبها؟ قال: نعم، هي كذلك، وهذا ما عهدتها عليه منذ أن تزوجتها. ولكن ماذا؟ ولكن لم أعهد معها تلك الأيام الجميلة، فشعلة الحب قد انطفأت وخمدت نارها، فنحن نعيش في روتين قاتل، لم يعد لحياتنا قيمة عاطفية يدفع بعجلتها إلى الأمام، لذلك أريد أن انفصل عنها، ليأخذ كل واحد منا طريقه.... هكذا هي الحياة الزوجية عند أغلب المتزوجين، برود وروتين وجفاف عاطفي يتبعه ابتعاد جسدي ومن ثم طلاق نفسي، يدفع بأحد الطرفين أو كليهما إلى طلب الانفصال الفعلي، لعلهما يحظيان بحياة جديدة ممكن أن يشعرا من خلالها بشعور السعادة والراحة والاطمئنان. لو سألنا الوسائد لقالت عما يؤرق الأزواج! فالزوجة قد تركت زينتها وتخلت عن أنوثتها، فلا تبالي بما يجذب زوجها ويثيرها نحوه، فجُلُّ وقتها تقضية في المطبخ وفي العناية بالأطفال، ولم تنظم حياتها الخاصة بشكل يزيد من ترابطها الروحي والنفسي مع زوجها. وأنت أيها الزوج لو سألنا الوسائد عنك لقالت: إنك تأتي من العمل متعبًا، تتناول طعامك وتجلس مع العائلة قليلًا، وسرعان ما تذهب للفراش لتنهض باكرًا للعمل، فلا تبالي بالفستان الذي تلبسه زوجتك أمامك، ولا بالتسريحة الجميلة التي ظهرت بها لتجذب انتباهك. وتمر الأيام هكذا إلى أن تنتهي بالطلاق النفسي، وتصبح الحياة مجردة من العاطفة وتلبية الاحتياجات العاطفية التي هي المرتكز في تأصيل روابط الأسرة بشكل متزن. الآن هل أصبح بإمكانكم أن تعرفوا ما يؤرق الوسائد؟

اخرى
منذ 6 سنوات
1623

تنزيه والدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من الشرك

بقلم: رضا الله غايتي اختلف علماء المسلمين في والدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هل كانا على عقيدة التوحيد أو لا؟ تعتقد الإمامية بأنهما كانا موحدين، يوافقها في ذلك بعض المخالفين، مستدلين بالكتاب والسنة، منهم السيوطي، إذ قال في كتاب مسالك الحنفاء: "المسلك الثاني: أنهما أي (عبد الله وآمنة) لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام). ولكن ذهب أكثر المخالفين إلى كفرهما مستندين إلى ما روي عن أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال (صلى الله عليه وآله): في النار، فلما قفى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار (1)! وما روي عن أبي هريرة قال: زار النبي (صلى الله عليه وآله) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" (2). وبالرجوع إلى كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن هاتين الروايتين لا يصح الاحتجاج بهما؛ لمعارضتهما الصريحة لقوله (جل شأنه): "وتقلبك في الساجدين" الشعراء (آية 219) أي إنّك يا رسول الله كنت تحت نظر الله (تعالى)طيلة مدة انتقال نطفتك المباركة من نبيّ موحد ساجد إلى ساجد آخر (3) كما إنهما تعارضان صريح السنة المطهرة أيضاً، فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إِلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية» (4) ولا شك أن أقبح أدناس الجاهلية هو الشرك وعبادة الأوثان؛ لقوله تعالى: "إِنّما المشركون نَجس" (التوبة 28) كما روي عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أنا دعوة أبي إبراهيم. فقلنا يا رسول الله، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟....حتى قال: "قال إبراهيم واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس، قال النبي (صلى الله عليه وآله): "فانتهت الدعوة إلي وإلى أخي علي لم يسجد أحد منا لصنم قط، فاتخذني الله نبياً، وعلياً وصياً" (5). كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: "يا محمد إن ربك يُقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبدالله بن عبدالمطلب والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب" (6). وبالإضافة إلى ذلك، فإن المصادر التاريخية الصحيحة هي الأخرى تؤكد إيمانهما، حيث تبين أن الكثير من العرب في الجاهلية كانوا موحدين ومؤمنين بالله الواحد، وأشهرهم في هذا الإيمان بنو هاشم -عبد المطلب وأبو طالب وعبد الله والد النبي-، حيث كانوا يعبدون الله عز وجل، ويجتنبون عبادة الأصنام، وينكرون ما كان أكثر العرب يعتقدون به (7)، وقد كان هؤلاء الموحدون يعبدون الله تعالى تارةً على مرأى من كفار قريش، وأخرى في مغارات الجبال. مما تقدم يتضح جليًا، أن والدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كانا موحدين، وأما الروايات التي نسبت إليهما الشرك كذبًا وزورًا فهي كأخواتها من الروايات التي وضعها بعض الحاقدين لتضميد عقدة حقارتهم، وتشبيه والديه الطاهرين (عليه السلام) بآبائهم المشركين، ومحاولةً منهم لإزالة العار المطبق على أجدادهم الكافرين. ولكن ما يؤسف له أن الكثير من المسلمين يعدّون هذه الروايات الموضوعة صحيحةً، وعليها بنوا أسس عقائدهم ونظرتهم لوالدي أشرف الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح مسلم ج1 ص191 (2) سنن ابن ماجةج1 ص501 (3) أنظر الأمثل ج11 ص478 (4) مرآة العقول ج5 ص233 (5) الأمالي للطوسي ج1 ص430 )6) الكافي ج1 ص656 (7) انظر سيرة ابن هشام ج1 ص252،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدج1 ص120.

اخرى
منذ 6 سنوات
6096

يقينٌ لا يُجدي..

بقلم: رضا الله غايتي رأيته مغبر المظهر رثَّ اللباس أشعث الشعر، قد طمس الحزن ملامحه، وغيّم الأسى على هيأته، حاملاً فأسه يضرب به على جدران ذلك القصر الجميل بكل قوته، وكأنه يريد أن ينتقم منه! شككت في كونه الشخص الذي أعرفه، أمعنت النظر وإذا به هو.. رباه ماذا يفعل؟ وما الذي حمله على ذلك؟ أوليسَ هو الذي خلّفتُهُ بالأمس القريب وهو أحرص الناس على أن يملك أفخم قصرٍ وفي أروع منظرٍ وأرقى مظهرٍ؟! عجباً ها قد تحقق ما كان يتمنى، فما باله اليوم يروم هدمه؟! رفعت صوتي لأُسمِعه؛ لأنه على ما يبدو مشغولاً بهمٍّ قد أصمَّ أذنيه وشلَّ ذهنه، وكأن كل ما يشغله هو التفاني لنوال شيء، لكنه يعجز عنه. ناديته: أن يا فلان ما الذي تصنع؟ أتهدم ما كنتَ بالأمس تتمنى؟ وتحطم بيديك ما كنت تبني؟ فأجابني بكلمات تصطبغ بالندم وبنبرات صوت قد مزّقتها حسرات الألم: نعم.. سألته بتعجب: ولماذا؟! أجاب: قد كنت أرى هذا القصر كما تراه أنت الآن. وأما بعد إن أرقدني المرض في السرير، ورأيت بأمِّ عيني كم أصبحتُ ثقيلاً على أولادي الذين لم أُشعرهم يوماً بحرمان أو تقصير، وغدا كلٌّ منهم يرمي بي على الآخر ضَجراً من سماع آهاتي، متثاقلاً من قضاء حاجاتي، هارباً من تلبية طلباتي.. حينها أدركتُ مدى قبح ذلك القصرِ الذي من أجله أهلكت عمري، ومدى تفاهة أمنياتي التي في سبيل تحقيقها أفنيت حياتي.. أتعلم، بالرغم من سعة هذا القصر وجماله كان يضيق عليّ حد الاختناق، فكان يبخل عليّ بهوائه إلا النزر اليسير.. ولم يمضِ على مرضي إلا أيام حتى حُرِمت منه حيث نقلني أولادي إلى دار المسنين.. أثار كلامه عجبي وألمي معاً: أ فهل ضاق عليك هذا القصر المترامي الأطراف لتنقل إلى دار المسنين؟! أجاب بحسرة بالغةٍ: بل ضاقت صدورهم التي حشوتُها بالمال الحرام.. آهٍ.. آه.. لكم قرأت وسمعت وقيل لي: إن إطعام الأولاد المال الحرام من الرشوة والغش والمعاملات الربوية له الكثير من الآثار الوخيمة والنتائج السقيمة. لكني لم أكن آبه لكل ذلك حتى تذوقت مرارة ما كنت أطهوه بكلتا يديّ على نار جشعي وطمعي. سألته: ولكن يا صاح، إن لم يضِق عليك هذا القصر فما ذنبه لتهدمه؟! أجاب: لا يغرنّك ظاهره الجميل يا صاح، فقد تحوّلت أسسه وجدرانه إلى حطب نار عظيمة تحرقني ليل نهار.. آهٍ.. آهٍ.. لغفلتي واغتراري ببهارج الدنيا الخدّاعة.. فكم ضيّعتُ من فروض صلوات وخمس وصدقات لأتمَّ بنائي وأنعم فيه مرتاح البال، وإذا بأركانه الشاهقة وزخارفه البرّاقة تزيدني الآن اشتعالاً فوق اشتعال.. وكم سمعت أن الحقوق والأموال المغصوبة تفعل ذلك، ولكن لم أكن أصدق حتى أيقنت الآن بكل ذلك حق اليقين.. ذُهِلتُ من الصور التي رسمها بكلماته فلم أنطق ببنت شفة. وأما هو فيبدو عليه أنه قد استسلم للطريق الذي مَهدَتْه عقيدته وأفعاله، بعد أن يئس من إمكانية التخلص من أليم تبعاته، رمى بفأسه على الأرض وهمَّ بالابتعاد.. مشى خطوتين ثم التفت قائلاً بنبرة يأس: أبلغ أولادي عني السلام وارجُهم ليخففوا عني ما أنا فيه من حريق، فوالله لم أعد أحتمله الآن وأنا في أول الطريق، فكيف بي لو خُلِّدتُ فيه يا صديق؟ ارجُهم .. فلعلهم.. مع إني أعلم بأنْ قد أثملتهم ملذات الدنيا كما أثملتني من قبلُ ومن يثمل بحبها فمن الصعب أن يُفيق.. استيقظت من النوم فزعاً وصورته لا تفارق مخيلتي، وما أن أرسلت الشمس أولى أشعتها معلنةً بدء النهار لتلملم شيئاً فشيئاً بقايا الظلام، حتى أسرعت إلى قصره لأخبره بما رأيت لعله يتوب، ويمحو قبل حلول أجله ما عليه من ذنوب.. ولكن قيل لي: إنه في دار المسنين. رُحماك يا رب.. ازداد قلقي فقد أصاب جزءٌ من الرؤيا.. اتجهت صوب الدار مسرعاً خائفاً من فوات الأوان، راجياً أن يتمكن من محو تبعات العصيان، وبينما أنا أتّجه إلى سريره الذي قيل لي إنه مازال فيه نائماً حتى الآن، وإذا بي أجده جثة هامدةً، فلقد مات وحيداً فريداً في عتمة الليل وظلمة الذنوب، لم يحظَ ولو بشخصٍ واحدٍ لتوديعه من بين كل من يعرفهم من الأهل والأصحاب والجيران! فكم هو مؤلمٌ أن يعيشَ المرءُ في الحياة الدنيا مكذباً ما يسمع من أحكام شرعية من دون دليل أو بحث أو تقصي.. مشتغلاً بتلبية ما تهواه نفسه من ملذات وظلم وطغيان وتعدي، فإذا مات أيقن صدقها، ولكن يقينه حينئذٍ لا ينفع ولا يُجدي.. إذ لا مجال للعودة إلى الوراء لتصحيح ما فات، وليس أمامه سوى الهلاك والعذاب الأبدي.. إلا ما رحم ربي.

اخرى
منذ 6 سنوات
2911

قبس من عبق الزهراء (عليها السلام)

بقلم: حوراء مالك تعالوا نقتبس من عَبق الزهراء (سلامُ الله عليها) فنغدوا ذوي خطوات سليمة ومضمونة قال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً). (1) إن الإنسان في حركاته وسكناته وتفكيره لا بد أن تكون له غاية أو غايات متعددة في وقت واحد وقد تكون سلبية أو إيجابية. والمتوقع من الإنسان الحصيف أن تكون غايته الكمالاتِ والرقي في كافة نواحي أموره، فكيف بِغايات الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين (سلام الله عليهم) التي منبعها الأصيل وهدفها هو الله سبحانه وتعالى. والغرض من هذه الغاية لا تعود إلى الله (عز وجل) لأنه منزه من الاحتياج بل هي لأجل الارتقاء بعباده، بأن يُزال عنهم حجب الوصول، فيَصلوا إلى مستوى من الكمال ويدركوا حقيقة العبودية وإلى أن يقتبسوا من نوره الأتم فيكونوا من مَحال معرفة الله الذين يَغترفُ منهم الظمآن فيرتوي. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنه قد وَرد في الحديث الشريف أنهُ [من ماتَ ولمْ يَعرف إِمامُ زَمانهِ ماتَ ميتةً جاهلية]. إذن لابد من (حُجة) في كل زمان ليأخذ بيد النّاس إلى سبيل الرشاد. ولأجل تحقيق هذه الغاية تطلّب الكثير من الجهد ليدرك الناس ما يريده الله منهم فنجد أن التَدرج في الأحكام قد فُعّلَ من قبل الله (سبحانه وتعالى) إلى أن يصل بالإنسان إلى الالتزام بحكم معين وبحسب مستوى وقابليات البشر وبتلاؤم الظروف منذُ خلق نبي الله آدم (عليه السلام) وإلى قيام مولانا الحجة (عجل الله فرجه). إذن لتحقيق هذا الغرض السامي لابُدَ أنْ يَمر بمراحل إلى أن يَصل بِأتم وأَبهج صورة، والأنبياء والأوصياء ومن سار على نهجهم عليهم أن يحققوا غايتين: خطة قصير الأمد، وتشمل هداية الناس وتكميل مستوى عقولهم بالتدريج ويبشرون بالأنبياء والأوصياء من بعدهم. وخطة طويلة الأمد وهو التمهيد لدولة العدل الإلهي حين قيام القائم (اروحنا فداه) وهذا واضح وصريح في الآية القرآنية: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (2). وعلى الرغم من الجهد العظيم والجَبار الذي قدمهُ النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) لإخراج الناس من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام إلا أن الإسلام لم يصل إلى جميع البشر، وكان الخلل بالقابل الذي هو الإنسان الذي لم يصل بمستوى من الإِدراك الحقيقي، وعند ظهور الأمام الحجة (عجل الله فرجه) تكتمل مستوى القابليات لإدراك الأحكام والمعارف الإلهية فيتحقق الوعد الإلهي (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وبه سَيملئُ قسطاً وعدلاً كما مًلئت ظُلماً وجوراً . إذا تبين هذا يمكن القول: كان لدى الزهراء عليها السلام غايات عدة تصب في تينك الغايتين السابقتين، وسنقتصر على جانبين منها هما: الجانب الأول: الجانب العقائدي: للأسف يعتقد البعض أن النصرة التي قدمتها مولاتنا فاطمة لأمير المؤمنين (سلام الله عليهما) نابعة من كونه زوجًا لها، والحال أن هناك مفهومًا أرقى وأسمى من ذلك، وهو كونه إمام زمانها، فكانت (سلام الله عليها) أول المدافعين عن ولاية أمير المؤمنين، ولقد قَدمت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن إمام زمانها (سلام الله عليه) وتحقق أيضا جانب من صور التمهيد لدولة مولانا الحجة (أرواحنا فداه). الجانب الثاني: الجانب الأخلاقي: رُوي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام)، قال: رأيتُ أمّي فاطمة (عليها السّلام) قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تَزَل راكعةً ساجدة حتّى اتّضح عمودُ الصُّبح، وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أُمّاه، لا تَدعين لنفسك كما تَدعين لغيرك؟ فقالت: يا بُنيّ، الجار.. ثمّ الدار (3). تُعلِّمنا (عليها السلام) في الجانب الأخلاقي العطاء والحب والدعاء للآخرين في كل من أحوالنا وقد اتخذت من وقت السحر وقتًا لتحقيق هذا المبدأ الراقي الذي يعكس الكثير من جوانب شخصية السيدة الزهراء كأنّها تريد أن تقول: (أحب لأخيك أكثر مما تحب لنفسك). أيُّ مدرسةً أنتِ سيدتي، يا بضعة من نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه و آله). بالحب والعطاء الإلهي تسمو الروح وتزداد عطاءاً وتكون أكثر قدرة على نصرة لإمام الزمان. لو تخلقنا بهذا الخُلق العظيم وتغاضينا عن أخطاء الآخرين وهفواتهم لغدا هذا القلب متطهراً من الحقد والأدران وسوء الظن والتماس العذر للآخرين. فقد روي عن إمامنا الصادق (عليه السلام) أنه قال: [إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه] وسنصل إلى الفلاح وسيطهر القلب فيَصبح المَسُ المعنوي الوارد في القرآن الكريم ممكناً ومتحققاً: ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (4). إن ذلك كله يستوجب أن تكون مع الإمام (عجل الله فرجه) حين ظهوره إن كُنت حياً، وتَشملك الرجعة وتلتحق بركبهِ إن كنتَ ميتاً كما وردَ في الروايات الشريفة عن آل بيت المصطفى الأطهار (سلام الله عليهم). وكما نرى أن إخلاص أصحاب الكهف في عصرهم استوجب أن تشملهم الرجعة وأن يقوموا مع قائمنا المنتظر (سهل الله مخرجه)، وكذلك الناصر لإمام زمانه سلمان المحمدي (سلام الله عليه) وأمثالهم. فقد ورد ان الرسول (صلى الله عليه وآله) يقول لسلمان المحمّدي في حقِّ القائم عليه السلام: «يا سلمان، إنَّك مدرِكه ومن كان مثلك ومن تولّاه بحقيقة الإيمان» . (5) _________________________________ (1) سورة البقرة ، أيه 30 (2) سورة التوبة ، أيه 33 (3) وسائل الشيعة ، ج4 ، ص 1150 (4) سورة الواقعة ، ص 79 (5) دلائل الإمامة ، ص 447

اخرى
منذ 6 سنوات
2352

استعباد المرأة بدعوى تحريرها

بقلم: رضا الله غايتي تعد وسائل الإعلام من أهم الروافد الرئيسية المغذية لرؤى الجماهير وأفكارها، والعامل المؤثر في تحديد أولوياتها وأهدافها، والموجّه في غرس عاداتها بل والمساهم في رسم نمط حياتها. فهي تقوم باجتثاث أصول معرفية قائمة واستبدالها بأخرى، وهدم قيمٍ معتدٍ بها وبناء قيمٍ أخرى. من خلال ما تعرضه من الأخبار أو البرامج أو الدراما والمسلسلات والأفلام، بل حتى البرامج الفكاهية؛ وذلك لأن محتوى كل ذلك لا يخلو من رسالةٍ يستهدف القائمون على تلك الوسائل إيصالها إلى المتلقّي. وبما أن المرأة أكثر من الرجل متابعةً لوسائل الإعلام عادةً؛ فهي الأكثر عرضةً للتأثر بما تبثه تلك الوسائل من رسائل، سلبيةً كانت أو إيجابية. ولعل من أخطر الرسائل التي أثرت على المرأة بشكلٍ خاص والمجتمع بشكلٍ عام والتي كثيراً ما تؤكد عليها أغلب وسائل الإعلام إلا ما ندر هي: الدعوة إلى التفلُّت من الدين والأخلاق النبيلة والاستخفاف بالعفاف والقيم الجليلة بدعوى التحرر من القيود! فأُتخِمت البرامج بمفاهيم وأحكام خاطئة عن الحريات، وسُوِّقت في الأفلام والمسلسلات عبر مشاهد فاضحة وصور وإيحاءات تشير إلى ذلك بصورة واضحة. وفي الوقت الذي يدعو فيه القائمون على وسائل الإعلام تلك إلى تحرير المرأة، فإنهم يستعبدونها بشكلٍ صريح وفي وضح النهار! فهم يستعبدونها تحقيقاً لشهواتهم عندما يحثونها على التبرج للجميع ــ وكأنها مملوكة لهم ــ والتخلي عن حيائها الفطري. هم استعبدوها عندما يُشبعون ميولهم وميول الرجال في التمتع بالنظر إلى مفاتنها دونما أيِّ مسوِّغ شرعي، ويستعبدونها تحقيقاً لأرباحهم عندما يسوّقون بضائعهم في الإعلانات مستخدمين جسدها المُغري، ويستعبدونها حفاظاً على تقدمهم الفكري عندما يصورونها بصورة المرأة العاشقة التي لا هدف لها في الحياة سوى الفوز بقلب رجلٍ ما والتفاني من أجله، وعندما يغرسون فيها أن كل قيمتها تكمن في جاذبية جسدها المثير، فإن تحقق فلا أهمية بعدئذٍ للسعي والاجتهاد وصولاً إلى عقل منير. ولا ندّعي تأثير الإعلام برسائله المفسدة هذه على جميع النساء؛ وذلك لأن التأثر بالإعلام يختلف في مداه بين الأفراد بحسب الظروف الخارجية التي يخضعون لها والظروف النفسية التي يمرون بها والأهم من هذا وذاك مدى قابليتهم للانفعال والتأثر به. فضلاً عن طبيعة المحتوى المقدم ومدى إقناعه وجاذبيته والوسيلة التي يتم إيصاله عبرها. وهو أمرٌ مطمئنٌ لو تميّزت الجماهير بالوعي اللازم. إلا أن ما يقلق حقاً هو أن أغلب شعوبنا العربية قد أثبتت وبشكل عام أنها شعوب استهلاكية بامتياز، لا للبضائع المادية فحسب، بل و حتى للأفكار المعلبة والثقافات المستوردة. و أدل دليل على ذلك الحال الذي أصبح عليه أغلب المسلمين اليوم. لذا نجد الكثير من النساء قد تأثرن بتلك الرسائل سلباً، فخالف بعضهن الأحكام الشرعية أو تمردن على التقاليد الصحيحة. واقتصرت أهداف بعضهن على الفوز بقلب رجلٍ يملأ حياتها سعادة فارتكبت ما قد تشربت به من أدوار ومشاهد، فخانت صديقتها وكذبت على أهلها والتقته سراً، لتنتهي قصة البعض منهن بفاجعة مريعة.. وخلت محفظات نقود بعضهن نتيجة توجه بوصلة أهدافهن نحو الجسم المنحوت والشفاه الممتلئة ووو. فيما تراجعت الثقة بالنفس لدى أخريات لعدم استطاعتهن الحصول على خدود منتفخة أو بطون خاوية.. فإن كانت الحال على هذه الدرجة من الخطورة في الوقت الحاضر، فكيف يا ترى يكون المستقبل؟ لاسيما أن أغلب وسائل الإعلام متوجهة نحو تغريب المجتمعات وتذويب الهويات وأمركة الثقافات. من هنا، لا بد أن يدق رجال الدين والمثقفين عموماً -لا سيما النساء الواعيات المؤمنات خصوصاً- أجراس الخطر للفت الأنظار إلى هذه الرسائل السقيمة، وتوضيح آثارها الوخيمة، وتنبيه المربين إليها وتوعية النساء إلى سوء عواقبها وتحذير المراهقات من الوقوع في شراكها. بالإضافة إلى ضرورة تسليط الأضواء على القدوات من النساء من سيدتهن الزهراء (سلام الله عليها) إلى من هن على خطها المبارك من النساء المعاصرات. وتقديم سيرهن بقراءات حديثة تلبي طموح النساء وتلامس مشاعر الفتيات وتستنهض فيهن الغيرة على الدين والعفة والحرص على كسب العلم والتحلي بالفضائل وبكل همة. فضلاً عن ضرورة تكاتف وسائل الإعلام الدينية لتقديم البدائل عن المحظورات من أفلام وبرامج ومسلسلات، وهو ما قدمته وتسعى إليه ــ أيدها الله ــ بعض القنوات. ولكن نأمل المزيد منها كماً ونوعاً لتستغني به شرائح المجتمع عن مواد الإعلام الفاسد..

اخرى
منذ 6 سنوات
1099

عصبية الأمهات وآثارها السلبية

بقلم: قاسم المشرفاوي هل تبحث عن حلول سحرية؟ أو وصفة طبية يمكن أن تتناولها وينتهي كل شيء وتصبح هادئاً؟ هل تفكر هكذا الآن وتنتظر منا أن نعطيك حلولًا أسرع من البرق؟ أو أننا نمتلك عصا موسى ونغير من طبيعتك وسلوكك؟ أنا أقول لكما أختي وأخي الكريم، لا توجد حلول سريعة ولا وصفة طبية يمكن أن تجعلنا هادئين، لأن الموضوع متشعب وفيه تفاصيل كثيرة. إذن ما الحل يا ترى؟ الكل يبحث عن حلول، ولكن البعض يريدها سريعة وفورية، ولا توجد هكذا حلول على أرض الواقع، وما نكتبه يمكن أن يفيد بعضكم ولا يفيد الآخر! لماذا ؟ لأن موضوع التغيير يعتمد أولًا وبالذات على قدرتك واستعدادك الداخلي للتغيير، فالله تعالى يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد ١١] أنا أستطيع أن أتحكم بأفكارك أو أن أُغير من طبيعة حياتك، فهذه الأشياء تخصك أنت. إنما الحل يكمن بداخلك. نعم بداخلك. وأكررها وأُعيدها وأتمنى أن تفهمها وتستوعبها وتهضمها جيدًا: بداخلك أنت. كل شخص لديه ظروف مختلفة عن الآخر، فمن الممكن أن يكون هناك سبب يجعلني أن أتعصب وأصبح عصبيًا ولا يدفعك أنت للعصبية؟ إن التأثيرات مختلفة، وهي تختلف وفقًا لفكرك ومنهجك في الحياة. إذن أسلوب العصبية وإن كانت نتيجته واحدة -وهي كونك عصبي المزاج- ولكن أسبابه متعددة وكثيرة، وعلينا أن نفهمها ونعرفها لكي نتجنبها ونعمل على تركها. فهذا هو الحل يا إخوتي الكرام. لو سألت نفسك، ما هو الشيء الذي يثيرني ويستفزني ويجعلني عصبيًا ومتوترًا؟ طفلي عنيد، لا يسمع الكلام، لا يقرأ، غير منظم، يتحرك كثيرًا، يركض ويتشاجر مع إخوته، لا يهتم لدراسته، يشاكس الأطفال، لا يقبل أن يتناول طعامه، ولا ينام بوقته، دائمًا أركضُ وراءه من أجل فعل واجباته المدرسية! أليس هذه الأشياء هي ما تثيركم وتستفزكم؟ يا إلهي! نسيت شيئاً مهمًا وهو: أن زوجي لا يشاركني في كل هذه الأشياء، فهو لا يبالي بما يدور في البيت لا من قريب ولا من بعيد! وبعد، هل توجد مثيرات أخرى؟ إنها أم زوجي ووالده، يوفرّان كل شيء لأطفالي مما يسبب تعارض آرائهم مع وجهات نظري في التربية! نعم، وبعد هل يوجد من المثيرات شيء آخر؟ البيئة الخارجية والظروف وصعوبة الحياة، كل ذلك سبب رئيسي يزيد من عصبية الأمهات ويرفع من توترهن وقلقهن! كل الأشياء التي ذكرتها هي أسباب رئيسية ترفع معدل العصبية لدى الأمهات والأخوات. ولكن، هل يكمن الحل بأن نتعصب ونصرخ ونضرب؟ بالتأكيد لا، هل تحاول التنفيس عن غضبك بهذه الطرق الخاطئة (الضرب، الصياح، العصبية)؟ نعم، أغلب الأمهات تستخدم هذه الأساليب لتفريغ توترها ولتغطي في الحقيقة على عدم قدرتها على مواجهة مشاكلها وحلها! إذن يجب أن تفكر بطريقة منطقية تجعلك تتوقف عن هذا السلوك البغيض والمزعج لك ولأولادك. أغلب الأمهات تعزو سبب عصبيتها إلى سلوك وتصرف أطفالها، وتلقي باللائمة عليهم. وأنا أقول: إن طفلك ليست له مدخلية في ذلك إطلاقًا! ذلك لأنه طفل، هل تعقلان هذه الكلمة يا أخي ويا أختي الكريمة؟! إنه طفل، ويريد أن يعيش طفولته، وإدراكه غير مكتمل وغير ناضج بعد. فلماذا تتعامل معه على أنه كبير ويدرك ويفهم كل شيء؟ هو يدرك ويفهم بشكل يتناسب مع مستوى فهمه و (دماغه). فكيف تطلب منه أشياءً أنت لا تستطيع فعلها؟! كيف يستطيع الطفل أن يسيطر على انفعالاته ويتحكم بأموره وأنت تفقد أعصابك على أمور تافهة وبسيطة؟ هل من الممكن أن يتعلم الطفل بسهولة، أو أنه يحتاج وقتًا وجهدًا لكي يتم بناء شخصيته بشكل صحيح؟ إذا كنت عصبيًا، وكان طفلك عصبيًا، هل تستطيع أن تغير عصبية طفلك وأنت عصبي المزاج وتقول: ابني عصبي ماذا أفعل؟ لا يمكن ذلك إطلاقًا. تخلَّ عن عصبيتك أولًا، وسيطر على أعصابك، بعدها سيتعلم ابنك منك كيف تتعامل مع الأمور. بإمكانك أن تفعل ذلك بشرط: ١- أن يكون لك هدف واضح يكمن في تعديل سلوكك الخاطئ، وهذا يتضمن إيمانك بنفسك. ٢- أن تقرر وتعتزم على التغيير والخلاص من أسلوب العصبية، وتبتعد عن إلقاء اللوم على الأطفال وتقول: عصبيتي من أطفالي، فأنت الكبير وهو الصغير. وهو يقلدك في كل شيء. ٣- بعض العصبية يُعزى سببها إلى صفة متجذرة في النفس منذ أيام الطفولة، فالأب الذي تعرض إلى التعنيف والضرب في أيام طفولته يمكن أن يعكس ذلك الآن بشكل لا واعي، فيتصرف بأسلوب عدواني استفراغًا لرسائل سلبية قديمة تستفز ذاكرته من حيث لا يشعر. والأم في ذلك مع الأب سواء. على أنه: إذا كانت صفة العصبية متوارثة منذ الطفولة فباستطاعتك التخلص منها إذا عزمت بصدق على ذلك، فالأمر منوط بإيمانك فالتغيير يبدأ من داخلك. 4- أحد أسباب العصبية والتوتر والاكتئاب هو نقص عنصر المغنسيوم والزنك في الجسم، مما يجعل هرمون السيروتونين منخفضًا، فالنواقل العصبية هي من تسيطر على ذلك. 5- باستطاعتك تنظيم وقتك في البيت وتخصيص وقت لنفسك، يمكن من خلاله أن تسترخي بعملية التأمل الذي يجعل أعضاءك تأخذ تمددها بشكل انسيابي من أجل الشعور بالراحة الداخلية. 6- الاستماع إلى القران الكريم من الحلول التي تجعلك مستقرًا نفسيًا.. 7- كلما شعرت بأنك ستصبح عصبيًا، حاول أن تردد: (استغفر الله ربي وأتوب إليه) وكرره كثيرًا، إلى أن تشعر بالاستقرار. 8- أخذ قسطٍ كافٍ من النوم، ولعب الرياضة، من الأسباب التي تجعلك هادئاً، لأنها ترفع من معدل السيروتونين في الجسم... 9- الابتعاد عن الهاتف النقّال وذلك بقفل النت في البيت وخصوصًا إذا كنت تقوم بتدريس أطفالك، فالأنترنت أحد أسباب التوتر في البيت... 10- الابتعاد عن الخلافات الزوجية وحلها بأسلوب هادى بعيدًا عن التوتر والصياح... 11- تناول المكسرات وخصوصًا اللوز؛ لأنه يرفع من معدل السيروتونين في الجسم... 12- المواظبة على الصلاة في أول أوقاتها يجعلك تشعر بالراحة والاستقرار. 13- زيادة المعرفة بفنون التربية النفسية والدينية للطفل لأنها تجعلكم تميزون بين الطبيعي وغير الطبيعي من سلوك أبنائكم. 14- قراءة كتب تتحدث عن كيفية التخلص من العصبية ومعرفة أسبابها ومتابعة برامج تخص هذا الأمر... 15- لا ننسى أن الإنسان الذي اعتاد على صفة العصبية والصراخ منذ سنوات، فإن هذه الصفة قد تجذرت وترسخت في شخصيته وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أسلوبه في الحياة، فالخلاص منها يحتاج إلى جهد جهيد ومستمر في مراقبة النفس ومحاسبتها باستمرار، وإعادة برمجتها بشكل إيجابي للتخلص من برمجتها السلبية السابقة، وبالتالي تتغير أفكارنا وطريقة تفكيرنا، وهذا التغيير يحتاج إلى خطوات عديدة بعضها ذكرناها في المنشور والبعض الآخر لا يسعنا ذكرها هنا. وأُذكركم: أنه لا يوجد شيء صعب في الحياة ما دامت الإرادة موجودة. وأخيرًا... فإن كل ما ذكرناه يمكن أن يساعدكم للتخلص من عصبيتكم المفرطة بشرط أن يكون لديكم الاستعداد لذلك...

اخرى
منذ 6 سنوات
2869

جريمةٌ بحصانةٍ مجتمعية!

بقلم: عبير المنظور وُجِدَتْ الجريمة منذ بداية الخليقة، وقصة ابنيّ آدم (عليه السلام) هي قصة الجريمة الأولى على هذه البسيطة، حيث قتل قابيل أخاه هابيل لنوازع نفسية ومصلحية في قصة مفصّلة، ولا زلنا حتى يومنا هذا -وبعد فترات زمنية سحيقة- نتعاطف مع الضحية وندين القاتل وهو أول مجرم في التاريخ، وهذه الجريمة يستنكرها الجميع ويحاربها ويرفضها إنسانيًا وأخلاقيًا ودينيًا، كما يرفض كل الجرائم من قتل وسرقة وتزوير واختطاف وغيرها لكونها تمثّل التعدي على حقوق الآخرين وسلبها منهم. ومنذ فجر التاريخ والبشرية تقنّن التشريعات وتسنّ القوانين للحفاظ على نظام المجتمعات من التخبط والفوضى وللحد من معدل الجريمة، وكان العراق القديم مهد الحضارات أول من شرّع القوانين وسنّها، ومسلّة حمورابي المؤلفة من ٢٨٢ مادة قانونية شاهدة على دقة التشريعات خاصة فيما يتعلق بقوانين الأسرة حيث يحتوي القسم الثامن منها على المواد من 127-195 والتي تتعلق بشؤون العائلة وحقوق أفرادها. ويا للعجب! في بلد عريق وسبّاق لتنظيم المجتمع وسنّ القوانين لحفظ حقوق أفراد الأسرة والمجتمع وبعد آلاف السنين يفتقر لقانون يُجرّم من يقوم بالعنف الأسري وكأنها ليست بجريمة تستحق الردع بالعقاب والمحاكمة في زمن التطور والتكنولوجيا والتشدّق بحقوق الانسان! فالعنف الأسري في العراق جريمة تحظى بحصانة مجتمعية! الأسرة منظومة مهمة في البناء الاجتماعي وسلامته من سلامتها، وهذه المنظومة -شأنها شأن أي منظومة أخرى- قد تتعرض أحيانًا إلى التصدع، وأن لم يعالج هذا التصدع منذ البداية ويرمّم، فقد يسبب انكسارات عميقة قد تؤدي في النهاية إلى تضعضع كيان الأسرة وانهدامها. إن من أهم الأمور التي تسبّب تصدّع الأسرة هو العنف الأُسري، ويعني اصطلاحًا: استخدام القوة المفرطة ماديًا أو معنويًا في الإساءة لفرد أو أفراد من الأسرة أو إلحاق الأذى والضرر به لإجباره على أمر معين أو للسيطرة عليه تمامًا. وبرأيي فإن العنف الأُسري هو جريمة أيضًا ككل الجرائم لأنها تعتمد على سلب الأخرين حقوقهم بطرق غير مشروعة وبالإكراه. تختلف حدة العنف الأسري من مجتمع لآخر ومن منطقة لأخرى بحسب طبيعة المجتمع ودرجة الوعي فيه، إضافة إلى الفروق الفردية والثقافية بين أفراد الأسرة ذاتها. وللعنف الأسري أشكال متعددة هي: أ- العنف المادي: ويشمل الاساءة أو إلحاق الأذى بشكل مادي ملموس، وله عدة صور أيضًا: ١- العنف الجسدي: كالضرب واللّكم والركل والحرق والخنق والغرق والصعق والدفع أو استخدام آلات حادة أو تجويع أو حرمان من أدوية معينة وغيرها، وقد يتسبب هذا النوع في إعاقة جسدية وأحيانًا قد يؤدي إلى الموت. ٢- العنف الجنسي: والغرض منه ممارسة الجنس بإكراه الطرف الآخر. ٣- العنف الاقتصادي: حيث يُحرم أحدهم من المال أو يُستحوذ على أمواله كنوع من التحكّم وفرض السيطرة على الضحية. ٤- العنف العشائري: حيث يتم إهداء بعض نساء العائلة لحلّ لعض النزاعات العشائرية بسبب رعونة وطيش وإجرام أحد أفراد الأسرة. ب-العنف المعنوي: ولا يقل خطورة عن العنف المادي، فهو يعمل على تحطيم نفسية ومعنويات الضحية من خلال: ١- العنف اللفظي: كالسباب والشتائم والتحقير والاستهزاء أمام أفراد الأسرة أو خارجها. ٢- عزل الضحية اجتماعيًا: من خلال حبسه في البيت ومنعه من التواصل مع الأهل والأصدقاء. ولا يخفى أن جميع أنواع العنف الأسري المذكورة سابقًا تحدث بكثرة في مجتمعنا العراقي، ولكن مع الأسف لا يُعرف منها إلّا القليل، وحتى وإن عُرف فإنه يتم التعاطف مع الضحية قلبيًا فقط، لأنها لا تستطيع مجابهته وإيقافه في ظل الأعراف والتقاليد المجتمعية البالية التي لا تجرّم من يقوم بالعنف الأسري ولا تتدخل أحيانًا كثيرة بحجة أنها أمور عائلية، وأن للرجل حق القوامة على المرأة، أو أن للأب سلطة على الأبناء، وهو يربيهم بمعرفته، في حين نجد أن المعنفّين من النساء والأطفال لا حيلة لهم سوى التحمل وعدم الكلام عن الموضوع لأنه يعتبر إفشاءً لسر العائلة! نعم يجب أن تكون للعائلة خصوصية، لكن في حدها المعقول، وإلّا فما ذنب الزوجة التي تتحمل العنف الأسري المستمر أمام أولادها كي لا يُطلق عليها لقب (مطلقة) مثلًا، أو محاولة منها للّم شمل الأسرة، خاصة إذا كان هناك أطفال (ضحايا) بين الزوجين، أو مثلًا أب يحرم طفله من الدراسة ليعمل في الشوارع، أو طفل يتعرض للتعذيب على يد أبيه أو أمه أو أخيه أو زوجة أبيه... والغالبية العظمى من المجتمع يفهم أن العنف الأسري يقع بين الزوج والزوجة فقط، بينما تشير الاحصائيات إلى أن ٧٥% من حالات العنف الأسري تكون ضد الأطفال! فتأملوا خطورة هذه الجريمة. وعمومًا فان نسبة ضحايا العنف الأسري في العراق كبيرة جدًا في ظل مجتمع ذكوري في الغالب، يشجّع على السلطة المطلقة للرجل على النساء (أم، زوجة، أخوات) والأطفال حتى وإن كانت خارج سلطته الشرعية التي منحتها الشريعة له، والتي قد يفرط الرجل في استخدامها مع تأييد المجتمع لما يقوم به، وأنه ضرب من الرجولة والالتزام الديني، خاصة في ظل غياب القانون الذي يجرّم ويحاسب من يقوم بذلك، إن ذلك مما يزيد من حالات التفكك الأسري وازدياد معدل تسرب الأطفال من المدارس وهروبهم إلى الشارع، وبالتالي ازدياد معدل الجريمة واختلال القيم والمعايير الأخلاقية في المجتمع، وفي أحسن الحالات نجد الأمراض النفسية وعدم الاستقرار داخل المنظومة الأسرية، وهذا يمثل الاتجاه الاجتماعي لأسباب نشوء العنف الأسري الذي تعود أسبابه أيضًا إلى أسباب فردية ونفسية، منها ضعف الوازع الديني وعدم اختيار شريك الحياة على أسس صحيحة، إضافة إلى الاهمال وعدم تحمل المسؤولية. وبلحاظ ما تقدم يكون علاج العنف الأسري على مستويين: ١- مستوى فردي: ويكون ضمن إطار الأسرة نفسها من خلال تعميق الوازع الديني والتحلي بالأخلاق الحميدة والسير على نهج محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، بالإضافة إلى مسؤولية الأهل في إعداد البناء لمرحلة الزوجية ومعرفة أسسها وتعزيز مفهوم الشراكة فيها، ورسم حدود الحقوق والواجبات لكل فرد من أفراد الأسرة وفق الدساتير الدينية والإنسانية. ٢- مستوى اجتماعي: من خلال تفعيل الدولة للدوائر والمؤسسات ذات الصلة بحماية الأسرة، وتشريع القوانين التي تجرّم العنف الأسري والتشديد على إجراءات تلك القوانين، إضافة إلى توجيه الإعلام توجيهًا صحيحًا لبناء الأسرة والعمل على زيادة وعي المجتمع والنهوض به ثقافيًا وإنسانيًا، ولا يخفى دور مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الإرشاد الأسري في توجيه الأسرة نحو مسارها الصحيح لنضمن بذلك سلامة المجتمع وأفراده.

اخرى
منذ 6 سنوات
1042

صحراءٌ قاحلةٌ وأصوات ُ غِربان..

بقلم: كاردينيا ياس وشمسٌ حارقة للفؤاد .. لِتَصَحُّرٍ باتَ سائِداً فيّ ؛ لابتعادي عن غدير ِ ولايتكم الحقيقي..ا ألم يقل رسول الله "صلى الله عليه وآله " حين تم الإعلان عن مُرشح تولّي الخلق.. الفائز بهِ: اللهم والِ من والاهُ... فَلَعَلّني واليتُ الوليّ في بعضٍ و مِلتُ عنه في بعض.. فكانَ انحداري وَ إن بَدا بسيطاً ، ألاَ أنّه أدّى بي إلى نزولي عن جادةِ الطريق المُعبّد لِمن بحقٍ لله تقرب َوتعبّد... فكانَ مآلي لتلكَ البقعة المتصحّرة و مقامي عندَ رمالٍ من نيرانِ الذنوبِ المُتجمرّة ؛ و افتقادي لماءِ طُهرٍ.. يَروي الروحَ المتعبةَ فَقد أهلكتني شدةَ الظمأ.. وفيما أنا على تلك الحال.. و إذا بي ألمحُ ماء ً مِن بعيد.. وحين أقتربُ ؛ أخيب.. آهٍ من خطواتي التي ذهبت سُدىً إنها بقيعةٌ مِن سراب حَسِبَه قلبي الظمآنُ ماءً !! و تتالت ..الخيباتُ.. الواحدة تلوَ الأُخرى ..و فجأةً أرى بقلبي قبلَ بصري.. نعم... هوَّ ذاكَ ماءٌ ..ماء ! هيّا ..يا قدماي إن لَمْ تَسعَيَا فَسَأتُرككما وأجري بِدونكما .. يكفيني وصولاً لهُ اتصال روحي بهِ.. و انجذابُ كلّي الذي لن يعتني بجزئي ، ها أنا ذي وصَلْتُ قبلَ أن يرتد بصري.. كيف ؟ لا يهم ..كيف ، و الآن.. لا أعلم كيفَ سَأنهل ُ لِأشرب من هذا المعين الرِقراق المُصفّى مِن الماءِ نفسهُ.. هل سأمدُ يدي المُتَرّبة ؟ هل سأجد ما يليقُ بِطهره لِأغرفَ منه؟ أنا عطشى ..أنا عطشى .. تسابقت حباتُ الماءِ إليَّ ..وأنا في دهشةٍ كيفَ اعتلت السماء و ظلّلتني كَسحابةٍ مثقلةٍ بِطُهرِها ، برسالتها ، بعطائها .. وانهَمر الماءُ نعم انهمر ..على أمرٍ قد قُدر.. فاحتَضَنَتْها أجزائي المتشققة جفافاً من سنوات القحط التي عاشتها.. وَوَجَدتُ نفسي محاطةً بغديرِ ماءٍ .. لا أصدقً ما أنا فيه !! و ما فيّ مِن "أنا" جديدة..!! و كأنّي خُلقت مِن جديد بحلةٍ جديدة قد تغيرتُ.. بل تطهرت ؛ لا .. بل إنّ كلّ مَن كانَ مِثلي حلّ َ بِه ما حلّ بي! أرواحنا انتشلت.. و قلوبنا غُسِلت.. و أفئدة ٌ من العطشِ المميت إلى رَوْيةٍ تُحيي القلبَ بُدلت .. و حول َ ذلك المعين.. وقفتْ أملاكٌ على الدعوات أمّنَتْ نعم.. إنّه فيضُ زهراء ولِدت .. نعم إنّه فيضُ زهراء ولدت..!! و َحين رأيتُ بقلبي .. ثم رأيت؛ محمداً (صلى الله عليه وآله) وخديجة في بيت.. أسوارُه: لا إله إلا الله و سَقفه: تباركتَ ربي و تَعاليت! فَيا سعد الخلائق بِمن وُلِدت حِين وَلِدت.. و نودي من بِطنان العرش صوتٌ إنّي لِمولودةِ أحمد فاطمة ٌ سمّيت !! إنّي لِمولودة ِ أحمد فاطمة ٌ سمّيت !!

اخرى
منذ 6 سنوات
1871

مُــحاكـمة

بقلم: علوية الحسيني إنّ الإنسان بطبيعته خلق مجبولاً على فطرة كونه اجتماعياً لا انعزالياً، والحالة الاجتماعية تلك تجعل بعض المصالح متضاربة فيما لو ترك أمر تنظيم حقوق كل فردٍ سدىً دون أن يكون هناك قانون يقر الحقوق والالتزامات لكل فرد من أفراد المجتمع. هذا القانون تارةً يكون شرعياً، وهو ما حكم به الله تعالى في دستوره المخلد القرآن الكريم، والروايات المفسرة له. وتارةً يكون وضعياً، وهو ما تحكم به المحاكم القضائية اليوم الدولية والمحلية استناداً لدستور يضعه مشرّعون قانونيون؛ ولهذا سمي بالقانون الوضعي. اليوم أريد تسليط الضوء بشكلٍ مختلف على واقعةٍ حصلت منذ مئات السنين، وهي واقعة ظلامة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وسيتم عرض أفعال أعدائها على الشرع والقانون لنرى هل تعتبر جريمة ولها عقوبة، أم أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) قد خولط عقلها خبلاً -والعياذ بالله- كما يزعم أحد أعداءها (١). لنُعِدْ إحداث الواقعة اليوم وليحكم كلٌ وفق اختصاصه، ومن لا اختصاص له فليجعل كتاب الله تعالى دستوراً يستخرج منه عقوبة أولئك الأشخاص. وعليه ينعقد هذا المقال على استقلال كل مطلب بجريمةِ اولئك الشرذمة، والمطلب الأخير سيأخذنا إلى العيش في زمن الدولة الإسلامية العادلة المتمثلة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). المطلب الأول: عقوبة مَن أحرق داراً لغيره. الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: روي عن "علي عليه السلام أنه قضى فيمن ... أو قطع شجرا أو أفسد زرعا أو هدم بيتا ... أن يغرم قيمة ما أفسد واستهلك ويضرب جلدات نكالا وان أخطأ لم يتعمد ذلك فعليه الغرم ولا حبس عليه ولا أدب..." (٢) -في فقه أبناء العامة: "... وأما ما تلف من الأرض بفعله، أو سبب فعله، كهدم حيطانها، وتغريقها، وكشط ترابها، وإلقاء الحجارة فيها، أو نقص يحصل بغرسه أو بنائه، فيضمنه بغير اختلاف في المذهب، ولا بين العلماء؛ لأن هذا إتلاف، والعقار يضمن بالإتلاف من غير اختلاف" (٣) الفرع الثاني: قانوناً "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمسة عشر سنة كل من اشعل النار عمدًا في مال منقول... إذا كان من شأن ذلك تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر" (٤). المطلب الثاني: عقوبة مَن انتهك حرمة مساكن وملك الغير. الفرع الأول: شرعاً: -في فقه الشيعة: روي "عن عبد العزيز بن محمد أنّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أخذ أرضا بغير حقها أو بنى فيها قال: يرفع بناؤه ويسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر (٥) -في فقه أبناء العامة: عن أبى بكرة أنّ النبي (صلى الله عليه [وآله]) قال: "إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ..." (٦) الفرع الثاني: قانوناً "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين: من دخل محلا مسكونًا أو معدا للسكنى أو أحد ملحقاته وكان ذلك بدون رضاء صاحبه وفي غير الأحوال التي يرخص فيها القانون بذلك" (٧) المطلب الثالث: عقوبة جريمة مَن آذى إنساناً بالترويع والضرب؟ الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: "حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى عليهما السلام قالت: سمعت أبي عليا يحدث عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه وعمه زيد عن أبيهما علي بن الحسين عن أبيه وعمه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"(٨). أيضاً وقال الصدوق في مناهي النبي صلى الله عليه وآله: "ألا ومن لطم خد مسلم أو وجهه بدد الله عظامه يوم القيامة، وحشر مغلولا حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب" (٩). وعن "علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللطمة يسود أثرها في الوجه أن أرشها ستة دنانير، فإن لم تسود واخضرت فإن أرشها ثلاثة دنانير فإن احمرت ولم تخضر فإن أرشها دينار ونصف" (١٠) -في فقه ابناء العامة: عن النعمان بن بشير عن النبي (صلى الله عليه[وآله]) أنه قال: لا يحل لرجل أن يروع مسلمًا"(١١) الفرع الثاني: قانوناً "من اعتدى عمدا على آخر بالجرح أو بالضرب أو بالعنف أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون فسبب له اذى أو مرضا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة التي لا تزيد على ثلاث مائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتيتن: أ- اذا نشأ عن الاعتداء كسر عظيم. ب-اذا نشأ عن الاعتداء أذى أو مرض أعجز المجني عليه عن القيام بأشغاله المعتادة مدة تزيد على عشرين يوما" (١٢) المطلب الرابع: عقوبة جريمة مَن أجهض جنيناً لامرأةٍ الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: عن "علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس أو غيره، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دية الجنين خمسة أجزاء خمس للنطفة عشرون دينارا، وللعلقة خمسان أربعون دينارا، وللمضغة ثلاثة أخماس ستون دينارا، وللعظم أربعة أخماس ثمانون دينارا..." (١٣). -في فقه أبناء العامة: (وإن ضرب بطنها ، فألقت جنينا حيا ، ثم مات من الضربة، ففيه دية حر إن كان حرا، أو قيمته إن كان مملوكا، إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله، وهو أن يكون لستة أشهر فصاعدا) هذا قول عامة أهل العلم . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن في الجنين ، يسقط حيا من الضرب ، دية كاملة ، منهم ; زيد بن ثابت ، وعروة ، والزهري ، والشعبي ، وقتادة ، وابن شبرمة ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ; وذلك لأنه مات من جنايته بعد ولادته ، في وقت يعيش لمثله ، فأشبه قتله بعد وضعه" (١٤). الفرع الثاني: قانوناً "يعاقب بالحبس من اعتدى عمدا على امرأة حبلى مع علمه بحبلها بالضرب او بالجرح او بالعنف...دون ان يقصد اجهاضها وتسبب عن ذلك اجهاضها" (١٥) المطلب الخامس: عقوبة جريمة مَن غصب أرضاً الفرع الأول: شرعاً -في فقه الشيعة: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر" (١٦) -في فقه أبناء العامة: (ومن غصب أرضا ، فغرسها ، أخذ بقلع غرسه وأجرتها إلى وقت تسليمها ، ومقدار نقصانها ، إن كان نقصها الغرس) الكلام في هذه المسألة في فصول : أحدها، أنه يتصور غصب العقار من الأراضي والدور، ويجب ضمانها على غاصبها. هذا ظاهر مذهب أحمد وهو المنصوص عن أصحابه، وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن" (١٧) الفرع الثاني: قانوناً القانون المدني تعرض لهذا التصرف وعدّه تجاوزاً غصبياً "فيلزم الغاصب بردة مع أجر مثله وإذا تعرض العقار إلى تلف ولو بدون تعد من الغاصب لزمة الضمان"(١٨) هذا ما اشارت له المادة 197 من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 . المطلب السادس: تحريك الدعوى الجنائية. في زمن ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) فهو أرواحنا فداه سيحرّك الدعوى ويقضي فيها ويقتص من شياطين الظلم والجور، روي "عن الإمام الصادق عليه السلام: إذا قام الإمام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله حكم بين الناس بحكم داوود عليه السلام، لا يحتاج الى بينةٍ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قومٍ بما استبطنوه" (١٩) فالإمام لا يحتاج إلى شهود، ولا ادّعاء عام، ولا تحقيق، بل سيحكم بما أفاضه الله تعالى عليه من فطنة تكشف ما يبطنه المجرمون. لكن أقل ما يمكننا فعله اليوم، هو تحريك دعوى قضائية إلى قاضي محكمة الدولة الإسلامية الجعفرية المتمثلة بالإمام المهدي (أرواحنا فداه) فباسمي واسم جميع الشيعة نقدم عريضة دعوى تحقيق: م/النظر في جريمة قتل السيّدة زهراء محمد (عليها السلام) المدعي: جميع الشيعة المدعي عليه: أبناء السقيفة بسم الله الرحمن الرحيم السيد قاضي محكمة تحقيق الكوفة الإمام المهدي (عليه السلام). نرجو من سيادتكم التحقيق في سبب استشهاد السيدة الزهراء ابنة محمد (صلى الله عليه وآله)، والتحقيق مع من شرع بحرق باب دارها، ولطمها، وتسبب في اسقاط جنينها وكسر بعض أضلاعها، وهتك حرمة بيتها بدعوى أنه يريد مبايعة زوجها لأحدى الولايات. وشهد على ذلك كل من: ١-علي بن ابي طالب ٢- الحسن بن علي ٣-الحسين بن علي ٤-أسماء عميس ولسماحتكم الشكر والتقدير. التوقيع: □□□ الشيعة. عندئذٍ سيصدر مولانا قاضي التحقيق (عليه السلام) مذكرة توقيف. المطلوب تبليغه: أبناء السقيفة تقرر حضوركم للمحكمة الجنائية الجعفرية في الكوفة في اليوم الفلاني؛ نتيجة الدعوة المرفوعة عليكم من شيعة الزهراء (عليها السلام) وفي حال عدم حضوركم في الزمان والمكان المعينين سيتم إلقاء القبض عليكم وفق القانون المهدوي. ثم يصدر الإمام مذكرة أمر قبض وتحري آمرًا موظفيه: إلى جميع أعضاء الضبط القضائي وأفراد الشرطة أنكم مأذونون ومكلفون بالقبض على المدعو فلان وفلان وفلان؛ كونه متهمًا بجريمة حرق وضرب وترويع وغصب أموال السيدة فاطمة محمد (عليها السلام). لذا نفوضكم بالاحتفاظ بالمجرمين تحت الحراسة وتوقيفهم، حتى يتم إحضارهم أمامنا كي يجيبوا على الجرائم التي ارتكبوها، المعاقب عليها بمقتضى المادة (..) من القانون المهدوي. القاضي: الإمام المهدي. الختم◇. _____________________ (1) التعليق على صحيح مسلم: للعثيمين، ج٩، كتاب الجهاد والسير، ص٨٧. (2) جامع احاديث الشيعة: للبروجردي، ج١٩، ص٨٠، ح١. (3) المغني: لابن قدامة، ج٥، م٣٩٣٣. (4) قانون العقوبات العراقي المعدل لسنة ١٩٦٩، م٣٤٢. (5) جامع احاديث الشيعة: للبروجردي، ج١٩، ص٧٧، ح١. (6) صحيح البخاري: للبخاري، كتاب الفتن، ح٦٦٦٧. (7) قانون العقوبات العراقي، م٤٢٨. (٨) عيون أخبار الرضا عليه السلام: للشيخ الصدوق، ج٢، ص٧٠، ح٣٢٧. (9) امالي الصدوق: للشيخ الصدوق، ص٢٥٠. ونقل عنه في بحار الأنوار، ج٧٢، ص١٤٨. (10) فروع الكافي، ج٧، كتاب الديات، باب الخد، ص٣٣٣، ح٤. (11) الترغيب والترهيب: للمنذري، ج٣، ح٢٨٠٦. (12) قانون العقوبات العراقي، م٤١٣، ف٢. (13) فروع الكافي: للشيخ الكليني، ج٧، ص٣٤٣، ح٢. (14)) المغني: لابن قدامة، كتاب الديات، مسألة ضرب بطنها فألقت جنيناً حياً ثم مات ٦٨٥٨. (15) قانون العقوبات العراقي، م٤١٩. (16) جامع احاديث الشيعة: للبروجردي، ج١٩، ص٧٧، ح١. (17) المغني: لابن قدامة، كتاب الغصب، مسألة غصب أرضا فغرسها ٣٩٣٣. (18) ظ: القانون المدني العراقي رقم ١٧٠ لسنة ١٩٥١، م١٩٧. (19) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج٥٢، ص٣٣٩. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون، وحسبنا الله وكفى، سمع الله لمن شكى، وعجّل لمن يُندب ويُبكى.

اخرى
منذ 6 سنوات
2239

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80596

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59951

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
49089

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
45093

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
44303

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34314