تشغيل الوضع الليلي

تجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي (18)

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 945

بقلم: علوية الحسيني
"ووفّقني لإقامة حدودك"
إنّ من أهم وظائف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هي تبليغ رسالات الله (تعالى), فيدعو لنفسه, ويطلب التوفيق من الله (تعالى) حتى يقيم حدوده (تعالى).
وحدود الله (تعالى) هي الإيمان به وبرسوله –وما يلزم ذلك-؛ لقوله (تعالى): {ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّه} (1). وحدود الله (تعالى) هي حدود نبيّه محمد (صلى الله عليه وآله)؛ بدليل قوله (تعالى): {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيها وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِين} (2).
لعلها هذه إشارة من الإمام إلى خطورة فصل الكتاب الكريم عن السنة النبوية, وبالتالي فمن يقل: حسبنا كتاب الله، فقد تعدّى حدود الله تعالى, وظلم نفسه؛ لأنّه فرّق بين الإيمان بالله (تعالى) وبرسوله (صلى الله عليه وآله), ومن ظلم نفسه فله عذابٌ أليم؛ قال تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرا}(3), ونِعمَ به سبحانه مِن حكيمٍ ما أعدله.
وكلّ إنسانٍ يعقل أنّ أشد أنواع الظلم هو التجري على حدود الخالق تعالى التي أوضحها في كتابه الكريم أو على لسان نبيّه الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله), حيث قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} (4)؛ أي: أساء إليها، وذلك بتعريضها لسخط الله تعالى ومقته، وسطوته. فمن لطف الله (تعالى) بالعباد هو ظهور الإمام لإنقاذ الأنام.
إذًا حدود الدّين هي سياج الدّين, المتمثلة بالعقيدة والفقه والأخلاق, المستمدة من النبي محمد وآله (عليهم السلام), وهي –أو على الأقل البعض منها- في زمن الغيبة معوجة, تحتاج إلى إقامة, أي تعديل الانحرافات, ومقيم العوج هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), والمؤمن يندب إمامه كلّ جمعة قائلًا: "أَيْنَ المُنَتَظَرُ لإقامَةِ الأَمْتِ وَالعِوَج؟".
ومن مظاهر ذلك العوج في حدود الله (تعالى):
■أوّلًا: حدود الله (تعالى) العقائدية:
فأصول الدّين باعتقاد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) خمسة -التوحيد, العدل, النبوة, الإمامة, المعاد- وبالتالي يرى في كلّ أصلٍ اعوجاجًا, فيعمل على تعديله؛ ببيان الحق.
1/ على مستوى الاعتقاد بالتوحيد:
فعقيدةٌ تقول بأنّ الذات الإلهية مركّبة, وبمغايرة الصفات الذاتية للذات الإلهية, وتنسب الصفات السلبية ولوازمها لله (تعالى) كالجسمية, والرؤية البصرية, والمكان, والجهة -مثلاً-, وتجمد على ظواهر الألفاظ, فتثبت الصفات الخبرية لله (تعالى) بلا تأويل, لهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة, فيها تعدٍ على أعظم حدود دين الله (تعالى), وهو التوحيد.
فهنا الإمام يُقيم حدود الدّين؛ ببيان التوحيد الصحيح, بأنّ التوحيد هو الاعتقاد ببساطة الذات الإلهية, ونفي التركيب عنها. وأنّ الله (تعالى) له صفات ذاتية هي عين ذاته. وأما الصفات السلبية فيجب سلبها عنه (تعالى) كالرؤية البصرية -مثلًا-؛ لأنّها تجعل المرئي جسمًا, والجسم محتاج إلى أجزائه, والمحتاج ليس بإله, والله هو الغني الحميد.
ويبيّن للناس ضرورة تأويل بعض الصفات الخبرية, كتأويل (يد الله بقدرة الله تعالى), و(وعرش الله بعلم الله تعالى), وغيرها من الصفات التي أخبر بها القرآن الكريم.
وحيث إنّ الإمام هو من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب, فيُعلّم الناس ذلك التأويل؛ ليُنزهوا الله (سبحانه وتعالى).
2/ على مستوى الاعتقاد بالعدل الإلهي:
فعقيدةٌ لا تقول بركنية العدل الإلهي ضمن اصول الدّين, وتقول بأنّ الله (تعالى) يجبر عباده على المعصية, أو أنّه (تعالى) فوّض إليهم أمور حياتهم استقلالًا عنه (تعالى), لـهي عقيدةٌ معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة.
فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان الاعتقاد الصحيح بالعدل الإلهي؛ فيُعلّم الناس أنّ العدل الإلهي ثاني أصل من أصول الدّين, ويجب الاعتقاد به, وأنّه لا جبر ولا تفويض, وإنّما أمرٌ بين أمرين, فليس الله (تعالى) يجبر الناس على ارتكاب المعاصي ثم يعذبهم فيكون ظالمًا لهم, وليس يفوّض إليهم الأمر استقلالًا عنه (تعالى) فيكون غير قادرٍ على صرف شيٍء منهم أو عنهم.
وإنّما الاعتقاد الصحيح بعدله (تعالى) هو أنّه خلق العبد مختارًا في الفعل والترك مع احاطة قدرته بهم.
3/ على مستوى الاعتقاد بالنبوة:
فعقيدةٌ تنسب الخطأ والسهو والنسيان للأنبياء (عليهم السلام) عمومًا, وللنبي محمد (صلى الله عليه وآله) خصوصًا, لـهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة.
فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان أنّ الاعتقاد الصحيح بالنبوة العامة والخاصة يكون بتنزيه النبي عن الخطأ والسهو والنسيان, في تلقي الرسالة السماوية, وتطبيقها, وتبليغها، وأنّه معصوم عن الكبائر والصغائر قبل البعثة وبعدها.
وضرورة القول بعصمة جميع الأنبياء, والإيمان بهم, وبكتبهم, إلّا المحرّف منها, فسيأتي الإمام للناس بالتوراة والإنجيل الصحيحين.
4/ على مستوى الاعتقاد بالإمامة:
فعقيدةٌ تقطع حبل الخلافة من بعد رسول الله (تعالى), وتجعل عباد الله (تعالى) سدى بلا هادٍ, وتخالف ما تواتر من حديث -كحديث الغدير والثقلين- حينما أوصى رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخلافة من بعده إلى الإمام علي وذريته (عليهم السلام), بل وتطعن بعصمة من أذهب الله (تعالى) عنهم الرجس, وتنكر إمامتهم, وتفضّل من هم دونهم عليهم, لـهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة.
فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان ضرورة الاعتقاد بالإمامة كلطف من الله (تعالى) بعباده؛ حيث لم يجعلهم سدى بلا وليٍ هاد, بل وهي مكملة للنبوة, وكل ما ثبت للنبي يثبت للإمام -ما عدا الوحي والمعجز-.
ويبيّن للناس الملازمة بين أصل الإمامة وأصول الدّين التي تسبقها؛ فمن أنكر الإمامة فقد أنكر النبوة, ومن أنكر النبوة فقد أنكار العدل الإلهي والتوحيد.
كما ويبيّن لهم اهمية الاعتقاد بعصمة الإمام, ووجوب طاعته, وحيثُ إنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هو الحاكم العالمي آنذاك, وولي الأمر, فيوجب عليهم طاعته؛ بأمرٍ من الله (تعالى) حينما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} (5).
5/ على مستوى الاعتقاد بالمعاد:
فعقيدةٌ تقول بفناء النار, وإنكار الشفاعة, ومسائل نخشى الله (تعالى) من ذكرها, لهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة.
فهنا الإمام يقيم حدود الله (تعالى)؛ ببيان العقيدة الحقة بالمعاد حين ظهوره.
■ثانيًا: حدود الله (تعالى) الفقهية:
ففروع الدّين التي يتعبد بها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) –حسب ما وصلنا عن آبائه عن جدهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وعليهم) هي: الصلاة, الصوم, الخمس, الزكاة, الحج, الجهاد, الأمر بالمعروف, النهي عن المنكر, التولي لأولياء الله تعالى, التبري من أعداء الله تعالى.
والعبادة بغير تلك الفروع عبادة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة.
فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان ضرورة التعبّد بفروع الدّين هذه, كما ويبيّن كيفيتها الواقعية, فتنحل المذاهب الفقهية, وتذوب الرؤى المختلفة, وتحلّ الأحكام الواقعية محل الظاهرية, فلا تقليد, ولا استنباط حكمٍ, ولا فتوى, ولا احتياط, ولا حتى اجتهاد, بل حُكم الله (تعالى) الواقعي يؤخذ من خليفته على أرضه, الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف).
وسبب تعبّد الأمة في زمن الغيبة بالأحكام التي أغلبها ظاهرية راجع إلى عدّة أسباب, "وقد تمت الإشارة إليها سابقًا, في شرح فقرة (وأحي بي ما درس من فروضك وسننك), والتي من أهمها ابتعادنا عن زمن النص" (6).
إذًا, فالإمام يرى في كلّ فرعٍ اعوجاجًا, فيعمل على تعديله؛ ببيان الحق, وإن كان (بعض) ما تم التعبّد به مخالفًا للحكم الواقعي الذي يأتي الإمام ببيانه؛ وذلك أفضل من الوقوع في الشبهات عند الشك في واقعةٍ لم يصلنا حكمها.
1/ على مستوى التعبّد بالصلاة:
فصلاةٌ يتوضأ لها بغسل القدمين, ويتكتف فيها المصلي, ويتشبه بالمجوس, ويجعل من كلمة (آمين) جزءاً من القراءة, لـهي صلاةٌ معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة وتعديل؛ لكونها غير صلاة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله).
فهنا يبيّن الإمام للناس الصلاة الواقعية التي يريدها الله (تعالى) من عباده.
2/ على مستوى التعبد بالصيام:
فصيامٌ لم يراعَ فيه مفطرية بعض المفطرات, ويستنبط لبعض أحكامه من بعض الاجتهادات الشخصية غير القائمة على دليل قطعي, لـهو صيامٌ معوج, يحتاج إلى إقامة.
فهنا يبيّن الإمام للناس الصوم الواقعي الذي يُريده الله (تعالى) من عباده, بكافة تفصيلاته.
3/ على مستوى التعبّد بالخمس:
فعبادةٌ لله (تعالى) مع انكار الخمس كفريضة, أو حصر موردها بالغنائم الحربية, لـهي عبادةٌ معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة.
فهنا يبيّن الإمام للناس ضرورة التعبّد بهذه الفريضة بأحكامها الواقعية.
4/ على مستوى التعبّد بالزكاة:
فلا شك أنّ التعبّد بأحكامها الظاهرية يحتاج إلى إقامة.
فيبيّن الإمام للناس أحكامها الواقعية من بلوغ حد النصاب الشرعي, ومواردها, وشروط مستحقها, وسائر تفرعاتها.
5/ على مستوى التعبّد بالحج:
وكذا التعبّد بالحج لا يخلو من أحكام ظاهرية, (قد) لا تصيب الواقع, فتحتاج إلى إقامة.
فيبيّن الإمام للناس أحكام الحج الواقعية.
6/ على مستوى التعبّد بالجهاد:
التعبّد بالجهاد سواء أكان عينيًا أو كفائيًا لا يختلف حكمه عن سائر العبادات من حيث عدم خلوّه من الأحكام الظاهرية التي (قد) لا تطابق الواقعية, فبالتالي تحتاج إلى إقامة.
فيبيّن الإمام للناس أحكام الجهاد الواقعية, لا سيما وأنّ أمر الجهاد سينحصر صدوره منه (عجّل الله فرجه الشريف), وبما أنه معصوم فيرى الحكمة في إصدار أمر الجهاد حسب الواقع المعاش آنذاك.
7/ على مستوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
عبادتان لا تنفكان عن بعض, أمرٌ بمعروف, وإلى جنبه نهيٌ عن منكر مقترف, لعلهما في زمن غيبة الإمام لم يطبقا تمام التطبيق؛ لضعف موقف الآمر الناهي -أحيانًا. أو لتملص البعض عن القيام بها رغم توفر الظروف المناسبة, وهذا عوج يحتاج إلى إقامة.
ففي زمن ظهور الإمام يبيّن لهم ضرورة التعبّد بها, واعتماد نظام التناصح بين المسلمين.
8/ على مستوى التعبّد بتولي أولياء الله (تعالى) والتبري من أعدائه:
فعبادةٌ بكافة فروع الدّين مع تماهل, أو مجاراة الآخر على حساب (التولي والتبري) من دون تقية لهي عبادة المنافقين, والله (تعالى) لا يحب المنافقين, وبالتالي هي عبادة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة.
فيبيّن الإمام للناس أهمية موالاة أولياء الله (تعالى), والبراءة من أعدائه, ويأتي بأدلة واقعية, ويحوّل لقلقة الألسن القائلة (إنّي موالٍ لكم ولأوليائكم, معادٍ لأعدائكم) إلى واقع في زمن ظهوره.
■ثالثًا: حدود الله (تعالى) الأخلاقية:
هنا على مستوى الأخلاق لا حاجة للتفصيل؛ إذ يكفي واقع الحال الأخلاقي في زمن الغيبة, وإن كان كلّ منّا يعيش في عالم الاستكمال, إلّا أنّه لم يبلغ حدّ الكمال, ومنه الكمال الأخلاقي. وبالتالي لم يتخلّق أحد -سوى المعصوم- بأخلاق الله (تعالى) بالمستوى المطلوب والممكن له, وهذا الحد من حدوده (تعالى) يحتاج إلى إقامة.
فيبيّن الإمام للناس ضرورة التخلّق بأخلاق الله (تعالى), وينهى عن الرذائل الخلقية. وهذا هو الواقع الذي يريده الله (تعالى) من عباده.
__________________
(1) سورة المجادلة: 4.
(2) سورة النساء: 14.
(3) سورة الكهف: 87.
(4) سورة البقرة: 199.
(5) سورة النساء: 59.
(6) ظ: تجليات معرفية في الخطاب المهدوي, ح10.

اللّهم وفّق وليّك لإقامة حدودك, وأكحل ناظرنا بواقعك.

اخترنا لكم

المرجع الأعلى للـنساء

السيدة زينب (عليها السلام) نموذجًا. تنتاب بعض النسوة حالة من اليأس والشعور بعدم معرفة أهمية دور المرأة المناط بها، مما يجعلها منطوية، معتزلة العالم وأحداثه، لا تبالي بأُمور المسلمات، فضلاً عن أمور محيطها الأُسري والاجتماعي، وهذا أمر لا يحمد عقباه؛ حيث إنّ الروايات الشريفة حذّرت من ذلك، فقد روي "عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"(١). ومن معاني (الاهتمام بأمور المسلمين) هو مطالعتها، ومعالجة السلبيات والنهي عنها، والإشادة بالإيجابيات والحث عليها. والاهتمام بأمور المسلمين يحصل نتيجة متابعة ومواكبة المجتمع، والمرأة جزء من المجتمع، والشرع المقدّس قد رسم لنا أُسس العشرة وضوابطها، فقد حثّت الآيات الكريمة على ذلك، منها: قوله تعالى: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورا}(٢). والروايات الشريفة منها ما تحث على التودد، كما روي "عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ إِنَّ أَعْرَابِيّاً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) فَقَالَ لَهُ أَوْصِنِي فَكَانَ مِمَّا أَوْصَاهُ تَحَبَّبْ إِلَى النَّاسِ يُحِبُّوكَ"(٣). ومنها ما حثّت على المصاحبة، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ابذل لصديقك نصحك، ولمعارفك معونتك ولكافة الناس بشرك"(٤). فالعشرة خلاف العزلة المنهي عنها شرعاً؛ إذ لم يرد نص صريح قرآني أو روائي يدعو الإنسان إلى اعتزال الناس مطلقاً. نـعم، هنالك حثٌ على اعتزال أهل الباطل بعد أمرهم بالمعروف وعدم امتثالهم له، مع الخوف من الانجراف معهم، فتكون عزلتهم أسلم. إذاً ليست العزلة الممدوحة محل كلامنا، إنّما المذمومة منها. فالمرأة التي تعتزل بني جنسها، لا تناصحهن، ولا تشاورهن، ولا تؤالفهن، ولا تصاحبهن، فما هو دورها تجاه الإسلام، وكيف ستهتم بأمور المسلمات؟ هذا سؤالٌ يحتاج إلى إيقاظِ ضميرٍ غلب عليه سبات الغفلة، واعترته حمى إهمال الدور المناط، فلابدّ له من جوابٍ وعلاج. ومن معاني (فليس بمسلم) ظاهراً هو أنّ من لم يهتم بأُمور المسلمين فهو غير مسلم بما جاء من آيات وروايات تحث على الاهتمام بأُمورهم. وبعد اللتيا والتي تتساءل المرأة المسلمة عن حقيقة دورها الديني والاجتماعي. •فأمّـا الدور الديني: - ففي اصول الدّين يكفي الاعتقاد به الإيمان بأصول الدّين المتمثلة بالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. -وفي فرع الدّين: "يجب تعلّم المسائل التي يبتلى بها عادة - كجملة من مسائل الشكّ والسهو في الصلاة - لئلّا يقع في مخالفة تكليف إلزاميّ متوجّه إليه عند ابتلائه بها"(٥). فوجوب تعلّم المسائل الابتلائية مطلق، والمثال ليس حصرياً، إنّما يشمل كلّ ما يمكن أن يكلّف به، فيجب على المرأة تعلّم مسائل العبادات والمعاملات التي تبتلى بها، ولاسيما المسائل الخاصة بأحكام النساء. •وأمّا الدور الإجتماعي: فيتجسّد بتطبيق ما نصّت عليه الآيات والروايات المتقدمة في آداب وأُسس العشرة. عندئذٍ ستكون المرأة قد وصلت بنفسها وبني جنسها إلى برّ الأمان، واستحصال رضا الرحمن. وهذا هو المعهود من النساء؛ تأسّياً بسيرة السلف من القدوات المؤمنات، على رأسهن الزهراء والحوراء (عليهما أزكى التحيات)، حينها يمكن أن تكون المرأة مرجعاً أعلى للنساء تفيض عليهن مما هي اكتسبته وطبقته. والمراد بالمرجع: هو: رجوع النسوة إليها في أُمور دينهن ودنياهن. والمراد بالأعلى: هو المقام السامي والعالي علماً وعملاً. والآن نقرأ ما جاء في سيرة السيّدة زينب (عليها السلام): "أنّها كانت تنوب عن أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام) في حال غيابه، فيرجع إليها المسلمون في المسائل الشرعيّة؛ ونظراً لسعة معارفها كان الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يروي عنها، وكذلك كان يروي عنها عبد الله بن جعفر، والسيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام). ولمّا كانت في الكوفة في أيام أبيها كان لها مجلس خاص تزدحم عليها السيّدات، فكانت تلقي عليهنَّ محاضرات في تفسير القرآن الكريم، كما كانت المرجع الأعلى للسيّدات من نساء المسلمين، فكنّ يأخذنَ منها أحكام الدين وتعاليمه وآدابه. ويكفي للتدليل على فضلها أنّ ابن عباس حبر الاُمّة كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها، كما روى عنها كوكبة من الأخبار، وكان يعتزّ بالرواية عنها، ويقول : حدّثتنا عقيلتنا زينب بنت علي. وقد روى عنها الخطاب التاريخي الذي ألقته اُمّها سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) في جامع أبيها (صلّى الله عليه وآله). وقد نابت عن ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في أيام مرضه ، فكانت تجيب عمّا يرد عليه من المسائل الشرعيّة ، وقد قال (عليه السّلام) في حقها :(( إنّها عالمة غير معلّمة)). [وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ السيّدة (عليها السلام) كانت توصل الإجابات عن طريق نسوة الرجال الذين رووا عنها]. وكانت ألمع خطيبة في الإسلام ؛ فقد هزّت العواطف، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الاُموي ، وذلك في خطبها التاريخية الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافية والأدبية . لقد نشأت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في بيت الوحي ومركز العلم والفضل ، فنهلت من نمير علوم جدّها وأبيها وأخويها ، فكانت من أجلّ العالمات ، ومن أكثرهنَّ إحاطة بشؤون الشريعة وأحكام الدين [وهذا الدور يشير إلى أهمية التربية الصالحة وحصاد نتاجه]"(٦). وبذلك كانت السيّدة زينب (عليها السلام) الـمرجع الأعلى للنساء، فهلاّ اقتدينا؟. اختاه، حذار أن تكوني كلاً على أمتك، وبلسماً لعدو دينك. استصرخكِ، لمن تتركين الميدان؟! ألا يكتوي قلبكِ حين ترين وحوشاً كشَّرت عن أنيابها الفضائية، ومخالبها الصحفية، وراحت تعبث في أخواتك، وتنتهك عفتهن وكرامتهن بدعوى التحرر من الدّين؟! ألا يتقطع نياط قلبكِ وأنتِ ترين انتشار ظاهرة الطلاق، أو الجهل بالواجبات الزوجية الملقاة على عاتق المرأة، والانتهاكات التي تحصل في بعض البيوتات المنتشرة انتشار النار في الهشيم؟! أيطيب لكِ طعام أو شراب وأنتِ ترين فتاةً تلو فتاة من فتياتنا قد رَمَت بحجابها، وتركت صلاتها، وعصت أمر ربّها، منساقة وراء أبواقٍ خاسئة؟! رحماكَ يا الله، كيف تقوى نفسكِ على القعود وأنت تملكين – بفضل الله تعالى – القدرة على تحصين نفسكِ، وأخواتك من حبائل المفسدين ومكايد العابثين؟!. ثم هل من المعقول التفريط بسيرةِ سليلة الطهر والعفاف (عليها السلام)، وعدم تطبيقها في زمننا الحالي؟! فيا ابنة الإسلام انهضي، فيكِ انطوى العالم الأكبر، فلِمَ العزلة والتقهقر ! _________________ (١) الكافي، ج٢، باب الاهتمام بأمور المسلمين، ح١. (٢) النساء:٣٦. (٣) الكافي، ج٢، باب التحبب إلى الناس والتودد إليهم، ح١. (٤) غرر الحكم: ٢٤٦٦. (٥) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني، ج١، م١٩. (٦) السيدة زينب (عليها السّلام) رائدة الجهاد في الإسلام: باقر شريف القرشي، ص٤٥-٤٦. اللّهم أجرِ للناس على يدينا الخير، وسددّ خطانا يا قويّ يا خبير، وصلِ اللّهم على محمدٍ وآله البشير النذير. علوية الحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
3420

كيف أسرق الانتباه؟

هل تتوقع ما قال لي ولدي؟ - سأجيبك في الختام. كل كاتب إن لم يتمنَ نجاح مقاله، فلا يخلو من رغبةٍ للفْت الانتباه إليه؛ لتحضى كتاباته، وأفكاره، وأهدافه وسعيه نحو غايته بفرصة من فرص القراءة، فدائمًا يسعى الكاتب المتطلع للنجاح أن تظهر مقالته بأسلوب متحرك، فعّال، نابض، ليشعر القارئ بحرارة المحتوى، ونشاط المضمون، فالسطر يدفعك لقراءة الآخر، والكلمات تتعارك فيما بينها؛ للحفاظ على الانتباه والتركيز في الفقرة. (المصيدة) حيلة احترافية لجذب القارئ نحو المحتوى، ومكنة بلاغية للقبض على ذهنه وإقفال قفص المقال عليه، فلا يهرب –بسببها- حتى يُفرغ حاجته المعرفية، الحاجة التي فرضتها عليه هذه المصيدة. عرَّفها (ميلو أو. فرانك) 1 في كتابه: (كيف توصل رسالتك في 30 ثانية أو أقل) بأنها: (عبارة أو عنصر ما يستخدم تحديدًا لجذب الانتباه...)، وهذا التعريف واسع دخل ضمن إطاره صورٌ كثيرة، وألوان متعددة من واردات الحياة اليومية: سياسة، فن، إدارة منزل، اقتصاد، كتب، مجلات، إعلانات تلفزيونية، لذلك يقول: (المصائد تحوم حولك في كل ساعة من النهار والليل...)، لماذا؟ لأنها قد تكون داخل دعاية إعلانية يقول فيها المذيع نكتة قبل أن يرفع يده مخرجاً علبة (شامبو) لا ملازمة منطقية بينها وبين النكتة، أو مقطعاً غنائياً لمحاربة الفكر الإرهابي يُردَّد فيه: (لنفجّر، لنفجّر) ولكنه يريد أن يفجر –في هذه المرة- الحب والحنان! وقد تكون علامة تعجّب لا علاقة لها بالعبارة: (!)، وقد تكون نبرة صوتٍ غريبة، أو صوتًا عاليًا، أو حركاتٍ يدوية وإيماءاتٍ بالرأس، أو نكتة قبل الدخول في حديث، أو عنوان يشد الانتباه كما فعلت في هذا المقال، أو مقدمة لكتاب. الكاتب المصري محمد رضا عبد الله 2 استعمل حيلة المصيدة في كتابه، وأشد المصائد قوة عنوان كتابه إذ سماه: (كيف تقتل زوجتك دون أن تجرح مشاعرها)!، فالعنوان غريب، ولكن المحتوى أغرب، فهو يبدأ –مثلًا- مجموعته القصصية بإهداء يقول فيه: (أهو يا ستِّي... عشان ما تقوليش إني حارمك من حاجة...)، ثم في الصفحة الثانية يكتب إهداءً ثانيًا: (إلى زوجتي العزيزة برضو... شوفتي بقه؟ ... إيه رأيك؟... إهدائين في كتاب واحد...)، ثم يدَّعي وجود إهداءٍ ثالث في الصفحة التالية، فإن قلبتها تجد: (إنتي صدقتي ولا إيه؟)، هذا الكاتب محترف، إذ هذه الصفحات الثلاث كفت لنقل القارئ تلقائيًا لباقي الصفحات ومعه كم هائل من الجذب، خلّفته هذه المصيدة الفكاهية. نرجع إلى أبي فرانك (ميلو أو) في تعليقه على مصيدة الدعابة: (كنت أعقد حلقة دراسية في أحد فنادق بيفرلي هيلز 3، وقد كان هناك ستة مديرين تنفيذيين في القاعة الضخمة، والأنيقة الرائعة. طلبت من كل واحد منهم أن يبتكر مصيدة، أو عبارة بسيطة تستحوذ على انتباه كل شخص، فقالت تنفيذية شابة: لقد مر فأر في الحجرة توًا! فقلت: تلك واحدة من أفضل المصائد التي سمعتها في حياتي حتى الآن، فقالت: "وإنها لصادقة أيضاً"). هو نفسه ميلو جعل عنوان كتابه مصيدة، وكذلك فعل ريتشارد تمبلر في كتابه: (قواعد الثراء)، وأنتوني روبنز 4 في كتابه: (أيقظ قواك الخفية)، إلا أن جورج سيمسون 5 لم يلتفت لفائدة استعمال العنوان كمصيدة، وبقي كتابه: (الإنسان في المجتمع) آخر الكتب التي قد تلتفت إليها في رفوف المكتبة، إلا عند من يعرف قيمة هذا الكتاب المؤدب، وعلى كل حال: يكفي متابعة قيمة المشتريات، وعدد الطبعات التي حقّقتها كتب المصائد، التي قل منها ما يحمل موضوعًا يصور -فعلًا- الانسجام بينه وبين العنوان البرَّاق. علامة حمراء مكتوب فيها: (بيع منه أكثر من مليون نسخة)، ما هو؟ الوضعية تشير إلى كتاب، يستحق القراءة، لنشتريه يا زوجتي حتى نوقظ قوانا الخفية! شكرًا يا أنتوني روبنز، ولكن لم أجد مهلة لقراءة كتابك، إذ جذبني قبل ذلك عنوان كتابٍ آخر، حتى امتلأت مكتباتنا بالعناوين، وخلت أذهاننا من المعلومات المفيدة. بالنسبة للسؤال في بداية المقال فهل فهمت المغزى؟ نعم هو كذلك: (مصيدة)، أما للفضوليين فقد قال: (بابا) كعادة أي طفل، وأنا لا أدعو –هذا المقال- لممارسة المصيدة للغو واللعب، بل لاستعمالها في جذب القراءة، وأسر العيون والأذهان بالكلمات والعبارات المنبِّهة؛ لإيقاض القارئ وإنعاشه حتى لا يتكاسل عن إكمال باقي المقال، وليس من الضروري أن تلتزم بهذه التسمية، بل سمِّها ما تشاء، كتسميتها أسلوباً جميلاً، فيه تحقق غايتك من الكتابةـ وبالأخص ما نحن فيه: الغايات المقدسة، كالتبليغ الديني. ................ 1- ميلو فرانك مواليد عام 1922 في نيويورك، مؤلف كتب. 2- محمد رضا العبد الله، كاتب مصري، لديه مؤلفات كثيرة مثل: (حالات خاصة، مذكرات طبيب نفسي...)، و(الصرخة). 3- بيفرلي هيلز(Beverly Hills) هي مدينة أمريكية تقع في الجانب الغربي لمقاطعة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا. 4- ريتشارد تمبلر كاتب إنجليزى فى مجال التنمية البشرية ومن مؤلفاته: (قواعد الحياة)، (قواعد العمل)، (قواعد التربية). 5- كاتب ومتحدث أمريكي، ولد في 29 فبراير 1960 في كاليفورنيا وله عدة كتب وبرامج في مجال تطوير الذات. 6- الظاهر أنه جورج جايلورد سيمبسون من مواليد يونيو 1902 وكان عالم حفريات أمريكي، ولم أجد كتابه الذي أملكه عبر النت لأتأكد منه.

اخرى
منذ 7 سنوات
3050

الرّباط المقدّس

حوار: حنان الزيرجاوي قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) رابطة الزواج تلك الرابطة الفطرية المقدسة التي يجب أن تبنى وفق مبادىء صحيحة لتكون ثمرتها المودة والألفة والرحمة نجدها أحيانًا تعصف بها عواصف اختلاف الآراء ووجهات النظر لترسوَ على ساحل المشاكل والصراعات التي تؤدي لانهيار تلك العلاقة المقدسة. نظرًا لأهمية الموضوع كان لنا حوار مع (الدكتور ابراهيم صفاء الصائغ) اختصاص الطب النفسي مدير مكتب الصحة النفسية في دائرة صحة ذي قار. حيث تم طرح بعض الأسئلة وكان متفضلًا بالإجابة عليها وهي: س- ماذا يمكننا أن نُطلق على المؤسسة الزوجية كتعريف؟ ج. تعريف الزواج: هو رباط مقدس بين الزوجين يبارك لهما الله تعالى فيه، ويبارك لهم المجتمع، وكل منهم يعيش لأجل رفاهية الآخر. يشاركه الحياة باختلاف وجوهها. بالنسبة للمرأة يعتبر تغييراً جذرياً كونها ستترك البيت الذي تربت فيه إلى بيت غريب مملوء بالمسؤوليات. أمّا بالنسبة للرجل فيعتبر أهم مشروع في حياته كي يثبت لنفسه وللآخرين قدرته على إدارة أموره وحسن قيادته للأسرة. س- ما هي المشاكل التي يُمكن أن تخرّب العلاقة بين الزوجين؟ ج. المشاكل التي يمكن أن تدمر العلاقة الزوجية كثيرة جدًا. فالفقر والمرض وعدم القدرة على الانجاب وتخلف أحد الشريكين عن تحمل مسؤولياته، وتدخل الأهل، كلها تدمر هذه العلاقة التي من المفترض أن تكون خاصة بالزوجين الناضجين والواعيين لتحمل المسؤولية. س- ما هو دور الزوجة عند وجود مشاكل لدى الزوج، إن كان في العمل أو في العائلة؟ ج. دور الزوجة التخفيف عن الزوج في حال مروره بصدمات، فالمعروف أنّ للزوج مسؤوليات كبيرة خارج وداخل البيت. يصطدم بالمجتمع ويكافح من أجل لقمة العيش. لذا فسماع كلمة طيبة من الزوجة سيساعده في أن يكون قويًّا. س_ في حال وجود خلاف بين الزوجين، هل من السليم إدخال أطراف أخرى للمساعدة في الحل أو إنها تفاقم الخلاف؟ ج- في حال وجود خلاف بين الزوجين يكون الأفضل عدم تدخل أي طرف وترك الحلول بيد الزوجين، لذا عليهما الاتفاق والتنازل والتفاهم. أمّا إذا لم يتفقا فالواجب تدخُل طرف محايد ومتزن وغايته الاصلاح من كلا أقارب الزوجين. س- في مثل ظروفنا الحاليّة، والحالة الاضطرارية للزوم المنزل، كيف يُمكن تفادي المشاكل التي تحصل بسبب اختلاف الآراء التي تنجم عن تدخّل الزوج بعمل المرأة في البيت؟ ج- في وقتنا هذا هناك وباء متفشي أجبر الرجل على البقاء في البيت وهذا يسبب تدخلات من الزوج في أعمال المنزل، فالأفضل أن تتحمل الزوجة زوجها وتعطيه مسؤوليات إضافية وتشغله بعمل منزلي مفيد لو كان يرغب في ذلك. س- هناك بعض الأزواج يُعانون من مشكلة عدم التعبير عن المشاعر اتّجاه الشريك، كيف يمكن حلّ هذه المشكلة أو ما هي الطرق المُساعدة لتخطّيها؟ ج- قد يواجه الزوجان مشكلة بعدم القدرة على البوح بمشاعره، وهذه تُعتبر معضلة لأن تبادل المشاعر هو ينبوع يديم حياة الزوجية، فيجب أن يتعلم الزوجان تبادل الكلمات الطيبة دوما. س- ما هي الحلول والأساليب التي يجب على الزوجين الالتفات لها لتكون حياتهما مستقرّة ومُنعكسة بشكل ايجابي على الأطفال؟ ج- يجب أن تكون العلاقة الزوجية متناغمة مع طموح الأطفال، فالأطفال مستقبل الأسرة ويجب أن ينشؤوا في بيئة مرتاحة. لذلك لا يجب أن يرى الأطفال والديهما وهما يتجادلان أو يصرخان على بعضهما، فالمشاكل يجب أن تحل داخل جدران غرفتهما. س- إذا كان هناك تبايُن بين الزوجين حول طرق التربية، بالطبع هذا سينعكس سلبًا على تربية الأطفال، من الذي عليه أن يُقدّم التنازلات لضمان سلامة الأطفال النفسية؟ ج- طرق التربية مختلفة لدى الزوجين وتنبع من الخلفية الثقافية لهما، وعلى كل طرف أن يُقدم ما يجيد أداءه. فالأم تقدم العطف والحب. والأب يُقدم الانضباط والهيبة. س- هل للفقر التأثير على السلامة النفسية للأسرة؟ أو بالعكس؟ ج-الفقر يعتبر عائقاً أمام الاستقرار الأسري لكن حدوثه وارد جدًا وأحيانًا يكون حتميًا، وعلى الزوجين أن يكونا قنوعين بما اعطتهم الدنيا ويستعيضا عن الغنى المادي بالغنى الأخلاقي. س- ما هي الأمور التي لا يجب أن يصارح فيها الزوج زوجته؟ ج-هناك أمور لا يجب أن نصارحها للشريك وهي المشاكل القابلة للحل، فنحن سنحلها مستقبلًا لذلك الأفضل أن لا نذكرها. س- إذا كان البيت الزوجي مشتركًا مع أهل الزوج أو الزوجة، ما هي الأساليب التي تساعد على تفادي المشاكل التي ممكن أن تحصل في هذه الحالة؟ وهل يمكننا السماح للجد والجدة بالتدخل في أمور التربية؟ ج- أحيانًا يضطر الزوجان للسكن بجوار أحد الأجداد، وهنا تحصل تدخلات كثيرة، ليس هناك من قانون للتعامل مع تدخلات الأهل، ونترك اتخاذ التدابير للزوجين كي يجدا حلًا وسطًا. س- إلى أيّ مدى يؤثّر إلغاء دور المرأة في بيتها على أدائها ونفسيتها داخل أسرتها؟ ج- لا يمكن الغاء دور المرأة في البيت لأنه ببساطة لن يعوضها أحد، فحنانها على الأطفال ورعايتها للزوج لن يعوضه أحد آخر، لكن في حال مرض الزوجة لا سمح الله تعالى على الرجل أن يكون البديل الأمثل، من خلال العناية بالطعام ورعاية الأطفال والاعتناء بالزوجة، فليس هناك قانون يمنع الزوج من مساعدة زوجته في الأمور البيتية والعكس صحيح أيضًا.

اخرى
منذ 5 سنوات
1334

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
81349

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
60712

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 7 سنوات
50727

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
45752

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
45670

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
34829