رفقًا بالقوارير

بقلم: وجدان الشوهاني في لغتي العربيةِ اتهاماتٌ مقتبسةٌ من عصبيةِ الجاهليةِ الأولى، ونظرتهم الدونية للمرأة، ممّا تركتْ تلكَ النظرةِ أثراً على اللغةِ حتى أنّه لَيَنكشفَ ذلكَ الأثر على ألسنِ البعض مهما بلغتْ ثقافتهم من خلالِ فلتات اللسان. فضمير المخاطبة (أنتِ) ما أن تتحدث يتهمونها بالأُنثويةِ ويسلبونها أبسط الحقوق وكأنها نكرةٌ في مجتمعٍ ارتقى بالضمير (أنتَ) ثم يطيلون النظر بكسرتها ليستنبطوا حكمًا ذوقيّا بأنّ منشأ تلكَ الكسرةِ هو نظرةُ المجتمعِ العربي الذي لا يعطي للمرأة أيّ مكانة، ولذا كانتْ المرأةُ منكسرةً؛ بسبب كسرتها، على عكس الفتحة التي أعطت شأنيّة للرجل مع أنّ بعضهم لا شأنيّة له من قبيح ما يصنع. ولم يلتفتْ ذلك المجتمع إلى أنّ الكسرة حركة من الحركات، وقلَّ من يفهم فلسفة الحركات، فبين مجتمع جاهلي ينظر للكسرةِ نظرةَ انكسارٍ وبين لغة تنظرُ للكسرةِ نظرةَ قوة. ولم يقف الاتهام عند (أنتِ) بل وصل الى تاء التأنيث الساكنة (تْ) التي لا محل لها من الإعراب، فقالوا: لا فائدة من المرأة، حتى اللغة لم يُجعل لتائها محلٌ إعرابي، وجعلتها ساكنة لا حراك بها كالأموات ، ولم يلتفت هؤلاء الى إنَّ السكونَ هي فطرة وهبها الله للأُنثى احترمًا لما بعدها من متحركٍ، وتَناسوا أنّ العربية أجازتْ للتاءِ أنْ تتحرك متى ما سكنَ ما بعدها، فتكسر منعًا من التقاء الساكنين. سبحان الله، فتلك الفطرة الربانية قد جسّدتها تاء التأنيث الساكنة؛ لترسم خارطة طريق للأُنثى فتتوافق اللغة مع تلكَ الفطرةِ، فمع أنها لغة لكنّها أشارت لبعض الفروقات التي فضّل الله تعالى بها الرجل على المرأة، فلا تساوٍ بينهما تاماً، ولا انعدام للأنثى بشكلٍ تام، ولكن للأسف هناك مَن لا يفقه من هذه الفلسفة شيئاً... وفي الختام ولكلِّ مَن لا يرى للمرأة مكانة نقول: احذروا من استمراركم في ظلمها ورفقًا بها، فها هي نون النسوة (نَ) قد غيّرتْ من حالِ المرفوع وجعلتهُ مبنيًا، فبعد أن كان الفعل المضارع مرفوعًا متباهيًا بضمتهِ إذ دخلتْ عليه النسوة بنونها فبنتهُ بسكونٍ، وكأنّها رسالة من النسوة بعدم استغلال وحدتها فالأنثى إن اتحدت مع رفيقاتِها واجتمعنَ تحت خيمة النون فستغيّر...! فالتغيير بأيدينا! أعيدوا النظر بأفكاركم التي اقتبستموها من عصبية الجاهلية… وختامًا نقول: رفقًا بالقوارير

اخرى
منذ 5 سنوات
1378

أصلب عودا

بقلم: وفاء لدماء الشهداء ما أن أرى شجرة شامخة تنتصب وسط الأعاصير، وتغوص جذورها بين الصخور، حتى ينتقل ذهني مباشرة إلى قول مولاي الأمير (عليه سلام الرب القدير): "ألا وإنّ الشجرة البريّة أصلب عوداً والرواتع الخضِرة أرقّ جلوداً والنابتات العذبة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً". ‌كانت تلك الكلمات النيرات ضمن رسالة كان قد أرسلها الإمام (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف وإليه على البصرة، ويا لها من كلمات ثرة، تنقل القارىء إلى آفاق رحبة، فيها للقلب والعين قرة، وكأنها تقول لكل من أراد أن يسلك الطريق إليهم، ويشد الرحال إلى رحابهم، ويعقد العزم على نصرتهم: كن كالشجرة البرية، ذات الأغصان العظيمة والجذور القوية، لا تهتز مع الريح، ولا تمل مع التيارات التي لا تفتأ تُهاجم الحق الصريح، بضلالات شؤمها القبيح. ‌كن قويًا وفي طريق الحق صلبًا أبيًا، لا تُساوم، لا تنحنِ، لا تُطأطئ الرأس، ولتكن في الله (تعالى) شديد البأس، ولكن اعلم أنّ من أراد هذا الطريق فعليه أن يوطّن نفسه للصعوبات، ومقاومة الألم والمعاناة، وتحدي المعوّقات، ومجابهة التحديات، فما كان طريق الحق يومًا مفروشًا بالزهور، وما كان الباطل ليدع المجال رحبًا أمام انتشار النور، فالصراع مستمر حتى يوم الظهور وتألق الدنيا بوجه الغائب المستور، (عليه وعلى آبائه الكرام أفضل الصلاة وأتم التسليم من الرب الشكور). تحمّل، قاوم، اصبر، استمر، وإياك والتراجع واليأس، ولتكن جراحات المعصومين (عليهم السلام) ماثلة أمام عينيك، ورحلة كفاحهم في حياتهم زادًا ووقودًا لمسيرتك يشد من عزمك ويقويك، ‌كن شجرة قوية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا تكن عشبًا اخضرًا يفتن الناظر مرآه، ولكنه سرعان ما يتطاير في الهواء عند أدنى ريح تغشاه، فالطريق الطويل يحتاج إلى عزم كبير وهمة عالية وطموح وشغف منقطع النظير.

اخرى
منذ 5 سنوات
1635

لآلئ من نهج البلاغة الحكمة الثالثة/ الفصل الرابع

بقلم: يا مهدي أدركني رويَ عن أمير المؤمنين (صلواتُ الله وسلامه عليه): ".....وَالْمُقِلُّ غَريبٌ فِي بَلْدَتِهِ". المُقِل: اسم فاعل من أقَلَّ، ويُقال: رجلٌ مُقِلٌّ أيّ قليل المال. والغريب: هو من كان بعيدًا عن أهله ووطنه، وهذا هو المعنى اللغوي لها. أما المعنى الوجداني فالغربةُ: هي مجموعةٌ هائلة من الأحاسيس التي تختلجُ الصدور وتعتصرُ القلوب حتى تُمزّقها بأشواكها، لا يُمكن للغريب أنْ ينتزعها فهي لا تُلمس باليد ولكنّها تُقيِّد اليدين بسلاسل العوز، ولا يُمكن أنْ يتذوقَها المرء بلسانه، ولكنَّها تتركُ مرارةً لاذعةً في الفم، ولا يُمكنه أنْ يراها ولكنّها تتساقط دموعًا لتكتب أحزانًا وآهات. هي أمرٌ وجداني ينفرُ منه العاقل ويهربُ منه اللبيب، هي شعورٌ بالوحدة، هي في الحقيقة نتيجة لصراعاتٍ ومواقفَ وأفعال يمرُّ بها الإنسان. فما هي أسبابها وكيف لنا أن نتجنب الوقوع فيها؟ أسبابُ الغربة: إنَّ الإنسان يتعرضُ في حياته لظروفٍ معينة ربما تكون أقوى من أنْ يتخذَ قراره بنفسه، أو قد يكون هو صاحب القرار ولكنّه قد اضطُرَّ إليه وأُجبِرَ عليه وقايةً لنفسه من الوقوع في أمرٍ أصعب، فربما يترك الوطن والأحباب مثلًا ليحافظ على حياته أو دينه أو عرضه وما إلى ذلك من أسباب أخرى، ونتيجة لذلك سيكون في بلدٍ غريبٍ عنه لا يعرف فيه أحدًا، وغالبًا ما يواجه صعوباتٍ عديدة، من قبيل اختلاف اللغة والعادات التي تُصعِّب عليه التعايش مع أهله؛ فيُعاني ويُقاسي بسبب ذلك علاوةً على ابتعاده عن محبيه وأهله. فالإنسانُ بالفطرة مجبولٌ على الاختلاط والتعايش مع أبناء جلدته ليتكامل ويسدّ ثغراته ويرتقي لبناء مجتمع متطور متماسك يهنأ فيه بالعيش الرغيد، فقد قال عزَّ من قائل: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[الحجرات: 13] فنخلصُ إلى أنَّ أسباب الغربة تكمنُ في تلك الصعوبات التي تواجه الفرد ولا يُمكنه مواجهتها لوحده من دون مساعدة الآخرين في تذليلها، وعليه فإنَّه كُلّما فقد الإنسان الأصدقاء والأقارب شعرَ بالغربة حتى لو كان في وطنه! وهذا يعني أنَّ هناك أسبابًا أخرى قد يكون مؤداها هو العوز الحقيقي لمنْ يُسندك، فتنالك لسعات نار الغربة. ومن أهم تلك الأسباب هو العوز والفقر، فإنَّ المعيار في المجتمعات هو الغنى، فتجد الغني كأنه طبق من عسل يجتمعُ حوله الذباب ليدبق فيه، فما إنْ ينفدَ حتى تجده يرحلَ عنه، فلا يجدُ حتى من يحملُه ويُنظِّفه من تلك المُخلفات! وهذا النوعُ من التعامل هو السائد في العديد من المجتمعات بل وحتى على مستوى علاقة الأقارب، وهو رغم قُبحه الأخلاقي ورفض الدين له، إلا أنَّه قائم ومتكاثر ليتحول إلى مرضٍ متفشٍ في المجتمعات يُعاني منه الآباء والأمهات والأخوة والأخوات، هذا فضلًا عن العلاقات الأخرى، لأنَّ المعيار في هذه العلاقات هي المنفعة المادية فقط لا غير. فهل العلاقات الحقيقية انتهت وحلّت محلّها علاقات المصالح؟ لا يُمكن التعميم والقول: إنَّ العلاقات الحقيقية المُبتنية على الحب والاحترام قد انقرضت؛ وذلك لأنَّه لا زال هناك أناسٌ يحملون في قلوبِهم من الطيبة التي تكفي لتُغطي بحنانِها العالم بأسره، ولكنْ يجبُ على الإنسان أنْ يكون حذرًا في علاقاته وتعامله مع الآخرين، ويكون فطنًا ملتفتًا للمواقفِ العابرة تلك، التي قد تكشفُ له عن حقيقة معدن من يُخالطهم كي لا يقع في الندامة. وهنا بعض النصائح التي قد تنفع في علاج هذه الظاهرة: *عاملْ الناس كما تُحب أنْ يعاملوك، وليكُن هذا شعارك، فإن استطعت أنْ تعكسَ هذا التعامل ولو على فردٍ واحدٍ فإنك بلا شك ستكون سببًا في تكوين سلسلة التغيير. *صلةُ الرحم، وهذا ما أكدت عليه الشريعة الإسلامية وجعلت لمن يعمل به أجرًا في الدنيا وفي الآخرة لما فيه من آثارٍ عظيمةٍ تُقوِّي الأواصر وتُثبِّت جذور المحبة في القلوب. *دوام الابتسامة والتفاؤل، فكلما كانت ابتسامتك مرسومةً على وجهك وقلبك ينبض بالتفاؤل ستجد الناس تتوق للقياك. *طهارةُ القلب والإيمان، ففي القلب النقيّ الطاهر يحلُّ نور الله (تعالى)، وقد جعل الله (تعالى) جاذبيةً في تلك القلوب لتستقطبَ الناس كما يدور الفَراش حول المصباح. *الدعاء، وهو ما دعا به النبي إبراهيم الخليل (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) فقال كما حكاه القرآن الكريم: "فأجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم". إشارة وفيها مسك الختام: روي عن رسول اللَّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم): "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء فقيل: ومن الغرباء يا رسول اللَّه؟ قال: الَّذين يُصلِحون ما أفسده الناس من سنّتي...".(1) في هذا الحديث إشارة منه (صلى الله عليه وآله) بأنَّ هناك فترةً عصيبةً سيمرُّ بها المؤمنون، وعندها سيشربون من كأس الغربة ويتذوقون مرارتها ويكتوون بنارها، وهم في أوطانِهم ومع أبناء جلدتهم ولكنّهم سيكونون غرباء! فالغربةُ قد تكون باختلاف الأفكار وعدم تلاقُحِها، وفي الابتعاد عن الدين وعن تطبيق الأحكام، فتجد من يسير على خُطى أهل البيت (صلواتُ الله وسلامه عليهم) يُعاني من الغربة الشديدة لقلة سالكي ذلك الطريق. فكيف بغريب الغرباء إمام زماننا (صلوات الله وسلامه عليه) وهو يرى ما يُفعل بدين جده (صلوات الله وسلامه عليه) ويرى كيف يتعرض شيعته للأذى، فيتصبر بمرارة الانتظار ويدعو لشيعته وفي القلب غُصَّة مما يجري عليهم... أين نحن من ذلك؟ فلنرفعْ راية الحق ونصدح بآياتِ الولاء ونتطهر بقطراتِ السماء ونُسدِلُ علينا ثوبَ العفة والحياء، لنُرسلَها حروفًا خُطّت في صحائف أعمالنا لتُخففَ عنه الغربة وتُدخل على قلبه السرور. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج ١، الفيض الكاشاني، ص ١٣٤

اخرى
منذ 5 سنوات
1196

هل سيعم الصمت يا كورونا؟

بقلم: حسين فرحان العالم يحبس أنفاسه، والكل حذر من الكل، لا تقترب أكثر.. لا تصافحني.. لا تلمس بيديك مساحة لم ترش بالمواد المعقمة.. ثم ماذا؟ أصبحنا نرى العالم من خلال (كمامة) البعض يظهر وجهها الأزرق والآخر يظهر وجهها الأبيض في لغة طبيّة بدأت تنتشر لتُغني عن كل اللغات، ربما لن تجد كلاماً -في بعض بقاع الأرض- سوى (أنت مصاب بالوباء فابتعد ودعني أنتظر دوري).. فرحة صغيرة تعم لتزيح بعضًا من الهم أن دولة اكتشفت الترياق المجرب وأن الأمور ستؤول إلى خير وسلام. الأخبار تتوالى تحمل مع عواجلها الاحصائيات، وحياة الشعوب أصبحت رهينة الأرقام فاسم الدولة يقابله عدد الإصابات والنتيجة شلل في مفاصل حياتها وإن لم يحصد الموت فيها أحداً. البعض يردد (لا عاصم اليوم..) وآخر يجزم أنها حرب بايلوجية وآخر يتهم الخفاش والأفعى ويلعن الثدييات والطفرة الوراثية والتعديل الجيني لهذا الفايروس السيء الصيت.. القلق من الإصابة هاجس البشرية جمعاء، فهل هو القلق على الأنفس أو على الأبناء أو على المتعلقين والأقرباء والأصدقاء؟ هل تتباين الأولويات في ذلك؟ اللجوء إلى الحلول كيف سيكون -فالقضية عالمية-؟ هل ستلتجئ البشرية إلى الحلول الطبية وتؤمن بها ذلك الإيمان المطلق مع استمرار الوفيات وتسارع الانتشار؟ هل سيكون للتوجه العقائدي نصيبه في نفوس البشر مع اختلاف عقائدهم، فغير المعتقدين بوجود الله تعالى شأنه سيتوجهون حتمًا لبوذا وللنار والفأر والبقر والطبيعة وطقوس تقديم القرابين للأنهار والبراكين؟ هو دون البعوضة التي ضربها الله مثلًا، لا يرى ولا يسمع له صوت سوى صوت نعي الأخبار العاجلة. (كورونا) ربما لن يمنح لكاتب ما الفرصة، لأن يكتب فيه قصة قصيرة فضلًا عن رواية ربما يعجبه أن يحاكي فيها رواية ماركيز فيكتب (الحب في زمن الكورونا).. والهواء ذلك المخلوق المجّاني الوحيد الذي تنعمت به البشرية منذ بدء نشأتها أصبح يُستنشق بحذر من وراء الكمامات، فأصبح يحمل إمارات الموت بل يحمل الموت بعينه.. وأخطر ما في الوباء أنه لا يعترف بأرض دون أرض، ولا بشعب دون شعب، فهو السائح الذي تحمله الرياح حيث جرت لتصنع فوبيا من نوع جديد هي (فوبيا الهواء أو التنفس أو الزحام أو العطاس أو السعال).. لم يحدث جنون البقر ولا أنفلونزا الطيور والخنازير ما أحدثه كورونا، حتى كأن العالم يقف عاجزًا أمامه وهو فعلًا لغاية اليوم أشبه بالعاجز.. فالقراءة للواقع مرعبة وأسوأ ما فيها هو أن ينتشر، وعندها سيكون الوضع في بلدان كثيرة غير ما نراه اليوم.. الإيمان بالله طوق نجاة، ومن اعتقد بالفرج سيراه، أما النظراء لنا في الخلق فسيرددون (هل سيعم الصمت يا كورونا؟) لا نملك إلّا الدعاء...

اخرى
منذ 5 سنوات
2682

فقدانٌ

بقلم: حيدر عاشور اطفأتِ النور وتركت جسدها المُتعب يرتمي على السرير، امتدت يدها دون شعورٍ منها الى المذياع فتدفقت الأصوات واختلطت الإذاعات: قررت القوات الأمريكية سحب آخر لواء لها عبر الأراضي العراقية تطبيقًا لاتفاقية الانسحاب. أدارت مُوجّه المذياع: الفيضانات تُشرِّد سبعة ملايين من سُكان باكستان... الحرائق تجتاح روسيا والخسائر تُقدَّر بثلاثمائة مليار، وخشيةٌ من وصول النيران إلى المحطّات النووية... تهريب آثار عراقية عبر دول الجوار. استوقفها الخبر الأخير، وبدأتِ الأفكار والتداعيات تكبُر كدوائر الماء في محيط عقلِها، وتذكّرت وهي تَخرُج من الجامعة تلك اللافتات الصغيرة المُعلّقة على الجُدران أو قُرب مظلة وقوف السيارات، وقد كُتِبَتْ عليها كلمةٌ واحدة (فقدان): فُقِدَ شخص يُدعى (ناظم مراد) يبلغ من العمر حفنةً من الضياع ويرتدي الوجع اليومي، فمن يعثر عليه يُرجى تسليمه إلى أقرب دوريةٍ للقوات مُتعددة الجنسية. ظلّت كلمة (فقدان) تئزّ بقوةٍ تحت فروة رأسها الصغير، وكأن جرسًا بعثَ دقاته دون توقف، انقلبت إلى الجهة الأخرى وأغلقت المذياع، وارتسم أمام عينيها ووسط الظلام شريطٌ يشبه الشريط التلفازي (سبتايتل)... أعداد المفقودين في تزايد ولا أحد ينتبه إلى هذه الظاهرة، وتساءلت مع نفسها: هناك من يُفقَدُ في حادثةٍ، وآخر يُفقَدُ رغمًا عنه، وربما هناك من يختار الفقدان كمصير، ويُقرِّر الاختفاء الأبدي كنوعٍ من الاحتجاج على هذا المهرجان الجنائزي الذي يُحاصر الجميع بكلِّ أشكال الاندثار. نهضت بقوةٍ وأزاحتِ الغطاء، أضاءت المصباح وامتدت يدُها لتنسيق شعرها المتناثر، بحثت عن وجهها في المرآة المعلقة على الجدار المقابل تحت صورة التخرج من الجامعة / كلية الادارة والاقتصاد، ثم تطلّعت إلى معطفها الجامعي وهي تؤدي طقوس الماجستير والدكتوراه، الآن يُناديها الجميع: هناء، دكتوراه بالاقتصاد وتسكن شقة مُستأجرة مع والدتِها، كائنان مقطوعان عن العالم، وهي تُصرُّ على الصدف والتلقائية، ولم تجرؤ يوما على صبغ شعرها الأبيض وتُحوِّله إلى أصفر أو أحمر كما تفعل زميلاتها، حتى الطالبات يستخدمن الأصباغ والماكياج ويتحوّلن في نظرها إلى دمى مزيفة، الإنسان يجبُ أنْ يكون على طبيعته دون تزويق أو تزييف، الوجوه الحقيقية أفضلُ وأجمل من الأقنعةِ المُصطنعة.. قالت لها زميلتها الدكتورة وفاء: إنَّكِ يا هناء تعيشين في كوكبٍ آخر ليست له علاقةٌ بكوكبِنا، يا عزيزتي انتبهي إلى نفسكِ، أنا أصبح لي أحفاد وأنت... وسادَ الصمتُ الثقيل بينما، كانت هناء تتمنى أنْ تمتلك زميلتها الجُرأة التامة وتقول لها: إنَّكِ عانس، مضتِ الحياة عنك، وأفلَ كلُّ شيءٍ، واجتاح جسدك، وشعرك، وأسنانك، قطار العمر الاحتلالي، ولم يَعُد فيك ما يُغري أحدًا ليطلبَ يدكِ إلا من به طمعٌ في شهادتكِ، راتبُكِ يتبخر إزاء الأدوية التي تحتاجها أمُّكِ، وما يتبقّى تبعثين به إلى أختك وأطفالها الخمسة بعد تحوّل زوجها إلى مُعاق لا يستطيع مغادرة المنزل إلا بعكازتين، ما الذي بقيَ لكِ من عالمكِ، وتلك السنين التي مرّت بسرعةِ الضوء فلم تتمكني من امساك شيءٍ.. طفولة بائسة، ومُراهقة مُحاصرة، ثم الانكباب على القراءة والتقاتل من أجلِ الدرجات، ثم الماجستير والدكتوراه، والمصادر والبحوث وذهابكِ إلى طبيب العيون لفحص درجةِ النظر، ووضع نظارة طبية فوق الأنف زادت على عمركِ سنين أخرى. هل أصبحتِ راهبةً للعلم ومُمرضة للأمِّ ومرجعًا اقتصاديًا واجتماعيًا لأختكِ أم رضا، ما الذي ينتظرُكِ في الأفُق؟ وهل يختلفُ مصيرُكِ عن الأسرِ الباكستانية التي شرَّدها الفيضان؟ وحرائق روسيا التي لا تختلف عن الحرائق اليومية التي تبتلع الحياة وضحكات وأجساد الناس في الشوارع والأسواق وأمام الدوائر الرسمية؟ إنَّه داءُ الفقدان، وقد انتشر في كلِّ مكان، وقد يكونُ الفقدان ماديًا أو معنويًا، وقد يكون الفقدان بحجمِ العمر الذي مضى دون هوادة، وبلا توقف أو مراجعة. انتابها شعورٌ غريب يشبه المُفارقة، هل يُمكن أنْ تعيدَ لُعبةَ العُمرِ مرةً أخرى؟ فالإنسان يحتاج إلى حياتين، الأولى يعيشها وفق فلسفةِ الأقدار، وأخرى يصنعُها بنفسهِ بعد الوعي المُتراكم ومساحة الاختيار. هل جرَّبَ العالم مقدار الوحشةِ الشرسة حين تنامُ امرأةٌ في الخمسين وحدها بين جدرانٍ أربعة؟ رنَّ الهاتف النقّال حاملًا رسالة من رئيس القسم: غدًا مُناقشة رسالة الطالب (ربيع كامل)، فلا تنسي وأنتِ عضوٌ في لجنة المُناقشة. أثارتِ الرسالة رُعبًا داخليًا في أعماقِها كيف نسيت هذا الأمر، وهي الجادة والدؤوبة، والمُلتزمة، أخرجتِ الرسالة الجامعية، وبحثت عن نظارة القراءة السميكة، وأبحرت بين السطور والمباحث والهوامش واستغرقت في همٍّ جديد لتبقى على قيدِ البقاء.

اخرى
منذ 5 سنوات
855

لآلئ من نهج البلاغة

بقلم: يا مهدي أدركني الحكمة الثالثة/ الفصل الثالث قوله (صلوات الله وسلامه عليه) "وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ" الفقر كالشجرة التي لها جذور وساق وفروع وأغصان، فمنه ما كلما ازداد عند الإنسان، ازداد قوةً وتثبيتًا لها كالجذور، ومنها ما هو ضعيفٌ يتجمل بأوراقٍ تكسوه في أيام عزِّه ومن ثم تتخلى عنه في أيام الشدَّة، فتعصف بها الرياح وتتساقط عنه شيئًا فشيئًا كالأغصان. وقد قالوا في الفقر الكثير، ففيه المذموم وفيه الممدوح... الفقر في اللغة: هو العوز والاحتياج، وجاء في تعريفه في كتاب جامع السعادات [الفقر: ضد الغنى وهو فقد ما يحتاج إليه] (1). المفهوم العام للفقر يتمثل في الاحتياج، والاحتياج يصدق عندما تكون فاقدًا للشيء، فلا يُقال الفقر على شيءٍ تفقده ولكنك لستَ بحاجته. إنَّ الموجودات تنقسم إلى مادية ومعنوية، فيكون الفقر منقسمًا أيضًا إلى فقر معنوي وفقر مادي. أما الفقر المعنوي فهو الافتقار إلى الأمور غير المحسوسة، كالجهل فهو افتقار للعلم، والخوف افتقار للاطمئنان، والتردد افتقار للثقة في النفس، وما إلى ذلك من أمور يسبب الافتقار إليها إمراضًا روحية تؤدي إلى هلاك المجتمع، وقد تكون هناك أسبابٌ عديدة لهذا النوع من الفقر، منها تربوية واجتماعية. وأما النوع الآخر وهو الفقر المادي، فهو الاحتياج إلى كلِّ ما هو محسوس، ولا ينحصرُ بالمال فقط، وهذا النوع من الفقر يترك آثارًا كثيرة على مستوى الفرد والمجتمع، وسيأتي تفصيلُها لاحقًا إن شاء الله (تعالى). وهناك تقسيمٌ آخر بلحاظ الجهة التي يفتقر إليها الإنسان، وهذا النوع يعتمدُ على المعنى المحض للفقر وهو الاحتياج المطلق، فإذا أخذنا النظرة الفلسفية لحقيقة الإنسان سنجده ذلك الموجود المحتاج لعلته حدوثًا واستمرارًا، فهو كالمصباح الذي يحتاجُ إلى الكهرباء ليكونَ مصدرًا للنور حدوثًا واستمرارًا، فما إنْ ينقطعُ عنه ذلك التيار حتى يُصبحَ ظلامًا، فهو غيرُ قادرٍ على أنْ يفيضَ النور من ذاته، وهكذا هي حقيقة الإنسان فهو موجودٌ حادثٌ مسبوقٌ بالعدم، محتاجٌ إلى علَّته في أصل وجوده واستمراره، ولا بُدَّ أنْ تكونَ علتّه غنيةً مستقلةً قديمةً غير مسبوقةٍ بالعدم، وجودها من ذاتها، وإلا لأصبحت مثله في الاحتياج والفقر. وعليه يكون الإنسان هو الموجود المُحتاج الفقير في كل أحواله إلى ذلك الوجود الغني المُتكامل غير المتناهي، وهذا النوعُ من الفقر هو فقرٌ ممدوح، فيه رِفعةٌ للإنسان لا مذلة وإهانة؛ لذا نجدُ الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم) يتفاخرون به ويجعلونه شعارًا لهم، فقد ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وعلى آله) "الفقر شعاري"(2)، وقد ورد في المأثور من أدعيتهم (صلواتُ الله وسلامه عليهم) عبارة "ربي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين"، ومدلولُ هذه العبارة هو علمهم الحقيقي بأنَّهم موجوداتٌ فقيرة لا يُمكن لها تدبير أمورها من غير المُدبِّر الحقيقي وهو الله (تعالى)، فإنَّها من دون ذلك المُدبر ستكون عدماً، وعليه فإنَّ افتقار الإنسان من جهة الغني المعبود هو افتقارٌ حسن. من الناحية الأخلاقية، فقد حثَّ أهلُ البيت (صلواتُ الله وسلامه عليهم) على وجوب عدم التخلّي عن هذا النوع من الفقر، وإلا سيقع الفرد في شباك الاستكبار والاستعلاء على الناس، فيقع في وهم عملقة نفسه التي هي في الحقيقة أضعف من أنْ تقاومَ حتى ميكروبًا صغيرًا لا يُرى بالعين المُجردة. أما النوع الثاني لهذا التقسيم وهو الافتقار إلى الجهة الأخرى المتمثلة بالناس فهو مذمومٌ؛ لأنه افتقارٌ إلى ما هو فقيرٌ في حقيقته، وإنْ كان ذا مال وقوة وسلطة ولكنه في حقيقته أيضًا مفتقر للغني المُطلق، وهذا النوع يوجبُ المذلة والمهانة والاحتقار، ويكرهه العاقل ولا يرغبُ فيه وله آثار سلبية عديدة على مستوى الفرد والمجتمع، منها أمراضٌ روحية وقلبية كالحسد والحقد، مما تؤدي إلى تحويل ذلك الشخص إلى مصدر للطاقة السلبية التي تُحرِق نفسها أولًا، وما يُحيط بها ثانيًا، وقد تتطور لتصل إلى السرقة والرشوة والربا بل وحتى إلى القتل. إذا تبين هذا نقول: في محل كلامنا في هذه الحكمة، أراد أنْ يُشير إليه أمير المؤمنين (صلواتُ الله وسلامه عليه) إلى رؤية المجتمع وتعامله مع الفقير، وهذه الرؤية متفاوتةٌ تبعًا لطبيعة المجتمعات واختلاف درجاتهم الثقافية والدينية، ولبيان ذلك نُسلِّط الضوء على أهم تلك الأنواع من المجتمعات: الأول: مُجتمع مُتدين ومُتحضر ومُتقدم ثقافيًا. وهذا النوع من أفضل أنواع المجتمعات تعاملًا مع الفقير -إن وجد- وقد يكون هذا النوع من المجتمع هو النوع الذي يحلُمُ به عموم البشر بالخصوص الفئة الفقيرة منه، فهم يسعون إلى أنْ يأخذوا بيد الفقير ويرتقوا به ويفتحوا له أبواب وفرص العمل داعمين له نفسيًا واقتصاديًا، وقلّما تجدُ تفاوتًا طبقيًا شاسعًا في مثل هذه المجتمعات، وهذا النوع كان من أحد أهداف شريعة السماء بمُختلف أطياف دياناتِها، وبالخصوص الدولة الإسلامية، لذا اهتمت كثيرًا بنظام التكافل الاجتماعي المتمثلة ببيت المال، وجاءت الشريعة بقوانين إلزامية كالخمس والزكاة وأخرى حثت عليها ليس بنحو الإلزام وإنَّما من باب الاستحباب كالصدقة، وكلُّ ذلك من أجل أنْ تذوبَ تلك المشكلة وتتلاشى... ولكن لعدم تطبيقها بالشكل الصحيح وعدم الالتزام بتلك الشريعة لم يتحقق هذا الهدف وبقي كنجمةٍ يتأملها الفقير في سواد ليل احتياجه وافتقاره في سماء أمل دولة المهدي المنتظر (صلواتُ الله وسلامه عليه). وهنا قد يرد إشكالٌ، وهو: لماذا لم يطبقِ الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) ذلك النظام؟ والجواب: إَّن عدم تطبيق النظام ليس بسبب نقصٍ في حضرة المعصوم، وإنَّما السبب في المجتمع الكائن آنذاك وعدم التزامهم وكثرة تمرُّدِهم وعصيانهم للمعصوم مما أدى إلى تفشي الفقر والتفاوت الطبقي الشاسع، هذا بالإضافة إلى وجود فئةٍ كبيرةٍ جدًا من الظالمين كانوا يُشكِّلون مانعًا دون تحقيق أهداف المعصومين (صلواتُ الله وسلامه عليهم)، وخيرُ مثالٍ على ذلك اغتصابهم أرض فدك من الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها)، حيثُ منعوا وارداتٍ عظيمةً كانت تمثل نميرًا يسقي قلوب الفقراء والمحتاجين. الثاني: مُجتمع مُتحضر ومُتقدم ثقافيًا. وهذا النوع من المجتمع هو متحققٌ على أرض الواقع ومن المُمكن جدًا الاطلاع على بعض دول الغرب لنجدَ كيف استطاعوا أنْ ينتزعوا البعض من قوانين الحقوق التي سنَّتها الشريعة الإسلامية ليضعوها في إطار منظمات دولية تطبقها بقالبٍ آخر وتحت مُسمياتٍ جديدة، فحاولوا أن يتخلصوا من تلك القيود التي تفسخ المجتمع وتقعد به عن التقدم. الثالث: مُجتمع مُتأخر ثقافيًا ودينيًا. وهذا النوع هو محلُّ كلامِنا وسنحاولُ أنْ نبين رؤية هذا النوع من المجتمع للفقير وكيفية تعامله معه وأسباب ذلك وعلاجه. -رؤية وتعامل هذا النوع من المجتمع للفقير إنَّ مثل هذه المجتمعات تنظر إلى الفقير بنظرةٍ متدنيةٍ، فالغني ينظر إليه على أنَّه أقل منه، فلا يسمح له مثلاً بمخالطته ولا بتزويجه، بل ينظر إلى الفقير كأنَّه عيبٌ اجتماعي، فلا يأخذ حتى بكلامه ورأيه، بل في الحقيقة هو ليس مسموحًا له بالتعبير عن آرائه، وإذا دخل المجلس يكون غير مُرحبٍ به حتى لو كان رجلًا كبيرًا في السن، وبالمُقابل ونتيجةً لذلك تجدُ أنَّ الفقير سيتولد في داخله شعور يجعله ينسحب من تلك المجتمعات بهدوء فينعزل ويفضل عدم الاختلاط؛ وذلك لأنَّ لكلِّ فعلٍ ردة فعل، ونتيجة لذلك نجد هناك الكثير من الطاقات العظيمة الهائلة تُدفنُ تحت رمال الفقر والعوز بيدِ الجهلة، وبالتالي سينتج من ذلك مجتمع متخلف ثقافيًا، فيه الكثير من العاهات والأمراض الاجتماعية والتي قد يتولد البعض منها كردة فعلٍ من الفقراء أنفسِهم، حيث تنمو بكتريا الحقد والحسد في قلوبهم مما تؤدي إلى دمار المجتمع. أسبابها: 1- الجهل، وهذا الأمر واضح جدًا فإنَّ الجهلَ يُشكل حاجبًا يمنع من الرؤية السليمة مما يؤدي إلى الحكم المغلوط عادةً والتعامل غير السوي مع الآخرين. 2- الابتعاد عن الدين، وهذا الأمر له في الحقيقة تأثيران: أولي وثانوي، أما الأولي فيُسبب نمو تلك الفئة من الفقراء وانتشارها واشتداد حالتها نتيجة لعدم الالتزام بالواجبات الإسلامية من إعطاء الحقوق الواجبة والمستحبة، وأما الثانوي منها فهو التعامل الطبقي الذي حاول الإسلام أنْ يقتلعه من جذوره وأنْ يضعَ قاعدة كلية وفقها يتم التعامل، وميزانها هو التقوى كما جاء في قوله تعالى: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[الحجرات:13]. علاجُها: امتثالًا لقول الرسول الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله) : "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"، نحملُ معنا أدوات البحث ونتوجه إلى حيث النجاة من كل ضلالة والخلاص من كل جهالة والعلاج من كل آفة منبع العلم القرآن الكريم وكأسه أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم). الفقرُ في القرآن الكريم. عالج القرآن الكريم مسألة الفقر من كل جوانبه ونواحيه ونحن هنا سنتناول جانبًا واحدًا منها وهو المختص بشذرة هذه الرواية، وهي رؤية المجتمع للفقير وكيف وضع أسس التعامل معه. فقد جاء في قوله تعالى: "وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ" [النور: 32] في هذه الآية أمر من الله (تعالى) بالتزويج، فهو (تعالى) يأمر بتزويج الأيامى (والمراد من الأيّم: الذكر الذي لا أنثى معه أو الأنثى التي لا ذكر معها) الصالحين. وفي ذيل الآية وعدٌ منه (تعالى) بأنَّه سيُغني الفقراء فلا تخشوا فقرهم وزوِّجوهم فإن خزائن الله (تعالى) واسعة، وفي هذا دلالة على حثٍّ منه جلَّ وعلا على أنْ يجعلوا من المجتمع نسيجًا متينًا من مُختلف الفئات والدرجات تتمازج فيه الطبقات وتتقبلها جميع الأطراف وبذلك يُذّوِّب تلك الفكرة ويمحوها. الفقرُ في روايات أهل البيت (صلواتُ الله وسلامه عليهم) في حقولِ روايات أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) نجدُ للفقر أنواعًا كثيرة وألوانًا، منها: 1- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "خيرُ هذه الأمة فقراؤها، وأسرعها تصعدًا في الجنة ضعفاؤها" (3). 2- وقال (صلى الله عليه وآله): "تُحفة المؤمن في الدنيا الفقر" (4). 3- عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) أنَّه قال: "المصائبُ منحٌ من الله، والفقرُ مخزونٌ عند الله" (5). 4- عن الإمام الرضا (صلوات الله وسلامه عليه) أنَّه قال: "الفقرُ شينٌ عند الناس وزينٌ عند الله يوم القيامة" (6). في هذه الروايات نجد أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) سلّطوا الضوء على الفقر وأظهروا الجانب الإيجابي منه، بحيث لو تمعَّن القارئ فيها لتمنى أنْ يناله ذلك الفقر لما فيه من ثوابٍ عظيم ومنزلةٍ رفيعة عند الله (تعالى)، وكيف هي نظرة الله تعالى لهؤلاء الفقراء وكيف تعامل معهم أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) وعليه فحري بنا أنْ نتبعَ خطاهم ونحذو حذوهم. وهنا سؤال: هل إنَّ الفقر هو علة تامة لإخراس الفطن؟ وهل هي قاعدةٌ كُلية لا يُمكن مخالفتها؟ في مقام الجواب نقول: إنَّ الفقر لا يُمثِّل علةً تامةً لذلك، وإنّما هو جزءٌ من العلة، فإنْ توفرت بقية الأسباب ووُجِدَ المُقتضي تحقق المعلول، ولبيان ذلك نأتي بمثالِ إحراق النار للورقة، فإن النارَ هي علّة الإحراق ولكن إذا توفرت بقيةِ الأسباب من ملامسة الورقة للنار وكونها جافة غير رطبة، حينئذٍ يتحقق الإحراق وإلا فإنَّ وجود النار وحده لا يكفي في تحقق الإحراق. وعليه فإن الفقير الفَطِن (وهو الذكيّ المُلتفت غير الغافل) يُسكِته فقره في بعض الأحيان والفقر هنا قد يكون ماديًا أو علميًا بمعنى أنَّ الطالب قد يسكت عن الكلام في حضرة مُعلِّمه تأدبًا واحترامًا. وقد يسكت الفطِن لأنَّه يعلمُ بنظرة المجتمع إليه فهو بهذا يحفظُ كرامته ويترفع عنهم بصبره عليهم ورضاه بما ابتلاه الله (تعالى) لينال بذلك رضا الرحمن. وأما إذا وجد في نفسه الضرورة للتكلم فقد يتكلمُ رغم فقره؛ لعدم توفر الأسبابِ الأخرى لصمته، أو لوجود مقتضٍ لكلامه في تبيين حقيقة أو دفع شبهة وما إلى ذلك من أسباب. إشارة: قد تكون في هذه الحكمة من أمير البلاغة أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) إشارة وإنارة وموعظة لكلِّ من أراد أنْ يتلبس بلباس الفقر؛ لما فيه من آثارٍ سلبيةٍ وخيمة على صاحبه من عدم الأخذ برأيه وعدم احترامه مما يضطرَّه إلى الالتزام بالصمت، فتكون رادعًا له عن ذلك. ومعنى التلبس بلباس الفقر هو شره النفس ونقصان القناعة لدرجة أنْ يبلغَ معها الغني درجة الفقر رغم غناه، أو قد يكون سببه البخل كما تقدم في بداية هذه الحكمة. _______________ 1- جامع السعادات للشيخ النراقي/ج2/ص79. 2- أنوار الحكم ومحاسن الكلم/ج1/ص92. 3- أنوار الحكم ومحاسن الكلم: ج1/ص97. 4- أنوار الحكم ومحاسن الكلم: ج1/ ص98. 5- أنوار الحكم ومحاسن الكلم:ج1/ ص100. 6- أنوار الحكم ومحاسن الكلم: ج1/ ص101.

اخرى
منذ 5 سنوات
1985

صَقرٌ عَشِقَ وَطناً

بقلم: تمارة أحمد عويز صَقرُ الصَحاري جالَ في الأرجاءِ، فحطّ الرِحالَ عِندَ الرافِديَن نِية الاستِرخاءِ، فسَمِعَ أنَّ هذا البَلدَ هو أَرضُ الطيبين والأوفياءِ، وهُم للزائرينَ مَضرَب الأمثال في الكرم والعطاء، ولعِلمِهم يسعى كُلُّ كبيرٍ وصَغيرٍ دُونَ استِثناء، بِلادُ العِلمِ والعُلَماءِ ومَوطِنُ الطِيبةِ والسَخاء. بَدأت الجَدّةُ رَنيم تَروي الحِكاية، ولكلماتِها جميعُ الحَواسِ صَاغِيةٌ بعناية، والعُيون تَلمعُ لقصةِ الصَقرِ ترجو الفَائِدة، وتَقولُ الجدّةُ رَنيم بابتسامةٍ غامِضة: صَقرٌ حَادُّ الذَكاء والبَصيرة، زارَ الرافِدين الحَبِيبة، حَيثُ الحَربُ تَشدُّ أوزارها بالحاراتِ الفَقيرة، كان الصَقرُ يُحَلِّقُ في ظلمة الَليل يشهَدُ على الجريمة، أرضُ الخَيرات تَنتَهِكُها أيادي المُحتَلينَ العَابِرة، كان يَجولُ في السَماء ويَرى القَنابِلَ تُحطمُ كُلَّ كَبيرةٍ وصَغيرة، ورأى طِفلَين يَبكيان فَهَبطَ يُراقِبهُما مِن فَوقِ حُطامِ السَقيفة، الأكبرُ يَحتضنُ الأصغَر يَمنعهُ مِن المُشاهدةِ المَريرة، مشاهدة والدَيهِ غَارِقَين بِدماءِ الوَداعِ، ويُراقِبهُما بِدمُوعٍ حَبيسَة، حتى غَفا أخوهُ بعد النحيبِ الطويل ليُطلقَ العِنان لِدموعِهِ الحَارِقة. ظلَّ الصَقرُ يُراقِبهُما ويَسمَعُ كَلام الطِفل البَاكي، فمسحَ الطفلُ دُموعَهُ مُخاطِبًا والدَيه بِوعُودٍ وإصرارٍ كبير: لا تَقلقا، واطمَئنا، فَأنا سأرعى أخي كما أوصيتماني، سأجعلُ مِنهُ رجُلًا تَفخَرانِ بهِ حتى وإنْ لَم تَكُونا معي، فقط ارتاحا حيثُ أنتُما، ولا تحزنا فهذا يُؤذيني، سأكون كما تمنيتُما أنْ أكونَ دومًا فاعتمِدا عَليّ. ويَحمِل الطِفلُ أخاهُ ويَختبئان مِن عيونِ الظالِمين، ويحتمي به باحِثًا عن الأَمانِ وعينه للنَومِ لا تستكين، طِفلٌ تحمّلَ مَسؤولية حِماية أخيهِ بِطرفةِ عَين، على حين كان كلاهما بحاجةٍ إلى الاطمئنان في كَنفِ الوالدَين، بكى الصقرُ لخوفِ الطفل على أخيهِ من الفراقِ وهمّ السِنين، غَفا الطِفلُ بعدَ صراعِ مع عينيه والخَوفُ الذي لا يَلين. رأى الصقرُ غطاءً فَهبَّ يُغطي به الطفلينِ عن الأنظار، تأكّدَ أنَّهُما لم يفيقا، وحلَّق في تجددُ الشحن بالقنابل بِإصرار، فَهبَ سريعًا إلى مُعَسكر الغربان لطلبِ المُساعدةِ وايقَافِ الدَمار، ولكنَّ الغِربان أبَتْ طَلبه وأمرَته بتَركِ الصِغار، فَقال الصَقرُ بعزمٍ راسخٍ وهدوء قائدٍ مِغوار: أعينوني على ما أسعى لفعلهِ وخذوا بكلامي، مَا سَتَفعلونه سيعودُ عَليكُم بما لم تحلموا بامتلاكه، ثِقوا بي، أكياسٌ مِن الحُبوبِ تُغَذيكُم للسنوات القادمة إنْ سَاعدتُموني... وافقت الغِربانُ لإصرارِ الصقرِ الشَديد، فتبعتهُ وحلّقت مَعهُ حَيثُ يُريد، طلب منهم أنْ يَحمِلوا الحصى إلى مَصنع الحديد، حيثُ مُعَسكرِ المُحتَلين تحتَ أنظارِهم مِن بَعيد، ويُغلِقوا بِها مُحرك الطائراتِ ولا يُشعِروا بوِجودِهم أحدٌ، فقامت الغِربانُ بتنَفيذِ ما أمرها بهِ دِونَ تَردُد، والصَقرُ يُراقبُ ويُوجه الغِربان بِحكمةِ قائد، لم يشعر الجنود بِخطبٍ، فَالليلُ حَالكٌ ولونُ الغربانِ أسود. ولما أكمَلت الغِربان عَملها أخذت تُراقِب، والصَقرُ مِن فوقِهم لنجاحِ خُطتهِ مُتَرقِب، فيعود الجنود للطائراتِ المُحملة بِالقنابل، وما إنْ حَلّقت الطَائراتُ في السَماءِ حتى انفجرت مُعلِنةً نِهايةَ الحَرب... ولمّا همَّ الصَقرُ بالمغادرة منعته الغِربان، فأخبرهم: ما أنا بِهاربٍ... وحلّق الصَقرُ عائدا للطفَلين يشاهدهما بِتَرقُب، وبعدما استيقظا بعد انتِظارٍ لم يَطُل، هبط الصَقرُ وأمسك بمنقارهِ ثيابَهما وسحبهما مَعهُ حيثُ يَرغب، حيثُ باب أحدِ المَياتِم، دفع باب المَيتم الحَديدي بِرأسهِ قَليلًا ونظُر لِلطفل لَعلهُ يَفهم، فَعلمَ الطفلُ غَاية الصَقر، فحملَ أخاه ودَخل بِألمٍ، استقبلتهُ صَاحبة المَيتم وكانت مِثالًا لِلكرم، بِرحَابة صَدرٍ، فارتاح قَلب الصَقر ولِلمُغادَرةِ شدّ العَزم. عَادَ الصَقرُ للغِربانِ وأمَرهُم بِالانتظار حتى الفَجر، وافق الغِربانُ وعلم أهل الرافِدين بِالأمر، عِبر كاميراتِ المُراقبةِ في الطرق، حيث شاهدوا عَملَ الغِربان والصَقر، فوضعوا أكياسَ الحُبوب في سَطحِ كُل مَنزلٍ مَهجور، امتنانًا منهم وعربون شُكر، على عَملِ الغربان والصقر. حينئذٍ ختمت الجدّة رنيم قصتها قائلةً: هَذهِ قِصةُ الصَقرِ يا أولادي، حَيثُ أصَبحَ مِثالًا لِلفداءِ والتَفاني، وَمضربَ المَثلِ للتحابِّ بَين الغُرباءِ بِمُختلف الأعراق والألوانِ، فَاعلموا أنْ ليسَ كُلُّ مَا لا نُحبذُ رؤيته يُؤذينا يا صغاري، فالغربان تفتقر إلى الألوان الزاهية والشكل المُبهر؛ ولكن الصقر عندما أحبَّ الرَافِدينِ وفكّر في انقاذ أهلها وخاطرَ بِنفسهِ دون أنْ يُبالي، لم يَستعِنْ إلا بها؛ للونها الأسود القاتم الذي اختلط بسواد الليل وصنع مستقبلًا مشرقًا للأجيالِ.

اخرى
منذ 5 سنوات
950

شكرًا لك أبي

بقلم: حنان الزيرجاوي وقف أمام صورة والده وهو يتأمل تلك التجاعيد التي رسمها الزمن على وجهه، كأنها أنهار شقت طريقها في منحدرات وجنتيه، متعرجة في مسيرها تنتخب أرقها جلدًا لتقسو في هديرها، ترمي خلفها آثار سنين مضت من الفاقة والتعب، هي في نشوة الانتصار على تلك الملامح السمراء التي صارعت الحياة ببردها وقيضها. نعم، وقف طويلًا وهو يتأمل حدقات عينيه التي غارت، كأنها تحكي قصصاً وحكايات ممتزجة بالآهات، كأنّ تلك العينين ما زالتا تراقبانه منذ أن كان طفلًا. فخاطب تلك الملامح التي يشعر أنها ما زالت تسمع وترى وتئن تارة وتشفق أُخرى وتُسر ثالثة: أبي، أما زالت تلك أمنيتك فيَّ؟ أتذكر عندما كنت طفلًا وأنا احبو سريعًا إلى حضنك كي لا يسبقني أُخوتي إلى ذلك الحضن الدافئ؟ ما زلت أتذكر ولم أنسَ ذلك عندما كنت تحدثني وأنا في أول سنيّ دراستي، عندما كنت تلميذًا في الابتدائية وأنتَ تفتخر بي أمام الآخرين، تقول: إني أرى أنّ ولدي هذا سيتفوق في دراسته ويكون ناجحًا بعمله... نزلت دموع عينيه، وأحرقت جفنيه لتمس بحرارتها خديه... أبي، كنت تأمل وتتمنى أن ترعاني إلى يوم تخرجي، كانت رغبتك أن ترافقني إلى حفل تخرجي، ولكن آه، لم يمهلك القدر لذلك. أتذكر يا أبي حين ناديتني في ذلك الصباح وأنا ابن ثلاث عشرة ربيعًا؟ قلت لي: بني بعد أن تكمل فطورك تذهب إلى المدينة وتأتيني بعلاجي وكان الجو ممطرًا والطريق وحلاً، والمسافة بعيدة، ولكن لم تمهلني حتى أتناول الفطور لأسمع صرخة أمي، أسرعتُ نحو صوتها لأجدك قد أغمضت عينيك! ولكن أُخبرك الآن، نعم أُخبرك يا أبي: لقد حققتُ ما كنتَ تصبو إليه، حققت حلمك الذي كنت تنشده، وكم افتخر أمام الجميع بأن لي أباً مثلك، فنم قرير العين في قبرك وأنا أدعو لك في كل صلاة. اللهم أغفر لوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرًا اجزهما بالإحسان إحسانًا وفي السيئات عفوًا وغفرانًا. شكرًا لأنك أبي، ولأني أبنك.

اخرى
منذ 5 سنوات
944

الصعودُ الأبدي

بقلم: حسين عقيل ذهبنا ذاتَ يومٍ لتسلُّقِ قمةٍ جبليةٍ شامخةِ الارتفاع مُتعِبة التسلُّق برفقة أربعةً من الأصدقاء المُقربين، وبعد وصولنا لمحلِّ الانطلاق لتسلُّق القمة الجبلية أتممنا كافة الاستعدادات النفسية والمعنوية والمادية لعملية التسلُّق والصعود، وبدأنا التسلُّق ... وبعد أنْ قطعنا مسافةً معينةً، أراد أحد الأصدقاء أنْ يُرشدنا ويأخذ بنا لمُنعرجٍ مجهولٍ قائلًا: تعالوا معي من هنا سوف تنجون بسلامٍ معي، فذهبنا معه لذلك المنعرج الذي ما إنْ سلكناه حتى تهاوت علينا الصخور، وإذا بصخرةٍ كبيرةٍ تتجه نحونا، حاولنا جميعًا الابتعاد عنها بمختلف السبل، فنجونا سوى ذلك الصديق الذي أرشدنا، فقد سقط من أعلى القمة! أكملنا التسلق ولكننا واصلنا النقاش بشأن ما حدث والذي قادنا إلى شجارٍ بسبب اتهام أحدهم لآخر بأنَّه كان السبب في سقوط صديقنا، وكادت أنْ تقع فتنةٌ لولا أنْ واجهناه جميعنا بقولٍ واحد: إنَّ جهل صديقنا بالطريق وعدم تمسكه جيدًا هما السبب فيما حدث له، ولما رأى ردنا وموقفنا من ذلك ابتعد عنا سالكًا طريقًا آخر.. واصلنا التسلُّق بعد أنْ أخذنا مدة زمنية قصيرة للاستراحة... قال أحد الأصدقاء: لِمَ نتسلقُ هذه القمة الجبلية؟ أتمنى أنْ نعود أدراجنا ونحافظ على أنفسنا؛ لنعيش تلك الحياة الزاهية الجميلة وننعم بالخيرات عوضًا عن فقدان أرواحنا أثناء التسلق. ولكن مقترحه لم يُضعف عزيمتنا، إذ كنا عازمين على الوصول لتلك القمة، فانطلقنا لإكمال ما كنا مخططين له، فيما عاد صديقنا أدراجه.. وبذلك لم يبقَ سواي وصديقي الصدوق، وبعد مدةٍ طويلةٍ وشاقةٍ من التسلق واجهنا خلالها الكثير من الصعوبات والتحديات وصلنا إلى القمة الجبلية وكنا فرحين بذلك فخورين بأنفسنا لما وصلنا له.. ما حدث في رحلة تسلق القمة الجبلية شبيهٌ برحلة الإنسان في هذه الدنيا، حيث إنَّ مدة الرحلة هي مدة بقائنا في هذه الحياة الزائلة، والقمة الجبلية هي الجنة؛ لأنَّ طريقها محفوفٌ بالمكاره كما ورد في الروايات، والوصول إليها يتطلب الاستعدادات النفسية والروحية الموطّنة على مواجهة الكثير من الصعاب والأزمات، وأما الأصدقاء الذين تركونا أثناء الرحلة، فالأول منهم هي النفس الأمارة بالسوء التي توهمنا أنَّ الطريق الخاطئ هو الطريق الصحيح وتحملنا على تصديقها بعد أن تزينه في أعيننا وتظهر لنا بمظهر الصديق الناصح كي نُصدقها، ولكن بعد فترة زمنية تسقط الأقنعة وتتضح حقيقة النصائح بأنها أكاذيب مصطنعة، مسببةً لمن يتبعه دمارًا معنويًا ونفسيًا، ولا يمكن للإنسان الأمن من شرها إلا بقوة الإيمان والاستعانة بالله (تعالى). وأما الثاني فهو الشيطان الذي يوقد نار الفتن بين بني البشر ويشجع على الصراع فيما بيننا بالوسوسة إلى كلٍ منّا، ولكن ما إن يرى حكمتنا وتماسكنا فيما بيننا حتى يذهب بعيدًا خائبًا. وأما الصديق الثالث فهو ضعف الثقة بالنفس وعدم التوكل على الله (تعالى) ومن فتَنتْه الدنيا بجمالها ناسيًا بذلك ثواب الآخرة ونعيمها، وكلُّ أولئك الأصدقاء إنَّما هم أعداء بلباس أصدقاء. وأما الصديق الحقيقي للإنسان فهو العمل الصالح الذي يحسن رفقتنا ويشد من عزمنا حتى نحقق الهدف الأسمى وهو رضوان الله (تعالى) والقرب من أهل البيت (عليهم السلام) في جنان الخلد، فعلينا اختيار الصديق الأنسب ليكون لنا عونًا في هذه الدنيا ويثقل موازين حسناتنا يوم القيامة.

اخرى
منذ 5 سنوات
973

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80727

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
60032

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
49284

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
45150

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
44422

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34343