تجول الصديقان في أسواق المدينة في اليوم الأخير في الجامعة قبل عطلة رأس السنة الميلادية وقبل نزولهما إلى محل سكناهما، وكانا يتجاذبان أطراف الحديث وهما يتجوﻻن في الأسواق... (أحمد) مبهور بما يرى في محلات الملابس والهدايا، فقال لصديقه (أمجد): ما رأيك أن نشتري شجرة الميلاد؟ لدي مبلغ جيد متبقي من مصروفي، نتقاسم ثمنها، نحتفل هنا مع بقية الأخوة قبل نزولنا لبيوتنا؟ اكتفى (أمجد) بابتسامة... فقال أحمد: احتفال رأس السنة ﻻ يفوت، سوف ننشغل هناك بأعمال البيت فلا تفسد المقترح بنظراتك اللوامة، هيا يا بخيل شارك بالشجرة، فرفع (أمجد) حاجبيه معبراً عن صدمته بكلام صديقه، وقال: انا بخيل! وكانا قرب مقهى، فأمسك بيد صديقه ودخلا وجلسا يكملان الكلام. فقال أمجد: أنت احكم بنفسك، لن استخدم مصطلحاً علمياً أو أتفلسف عليك، ولكن قل لي: ماذا رأيت في الأسواق التي مررنا بأغلبها مع أصدقائنا منذ أسبوع، ولكن الآن ماذا ترى؟! ألم نتجول من أرقى المناطق إلى المناطق الشعبية؟! هل وجدتها تخلو من ملابس البابا نؤيل وأشجار الميلاد والزينة؟! هز أحمد كتفيه وقال: ﻻ، وحتى بعض الجزرات الوسطية فيها هذه البضاعة، وما أثار عجبي زهدها ورداءت نوعيتها! فعدل (أمجد) من جلسته قائلاً: وماذا تفهم من ذلك؟ أحمد: ﻻ أدري! أمجد: وعدتك لن أتفلسف عليك، ولكن هذه الظاهرة مرفوضة من الناس لتغليب الجانب الشخصي والمصلحة الخاصة وإهمال مصلحة المجتمع كمجتمع بشري ومطاوعة للنفس في تقليد آخرين في كل شيء بدون فحص ونظر وهو أمر مرفوض عقلاً وأخلاقياً بغض النظر عن الدين والشرع بالعكس فديننا يحث على تقليد ما ينفع مثل اكتساب العلوم. أحمد: والناس المحتفلون؟ وما الذي يفعله المحتفلون؟! أمجد: عزيزي ما يجري في صلب دراستنا، ألا ترى تزايد أعداد الناس الذين يقيمون احتفالات رأس السنة الميلادية وبملاحظة بسيطة نرى أنه أصبح سلوك اجتماعي تمارسه شريحة من الناس في المجتمع المسلم وبصورة مخجلة ﻻ تعكس إسلامه وما له من التأثير السلبي على المجتمع، بحيث يصبح عيد رأس السنة هو العيد الذي ننتظره بدل أعيادنا، وأنت تعلم ما لهذا من تأثيرات على العقيدة والنفس، خاصة أن هناك شريحة تعتبره من مظاهر التطور... فأي مشكلة جرّها لنا هذا اﻻحتفال؟ فهز أحمد رأسه رافضاً: انتظر، انتظر... من قال إنها أصبحت ظاهرة أو مشكلة؟! ها أنت منعتني من عمل الاحتفال، وهناك أناس كثيرون ﻻ يحتفلون به، فلا تقس أولئك بهؤﻻء... فتبسم أمجد وقال: ليست المسألة عددية... ألا تتذكر عندما شرحها أستاذ كامل حينما قال: إن الباحثين يعرّفون الظاهرة بأنها فعل اجتماعي يمارسه جموع من البشر يتعرضون له أو يعانون منه أو من نتائجه. ويا صديقي حينما "تكون الظاهرة ذات بعد سلبي فهي مشكلة اجتماعية" وضع أحمد يده على رأسه وقال: نعم هذه المحاضرة كنت مريضاً ولم أفهم منها شيئاً، فقلت لما نرجع تشرحها لي في الطريق... أكمل يا صديقي! قال أمجد: الحمد لله لقد أخفتني عليك كثيراً ،خصوصاً وأن والدتك أوصتني عليك أنك آخر العنقود! قالها وأردف مكملاً كلامه ولم يدع لصديقه مجالاً ليرد: نعم، فهي مشكلة اجتماعية تطال الكل أم ﻻ؟! أنت أجبني... ألا تجد أنها أصبحت مشكلة في مجتمعنا المسلم... لقد انقسمت العائلة الواحدة (لا أقول بسبب هذه الظاهرة فقط، ولكنها مجموعة ظواهر تعمل على هدم المجتمع ونحن غافلون) لذا ترى البعض ابتعد عن أهله وأرحامه بحجة أنهم ﻻ يشاطرونه رأيه... أحمد: ها أنت رجعت للحديث عن الدين! أمجد: مطلقاً أنا أتكلم من منطلق العقل والأخلاق، فهما يرشدان الإنسان إلى ما فيه صلاحه الحقيقي، هل تعتقد أن ما يفعله البعض لا يؤثر فينا؟ أحمد: ولكننا سوف نجتمع ونمرح ونروّح عن أنفسنا ولا نثير مشاكل! أمجد: ليس المقصود من قولي: أصبحت مشكلة، أننا سوف نثير مشاكل ولكن "لها آثار سلبية من شأنها أن تؤثر بالآخرين، والسبب هو وجود خلل في بعض مجالات الحياة أو كلها" ونحن كشباب مالم ندرك الآثار السلبية التي تخلّفها مثل هكذا تجمعات، فإننا لن نستطيع تحديد أنها حقاً مشكلة لسبب بسيط: أن الإسلام لم يحرم التجمّع بصورة مطلقة، بالعكس فهو يحث على التجمع والتآلف والمحبة، بدليل العبادات الجماعية، سواء الواجبات كالحج، أو المستحبات كالزيارة والجماعة والمشاركة في قراءة الأدعية وغيرها. هنا يكون الاقتباس والتقليد الواعي، فيمكننا عمل جلسة سمر يتخلله قراءة أدعية وأعمال مستحبة أكثر من أن تحصى، فأكون احتفلت بقدوم سنة ميلادية وودعت سنة مضت، وأنا في رحاب رحمة الله تحف بي الملائكة ويحفظني الرحمن، وجميعنا يدرك هذا الكلام -إلا أن هوى النفس وشهوتها تصور للإنسان أن راحته وفرحته تكون في الصخب والتحلل من الآداب والأخلاق- فيمكنني بهذه الصورة أن أقول: إننا قلّدنا، ولكنه تقليد واعٍ وبتدبر في حياتنا... وﻻحظ أمجد تأثّر صديقه بكلامه فأردف قائلاً: ألا ترى يا صديقي أننا ننزع فطرتنا شيئاً فشيئاً، تلك التي فطرنا الله عليها ولن نستطيع أنا وأنت فقط أن نغير شيئاً ما لم يدرك الجميع فداحة هذا الأمر. علينا العمل على هذه المسألة بعد عودتنا للقسم الداخلي، والله يعيننا بقدر نيتنا للتغيير نحو الأفضل والسير على طريق واضح المعالم. فقال أحمد وهو يستشعر كلام صديقه: صدقت، وأنا آسف على كلمتي التي قلتها... فقاطعه أمجد مازحاً وضاحكاً: لا أتذكر أي كلمة وهل تتجرأ! الآن ماذا قررت أن تفعل بمصروفك؟ قال أحمد: سأشتري لأمي باقة ورد، أتذكر أبي عندما كان يجلب لها هدية تقول له: لا تكلّفْ حالك، باقة ورد تكفيني، فأمي تحب هديتها أن تكون باقة ورد، حقاً علينا النظر والاقتباس والأخذ من الآخرين ولكن بما يناسبنا، كلامك يا صديقي وضّح لي الأمر بصورة جلية. على العموم أنت عبقري لأنك صديقي وليس العكس، هيا ادفع حساب الشاي... أمجد يقوم قبل صديقه: أنسيت أنني بخيل؟! أنت ادفع مما تبقى من مصروفك... (يتضاحكان...) خرج أحمد وهو يقول: أنت صديق بحق، الشكر لله على ما أعطاني، العيد سيكون روحانياً هذا العام، مع باقة الورد، أمي ستفرح بها وبابنها الحبيب، وأنت ماذا ستفعل؟ أمجد: أمي تحب أن تقرأ زيارة المعصوم معي، سوف نجلس سوية مع العائلة ونزور في البيت، الوقت ﻻ يسع للسفر للأماكن المقدسة... قال أحمد مازحاً: ألم أقل لك إنك بخيل... وافترقا ليركبا السيارة وهما يضحكان علوية أم مهدي
اخرىالمطلب الثالث: التكافؤ بين الزوجين تقدم أن الهدف الأساسي من الزواج هو السكن النفسي، وبما أن السبل التي تحقق هذا الهدف تتباين بتباين الأفراد، فقد تتباين بينهم تبعاً لذلك السمات الواجب توفرها في الطرف الآخر لكي يحقق لديهم ذلك السكن النفسي. ولذا لم يحدد الشرع المقدس ــ وفقاً لمذهبنا الشريف ــ سمات معينة يجب توفرها في الزوجين لتحقق التكافؤ بينهما سوى الإيمان، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمنون بعضهم أكفاء بعض"(1) وفي بعض الروايات العفة واليسار كما ورد عنه(عليه السلام) أيضاً: "الكفؤ أن يكون عفيفا وعنده يسار"(2) وأما سوى ذلك من التكافؤ في العمر، والتكافؤ في الوضع الاجتماعي والمادي، والتكافؤ في المستوى العلمي فلم يُلزم المذهب الشريف طرفي العلاقة الزوجية بشروط خاصة، ولكن أشار أحياناً إلى بعض الأمور على نحو الإرشاد لا الالزام، تاركاً الخيار النهائي فيها لطرفي العلاقة آخذاً في نظر الاعتبار تباين الأهداف والأذواق والتوجهات، فقد يجد شابٌ من الأهمية بمكان أن تكون زوجته من مستواه العلمي والثقافي مثلاً لتحقيق السكن في حياته الزوجية، فيما قد لا يرى غيره ذلك، وقد ترى شابةٌ ما أن من الضروري جداً أن يكون الشاب من طبقتها الاجتماعية مثلاً لتراه كفؤاً لها، فيما لا ترى سواها ذلك. ولو نسلط الضوء قليلاً على العلاقات الزوجية اليوم وأهم المشاكل التي تعترض سبيل نجاحها، نجد أن للتكافؤ الثقافي الدور الأكبر في ذلك، لذا من المفيد أن نتعرض لذلك بشيء من الإيجاز... *التكافؤ الثقافي وأثره على الحياة الزوجية ربما يكون التكافؤ العلمي هو الأمر المرغوب به من قبل الطرفين في أغلب الأحيان، بيدَ أن أهميته لا يمكن أن تضاهي أهمية التكافؤ الثقافي بين الزوجين ــ كما سيتضح ذلك لاحقاً ــ . أضف إلى ذلك أن المستوى العلمي أو الشهادة الدراسية كما هو المتعارف ليست سوى وثيقة تثبت لصاحبها أنه قد أكمل نوعاً من أنواع الدراسة، أما هل أنها أمارة قطعية على مستوى ثقافة ذلك الشخص؟ أو هل أنها مؤشرٌ واقعي على مدى توظيفه للعلوم التي تعلمها في بناء حياته؟ أو هل هي ضمانٌ حقيقي على كونه انساناً معاملته راقية ومعاشرته حسنة؟ كل هذه الأسئلة تعجز عن الاجابة عنها الشهادة الدراسية إجابة شافية. وإلى جانب ذلك فإن روافد العلم والمعرفة باتت كثيرة، وسبل التثقيف الإيجابي أو السلبي على حدٍ سواء، واكتساب القيم والمبادئ الحسنة والسيئة سواءٌ بسواء باتت وفيرة، ولذا لم تعد الشهادة الدراسية الملاك الوحيد لرقي ثقافة المرء، بل هي ليست بملاك لذلك أساساً في كثير من الأحيان، إذ كم من صاحب شهادة عالية ثقافته هابطة، وكم مِن مَن لا يملك شهادةً ثقافته جداً راقية.. والتكافؤ الثقافي قد يكون ضرورياً جداً لمن يضع المستوى الثقافي للطرف الآخر من أولى أولوياته، لأنه يعشق أن يشاركه في أجمل مناحي حياته، ويتوق لئن يصحبه في أهم مجالات اهتماماته، ويتخذه عضداً ورفيقاً في مسيرة تحقيق أهدافه، فتجده شغوفاً في محاورته فكرياً كمغازلة بعضهم للبعض عاطفياً، فهو يتوق إلى أن لا يكتفي به شريكاً لحياته الزوجية، وإنما يرغب بشراكته لحياته الفكرية والثقافية. وعلى النقيض من ذلك قد تجد البعض لا يأبه لمستوى الشريك الثقافي ولا يدخله في دائرة اهتماماته، فهو يعده شريكاً في حياته الزوجية وما يتعلق بها وحسب، وأما حياته الفكرية والثقافية فله عالمه الخاص حيث يلتقي بأمثاله في العمل أو أقرانه في الدراسة أو ما إلى ذلك، ولا يجد في ذلك أدنى ضير يذكر. ومنهم بين هذا وذاك.. من البديهي أن يكون التكافؤ الثقافي بالنسبة للأول أمراً غاية في الأهمية لا يمكن أن يمر عليه في صفات شريك حياته مرور الكرام، بل لابد أن يقف ويتأمل ليرى مدى التوافق والانسجام، على حين أن الأمر مختلفٌ تماماً بالنسبة للثاني، فيما يقف الأخير موقفاً وسطاً. ولكن الواقع يثبت أن توافق الزوجين وانسجامهما يعتمد اعتماداً كبيراً على مدى التوافق الثقافي، وإن معظم الخلافات والمشاكل التي تحدث بين الزوجين تعود في جذورها إلى الاختلاف الثقافي بينهما سواء اهتم الطرفان بهذا الجانب أو لا! قد تستغرب أخي القارئ، عزيزتي القارئة، ولكنها حقيقة يمكن الوقوف عليها بالتعرف ولو بشكل خاطف إلى معنى الثقافة ومكمن الأهمية فيها.. الثقافة: لغةً: من (ثَقُفَ، ككَرُمَ وفَرِحَ، ثَقْفاً وثَقَفاً وثَقافَةً صارَ حاذِقاً خَفِيفاً فَطِناً)(3) وأما اصطلاحاً: فهي (مجموع المعارف والقيم الحاكمة للسلوك)(4) فهي التي تشكل شخصية الإنسان وتحدد هويته وتوضح معالمها واهتماماته في الحاضر وترسم طموحه وأهدافه ورغباته في المستقبل، وبالتالي لها تأثير كبير على مدى انسجام الطرفين وعمق الرابطة الزوجية بينهما ومدى قوتها وصمودها أمام مختلف الظروف القاسية التي يواجهانها في الحياة، ولا غرو في ذلك ولا مغالاة؛ لأن الثقافة لا تقتصر على المعارف كما هو المتعارف، بل وتشمل القيم والمبادئ أيضاً، وهما من أهم العوامل التي تحدد مسار الانسان في الحياة، وبالتالي فإن كانا متناقضين فيها كانا في الأغلب متناقضين في مسار حياتهما، وكلما ازدادت حدة التناقض بينهما في الثقافة ازدادت تبعاً لها فجوة التباعد وحدة التناقض في مسار حياتهما، والعكس صحيحٌ أيضاً.. فإذا اتضح ذلك، لم تعد ضرورة التكافؤ الثقافي مقتصرةً على من يهتمون بهذا الجانب فقط، بل وتشمل غيرهم أيضاً. كما لا تقتصر على المتعلمين أو(المثقفين بحسب الاصطلاح الدارج) فقط، بل تشمل كل انسان بما هو انسان له معتقدات ومعارف وله قيم ومبادئ، بقطع النظر عن مدى صحتها، وبلغت ما بلغت درجة بساطتها.. ولتتضح الفكرة بشكلٍ جلي نستشهد ببعض الوقائع من صميم الحياة الواقعية، كمسألة تمضية الوقت مثلاً، فمن يرى أن للوقت أهمية كبيرة لا يحسن بالمرء هدره كيفما اتفق وفي أي أمر كان، فمن الصعب أن يتفق مع شريك حياته الذي لا يأبه لقيمة الوقت ويقتله في سفاسف الأمور وإن كانت عند نفسه ذات بال، فيحدث الصراع، فالأول يتهم الثاني بعدم المسؤولية والعيش على هامش الحياة، بينما يتهم الأخير الطرف الأول بعدم تقدير الحياة الزوجية! هذا مثال بسيط، وإليك مثالاً آخر: فمن يجد أن التربية المثلى للأبناء هي تلك التربية التي تقوم على التحفيز والحب والمكافأة يعاني كثيراً ومن دون أدنى شك مع شريك حياته الذي يتخذ من العقاب والعتاب والتأنيب أسلوباً في التربية.. ومن يعتمد في حياته على التنظيم ويتبع أسلوب الجدولة بحيث إنه ما إن يستيقظ صباحاً حتى يشرع في تطبيق جدوله لإنجاز أعماله ومهامه، قد لا يتفق كثيراً مع من يعيش حياته بعفوية قد تصل إلى حد الفوضى في بعض الأحيان بحيث لا يعلم ما الذي عليه فعله بعد ساعتين أو ثلاث! ومن يرى السعادة في الترفيه عن النفس والترويح عبر الزيارات الدينية والسفرات العائلية والاصطياف وما الى ذلك، غالباً ما يواجه صعوبة في إقناع من يرفع شعار السعادة بجمع المال وضمان المستقبل فقط وهكذا... هذه جملة من الأمور التي قد تبدو للوهلة الأولى قليلة الأهمية ولا تستحق أن تكون مثاراً للجدل بين الزوجين، ويمكن تجاوزها بسهولة بالغة، ولكن الواقع يثبت أن العديد من حالات الطلاق تحدث بسببها. وقد ينعدم التكافؤ الثقافي بسبب اختلاف المنظار الذي ينظر من خلاله الطرفان إلى الحياة، فمن يرى أن الحياة عقيدة وكفاحٌ سواء كانت الشهادة في سبيل الله تعالى والمعتقد غاية مناه أو بلوغ درجة عالية من العلم لاسيما العلوم الدينية أعلى مبتغاه، فإنه بلا شك سيواجه صعوبة في التعامل مع من تنظر إلى الحياة بمنظار وردي لا تراها مشرقةً إلا بمنتهى الرومانسية، تتهم شريكها بالجفاف العاطفي والإهمال إذا ما وجد لذته يوماً بين الكتب، وتثبط همته وتفت من عزيمته إذا ما نوى الانطلاق إلى ساحات الحرب.. وقد يهون الأمر في كثير من الاشكالات المتقدمة وغيرها فيما إذا اتخذ الزوجان مبدأ الحوار لحلها والتفاهم في شأنها بعد النية الجادة والعزم الحقيقي على ذلك مهما كلّف الأمر، فيعود السلام ويسود الوئام. ولكن ما يُدمي القلب حقاً أن يكون اختلافهما في تشخيص الواقعة على كونها مشكلة أو لا، او كالاختلاف في مفتاح المشاكل نفسه، كاختلافهما في مبدأ الحوار مثلاً، وهذا النوع من الخلافات في الحقيقة يولِّد من الخلافات الكثير، وتضع الطرف الضعيف عادةً في موقف صعب عسير، إذ إن المشاكل لا يمكن أن توضع على طاولة الحوار والبحث عن الحل إلا بعد الاتفاق على أنها مشاكل، ولا يمكن أن تُحل إلا بالحوار والتفاهم ووضع النقاط على الحروف وتشخيص السبب ومعالجته من الجذور، وتوضيح كلا الطرفين لما يفضلانه وما يبغضانه من الأمور، للحرص على الإتيان بالأولى وتجنب الثانية ما أمكن، وبذا تنتعش الحياة الزوجية وتعم في أرجائها المودة وتفعم بالحبور... ولكن قد تجد من لا يؤمن بمبدأ الحوار، متخذاً في حل المشاكل وخصوصًا إن كان هو الطرف الأقوى أسلوب القسر وقوة الاجبار.. فتُصبح الحياة الزوجية أشبه بساحة حرب وحلبة صراع على الدوام، تتحول فيها آصرة المودة والرحمة والحب والاحترام إلى رابطة استقواء القوي على الضعيف تحقيقاً للنصر وإكراهاً لشريكه على الرضوخ والاستسلام، ولكن حينئذٍ تلفظ الحياة الزوجية أنفاسها الأخيرة ولا يبقى منها سوى المظهر العام.. من كل ما تقدم يتضح جلياً أن الثقافة وإن كان البعض يعدها أمراً ثانوياً أو قد يعدها الآخر كمالياً حتى، بيد أن الأمر مختلف تماماً، لأن الثقافة بشكل عام هي الوعاء الذي يجمع مبادئ وقيم الانسان، ولا بد من أخذها بنظر الاعتبار لمن يرغب بإنجاح حياته الزوجية بل وحياته بشكل عام، وأن يتفحّص جيداً جميع عناصر ذلك الوعاء، ليرى مدى توافقها مع عناصر وعائه، وليدرسها جيداً قبل الاختيار، متريثاً ما أمكنه قبل اتخاذ القرار.. وإن كان الأمر على هذه الدرجة من الأهمية لكلا الزوجين، فهو بالنسبة للزوجة أهم بأضعافٍ كثيرة، وذلك لأنها ليست من يدير العلاقة الزوجية، بل هي غالباً من ضمن ما يُدار، فإن كانت هي الأكفأ بما قد تتمتع من ثقافة ومؤهلات، فستعاني بلا شك في أغلب الأحوال، لاسيما إن كان الزوج يرى في ذلك نقصاً فيه فيحاول أن يجبره بالعناد وإعدام لغة الحوار، فتراها تقف عاجزة أمام ما يتخذه من قرار خاطئ تلو القرار، لأنها إن اعترضت اُتهِمت بالتباهي، وإن سكتت كانت أول من يضار، ومما يزيد الأمر صعوبةً إنها بمجرد عقد القران يُصبح أمرها بيد غيرها، وتُعدم كل خيار.. ما تقدم هو أهم النقاط التي ارتأيت أنه لابد من إنارتها في هذا المختصر، وقد تكون هناك نقاط أخرى على قدر من الأهمية، كالتكافؤ العمري مثلاً، ولكن المجتمع واعٍ لها ولله الحمد، كما أنها نادرة الوقوع، لذا اكتفيت بالذكر دون التوضيح، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد لجميع المقبلين على الزواج والمقبلات، آملةً أن يستفيدوا من هذا الموجز ولا يكتفوا به بل يجعلوه نقطة انطلاقتهم إلى الكتب التي فصلت في هذا الموضوع طالما كانوا في مرحلة الخيار والاختيار.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكافي ج 5 ص 337 (2) المصدر السابق ج 5 ص 347 (3) القاموس المحيط ج2 ص361 (4) صناعة الثقافة ج1 ص31 رضا الله غايتي
اخرىالمطلب الثاني: حسن الخلق تتسم الحياة الزوجية بأنها أعمق العلاقات وأدومها عادةً، وهاتان السمتان تفرزان العديد من النتائج التي قد تجعل الزوجين في تصادم وخلاف فيما لو لم يتسم أحدهما أو كلٌّ منهما بالخلق الرفيع، أبرزها: أن يكونا على تماس دائم تقريباً، مما يضطر من كان يتصنع منهما حسن الخلق ويتكلف الشخصية الوديعة إلى أن يخلع عنه ذلك الرداء ويميط عنه ذلك القناع ليظهر أمام الطرف الآخر بشخصيته الحقيقية. ولأن العيوب الخلقية عادةً لا تظهر إلا عند تعكّر المزاج والظروف العصيبة التي لابد أن يمر بها كلا الطرفين في حياتهما المشتركة، فهنا تقع المشاكل وتحدث الخلافات التي يمكن للطرفين تلافي حدوثها أو التقليل من حدتها وشدتها بقدر حرصهما على توفر حسن الخلق في الطرف الآخر في بادئ الأمر وقبل الولوج إلى الحياة الزوجية. وقد أكد الدين الاسلامي على ضرورة توفر حسن الخلق في كل منهما، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب (إليكم) فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير"(1) كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام خطيبًا فقال: أيها الناس إياكم وخضراء الدمن(2)، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: "المرأة الحسناء في منبت السوء"(3). ومن أبرز السمات الخلقية التي أكدت عليها الشريعة الاسلامية بالإضافة إلى الأمانة: الصدق، كما ورد عن أبي عَبْدِ الله (عليه السلام) قال: "لَا تَنْظُرُوا إِلَى طُولِ رُكُوعِ الرَّجُلِ وسُجُودِه فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ اعْتَادَه فَلَوْ تَرَكَه اسْتَوْحَشَ لِذَلِكَ ولَكِنِ انْظُرُوا إِلَى صِدْقِ حَدِيثِه وأَدَاءِ أَمَانَتِه"(4). ولو تأملنا هاتين السمتين لوجدنا أنه لابدّ منهما في الحياة الزوجية، ومتى ما توفرتا ساد السلام وشاع الوئام، ومتى ما فُقِدتا عمّ الخلاف وتضاءل الائتلاف ودبّ في علاقتهما الفتور، وقد يتحول إلى نفور.. ولأن الزوج عادةً هو العنصر الأقوى في الأسرة، لما حباه الله تعالى بالقوامة وهي مسؤولية ادارة الأسرة واتخاذ القرارات المصيرية والهامة بشأنها، كان تأكيد الشارع الأقدس على أن الزوجة أمانة الله تعالى عنده، كما ورد في الدعاء المأثور عند إدخال الزوجة على زوجها:(اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها، ... إلخ) كما أنها لم تصبح حليلة له إلا بعقد وصفه الله تعالى بأنه ميثاق غليظ إذ قال: "وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً"(5) وواجبه تجاه هذه الأمانة صونها وإكرامها ومعاشرتها بالمعروف، لذا حثّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على ذلك فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله): "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله"(6) كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: "يا بني إذا قويت فاقو على طاعة الله، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله عز وجل، وإن استطعت أن لا تملك من أمرها ما جاوز نفسها فافعل فإنه أدوم لجمالها وأرخى لبالها وأحسن لحالها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها ليصفو عيشك"(7) فمن ظلم زوجته أو أهانها أو أسمعها كلمة تؤذيها أو تجرح كبرياءها أو قصّر في إكرامها فقد خان الأمانة. ومن الجدير بالذكر أنه ليس من الصحيح اختيار شريك حياة في شخصيته العديد من نقاط الضعف التي تعد خطيرة على الرابطة الزوجية، وذلك بالاعتماد على امكانية تغييرها، صحيح أن أمورًا كثيرة قد تتغير بعد الزواج تلقائيًا، ولكن هناك جوانب يصعب تغييرها في الإنسان لاسيما إذا كانت متأصلة في نفسه، والتفكير بأنه من السهل تغيير إنسان بعمق بعد الزواج هو اعتقاد خاطئ، فإذا كان معتاداً مثلاً على عادات سيئة للغاية، كالكذب، والنفاق، وقلة الأمانة، ولا يمكن الوثوق به 100%، فالزواج لن يغير كثيرًا من هذه السيئات. والإقدام على الزواج في مثل هذه الحالات بالاعتماد على الاحتمالات مجازفة كبيرة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أمالي الطوسي ج2 ص133 (2) في النهاية: فيه اياكم وحضراء الدمن. الدمن جمع دمنة وهى ما تدمنه الابل والغنم بأبوالها وابعارها أي تلبده في مرابضها فربما نبت فيها النبات الحسن النضير. (3) الكافي ج5 ص471 (4) الكافي، ج2، ص 105 (5) النساء: 21 (6) من لا يحضره الفقيه ج1 ص556 (7) المصدر السابق رضا الله غايتي
اخرىالمبحث الثالث أهم المعايير في اختيار الزوج تقدّم أن الهدف من كل شراكة هو الذي يلقي بظلاله على الشركاء ويرسم سمات حياتهم، ويحدد ما هو ضروريٌ منها بحيث لا يمكن أن يتحقق لولاها، وما هو دون ذلك بحيث يمكن لعجلة المشروع من التقدم وحصاد ثماره من دونها. ولهذا السبب نجد أن الشريعة الإسلامية حرصت على تحديد أهم السمات الضرورية في كل من الزوجين، فأجملت في قوله (تعالى):"هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ"(1) ومعلومٌ بأن الانسان لا ينتخب من الألبسة إلا ما يناسبه تماماً، لتمده بالدفء، ولتناسب هويته، وتعبر عن ثقافته، ولا بد أن تناسبه، فضلاً عن أنها توفر له الستر والزينة التي توافق شأنيته.. كما أشارت شريعتنا السمحاء إلى أهم الصفات التي لابد أن يتوفر عليها الزوجان، ولكنها في الوقت ذاته لم توصد الباب أمام من يرغب بسواها من سمات، بناءً على الفروق الفردية في الأهداف والأذواق والاهتمامات، طالما لم تخالف روح الشرع الحنيف وما تضمنه من تشريعات. لذا سنقتصر بإيجاز على أهم السمات التي من المهم توفرها في كلا الزوجين لضمان نجاح العلاقة الزوجية.. المطلب الأول: الدين مما لاشك فيه أن صفة الدين أهم صفة يجب أن يتسم بها كلا الزوجين، حيث يجب أن يكونا ملتزمين بشرائع وحدود الدين الإسلامي في كلِّ أمور حياتهما؛ لأن الذي يهون عليه تضييع حق الخالق جل وعلا فإنه يهون عليه تضييع حقوق المخلوقين من باب أولى. ولما كانت الحياة الزوجية مبتنية على حقوق لكلا الطرفين وواجبات عليهما، كان تحلّي كلٍ منهما بصفة الدين الضمان الأهم لمنح الحقوق وأدائها، وعدم المنع من أداء الواجبات والإغضاء عنها. كما أن الدين يُعد الركن الأهم الذي تُؤسَّس على أساسه شخصية الإنسان ويرسم معالمها الرئيسية، فهو الذي يحدد هويته الفكرية والعقدية ووجهته العبادية ونظام حياته اليومية وما ينبغي أن تكون عليه نظرته المستقبلية؛ ولأن كل ذلك يؤثر تأثيراً عظيماً في مدى تحقق التوافق بين الزوجين، كان الانسجام العقدي والفكري والعبادي من أولى الأولويات لتحقيق الحياة الزوجية المتسمة بالسعادة والود والانسجام فضلاً عن قيامها على التفاهم مفعمةً بالسلام.. وبالإضافة إلى ذلك فإن الاتصاف بالدين أمر ضروري جداً لضمان سلامة التربية الدينية للأبناء، وعليه لابد أن يلتفت إلى هذه النقطة الهامة جداً كلُّ من يحاول أن يقنع نفسه بأن الخلاف العقدي مع الزوج الآخر لا يشكل عائقاً في طريق ارتباطهما طالما أنهما متفاهمان ومتوافقان. لكل ما تقدم كان الدين هو المعيار الأول لاختيار كلا الزوجين، فأما بالنسبة للزوج فقد ورد أن رجلاً جاء إلى الإمام الحسن (عليه السلام) يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: زوّجْها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها"(2) وبهذا يكون ولي أمر الفتاة قد ضمن لكريمته أدنى مستويات العيش الكريم والحياة المطمئنة. كما ورد عن الاِمام الصادق (عليه السلام) من تزويج شارب الخمر فقال : «من زوّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها» (3). وأما بالنسبة للزوجة فقد روي عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أتى رجل النبي (صلى الله عليه وآله) يستأمره في النكاح، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): انكح وعليك بذات الدين تربت يداك(4). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة 187 (2) مكارم الاخلاق، للطبرسي: 204 (3) الكافي ج5 ص347 (4) الكافي ج5 ص472 رضا الله غايتي
اخرىنـــعم، إيّاك أُخاطبُ أيُّها المسلم! فبعدَ أن احتفلتَ (أو ستحتفل) بأعياد النصارى، هل عرفت ما معنى هذا الاحتفال، وعلى ماذا يدل؟ الكريسمس عبارةٌ يردّدها البعض دون أدنى معرفة، فهل عرفتَ معناها؟! الكريسمس: هو الميلاد المجيد للرب، فإنّ عيسى في عقيدة المسيحين هو (ابـنُ الله)، ويشترك في طبيعته مع الله كما يقول يوحنا في انجيله: "هذا المسيح الذي جاء ليطهرنا من الخطيئة، هو نفسه الله ولكنه تجسد في صورة انسان"(١). تُـرى هل تعقل أيّها المسلم أنّ إلهكَ يولد؟! إذاً، أيـن تدبّركَ في سورة التوحيد حينما تقرأ في كلّ صلاة: "لَــمْ يَلِدْ وَلَــمْ يُولَد" ؟! قـارن بينَ العقيدتين وتعقَّل أينَ أنت! ففي عقيدتك ينفي الله تعالى في القرآن الكريم ألوهيّة عيسى بقوله: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيل}(٢). إمّا في عقيدة النصارى: فإنّ الله أثناء معمودية المسيح قال: "واذا صوت من السماوات يقول: هذا هو ابــــني الحبيب، الذي به سررت كل سرور!.... وانطلق صوت من السحابة يقول: هذا هو ابني الذي اخترته. له اسمعوا!"(٣). ورغم ذلك، فها هُم بعض مسلمينا على توالي السنوات: أقاموا الولائم والحفلات ، وتبادلوا الهدايا والمعايدات، ونشروا الزينة والبطاقات، غناءٌ وفاجرات، تسيّبٌ وراقصات، خمورٌ ومنكرات، تضامناً مـع النصارى بميلاد ربّهم! إنّهُ يومٌ يُشرك به الله عز وجل، فلماذا نختبئ وراء أصبعنا؟ لماذا نجهل عقيدتنا؟ لقد مرّت ولادة ذلك النبي العظيم محمد (صلى الله عليه وآله) دون أن تحتفل امته به بالشكل المطلوب! فأين نحن منه يا أُمّة المليار مسلم أو أكثر؟! البعض يدّعي باحتفاله مع النصارى أنّه يطبّق مبدأ التعايش السلمي، لـــكنه حتى بهذا المبدأ جاهلٌ تمام الجهل؛ حيث إنّ التعايش الذي يهدف إليه ديننا الحق هو (التعايش السلمي الأخلاقي مِن حيث احترام أصحاب الأديان دماً ومالاً وعرضاً إن لـــم يتعرّضوا لانتهاك ديننا)، وليـــس التعايش الفكري الذي به كاد البعض أن يخرج مِن الإسلام ويعتنق المسيحيّة، فالتعايش الفكري هو ما البعض عليه الآن، مِن اتبّاع عقائـد النصارى بلبس الصليب، وإحياء ذكرى ميلاد ربّهم، والتلفظ بعبارات الكفر، فضلاً عن التشبّه برموزهم!. أفِق يا مُجتمعي! وسخِّر طاقاتك في الدعوة إلى دين الله، دين التوحيد، دين لا إله إلاّ الله. نعم، الحكم الشرعي للاحتفال بأعياد النصارى جاء مشروطاً بعدم الترويج للمعتقد المسيحي، ففي سؤالٍ وُجّه لمكتب سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله) مفاده: "هل يجوز ان نحتفل برأس السنة الميلادية؟ الجواب: اذا كان فيه ترويج للمسيحية لا يجوز"(٤). وفي سؤالٍ آخر مفاده: "هل يجوز المشاركة في مجالس الاعياد الغير الاسلامية ؟ الجواب: إذا كان فيه ترويج للمسيحية أو للفساد فلا يجوز"(٥). ■فإن قيل: مـا المراد بالترويـج؟ ■اُجيب: المراد منه هو الترويج لما يعتقد به النصارى اليوم من عقيـدةٍ فاسدة، تأليه عيسى، قيامه من الصَـلب، الإيمان بالأقانيم الثلاثة-الأب والابن وروح القدس-. تــوضيـح: إنّ كلّ عاقلٍ يحكم باستحالة موازنة المعادلة التالية : الأب =أقنوم الابن =أقنوم الروح القدس=أقنوم كلمة أقنوم كلمة سريانية الأصل معناها : الذات الإلهية المستقلة، والذوات أعلاه هم ثلاثة أقانيم متحدون ومتساوون في الجوهر، ومن يقل أإنّهم جميعاً اقنوم واحد فهو مهرطق كافر، فيعتقدون أنّ: الأب =إله حق الابن=إله حق الروح القدس=إله حق إذاً هم جميعاً إله واحد، ومن يقل ثلاثة آلهة فهو مهرطق كافر. يعني إن قلت: ثلاثة أقانيم فتكفر بإله واحد، وإن تقل: إله واحد فتكفر بثلاثة أقانيم، فلا مهرب ولا إيمان بمسألة إلاّ على حساب الأخرى! ومن هنا لابد أن يكون الفرد المسلم واعياً لما يعتقد، وفطناً لما يقلِّد. فهناك من المسلمين مَن لا يعتقد بعقيدة النصارى (التثليث)، إلاّ أنّه يدّعي معايشتهم بشرائه الصليب ولبسه له، وهنا غفلةٌ اخرى منه لا إلى الجانب العقائدي، وإنّما إلى الجانب الفقهي، حيث غفل عن أنّ الحكم الشرعي يقول: "لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام بأن يكون بما له من الصورة الصناعيّة...لا يناسب أن يستعمل إلّا في عمل محرّم، وله أنواع: منها: الأصنام وشعائر الكفر كالصلبان"(٦). فالمترتب على ذلك ليس حرمة اللبس فقط، وإنّما بطلان عقد البيع، فلا تثبت ملكية الصليب لك، ولا ملكية الأموال للبائع... فهلاّ أدركتَ رعاك الله تبعات التقليد الأعمى؟ وهنا سؤال يجول في ذهن كل عاقل، يشحذ الهمم بعيداً عن كل تخاذل، وهو: إلى متى نبقى نتأثر ولا نؤثِّر؟ لماذا أغلب دول العالم العربي والغربي تتضامن مع النصارى بذكرى ميلاد المسيح، ولم نجد نسبة التضامن تلك في ذكرى ميلاد النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله) ؟ وأخيراً أقول: لست بصدد الدعوة إلى مقاطعة أهل الكتاب، بل الدعوة إلى الحذو حذو الرسول محمدٍ وآله الأطهار (صلوات الله عليهم)، وهو ما أشرت إليه بالتعايش السلمي، من وجوب احترام المخالفين في الدّين، لكن الكلام فعلاً في الانزلاق في مخاطر التعايش الفكري، فتأمل. ___________________ (١) انجيل يوحنا :١. (٢) سورة المائدة: ٧٥-٧٧. (٣) انجيل متّى، ٣:١٧، وانجيل لوقا ٣٥:٩. (٤) موقع مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله، الإستفتاءات. (٥) المصدر نفسه. (٦) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني، ج٢، م٩. والحمد لله ربّ العالمين، وصل اللّهم على نبي الرحمة ومعدن العظمة، محمد وأهل بيته ميزان الحكمة. علوية الحسيني
اخرىالخوف هو حالة انفعالية نفسية ناتجة عن الشعور بعدم الأمان، ويحدث الخوف نتيجة إفراز الجسم لهرمون الأدرينالين كردّة فعل على مشاهدة شيء ما يبعث في النفس الاضطراب والقلق. ويمكن تقسيم الخوف إلى نوعين رئيسين هما: 1- الخوف الطبيعي: وهذا النوع من الخوف يعتبر من النوع الإيجابي الذي يحافظ على الإنسان من الهلاك لأنه يبعث له برسائل تحذيرية من أجل الانتباه والتيقظ لعدم الوقوع في المخاطر وتجنبها، كالخوف من النار، والخوف من الحيوانات المفترسة، وإذا لم يخف الأطفال من الأشياء الخطرة كاللعب بالنار أو الوقوف أمام السيارة فإن ذلك يعد اضطراباً مَرَضياً يمكن أن يدخل في خانة مرض التوحّد إن اجتمعت معه بعض المظاهر الأخرى. 2- الخوف غير الطبيعي: وهذا النوع من الخوف يشمل أنواعًا عديدة منها: الخوف من الظلام والخوف من الحشرات، الخوف من الناس، الخوف من الذهاب الى المدرسة، الخوف من الركوب في المصاعد وغيرها من المخاوف التي تعتبر اضطراباً سلوكياً يمكن معالجة اسبابه. لو تحدثنا عن هذا النوع لوجدنا أن أغلب أسبابه أو بعضها تكون بسبب الأهل، فبعض الآباء والأمهات يثيرون المخاوف في نفوس أطفالهم بسبب عدم معرفتهم وجهلهم، فالبعض من الكبار يستخدم لغة التخويف مع أطفاله من أجل إخضاعهم للطاعة والالتزام بالأوامر والتوجيهات… فمثلا تلجأ بعض الأمهات لتخويف أطفالها من الحيوانات والعفاريت من أجل إجبارهم على النوم ليلاً، وبذلك فإن مشاعر الخوف تزداد أكثر ويبدأ الطفل بالتظاهر بأنه نائم وهو في حقيقة الأمر مستيقظ وخائف، بل إن هذا الأسلوب يفتح آفاق مخيلته بشكل كبير ويتخيل أشياء لها علاقة بأوهام الجن والعفاريت والحيوانات التي تأكل البشر وتفترسه، وبذلك فإن ذهن الطفل يبقى متيقظًا بسبب أثارة المخاوف بدل إطفائها. من الأقوال المشهورة والمنتشرة التي تستخدمها النساء بكثرة لتخويف أطفالها: (إذا لم تنم فسوف يأكلك الذئب أو سوف يسرقك الجن والعفريت)! وهذه اللغة من اللغات الهابطة جداً والتي تدل على تدني المستوى الثقافي للأم، فبدلًا من أن تكون الأم مثقفة وتستخدم أسلوب القصة التربوي الهادف لأطفالها ما قبل النوم، فإنها تقوم بتخويفهم، فشتان ما بين تلك الأم التربوية التي تقرأ القصة المفيدة لأطفالها قبل نومهم مما يثير في نفوسهم مشاعر البهجة والسعادة لأنها تنقل مخيلتهم إلى واقع وأحداث القصة، وبهذا فهي تجعلهم يشعرون بالمتعة والاستمتاع، وتعلمهم في نفس الوقت أشياءً أخلاقية بشكل غير مباشر، فالقصة الهادفة تحمل هدفاً تربوياً ورسالة تعليمية، وبين تلك الأم الجاهلة التي تزيد من آلام أطفالها وتسبب لهم التوتر والقلق والخوف. إذن، من أسباب الخوف لدى الأطفال: ١- تخويف الطفل من الحيوانات ومن الأشياء غير الحسية كالجن والعفاريت. ٢- الصياح على الطفل فالصوت العالي يسبب صدمة لدى الأطفال. ٣- النقد المبالغ فيه يسبب خوفًا لديهم مما يربك كل تصرفاتهم ويسبب لهم انسحاباً من الحياة، فالطفل يخاف من التصرف خوفاً من الوقوع في الخطأ، وهذا أمر خطير جداً يجب الانتباه إليه جيداً. ٤- المشاكل الزوجية من الأسباب الرئيسية التي تبعث الخوف في نفوس الأطفال. ٥- تخويف الطفل باستخدام الطبيب والحقنة مما يسبب له رابطاً سلبياً اتجاه هذه الأشياء الايجابية. ٦- مشاعر الخوف التي تظهر على الآباء والأمهات أمام أبنائهم مما تسبب في انتقال هذه المشاعر الى الأطفال. ٧- من أسباب الخوف أيضاً الاستماع إلى الاخبار العالمية والتي تنقل عمليات القتل والدمار والمعارك التي تحدث بين الدول. ٨- الغضب الشديد الذي يصيب الأهل ويفقدهم صوابهم مما يؤدي الى ظهور مخاوف في نفوس الأبناء. ٩- تعرض الأطفال الى حادث أو صدمة كفقدان الأب أو الأم أو شخص عزيز على الطفل. هذه أهم الأسباب التي تثير مخاوف الأطفال، وبإمكاننا تجنب هذه الأسباب من خلال عدم اثارة مخاوفهم. فمثلًا، كيف نتجنب الخوف من الحيوانات الأليفة؟ فبإمكان الأهل اللعب مع بعض الحيوانات الصغيرة أمام الطفل وتقريبه بشكل تدريجي لهذا الحيوان من أجل تبديد مخاوفه بالتدريج. ومثلًا: إذا كان الطفل يخاف من الظلام، وهي ظاهرة منتشرة بين الأطفال فيستطيع الأهل استخدام لعبة الاختباء وممارستها مع طفلهم بعد الاتفاق معه وشرح قواعد اللعبة له فيتم اطفاء الإضاءة ويبحث الأب عن الطفل المختبئ وبعدها يختبئ الأب ويأخذ الطفل دور الأب ويتقمص دوره، فهذا الأسلوب يجعل الخوف يتبدد ويتلاشى شيئًا فشيئًا، لأنه يجعل الطفل في مواجهة مع الظلام بأسلوب شيق وجميل، فجعل الظلام جزءاً من اللعبة يجعله جزءً من حياة الطفل. وهنا نود أن نلفت انتباه الأهل الى: الابتعاد عن الأساليب التي تثير المخاوف في نفوس الأبناء ليتم بناء شخصية الأطفال بناءً صحيحاً بعيداً عن التوترات والانفعالات والاضطرابات التي تنغص حياة الأطفال وتدفعهم الى العيش تحت الضغط النفسي... والله ولي التوفيق قاسم المشرفاوي
اخرىعندما تنتهي مرحلة من مراحل الدراسة تترك في ذاكرة الطالب أثراً اتجاه المعلم، وبحسب هذا الأثر يحمل الطالب لذلك المعلم مشاعر الحب أو مشاعر الكره، فإن كان الأول اشتاق إلى لقائه، ودعا له بالخير، وإن مات ترحّم عليه عندما يذكره، وإن كان خلاف ذلك ترك بقلب الطالب كراهية وحقدًا لا ينساه أبدًا حتى وإن بلغ ما بلغ من العمر، يبقى بنظره ذلك المعلم القاسي الذي ضربه في يوم من الأيام بشدة أو أهانه أمام زملائه لشيء تافه… هذا إذا لم يكن هو السبب بتركه وحرمانه من التعليم لوجود ما يخل بسلوك في سجل الطالب، كالاعتداء على المعلم، فقد سمعنا ونسمع من أفواه بعض الناس سبب تركهم الدراسة سوء تعامل المدرسة، سواء كان من قبل المدير أو المعلم مما يجعل المشكلة تتفاقم وتصل إلى فصل الطالب من المدرسة، طبعاً بهذا القرار فالخاسر هنا هو الطالب، ولكن المعلم أيضاً يكون قد خسر: أولاً: نظرة التربية الحسنة والقدوة المشرفة التي يحملها الطالب لهذه الشخصية. ثانياً: تأهيل فرد صالح ينفع المجتمع في المستقبل. ثالثاً: سقوطه من أعين الآخرين عندما يُذكر بسوء. كما أن هذا الأسلوب الغليظ والقاسي ينشئ أفرادًا بهذه المواصفات. قد يرى المعلم أن الشدة في مصلحة الطالب لكي يهتم بدراسته، وأن التعامل بلين يجعله يتهاون في ذلك، ولم يلتفت إلى أن الطفل في صف الأول والثاني، وبشعوره الرقيق، فإنه يلتقط كل ما يصدر منه، فإن كان خيرًا تعلق به، وإن كان شرًا نفر منه، وإن واصل دراسته فهو مرغم على تحمّل التعامل السيء وذلك لكي يحقق رغبة الأهل بالنجاح وينتقل إلى مرحلة ليس فيها ذلك المعلم القاسي، وقد لا يقتصر الكره على المعلم، بل يتعدّى إلى المادة بحيث لا يتمنى الطالب أن يدرسها يوماً من الأيام في حال لو أصبح معلمًا مادام في ذهنه ذلك الأثر. إيمان صاحب
اخرىأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية مع حلول شهر (كانون الأول) من كل سنة تبدأ عادةً في دول العالم عامةً وفي دول الغرب أو لنقل الدول التي تمارس الديانة المسيحية خاصة التحضيرات للاحتفال بهذه المناسبة والتهيئة لها، وهي مناسبة ميلاد سيدنا المسيح سلام الله عليه في الخامس والعشرين من هذا الشهر، ليحمل كل فرد في داخله كلمات ومواقف وأحاسيس ذات حزن وفرح على حد سواء، لما قد أبحرت بهم سفن الحياة خلال عامٍ قد انصرمت أيامه ولم يبق منه إلا القليل، مستبشرين بعام جديدٍ حاملاً لهم بين أيامه ولياليه أحداثاً مبهمة تخفي بين طياتها أفراحاً ومسرات ودموعاً وآهات. هي مناسبة ذات جوانب عديدة مختلفة, فالبعض ينتهزها فرصة ليضع همومه وأشغاله جانباً ليتسنى له الوقت ليتفرغ الى عائلته ومحبيه فيحلو اللقاء وتطيب الأوقات, فهو وقت تجتمع فيه أفراد العائلة بعد أن فرقتهم الدنيا بملذاتها وهمومها, وقد يكون هذا من أهم الجوانب لهذه المناسبة لتقوية الروابط الأسرية, هذا بالإضافة الى مسألة تبادل الهدايا التي تدخل السرور على قلب الأحبة وهو أمر محبب جداً يزيد من المحبة في القلوب ويرفع الكثير من الحدود والعقبات, بل هو أمر أكدت عليه الديانات كافة حتى في ديانتنا نحن المسلمين فقد أكد عليه الرسول صلى الله عليه وآله فقال (تهادوا تحابوا). وانطلاقاً من هذا الأمر نجد كيف تزدهر الحركة التجارية في هذه الأشهر من السنة, حيث تقوم المحال التجارية على مختلف أنواعها بالترويج لسلعها والتنافس فيما بينها وتقوم بعروضات خاصة بل وحتى تخفيض في الأسعار من أجل جذب الزبائن لها. ولكن هنا إشارة جداً مهمة يجب أن ننتبه إليها ألا وهي, هل هذا يعني انه من الصحيح ان يحتفل المسلمون بهذه المناسبة ويقومون بشراء شجرة الميلاد وتبادل الهدايا وما إلى ذلك من طقوس تقام في هذه الأيام؟ حيث كثرت هذه الظاهرة مؤخراً في بلاد المسلمين لتجد أن ما يقومون به من احتفالات مبالغ فيها تضاهي حتى ما يقوم به المسيحيون أنفسهم! بل حتى المسلمين في بلاد المسيح تجدهم يهتمون بهذه المناسبة أكثر من المسيحيين، وهذا حسب شهود عيان! فيا ترى ما هو السبب وراء ذلك؟ وهل هذا السلوك هو سلوك صحي قويم؟ للإجابة عن السؤال الأول (ما هو السبب وراء ذلك؟) نقول: إن مسألة الاحتفال في الحقيقة هي مسألة تقليد أعمى، فبمسح ميداني نقول: إن كل من يحتفل في هذا اليوم من شراء شجرة الميلاد وتعليق الزينة عليها لا يعلم البتة ماذا تعني هذه الشجرة؟ ولا يعرف أنها ترمز لأي ديانة في الحقيقة! وما يقوم به هو ليس لمشاركة المسيحيين كما يتوقع, فما هي حقيقة شجرة الميلاد (الكرسماس)؟ في الحقيقة ان شجرة الميلاد لها تاريخ قديم سابق للديانة المسيحية فهي مرتبطة بالعبادات الوثنية, فهي خاصة بفئة كانت تعبد الشجرة وتقدسها وتقوم بتزيينها وبعد ان تحولت هذه الفئة الى الديانة المسيحية لم يستطيعوا التنازل عن رمز الشجرة فقاموا بتزيينها في ميلاد السيد المسيح سلام الله عليه, ومن الجدير بالذكر أن الكنائس في بادئ الأمر لم تقبل بدخول هذه الشجرة اليها وتزيينها. فهل يعلم الذين يقومون بشراء هذه الشجرة وتزيينها هذه الحقيقة وانهم يضعون رمزاً لعبادة وثنية في بيوتهم؟! إن أقل ما يمكن وصف من يقوم بهذا الحتفال هو وصفهم بالجهل المطبق! أما بالنسبة للسؤال الثاني (هل هذا السلوك هو سلوك صحي قويم؟) يجب أن نعلم أولاً : كيف نميز بين السلوك الصحيح والسلوك الخاطئ؟ عادة أن العقل يستحسن الأمور الصحيحة ولكن قد يصيبه نوع من التهافت والاضطراب لذا يحتاج الى ما يقوّمه فيعرض الأمر عليه ليرى إذا كان على صواب أم لا؟ وليس لدينا أفضل من الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم مرآة لأفعالنا وغربالاً لتصفية السلوكيات الفاسدة أو غير الصحيحة من الصحيحة, فهل نجد هناك ولو رواية واحدة أو حديثاً يشير الى أن اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم قد احتفلوا بهذا اليوم؟ في الحقيقة لا توجد على الإطلاق اي رواية تشير الى هذا الأمر. ومن جانب آخر: لو نعرض هذا الأمر على العقل لنجد أن ما يقام من احتفالات في الأغلب الأعم تشوبها المعصية والفساد, وعليه فنحن نزرع بذرة السوء في قلوب أطفالنا الصغار وننميها بعبارات غير مدروسة كقولنا (هل السرور والفرح محرم؟ وماذا نفعل اذا كان دين الإسلام ليس فيه مناسبات سعيدة؟ ونبرر ذلك بكوننا نعترف بكل الأنبياء وما نقوم به هو احتفال بميلاد احد هؤلاء الأنبياء فما المانع من ذلك؟), وفي الختام هناك كلمة الى كل أب وأم وهي: انتبهوا الى ما تزرعون في نفوس صغاركم, كونوا صادقين في فعالكم, وعرفوا اولادكم بميلاد إمام زمانهم سلام الله عليه, فالفرح والسرور لا يكون عن طريق المعصية ابداً, وكونوا قدوةً لأولادكم فلا تفعلوا أمراً بدون التحقق منه ومعرفة أصله فلا يكن عملكم تقليداً أعمى. والحمد لله رب العالمين يا مهدي أدركني
اخرىكانت مدرسة (مريم) بعيدة جداً والطريق طويلاً، ولكنها أحياناً لا تشعر بالتعب، لكونها تقضي الوقت بالحديث مع صديقاتها، وذات يوم أخذت تسير بجنبها صديقتها (وسن)، فقالت: غداً أذهب مع أهلي إلى السوق لنشتري شجرة الميلاد والحلوى، أما أنّا فسوف أشتري معطفاً أحمراً يشبه معطف باب نويل، لكي نحتفل، فلم يبق إلّا ثلاثة أيام عن عيد الكريسماس، وأنتِ هل تشترين شيئاً للاحتفال؟ أجبتها: لا، لم اشتر ولن احتفل! ردت (وسن) بغرابة: ولماذا؟! العالم كله يحتفل بهذه المناسبة. انزعجت (مريم) من هذا الكلام وراحت تنصح صديقتها بأن لا تشترك بهكذا مناسبات لكونها ترمز إلى عقيدة منحرفة تدعو إلى الضلال. ثم قالت: أتعلمين أن أصل كلمة كريسماس مكونة من مقطعين: الأول: هو المخلص. والثاني: يعني ابن، والمقصود به النبي عيسى (عليه السلام) وهذا ما يعتقد به النصارى بعيسى (عليه السلام) وحاشاه أن يكون كذلك، وهو الذي أخبر عنه القرآن بأنه عبد من عبادنا، وأن الله تعالى لم يلد ولم يولد... هذا بالنسبة لكلمة كريسماس. وأما شجرة عيد الميلاد بلونها الأخضر فإنها ترمز إلى الحياة الأبدية، أما ثمارها الحمراء باعتقادهم فتعني دم المسيح المصلوب، وهذا غير صحيح لأن النبي عيسى (عليه السلام) لم يُصلب بل شُبّه لهم، لأن الله رفعه... قاطعتها (وسن) قائلةً: ما هذا الكلام أوه (مريم) كم أنتِ متخلّفة ولا تعلمين شيئاً عن الناس المثقفين؟! ردت عليها (مريم) بكل هدوء: أرجوا أن تنتبهي إلى كلامك، ولا تتكلمي بهذه الطريقة، أتعلمين من هو المثقف؟ المثقف هو الذي عرفته معاجم اللغة بِعدّة معان منها (الحذق، وسرعة التعلم) ولذا يطلق على الشخص المتعلم: مثقف. وليس هو من يقلد الغير بلبس معطف أحمر يشبه معطف دمية، كانت قبل باسم القديس نيكولاس، أو يحتفل بعد منتصف الليل إلى الصباح وسط أنغام الموسيقى المحرمة وهل تسمى هذه ثقافة؟! اختلاط الرجال بالنساء في الشوارع أمام أضواء عُلقت على شجرة كبيرة، تسمى تحضّراً؟! إذا كان الالتزام بتقاليد الدين والتمسك بنهج الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من باب شيعتنا: (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) يجعل مني متخلفة، نعم أفتخر بذلك على أن أقلّد الغير تقليداً أعمى يدعو إلى الكفر والضلال... لماذا لا نهتم بأعيادنا كاهتمامنا الآن بهذا العيد؟! لدينا أعياد ومناسبات مفرحة أكثر منهم، ولكن لم نر أحداً من العالم احتفل معنا وقلّدنا بشيء... وبعد هذه الكلمات راحت (مريم) تسرع بخطواتها لكي تبتعد عن (وسن) إلى أن وصلت إلى البيت. وفي صباح اليوم التالي وصلت رسالة إلى (مريم) تقول: عزيزتي الغالية أرجو أن تسامحيني، اعتذر عن كل كلمة سيئة صدرت مني، لقد فكرت بكلامك واقتنعت به، ولذلك لم أذهب إلى السوق لشراء المعطف الأحمر، لأنني لن احتفل بعيد الكريسماس أبداً... صديقتك (وسن) إيمان صاحب
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى