بقلم: قلم زهرائي حسيني في بيتٍ تملؤه أشعةُ العقيدةِ والولاء، ومُزيّنٍ بالتسليم لأمر اللّه تعالى، ومُعطرٍ بشذى التوكل عليه، تعيش نقاء.. فتاةٌ بلطافةِ الياسمين ورقّة الندى.. ــ "نقاء.. نقاء أعدّي لي عصير البرتقال الطبيعي".. إنّها أختها الصغيرة فاطمة اعتادت نقاء على الاهتمام بها ودلالها لها .. ــ تُجيبها نقاء بابتسامة: على عيني يا نور عيني، انتظريني لأغسل يديّ أولًا... وقفت فاطمة قُربها تنتظر.. فرأت أنَّ نقاء تُطيل غسل يديها وتُتمتم بكلماتٍ أيضًا! تُرى ما تقول؟! ــ فاطمة: هل انتهيتِ؟ لماذا تغسلين يديكِ هكذا وماذا كنتِ تقولين؟ ــ نقاء: هذه الطريقة الصحيحة لغسل اليدين، و مُدتها (عشرون ثانية)، وأنا تعلمتُ ذلك سابقًا، ولكن أصبحتُ أهتمُ به أكثر حاليًا بسبب الظرف الذي نشهده، وعليكِ يا صغيرتي أن تغسلي يديكِ كما فعلتُ لتُصبحا أجمل، أما ماذا كنتُ أردد فهو وِردُ (يا حيُّ يا قيوم)، فبينما أغسلُ يديَّ أكون قد ذكرتُ اللّه (تعالى). وبينما تُعِدُّ نقاء العصير، اقترب وقتُ صلاة الظهرين فأعدَّته بسرعة، ثم راحت تستعدُّ لها قبل الأذان فهي تُكرر دائمًا العبارة التي نقلها أحد العلماء "ما وقّر الصلاة من توضأ بعد الأذان". وحالما أنهتِ الصلاة ارتدت كامل الستر وجمعت إخوتها لتصعد سطح الدار فتزور معهم زيارة عاشوراء.. وفي تلك الأثناء دخلت ابنة عمها مريم وعلامات التعب والملل باديةً على مُحيّاها .. ــ مريم: السّلامُ عليكم.. لا بُدّ أنكم تصعدون لقراءة زيارة عاشوراء، انتظروني لألحق بكم... اجتمعت نقاء بوالدتها وابنة عمها وأخوتها الصغار تجلس بينهم باتجاه كربلاء المقدسة وهي تقرأ "السّلام عليك يا ابا عبدالله، السّلام عليك يا بن رسول الله.." وعندما أكملوا الزيارة والدّعاء بـ(اللّهم كُن لوليّك الحُجة بن الحسن...)، طلبت مريم من نقاء أنْ تبقى لتكلمها بما لديها.. فاستجابت لها نقاء وأخذت تتأمل وجهها جيدًا فقد كان واضحًا أنها تشكو من شيء.. فراحت تُلاطفها وهي تقول: لا يليقُ بمن تحمل هذا الاسم الجميل كلّ هذا الحزن، أخبريني ما بكِ؟ ــ تنهدت مريم وهي تقول: لقد مللتُ الجلوس في المنزل يا نقاء، و ليس عندي ما أفعله لأستثمر كلّ هذا الوقت، وربما لديّ ولكنني لا أعرف من أين أبدأ! ولقد مللتُ حقًّا التنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي.. ــ ابتسمت نقاء وأخذت يدي مريم بكلتا يديها وراحت تقول: يا عزيزة.. على المؤمن أنْ يكونَ شاكرًا لله (تعالى) في كلِّ حالٍ.. وأنا سعيدةٌ أنّكِ تحملين هذا الهم، إنّه همٌّ حَسِن. أخبريني... هل هاتفكِ المحمول معكِ؟ ــ هزّت مريم رأسها وهي تقول نعم.. ها هو معي.. أخرجت مريم هاتفها وراحت تقابل نقاء في جلستها وهي تقول: إنْ كنتِ بحاجةٍ لإجراء اتصال فيؤسفني أنْ أقول لكِ ليس عندي ما يكفي من الرصيد.. قالت مريم ذلك وهي تلاطف نقاء.. يبدو أنَّ كلمات الأخيرة المؤنسة قد أثرت فيها وأزاحت عنها غبار الحُزن والملل.. ــ نقاء: كلا يا نور عيني.. تعلمين أننا في أيام العمل والدوام قد قصّرنا كثيرًا في عباداتنا وعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية.. فأنا كثيرًا ما قصرت في حقّ والدتي أيام عملي وهذه فرصتنا لنعوِّض عن ذلك... فتعالي لنفكر بماذا نستثمر هذا التعطيل.. وراحتا تفكران معًا، لتضعا برنامجًا و جدولًا مُنظمًا لتنتفع منه كلتا العائلتين، فتأخذ نقاء على عاتقها الطابق الثاني من المنزل أي والدها ووالدتها وإخوتها، ومريم الطابق الأول هي وعائلتها أيضًا، وبهذا تكونا قد قسمتا العمل وسهلتا المهمة. وما زالتا تفكران... حتى قطعت مريم حبل الأفكار وهي تقول سنبدأ أولًا بالصوم.. ــ الصوم..؟! نعم يا نقاء، فهذه أيام مباركة والجو لطيفٌ.. وما أجمل ما قاله نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله): "ألَا إنّ شعبان شهري فرحم اللّه من أعانني على شهري" ــ أحسنتِ يا مريم... وأما في المساء فما رأيكِ أنْ نعقدَ مع عائلتينا جلسةً قرآنيةً نقرأ فيها ما تيسّر من القرآن الكريم... أجابتها مريم وهي تكادُ تقفز فرحًا: موافقة أكيد.. تابعت نقاء الكلام بينما مريم تكتب في مفكرة الهاتف.. وسنتعلم يوميًا مسألةً فقهية وهكذا سيرتفعُ رصيدنا في الثقافة الفقهية. وأكملت بعدها مريم بحماسٍ وهي تقول: وسنبدأ بحفظ السور القرآنية من الجزء الثلاثين (حفظًا وتدبرًا) وكذلك بعض الأحاديث والروايات المرورية عن النبي الأكرم و أهل بيته (صلوات اللّه تعالى عليهم). وافقتها نقاء وهي تقول: وما أجمل أنْ تتعلم الفتاة بعض الأعمال اليدوية الجميلة لتزيّن بها بيتها وغرفتها الخاصّة.. أو تطور مهاراتها بالتدرب على تعلم فنون الخط، وسنبدأ معًا بإذنه (تعالى) بالتدرب معًا على تعلّم فنون (خط الرقعة). ثم تابعت قولها.. و ما أجمل الفتاة وهي تُمارس دورها كأختٍ مسؤولة عن إخوتها الصغار فتُعينهم على تحضير واجباتهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه كالقراءة والكتابة وبعض السور القرآنية.. ــ أتعلمين؟ إنَّ لَذّة هذه الأعمال لا تُوصف وتضيف للوقت بركة وللأيام بهجة. ــ وأخيرًا يا عزيزة... إنّه أفضل وقت لتحدي الذات، فقد يكون البعض منّا عاكفًا على فعلٍ ما.. أو أنّه يشكو من صفةٍ خُلقية غير حسنة فما أجمله وهو يحاول التخلص منها وإبدالها بجميل الصفات ليحظى بالرضا والحسنات.. فالذي يكون عاكفًا على سماع الغناء فليَقُم بتحدي نفسه فيبدأ في تركها.. يومًا ويومين وحتى أسبوع وإلى الأبد، أنا واثقةٌ أنّه لن ينسى أبدًا لذّة الانتصار على نفسه و الشيطان. ختمت نقاء حديثها مع مريم قبل أنْ تنصرف لمساعدة والدتها في إعداد طعام الغداء بنقلها لوصيةٍ من وصايا الرسول الكريم (صلى اللّه عليه وآله) لأبي ذر ليتفكرا فيها ويتخذاها بدايةً لكُلّ خير: "يَا أَبَا ذَرٍّ: اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَ صِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وَ غِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَ فَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ".
اخرىهي غُصنُ تلك الشجرة العلوية، والدوحة الهاشمية. امرأة صنعتها السماء، واحتفت بها الأرض. امرأة استطاعت أن تخترقَ العوالم والأزمان، وأن تتسيد الموقف في كل زمان ومكان. امرأة من الشرف والعز والدلال والحشمة والوقار والاجلال والتقديس مايُشار إليها دائماً وتهفو إليها القلوب قدساً وعزاً وجلالا. السلام على الحوراء زينب ورحمة اللَّه وبركاته.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي سبب الحث على نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) هناك الكثير من العوامل والأسباب التي تقف وراء نصرة سيد الشهداء، واهمها هي الأحاديث والروايات المباركة الدالة على ضرورة نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) واهميتها. (فعن انس بن الحرث قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: إن ابني هذا – يعني: الحسين _ يقتل بأرض يقال لها كربلاء . فمن شهد ذلك منكم فلينصره ) (1) إنّ الموالي المؤمن الصادق هو من بادر إلى نصرة نبيه وأئمته (صلوات الله عليهم)، ولا سيما نصرة الإمام الحسين المظلوم (عليه السلام)، فنصرة أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) لا تقتصر على الجهاد معه بالسيف في ساحة الغاضرية، بل تصدق نصرته في كل الأزمنة إلى يوم القيامة، وهي تكليف يقع على عواتق المؤمنين الموالين الذين امتن عليهم الحسين (عليه السلام) بحفظ الإسلام بدمه ومهجته وأرواح أحبته، فيجب على كل غيور ومؤمن أن ينصر سيد الشهداء باليد إن تعين ذلك، أو باللسان والقلب والقلم، وإقامة الشعائر والمراسم الحسينية حيثما يستطيع ويتسنى له، بأي صورة إسلامية ممكنة. ولنصرة الإمام (عليه السلام) الكثير من الطرق التي لا يمكن الوقوف عليها بشكل مفصل وسنذكر ان شاء الله تعالى جملة من الأعمال والأمور التي تساهم وتساعد النسوة المؤمنات على نصرة الحق واعلاء كلمة لا اله الا الله التي خرج الحسين (عليه السلام) من أجل احيائها، ومنها: 1/ تعظيم الشعائر: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) (2) في هذه الآية المباركة إشارة واضحة إلى ضرورة احياء وتعظيم شعائر الله (عز وجل)، وبما أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو خليفة الله تعالى على أرضه وحجته على عباده، فشعائره هي امتداد لشعائر الله (عز وجل) لأن رسالة الحسين (عليه السلام) هي رسالة السماء وتعظيم شعائره تكون بإحياء ذكره وبث رسالته إلى العالم اجمع ونشر ثقافة السواد وظاهرة الحزن والمداومة على زيارته وإقامة مجالس العزاء لذكره كما أوصى بذلك أهل البيت بروايات متواترة وعدم ترك هذا الحق أبدًا. 2/ لعن قاتليه: وهذا ما ورد في زيارة عاشوراء (فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم ... اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وال محمد وآخر تابع لهم على ذلك) (3) 3/ زيارة الأربعين: تعتبر زيارة الأربعين من الزيارات الكريمة والمسيرات العظيمة التي تساهم وبشكل فعّال في نصرة الإمام الحسين وديمومة قضيته وقال كتب فيها الكثير الكثير من الموالين والمحبين ومنهم حسن علي الجوادي حيث قال (ان هذا التجمع العظيم لم يكن لأجل نزهة أو رحلة استطلاعية أو زيارة مكان آثار وإنما هي رحلة ومسيرة تختلف عن كل رحلة ومسيرة في الحياة وهذا ما يجعلها تتميز وتتصدر كل المسيرات البشرية فهذا الزحف الرهيب والعجيب يأتي من الأماكن البعيدة والشاسعة فيقطع الملبون لنداء العز والبطولة مئات الكيلو مترات لأحياء هذه النهضة الخالدة متحملين درجات الحرارة الشديدة أو البرد القارص من دون أن يدفعهم أي أحد وما كان ذلك إلّا ليتزودوا رحيق التقوى والإيمان) (4) ولأن المرأة هي المكمل للمجتمع ولها دور أساسي في نهضة المجتمع ورقيه فإن آل البيت (عليهم السلام) حرصوا على ضرورة مشاركة المرأة في الشعائر الحسينية ووقوفها جنبا إلى جنب مع الرجل فقد ورد في الخبر عن ام سعيد الاحمسية قالت حدثني الإمام أبو عبد الله عليه السلام وقال لي (يا أم سعيد تزورين قبر الحسين ؟ قلت : نعم . فقال لي : يا أم سعيد زوريه فأن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء) (5). 4/ البكاء عليه وندبته: من أوجه نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) هو البكاء الواعي عليه فيمكننا أن ننصر الإمام روحي فداه بندبه وتذكر ما جرى على عليه وعلى آل بيته في أرض كربلاء وقد ورد في كثير من احاديث الأئمة أهمية وثواب البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: (اللهم ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهم أني استودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتى ترويهم على الحوض يوم العطش) (6) وهناك الكثير ممن نصر الإمام الحسين (عليه السلام) بالصرخة والعبرة ومنهم السيدة أم سلمة إحدى زوجات الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) فقد ذكر لنا التاريخ ما نصه (كان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله كان دفع اليها قارورة فيها تربة وقال لها: إن جبريل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين، فقالت: وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل ...فلما رأتها قد صارت دما صاحت : واحسينا هوا ابن رسول الله ، وتصارخت النساء من كل ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجة وخرجت بنت عقيل في جماعة من نساء قومها حتى انتهت إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله، فلاذت به وشهقت عنده ثم التفتت إلى المهاجرين والانصار وأنشدت: ماذا تقولون إن قال النبي لكم يوم الحساب وصدق القول مسموع خذلتموه عترتي أو كنتم غيبا والحق عند ولي الأمر مجموع أسلمتموه بأيدي الظالمين فما منكم له اليوم عند الله مشفوع ما كان عند غداة الطف إذ حضروا تلك المنايا ولاعنهن مدفوع فأبكت من حضر . ولم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم ) (7). ______________________ 1/ فاجعة الطف لسيد محمد الطباطبائي الحكيم / ص 25 2/ الحج / 32 3/ مفاتيح الجنان / زيارة عاشوراء ص 488 4/ بين المسيرة والنهضة لحسن جوادي / ص 36 5/ القدة وثورة الحسين / ص 165 6/ كامل الزيارات ل لأبي القاسم جعفر ابن قولويه القمي / ص126 7/ فاجعة الطف / ص103- 104
اخرىبقلم: علوية الحسيني "وافتح لي فتحًا مُبينا" ظاهرُ دعاء الإمام (عجل الله تعالى فرجه) هذا أنّه يُشير إلى طلب المدد الإلهي أثناء فتوحاته بعد خوض المعارك مع الأعداء, وبين هذه الفقرة الدعائية والسابقة - طلبُ النصر- ارتباط وثيق؛ لأنّ الفتح لازمه النصر. وهذه الفقرة كسابقاتها لها جذرٌ قرآني, وهي قول الله (تعالى): {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِينا}(1), التي كانت تُشير إلى بشارة الله (تعالى) لنبيّه الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله) بـفتح مكة, بعد صلح الحديبية الذي أُبرِمَ بينه (صلى الله عليه وآله) وبعض المسلمين الذين ذهبوا معه لأداء مناسك العمرة وبين بعض مشركي قريش؛ "لأنّ قريش منعته (صلى الله عليه وآله) والمسلمين من أنْ يدخلوا مكة, فحطّوا عند مكان يسمى الحديبية وأبرموا معاهدةً مع كبراء قريش, طلبت فيها قريش أنْ لا يدخل مكة في ذلك العام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والمسلمين, وإلاّ وقع القتال, فاختار (صلى الله عليه وآله) أنْ يتركَ العمرة حتى لا يريقَ دماءً بسبب سفاهة قريش, وعاد والمسلمون نحو المدينة. وبعد فترةٍ جاءت البشرى الإلهية بفتح مكة, فجهّز النبي (صلى الله عليه وآله) جيشًا ليفتح مكة, وينشر الإسلام فيها, ويؤدوا العمرة التي حُرِموا منها, بل ولينطلق بعد الفتح لنشر الإسلام في الجزيرة العربية, وربوع العالم, حتى أنّ قريشًا لم تقاوم أبدًا, حيث اعترفت بكيان المسلمين"(2). وبعد هذه النبذة المختصرة عن فتح مكة بقيادة نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله), يأتي ولده الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ويطلب فتحًا مبينًا كفتح جدّه (صلى الله عليه وآله), بل ويُشابهه في المخرج والمدخل والهدف, فيخرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه) من المدينة كما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) منها, ويدخل مكة محررًا فاتحًا, بهدف نشر الدّين الإسلامي, بصورة عالمية, ولهذا قال الله (تعالى) في أواخر سورة الفتح بقوله: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا}(3), فكما أظهر الله (تعالى) الدّين على يد نبيّه, يظهره على يد وليّه القائم (عليهما السلام) بعد أنِ اندرست بعض معالمه, وابتدع فيه, حتى نفر عنه البعض جهلاً بحقائقه, وتعمَّق الآخر غلوًّا بظواهره. وإنّ نطاقَ فتوحات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) سيكونُ أوسع؛ لحكمةٍ إلهية خفية, ولطوعية بعض الأعداء بإبرام معاهداتِ صلحٍ معه, مما يُتيح له تحقيق الفتوحات. وتأتي الفتوحات كنتيجةٍ لازمةٍ لغرض إظهار الله (تعالى) لوليّه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؛ إذ الفتح هو افتتاح الدول الظالمة على يده, ونشره القسط والعدل والدّين الإسلامي في ربوعها, وهذا جزءُ علةٍ لسيادة الإمام العالمية, في قبال الدول الغربية التي سوف تعلن إسلامَها, وبالتالي لا تحتاج إلى مواجهات. وقبل الفتوحات يُعِدُّ الإمامُ (عجل الله تعالى فرجه) وسائلَ الاحتجاج العلمية, ليُخيّر أعداءه بين السلم والقتال, وهي التوراة والإنجيل, بالإضافة إلى مواريث الأنبياء السابقين (عليهم السلام). روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "أولُ ما يبدأ القائم (عليه السلام) بــأنطاكية فيستخرج منها التوراة من غارٍ فيه عصا موسى وخاتم سليمان"(4). ومن أبرزِ فتوحاتِ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) (فـتح القدس), فيسيرُ وجيشه إلى (بحيرة طبرية) "التي تقع بين الخليل والجولان, أحد أقضية عكّا في فلسطين"(5)؛ روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "...ثم يأتي الكوفة فيُطيل فيها المكث ...ثم يسيرُ حتى يأتيَ الـعذراء هو ومن معه وقد لحقه ناسٌ كثير"(6). فحين وصوله "يستخرج من البحيرة (تابوت السكينة) الذي وُضع به آنذاك النبي موسى (عليه السلام) ويدعوهم للإيمان به دون القتال, فيُسلم قليلٌ من اليهود"(7), والبعضُ الآخر الغالب يقاتلُ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) ولن يعترفَ بتابوتِ السكينة ظاهرًا. فيفتحُ الإمام القدس على يديه فتحًا مبينًا, ويقهرُ اليهود, وينشرُ الدّين الإسلامي فيها. وكذا يفتحُ (القسطنطينية) "التي هي عاصمة الامبراطورية الرومانية"(8), حيث روي "أنّ الإمام يفتحها ورومية وبلاد الصين"(9), وعلى عظمة تلك الدولة ينتشرُ الإسلام, ويولّي الإمام (عجل الله تعالى فرجه) حاكمًا مؤمنًا عليها, ليبلغ رسالات الله (تعالى), ويتولى سيادة تلك العاصمة, وتطبيق قوانين الإسلام على رعاياها. وعليه, نستطيعُ أنْ نجزمَ من بعد تحقّقِ الفتوحات وراثة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) للأرضِ كُــلِّها؛ وخيرُ شاهدٍ مؤكدٍ ودليل هو إطلاقُ الآية الكريمة لمفردة (الأرض) التي وعده الله (تعالى) بها: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون}(10), حيثُ جاء في تفسير الآية "بأنّ الله (تعالى) كتبَ في التوراة والزبور إضافة إلى القرآن بأنَّ الصالحين سيرثون الأرض جميعًا, والوراثة هي انتقال شيءٍ في ملكيةِ شخصٍ دون معاملة"(11). وروي أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) سُئِلَ عن ذيل هذه الآية, فقال: "القائم (عليه السلام) وأصحابه"(12). فلازمُ الفتوحات هي وراثة الأرض كلّها. *وهنا سؤالٌ: قد يُقال: إنّ كثرة فتوحات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) تدلُّ على سياسته الدموية, وهذا يتنافى مع فلسفة ظهوره كرحمة للعالمين؟! فيُجاب: بأنّ أصل دعوة الإمام(عجل الله تعالى فرجه) سلميّة للغاية, وهناك مؤشرات على هذه الأصالة, "منها: 1/ وصف الروايات للإمام بأنّه رحـمةٌ للعالمين. 2/ قبول الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لبيعة السفياني. 3/ إعراض الإمام (عجل الله تعالى فرجه) عن القتال في القسطنطينية بعد أنْ يستسلم أهلها. 4/ ابتداء الإمام (عجل الله تعالى فرجه) الإنذار بالدلائل والبراهين العقلية والنقلية. 5/ لن يقاتل الإمام (عجل الله تعالى فرجه) إلاّ من يقاتله. 6/ إطالة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) في الوعظ الشفوي على أعدائه؛ تحفيزًا لهم على ترك القتال"(9). ومن الممكن إضافة (عنصر الرعب) كمؤشرٍ آخر لأصالة سلميّة دعوة الإمام (عجل الله تعالى فرجه), حيث إنّه أحدُ مقوماتِ نصره, فالأعداءُ الذين يلقون رعبًا وهيبةً في صدورهم نتيجة مواجهة الإمام (عجل الله تعالى فرجه), أغلبُهم يُذعن أنّ الحقَّ مع الإمام (عجل الله تعالى فرجه), لاسيّما أنّهم قد سمعوا حدثًا كونيًا سماويًا يحثّ على اتّباعه, وعدم مقاتلته, وهو (الصيحة الجبرائيلية التي يسمعونها بلغاتهم). كما يمكن عدُّ هذا المؤشر لازمًا للمؤشر الخامس؛ لأنّ نصر الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) مُتحققٌ, وفتوحاته واقعةٌ لامحالة, فمن آمنَ به فلنفسه, ومن كفرَ فعليها, مما يدعو الإمام (عجل الله تعالى فرجه) إلى فتح بلاد الظلم بالقتال, ومواجهة من يقف عقبةً في طريقه, بعد أنْ يدعوهم للسلام. *وإن قِيلَ: لماذا تكون خطة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) بما سيقومُ به من فتوحات مُعلنة؟ حيثُ أنّ ذلك سيوجبُ تآمر الأعداءِ وتكاتفهم أكثر مما لو لم يُعلنْ في الروايات عن الفتوحات والنصر المؤزر! *فبالإمكان أنْ يُجاب: بأنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) حينما طلب من الله (تعالى) أنْ يكون فتحه ذلك فتحًا مُبينًا, قاصدًا أنْ يكون فتحًا ظاهرًا للجميع؛ تناسبًا مع عالمية ظهوره, والدّين الذي يدعو له, والرسالة السامية الرحيمة التي يوصلها, وتنبيهًا لمن يحاول أنْ يقف في طريقه, ويقاتله. وباختصار: ليُعلمِ اللهُ (تعالى) جميعَ خلقه أنّ نصر هذا الإمام (عجل الله تعالى فرجه) عالميٌ ومتحققٌ بكافةِ أقسامه وشرائطه, ولا شكَّ أنّ هذا غرضٌ من أغراضِ الله (تعالى), فينبغي تحقيقه, حيث يقولُ في كتابه الكريم: {ليظهرَه على الدّين كلّه}. ومعه, يكون إعلان الروايات عن فتوحات الإمام وسيلةً لإعلامِ الجميع بـحكمةِ الله (تعالى) أولاً, وإعطاء (صبغة العالمية) لشخصِ ودينِ ودولةِ وليّه الموعود (عجّل الله فرجه الشريف). بل ولعلّ ذلك الإعلان يشكلُ ردعًا لأعدائه, ويدحضُ مجردَ تفكيرهم بالنصر. _____________________ (1) سورة الفتح: 1. (2) ظ: تفسير الأمثل في بيان كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي, ج16, ص412-417. (3) سورة الفتح: 28. (4) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص390, ح212. (5) أطلس سيرة الإمام المهدي عليه السلام: لرسول كاظم عبد السادة, ص602. (6)المصدر نفسه, ج52, ص224, ح87. (7) ظ: الملاحم والفتن: للسيد ابن طاووس, ج1, ص147. (8) مصدر سابق, ص615. (9) ظ: بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص333, ح61, عن الغيبة للسيخ الطوسي. (10) سورة الأنبياء: 105. (11) ظ: مصدر سابق, ج10, ص256-257. (12) تفسير القمي: لعلي بن ابراهيم القمي, ج2, ص77. (13) ظ: على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الأسدي, ص160-161. اللّهم افتح له فتحًا مبينا.
العقائدبقلم: دعاء الربيعي لا زال الحديث متواصلاً حول أهمية نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) وصورها، وتحدثنا عن النصرة بالأموال والنصرة باللسان، ونتحدث الآن عن النوع الآخر وهو : ج/ النصرة بالنفس: وهي من أعظم وأجل وأرفع مصاديق النصرة فإن الذي يضحي بنفسه في سبيل نصرة الدين فهو صادق في إيمانه كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)) (1) وخير مثال على أولئك الصادقون المؤمنون هي السيدة أم وهب التي حباها وشرفها الله ورزقها الشهادة مع إمام زمانها فشاءت إرادة الباري (عز وجل) أن تكون بصحبة زوجها اثناء توجهه للقتال مع الإمام الحسين (عليه السلام) فكانت نِعمَ الزوجة التي تعين زوجها على أداء حقوق الله فشجعته وآزرته وقدمت له الدعم المعنوي الذي يساعده على قتال الأعداء فيروي لنا التاريخ أنها لما رأت زوجها قد أصيب في يده اليسرى أرادت أن تواسيه وتهون ما نزل به، فأخذت عمود خيمتها وصدحت قائلة: (فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد (صلى الله عليه واله) فأقبل زوجها عبد الله يردها نحو النساء لكنها رفضت وقالت له: إني لن أدعك دون أن أموت معك. فتوجه نحوها الحسين (عليه السلام) فدعا لها وطلب منها الرجوع نحو النساء، لأنه ليس على النساء قتال، فانصاعت أم وهب لقوله ورجعت إلى الخيمة. ولما قتل زوجها خرجت نحوه وجلست عند رأسه تمسح عنه التراب وهي تقول له : هنيئا لك الجنة . وأسال الله أن يلحقني بك ، فقال الشمر لغلامه رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها) (2) ومن احداث هذه الرواية نفهم ان تلك السيدة الجليلة ابت الا أن تكون ناصرة لإمام زمانها فهي لم تحزن ولم تقنط عندما شاهدت مصرع زوجها بل كانت تتمنى الشهادة معه حتى أنها دعت الله تعالى أن يرزقها الشهادة مع إمام زمانها فاستجاب الله تعالى لدعاء هذه السيدة ورفع الله روحها مع ارواح شهداء الطف الأبرار فهنيئاً لها هذا الموقف البطولي المشرف الذي خدمت به إمام زمانها... وحري بنا نحن النساء أن نحذو حذوها ونكون مستعدين لنصرة إمام زماننا بالنفس كما فعلت أم وهب (رضي الله عنها). والملفت للنظر أن أبا عبد الله (عليه السلام) استطاع أن يختار لنهضته الشريفة من أهل بيته وانصاره من لا يتراجع عنها بعد أن اقتنع بها ، وكان بوسعهم التراجع في أي وقت أرادوا. لكنهم آمنوا بقيادته، وسلّموا لما يقرره حتى النفس الأخير، مع قوة في البصيرة، ومزيد من السرور والشعور بالفوز والسعادة. وقد آمنوا بمشروعه كما آمن هو (عليه السلام) فسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم الطاهرة. د/ نصرة الحسين بأحياء قيمة التي ثار من أجلها: إن حركات التاريخ تنقسم إلى قسمين: الأولى: الحركات التي ترتبط بأوضاع آنية محدودة مؤقتة. كأن تكون مشاكل سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ومن أجلها تنهض حركة من الحركات وتحاول أن تغير الواقع القائم، ومن الطبيعي أن هذا النوع من الحركات ينقضي بانقضاء وقته وتتحول إلى حادثة من حوادث التاريخ. الثانية: الحركات التي ترتبط بقيم إنسانية عامة. فهنالك مجموعة من القيم الإنسانية العامة وهذه القيم لا ترتبط بمكان معين أو زمان معين أو ظرف خاص وإنما يحتاج اليها الإنسان دائما وأبدًا، مثل القيم الإنسانية المتمثلة بقيمة العدل، قيمة الحرية، قيمة الكرامة، قيمة الوفاء، قيمة التضحية، قيمة العبادة قيمة حب الله تعالى وحب عبادته تعالى، هذه القيم دائمة يحتاجها الإنسان في كل عصر. التاريخ البشري كله لم يشهد ولن يشهد حركة ثورية تاريخية كبرى مثلت القيم الإنسانية بأعلى دراجات التمثيل كحركة الإمام الحسين (عليه السلام) ففي هذه الحركة التاريخية نجد أنّ القيم الإنسانية والقيم الإلهية تمثلت، لذلك خلدت هذه الحركة وخلدت صاحبها إلى يومنا هذا، واحدى قيم عاشوراء المحورية هي قيمة الحرية، فالنظام الأموي كان يعامل الناس كعبيد وكصير من الناس للأسف قبلوا بهذا الوضع وخضعوا له وذلك لضعفهم وقوة السلطة آنذاك، لكن مولانا أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) أبى أن يسلم نفسه ودينه لهذه السلطة الجائرة ورفض العبودية لهم، وقدم بثورته المباركة دروسًا في الحرية لكل الأجيال، فالإمام الحسين (عليه السلام) خاطب ذلك الجيش في يوم عاشوراء وقال لهم: (ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احرارا في ديناكم ) (3) هذه الحرية التي تمثلت في قضية عاشوراء وتمثلت في أصحاب سيد الشهداء الأوفياء، ونجد هذا الخط التاريخي لا زال عند الشيعة الموالين والمحبين والسائرين على خط سيد الشهداء (سلام الله عليه) وخط الحرية والتحرر من سلطة الظالمين وهذا أثر من آثار تلك النهضة المباركة. أما القيمة الثانية التي مثلتها ثورة الحسين (عليه السلام) فهي قيمة: المساواة، التي لم تستطع البشرية أن تحققها إلى يومنا هذا، فهي حلم الشعوب من الأزل، لكنها تجسدت في تلك النهضة المباركة وفي يوم عاشوراء، فالإمام الحسين (عليه السلام) مشى إلى سبعة أفراد بعد مصرعهم من بني هاشم وأربعة من الأصحاب واحد منهم العباس والثاني القاسم والثالث مسلم ابن عوسجة والرابع الحر بن يزيد الرياحي والخامس جون مولى أبي ذر هذا العبد الأسود أحد حواريي سيد الشهداء، وقف الإمام على مصرع جون ودعا له وقال: (اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع محمد (صلى الله عليه واله9 وعرف بينه وبينه وبين آل محمد (صلى الله عليه واله)) (4) والسادس علي الأكبر والسابع وهو واضح الغلام والعبد، حيث مشى إليه الإمام الحسين (عليه السلام) ووقف عند جسده واحتفى به بنفس الطريقة التي احتفى بها على جسد ابنه علي الأكبر، ويتضح لنا أن الإمام (عليه السلام) لم يفرق بين أصحابه وأهل بيته ساوى بينهم ولم يميز أحدهم عن الآخر ومثّل في ثورته أسمى صور المساواة والعدالة الإنسانية، ومن هنا علينا أن نسعى جاهدين لإحياء قيم الحسين (عليه السلام) التي ثار وخرج من أجلها فإذا استطعنا نحن النساء أن نرسي هذه القيم في أُسَرنا ومجتمعنا، فإننا نكون بذلك قد نصرنا الحسين (عليه السلام) وساهمنا في إحياء أمره وإعلاء كلمة الحق التي نهض من أجلها. وهناك الكثير من القيم العاشورائية التي يجب أن تحط رحالها بيننا وفي مجتمعنا حتى ننعم بحياة آمنة مطمئنة. _________________________ 1/ الحجرات / 15 2/ إبصار العين في أنصار الإمام الحسين / لمحمد السماوي /ص227 3/ بحار الانوار للمجلسي/ ج45. ص 51 4/ إبصار العين لمحمد السماوي / ص 176- 177
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى