بقلم: قاسم المشرفاوي إن حب الوالدين لأبنائهم من الأمور الفطرية التي أودعها الله تعالى فيهم، والتي تعبر عن الطبيعة الإنسانية السوية، وكلامنا في هذا المقال عن الحب المفرط للأبناء والذي يسمى الدلال وهو توفير كل رغبات وطلبات الأطفال مهما كان حجمها وصعوبتها وعدم رفض أي طلب من طلباتهم مهما كانت كمّ الإحراج الذي يقع فيها الوالدان، وهذا ما يسبّب أثرًا سلبيًا في شخصية الطفل عاجلًا أو آجلًا... ويقع كثير من الآباء والأُمهات في خطأ كبير وهو تدليل أبنائهم بشكل يؤدي إلى تمرد الأبناء حيث يصل الحال بهم إلى عدم احترام آبائهم وأُمهاتهم. وهنا يجب أن نميز بين الحب المتزن والحب المفرط الذي يدمّر شخصية الطفل ويحوله إلى شخص فاشل في المجتمع، لا يحب إلّا نفسه ولا يفكر إلّا بنزواته ورغباته وأهوائه ومصالحه، وممكن أن نقول: أن الحب للأبناء يقتضي توفير احتياجاتهم باتزان، فالطفل يحتاج أن نقول له كلمة (لا) مثلما يحتاج أن نقول له (نعم)، فهو يحتاج إلى حاجات مادية ونفسية باتزان، فالتوازن في العطاء يجعل شخصية الطفل قوية ومستقرة نفسيًا وعاطفيًا. فحاجات الطفل تختلف باختلاف المرحلة العمرية، فالطفل في عامه الأول يختلف عن طفل الأربع سنوات أو العشر سنوات، فالطفل في عامه الأول يحتاج أن نفهم بكاءه ونفهم نظراته وكل سكناته، فهو لا يجيد سوى البكاء للتعبير عن احتياجاته وطلباته، لذلك يجب علينا أن نعرف اختلاف المراحل العمرية واحتياجاتها. فإذا بدأ يحبو نتركه ليشتد ويقوى عوده، ونقدم له المساعدة حسب حاجته لذلك، ليتمكن من الاعتماد على نفسه ويبدأ بفهم قدراته، فكثرة حمل الطفل تمنعه من النمو نفسيًا وعضليًا، فيجب على الأهل فهم متطلبات المرحلة بشكل دقيق حتى يكونوا قادرين على التعامل مع مختلف الحالات. بعد عمر السنتين يحاول الطفل إثبات ذاته والاعتماد على نفسه، لذلك يجب أن نترك له المجال في تجربة الأشياء واكتشاف قدراته وإمكانياته، مع تقديم المساعدة بمقدار احتياجه فقط. ربما يسأل البعض ويقول: كيف نستطيع أن نعرف مقدرة الطفل على عمل الأشياء؟ -إن المدار في ذلك هو قدرة الطفل في فعل شيء ما، فإذا كان يستطيع أن يلبس حذاءه أو يغسل يديه فلا نتدخل هنا بل نتركه يقوم بعمل هذه الأشياء وحده، لأننا لو فعلنا كل الأشياء نيابة عنه فإننا نقوم بقتل قدراته وإمكانياته والقضاء على قوة شخصيته في مهدها، فالطفل يعتاد علينا إذا كنّا نفعل الأشياء نيابة عنه، فالواجب علينا إذًا أن نفسح له المجال للاعتماد على نفسه وأن نقدم له المساعدة وقت الحاجة إذا شعرنا أنه بحاجة إليها، فمن سلبيات الدلال قتل قدرة الطفل لأنه سيشعر بأنه غير قادر على فعل الأشياء لوحده وهو غير مؤهل لثقة أهله. تصبح شخصية الطفل ضعيفة وخاوية وغير مسؤولة لأنه اعتاد الحصول على الأشياء بسهولة وبدون جهد... يصبح طفلًا اتكاليًا والسبب أن الوالدين يقومان بالعمل نيابة عنه... يصبح طفلًا انانيًا لا يفكر إلّا بنفسه، والسبب هو شعوره باستحقاق ما يطلبه وما يرغب به من أهله ويجب عليهم تنفيذ طلباته... يكون طفلًا ذا شخصية ضعيفة انسحابية فهو لا يواجه أي فشل أو إحباط فلا يمكنه أن ينجح بعد الفشل، والسبب أن أهله كانوا يحلون كل مشاكله ولم يعلموه كيف يحل مشاكله ويواجهها... فالطفل المدلل تعلّم الحصول على كل شيء دون أن يبذل أدنى مجهود، لذلك فعندما يبدأ بمواجهة الحياه الحقيقية مع المجتمع بدون وجود والديه فإنه سينهار في أبسط تحدي من تحديات الحياة وربما أدى ذلك به إلى الانزواء والاكتئاب ويلجأ إلى الابتعاد عن المجتمع للتخلص من معاناته وشعوره بالقلق والتوتر. لذلك يجب علينا كآباء وأمهات أن نعطي باتزان، ونحب بإنصاف دون المبالغة والإفراط، فالحب ليس بإعطاء المال بكثرة وتوفير كل الطلبات، وإنما الحب هو بناء شخصية الطفل بشكل سليم يتناسب مع متطلبات الحياة وضرورتها، فالعطاء الذي يدمر شخصية الطفل هو ليس حبًّا وإنما هلاك سندركه عندما يغرق أبناؤنا في سلبيات الدلال، لذلك يجب أن نكون حذرين في سلوكياتنا مع أبنائنا فكل شيء محسوب علينا، والله ولي التوفيق.
اخرىبقلم: قاسم سالم المشرفاوي أنتَ أذكى طفلٍ رأيتُه في حياتي؟ أنتَ أكثرُ عبقريةً من أينشتاين؟ أنتِ أجملُ فتاةٍ رأيتُها في العالم؟ أنتَ بطلٌ؟ عباراتٌ كثيرًا ما نجدُها مُنتشرةً هنا وهناك، بين أروقةِ الصفحاتِ التربوية بكثرة، في ظاهرها حسنةٌ وجميلةٌ، ولكنّها لا تخلو من سلبياتٍ عديدةٍ تؤثرُ بشكلٍ سيءٍ وسلبيٍ في تكوينِ شخصيةِ الأبناءِ بشكلٍ غير واقعي وغير موزون. ونرى العديد من الإخوةِ الآباء والأمهات يستعملون أسلوب المديح هذا ويعدّونه من الأساليبِ الذكيةِ في التربية، بل إنّ بعضَ المدربين يستخدمونه في التدريبِ للأسفِ الشديد دونَ معرفةِ نتائجه! إن استخدام تلك العبارات وبكثرةٍ تجعلُ الأطفالَ غيرَ واقعيين وغيرَ منطقيين إذا كانتْ تتناقضُ مع صفاتِ الطفلِ الحقيقية والواقعية، ومن الممكن أنْ تُسبِّبَ له انتكاساتٍ عكسيةً في حياته. فلو سألَنَا شخصٌ عن سلبياتِ هذه الكلماتِ وتأثيرها العكسي فإن بإمكاننا أنْ نوضِّحَ سيناريو معينًا ونقوم بتحليلهِ لزيادةِ عمليةِ الإقناعِ لدى السائل.. فلنأخذْ سيناريو (أنتَ ولدٌ ذكي)، فأنتَ تعني: ذاتك، كيانك ككل، وإطلاقُ صفةِ الذكاءِ على ولدِك بالمطلق تعني أنّ كلَّ ما يصدر منه هو ذكاء! إذن السؤال: كيف ينظرُ هذا الطفلُ ذو العشر سنواتٍ مثلًا لنفسه إذا لم يستطِعْ حلَّ مسألةٍ معينةٍ في مادةٍ معينةٍ أو جاء بنتيجةٍ متدنيةٍ في إحدى المواد؟ كيف سيُفسِّرُ ذلك الأمر يا ترى؟! فالطفلُ هنا سيُصيبُه الإحباطُ ويفقدُ الثقةَ في نفسِه مؤقتًا هذا إنْ لم يستمر في فقدان ثقتِه بنفسِه أو استمرَّ لديه الإحباط لأيام. إذن سيفهم أنّ إطلاقَ هذه الصفات تكونُ خدعةً من والديه، وإشارةً إلى عدمِ جدارته، أو أنّها مجاملةٌ له فقط لا أكثر! لنُكمِلِ السيناريو المُفترض.. جاءك ولدُك وهو مُصابٌ بالإحباطِ ويشعرُ بخيبةِ الأمل وقال لك: -أبي، أنا لستُ عبقريًا، ولست أذكى من في الصفِّ كما تقول! وهنا سيكونُ جوابُك: - لا يا عزيزي، فأنت عبقريٌ وما هذه إلا أزمةٌ مؤقتةٌ وستنتهي، والجميعُ يمرُّ بها. وهنا أُريدُ أنْ أقولَ: إنّ استمرارَ الوالدين في الكذبِ على ولدهِما وتوصيفِه بأوصافٍ مُبالغ بها ومطلقة في معناها ستوقعهُما في أخطاءٍ كارثيةٍ من شأنِها فقدان الطفل الثقة في كلامِ والديه وعدم تصديقهما فيما يقولان له. فعدمُ قولِ الحقيقةِ للأبناءِ، وعدمُ التعاملِ باتزانٍ في كُلِّ شيءٍ يؤدي إلى تحطيمِ الطفلِ من حيثُ لا يشعران.. إذن لماذا لا يُعدُّ هذا المديحُ مقبولًا وصحيحًا؟ لأنّه: *يُعطي الطفلَ انطباعًا غيرَ واقعي عن نفسه، ولا يتطابقُ مع قدرتِه الفعلية. *يُعرِّضُ الطفلَ للإصابةِ بالإحباط وخيبةِ الأمل عند أول إخفاقٍ يمرُّ به. *يُركِّزُ على النتيجةِ دونَ التركيز على الجُهدِ المبذول. والحلُّ المقبول والصحيح هو أنْ نجعلَ الأطفالَ يُفكّرون بشكلٍ واقعي بعيدًا عن المبالغة. *والمديحُ المبالغُ فيه يجعلُ الطفلَ لا يعرفُ قدرتَه الحقيقية. *إضافةً إلى خلق حالةٍ من العطش للمديح، فلو لم تمدحْه يومًا فإنّه سيُصابُ بالإحباطِ مما يؤدي إلى تكوين شخصيةٍ فارغةٍ وغيرِ واثقةٍ بنفسها.. *والسؤال: إذن كيف نمدحُ ومتى؟ أنت تشاهدُ ولدَك يمضي ساعاتٍ وهو يدرسُ ويثابر على إكمالِ مواده الدراسية، باستطاعتك أنْ تقول له: أنت تُبلي بلاءً حسنًا، وقد بذلت مزيدًا من الجهد والمثابرة. فهنا ركّزتَ على مقدارِ الجهدِ الذي يبذلُه ولدُك ولم تُركّزْ على النتيجة، فالتركيزُ على الجُهدِ يدفعُ بولدِك إلى أنْ يفهمَ أنّه بمقدار ما يبذلُ سوف يحصلُ على نتيجة، وهذا هو المطلوب. من جهة أخرى أنت لم تُطلقْ عليه شيئًا غيرَ واقعي، فلو جاءت نتيجةُ الامتحانِ مقبولةً فمن الممكن أنْ تقولَ له: باستطاعتك أنْ تبذلَ مجهودًا أكبر لتحصلَ على نتيجةٍ أفضل.
اخرى