تشغيل الوضع الليلي

صحوة ضمير خائف

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 2499

كانت تقوم بأعمالها المعتادة وهي تجهد نفسها بإعداد الطعام الذي مهما تفننت بإعداده لابد أن تواجه التقريع وعدم الرضا.
مع ذلك اجتهدت وأجهدت نفسها لأنها تعلم أن زوجها قد قرب موعد حضوره إلى المنزل من عمله.
وهي في حركة دائبة وإذا بها تسمع صوت جرس الباب يرن ولكن بشدة وبتواصل غير منقطع مما ينذر بوجود حالة غير طبيعية أو أمر جلل قد حصل
أسرعت بوجل وخوف نحو الباب وكاد قلبها أن يقفز أمامها وكانت هذه الأمتار القليلة التي تفصلها عن الباب بدت وكأنها آلاف الأمتار.
فتحت الباب بدون أن تسال من عليها كعادتها في كل مرة وإذا تفاجأ بزوجها وهو مكفهر الوجه قاطب الحاجبين وصوته يعربد.
أين كنت أيتها الحمقاء؟!
تراجعت قليلاً إلى الوراء ووضعت يدها على قلبها وتنفست نفساً عميقاً... وقالت له: خيراً أن شاء الله…
ماذا حدث؟
قال مستهزئاً: لم يحدث شيء!
ولكن ألم يكن معك مفاتيح الباب؟
رد منزعجاً: لقد نسيتها بعد أن استيقظت متأخراً وأنتِ لم تذكريني وهكذا أنتِ دائماً خاملة.
هدأت قليلاً بعد أن التقطت انفاسها وهيأت له الطعام وسط سكون يعمّ المنزل، إذ لم يكن لهم إلا ولد واحد وهو متزوج ويعمل في غير مكان ومعه زوجته.
بعد تناوله للطعام وبشراهة غير آبه لما اصابَ هذه المسكينة من الذعر والخوف.
التفت إليها: سأدخل اضطجع على فراشي قليلاً لا أريد أي مصدر إزعاج.
دخل إلى غرفته ونام وهو نائم وفي عالم الرؤية وفي لحظة إيقاظ للضمير أو لنقل في لحظة عطف من رب الرحمة لعباده ليجازيهم على بعض أفعال الخير لأنه مع سوء سلوكه عُرف عنه بره لأبويه في حياتهما نعم في لحظة لطف ورحمة وفي عالم الرؤيا كأنه مات وانتقل إلى العالم الآخر.
ويرى نفسه قد ودّعه أهل الدنيا جميعهم ووضع في قبره فبدأ القبر يضيق شيئاً فشيئاً وهو يصرخ: لماذا كل هذا الضيق؟
فأتاه نداء: لأنك كنت سيء الخلق مع عيالك!
وهو في ذلك الضيق وإذا به يرى أفعى ضخمة تدنو منه تريد النيل منه وهو يصرخ ولكن لا أحد يستمع أو يسمع صراخه وهو ينادي: ما هذا؟ ما هذا؟
أتاه نداء: هذه ابنة جارك التي اسأت إليها كل ما جاء إليها خاطب واستشارك وسألك عنها فأنت كنت تشوه سمعتها بدون حق وتذكر خصال سيئات ليس فيها.
نعم كنت اكره جاري ولا أريد أن يفرح بابنته.
إذن نل جزاء ما جنيت.
مهلاً... مهلاً...
ما تريد هل يمكنها أن تساعدني فهي طيبة الخلق مع الجميع.
نعم يمكنها إن اسقطت حقها عليك.
سنأتي بها.
واحضروها أمامه بدأ يذرف الدموع بنحيب عال وهو يتوسل بها أن تعفو عنه بعد أن اخبرها بكل شيء.
اطرقت قليلاً.. وقالت...
أعفو عنك بشرط.
نعم.
أن تعاهدني على ان تترك الكلام عن الناس وتحسن خلقك مع أهلك.
نعم… نعم، سأفعل.
وأن تقرأ القرآن كل يوم وعفوي عنك معلق على أن تفعل هذه الاشياء.
نعم سأفعل أعاهدك أمام الله سأفعل.
غابت عن ناظريه ولكن تلك الأفعى بقيت بالقرب منه.
واذا بزوجته تسمع صوت زوجها ينادي بأعلى صوته.
ابعدوها عني... ابعدوها عني وهو يضرب السرير برجليه بقوة
حضرت عنده احضرت له الماء ايقظته وإذا به يتصبب عرقاً وكاد نفسه أن ينقطع
ما بك أيها الرجل؟
لا عليك إنه حلم.
قام فاغتسل وأمسك القرآن وتوجه بنية صادقة وإذا به يقع بصره على آية ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) نادى على زوجته واعتذر إليها.
ثم عاد إلى قراءة القرآن فقرأ سورة لقمان فأيقن أنه لم يكن في هذا العالم توجه إلى الله تعالى ولن يغفر له إلا بعد أن أعلن توبته وهناك من الذنوب التي لا يغفرها الله سبحانه وتعالى قبل أن يغفرها ويصفح له صاحبها.

اللهم أعنا على أنفسنا يا ترى كم ومن سننتظر ليصفح عنا من له حق عندنا ...

حنان الزيرجاوي

اخترنا لكم

خاطرة

(قــــوّة) "واعِدّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباطِ الخيل تُرهبون به عدوَّ اللهِ وعدوَّكم" لقد استعدَّ سلفُنا الصالحُ بالتفكيرِ السليم ثم جمعوا أمرَهم مع اتحادِ أيادي الجميع بالقوةِ والثباتِ لنيلِ المطالبِ ووضعوا القلوبَ على الدروعِ لتحقيق الهدفِ المنشودِ فأرهبوا عدوَّ اللهِ .. الذي كان يُريدُ أنْ يعيثَ في الأرض الفساد ويستغلَّ العباد لأطماعه التي كانتْ وما تزال ..

اخرى
منذ 4 سنوات
811

النَّبأ العَظیم

بقلم: مريم الخفاجي كان موكبه المهيب يشقّ صحراءَ جرداءَ تلتهب من حرارة الشّمس، عاد و عادت معه قلوب ملآى بندُبة الفراق الذي تحسّسونه وهو يوضّح لهم مناسك حَجِّهِم، ألا هَاهُنا مناكُم، و هَاهُنا عَرَفَتُكم، قَصّروا، طُوفوا، اعتَمروا، واكمِلوا الهَديَ، ثم بعدها نعى لهم نفسه الزكيّة. إنها حَجّة الوَداع، وليسَ أقسى على القلب من وداعٍ طويل. نعم؛ هم على موعد يجهلونه لكنّه ليس لناظره ببعيد لوداع رحمة الله الكبرى، وعينه في خلقه، وخليفته... إنّ وعد الله نافذٌ في غضون عامٍ لا يُعلم في أيّ يوم منه تُنكَب الأُمّة وتُثلم ثلمتها العُظمى. والمؤمنون حيارى إذا ما أُغلقت باب محمد (صلى الله عليه وآله)، فمن الملاذ و من يتوجه إليه الأولياء؟ ترى هل ستوصدُ باب الله؟ هل ستتفرّق الأمّة وتتشَتّت الأقوال؟ هل ستبقى دون مرشدٍ ولا هادٍ يرجعون له في شؤونهم؟ "ليت أبا الزهراء يتلطّف فينا، يتمهّل، يُوجّه، ويُعلمنا أين المأوى بعده... فقد اعتادت نفوسنا على أنّه الآخذ بأحوالنا، المراعي لأوضاعنا المشحونة بالضغينة". هذا كان حال المريدين للدّين الثبات والبقاء، و المتوقعين من النبي خيرًا وافرًا، فما محمدٌ إلا رسولٌ استنقذهم الله به من الجّهل والضّلال، وبعيدٌ على الله أن يُفلت أيادي عباده ليرجعوا القهقرى، أو أن يُترك أمر الوصي ّ دون بيانٍ واضح جليّ، فيبقى مخفياً لا يعلمه إلا الله، إنّه مخالف لقواعد اللّطف والحُب الالهي، ولا يشبه قانون الحجّة المفترضة على الخلق، فإنّ الحاقدين سُرعان ما سيُزوِّرون حقيقة الأنبياء، التي لا تخفى على المُتَّقين، لكنّها على عوامّ الناس سريعة النفوذ. بعضهم كانت أقدامه لا تحمله من شدة التفكير والخوف من المستقبل الآتي، و بعضهم كان يقطع المَسافات يشبه التائه الذي هام على وجهه لا يدري أفي بر هو أم في بحر، ولا يحرّك له ساكنًا حال الأمة مهما عصفت بها رياح البلاء، وبعضٌ، كاد أن يجزم من شدّة سروره أنّ عهد محمد (صلى الله عليه وآله) الذي قضّ مضاجعهم و سلب نفوذهم سيؤول إلى الزّوال، إنّها سِنيّ سترحل معه، وسيُنسَى ذكره و لن يُرفع له عَلَمٌ بعد ذلك، كانوا يُمنّون النّفس طويلاً طويلاً.. و ينتَشون فرحةً وسروراً، و ينشدون أمجادَ جهالتهم الغابرة التي سحقتها رسالة السّماء منذ عشرين و نيّف من الأعوام منذ أن بُعث محمد (صلى الله عليه وآله) رسولًا للعالمين. حتى قَطعت جميعَ الأفكار أصواتُ رُسُل قافلة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فُرسانٌ تفرقوا وتوزّع شملهم وهم ينادون بأمرِه للحجيج أن يجتمعوا... لقد كان أمرًا نافذًا على كل الحَجيج، لم يكن لأحد منهم حق التّراجع والتّذمر والعصيان... هو مُفترق الطّرق، والصحراء الخالية من كل شيء، لا مِنبر، لا مَسجد، لا مَكان يُظلّلهم ويقيهم أشعة شمس ظهيرة لاهبة. ومحمد (صلی الله علیه وآله) سيّد الخلق يشقّ الزّمن، بجسده الذي ناهَزَ الثّالثة والسِّتين، يمشي الهوينة على رمالٍ حارّة هَشّة، تَتَفتّتُ تحت قدميه المباركتين تَذللًا، يحمل في قلبه قنديل نُور يكفي لأن يضيء للعالمين حياة. ارتقى منبرًا صنعوه من سُرُج الدّواب بعد أن صلّى فيهم، كان يسعى بذلك أن يَشق للأمّة ظلام أرواحهم الدّامس، ليعيدها حيث نشأتها الأولى، لا يلوّثها صخب الدنيا.. وكأنّه بدأ يفتح بابًا من الهداية جديدًا لم يدخلوه من قبل. ولمّا يتكلم بعد، حتى شُدّت الأبصار إليه، وكأنّها تتزاحم لتُلامس نور المحيّا الذي يُستسقى به الغمام. سبق قولَه صمتٌ ثقيل مَهيب، لا يشقه صوتٌ وكأنّ على رؤوسهم الطّير، ولن يتكلّم "إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا" (1). حمد الله، وأثنى عليه، فلقد كانت تلك سنّة الأنبياء، أرباب التّوحيد، وأهل الحَمد لإله السّماء، وانبرى يخطب فيهم، وكلّما طال الخطاب يزداد الهدوء فيصبح أعمق، وعلى نسقٍ لم يعهدوه، قرّب اليه صِهره وليد بيت الله، نظر في وجهٍ فيه نضرةُ النعيم، أخذ يرنو إليه بودٍ حتى أشرق وجهه المستدير حُبورًا، وأخذ بيده ثم رفعها عاليًا عاليًا لتراها أنظار البعيد والقريب، فبان بياض إبطيهما، ثم قال بلسان المرسلين الذي يُلامس حرفهم شغاف الروح: -يا أيّها النّاس؛ من أولى النّاس بالمُؤمنين من أنفسهم؟ فتلعثَمت العقول، وتساءلت الأذهان، وتضاربت أقوال أفكارهم، ثم سرعان ما أوكَلوا جميعهم لسيد الخلق الجواب، ليهتدوا بطيب القول فقالوا: الله ورَسوله أعلَم. لقد كانوا على يقينِِ من أنّ قوله فصل وحكم وعلم. حينها انساب الوحي كنهرِِ عذبِِ يروي ظمأ العطاشى بصوت لطيف كلطف المطر إذا ما هطل على أرضٍ جدباء ليُحييها: -إنّ الله مولاي، و أنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فعلي مولاه. فخطفت الحروف أسماع الجميع، واعترت أرواح بعضهم رعدة ورجفة اصفرّت لها وجوههم، وبعض آخر باغته الأنس والبهجة. كررّ ثم كررّ حتى بلغ ثلاثًا... ثم أكمل يسقي بيدٍ من حنان زائحًا عن العقول كل ستائر العمى والآذان تلتقط النبأ العظيم جيدًا: - "اللهم والِ مَن وَالَاهُ، وَعَادِ من عَادَاه، أحِبّ من أحَبَّه، وابغض من أبغَضَه، وانصُر من نَصَره، واخذل من خَذَلَه، وأدِر الحَقَّ مَعَه حيث دار"... وأتمّ آمرًا لهم: - "ألا فليُبلغ الشّاهد الغائب" (2)... فبُهت الذي كَفَر، و يئست قلوب المنافقين المتربصين، وباءت كل أمانيهّم بالتهاوي، وكان وعد الله مفعولاً حين قال: "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ".(3). وخلّد الكون لحظة من صِنف الأبد، ورسالة أُكملت ونعمة أُتِـمّت، حين أصبح وجهُ عليٍّ مقصد الراجين النّجاة، والراغبين إلى الله، فقد زهق الباطل وتسربت إليه حشرجات موتٍ لمخططات سنين وأعوام. وانبثق من عنان السّماء صوت جبريل يصدح ببشرى من الله: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (4). لقد رفع الله عن قلب أبي القاسم (صلى الله عليه وآله) غمًّا ثقيلًا، وجعل على مد ناظريه فرحًا، حتى غمرت الحجیج فرحة التنصيب، وتهافت جمعهم مبايعًا، ماسكًا يد أبي الحسن وقد تقدمهم أبو بكر وعمر قائلين: "بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن و مؤمنة" (5)، بعد أن أمرهم سيّد الخلق (صلى الله عليه وآله) بمبايعة الوليّ الناصح، ولم يكن يُسمع في تلك الظهيرة إلّا قول: "سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا والسنتنا و جميع جوارحنا" (6). لم تکن المرّة الأولى التي أفصح محمد (صلى الله عليه وآله) بها عن أمر الربّ الجلیل، لكنّها المرّة الأولى التي أبلغ فيها دستورًا لا مناص منه ولا فرار. فما زالت في ذاكرة بعض المُسلمين حوادث متعددة، مازالوا يذكرون حين كان يحكي لهم رسول الله (صلی الله علیه وآله) عن رجل قاسه بثلاثة أنبياء حين كان يقول: - "أُرِيكُمْ آدَمَ فِي عِلْمِهِ وَ نُوحاً فِي فَهْمِهِ وَ إِبْرَاهِيمَ فِي حِكْمَتِه‏"؟ فتعجب الصحب والحاضرون، فأيّ رجل ذاك الذي يحوي صفات الأنبياء؟ وما كان أسرع أن طلع عليهم فتى، فاشرأبّت له أعناقهم، فكان عليًّا. حينها تساءلَ أَبُو بَكْرٍ: - يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَ قِسْتَ رَجُلًا بِثَلَاثَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، بَخْ بَخْ لِهَذَا الرَّجُلِ مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ الله؟ فاستنکر النبي (صلى الله عليه وآله) علیه سؤاله: أَلَا تَعْرِفُهُ يَا أَبَا بَكْر؟ َ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب‏. فلم یجد أبو بكرٍ غير أن يقول: - بَخْ‏ بَخْ‏ لَكَ‏ يَا أَبَا الْحَسَنِ‏ وَ أَيْنَ مِثْلُكَ يَا أَبَا الْحَسَن. (7) ومَضت قرون، وحلّت قرون، وافئدة من الناس تهوي إليه، وليسَ كلّ الناس، فمن ينظر بعين الله فقط هو من يستشعر ولايته، أمّا حاقد وناصب للعداء، فذاك لعله يتمنى أن يُمحى من كونٍ نُصّبَ فيه علي أميرا. وها هما "محمد" و "علي" قد أوسع الله عليهما، وشرح صدريهما فانشرحت صدور المؤمنين، وبذا كانت أوسع شيء فيهم (8) بمحمد وعلي، ولا تنقشع غمائم الجور إلا بمحمد وعلي (صلوات الله عليهم أجمعين) ________ (1) سورة طه، آية 9 (2) كتاب سليم بن قيس، ج2، ص758/ قرب الاسناد، ص57/ المسترشد، ص470/ الكافي،ج2،ص24/ دعائم الاسلام، ج۱،ص۱٦ (3) سورة المائدة/ آية 3 (4) سورة المائدة/ آية 3 (5) رجال الکشي، ج [4]، ص86 / بحار الأنوار، ج37،ص251/ في رحاب الغدير، ص389 (6) في رحاب الغدير، ص389. (7) كشف الغمّة، ج1ص115 (8) الکافي، ج٢،ص٢٢٦ "المؤمن أوسع شيء صدراً"

اخرى
منذ 5 سنوات
1222

عقدة الحقارة

هي أن يقتنع الإنسان في داخل ذاته بنقصه وعجزه ، و قلة قيمته ومكانته من الآخرين ، فهو إنسان منهزم من الداخل لشعوره بالعجز عما يفعله الآخرون . *أسباب هذه العقدة أولاً: الولادة غير الشرعية غالبا ما يعاني الولد الغير شرعي من عقدة الحقارة و ذلك لإنعقاد نطفته و الحقارة معاً عندما تلوث نفسيا بجريمة أبويه عند إرتباطهما ارتباطاً جنسياً محرماً من جهة و من جهة أخرى عندما تتفتح عيناه على الدنيا ويجد واقعة مخالفاً للنظام السائد . بل وربما لا يجد أمه ولا أباه فيزداد تعقداً وصراعاً داخلياً في نفسه ، ويشعر أن المجتمع ينظر إليه نظرة ازدراء واستخفاف وريبة فتزداد بذلك عقدة الحقارة عنده ، ويحقد على المجتمع برمته . ثانيا : التربية السيئة للتربية دور كبير في بناء شخصية الإنسان وتعزيز ذاته ، إلا إن الأسر كثيرا ما ترتكب أخطاء تؤدي إلى نشوء عقدة الحقارة منها : 1 ـ التحقير والسخرية تحقير الأبناء واعتبارهم صغاراً لا احترام لهم و عدم منحهم ولو القليل من الاستقلالية وتوبيخهم لأدنى خطأ وإن كان عفوياً و شتمهم بكلمات بذيئة و مقززة و ضربهم بشكل مهين يؤدي إلى تحطيم شخصيتهم وتظهر شخصيته المحطمة كلما ازداد عمره حيث يشعر أنه غير قادر على بناء شخصيته وتحمل المسئوليات . و قد حذر الدين الاسلامي من إتباع هذه السلوكيات مع الأطفال لخطورة آثارها . وكان (صلّى الله عليه وآله) يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة أو ليسميّه. فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله. فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين بال. فيقول (صلى الله عليه واله وسلم) : لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يقضي بوله ، ثم يفرغ من دعائه أو تسميته. فيبلغ سرور أهله فيه ، ولا يرون أنه يتأذى ببول صبيهم ، فإذا انصرفوا غسل ثوبه " (1). و من تحقير الولد تسميته بإسم سيء لذا أكدت أحاديث كثيرة حول الاهتمام باسم الطفل وحسن اختياره ، فقد روي عن الإمام علي (عليه السلام): حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن "(2) 2 ـ التمييز بين الأبناء تفضيل ابن على آخر والاهتمام به على حساب أخيه لا يغرس في نفس الأخ الشعور بحقارة ذاته و كره الآخرين فحسب ، بل و يترك مشاعر سلبية على الطفل المفضل أيضا فيعجب بنفسه . و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : " اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر و اللطف"(3) 3 ـ الإهمال الطفل بحاجة شديدة الى العطف و الحب و الحنان فإن لم توفره له الاسرة يصبح فريسة سهلة للجهات المنحرفة الفاسدة التي تحسن إستغلال هكذا نفسيات منهكة، بالاضافة الى أن الجوع العاطفي للطفل يدفعه الى مقارنة حاله مع حال الرعاية و الحب التي ينعم بها أقرانه مما يحدث لديه شعورا بالنقص . و تحصل حالة الاهمال إما بسبب نزاع بين الوالدين يهدم استقرار الأسرة فتنعدم العناية بالأولاد أو بسبب انشغالهما بأعمالهما بحيث لا يعطيان جزءاً من وقتهما للاهتمام بالأولاد . و من الجدير بالذكر إن الحضور المجدي للوالدين بين أبنائهما هو ذلك الحضور معهم بالروح و الجسد الذي يشعرهم بالاهتمام و الرعاية و يغمرهم بالمحبة و الحنان و أما مجرد الحضور بالجسد فهو لا يختلف عن الغياب كثيرا . 4 ـ التدليل والإفراط في المحبة يجب على الاهل محبة الاولاد و لكن في الوقت نفسه لا يصح الافراط فيها اعتقاداً منهم أن ذلك نوع من الإحسان والحب ؛ لأن الإفراط له مضاعفات سيئة جداً حيث يزرع في الطفل و منذ صغره بإمكانه الحصول على كل ما يرغب به لأنه يحصل على كل ما يريد ويطلب من أبويه فينشأ على الاعتماد على الآخرين و عدم قدرته على تحمل المسؤولية و بالتالي ينشأ على حب الذات والإعجاب بالنفس لأنه يرى شدة حب والديه له فيعتقد أن على الناس جميعاً أن يحبونه أيضا . . فضلا عن إن المبالغة في التدليل و الحب تزرع فيه الشعور الحساس والمرهف فلا يقدر على مواجهة المشاكل ويصبح في المستقبل ناقص الشخصية ينتابه الشعور بالحقارة والنقص . وقد حذرت النصوص من الإفراط في حب وبر الأطفال كما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال : " شر الآباء من دعاه البر إلى الإفراط "(4) ثالثا : الحرمان الاجتماعي و يتضح في الحالات الآتية : 1 ـ اليتم من البديهي أن تختلف حياة اليتيم عن غيره ، فإن لم يكن من الناحية المادية و مستوى الرفاهية التي تحققها فمن الناحية المعنوية . و اليتيم يشعر بهذا الفرق لا محالة و هذا الحرمان يولد فيه شعوراً بالضعة والنقص ، و يتكون عنده الاستعداد لعقدة الحقارة ، لذلك أكدت النصوص الدينية على ضرورة الاهتمام باليتيم و حذرت من تحقيره أو إهانته أو قهره ، قال (تعالى) : " فأما اليتيم فلا تقهر "(5) ، كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال : " من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة "(6) وعنه أيضا : " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه ، وشر بيت فيه يتيم يساء اليه "(7) فمن الواجب على المجتمع أن يراعي نفسية اليتيم أينما حل و يكرمه ليقطع الطريق أمام قابليته على الإصابة بهذه العقدة و بالتالي إنقاذه و المجتمع من آثارها السيئة . 2 ـ الفقر مما لا ريب فيه إن الفقر يخلق في الفرد شعورا بالضعة و النقص نتيجة مقارنة حاله مع غيره . حيث يجد من حوله يمتلكون الإمكانيات ويعيشون حياة الرفاهية والراحة ، في حين يعاني هو من العوز لدرجة عدم تمكنه من الدراسة أحيانا فيضطر الى العمل كي ينفق على نفسه و عائلته. و إن تمكن من الذهاب الى المدرسة فحاله يختلف عمن هو معه كما هو واضح . و قد حارب الاسلام الفقر من خلال تشريعه لمختلف التشريعات كالزكاة و الخمس و الكفارات و الحث على الصدقة . كما حارب كل ما من شأنه الإساءة الى الفقراء كالتمييز بين الناس في المعاملة والاحترام على أساس وضعهم المادي . فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام ) : " من لقى فقيراً مسلماً فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقى الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان "(8) ، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : " ألا ومن استخف بفقير مسلم فقد استخف بحق الله ، والله يستخف به يوم القيامة إلا أن يتوب "(9) 3 ـ السمعة السيئة فقد يرتكب شخص ما أو عائلة ما عملاً مخالفاً للعرف العام لدى المجتمع فيحمل تبعة ذلك العمل طيلة حياته ، و ما أن يسمع الناس بإسم ذلك الشخص أو تلك العائلة حتى يتبادر لأذهانهم ذلك العمل فيحتقرون ذلك الشخص أويستنقصون أبناء تلك العائلة . و قد يسبب الشعور بالنقص مجرد إسم تلك العائلة إن كانت لدى المجتمع محتقرة الشأن . لذا فقد نهى الاسلام عن احتقار الابن لجريمة والديه ، كما نهى عن التنابز بالألقاب ، قال (تعالى) : " ولا تنابزوا بالألقاب "(10) و قال (صلى الله عليه و آله) : " حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب أسمائه "(11) وأحياناً يتسبب المجتمع في ظلم بعض أفراده الذين قد إرتكبوا أعمالاً بذيئة في المجتمع لكن بعد فترة تابوا منها فلا يقبل توبتهم و لا ينفك يُعيرهم بها مما يولد في نفوسهم الشعور بالحقارة ، بل و قد يعودوا إليها بسببه لعدم احترام الآخرين له . وقد حذر الإسلام من ذلك فقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يعيرها "(12) 4/ الأمراض والعاهات مما يمهد لإصابة بعض الأفراد بعقدة الحقارة العاهات التي قد إبتلوا بها منذ ولادتهم او في أثناء حياتهم . و التي تجعلهم مختلفين عن الآخرين كإن يكونوا قد فقدوا لعضو من أعضائهم أو لحاسة من حواسهم . و تزداد معاناة ذوي العاهات في المجتمعات المتخلفة حيث تنعدم المدارس والمعاهد الخاصة أو الأعمال المناسبة ، فيعيشون في جهل و عالة على الآخرين ، فضلا عن معاملة المجتمع لهم بالسخرية والاحتقار . و قد حذر الاسلام من الاساءة اليهم ولو بالنظر اليهم نظرات تشعرهم بنقصهم وتذكيرهم بعاهاتهم ، هذا فضلاً عن عدم تعييرهم بها . فقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام) إنه قال : " لا تنظروا إلى أهل البلاء فان ذلك يحزنهم" (13) ، وعنه ( عليه السلام ) أيضا : " إسماع الأصم من غير تضجر صدقة هنيئة "(14) 5 ـ الصدمات النفسية لا تخلو حياة فرد من الأفراد من المشاكل والصعوبات التي تعترض طريقه في الاعم الاغلب، و قد يفشل في حل هذه المشكلة أو في تجاوز تلك العقبة مما تترك قناعة داخلية بأنه إنسان فاشل وغير قادر على النجاح لتكون فيما بعد عقدة الحقارة لديه . 6 ـ الأفكار الانهزامية سلوك الانسان و مسيرة حياته إنما هي نتاج أفكاره . فإن كانت أفكاره إنهزامية كما لو كان يعتقد بأنه عاجز و لا يتمكن من تغيير حاله نحو الفضل فإنها تفقده الثقة بنفسه وتشعره بالحقارة . و لذلك فإن القرآن الكريم يستنهض الهمم و يربط تغيير واقع الانسان بيده و بإختياراته ليسعى الى إصلاح حاله فقال (تعالى) : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " (15) 7 ـ السلطات الطاغوتية و من أهم مناشيء عقدة الحقارة في المجتمع هو هيمن الطواغيت و سلطتهم الاستبدادية التي ترفض تغيير حالهم نحو الافضل فتحفر في أذهانهم الشعور بالحقارة والضعة والعجز و ضعف الثقة بالنفس من خلال إتباعها لوسائل القمع والارهاب الذي يقوم على أساس إذلال المواطنين وتحقيرهم . و مصادرة الحريات وإنعدام القانون و ممارسة العنف مع المواطنين سنةٌ قد إتبعها الطواغيت منذ سالف الازمان والى يومنا هذا، قال (تعالى): " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم * إنه كان من المفسدين "(16) علاج عقدة الحقارة إن وجود حالة من الحالات التي تقدم ذكرها في الانسان لا يعني حتمية إصابته بعقدة الحقارة و إنما فقط يكون مستعدا للإصابة بها أكثر من غيره و لذا فإن بإمكانه وقاية نفسه. بل و حتى الاشخاص الذين قد أصيبوا بها فبإمكانهم أن يتغلبوا على هذا المرض إذا ما أرادوا ذلك وصمموا على الالتزام بأساليب العلاج .لإنه ليس مرضاً ثابتاً يستحيل علاجه . و هناك وسائل لعلاج عقدة الحقارة أهمها: أولا : الوعي الصحيح كرم الله (تعالى) بني آدم و سخر لهم كل ما في السموات و ما في الأرض ، قال (تعالى) : " أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) "(17) ، ويقول الإمام علي (عليه السلام): أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر(18) و الانسان كلما وعى هذه الحقيقة و علم بمكانته عند الله (تعالى) فإنه لا يقبل لنفسه الذل والهوان ، ولا يستسلم للضعف الذي في داخله بل يسعى الى التفتيش و البحث عن مكامن القوة في شخصيته ويستعين بالله في إستثمارها . وهذا ما يميز الإنسان المؤمن بالله المستمد لقوته منه عن الإنسان الكافر الذي يتعامل مع الحياة تعاملا ماديا بحتا . ثانيا : الإيحاء الذاتي . . يستمد الانسان صورته عن ذاته من العقل الباطن الذي يقتنع بما يمليه عليه الانسان نفسه من عبارات و تصورات و أفكار ، و عليه فإذا أراد الانسان تغيير صورته عن نفسه ليشعر بثقة أعلى و قوة أكبر لمواجهة المصاعب يجب أن يوحي لذاته و يلقنها يومياً عشرات المرات بأنه ناجح و إنه قادر و إنه قوي . و أنه يستطيع و سوف يتقدم ، فالذين تقدموا ليسوا بأفضل منه . كما إن الارتباط بالله و دعاءه يجعل الانسان أكثر قوة لإرتباطه بالقوة المطلقة والقدرة اللامتناهية . كما يجب التغافل عن النواقص التي تعيقه عن التقدم و محاولة معالجتها إن أمكنه ذلك و لكن لا ينبغي التركيز عليها كثيراً لكي لا يصاب بالتشاؤم . ثالثا : قراءة حياة العظماء لم يولد العباقرة والعلماء والقادة و هم كذلك بل إنهم كسائر البشر لم يكونوا يعلمون شيئا . قال (تعالى) : " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والإبصار والأفئدة لعلكم تشكرون "(19) ، بل إن أكثرهم لم تكن تتوفر له الظروف الملائمة للتقدم أو كان يعاني بعض المشاكل والصعوبات . و مطالعة الكتب التي تتحدث عن حياة العظماء وكيف أصبحوا عظماء ، و كيف إنهم أصروا على النجاح رغم حالات الفشل التي مروا بها، تمنح الانسان شحنة إيجابية و تمده بنشاط و عزم على المحاولة وعدم الاستسلام للفشل . رابعا : ممارسة العطاء يحول الشعور بالنقص بين الإنسان و بين ممارسة دور العطاء و القيام بالأعمال السامية ، ولعلاج ذلك الشعور و تجاوزه والتنكر له لا بد من اقتحام مواقع المسؤولية وممارسة العطاء . يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " إذا هبت أمرا فقع فيه فإن شدة توقيه أشد من الوقوع فيه "(20) . و لقد أثبتت التجربة كم من شخص كان يعاني من ضعف الثقة بنفسه ويحتقر ذاته و يستصغر قدراته ولكنه حينما اندفع لممارسة دور مسؤول وتبني قضية صالحة استعاد ثقته بذاته وبرزت قدراته وتفجرت طاقاته واصبح عنصراً فاعلاً في المجتمع . خامسا : المحيط الصالح قد ينعزل المصاب بعقدة الحقارة عن المجتمع لأنه يشعر إنهم يرون ضعفه ، أو كان البعض السبب في وجدان هذه العقدة لديه فينعزل عن المجتمع بأكمله و يحقد عليهم. إلا إن عليه أن يدرك أن ليس كل الناس أشراراً، وإنما هناك الكثير منهم صالح و عليه أن يبحث عن المحيط الصالح من الناس المؤمنين الذين يساعدونه على تجاوز مشكلته . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الانوار ج6 ص153 (2) ميزان الحكمة ج8 ص195 (3) بحار الانوار ج101 ص (4) 92تاريخ اليعقوبي ج3|53 نقلا عن الطفل بين الوراثة و التربية ج2 ص182 (5) الضحى 9 (6) ميزان الجكمة ج11 ص412 (7) مشكاة الانوار ج1 ص129 (8) المصدر السابق ج1 ص98 (9) بحار الانوار ج73 ص333 (10) الحجرات 11 (11) الوجيز في الفقه الاسلامي ج1 ص147 (12) ميزان الحكمة ج7 ص270 (13) بحار الانوار ج72 ص16 (14) مشكاة الانوار ج1 ص169 (15) الرعد 11 (16) القصص 4 (17) لقمان 20 (18) الديوان المرتضوي ص145 نقلا عن كتاب الأربعين ج1 ص294 (19) النحل 78 (20) غرر الحكم و درر الكلم ج1 ص177

اخرى
منذ 7 سنوات
4480

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
80477

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
59871

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
48889

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
45050

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
44171

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
34290