تشغيل الوضع الليلي

أنا وسماء علي (عليه السلام)

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 394

بقلم: صفاء الندى
أخذتُ ورقةً وقلمًا، وشرَعت أخطُّ حروفًا، وبدت كُلُّها مكسورةً، ولم يتبيّن لي ما سرّها!
أكتبُها منتظمةً، وما تلبثُ أنْ تتبعثرَ وتلوذَ بزوايا الورقة وكأنّها شاردةٌ من أمرٍ ما!
ما الذي يحدث لي؟! ما بال حروفي الوادعة تستفزني؟
سأستمر بالكتابةِ لعلَّ ما تراه عيني وهْم عارض بسبب التعب...
عاودتُ الكتابةَ مرةً أخرى وبإصرارٍ؛ فأنا لم أعتدْ أنْ أتجشمَ كُلَّ هذا العناء بإقناع رفيقاتي -حروفي- أنْ يتفاعلن معي في أيّ موضوعٍ أتناوله..
بالكادِ كتبتُ جملةً يتيمةً، بحروفٍ متثاقلةٍ، فرأيتُ يدي ترتعشُ، وأخذتِ الحروفُ تذوبُ وتنصهرُ على مرأى مني ثم تتلاشى وتختفي وتعودُ الورقةُ بيضاءَ وكأنّ قلمي لم يخط عليها شيئا!
هنا انتابتني لحظاتٌ من الفزع، نظرتُ حولي وتوجهتُ ﻷختي؛ ﻷحدّثها بالأمر، فخشيتُ أنْ أُتّهَم بسلامةِ عقلي، وهو أعزُّ ما أملك بل كلُّ ما أملك.
لا لن أحدّث أحدًا بالأمر.. أخذتُ ورقتي المُتعبة والفارغة بيدي وجلستُ بفناءِ المنزل حزينةً وحائرةً؛ فقد كنتُ أشعر بالعجز المُذل؛ ﻷنّي لم أكتب حرفًا عن أمير المؤمنين مولاي علي (عليه السلام)
رمقتُ السماءَ بطرفي وناجيتُ الله (عز وجل) بسؤالٍ كُلُّه خجلٌ وانكسارٌ: لِمَ يا ربي حروفي لا تطاوعني؟!
التفتُ إلى الورقة بيدي وقد أصابتني الدهشة؛ إذ رأيتُ مكتوبًا عليها بخطٍ لم أشاهد أجمل منه، كان يشعُّ نورًا: (يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا)...
يا إلهي! فأنا ما زلتُ لم أعرف إمامي حقًا؛ لكي أكتب عنه كلماتٍ تلامسُ سماءه العالية وترقى لجلالةِ شأنِه، وإنْ كتبتُ يومًا ما فهو بقدري يا مولاي وليس بقدره أبدًا أبدًا

اخترنا لكم

الأطفال الكبار من الأنبياء والأئمة الأطهار

قضت حكمة الله عز وجل أن يعطي النبوة لثلاثة أنبياء وهم أطفال ، وهم سليمان ( عليه السلام ) وكان عمره عشر سنين، وعيسى ( عليه السلام ) أعطي النبوة وهو في المهد ، ويحيى ( عليه السلام ) أعطي النبوة وهو صبي ! كما أعطى الله الإمامة لثلاثة أوصياء وهم أطفال ، وأولهم الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وكان عمره سبع سنوات ، وابنه الإمام الهادي ( عليه السلام ) وكان عمره نحو سبع سنوات أيضاً . والإمام المهدي ، وكان عمره عند شهادة أبيه ( عليهما السلام ) خمس سنوات . وقد ثبتت هذه المنقبة لعلي ( عليه السلام ) ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله )دعاه الى الإسلام قبل بلوغه ، ولم يدع صبياً غيره ، بل لا تصح دعوة الصبيان ، فدل ذلك على أنه كبير . كما ثبت ذلك للحسن والحسين ( عليهم السلام ) لأن النبي ( صلى الله عليه وآله )بايعهما على الإسلام وهما صبيان ، ولم يبايع صبياً غيرهما وغير أبيهما . لكن كلامنا فيمن كان حجةً وحده ، وقد كان علي والحسنان في ظل النبي ( صلى الله عليه وآله ). روى في الكافي ، عن يزيد الكناسي قال:(سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) أكان عيسى بن مريم ( عليه السلام ) حين تكلم في المهد حجة لله على أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبياً حجة لله غير مرسل . أما تسمع لقوله حين قال: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا. وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا .قلت: فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال: كان عيسى في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبَّر عنها ، وكان نبياً حجة على من سمع كلامه في تلك الحال ، ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان . وكان زكريا ( عليه السلام ) الحجة لله عز وجل على الناس بعد صمت عيسى بسنتين . ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، أما تسمع لقوله عز وجل: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . فلما بلغ عيسى ( عليه السلام ) سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة ، حين أوحى الله تعالى إليه ، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين . وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوماً واحداً بغير حجة لله على الناس ، منذ يوم خلق الله آدم ( عليه السلام ) وأسكنه الأرض . فقلت: جعلت فداك أكان علي ( عليه السلام ) حجة من الله ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )؟ فقال: نعم يوم أقامه للناس ونصبه علماً ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته .قلت: وكانت طاعة علي ( عليه السلام ) واجبة على الناس في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )وبعد وفاته ؟ فقال: نعم ولكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، وكانت الطاعة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله )على أمته وعلى علي ( عليه السلام ) في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، وكانت الطاعة من الله ومن رسوله ( صلى الله عليه وآله )على الناس كلهم لعلي ( عليه السلام ) بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). وكان علي ( عليه السلام ) حكيماً عالماً )(١). وفي الصراط المستقيم في قوله تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا: (وقد كان حينئذ ابن أحد عشر سنة)(٢). وفي المختصر لأبي الفداء : (ولما صار لداود سبعون سنة توفي.. وأوصى داود قبل موته بالملك إلى سليمان ولده ، وأوصاه بعمارة بيت المقدس ، فلما مات داود ملك سليمان ، وعمره اثنتا عشرة سنة )(٣). وفي قصص الأنبياء، أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) سئل: (هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟ قال: نعم . ولقد كان يصيبه وجع الكبار في صغره ، ويصيبه وجع الصغار في كبره ويصيبه المرض ، وكان إذا مسَّه وجع الخاصرة في صغره وهو من علل الكبار ، قال لأمه: إبغي لي عسلاً وشونيزاً وزيتاً فَتَعَجَّنِي به ثم ائتيني به ، فأتته به فكرهه ، فتقول: لمَ تكرهه وقد طلبته ! فقال: هاتيه ، نعتُّهُ لك بعلم النبوة ، وكرهته لجزع الصبا ! ويشم الدواء ، ثم يشربه بعد ذلك) (٤) . وفي تفسير العياشي : (مكث عيسى ( عليه السلام ) حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين ، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فأقام بين أظهرهم يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويعلمهم التوراة ، وأنزل الله عليه الإنجيل لما أراد الله عليهم حجة )(٥). وفي تفسير الإمام العسكري: (قال له الصبيان (ليحيى ( عليه السلام ) ): هلمَّ نلعب . فقال: أوه ، والله ما للعب خلقنا ، وإنما خلقنا للجد لأمر عظيم )(٦). كل ذلك يدل ذلك على أن طفولة هؤلاء الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) تختلف عن غيرهم ، ويكفي أنهم يعيشون مع الروح القدس الموكل بهم . وفي الكافي : (عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن صاحب هذا الأمر؟ فقال: إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب) (٧). وروي انه أقبل أبو الحسن موسى، وهو صغير ومعه عناق (سخلة) مكية وهو يقول لها: أسجدي لربك ! فأخذه أبو عبد الله ( عليه السلام ) وضمه إليه وقال: بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب ) . وقد تصور بعض الرواة الثقات أنه لا مانع أن يلعب الإمام الطفل كما يلعب الصبيان ولذلك أخذ هدية للإمام الجواد ( عليه السلام ) فيها لعب فضية وغير فضية ! فكرهها الإمام ( عليه السلام ) وأجابه بما أجاب به يحيى الصبيان الذين دعوه الى اللعب . وكان ذلك عند وفاة الإمام الرضا ، وعمر الإمام الجواد ( عليهما السلام ) يومها سبع سنوات . روى الطبري في دلائل الإمامة: (كان ممن خرج مع الجماعة علي بن حسان الواسطي المعروف بالعمش، قال: حملت معي إليه ( عليه السلام ) من الآلة التي للصبيان بعضها من فضة ، وقلت: أُتحف مولاي أبا جعفر بها . فلما تفرق الناس عنه عن جواب لجميعهم ، قام فمضى إلى صريا واتبعته ، فلقيت موفقاً فقلت: إستأذن لي على أبي جعفر ، فدخلت فسلمت فرد عليَّ السلام وفي وجهه الكراهة، ولم يأمرني بالجلوس ، فدنوت منه وفرَّغت ما كان في كمي بين يديه ، فنظر إليَّ نظر مغضب ثم رمى يميناً وشمالاً ، ثم قال: ما لهذا خلقني الله ، ما أنا واللعب ! فاستعفيته فعفا عني ، فأخذتها فخرجت )(٨) . أما الإمام الهادي ( عليه السلام ) فكان عمره عندما توفي أبوه الإمام الجواد ( عليه السلام ) سبع سنين أيضاً ، وظهرت منه المعجزات كما ظهرت من أبيه ( عليهما السلام ) . أما طفولة الإمام المهدي فظهرت فيها العجائب في حياة أبيه وبعده ( عليهما السلام ). ولكون المناسبة عن الإمام الجواد عليه السلام فقد فصلنا له بعض الأخبار ولم نفصل للامامين الهادي والمهدي عليهما السلام إلى حينه .... رزقنا الله واياكم زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة انه سميع مجيب الدعاء . ________________________________________ ١.الكافي (1/382). ٢.الصراط المستقيم (1/330). ٣.المختصر لأبي الفداء (1/25). ٤.قصص الأنبياء للراوندي(269). ٥.تفسير العياشي (1/174). ٦.تفسير الإمام العسكري(661). ٧. الكافي (1/311) ٨. دلائل الإمامة للطبري(402).

اخرى
منذ 6 سنوات
5670

شهرُ رمضانَ شهرُ الارتقاءِ

بقلم: وجدان الشوهاني الارتقاء مفهومٌ واضح، ولكن ما ليس بواضح هو ارتباطه بشهر رمضان، ولعلّه مبهمٌ عند البعض، فشهرُ رمضان أشبه بمدرسةٍ يرتقي فيها الإنسان. والذي يلفت الانتباه أنّه أعظم مدرسة تسعى لرقّي الإنسان في مدة زمنية قياسية، ولكي نفهم حقيقة الارتباط بين شهر رمضان ومفهوم الارتقاء كان لابد أنْ نوضّح أشكال الارتقاء بالشهر الفضيل لتتضح المسألة. وأول أشكال الارتقاء هو: الارتقاء اللغوي: عندما نتصفح معاجم اللغة نجد التعدد في آراء اللغويين بعد الإسلام من حيث معنى كلمة (رمضان)، حيث جاءت فيها أقوال: فقيل: رمضَ الصائم يرمض أذا حرّ جوفه من شدة العطش. وقيل: سُميَّ رمضانُ؛ لأنه يحرق الذنوب. وقيل: لأنَّ القلوب تأخذ من حرارة الموعظة والتفكير في أمر الأخرة وقيل: إنَّ (رمضان) من رمضت المكان، يعني احتبست؛ لأن الصائم يحتبس فيه عما نهي عنه. وأما (شهر رمضان) فقد وردت فيه قبل الإسلام معانٍ كثيرة، ولا يهمّنا منها إلّا شيء واحد هو: أنَّ شهر رمضان شهرٌ له وجود وخصوصية قبل الإسلام مع غض النظر عن الصوم كعبادة. ويبدو من كلِّ المعاني المذكورة أنَّ منشأها هو ارتباط هذا الشهر بعبادة الصوم ارتباطًا وثيقاً في أذهان الناس؛ ولذلك نجدها جميعًا تصب في العبادة التي أشارت بعض المعاني إلى خصائصها من حيث حرق الذنوب والموعظة وغيرها. وهذا المعنى هو الذي قاد الإنسان إلى ارتقاءٍ من شكلٍ آخر ألا وهو: الارتقاء الجسدي: من خلال المعاني التي صيغت لمعنى شهر رمضان، وتعلق تلك المعاني في ذهن الناس وجدناه شهرًا يختلف عن باقي الشهور من حيث كونه شهرًا تكثر فيه الحركة الجسدية للإنسان. فنجد الكثير من الناس مشغولًا بالليل والنهار بالعبادة، وقراءة القرآن، حتى جعل ربيعه هو الشهر الفضيل، فضلاً عن التبليغ الذي نجد له صدى عند الكثير من الناس حيث يخرج للتبليغ في هذا الشهر. كما ولأعمال الخير من صدقة أو إكساء للفقراء وغيرها من صدقات السر والعلن حيزٌ كبير، وكلُّ ذلك عبارةٌ عن حركةٍ جسدية يؤديها الصائم تقوده إلى الارتقاء؛ إذ لو أحصينا الحركة الجسدية لكلِّ صائمٍ لوجدنا أنَّه يقوم في شهرٍ واحد بما يعادل عبادته في عامٍ كامل! وعليه فالجسد في شهر رمضان يتحرك وفق الفطرة الإلهية نحو الكمال والارتقاء، فيكون آلةً ربانيةً حتى في حركاته اللا إرادية كالتنفس والنوم هي حركات كمالٍ وارتقاء حيث جعلها الله تعالى تسبيحًا وعبادة كما جاء ذلك في كثير من الروايات. ولكن لابد أنْ ننتبه إلى أنّ هذه الحركة الارتقائية مسبوقة بارتقاءٍ يرتبط بالنفس والروح وهو الذي يُسمى: الارتقاء النفسي والروحي: وهو أهم أشكال الارتقاء؛ إذ لولاه يكون الإنسان مرتبطًا بعالم الدنيا، ومعلومٌ أنَّ زوالها مسألة حتمية. أما ما يرتبط بالروح فهذا مُرتبطٌ بالآخرة، ولا زوال يعتريه. ومن هنا علينا أنْ نُكثف الاهتمام بالجانب النفسي والروحي، وممّا لا يعلمه الكثيرون أنَّ الصائم يتمكن أنْ يصل في هذا الجانب إلى مصاف الملائكة، ولكن عليه أنْ ينتبه إلى شروط الارتقاء. فالصومُ عبادةٌ أقرّها الله (سبحانه وتعالى) في الشريعة الإسلامية، وجعل لها شروطًا وضوابط قد يراها البعض صعبة أو شاقة، ولكن إنْ نظرنا إليها بتمعن نجدها يسيرةً على مَن جعل عقله هو الحاكم. فعندما نقول: إنَّ الصائم يمكن أنْ يصل إلى مصاف الملائكة فإننا لا نبالغ؛ لأنها حقيقة، فالملائكة مخلوقاتٌ نورانية، ورد ذكرها في القرآن الكريم، التسبيح والتقديس شغلها الشاغل؛ فلا ترتكب المعاصي والذنوب. إما الإنسان فمع أنَّ الفساد وسفك الدماء صفاتٌ رافقته، إلا أنَّ الله (سبحانه وتعالى) جعل الخلافة له ولم يجعلها للملائكة! وما ذاك إلّا لقابليته للارتقاء، حيث إنَّه يتمكن أنْ ينتقل من ساحة الفساد إلى الصلاح بسهولةٍ، بشرط الطاعة المطلقة لله (سبحانه وتعالى). وواحدةٌ من أهم العبادات التي تكون مصداقًا للطاعة هي الصيام، فمنافذ الفساد معروفة، وهي الشهوة والغضب، فأما الشهوة فتتمثل بالأكل والجماع، وأبوابهما مغلقةٌ بوجه الشيطان في نهارِ الصوم، وأما الغضب فإنْ كان لله تعالى فهو أمرٌ محمود، وإنْ كان لغيره فهو مذموم. وقد أكدت الشريعة على تجنب الغضب وشددت عليه في فريضة الصوم من خلال الصبر؛ ولهذا ذُكِر الصوم في القرآن الكريم بعنوان الصبر، وذلك في قوله (تعالى): "واستعينوا بالصبر والصلاة"، فالصبر في الآية المباركة هو الصوم. وهذا المنفذ (الغضب) مغلق أيضًا بوجه الشيطان، فلم يبقَ للصائم سوى العقل، فبه يتحرك وبه يهذّب النفس ويقيها من الشيطان مع القدرة الهائلة للشيطان على الإنسان من خلال وسوسته، ولكن مع كلِّ تلك القدرة فالصائم قادرٌ على أن يجتازها، وهنا الارتقاء الحقيقي للنفس. فالصيامُ فريضةٌ جعلت من الإنسان مَلكًا، وكُلّما ازداد في تهذيبها وكان عاملًا بكلِّ شرائط الصوم كُلّما ارتقى أكثر وأكثر، وكان أقرب إلى الله (سبحانه وتعالى). ومن هنا نفهم أنَّ شهر رمضان هو شهر الارتقاء الحقيقي للإنسان، فعلينا أنْ نكون أهلًا لذلك الارتقاء. فنحن في ضيافةٍ إلهية أقرّها الله تعالى لنا لنرتقي، والدعوة للجميع، ليكون كلٍّ منا ملكًا من ملائكة الله تعالى في صورة إنسان.

اخرى
منذ 4 سنوات
859

انتحـارُ الطلبـة الأسباب والوقايــة (1)

بقلم: رضا الله غايتي طلبةٌ بعمر الزهور، يتفجّرون طاقةً وحيويةً ونشاطًا، يعيشون آمالًا وأحلامًا بالغد الأفضل، عليهم الأمم والشعوب تعقد آمالها، ولا غرو في ذلك فهم قادة المستقبل وبُناته.. وإذا ببعضهم –وهم القلة القليلة- يعيش قمة اليأس من الحياة، فيتنازل عن حقه فيها، مُقدِمًا على شرابٍ دسَّ فيه السم، أو أنه يرمي بنفسه من شاهق، أو لافًا حبلَ المشنقة حولَ رقبته! مُعلنًا عن موتِ الأمل في نفسِه الذي دفعَه إلى فقدانِ الأملِ في الحياة كُلِّها.. هي لحظةٌ أو ربما لحظاتٌ قليلةٌ لا تُزهَقُ فيها روحٌ وحسب، بل هي تُثكل أمّاً وأباً وتُقطِّع نياط قلبِ أخٍ وأختٍ، وتُدخلُ الرعبَ على قلبِ طفلٍ وطفلةٍ، بل وربما تُجَرِّأُ بعض اليائسين لسلوكِ نفس السبيل، والحكم على نفسهم بذات المصير، فتتسعَ بذلك رقعة المُنتحرين شيئًا فشيئًا مُحدِثةً هزّةً في المُجتمعِ بأسره، مُخلخِلةً أمنه وطمأنينته.. فما الأسباب التي تدعو إلى ذلك يا تُرى؟ وكيف تُمكِنُنا وقاية أبنائنا من ذلك؟ بلا شكَّ أنَّ السببَ الأولَ والرئيسي هو الخواءُ الروحي، وضعفُ الوازعِ الديني، فعلى الرغمِ من بلوغِ الطلبةِ سنِّ التكليف لسنواتٍ عديدة، إلا أنَّ الكثيرَ منهم لم يوثِّقْ صلتَه بربِّ العالمين كما يجب؛ لأنّه لم يعرفْه كما ينبغي، ولذا لم يتيقنْ أنّه (سبحانه) هو مصدرُ كُلِّ خيرٍ في الحياة؛ لذا تجدُ بعضَهم ولشديدِ الأسف يتركُ حتى صلاته في فترةِ الامتحانات؛ لاعتقادِه أنّها تشغله عن الدراسة لبعض الوقت! فيتوسّلُ لبلوغِ النجاحِ والتفوّقِ بالأسبابِ المادية تاركًا مُسبِّب الأسباب! رغمَ أنّ الصلةَ به (جلَّ وعلا) هي التي تُضفي البركةَ على كُلِّ شيء.. كما لم يتيقنِ البعضُ منهم بمفهومِ سعةِ رحمتِه (سُبحانَه)، وأنْ لا يأسَ في مَحضرِه، وهو الحاضرُ منذُ الأزل، فلا يأسَ البتّة مهما صَعُبتِ الحياةُ وتكاثفتِ الهمومُ والأحزانُ، بل كُلُّ ذلك خيرُ دافعٍ للجوء إليه (جلّ جلاله) بصدقٍ؛ للفوزِ بالسكينةِ والطُمأنينةِ، ثمَّ النجاح والفلاح الذي لا يتحقَّقُ من دونِ الالتجاءِ إلى حولِه وقوتِه.. ورُبما أخيرًا عدم الإيمان بالقضاءِ والقدر هو الآخرُ له دورٌ كبيرٌ؛ وإلا فإن الاعتقادُ بأنَّ على العبدِ بذلَ غايةِ مجهودِه، فإنْ لم يتحقّقْ مُراده، فإنّ الخيرَ فيما اختارَه اللهُ (تعالى) بلا شك، وإنْ لم يبدُ له ذلك ظاهرًا، ومن يدري رُبّما هذا الطالبُ اليائسُ نفسُه لو اطلع على الغيب ورأى نتائج حصولِه على المعدلِ العالي لرُبّما رأى أنّها تقودُه إلى ما لا تُحمَدُ عُقباه.. هذا الاعتقاد له أثر مهم في تربية النفس وتصبيرها على ما يجري عليها من محن وآلام. وأما ثاني الأسبابِ فهو الوعي المُتدني للطالبِ نفسِه، وضعفُ الثقةِ بالنفس، فإنْ هو أدركَ أنْ لا صعبَ يبقى صعبًا بعد الجدِّ والاجتهاد، وأنَّ الآمالَ مهما كانتْ كبيرةً فإنَّ العزمَ والإصرارَ بعدَ التوكُلِّ على اللهِ (تعالى) كفيلانِ في الوصول إليها، فإنْ أخفقَ فإنَّ الفشلَ طريقٌ آخر للنجاح، ولا بأس بتكرار المحاولة، حينها لن يفكر في الانتحار أصلاً. كما أنَّ الثقةَ العاليةَ بالنفس تُشكِّل سدًا منيعًا أمامَ ما يسمعُه من تهويلاتٍ ومن وصفٍ مُبالغٍ فيه في وصفِ صعوبةِ الموادِ الدراسية، فيقفُ أمامَها بكُلِّ ثباتٍ مُستحضرًا في ذهنِه كُلَّ من عبروا هذه المرحلةِ بنجاحٍ باهرٍ وبمعدلٍ عالٍ، قائلًا في نفسه: لستُ أدنى منهم، فكما استطاعوا سأستطيعُ بعونِ اللهِ (تعالى).. وأما السببُ الثالثُ، فهو سوءُ الحالةِ النفسية، ففي الكثير من الأحيان ما إن ينجح الطالبُ من الصفِ الخامسِ الإعدادي حتى يبدأ قلبُه ينبضُ قلقًا، وتُصدِّعُ رأسَه عباراتٌ يسمعُها من هُنا وهُناك، ورُبما ممن لم يدرسِ السادس حتى! وإن كان الغالب فيها أنها تكونُ بحُسنِ نيةٍ وبدافعِ الحرصِ والاهتمام. وما إنْ يتصفّح وسائلَ التواصلِ الاجتماعي، حتى يجدُ البُكاءَ والتباكي من قِبَلِ طلبةِ السادس الإعدادي، ومن قِبَلِ الأهالي أيضًا، يتأمّلُ الصورَ التي تُنشَر بهذه المناسبة، صورةٌ لهيكلٍ عظمي يحبو، يُهنئه أهلُه وأصدقاؤه لعبورِه هذه المرحلةِ وهو على قيدِ الحياة، وصورةٌ لطالبٍ يهربُ من كتبِ السادس الإعدادي إلى حبلِ المشنقة، وصورةٌ وصورةٌ، وهي وإنْ كانت صورًا ربما أغلبها كاريكاتورية إلا أنّها تتضمن رسالة خطيرة جدًا، هدفها غرس القلق والهلع والكره والنفور من هذه المرحلة.. أضِفْ إلى ذلك دورَ الأهلِ السلبي سببًا رابعًا، فهم –بعضهم على الأقل- يُثيرون في قلبِ الطالبِ العديدَ من المخاوفِ وهم يحسبونَ أنّهم بذلك يدفعونه إلى الاهتمامِ بالدراسة، فيُصوِّرون له مُستقبلًا مُظلمًا إنْ هو لم يحصلْ على المُعدّلِ العالي، فلا عملَ ولا تقديرَ مُجتمعياً، ولا زواجَ ناجحاً، ولا بيتَ، ولا استقرارَ، ولا ولا، بل البعضُ يُطلِقُ تهديداتِه منذُ بدايةِ السنةِ الدراسية أنْ يا فُلان إما أنْ تحصلَ على المُعدّلِ الذي يؤهِلُكَ للالتحاقِ بالكُلية الفُلانية أو أنْ تتركَ الدراسةَ وتعمل معي أو مع عمِّك أو غيره، وما ذلك العملُ سوى تصليحِ السيارات أو ما شابه مع احترامِنا الكامل لجميعِ المِهَنِ الشريفة، أو إنْ لم تحصلْ على المُعدّلِ الذي يُرضيني فسأحوِّلُ حياتك إلى جحيم..! وأما المقارنةُ فحدِّثْ ولا حرج، فبعضُ الأهالي لا يحلو لهم الحديثُ مع أبنائهم وحثّهم على الدراسةِ إلا بتطعيمِها بالمُقارنةِ إمّا بصديقِه أو بابنِ عمِّه أو ابنِ خالِه وسواهم، ومن المعلومِ أنَّ المُقارنةَ مِعولٌ يهدمُ الثقةَ بالنفس، ويُزعزِعُ الشعورَ برضا الوالدين عنه.. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ تذكيرَه الدائمَ بما أنفقَه الأهلُ عليه من نفقاتٍ ماليةٍ وما هيأوه إليه من أجواءٍ دراسيةٍ والتي تصِلُ أحيانًا إلى أنْ يصطبغَ بصِبغةِ التعيير، مما يخلقُ عندَه عقدةَ الشعورِ بالذنبِ وتأنيبِ الضمير، ما إنْ يُخفق في امتحانٍ من الامتحانات، حتى تجلدَه بسياطِ اللومِ والتقريع.. فإنْ كان هذا الطالبُ أحدَ طلبةِ مُدرِّسٍ لا همَّ له سوى الراتب وممّن على تلك الشاكلة ليسوا بقليلين هُمُ اليومَ مع الأسفِ الشديد -مع كُلِّ إجلالِنا واحترامِنا إلى من لا زالَ يؤدي رسالتَه في التربيةِ قبلَ التعليم ويُدرِّسُ بكُلِّ جدٍ وإخلاص-، ومنهم من يُداوم دوامين ناسيًا أو مُتناسيًا أنَّه لو قصَّرَ في تدريسه في المدرسة الحكومية كان في راتبه إشكالٌ فقهي؛ لعدمِ تأديتِه ما عليه من واجبٍ على الوجهِ المطلوب، فكيف والبعضُ يتعمَّدُ عدمَ بذلِ جُهدِه في المدرسةِ الحكومية لادخاره للتدريس في المدرسة الأهلية أو الدروس الخصوصية وما إلى ذلك... فحينئذٍ يشرحُ المادةَ كيفما اتفق، ويتعاملُ مع الطلبة بصورة عشوائية ومُحبطة، ومن البديهي أنَّ الطالبَ إذا تُرِكَ وطبعه فإنّه يُحِبُّ المادةَ الدراسيةَ لحُبِّه لأستاذه، أو يكرهها لكُرهه إيّاه؛ مما يُزيدُ ذلك الطينَ بلةً.. فهذا هو السبب الخامس. وأما السبب السادس، فصاحب السوء الذي يُبعِدُه عن محالِ رحمةِ الرحمن ويُزين له سُبُلَ الفسوقِ والشيطان، ويُنسيه العبادةَ ويُشجِّعه على اللهوِ والعصيان، فحتى وإنْ لم يشغلْه عن الدرسِ والمذاكرة فإنّه لرُبَما يحجبُه عن التوفيقِ الإلهي واللطفِ الربّاني، وهل من خيرٍ في الوجودِ أجمعه إلا وهو (سُبحانه) له المنبعُ والمصدر؟! وقد أخّرتُ السبب السابع رغم أهميتِه؛ لأنّه قد يعملُ عملَ أكثر من سببٍ من الأسبابِ المتقدمة إنْ هو أُسيءَ استخدامُه، وهو جهاز التلفاز والجهاز الذكي، وما يحملانه من موادٍ إعلاميةٍ تُسمِّمُ فكرَ المراهقين والشباب، فتشغلُ وقتهم، وتجرُّ ضعيفي الإيمان منهم إلى معصيةِ الرحمن، كما توفِّرُ مناخًا مناسبًا للالتقاء برفقةِ السوء الذين يُهمِّشون الدينَ والقيمَ الأخلاقية، ويُفرِدونَ الاهتمامَ بالأمورِ الماديّة، فيكونُ الطالبُ حينئذٍ تربةً خصبةً لنموِ السُبُلِ الهدّامةِ كالإدمان، والانتحار.. ولا ننسى التأثير البالغ السلبية للألعاب الإلكترونية على فئة المراهقين والشباب؛ فهي تُسبِّبُ تشتت الانتباه وضعف التركيز والذاكرة، كما أنّ هَوَسَ الشباب بها قد يدفع بهم إلى السهر مما يؤثر سلبًا على المستوى الدراسي، فضلًا عن أنّها تُسبِّبُ اضطراباتٍ وأمراضٍ نفسيةٍ قد تصل إلى القلق والاكتئاب ثمَّ الاكتئاب الشديد، ومن المعلومِ أنّ الاكتئابَ الشديدَ أحدُ أهمِّ أسبابِ الانتحار.. فإنْ تجمّعت تلك الأسباب أمست وحشًا كبيرًا مُركّبًا من القلق والهلع والتشاؤم وضعف الثقة بالنفس، يدقُّ جرسَ الإنذارِ في نفسِ ذلك الطالب: أنْ يا أعضاءَ هذا الكائنِ المسكين إنّكم مُقبلون على خَطبٍ عظيم، فليدخلْ كُلٌّ منكم حالةَ الإنذار القصوى، فتبدأ رحلةُ الهَلَعِ والقلقِ، ورُبّما بدأتْ قبل ذلك عندَ البعض، بل منهم ممن رأيتُ عِظَمَ الخوفِ في عينيه، وسمعتُه يردِّدُ: يا ويلي من السادس الإعدادي وهو لم يزل في المرحلة الابتدائية بعدُ! يتسع إن شاء الله تعالى.

ظواهر اجتماعية غير منضبطة
منذ 4 سنوات
392

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
77328

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
57027

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44734

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43695

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40822

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33627