تشغيل الوضع الليلي

جدارُ الحماية

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 701

بقلم: العهد
منذُ أنْ وقعتْ عيني على تلك الصورة، خطرت ببالي مواضيعُ عِدَّة، تكمنُ خلف هذا المنظر، الذي يحكي قصةَ كفاح، ربما تعب سنين، وعناء حياةٍ بأكملِها. تكمنُ خلفه قصصٌ وحكاياتٌ لو وقفنا على كلِّ لسانٍ لتكلّم بلسانٍ فصيح، وعيونٍ دامعة.
في عالمنا الغريب الذي تخلّله كلُّ نوعٍ من أنواع الوسائل المُخِلّة باستقرار أُسرِنا، نقفُ عند مضمونِ إشاعةِ الأسرار الذي باتَ في هذه الأيام أمراً يُستهان به، والذي قد يتسبب في دمار البيت الذي احتضن الأسرة بلحظةٍ قد لا تدرك.
"استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" كثيرًا ما كُنّا نسمعُ هذه الكلمات المروية من بيت العصمة المحمدية والولاية (سلام الله عليهم أجمعين)، ولكن لم نُدرك ما تحمله من مضامينَ، وإنّما فقط لقلقة لسانٍ عابر من دون وعيٍ وإدراك.
الخطر يحيط بمنازلنا من الخارج وتعدى حدوده، بأن يدخل من نوافذنا، وأبوابنا وحتى من خلال أشعة الشمس التي تطل بأشعتها لتنقي بنقاوتها بيوتنا وقلوبنا. هنا يكمن السؤال الذي يخفي خلفه ألف سؤال، من المسؤول عن إفشاء الأسرار وتحطيم الأبواب والنوافذ وجدار الحماية بأكمله؟!
لن يكون هناك أي جواب، أتدرون لماذا؟ الكلُّ سيُلقي باللوم على الأخر، وستتهم العيون كلَّ من حول هذا السور، بريبةٍ وشك، وقد تتحول إلى شيء لا يُحمد عقباه.
في الآونة الأخيرة بات الخطر يحدق بنا وتتربص الأيدي البشرية وكأنها ذئاب مفترسة، تتطلع حول هذه الأسوار، ولنكن صريحين بكلِّ ما أوتينا من قوةٍ وصدق، مَن الذي هدّد هذا الصرح العظيم، وجعل استقراره مرهونًا بأيدي الوحوش الضارية؟ ومن الذي أفشى كلَّ أخباره؟ بصريح العبارة يكون رد كلُّ من خلف هذا السور بلسانٍ كالٍّ: لستُ أنا، وهذاك وهذي: لا لم أفعل. إذن من الذي تجرّأ وجرّدنا من حمايتنا وأودى بحياتنا إلى نهاية لا تُحمد العواقب.
هنا يتدخل المحامي طوال السنين .. سأفصحُ لكم عن الجواب .. ينطقُ بعدما أعياه التعب، والعذاب، وكاد أنْ يختنق، فقد دخل الوباء بيوتنا وتمكّن من كلِّ فردٍ في عائلتنا وكادَ أن يهوي بنا إلى مقبرة الهلاك.
ساد الصمتُ قليلًا وبعدها أكمل..
إنّها أجهزتكم التي بين أيديكم، وحواسيبكم التي تعملون بها، وشاشاتكم الكبيرة، وبرامجكم الخليعة، وحساباتكم التي لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، أودتْ بنا إلى شفا حفرةٍ من النار، وكادتْ أنْ تسلبنا الأوكسجين الذي نحيا به.
هنا تتصفحُ الوجوه بعضها بعضاً، واللسان أخرس، والدموع متحيّرة أتنزل أم تبقى عالقة. وهنا تتطأطأ الرؤوس؛ لأنّها علمت بأيّ مدخلٍ انتهكت حرمة السور العالي المنيع.
ولنكن أكثر وضوحًا وسأقول ما يجب قوله: باتت حياتنا على حالات الواتس اب، يشاهدها القاصي، والداني، الصديق، والعدو، وكلُّ من في أجهزتنا من جهات يتصفحون بيوتنا. أما في الموقع الثاني فهناك صور تنشر، أين أكلنا؟ اين ذهبنا؟ وماذا اشترينا؟ وماذا أضفنا؟ وغيرها من الأمور التي تراها أعيننا ونحن نستخفُّ بها؛ لأننا نعدُّها أمورًا عادية وليست أسرارًا، في حين أنَّ الأسرار ليست شيئًا من المستحيل ذكره، بل هناك خصوصية تندرج ضمن أسرارنا وخصوصياتنا، لا يجب أن يعلمها أحد.
وقف المحامي بعدما أعياه التعب من كثرة الفيروسات حوله قائلا:
متى ستنتهي هذه الأوبئة من حياتنا، ومن بين أيديكم، متى تنتبهون من غفلتكم؟! فالفايروس قويٌّ جدًا، ولا يكاد يكون له علاج بعد أنْ يتسلط عليكم، انتبهوا بعيون ساهرة، وقلوب وجلة، من خطرٍ يُداهمكم، يغزو عقولكم، وقلوبكم، وأرواحكم، وأجسادكم.
ولكن تذكروا نصيحتي لكم..
قد يتمزق داري يومًا ما، ولكن إذا أحسنتم الوقاية، سأكون بأحسنِ حالٍ وإن هاجمني الفايروس سأكون ذا مناعة عالية، لن يتسلط على رئتيّ ولن يكسرني ولن يودي بحياتي، لأنني ذو حصانةٍ قوية..
فكروا قبل فوات الأوان واقضوا حوائجكم بالكتمان...

اخترنا لكم

الدعوةُ إلى الحجابِ/ نظرةٌ معاصرةٌ السيدةُ زينبُ (عليها السلام) أنموذجًا (3)

بقلم: فريال ياسر الأسدي 5ـ الحجابُ والقرآن هل هناك حكمٌ صريحٌ بتشريعِ الحجابِ في آيةٍ من الآيات الكريمة؟ يُطرَحُ هذا التساؤلُ من قبلِ كُلِّ من يُنكِر وجود دليلٍ على الحجابِ في القرآن، وأحيانًا يتعدّى إلى إنكارِ المفهومِ القرآني وفي هذا الموضوع سنذكرُ بعضَ آياتِ الحجابِ التي لها صلةٌ مباشرةٌ بالمسألةِ، لتتشكلَ لدينا رؤيةٌ قرآنيةٌ لمفهومِ الحجاب. 1ـ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ} وهي من أهمِّ الآياتِ التي استدلَّ بها الفقهاءُ على الحجابِ الشرعي الإسلامي، وتُسمّى بـ(آيةِ الزينة) حسبَ المقطعِ الأولِ منها وهو: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، وتُسمّى كذلك بـ(آيةِ الخمار)؛ استنادًا إلى المقطعِ الذي يقولُ اللهُ (تعالى) فيه: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. 2ـ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ ِلأَزْوَاجِك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. يقولُ الشيخُ باقر الأيرواني في إشارة منه إلى عدم اختصاص الحجاب بنساء النبي (صلى الله عليه وآله): "المعنى: قُلْ للنساءِ يسترنَ جميعَ بدنِهنَ بواسطةِ جلابيبِهن فإنَّ ذلك أقربُ لأنْ يُعرَفْنَ بأنَّهُنَّ من أهلِ الصلاحِ والعفافِ فلا يؤذين من قبلِ أهلِ الفسوقِ والفجور". 6ـ الحجاب... نظرة معاصرة. إنَّ الحجابِ المعاصرِ بينَ نساءِ جيلِ التطوّرِ والحداثةِ يواجِهُ حملةً عنيفةً وغزوًا يحاولُ إسقاطَه وتفريغَه عن محتواه في ذلك، وهذه الحملةُ تُدار من قبلِ جهاتٍ عالميةٍ مُنظَّمةٍ تستهدفُ خلقَ حاجزٍ بين المرأةِ والحجاب، وسلاحُهم في ذلك حُججٌ واهيةٌ لا تستندُ على دليل. ومن أهمِّ تلك الحجج: *تشريعُ الحجابِ لا يستندُ على دليلٍ واضحٍ ومعقولٍ في القرآنِ والسُنّةِ *تشريعُ الحجابِ الذي ذُكِرَ في القرآن هو خاصٌ بنساءِ النبي (صلى الله عليه وآله) *الحجابُ يسلبُ حُريةَ المرأةِ، ويؤدي إلى الخمولِ في النشاطات. ولقد بيَّنّا في المبحثِ الثاني أهمَّ الأدلةِ الشرعية من القرآن الكريم،، وأنَّ للحجابِ هدفيةً معقولةً حيثُ إنّه يرتفعُ بقيمةِ المرأةِ ومقامِها، وكذلك بينّا أنّه ليس خاصًا بنساءِ النبي (صلى الله عليه وآله) في الآية: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ ِلأَزْوَاجِك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ}. أمّا كونُ الحجابِ يسلبُ حريةَ المرأةِ، فهناك اختلافٌ كبيرٌ بين أنْ تُحبسَ المرأةُ في البيتِ أو أنْ يُطلَبَ منها السترُ إذا أرادتْ مواجهةَ رجلٍ أجنبي. إنَّ حبسَ المرأةِ واحتجازِها لا وجودَ له في الإسلام، والحجابُ واجبٌ ملقى على عاتقِ المرأةِ، وليسَ الرجلُ مَنْ فرضَ ذلكَ الواجب، ولا هو مما يتعارضُ وكرامتها، ولا هو اعتداءٌ على حقوقِها الطبيعية، وقدْ وضُحَتْ سابقًا فلسفةُ الحجابِ وأنّه يُحافِظُ على هدوءِ الآخرين وراحةِ أعصابِهم وعدم الإخلالِ باتزانِهم الأخلاقي. أما كونُه يُسبِّبُ خمولًا في نشاطاتِ المرأة فهذا أيضًا ليس صحيحًا؛ فالإسلامُ حثَّ المرأةَ والرجلَ على طلبِ العلمِ على حدٍّ سواء، ودعاها إلى استثمار قدراتها مثلما دعا الرجل؛ ومعلومٌ أن المرأة تتمتعُ بالكثير من القدرات من الفكر والإدراك، والذكاء، والذوق والقدرة على العمل، وغيرها، والحجابُ ـ بالكيفية والحدود التي بيناهاـ لا يوجِبُ إضاعةَ تلك القدرات والمؤهلات، وإنَّ هذا الاعتراض يُمكِنُ أنْ يوجَّهَ للحجابِ الذي كانَ سائدًا عند القدماء، أمّا الحجابُ الإسلامي فلا يقولُ بحبسِ المرأةِ بينَ جُدرانِ البيت.

اخرى
منذ 4 سنوات
693

التوكــــل

بقلم: نجاة رزاق شمخي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين. يقول (تعالى) في محكم كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم "يا ٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوٓاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ" صدق الله العلي العظيم*١ بعد أنْ يُذكِّر (سبحانه) بالنعم التي منَّ بها على البشر ومنها دفع كيد اليهود الذين عزموا قتال المسلمين وإجلاؤهم من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) من المدينة بسبب نقضهم العهد، يقول (تعالى): "واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون"، هناك ربطٌ بين الإيمان والتقوى والتوكل، فكُلّما زاد الإيمان زادت التقوى، وكلما زادت التقوى زاد التوكل على الله. يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (يجب الانتباه إلى عبارة التقوى المشتقة من المصدر وقاية معناها حماية النفس من السوء والفساد).*٢ أهمية التوكل على الله (تعالى) إنَّ مسألة التوكل على الله من الفضائل الاخلاقية المهمة التي لا يتسنى للإنسان الوصول إلى مقام القرب الإلهي واطمئنان النفس إلا من خلالها، وحينما تطالع القرآن الكريم تلاحظ أنَّ صفة (التوكل) هي أبرز الصفات التي تتجلى في سيرة الأنبياء على مَر التأريخ. فهل بإمكان الإنسان البسيط أنْ يصل إلى هذه الصفة؟ وهل إنَّ التوكل يعني الاعتماد المطلق على الله تعالى بدون السعي وكسب الأسباب الطبيعية؟ ماهي الأعمال التي يجب على الإنسان القيام بها حتى يصل إلى مرحلة التوكل؟ أو لنقل هل إنَّ هناك رياضات روحية يجب على العبد ممارستها للوصول إلى حدِّ التوكل؟ أسئلةٌ نجيبُ عنها تباعًا.. أولًا: ما هو التوكل؟ التوكل: هو تفويض الأمور إلى الله والاعتماد على لطفه؛ لأنَّ التوكل من مادة (وكل)، بمعنى اختيار الوكيل والاعتماد عليه في تسيير الامور، وكلما كان الوكيل يتمتع بقدرةٍ أكبر وإحاطة علمية أكثر فأنَّ الشخص الموكِل يشعر في قرارةِ نفسه بالاطمئنان والهدوء والسكينة. وبما أنَّ الله (تعالى) قدرته لامحدودة وعلمه لامتناهي فحريٌ بالعبد أنْ تكون السكينة والاطمئنان هي التي تلامس قلبه وتدخل إلى أعماق نفسه. ثانيًا: ما مصاديق التوكل على الله (تعالى)؟ ذكر الله (تعالى) صفة التوكل في آياتٍ عديدة واقترنت أكثرها بسيرة الأنبياء (عليهم السلام) الذين يمثلون أبرز المصاديق للمتوكلين على الله (تعالى)، فنراهم قد تحملوا أعباء الرسالة وأذى قومهم فهذا النبي نوح (عليه السلام) يقول: "...فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركائكم ..."*٣ فهو يعيش حالة التوكل إلى حد الاستعداد لمواجهة الأعداد مع قلة المناصرين له ومع كثرة المستهزئين به من قومه، إنَّه التوكل على الله. ثم يأتي من بعده النبي هود (عليه السلام) حيث يقول (تعالى) في وصفه: "إنّي توكلتُ على الله ربي وربكم"*٤. فلم يكتفِ بعدم الاهتمام بمخالفيه وتهديدهم، بل إنَّه من خلال توكله على الله تعالى يعيش حالة القوة والشجاعة والسير في خط الاستقامة. وفي قصة النبي ابراهيم (عليه السلام) نقرأ أعظم درسٍ في التوكل عليه (تعالى)، حيثُ إنَّ النبي (عليه السلام) أسكن ذريته بوادٍ غير ذي زرعٍ استجابةً لأمر الله وتنفيذًا لإرادته. وكذلك النبي شعيب (عليه السلام) الذي يقول (تعالى) على لسانه: "...إنْ أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"*٥ حيثُ يقول إنّه سيستمر في خط الرسالة متوكلًا على إيمانه بالله تعالى والتوكل عليه. كما إنَّ من مصاديق التوكل سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فكم لاقى من العذاب والاتهامات في تبليغ الرسالة ولكنه كان في جميع أحواله متوكلًا عليه (تعالى). فتراه يجعل أحب الخلق إليه في فراشه ويهاجر إلى يثرب وهو في غاية الاطمئنان والتوكل بأنَّ الله تعالى منجيه من كيد الكافرين. وخاض (صلى الله عليه وآله) الحروب والغزوات الكثيرة وفي كلٍّ منها كان سلاحه إضافة إلى الاستعداد وتهيئة العدة والعدد هو التوكل على الله، حيث يخاطبه (تعالى) في سورة آل عمران قائلًا: "إنْ ينصركم الله فلا غالب لكم وإنْ يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون"*٥ ثالثًا: ما نتائج التوكل؟ يقول (تعالى): "ومن يتوكل على الله فهو حسبه إنَّ الله بالغ أمرِه قد جعل الله لكلِّ شيءٍ قدرًا"*٦. وهذا وعدٌ إلهي للمتوكلين بحلِّ مشاكلهم بشكلٍ حتمي، فكلُّ الأمور تحت إرادته ومشيئته. فلا تبتئس وتجزع مهما كانت المشكلات عصيبة أو ثقيلة. وقد يسأل سائل: إننا نعيش حالة التوكل ولكن النصر وحل المشكلات يتأخر أحيانًا؟ إنَّه (تعالى) حكيمٌ وعلمه وحكمته جعلت الأمور مرهونة بمواقيتها، ولأن الإنسان يغلب عليه الاستعجال والتسرع يريد كلَّ شيءٍ يجري حسب إرادته، ولعل تأخير أمرٍ يكون فيه صالح الفرد والمجتمع.. رابعًا: هل إنَّ كلَّ شخصٍ يستطيع أنْ يكون متوكلًا؟ نعم باستطاعة كلِّ شخصٍ ذلك، بل يجب على كلِّ شخصٍ أنْ يكون متوكلًا على الله تعالى، وإنْ لم يكن كذلك. وإلا فما الفارق بين المؤمن لسانًا وقلبًا وبين من إيمانه على طرفِ لسانه؟ إذا أتته الدنيا بما يشتهي فهو راضٍ وإلا فهو ساخط على مولاه. فمما لاشك فيه أنَّ العبد كلما قرُب من مولاه زاد إيمانه وتوكله عليه، وهذا الأمر لا يحتاج إلا إلى الثقة بالله تعالى والتسليم بأنَّ كلَّ ما يأتي منه خيرٌ أعجبكَ الأمر أم لا! ويجب التنبيه على أمرٍ مهم وهو (أنَّ التوكل لا يعني التواكل)، فقد يظن البعض أنّ التوكل عليه (تعالى) يعني أنْ يجلس الإنسان في داره والله تعالى يتكفل بمعيشته ومعيشة عياله بحجة أنَّه متوكل! والمريض لا يتناول العلاج بحجة التوكل! وهذا خطأ واضح؛ لأنَّ الله (تعالى) خلق العالم بناءً على قانون العلة والمعلول، والسبب والمسبب. يذكر الشيخ النراقي في جامع السعادات {فمن ظنَّ أنَّ معنى التوكل ترك الكسب بالبدن، وترك التدبير بالعقل رأسًا، والسقوط على الأرض كالخرقة المُلقاة، فقد أُبعد عن الحق؛ لأنَّ ذلك مُحرم في الشرع الأقدس}.٨ روي عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله): {ألا إنَّ الروح الأمين نفث في روعي: "إنَّه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله (تعالى) واجملوا في الطلب}٩. كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): {إنَّ الغنى والعز يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا}*١٠ ولا غرابة في ذلك؛ لأنَّ العالم كله محضر الله (تعالى)، وإنَّ كلَّ زاويةٍ من زوايا الكون هي محل حضور ذاته المقدسة وعلمه وقدرته؛ لذلك على المؤمنين أنْ لا يخافوا بأي حالٍ من الأحوال، وأنْ يعيشوا حالة التوكل على الله (تعالى) ويسيروا بهذه الروح المعنوية لتحقيق أهداف الرسالة المقدسة وها هي سيدتي زينب (عليها السلام) في يوم عاشوراء تضرب أروع مثلٍ في الصبر على قضاء الله والتوكل عليه ... وهل هناك مدبرٌ غير الله يعتمد عليه الخائفون؟ وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين. ____________ ١-المائدة :١١ ٢-الامثل في كتاب الله المنزل ج٣ :٦٣٨ ٣-يونس:٧١ ٤-هود:٥٦ ٥-هود: ٨٨ ٦--ال عمران :١٦٠ ٧-الطلاق :٣ ٨-جامع السعادات :٦٠٧ ٩-نفس المصدر ١٠-الوافي ج٣:ص٥٦ عن الكافي

اخرى
منذ 5 سنوات
883

سأكتب في عاشوراءَ

بقلم: زينب راضي الزيني/ ليلى زغيب بقلمٍ مداده دماء. وكلمات تبكي لسيد الشهداء سأكتب في عاشوراءَ أنّ حزني لم ينتهِ... وإنّ عطشي لم يرتوِ... مهما شربت ماء... سأكتبُ عن قافلةٍ سرت من المدينة حيث مثوى الرسول (صلى الله عليه وآله) صاحب السكينة. لتحط رحالها في أرض البطولة والتضحية والفداء... كربلاء... حيث القائد سيد الشهداء.. وبطلتها العقيلة الحوراء.. التي أكملت بصبرها درب العطاء وبفضل تلك الوقفات المدوية التي استمدت نبضها من دعاء عليل اثكلوه بالأهل والأصحاب وسار برفقة كوكبة من الأرامل والأيتام... فأثمرت دماء عاشوراء... وهذه القافلة التي تحمل بين جنبيها شخصيات عديدة من أقمار وكواكب وورود حلقت إلى عنان السماء... فيالها من قافلة! وأيُّ تجارة ٍرابحة تحملها لترسوا على شاطئ العطاء والشهادة والمجد والعلياء! هي قافلة لو تأملتها جيدًا لرأيت فيها كل صنوف الأعمار من الكهول والشباب إلى اليفاعة وبراءة الأطفال الأبرياء... فيا لها من قافلة عشق إلهي! سأكتب في عاشوراءَ كل ما في داخلي ينبض باسم الحسين فإذا أمسكت القلم لأكتب له تدمع العين سأكتب في عاشوراء حسين... أيها الشهيد الفاتح خذ بيدي نحو إصلاح النفس، خلصها من شرك المتاهات والأهواء... حسين... يا من قدمت كل شيء في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلّا الله... ترى هل نعي معاني تضحياتك الجمة؟ حسين... ترى هل نعي معنى كلمة رسول الإنسانية عندما قال: (حسين مني وانا من حسين)؟ يا من وقفت بوجه الظلم بكل ما لديك من الصحب والأهل وجدت بالنفس غاية الجودِ وكان قولك: صبرًا على قضائك يا رب... حسين... أي كلام أصوغ فيك وأي حروف تستوعب قطرة من دم سقت أراضي نينوى.. سأكتب في عاشوراءَ عن مجدٍ وعزٍ خلّدهُ لنا الحسين. يوم قدم لنا التضحيات والقرابين. واحدًا تلو الآخر من أجل إحياء الدين. سأكتب في عاشوراءَ عن نهضة الحسين وثورته العظيمة التي تعلمنا منها العِبرة قبل العَبرة تعلمنا دروس التضحية والإباء والفداء من أجل دين إلهي لا يزول... تعلمنا منه أن لا نكون عبيدًا بل نحيى أحرارًا لا تستعبدنا الأموال ولا الجاه، ولا يغرينا السلطان الجائر، ولا نظلم الآخرين. سأكتب في عاشوراء لم يكنًْ خروج الحسين أشرًا، بطرًا، مفسدًا ولا ظالمًا... وإنما خرج لأجل ما قال (عليه السلام): (إني ما خرجت ُ أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، إنما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه واله) حدد السبط الشهيد لخروجه المبادىء والغايات، وأعلن جهاده، جهاد التضحيات، جهاد غير مدفوع بالماديات، وإنما بأهداف ساميات، بدافع الإيمان والذب عن الدين والمقدسات، وهو سبط خاتم الانبياء والمرسلين والذي ختم الله تعالى بجده النبوات والرسالات لذا خلدت قضية الحسين واستوعبت للعالم جميع اللغات. سأكتب في عاشوراءَ سأكتبُ عن ملحمةٍ مفادها التغيير والاصلاح... الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كان طلبه الصلاة، الحجاب، الغيرة، الحق، عدم السكوت بوجه الظالم، يربينا على المساواة والعدالة والعيش بكرامة ومحاربة الظلم ليحقق العدالة لنا. عندما قال (عليه السلام): (موت في عزّ خير من حياة في ذل) وقولته المشهورة: هيهات منا الذلة. فهي دعوة لنا في كل زمان ومكان للمباشرة بحملة اصلاح ابتداءً بأنفسنا وانتهاءً بمجتمعنا، أراد منا أن نتمسك بعقيدتنا، ونحارب كل الأفكار الفاسدة والدخيلة على مجتمعنا والتي نراها اليوم أخذت مداها في المجتمع. لذا ضحى الحسين... (فهل جزاء الاحسان الا الاحسان). فأيّ جزاءٍ وأيّ عملٍ نقدمه على مر العصور مقابل عطائه اللا محدود وكيف نجازيه؟ هل تكفي الدموع؟ لا بالطبع، لا، وإنما بأن نكون حسينيين قولًا وفعلًا، نعمل بالدروس التي استلهمناها من ثورته العظيمة نسعده بأخلاقنا، بصلاتنا، وحجاب نسائنا، بمساعدتنا للفقير، بصلة الأرحام، بتطهير نفوسنا من الحقد على الآخرين، نسير على نهجه في البيت والطريق والعمل والمدرسة وفي كل معاملاتنا وعباداتنا. وإلّا سنترك دمه الطاهر يذهب سدى... فلا تنسَ أن تضحيته كانت لأجلي وأجلك لذا اترك كل ما ينهاه الحسين حتى تدخل السرور على قلبه الشريف (عليه السلام) فلنكن من اليوم صادقين بقولنا: لبيك يا حسين لأنها تعني كل ما يطلبه منا (عليه السلام) لذا انتبه عندما تلبي النداء لبّه وأنت ملتزم بثورته المباركة ومبادئها السامية لذا قل بنقاء واخلاص هذه التلبية حسين... يا انشودة العز في ميادين الحياة لم أكن حاضرًا في عاشوراء التضحية والوفاء ولكن وصل إلى مسامعي صدى صوتك (الا هل ما ناصر ينصرنا.. الا هل من موحد يخاف الله فينا.... ) فلباك قلبي بدمع احرق مقلتي... نزف دمًا خطه قلم أعياه صبرك بساحات الوغى فصحت من أعماقي لبيك يا حسين، لبيك يا حسين فأرواحنا كلها فداء الحسين وأولاده وأصحابه (عليهم السلام).

اخرى
منذ 5 سنوات
3100

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
81349

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
60712

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 7 سنوات
50729

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
45752

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
45670

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
34829