تشغيل الوضع الليلي
السّجدةُ بالمحرابِ تُنحر
منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1075
بقلم :زينب راضي الزيني وليلى زغيب
اعتلى الأذان وكبر، الله أكبر.. الله اكبر، السّجدةُ تُنحر.. ورأسُ الليثِ يُطبر.. ماذا تنتظرُ يا موالي عليّ؟ ماذا تنتظر؟ اللعينُ ابنُ ملجم يرفعُ سيفَ الردى؛ لِيقتُلَ ركنَ الهدى..
أيُّ بغضٍ أيّ عداءٍ لِيُقدم اللعينُ على قتلِ أمير المؤمنين؟..
في الكونِ ليس لهُ نظيرٌ بعدَ الأمين..
منْ للأيتامِ بعدهُ؟ ومنْ للفقيرِ البائسِ والمسكين؟..
الأميرُ يطيلُ السّجودَ والركوعَ
كعادتهِ في الصلاةِ حاضر قلبهُ لله بخشوع..
في وقتِ السّحرِ.. وفي أذانِ الْفَجر .. السّجدةُ تُنحر...
كانَ الملعونُ المرادي ينتظرُ.. والحقد والبغِيّ منهُ قد ظَهر...
متى يذبحُ وصيّ خير البشر؟..
فَصَلى الأميرُ الركعةَ الأولى، وركعَ وسجدَ السّجدةَ الأولى، ورفعَ رأسَهُ وإذا القدر.. القدر..
السّجدةُ الغراءُ تُنحر..
أخذَ الملعونُ السّيفَ وهزّهُ ثم ضربَ بهِ رأس الكرارِ حيدر...
فلمْ يتأوه الإمام بالضربةِ، واحتسبَ وصبر....
وقعَ على وجههِ، والدّمُ يجري على لحيتهِ الشريفةِ، أخذَ يشّدُّ رأسَهُ بالمئزر..
وخُضِّبَ بدمائهِ وهو يقول: "هذا ما وعدَ الله ورسوله وصدقَ الله ورسوله"
جدّلهُ ساجدًا ينشجُ من خوفِ المعاد..
لبسَ الإسلامُ ثوبَ السّواد..
حينَ نُحرتِ السّجدةُ بسيفِ الإلحاد..
وغلبَ الغيُّ والحقدُ على أمرِ الرّشاد..
وفُضحتْ أعلامُ الفساد..
فصَاحَ الإمامُ أمامَ الأشهاد..
"فزتُ وربِّ الكعبة"، فازَ وظفرَ بالمعاد..
أسدُ اللهِ الغالب وسيّد الأسياد..
ثُمَ صاحَ الأميرُ الأغرُ المظفرُ
قتلني ابن ملجم أيُّها الناس، لا يفُوتنّكم ابن ملجم الأشر..
وسرى السّمُ في رأسِهِ وبدنهِ، وثارَ جميعُ من في المسجدِ، فاعتلتِ الصرخات..
وضُربتِ الأيادي على الهامات..
قتلَ ابنُ ملجم خيرَ السّادات..
ضربةُ الملعونِ ارتجت لها الأرضُ، وماجت لهولها البحارُ، واهتزتِ السّماوات..
وصُفِعتْ أبوابُ الجامعِ، وضجتِ الملائكةُ في السّماءِ بالدعاء..
وهبتْ ريحٌ عاصفٌ سوداء..
ونادى جبرائيلُ بينَ السّماءِ والأرض بصوتٍ يسمعهُ كلّ مستيقظٍ ونائم..
"تهدّمتْ والله أركانُ الهدى، وانطمستْ والله نجومُ السّماء، وانفصمتِ العروةُ الوثقى وأعلام ُالتُّقى، قُتِل ابن عم محمدٍ المصطفى (صلى الله عليه وآله)، قُتِل الوصيّ المُجتبى، قُتِل عليّ المُرتضى، قُتِل والله سيّد الأوصياءِ قتلهُ أشقى الأشقياء(1)
فلما سمعتْ ابنته أمُّ كلثوم نعي جبريل لطمتْ خدها وصاحتْ وآبتاه! واعلياه! وامحمداه!
واسيداه!
فأيُّ يدٍ آثمة ضربتْ عامود دينِ المصطفى (صلى الله عليه وآله)؟
ما أجرأها على الرّحمن من يد؟
في بيتهِ فجِع إماما الرحمةِ وسُبطا الهُدى وتلبسُ زينب ثوبَ الآلامِ لفقدِ أفضل الخلقِ بعد رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)
وجاؤوا بالبطلِ الهُمام... دماؤهُ تسيلُ من الهام... فصُدِعَ منْ هولِ المشهدِ قلبُ السّماء.. أعليٌّ هذا خيرُ الأوصياء.. إذن حلَّ بساحتِنا اليومَ بلاء.. ونادتْ بصوتٍ حزينٍ بضعةُ الزهراء.. منْ للأيتامِ بعدكَ أبا الأيتام؟.. لقد فُجِعُوا بقتلِكَ في شهر الصيام.. فها هي السّجدةُ تُنحر في محرابِها! فما رعى الغادرُ حرمةً لشهرِ الله ولا لبيتِ الله ..ولا لوليِّ الله..
فسلامٌ على قلبِ زينبَ أمّ الحجابِ والْخدر .. اليوم هامةُ أبيها بسجدةٍ في الفجرِ تُشطر.. وقبلهُ ضلعٌ بيدِ الآثمينَ يُكسر.. وفي عاشوراء تتحزمُ بقلبٍ ملؤهُ الصبر .. حسينُها يُذبحُ بعرصةِ كربلاء من النحر.. وأكفٌ لقمرٍ تسقطُ على ضفةِ النّهر.. وشهداءٌ كالكواكبِ وكالبدور.. تُذبحُ في كربلاء بيدِ اللعينِ الشمر..
يا لها منْ ضربة! فجّرت أحزانَ قلبِ العقيلةِ، ونكأتْ جرحَ أُمها المغروس بينَ الضلوع.... فانهمرتْ منها الدمُوع... تُنادي نداءَ الفاقدينَ بخشُوع.. أبتاه، منْ لقلبِي المفجوع؟
اليومَ نُحرتْ سجدةُ المِحرابِ بسيفِ الغدر.. اليومَ بانَ على الأيتامِ الذلُ والقهر.. اليوم استعدتْ زينب بجبلٍ مِن الصبرِ لبلاءِ الدّهر.. اليوم أوان وصية الكرارِ يُلقيها على عاتقِ القمر.. اليوم كافلُكِ يا زينبُ أصبحَ البدر.. فقْد ذُبحتْ سجدةُ الفجر...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١)بحار الانوار((٤٢-ص٢٧٩)
اخترنا لكم
يتيمةٌ قبلَ اليتامى
بقلم: نورا كاصد العبودي يتسابقُ العالمُ لبذلِ الغالي والنفيس في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ الحق، لكن لا يعلمون أنَّ هذا الحق ثمنُه غالٍ جدًا، والقائدُ الحقيقي هو من يُضحي بنفسه وإخوته وبنيه، وأما الكلام وحده فقط فلا يُظهر حقًا، ولا يبني صرحًا، ولا يُعلي اسمًا، ولا يُثبِتُ وتدًا للإسلام في أرضه. بين الرماحِ العالية، والرمال الحارقة، والسيوف، والسهام ذات الشُعَبِ المثلثة، وحرقِ الخيام، وسبي العيال، وعطشِ الأطفال، وهناك قضية لا تختلفُ عن قضايا الطفِّ بل منها وإليها، تُثير انتباهي دائمًا... وردةٌ ذبُلَتْ قبلَ أوانِها، بسببِ حقدِ آلِ أُميّة على آلِ طالب، تلك الطفلةُ اليتيمةُ التي استُشهِدَ والدُها عطشانًا مرميًا به من سطحِ الإمارةِ، وحيدًا غريبًا. فثار وجْدُ الحُسين (عليه السلام) واستعرتِ النارُ في قلبه، فابنُ عمِّهِ قضى نحبَه مغدورًا، وربما كان ألمُ الحسين (عليه السلام) عندما وصله خبرُ مقتلِ مسلمٍ بن عقيل أضعافَ ألمِه يومَ الطف؛ لتصوّرِه لمنظرِ ابنِ عمِّه ومقتلِه والعذاب الذي عاناه. كان لذلك الشهيدِ طفلةٌ كانت تجلسُ دومًا عندَ بابِ المخيم، لا تُشاركُ الأطفالَ الحديثَ أو اللعب، كان عمُّها الحسينُ (عليه السلام) يراها تجلسُ دائمًا وحيدةً، وكأنّها غريبة، فكان يُدنيها إليه دائمًا، ويُناديها كُلّما اشتاقتْ روحُه لمعرفةِ خبرٍ عن ابنِ عمه.. وفي يومٍ من أيامِ الطفِّ اقتربَ من تلكَ الطفلةِ حياها وحضنَها بحنان، كما يحضنُ غصنُ الوردِ أوراقَه، يحنُّ ويئنُّ لحالةِ اليأسِ من عودةِ أبيها، سألها: بُنيّة، إلى متى جلوسكِ عند بابِ المُخيم؟ شاركي الأطفالَ في اللعبِ والحديث. أجابت: يا مولاي، أنا أنتظرُ أبي؛ فعندما أرسلتَه يا سيّدي لأهل الكوفة أخبرني وهو يودعني بأنّه سيعود. فعند عودتِه من سفرِه سيراني بانتظاره، وسأروي له حالي بعده، وما فعله آلُ أمية بحُرَمِ رسول الله (صلى الله عليه و آله )، فهم شهروا سيوفَهم بوجوهِ آل بيت الرسول (عليهم السلام). سيّدي ألم يأتِك خبرٌ عن والدي؟ أجاب (عليه السلام): بُنيتي، عندما يصلُني خبرٌ عن أخي سأُخبِرُكِ بالحال.. لم يستطعِ الإمامُ (عليه السلام) إخبارَها أنَّ والدَها قضى شهيدًا، وتوجه إلى خيمةِ أختِه سيّدةِ المخدرات زينب (عليها السلام) وأخبرَها بنبأ استشهادِ ابن عمِّها، بكت (عليها السلام) لمُصيبتها به، فعلِمت نساءُ الحسين (عليه السلام) بالخبر.. ونادى الحسين (عليه السلام) حميدةَ يتيمةَ مسلم بن عقيل، وقفتْ أمامَه فما كانَ من العمِّ العطوف والإمام الرؤوف، إلا أنْ يمسحَ على رأسِها، فعلِمتِ السيدةُ الصغيرة بأنَّ والدَها قد اِستُشهِدَ وحيدًا، غريبًا، مغدورًا، رفعتِ الطفلةُ رأسَها وقالت: إنْ كان أبي قُتِلَ فهو ونحنُ فداك يا مولاي. وأطلقت صيحتها: وا أبتاه وا مسلماه. نستلهمُ معاني التضحية الفذة والقيادة الناجحة من سيّدةِ الطفِّ الصغيرة، تكتمُ آلامها وتداوي جراحها، وتشهق صرخاتها المدوية المنادية باليتم، وتستجمعُ قواها وتُفدي عمَّها بأبيها. هذه الطفلةُ عاشتِ الطف، بما حَدَثَ قبله وما بعده، وأظهرتْ قدرتَها الفائقة على الصبرِ مادام فيه انتصارٌ للدين وموالاةٌ لإمامِ زمانها، على أنَّ الفرقَ كبيرٌ جدًا، بين يتيمٍ منتصرٍ ويتيمٍ منكسر؛ فأيتامُ الطُغاة والفاسقين مصيرُهم للاندثار والزوال، أما أطفالُ معسكرِ الحقِّ الحسيني، فكانوا مصدرَ إشعاعٍ وإلهامٍ، وكانوا قدوةً للطفولة الشامخة.. فحميدةُ عنوانٌ للتضحيةِ ومدرسةٌ للوفاءِ والإباء؛ كيف لا، وهي غصنٌ نديٌ من بيتٍ زُقَّ العلمَ زقًا، وارتوتِ الصبر، وتعلّمته من عمتِها وجدتِها سيدةِ النساء فاطمة الزهراء (عليهما السلام).
اخرى
حوارٌ مبين في زيارة الأمين (١٠)
بقلم: علوية الحسيني/ ودعاء الربيعي "مستنةً بسنّة أوليائكَ" محور حديثنا لهذه الحلقة هو الاستنان بسنن الأولياء، ونذكر بيانه ضمن الأسئلة التالية: ■السؤال الأول: ما المقصود بالسنة في قول الإمام المعصوم؟ هل هو اتباع اقوال وأفعال أولياء الله، أو المراد من الاستنان بسنة الأولياء أمر آخر؟ ج/المراد بالسنة: هي أحد مصادر التشريع الإسلامي، وتأتي مع القرآن الكريم، ويليها الإجماع، ثم العقل. أي إنّ الأحكام التشريعية بأقسامها الخمسة (الوجوب، الاستحباب، الحرمة، الكراهة، المباح) يستخرجها الفقيه من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية؛ فقول أو فعل النبي وأهل بيته (عليهم السلام)، أو سكوتهم عن واقعةٍ ما، تفيد حكًا شرعيًا. ولا يمكن الفصل بين السنة والقرآن الكريم، والاكتفاء بالقرآن دونها، فمثلاً لو وجدنا في القرآن الكريم آية كريمة تنص على وجوب الصلاة (وأقيموا الصلاة)، فهنا يجب الرجوع إلى السنة النبوية لتفسِّر لنا أحكام الصلاة، من حيث عدد الركعات، انتظام الأوقات، علاج الأخطاء، وكل ما يتعلّق بالصلاة. فنحن نعلم إنّ للقرآن باطناً وظاهراً، ولا يعلم باطن القرآن الكريم إلاّ أهل السنّة النبوية، محمد وآل محمد (عليهم السلام)، فيجب الرجوع إليهم، والاستنان بسنتهم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُول} (1). أولوا الأمر -آل محمد (عليهم السلام)- يستمدون السنن النبوية من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)؛ بلحاظ كونهم الخلفاء بعد رسول الله، ولهذا وصف النبي (صلى الله عليه وآله) اولي الأمر، أهل البيت (عليهم السلام) بالثقل الأصغر، في حديث الثقلين: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" (2). إذًا فالسنّة هي الدليل الشرعي الصادر من المعصوم -النبي والأئمة (عليهم السلام)- الذي تكون له دلالة شرعية على الحكم الشرعي، من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ صادر منهم (عليهم السلام). ومن هنا أصبحت لدينا سنّة قولية، وسنّة فعلية، وسنّة امضائية أو سكوتية. نأخذ مثالاً على كلٍ من تلك الأقسام: 1/ السنة القولية: مثل قول النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إذا أوى إلى فراشه: "اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت، وإذا قام من نومه قال: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور"، فقوله هذا يدل على حكم راجح، ومن يقتفي أثر نبيّه ويعمل بسنته يسمى مستنًا بسنة النبي (صلى الله عليه وآله). 2/ السنة الفعلية: مثل سجود النبي (صلى الله عليه وآله) عند استيقاظه من نومه، فيخرّ لله تعالى ساجدًا، والسجود فعل، فمن يفعل كما فعل نبيّه يسمى مستنًا بسنة النبي (صلى الله عليه وآله). 3/ السنة الامضائية: كما لو طلب رجل من النبي أو الإمام (عليه السلام) أن يرى صلاته هل يشوبها خطأ ما أو لا، فيصلي الرجل وينتهي، فيسكت المعصوم، فسكوته دلالة على امضاء وصحة صلاة الرجل، ودلّت صلاة الرجل على موافقتها لسنة المعصوم في الصلاة، بشرط أن لا يكون عن تقية. السنن متعددة –كسنن الأنبياء-، إلاّ أنّ خير السنن هي سنّة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)؛ يقول تعالى على لسان نبيّه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} (3)، والاتِّباع منه الاستنان. وخاتمة السنن هي سنّة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)؛ بدلالة ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول عند وفاته: لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي" (4). ■السؤال الثاني: كيف يمكن للفرد أن يكون مستناً بسنن أولياء الله تعالى، هل هناك امور تساعد في ذلك؟ ج/نعم، وذلك من خلال اتباع ما جاء في كتاب الله تعالى، والسنة النبوية نفسها، وحديث الثقلين كافٍ لبيان كيفية الاستنان، "إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي" فالنبي (صلى الله عليه وآله) يضمن لنا عدم الضلال إذا تمسكنا بالثقلين، كتاب الله تعالى، والعترة الطاهرة (عليهم السلام). ولا يخفى عليكم أنّ عقولنا قاصرة عن فهم الروايات الصادرة عن محمد وآل محمد (عليهم السلام) مما اقتضى دراسة سنوات عديدة، ولعلوم مختلفة، منها النحو، الفقه، الأصول، المنطق، الرجال، الدراية، العقائد، من أجل الاقتراب من فهمها بصورتها الصحيحة. *فالروايات منها التي يعود الضمير فيها إلى شيء وأخرى فاعلها محذوف، وهكذا، وهذا يتطلب معرفة دقيقة في علم النحو. *ومن الروايات ما تدل على الوجوب واخرى على الاستحباب مثلاً، وهذا يتطلب معرفة في علم الفقه. *ومن الروايات عامة وأخرى خاصة مثلاً فيقدّم الخاص على العام، وهذا يتطلب معرفة في علم الأصول. *ومن الروايات ما تشكل قياسًا منطقيًا يفيد في الاستدلال على اثبات أمر ما، وهذا يتطلب معرفة في علم المنطق. * ومن الروايات صحيحة السند واخرى ضعيفة مثلاً، وهذا يتطلب معرفة في علم الرجال والدراية بمعرفة الرواة ووثاقتهم، ومتن حديثهم المنقول ومدى موافقته للقرآن الكريم. * ومن الروايات ما تدل على الاعتقاد بالتوحيد وأخرى تدل على الاعتقاد بالعدل الإلهي مثلاً، وللتفرقة بينهما لابد من معرفة بعلم العقيدة. وبالتالي فإنّ وظيفتنا نحن كمكلفين أحد أمور ثلاثة: 1/ الاجتهاد: وذلك بأن أتولى دراسة تلك العلوم، على مدى سنوات عديدة، وأجتهد في فهم النصوص فأستخرج السنة النبوية لنفسي وأعمل بها. ويبدو أنّ دراسة هذه العلوم ولسنوات عديدة، مع استيعابها وفهمها بدقةٍ عالية لهو أمرٌ يصعب على الغالب. 2/ الاحتياط: وذلك بأن أعمل وفق فتاوى جميع المراجع الذين هم في شبهة الأعلمية وأجمع بينها، بما أتيقن معه بفراغ الذمة. ويبدو أنّ هذا أمرٌ صعبٌ للغاية، حيث قد يلزم على المكلف أن يأتي بالعمل مرتين، وهذا ما لا يتحمله إلاّ قلّة من الناس، وغيرها من صور الصعوبة. 3/ التقليد: وذلك برجوعي أنا الجاهل في تلك العلوم إلى العالِم بها، وأخذي السنة النبوية منه التي بعلومه فهمها ونقلها لمقلّديه. وهذا هو المتيسر والأهون وظيفةً مما سبق من الاجتهاد والاحتياط. لذا نجد أنّ الواسطة اليوم التي تنقل لنا السنّة النبوية من مصادرها الموثوقة، هي المرجعية الدينية، فيكون نفس العمل بالرسالة العملية للمرجع هو استنانٌ بالسنة النبوية واقعًا أو ظاهرًا. ■السؤال الثالث: ماهي الآثار الايجابية التي يحصل عليها الفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام عندما يستن أفراده بسنن أولياء الله وعباده الصالحين؟ وهل هناك آثار سلبية تحصل نتيجة لترك الاستنان بسنن الاولياء؟ ج/ أما الآثار الإيجابية، فعديدة، منها: أ) بشكلٍ خاص أو فردي: 1/ القرب من رضا الرحمن، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): أقرب ما يكون العبد من ربه إذا دعا ربه وهو ساجد" (5)، والدعاء من سجود من السنن المستحبة. 2/ حب الله تعالى له: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: ما تقرب إلي عبد بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته" (6)، وأداء النوافل من السنن. ب) بشكلٍ عام، أو اجتماعي: 1/ دفع المضار، فإن جميع سنن النبي وآله (عليهم السلام) تعود نفعًا على من يستن بها، كسنة غسل اليدين قبل تناول الطعام، فهي تدفع الاصابة بأمراض نتيجة انتقال الميكروبات إلى الطعام. 2/ زيادة الخشوع في أداء الواجبات من العبادات؛ فمثلاً من السنن المستحبة صلاة الليل، فأداؤها يكون مقدمة لزيادة الخشوع في الصلاة الواجبة -الفجر-. 3/ إشاعة روح الإنسانية التي تبتغي الكمال الذي خلقنا الله تعالى له، وهو السمو في العبادة، والارتقاء بها سلوكًا إلى رضوانه. •وأما الآثار السلبية، فعديدة أيضًا، منها: 1/ قلة الحسنات 2/ انطماس التاريخ 3/ الحزن والندم في دار الآخرة 4/ الأضرار النفسية 5/ مطية التعب ■السؤال الرابع : ماهي مظاهر تجلي الاستنان بسنن أولياء الله عند علمائنا الأعلام؟ ج/ لقد عمل علماؤنا بسننٍ عديدة، منها مداراة الناس، وحيث أنّهم وعلى رأسهم مراجعنا العظام لهم الدور الأبوي الناصح الرؤوف في مداراة عباد الله تعالى؛ استنانًا بما روي "عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ" (7). ومنها أداء النوافل، فهذا العلامة الطباطبائي (قدّس سرّه) صاحب كتاب تفسير الميزان، كان يصلي النافلة مشيًا أثناء ذهابه إلى مدرسته، حتى ينقل أنّ بعض أقاربه سلّم عليه ماشيًا، وكان العلاّمة منشغلاً بأداء النافلة، فإنّه فقط ردّ (عليه السلام) فانزعج ذلك الرجل من عدم سؤال العلامة له عن أحوال عياله، وبعد ذلك علم الرجل أنّ العلاّمة كان مشغولاً بأداء نافلة. __________________ (1) النساء: 59. (2) حديث متواتر في كتب الفريقين. (3) آل عمران: 31. (4) أمالي الشيخ المفيد: ص53. (5) الكافي: 3/ 323 / 7،6 / 269 /4. (6) المصدر نفسه: 2/ 352 / 8،7. (7) المصدر نفسه: 2/ 4. اللّهمَّ صلَّ عَلَى أَبِي الْأَئِمَّةِ، وَسِراجِ الْاُمَّةِ، وَكاشِفِ الْغُمَّةِ، وَمُحْيِ السُّنَّةِ، وَوَلِيِّ النِّعْمَة، أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالِب.
البيان والبلاغة في كلمات أهل البيت عليهم السلام
كيف تحفز ولدك على الدراسة
الحلقة السادسة التركيز على التعلم بدل المنافسة. إن تحفيز الأطفال نحو الدراسة يحتاج إلى أساليب ومهارات يجب على الأهل والتربويين تعلمها والعمل على امتلاكها لو لم تكن موجودة عندهم، من أجل معرفة الأسلوب الأمثل للوصول إلى تحفيز الطفل وتهيئته للدراسة والتعلم. تطرقنا في حلقات سابقة إلى عدة محفزات منها الإيمان بالذات، والتركيز على النجاح بدل العلامات، واللعب، والتفكير الإيجابي، وتعزيز إيمان الطفل بقيمة المدرسة، واليوم نتعرف على المحفز السادس وهو: التركيز على التعلم وليس على المنافسة. يجهل البعض من الآباء والأمهات مخاطر المنافسة التي يثيرها الأهل في نفوس أبنائهم ظناً منهم أنها الأسلوب الأمثل في حث الأبناء نحو التفوق، فيستخدمون أسلوب المقارنة مع أبنائهم لزيادة الهمة والحماس في نفوسهم ولا يعلمون أنهم يثيرون مكامن الحقد والضغينة والغيرة في نفوسهم ضد أصدقائهم. ولهذا الأمر مخاطر عديدة منها: ١/ إن المقارنة تدفع بالطالب إلى التركيز على مستوى زميله مما يولد ضغطاً نفسياً عليه من أجل الوصول إلى مستوى أصدقائه في الصف ويكون همه وشغله هو الحصول على أعلى تقييم. ٢/ التنافس والذي يكون أساسه المقارنة تدفع بالطالب إلى عدم التركيز على الهدف والغاية الأسمى للمدرسة ألا وهي التعّلم وإنما ينجرّ الطالب إلى التركيز على كيف أتغلب على اصدقائي في الصف وأكون الأول. ٣/يحاول الطفل هنا ارضاء والديه ومعلميه ولا يحاول ارضاء نفسه فهو ينظر إلى النجاح بصورة مغلقة على أنه يجب أن يكون الأول بين زملائه. ٤/تدفع المقارنة بين الطلاب إلى بروز مشاعر الكراهية والحقد والغيرة، فالمنافسة الإيجابية صعبة التحقق والفهم للأطفال ولا تخلو من مشاكل عديدة. ٥/التركيز على المنافسة من أجل تحفيز الأبناء تؤدي إلى عدم الرضا عن النفس في أغلب الأحيان مما يفقد الحياة رونقها لأنها تولد ضغطاً نفسياً مستمراً. ٦/ في كثير من الأوقات فإن المنافسة تؤدي إلى التسبب في إحباط الطلاب فإذا حاول الطالب أن ينافس صديقه ولم ينجح في ذلك ولم يصل لما يريد فإنه غالباً يشعر بالإحباط وبمشاعر سلبية تكمن في عدم الرضا عن الذات. لذلك يجب على الأهل والتربويين التركيز على التعلم بدل إثارة المنافسة والتي غالباً لا تصب في صالح الطلاب. فيمكن أن نركز على بعض الخطوات العملية من أجل أثارة حب التعلم في نفوس الأبناء ومن هذه الخطوات: أ/ مقارنة الطالب مع مستواه السابق: فهذا هو الأسلوب الأنجع من أجل الوقوف على الأخطاء ومعالجتها، فهذه مقارنة إيجابية تدفع بالطلاب إلى التركيز على انجاز المهمة المطلوبة. ب/ أثارة أسئلة محفزة: فإذا كان الأهل والمعلمون يمتازون بثقافة جيدة في إثارة أسئلة من شأنها أن تدفع بالطلاب إلى البحث والتقصي عن الحل والمناقشة العلمية فإننا سنجعلهم يركزون على التعلم من أجل الشعور بمتعة التعلم وهذا أمر مستحسن ومطلوب. ج/ تفعيل حب الاستطلاع: يجب على الآباء والأمهات والأخوة التربويين إثارة وتحفيز الأطفال على البحث بأساليب مميزة، فالاستفادة من المعلومات المتوفرة في المنهج بشكل إيجابي من شأنها رفع الحافز لدى الطلاب، فإذا جعلنا التعلم مجرد شيء روتيني ومجبورين على فعله فإننا قد نخفق في إثارة الرغبة الدفينة في نفوس الأبناء، فحب الاطلاع على معلومات إضافية لها علاقة في إكمال وتعزيز عملية الفهم لدى الطلاب شيء ضروري يعزز من تحفيز الطلاب باتجاه الهدف المقصود... لذلك فالمطلوب منا أن يشعر أبناؤنا وطلابنا أثناء تدريسهم بالإثارة التي تدفعهم نحو مزيد من الإبداع والمثابرة. ولا يخفى علينا أننا مهما فعلنا فإنه لا يمكننا أن نمنع أبناءنا من مقارنة أنفسهم مع زملائهم، ولكن تركيزنا نحن كآباء وتربويين على المقارنة والمنافسة تعزز لديهم المنافسة السلبية التي من شأنها ابعادهم عن متعة التعلم. فإذا حصل الطفل على علامة حسنة، فإنه يجب علينا أن نمدحه ونعزز ذلك بنفسه، ولا نعني بتركيزنا على التعلم هو اهمال العلامات الممتازة التي يحصل عليها الطفل، وإنما عدم إثارة التبعات والآثار السلبية المترتبة على المقارنة المستمرة والسلبية، فإثارة عبارة (أخوك أفضل منك أنه يحصل على درجات مرتفعة وأنت لا تحصل إلا على درجات متوسطة) من شأنها أن تسبّب إحباطاً للطفل، وتبعده عن الدراسة بشكل نهائي، وتسبّب له رابطاً سلبياً مع عملية التعليم والتعلم. فيجب علينا أن ننظر إلى شيئين مهمين في عملية المذاكرة: أولهما: مقدار الجهد الذي يبذله الطفل في الدراسة: فإذا كان يبذل كل مجهوده في عملية الدراسة، فهذا الشيء هو المهم، فهو يقدم ما يستطيع أن يفعله ولا يوجد تقصير عنده، أما إذا كان مقدار الجهد ليس بالأمر المطلوب، فيجب إثارته لتقديم أفضل ما عنده من طاقة مخزونة. الثاني: الاستراتيجية التي يتبعها الطفل في الدراسة والمذاكرة: فطريقة تنظيم وقته وتقسيمه بين الدروس من الأشياء الأساسية التي تدفع بالطفل إلى التفوق فمقدار الوقت الذي يحتاجه لفهم مادة الرياضيات، يختلف عن الوقت الذي يبذله مع مادة الاجتماعيات، والأسلوب المتبع للقراءة يختلف مع كليهما. وتتضمن الاستراتيجية المتبعة مقدار وقت الراحة والاستمتاع واللعب الذي يخصصه الطفل للترفيه عن نفسه من أجل إعادة شحن طاقته بشكل إيجابي من جديد... قاسم المشرفاوي
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى