تشغيل الوضع الليلي

الإنترنت وأثره على الحياة الزوجية

منذ 7 سنوات عدد المشاهدات : 3478

أروقةٌ طالما غصت بالخصوم وشهدت على تبادل نظرات الحقد والألم في عينيهم بعد أن كانت يوماً إلى تحقيق الأحلام والآمال من أهم سبلهم...
وقاعاتٌ تبعث الأجواء فيها على الأسى والتحطم، مشحونة باتهامات وهجاء وصراخ قد علا بنبرات التظلّم، حتى وكأنه أثاثها الخشبي قد تأوّه وتأوّه وودّ لو أنه أحرِق أشجاراً في جلباب خضرتها ولم يستمع إلى أشجان بلغت القمة في قساوتها..
وتلك القراطيس البيضاء التي لطالما خط عليها قلبان نابضان بالحب والأمل أحلامهما الوردية، أضحت مظلمة سوداء، قد سوَدتّها الدموع والآهات الممتزجة بحبر قلم بكى سواد عينه وهو يخط بألم كتاب الندم. فيا لها من مفارقة قرطاس أبيض قد تلوّن بالبهجة والفرحة ولم يلبث كثيراً حتى أحيلت بهجته إلى ظلمة وعتمة بقرطاس آخر.
قرطاس أسّس أسرة ... وآخر هدمها...
مشهد غاية في القساوة وكيف لا يكون كذلك وقد اكتنف نفوساً تتمزق، وقلوباً تتقطع، وفلذات أكباد تتشرد، بل وتتيتّم من أحد والديها رغم أنه لازال على قيد الحياة...
ولكنه على قساوته بات مألوفاً جداً لدى المحامين والباحثين الإجتماعيين والقضاة ؛ ولا غرو في ذلك فقد عاشوا الكثير من تلك القصص المؤلمة وبشكل يومي حتى ألفوها !!!! ولطالما قرأوا في وجوه الخصوم أقسى ألوان المعاناة ..
من المعلوم أن للطلاق أسباب كثيرة يطول البحث فيها، إلا أننا ارتأينا أن نسلط الضوء على أكثرها شيوعاً، وأشدها على الأسر اليوم وقوعاً، وهو ((الإنترنت )).
يقول رئيس مجمع دار القضاء في بغداد الجديدة القاضي (أمير زين العابدين) إن “أهم سبب اليوم يؤدي الى زيادة حالات الطلاق هو الإنترنت، إذ كانت سابقاً حالات الخيانة الزوجية من الصعب إثباتها، إذ يفترض أن تحدث في فراش الزوجية، أما اليوم أصبح إثبات حالة الخيانة لدى الزوجين سهلة. فيكفي أن يتحدث الزوج أو الزوجة مع شخص آخر أو يمارس بعض الممارسات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتثبت الخيانة وبعدها يقع الطلاق” (1).
من جانبه (أرجع رئيس المركز العراقي لشؤون المرأة "الحسين الدرويش" السبب في تزايد حالات الطلاق إلى التكنولوجيا الحديثة، التي أثرت بشكل كبير على النساء والرجال، حيث إن أغلب حالات الطلاق كان سببها المباشر، أو غير مباشر، مواقع التواصل الاجتماعي )(2)
ولكي نكون منصفين لا يمكننا الادعاء بأن الإنترنت هو السبب في الطلاق وهل يمكن أن تعد يوماً أداة ارتكاب جريمةٍ ما هي الجاني؟! بل لابد من وجود محرك هو الذي حركها، وفاعل بملئ إرادته قد أهوى بها على جسد الحياة الزوجية فأرداها قتيلة...
ترى ما الذي ألجأه إلى استخدام الإنترنت بهذا الشكل الخطير؟ وكيف تمكّن مجرد جهاز صغير من تدمير عش أسرته الكبير؟ وهل يمكن معالجة الحياة الزوجية بعدئذٍ وعودتها إلى الحياة كسابق عهدها ؟؟ وكيف يمكن ذلك؟ ثم كيف يمكننا استخدام الإنترنت بشكل يخدم الحياة الزوجية ويسعدها؟ تساؤلات نحاول الإجابة عنها على نحو الإيجاز فيما يأتي ....

الأسباب التي تُمهّد لاستخدام الإنترنت بشكل سلبي:
يعد الانترنت مصدراً هاماً للمعلومات وهو أيضاً يوفر سبل اتصال سهلة ويسيرة وبذلك لا يمكن القول أن كل من يستخدمه فهو خاطئ، وإنما سوء استخدامه هو السلوك الخاطئ لما يترتب عليه من آثار خطيرة على المستخدم نفسه أولاً وعلى المحيطين به ثانياً لاسيما الزوجة. ومن أبرز الأسباب التي تمهد للاستخدام الخاطئ للإنترنت هي:

أولاً: ضعف الوازع الديني ووهن الجانب الخُلُقي للمستخدم، واتّباعه لأهوائه وشهواته.

ثانياً : الهروب من المشاكل : فقد يكون الواقع الذي يعيشه المستخدم لا يروق له لسبب أو لآخر فيعمد إلى الهروب منه واللجوء إلى الإنترنت. ومن المعلوم أن مجرد هروب الإنسان من الواقع وعدم مواجهته له يشكّل نقطة ضعف في شخصيته، وبالتالي فمن يقتحم الإنترنت بشخصية ضعيفة من المحتمل جداً أن يتأثر به سلباً.
ثالثاً: حب الظهور: قد لا يجد الشخص تقديراً لذاته من قبل الآخرين في حياته الواقعية فيلجأ إلى الحياة الافتراضية التي يعيشها مع الكثير من الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي والذين غالباً ما يتميزون بالمبالغة في المجاملات فيحصل بذلك على بغيته في تقدير الآخرين له.

رابعاً: ولوج هذا العالم أساساً لأهداف غير أخلاقية ، من قبيل مشاهدة المواد المحرَّمة التي تعرض على بعض المواقع، أو لأجل خوض بعض المغامرات في تكوين علاقات مع الجنس الآخر مستغلاً ما تتّسم به وسائل التواصل الاجتماعي على مختلف أنواعها من سرية وسهولة التواصل فيها في أي زمان ومكان وتحت أي ظرف...

آثار الاستخدام السلبي للإنترنت:
لابد لكل سلوك سلبي من آثار سلبية تترتب عليه، وهكذا الاستخدام السلبي للانترنت، ومن أهم تلك الآثار:

أولاً : كثرة استخدامه فضلاً عن الإدمان عليه الذي يلتهم جُلّ وقت المستخدم مما يؤثر سلباً على علاقاته ومسؤولياته، وأولها بلا شك علاقته الزوجية وواجباته تجاهها. وبذلك يعاني شريك الحياة من الحاجة إلى الاهتمام والفراغ العاطفي.
وعلى الرغم من أن هذا الاستخدام السلبي لا يقتصر على الرجال وحسب إلا أنهم يشكلون النسبة العالية فيه، الأمر الذي يؤدّي إلى تضاعف الآثار السلبية؛ لأن المرأة كما هو معلوم بطبيعتها أكثر عاطفة وأشد حاجة إلى الحب والاهتمام ..

ثانياً : مشاهدة ما يعرض من مواد لا أخلاقية تؤثر بشكل سلبي كبير على الحياة الزوجية ؛ لأنها تُفقِد من يشاهدها القناعة بحلاله الثابت لكثرة ما يشاهد من تعدد وتنوع وتغير المواد المحرمة .
ومن الواضح أن حالة عدم الرضا عن شريك الحياة من جهة والرغبة الملحة في الحصول على نظير ما يشاهد من جهة أخرى تولّد الكثير من المشاكل مما يدفع بعض الأزواج إلى البحث عن بديل.
وسواء كان ذلك البديل شرعياً من قبيل تعدد الزوجات والزواج المنقطع أو غير شرعي فإنه لا يجد ضالته البتّة ولا يشعر بالرضا قط؛ لأن سبب مشكلته لا تكمن في الخارج بل ينبع من داخله وهو فقدان القناعة...
ثالثاً : التأثر بالحياة الافتراضية التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي والاهتمام بها على حساب الحياة الواقعية .
فالكثير من المستخدمين يُبرزون أجمل ما فيهم من سمات بل وينتحلون أفضل وأرقى الصفات في الحياة الافتراضية، فينشرون منشورات تعكس للآخرين مدى تقواهم وتسامحهم وحسن معاملتهم للآخرين، أو منشورات قد تثير استعطاف الآخرين عليهم فيحصدون أزاء ذلك الاحترام المبالغ فيه وحسن المعاملة بل ونعته بأجمل الصفات، وفيهم من يتعمّد أن يدسّ السم بالعسل ومن كلا الجنسين على حد سواء، فتجد الرجل يكتب للمرأة أرق التعبيرات التي تُشعرها بأنها جوهرة بين يدي فحّام، وأنها مظلومة، وأنها في المكان الذي لا يناسبها وبين يدي الرجل الذي لا يستحقها، وما إلى ذلك فضلاً عن الكلمات الرقيقة من قبيل (منورة، كلامك عسل و...). ومن النساء أيضاً من تستغل منشور رجل يصف فيه بعض معاناته لتعلق له بأجمل تعابير المواساة وبأرق الكلمات المدعومة ببعض (السمايلات المناسبة لذلك)!
وبهذا يجد كل من الزوج والزوجة الذين يسيئان استخدام الإنترنت ضالتهما في الحياة الافتراضية...
وما أن يعودا إلى الحياة الواقعية حتى يخلعا تلك الشخصية الجذابة ليعودا إلى شخصيتهما الحقيقية والتي غالباً ما تختلف عنها، فمن الطبيعي أنهما لا يجدان نفس المعاملة الأولى، إلا أنهما وللأسف لا يدركان أن هذا أمر طبيعي للاختلاف الشاسع بين الشخصيتين وأن الخلل يكمن في داخلهما بل يعزوان إلى تقصير من يحيطون بهم في الحياة الواقعية، فيتذمران ويقارنان بين كلا الحياتين إلى أن ينتهي بهما الحال إلى هجران الحياة الواقعية ولو عاطفياً، فيعيشان في الواقع بالجسد فقط حاصران كل المشاعر والعواطف والحب والاهتمام في الحياة الافتراضية..
ومما لاشك فيه إن لهذا السلوك انعكاسات سلبية شديدة على الحياة الزوجية، حيث يعاني الشريك الجوع العاطفي والذي تترتب عليه الكثير من المشاكل الصحية والنفسية عليه بل ومع ضعف الوازع الديني قد تُلجؤه إلى الاتجاه نحو نفس السلوك الخاطئ في استخدام الإنترنت من قبيل الاخذ بالثأر الذي نسمع به وللأسف الشديد كثيراً هذه الأيام.
رابعاً: الخيانة الزوجية: وقد بات هذا الأمر اليوم شائعاً بين ضعيفي الإيمان وسيئي الخلق ــ وقد تتعدى من مجرد خيانة إلكترونية إلى خيانة واقعية ــ مبررين جرمهم بالحاجة الى الحب ،وفعلهم القبيح بانعدام الاهتمام من قبل الشريك .
إلا أن أغلبها تبريرات شيطانية ومعاذير شهوانية؛ لأن الكثير منهم يمارس الخيانة لأجل الخيانة فقط لا لسبب آخر...
ومع ذلك فقد يكون البعض صادقاً في دعواه، إلا أن ذلك لا يبرر له مطلقاً أن يكون أسيراً لهواه، وكان الأجدر به أن يُطْلِع شريكه على مدى احتياجه الشديد إلى العاطفة والاهتمام فلربما يستجيب لذلك...
بل وحتى في فرض عدم الاستجابة فلا تسوغ له الخيانة تحت أي عذر أو لأي سبب لأن المؤمن والمؤمنة مهما واجها من ابتلاءات من هذا القبيل فإن إيمانهما بالله (تعالى) هو حصنهم الحصين وتقواهم هي درعهم المتين ، فلا يمكن أن ينجرفا بسيل عاطفي ،أو يهويا بعاصفة شهوانية ...

إذن الاستخدام السلبي للإنترنت إنما هو بمنزلة مِعْول هدّام يغرسه المستخدم ظلماً وجوراً في جسد حياته الزوجية. ويبقى هذا المِعْول يحطّم فيها طالما بقيَ المستخدم عاكفاً على استخدامه السلبي للإنترنت. وهكذا حتى تلفظ آخر أنفاسها ويُهد كيان الأسرة وتتفكك أجزاؤها كما تنفرط حبات العقد عند قطع الخيط.
وبتكرر هذا المشهد المريع للتفكك الأسري وبشكل كبير وبصورة يومية... كيف يمكننا أن نتصور المجتمع بعد سنوات؟!

ناقوس الخطر يومياً يقرع أجراسه ولكن للأسف الشديد ما من مستمع وما من متعظ وأنى لهم الاستماع وقد أسكرتهم نشوة الحرام، وكيف لهم الاتعاظ وقد أزال وعيهم الانغماس في الهوى والغرام...

هل من علاج؟
على مستخدم الانترنت سلباً أن يعي أولاً أن جرمه الذي اقترفه ذو بعدين: بعد إلهي؛ لتعديه حدود الله (تعالى) ولاكتسابه الإثم العظيم بسبب علاقاته الملوثة ومشاهداته المحرمة من جهة، ولتقصيره في تحصين زوجه من الحرام ثانياً ، قال الله (تعالى) : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) " (3)
وبعد دنيوي : إذ إن تدمير العلاقة الزوجية كثيراً ما يترتب عليها تفكُّك الأسرة وتشرُّد الابناء الذي يسهم في تفكُّك المجتمع فضلاً عن تقديم نفسيات معقدة تسهم في تدمير المجتمع وتهديد استقراره.
فإذا وعى كل تلك المخاطر المحدقة به من كل جانب وكأنه يقترب بسلوكه الخطير هذا شيئاً فشيئاً من فم ثعبان كبير فاغرٍ فاه لم يتبقَ الكثير ليتمكن من ابتلاعه وتحطيم كل شيء جميل في حياته... عليه أن يُعجّل في التوبة إلى الله (تعالى) توبة نصوحاً بأن يستشعر الندم على كل ما اقترفه ويقرر الإقلاع عنه تماماً.
ثم إن عليه أن لا ييأس، فما من مشكلة إلا ولها علاج، ولكن لا بد من توفّر النية الصادقة من قبل الطرفين أولاً، وأن يطلبا العون والمدد من الله (تعالى) ثانياً ، وأن يتحلّيا بالإرادة القوية والعزيمة اللازمة حتى القضاء على هذا المرض الخطير الذي ينهش في جسد علاقتهما الزوجية ثالثاً ....
وبما أن وجود المشكلة في الحياة الزوجية كوجود المرض في الجسم إذن لابد من المصارحة والشفافية والحديث بكل وضوح لتشخيص موضع العلة بكل دقة للبحث عن العلاج المناسب لها.
فإن كانت العلة في غياب روح الإنصات والتفهم من الطرف الآخر كان العلاج في أن يتّسم بهما، وإن كانت العلة في غياب الحب عن الحياة الزوجية وانعدام الاهتمام بالطرف الآخر كان العلاج في إيجادهما. وهكذا
ثم إن على من يقيم أو تقيم علاقات عاطفية أن يحدث نفسه أو تحدث نفسها وبكل صراحة لو ظهر أو ظهرت على الشخصية الحقيقية للطرف الآخر فهل يا ترى يبقى يُكِنّ له أو لها كل ذلك التقدير والاحترام ويعامله أو يعاملها بكل تلك المعاملة الحسنة ؟
غالباً لا...
إذن لِمَ العناء والبحث عن بديلٍ لو حلّ في الحياة الواقعية محل الزوج الحالي لما حُلّت المشكلة. ألم يكن من الأجدى أن يسعى الشخص إلى تغيير نفسه نحو الأفضل ليكسب شريكه ويجعل من حياته حياةً أجمل، وفي الوقت ذاته ينال رضا الله (تعالى) عنه ويجزيه بذلك الجزاء الأكمل...
كما أن من الضروري تقنين استخدام الإنترنت ووضع حدود في التواصل مع الأجانب والأجنبيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحديد زمن معين كأن يكون نصف ساعة أو ساعة فقط لتصفح تلك المواقع...
وأخيراً العلاقة الزوجية مسؤولية طرفين فإذا ما أخطأ أحدهما فعلى الطرف الآخر أن يمد إليه يد العون وأن يساعده ويصبر عليه ولا يحبطه بل يشجعه بكل ما يتمكن ويصبر عليه حتى التشافي من مرضه.


كيف يمكن إثراء الحياة الزوجية وإسعادها بالإنترنت؟
الإنترنت كما هو معلوم إنما هو كأي أداة ذات حدين يمكن استغلاله في الهدم والتدمير كما يمكن استثماره بالبناء والتعمير. ومن أبرز طرق استخدامه الايجابي هي:

أولاً : يعد الإنترنت مصدراً ضخماً للكثير من المعلومات وفي شتى مجالات الحياة. وبهذا يمكن استثماره في إغناء الزوجين بالمعلومات الهامة عن الحياة الزوجية السليمة والسبل الكفيلة بإنجاحها فضلاً عن الحفاظ عليها جعلها حياة سعيدة بدءً من تعلم كيفية اختيار الشريك وما الأمور التي لابد أن تتوفر فيه مروراً بالتعرف على طبيعة تفكير الزوج الآخر، وإرشادات عن كيفية معاملته إلى كيفية احتواء المشاكل والقضاء عليها. وهو في كل تلك المراحل لا يوفر معلومات وحسب بل ويوفر مختصين من المتيسر جداً الاتصال بهم والاستفادة من خبرتهم.

ثانياً: الإنترنت يساعد الزوج الذي اضطر إلى الابتعاد عن زوجته لسبب أو لآخر من مشاركتها في الأفراح والأتراح محيطاً بأخبارها وأحوالها، مغذّياً لها بالنصح والإرشاد والتوجيه غامراً إياها بأجواء الحب والحنان...

ثالثاً: يمكن الاستعانة بالمحادثات الكتابية في فهم كل من الزوجين لبعضهما ، إذ إنها تشكل خير وسيط للتفاهم بين الأزواج الذين يعانون من حاجز الخجل.. وبذلك يتعرف كل منهما على ما يحب الطرف الآخر وما يكره.
كما يمكن الاستعانة بها في تخطّي بعض العراقيل في سبيل حل المشاكل الزوجية. فمثلاً من لا يستطيع أو يأنف أن يعتذر كلامياً أو يفتقر إلى مهارة لغة الجسد التي تناسب ذلك يمكنه اللجوء إلى الكتابة المدعومة بالوجه المعتذر والآسف مثلاً، فيستشعر الطرف المقابل أنه فعلاً نادم وآسف فيقبل اعتذاره...

ختاماً... الإنترنت أداة ذات حدين قد يستخدمها شخص فترفعه إلى درجات التكامل، وقد يستخدمه آخر فتهوي به إلى أدنى درجات التسافل... والعاقل من يستخدمه استخداماً إيجابياً ينفع نفسه ويطور ذاته ويُثري حياته الزوجية بمختلف مجالات الكمال ويزينها بشتى ألوان الجمال..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجلة يلا ، مقال تحت عنوان (الزواج المبكر والخيانة الألكترونية ترفع معدلات الطلاق في العراق) نُشِر في مارس 7, 2016
(2) شبكة النبأ المعلوماتية ، مقال تحت عنوان (الطلاق في العراق: احصاءات صادمة لعام 2017) للكاتبة دلال العكيلي ، نُشِر في السبت 31 كانون الأول 2017
(3) التحريم 6

اخترنا لكم

قبس من عبق الزهراء (عليها السلام)

بقلم: حوراء مالك تعالوا نقتبس من عَبق الزهراء (سلامُ الله عليها) فنغدوا ذوي خطوات سليمة ومضمونة قال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً). (1) إن الإنسان في حركاته وسكناته وتفكيره لا بد أن تكون له غاية أو غايات متعددة في وقت واحد وقد تكون سلبية أو إيجابية. والمتوقع من الإنسان الحصيف أن تكون غايته الكمالاتِ والرقي في كافة نواحي أموره، فكيف بِغايات الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين (سلام الله عليهم) التي منبعها الأصيل وهدفها هو الله سبحانه وتعالى. والغرض من هذه الغاية لا تعود إلى الله (عز وجل) لأنه منزه من الاحتياج بل هي لأجل الارتقاء بعباده، بأن يُزال عنهم حجب الوصول، فيَصلوا إلى مستوى من الكمال ويدركوا حقيقة العبودية وإلى أن يقتبسوا من نوره الأتم فيكونوا من مَحال معرفة الله الذين يَغترفُ منهم الظمآن فيرتوي. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنه قد وَرد في الحديث الشريف أنهُ [من ماتَ ولمْ يَعرف إِمامُ زَمانهِ ماتَ ميتةً جاهلية]. إذن لابد من (حُجة) في كل زمان ليأخذ بيد النّاس إلى سبيل الرشاد. ولأجل تحقيق هذه الغاية تطلّب الكثير من الجهد ليدرك الناس ما يريده الله منهم فنجد أن التَدرج في الأحكام قد فُعّلَ من قبل الله (سبحانه وتعالى) إلى أن يصل بالإنسان إلى الالتزام بحكم معين وبحسب مستوى وقابليات البشر وبتلاؤم الظروف منذُ خلق نبي الله آدم (عليه السلام) وإلى قيام مولانا الحجة (عجل الله فرجه). إذن لتحقيق هذا الغرض السامي لابُدَ أنْ يَمر بمراحل إلى أن يَصل بِأتم وأَبهج صورة، والأنبياء والأوصياء ومن سار على نهجهم عليهم أن يحققوا غايتين: خطة قصير الأمد، وتشمل هداية الناس وتكميل مستوى عقولهم بالتدريج ويبشرون بالأنبياء والأوصياء من بعدهم. وخطة طويلة الأمد وهو التمهيد لدولة العدل الإلهي حين قيام القائم (اروحنا فداه) وهذا واضح وصريح في الآية القرآنية: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (2). وعلى الرغم من الجهد العظيم والجَبار الذي قدمهُ النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) لإخراج الناس من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام إلا أن الإسلام لم يصل إلى جميع البشر، وكان الخلل بالقابل الذي هو الإنسان الذي لم يصل بمستوى من الإِدراك الحقيقي، وعند ظهور الأمام الحجة (عجل الله فرجه) تكتمل مستوى القابليات لإدراك الأحكام والمعارف الإلهية فيتحقق الوعد الإلهي (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وبه سَيملئُ قسطاً وعدلاً كما مًلئت ظُلماً وجوراً . إذا تبين هذا يمكن القول: كان لدى الزهراء عليها السلام غايات عدة تصب في تينك الغايتين السابقتين، وسنقتصر على جانبين منها هما: الجانب الأول: الجانب العقائدي: للأسف يعتقد البعض أن النصرة التي قدمتها مولاتنا فاطمة لأمير المؤمنين (سلام الله عليهما) نابعة من كونه زوجًا لها، والحال أن هناك مفهومًا أرقى وأسمى من ذلك، وهو كونه إمام زمانها، فكانت (سلام الله عليها) أول المدافعين عن ولاية أمير المؤمنين، ولقد قَدمت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن إمام زمانها (سلام الله عليه) وتحقق أيضا جانب من صور التمهيد لدولة مولانا الحجة (أرواحنا فداه). الجانب الثاني: الجانب الأخلاقي: رُوي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام)، قال: رأيتُ أمّي فاطمة (عليها السّلام) قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تَزَل راكعةً ساجدة حتّى اتّضح عمودُ الصُّبح، وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أُمّاه، لا تَدعين لنفسك كما تَدعين لغيرك؟ فقالت: يا بُنيّ، الجار.. ثمّ الدار (3). تُعلِّمنا (عليها السلام) في الجانب الأخلاقي العطاء والحب والدعاء للآخرين في كل من أحوالنا وقد اتخذت من وقت السحر وقتًا لتحقيق هذا المبدأ الراقي الذي يعكس الكثير من جوانب شخصية السيدة الزهراء كأنّها تريد أن تقول: (أحب لأخيك أكثر مما تحب لنفسك). أيُّ مدرسةً أنتِ سيدتي، يا بضعة من نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه و آله). بالحب والعطاء الإلهي تسمو الروح وتزداد عطاءاً وتكون أكثر قدرة على نصرة لإمام الزمان. لو تخلقنا بهذا الخُلق العظيم وتغاضينا عن أخطاء الآخرين وهفواتهم لغدا هذا القلب متطهراً من الحقد والأدران وسوء الظن والتماس العذر للآخرين. فقد روي عن إمامنا الصادق (عليه السلام) أنه قال: [إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه] وسنصل إلى الفلاح وسيطهر القلب فيَصبح المَسُ المعنوي الوارد في القرآن الكريم ممكناً ومتحققاً: ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (4). إن ذلك كله يستوجب أن تكون مع الإمام (عجل الله فرجه) حين ظهوره إن كُنت حياً، وتَشملك الرجعة وتلتحق بركبهِ إن كنتَ ميتاً كما وردَ في الروايات الشريفة عن آل بيت المصطفى الأطهار (سلام الله عليهم). وكما نرى أن إخلاص أصحاب الكهف في عصرهم استوجب أن تشملهم الرجعة وأن يقوموا مع قائمنا المنتظر (سهل الله مخرجه)، وكذلك الناصر لإمام زمانه سلمان المحمدي (سلام الله عليه) وأمثالهم. فقد ورد ان الرسول (صلى الله عليه وآله) يقول لسلمان المحمّدي في حقِّ القائم عليه السلام: «يا سلمان، إنَّك مدرِكه ومن كان مثلك ومن تولّاه بحقيقة الإيمان» . (5) _________________________________ (1) سورة البقرة ، أيه 30 (2) سورة التوبة ، أيه 33 (3) وسائل الشيعة ، ج4 ، ص 1150 (4) سورة الواقعة ، ص 79 (5) دلائل الإمامة ، ص 447

اخرى
منذ 6 سنوات
2715

للغزو عنوان آخر

يغزو شبابنا في هذه الأيام فكر ماكر وخفي يستهدفهم خاصة، والجيل الجديد بشكل عام. ألا وهو «الاستهزاء بالعادات والتقاليد». كثر في الآونة الاخيرة انتشار الانتقاد والتقليل من شأن العادات والتقاليد العرفية ومحاربتها بالأساليب الملتوية والخادعة. وأتخذ المروج «المهرج» لهذا الفكر الساذج، الغريب منها وغير المنطقي ليطرحه بطريقة النقد الساخر الكوميدي صعوداً إلى الجيد والضروري، ليألف المتلقي وخاصة المراهقين لما ينشر ويذاع بداية ولا يلتفت إلى ما هي الغاية المرجوة فعلاً وحقاً، ويعتاد على قبول ذمها والتنقيص من شأنها. لذا ينبغي مواجهة كل من يحاول المساس بها وصده وكشف نواياه الخبيثة والتنبيه من مخاطره، لئلا يقع أبناؤنا في الفخ تحت أنظارنا ونحن لا نحرك ساكناً. ومما يؤكد ما أقول الانتشار الواسع لهذه الحملة في مدة قصيرة من الزمن والتفنن في العمل الذي يؤديه أصحاب هذا المجال للنيل من شبابنا. لذا وجب على الجميع وبالخصوص "الأهل" توضيح مفهوم التقاليد لأبنائهم ولا يتركون تَعَرفهم عليها للصدفة، لأنهم أمانة في أعناقهم. ونحن بدورنا نبين بعض النقاط المهمة في هذا الموضوع علّنا نستطيع المساعدة. من أهم مقتضيات الالتزام بالتقاليد العرفية هو التالي: 1_لو لم نتبع التقاليد التي تربينا عليها وجب علينا البدء من الصفر وهذا مستحيل(1). 2_أغلب الأحيان تكون العادات والتقاليد مستمدة من الدين(2) والتاريخ والحضارة. 3_ كثير منها تكون نتاج لحكمة الحكماء(3) وحصيلة تجارب العلماء العملية(4) على أرض الواقع. 4_بكل تأكيد يلزم اجتناب «هذا ما وجدنا عليه اباؤنا» والعمل بالأفضل(5). 5_راجع حياة الناجحين من الماضين في مجتمعك والمجتمعات الأُخرى، هل كانت التقاليد حجر عثرة في طريقهم للنجاح؟! ها نحن سنقرأ معاً اخبار الماضين والحاضرين، ونرى أن الناجحين منهم لم يركنوا عاداتهم وتقاليده جنبا، ولم يستهزئوا بها. لكل قوم عاداتهم وتقاليدهم التي ينفردون بها، فهي السمة البارزة التي تميزهم عن غيرهم، باعتبار أنها مجموعة قيم تربوية تتمسك بها المجتمعات اعتزازاً بأصالتها وتأريخها، وكل منهم يراعي هذه الضوابط ويحترم القوانين ويقدس العادات حفاظا منه على نفسه خاصة ومجتمعه بشكل عام. فلماذا نحن الآن لا نحترم هذه العادات والتقاليد. ولم يعد للفرد أي شيء يهذبه ويحكمه سوى القوانين الموضوعة من قبل الدولة(6) التي يعيش فيها، فأغلب الشباب في وقتنا الحالي يعتبرون العادات والتقاليد التي يلتزم بها مجتمعهم هي مجرد قيود تمنع الفرد من فعل ما يشاء ويتمنى، وخرافات زائفة لا نفع منها، والسبب في هذا هو عدم الوعي الكامل لما يحيط به، بني، لا تدع للمغرضين فرصة للنيل منك... ولا تدع هذه الاوهام تسيطر على ذهنك... ولا تجعل كما الآخرين هذه الأمور شماعة لأخطائه، راجع نفسك فكّر تحرّ وابحث... هل لهذه العادة ذنب فيما أنا فيه حقاً؟! هل هذه التقاليد هي قيود موضوعة لتقييدي فعلاً! ولا استطيع بوجودها تحقيق النجاح والوصول إلى ما أبغي الوصول إليه؟! ولا تلم الزمان على شيء لم يفعله ولا ذنب له فيه. اجعل لكل خطوة من خطواتك دراسة مسبقة، ولا بد أن ندرك أنّ كل ما نواجهه من سوء هو من فعل أيدينا ولا ذنب لغيرنا فيه بل نحن السبب فيه. قال الشاعر نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيب سوانا .. ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب .. ولو نطق زماننا هجانا.. ألم يكن الماضون ناجحين في حياتهم والحفاظ على هويتهم؟! لو لم نضيّع تراث آبائنا وأجدادنا واحتفظنا بتلك الكنوز النفيسة لم يكن هذا هو حالنا ولم تسبقنا باقي الأمم. ................................................................................. 1- فمن أراد أن يكون طبيباً اتّبع خطى الأطباء من السالفين، وطور ما يستطيع تطويره ولم يستغن عن خبرات السابقين. وكذا المهندس والمعلم والفلاح وغيرهم، فكل منهم اعتماده مبتدئاً على الذي بني قبله. 2- إكرام الضيف، حسن الجوار، مراعاة واحترام كبار السن، مواساة الآخرين في احزانهم، الحشمة، عدم الخضوع في القول، الحياء، الانصاف...، كل هذه الأمور اوصى بها نبي الرحمة (صلى الله عليه واله ) 3- الصّبر عند الشدائد، التّواضع والنّهي عن التكبّر. 4- « لو اعتبرنا القراءة تقليداً» مثلاً. حسب الدراسات لجامعة ساسكس البريطانية ثبت أن القراءة أفضل وسائل الاسترخاء علمياً. 5-بكل تأكيد توجد عادات وتقاليد خاطئة ولم ينزل الله بها من سلطان. 6-الطبيعي أن الذي يحكم المسلم هو ضميره الحي أولاً والأحكام الإسلامية ثانياً، وقوانين الدول لا تستطيع السيطرة كاملاً فنفعها قليل. ولاية علي حصني

اخرى
منذ 7 سنوات
2215

المظلوميات الإعلامية للإمام الحسن (عليه السلام) 《١》

لا يخفى تأثير الإعلام في مجريات أحداث كل مرحلة تاريخية ودوره الكبير في تثبيت وقائع الأمم وأحداثها وبيان حقائق الأمور عن طريق مفاصل الإعلام وقنواته الموجهة ، فالحياة تمثل جبهة الصراع بين الحق والباطل ولكل جبهة إعلام خاص بها يؤيد ايدولوجياتها وخطواتها وأحيانا يباركها وأحيانا أخرى يقدسها ويصبغها بصبغة شرعية، ومن جهة أخرى يهاجم الأعداء ويطعن بالخصوم ويلصق بهم كثيرا من التهم والافتراءات كنوع من الحرب الباردة بخلط الأوراق على الناس لتزييف الحقائق وإشاعة الأمور والمفاهيم المغلوطة والعمل على انتشارها على نطاق واسع لإضعاف جبهة العدو ، ومنذ القدم فطن البشر إلى أهمية هذا السلاح في تحقيق الأهداف والمصالح المرجوة منه إذا ما استُثمر بشكل صحيح وبالإمكانيات المتاحة وبحسب متطلبات كل عصر . وحينما نتحدث عن عصر الإمام الحسن (عليه السلام) فإن القنوات الإعلامية المضادة لفكر الإمام الحسن (عليه السلام) استخدمت بعض الأساليب المعتمدة في ذلك العصر من إطلاق الشائعات والأراجيف والعمل على نشرها بين أوساط العامة التي كان يغلب عليها طابع الجهل والبساطة ، وكذلك أسلوب وضع الأحاديث لإسباغ الصفة الشرعية عليها ، وانتشرت الأقلام المأجورة في عصر الإمام الحسن (سلام الله عليه) الذي كان الصراع والتناحر فيه على أشده في ظرف سياسي صعب على أمة الإسلام فهي لم تكد تستقر بعد مواجهة الناكثين والقاسطين والمارقين ولما تندمل جراح الأمة بعد، بالإضافة إلى محاولة الحزب الأموي ترسيخ دعائم دولته على خلفية حراك داخلي شرس لأبناء الطلقاء وأتباعهم من خلال حياكة المؤامرات والدسائس التي حاولوا فيها الانتقاص من شخصية الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) فهو القمة السامقة في النسب والأخلاق والورع والتقى وهو روح لا تعرف أن تطأطئ للباطل رأسا وهو سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو سيد شباب أهل الجنة وهو السيد الشريف الذين رام أبناء الطلقاء الانتقاص من عليائه بشتى الوسائل والأساليب الملتوية فشقت عليهم المواجهة لجبنهم وجبلهم على الغدر فاتّبعوا الحيل والمكائد بإطلاق سلاح الشائعات لتأليب الرأي العام ضد الإمام الحسن (عليه السلام) في ظرف تاريخي حرج لتعدد التوجهات والتيارات الدينية والفكرية والعقائدية والسياسية وانعكاساتها على الأمة الإسلامية ككل، فعمدوا إلى تشويه سمعة الإمام لإبعاد قواعده الشعبية الملتفّة حوله في محاولة بائسة منهم لإضعاف خط الإمام وهو خط الإسلام المحمدي الأصيل الذي حرفه بنو أمية وفق أهوائهم ومصالحهم، فاتهموا الإمام الحسن (سلام الله عليه) بالعديد من التهم والافتراءات ووضعوا فيها الأحاديث المكذوبة وغالطوا الحقائق وخلطوا الأوراق على عوام الأمة ليشككوا بالإمام، وسنتطرق تباعا إلى هذه المظلوميات الإعلامية التي تعرض لها إمامنا الحسن بأبي هو وأمي. ومن هذه المظلوميات: اتهام الإمام الحسن بأنه رجل ترف وبذخ، وأنه رجل مزواج مطلاق، ووضعوا في ذلك العديد من الأحاديث المكذوبة ونسجوا فيها القصص والحكايات وأكثروا فيها الحديث عن ولع الإمام بالزواج وعدد زوجاته، وبالغوا فيها إلى حد كبير وغير معقول ، وأول من أطلق هذه التهم هم بنو أمية وأتباعهم من علماء البلاط ووضّاع الحديث، وأكمل عليها العباسيون لمحاربتهم السادة الحسنيين، وبقيت مستمرة حتى يومنا هذا من قبل الفرق المناهضة لفكر أهل البيت وكذلك بعض المستشرقين الحاقدين الذين لا همَّ لهم سوى تشويه صورة الإسلام. واعتمد معظم الرواة والمؤرخين هذه الأحاديث والمرويات الموضوعة وذكروها في كتبهم دونما تحقيق في السند او المتن، إما تساهلا في نقل النصوص الروائية وإما بغضاً ﻷئمة أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) ، ومن هذه الروايات ما نسبوه الى الإمام علي (عليه السلام) قوله:(يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق ، فقال رجل من همدان :والله لنزوجنّه فما رضي أمسك وما كره طلق)(1). وقالوا عنه (عليه السلام) أيضا :(كان حسن رجلاً كثير نكاح النساء وكن قلما يحظين عنده وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت إليه)(2) كما نسبوا إلى جعفر بن محمد _يعنون الإمام الصادق (عليه السلام)_ عن أبيه _يعنون عليا(عليه السلام)_ قال:(كان الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل)(3) وزعموا أيضا (وقد كان علي عليه السلام يضجر من ذلك حياء من أهليهن إذا طلقهن)(4) وذكروا أيضا (وكان الحسن ربما عقد على أربعة وربما طلق أربعا)(5) وقالوا بأن الإمام كان يسرف في مهور هؤلاء النسوة فذكروا هذه الرواية (تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم)(6) وغيرها الكثير من الروايات التي لا تصدق والتي لا يسع المجال لذكرها إلا أنهم لم يكتفوا بهذا القدر من الافتراءات بل زادوا عليها كثيراً واختلفوا حول عدد زوجات الإمام الحسن فانقسموا حسب اطلاعنا إلى ثلاثة آراء : الرأي الأول : إن عدد زوجات الإمام الحسن سبعين امرأة وتبنّى هذا الرأي المدائني والذهبي وابن كثير، ومن هذه الروايات القائلة بهذا الرأي ما (قال المدائني أحصيت زوجات الحسن بن علي فكن سبعين امرأة)(7) ، وأيضاً (يقال أنه أحصن سبعين امرأة)(8) وكذلك (تزوج سبعين امرأة ويطلقهن)(9). الرأي الثاني : فيذهب إلى أنه (عليه السلام) تزوج تسعين امرأة وتبنى هذا الرأي كل من الشبلنجي والسيوطي فذكروا (وأحصن تسعين امرأة)(10). الرأي الثالث : وهو أقرب الى الخيال منه إلى الواقع وانفرد به أبو طالب المكي حيث ذكر (تزوج الحسن بن علي رضي الله عنهما مائتين وخمسين امرأة وقيل ثلاثمائة)(11). وبالطبع فإن جميع هذه الآراء مرفوضة جملة وتفصيلاً، وسنعمد إلى تحليل هذه الروايات لبيان ضعفها وعدم قبولها وإن كان بعض علماء العامة المنصفين قد تكفّل بردّها بشكل مفصل ودقيق قبل علمائنا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام)(12). ففي الرواية التي نسبوها للإمام علي (عليه السلام) أنه يحذر أهل الكوفة وينصحهم بأن لا يزوجوا ابنه الحسن وقد نسبوا سندها للإمام الصادق (سلام الله عليه) فهل يعقل أن الإمام الصادق يروي عن أجداده أحاديث كهذه ؟! وهل من المعقول أن يقوم الوالد وهو خليفة المسلمين بتحذير الناس من تزويج ولده على المنبر وأمام الملأ؟! ولِـمَ لَمْ يحذره دون التشهير به أمام عامة الناس فهل يعقل أنه حذّره وامتنع سيد شباب أهل الجنة عن الامتثال لأمر أبيه مما دفع الإمام أمير المؤمنين بتحذير أهل الكوفة من تزويجه؟! وإن كان التعدّد حلالاً فالإمام علي لا يحرم حلالاً وإن كان حراماً فهل يفعله سيد شباب أهل الجنة ؟! كما أن الروايات المتعرّضة لكثرة زوجات الإمام على اختلافها فسندُها إما ضعيف وإما مجهول الحال، والروايات المتعرضة لعدد زوجات الإمام فرواها المؤرخون عن المدائني والشبلنجي وابي طالب المكي ، أما المدائني صاحب المصنفات الكثيرة التي كان يحصي فيها العديد من الموضوعات المتفرقة كمن هجاها زوجها أو من تشبه بالرجال من النساء، وهكذا ذكر ما لا يزيد عن اثتي عشرة زوجة للإمام الحسن فلماذا لم يحصِ عدد زوجات الامام السبعين حسب زعمه ؟! ولكن الأمر واضح جلي فالمدائني معروف عنه بأنه أموي النزعة وأنه تفرّد بنقل هذه الروايات مرسلة فتعتبر مرفوضة لجهالة الراوي(13) وكلمة (يقال أو قال قوم) ليست بحجة في نقل المرويات وهي لوحدها كافية برد هذه الروايات من ناحية السند فضلا عن المتن ، كما إن علماء العامة وإن احترموا النتاج العلمي للمدائني وكثرة مصنفاته إلا أنهم ضعّفوه في الرواية ولم يعولوا على حديثه، فقد قال عنه الذهبي (امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه)(14) وضعفه أيضاً ابن عدي بقوله (ليس بالقوي الحديث وهو صاحب الأخبار قل ما له من الروايات المسندة)(15) وأما رواية الشبلنجي فأيضاً ذكرها مرسلة دونما إسناد، فهي محكومة بالضعف أيضاً ، وأما روايات أبي طالب المكي فلا يعوّل عليها مطلقاً، لأنها مرسلة بدون إسناد فحكمها الضعف كما كتابه كله، فقالوا فيه (وقد صنّف كتاباً أسماه قوت القلوب وذكر فيه أحاديث لا أصل لها)(16) وقال عنه الخطيب البغدادي (صنف كتابا سماه قوت القلوب على لسان الصوفية ذكر فيه أشياء منكرة مستشنعة)(17) كما اشتهر عنه قوله (ليس على المخلوقين أضر من الخالق) فبدعه الناس وهجروه(18). أما فيما يخص عدد زوجات الإمام الحسن (عليه السلام) فجُلُّ ما ذكره التاريخ لا يتجاوز خمس عشرة امرأة فأين أسماء العشرات من زوجاته كما يزعمون ولماذا هن مجهولات الحال؟! وهذه إحصائية حسب اطلاعي لأسماء زوجات الإمام الحسن اللواتي ذكرتهن المصادر التاريخية على اختلاف مشاربها 1- خولة الفزارية 2- عائشة الخثعمية 3- جعدة بنت الأشعث 4- أم إسحاق بنت طلحة بنت عبد الله التميمي (وقيل التيمي) 5- أم بشير بنت أبي مسعود الانصاري 6-حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (وقيل اسمها هند) 7- أم عبد الله وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي 8-هند بنت سهيل بن عمرو 9-عائشة الشيبانية من آل همام بن مرة 10-أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب 11-امرأة من بني عمرو بن أهيم (أهتم) المنقري 12-امرأة من بنات علقمة بن زرارة 13-امرأة من ثقيف 14-أم القاسم وهي أم ولد وقيل اسمها نفيلة أو رملة وكما نرى لا يتجاوزن الخمس عشرة امرأة فأين قولهم بأنه مزواج؟ وإن كان قد تزوج هذا العدد الهائل من النسوة ألم يشهد أحد على زواجه وطلاقه منهن ؟! فلماذا لم يذكر الشهود ذلك أو ذكروهم في سند الروايات التي رأينا أن أغلبها مرسلة وضعيفة وإن كان لها سند فإسنادها ضعيف بتضعيف رواتها بلحاظ ما سبق . بالإضافة إلى الروايات الضعيفة مَتْناً، والتي لا تصمد أمام النقد لمجرد سماعها فكيف إذا علمنا بأنها مرسلة ضعيفة ومن هذه الروايات (وروي ان الحسن بن علي رضي الله عنه لما وافاه الأجل المحتوم خرجت جمهرة من النسوة حافيات حاسرات خلف جنازته وهن يقلن نحن أزواج الحسن)(19). ثم إن هذا العدد الكبير من زيجات الإمام يستلزم أن يكون له عدد كبير من الذرية بينما نجد في كتب التاريخ والسير أن أكثر عدد بولغ فيه لأولاد الإمام لا يتجاوز العشرين ولداً بين ذكر وأنثى . كما ان أصحاب النوادر كابن حبيب والمحبر الذين كانوا يحصون عدد العميان والخرسان في كتبهم والتي تعتبر كمثل موسوعة للأرقام القياسية لم يذكروا ذلك عن الإمام . ثم إن الإمام الحسن بأبي هو وأمي استشهد بعمر 47 عاما فكيف تحقق له الزواج من هذا العدد المهول من النساء خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الظرف السياسي الذي عاشه الإمام والحروب التي خاضها ومهامه الدينية كإمام مفترض الطاعة. كما أن جُلَّ ما ذكرته الروايات الصحيحة من أسباب موضوعية لطلاق الإمام لزوجاته كانت لثلاث نساء فقط وهن: 1- أم كلثوم بنت الفضل بنت العباس بن عبد المطلب، حيث خان عمها الصلح وكانت تميل إلى عمها فطلقها. 2-عائشة الشيبانية، حيث ظهرت عليها إمارات الخوارج الذين يكفرون الإمام علي (عليه السلام) فطلقها. 3- عائشة الخثعمية وقد تزوجها في حياة أمير المؤمنين ولما قتل (عليه السلام) أظهرت الشماتة بقتل أبيه فطلقها(20) فأين زعمهم بأنه (سلام الله عليه) كان مطلاقا ؟! وعلى صعيد آخر فقد اتخذ أعداء الإسلام من المستشرقين هذه الروايات الضعيفة والموضوعة سببا للطعن في الإسلام وسماحة أحكامه ومن هؤلاء الحاقدين المستشرق الانكليزي هنري لامنس الذي زاد على هذه الروايات السابقة الكثير من البهتان ولفّق الأكاذيب فأحصى للإمام بزعمه مائة زوجة وأن كثرة طلاقه للنساء تسببّت لأبيه في خصومات عنيفة مع القبائل وانه كان يبعثر مال الدولة في خلافة أبيه على زيجاته وخدمهن وحشمهن وهذا مما لم يرد في كتب المسلمين أصلا على اختلاف مذاهبهم، وواضح جدا انها كذب مفترى. وبلحاظ ما تقدم نرى مدى الهجوم الشرس الذي شنه أعداء الإمام وخصومه منذ مئات السنين من الحزب الأموي والعباسي وحتى وقتنا الحاضر بما تفتعله أقلام المستشرقين الحاقدة لنعي جيدا مظلومية الإمام الحسن الذي واجه أكثر من ظلامة وعلى أكثر من صعيد في آن واحد، ورغم هذه المحاولات اليائسة يبقى الإمام الحسن وهجا ساطعا وعلما من أعلام الإسلام ودعائم استمراره بما واجه من تحديات كبرى في عصره بحنكته وعبقريته وحلمه في التصدي لمكائد الأعداء راسماً لنا منهجا متكاملا في الصبر والحلم والتعامل بحكمة في أقسى الظروف الموضوعية بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة لدينا في كل عصر لأداء واجبنا الرسالي. الهوامش 1-تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 تاريخ الاسلام للذهبي ص498 البدء والتاريخ لابن المظهر ج1 ص281 البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 نور الابصار في مناقب ال بيت النبي المختار للشبلنجي ص 247 قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 2-تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 3-المصدر السابق 4-قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 5-المصدر السابق ج2 ص220 6-تاريخ الاسلام للذهبي ص498 البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 7-شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج16 ص22 8- البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 9- تاريخ الاسلام للذهبي ص498 10- تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 نور الابصار في مناقب ال بيت النبي المختار للشبلنجي ص 247 ترجمة الحسن لابن عساكر ص152 11- قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 12-راجع الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعلي محمد الصلابي ص27_34 13-انظر مبادئ الوصوى للعلامة الحلي ص206_207 (ولا تقبل رواية المجهول حاله) وجاء عن الرازي في كتابه المحصول ص405 (الرابع اجماع الصحابة رضي الله عنهم على رد رواية المجهول) وهناك الكثير من اراء علماء المسلمين شيعة وسنة في رد رواية المجهول لا يتسع المجال لذكرها في هذا الهامش 14-ميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص 138 15-الكامل لعبد الله بن عدي ج5 ص 213 16-البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص319 17-تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج3 ص89 18-وفيات الاعيان لابن خلكان ج4 ص303 تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج3 ص89 لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج5 ص300 19-الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعلي محمد الصلابي ص33 20-حياة الامام الحسن دراسة وتحليل لباقر شريف القرشي ج2 ص464_465 21-دائرة المعارف ج7 ص400 عبير المنظور

اخرى
منذ 7 سنوات
12565

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 7 سنوات
83540

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
62385

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 7 سنوات
54319

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 6 سنوات
47692

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
46502

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 7 سنوات
35273