تشغيل الوضع الليلي
حوارٌ مبين في زيارة الأمين (7)
منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 945
بقلم: علوية الحسيني/ ودعاء الربيعي
"ذاكرةً لسوابغ آلائك"
نبين هذا المقطع من خلال أسئلة وأجوبة:
■السؤال الاول: هل الآلاء و النعم هما مفردتان لمصداق واحد أو أنّ أحدهما يتخلف عن الاخر؟
ج/ لاشك أنّ النعم والآلاء تكرّم من الله تعالى على عباده، وأنّ النعم ظاهرة وباطنة؛ بدلالة الآية الكريمة: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة} (1).
ولا فرق كبيراً بين الحمد والشكر، بقرينة كلام له (عليه السلام) في صحيفته السجادية، في دعاءٍ له في حمد الله تعالى، يقول فيه: "وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلاَهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ لَتَصرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ وَتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الانْسَانِيَّةِ إلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّة" (2).
فالحمد يكون لكل النعم ظاهرة وباطنة.
أمّا الذكر فيكون للآلاء الظاهرة فقط؛ وهناك من حلل ذلك فقال: "الشكر لابد أن يشمل كافة النعم التي أغدقها الله تعالى على الإنسان، سواء الظاهرة المعروفة المحسوسة لديه، أم الباطنة الخلفية التي لا يستشعرها بجوارحه، لأنّ الحقيقة هي أن الله تعالى قال: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة} (3).
فالشكر لابد أن يستوعبها جميعًا، لذا قال في الدعاء: واجعل نفسي شاكرةً لفواضل نعمائك، أي أياديكَ الجميلة عليّ بكافة النعم، ومنها النعماء، وهي النعم الباطنة، فجعل الشكر مقابل النعماء، لأنّ من يشكر الخفية فهو للظاهر من النعم أولى بها شكرا.
وجعل الذكر مقابل الآلاء السابغة، لأنها ظاهرة محسوسة، فلابد أن تؤدي رسالة، ورسالتها أن تقوم بتذكير النفس أنها مغمورة بنعم الله تعالى، النعم التي لا تحصى ولا تعد، وعندما تكون النفس ذاكرة باستمرار للنعم الالهية، فإنّها ستسير في خط الاتزان" (4)، وهو تحليل حسن المؤدى، سليم الاتجاه.
■السؤال الثاني: ورد في كتاب الله المبارك في سورة الاعراف قوله تعالى (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فقرن الفلاح بذكر آلاء الله والاقرار بها ، فما السر وراء ذلك الاقتران؟
نعم، عرفنا في اجابة السؤال الأول أنّ الإمام (عليه السلام) جعلَ الذكر لسوابغ الآلاء؛ لأنّها ظاهرة محسوسة، فمن يقرّ ويذعن ويذكّر نفسه بآلاء الله تعالى عليه، ويوقظ نفسه من سبات الغفلة، هو فالحٌ لا محالة.
وحيث إنّ ذكر الآلاء الله تعالى لا يكون إلاّ بالحمد أو بالشكر، وهذان تسبيحان، والتسبيح ثقلٌ في ميزان الحسنات، فيتحقق الفلاح، يقول تعالى: { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (5).
■السؤال الثالث: كيف يمكن لنا أن نكون من الذاكرين لألاء الله تعالى، كمحمدٍ وآل محمد ( عليهم السلام)؟
ج/ حتمًا أنّ الآلاء متعددة ولا تحصى، كما أن النعم متعددة ولا تحصى، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيم} (6).
هنالك آلاء مادية وأخرى معنوية، وهناك آلاء دنيوية وأخرى أخروية، بل هي أعظم حتى من أن تقسّم؛ لئلا نغفل عن قسمٍ منها.
الخلاصة/ أنّ الآلاء لا تحصى، وبالتالي لا بد أن يكون لكلٍّ منها ذكرٌ خاص بها يختلف عن الأخرى، وبما أنّها لاتعد ولا تحصى، فينتفي بيان كيفية الذكر الفردي، ويتعيّن بيان كيفية الشكر الكلّي لجميع الآلاء، وممكن أن يكون كالتالي:
1/ معرفة مصدر الآلاء من عند واهبها الواحد الأحد.
2/ دوام الشكر للواهب جلّ جلاله، شكرًا قوليًّا أو فعليًا، جوارحيًّا أو جوانحيًّا بالقدر الممكن.
3/ تحديث الناس عن الآلاء، إذ ذلك بيانٌ لكرم الكريم المتعال.
4/ استعمال الآلاء فيما يحب الله ويرضى.
■السؤال الرابع: ما هي الآثار الإيجابية على ذكر آلاء الله تعالى؟
ج/ الآثار عديدة، منها:
1/ تعظيم الله تعالى.
2/ بيان مدى افتقار الإنسان إلى خالقه.
3/ عدم تغطرس النفس مهما اغدقت بالنعم.
4/ شياع أدب شكر المنعم.
5/ زيادة الحسنات حال الشكر أو الحمد.
6/ القرب من رضا الرحمن، والابتعاد عن شباك الشيطان.
7/ مباهاة الله تعالى لملائكته بالعبد الذاكر لآلائه.
8/ اطمئنان القلب؛ حيث إن ذكر الآلاء هو ذكر لله تعالى.
9/ استنتاج قاعدة أخلاقية تفيد نفعًا على المجتمع وهي لزوم بيان فضل المنعم، وعدم اجحاد ذلك.
10/ التحفيز على الدعاء بزيادة الآلاء.
__________________
(1) لقمان:20.
(2) الصحيفة السجادية: ص25.
(3) لقمان: 20.
(4) بيضاء من نور: للسيد محمود الموسوي.
(5) المؤمنون: 102.
(6) النحل: 18.
اللّهُمَّ فَأَلْهِمْنا ذِكْرَكَ فِي الْخَلاءِ وَالْمَلاءِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَالاِعْلانِ وَالاِسْرارِ، وَفِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ، وَآنِسْنا بِالذِّكْرِ الْخَفِيِّ.
اخترنا لكم

تعبيد الأسماء لغير الله (تعالى)
نص الشبهة: (أن تعبيد الأسماء لغير الله يُعتبر من الشرك الأصغر، وهو شرك الطّاعة، إذا لم يقصد به معنى العُبودية، فإنْ قصد به معنى العبوديّة والتألُّه صار من الشرك الأكبر، كما عليه عُبّاد القُبور الذين يسمّون أولادهم: (عبد الحسين) أو (عبد الرَّسول) أو غير ذلك، هؤلاء في الغالب يقصدون التألُّه، لا يقصدون مجرّد التّسمية وإنما يقصدون التألُّه بذلك والتعبُّد لهذه الأشياء لأنهم يعبدونها، فهذا يعتبر من الشرك الأكبر)(1). وللرد عليها نقول: إن محبي أهل البيت (عليهم السلام) لا يقصدون من هذه التسمية ما توهّمه النواصب الوهابيون من مفهوم العبودّية لله (تعالى)، بل إنّها تسميات ترمز إلى محبّتهم وولائهم وطاعتهم لأهل البيت (عليهم السلام)، ويمكن إثبات ذلك لغةً وشرعاً من خلال النقاط الآتية: أولاً: المعنى اللغوي للفظ العبودية: لا يقتصر معنى لفظ (العبودية) على خصوص عبودية العبادة والتأليه، بل وتعني أيضاً (الخدمة) كما في (المنجد: مادّة (عبد))، وقد ورد استعمال (العبد) بهذا المعنى (الخادم) في القرآن الكريم كما في قوله (تعالى): "وَأَنكِحُوا الأَيَامَىٰ مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم.. "(2) فهل يُعقَل أن يقصد الله (سبحانه) بلفظة (عبادكم) هنا (الذين يقولون بعبادتكم ويعدّونكم آلهةً لهم) ؟! وقد شاع في لغة العرب إطلاق لفظ (العبد) على (الخادم) كما في قول الشاعر العربي: اني لعبد الضيف ما دام ثاوياً عندي *** ولا شيمة عندي سواها تشبه العبدا إذن فالمراد بهذه الأسماء (عبد النبي، عبد الحسين، عبد العباس وأمثالها) هو (خادم النبي أو خادم الحسين أو خادم العباس) ولا يراد بها عبادتهم أو تأليههم، وعليه فلا مانع عقلاً أو شرعاً أن ينزّل الشيعي نفسه أو ولده منزلة الخادم لرسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأئمّته (عليهم السلام). ثانياً: لفظ العبد من المشتركات اللفظية: المشترك اللفظي: هو اللفظ الواحد الذي يطلق على أكثر من معنى، ويمكن ترجيح المعنى المراد منه من خلال السياق الكلامي أو من خلال قرينة معيِّنة. ولفظ العبد من المشتركات اللفظية. ولمزيد من التوضيح نقول: 1/إن لفظ العبد يقابل في المعنى ألفاظ: (الرب، السيد، المولى). 2/هذه الألفاظ (الرب، السيد، المولى) من الألفاظ المشتركة في المعنى، حيث يراد بالولي أو المولى تارةً (الرب وأخرى الرسول وثالثة الإمام) دون أن يكون بين تلك المعاني أي تضاد أو تنافٍ لأنها ترجع كلها إلى المعنى الأصلي والأولي، وهو ولاية الله (جل وعلا)، إذ إنّ ولايتهم (عليهم السلام) من ولايته (عز وجل)، كما أمر هو (جل جلاله) بها وفرضها على الجميع كما في قوله (تعالى): "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)"(3) كما إن لفظ (السيد) هو الآخر من الألفاظ المشتركة إذ يطلق على (الرب) لأنه (تعالى) سيد السادات، وعلى النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه سيد الأنبياء والمرسلين والخلق أجمعين، وعلى الإمام (عليه السلام) لأنه سيد الوصيين). وأما لفظ (رب) فإن أضيف إلى العالمين أو عُرّف (بالألف واللام) فلا يراد به حينئذٍ إلا الله (تعالى)، وأما إن قُيّد، فإنه يتقيدَ معناه بحسب القيد الذي قُيّد به، فرب الأسرة راعيها ورب البيت راعيه، وقد ورد في القرآن الكريم قوله (تعالى) على لسان نبي الله يوسف الصديق (عليه السلام):" وَقَالَ للَّذي ظَنَّ أَنَّه نَاج مّنهمَا اذكرني عندَ رَبّكَ"(4)، وقد أجمع المفسرون على أن مراد النبي يوسف (عليه السلام) بالرب هنا هو: رب نعمة هذا الشخص الذي سيطلق سراحه وهو الملك. وبما إن لفظ (عبد) يقابل هذه الألفاظ الثلاثة، فلا بد أن يكون مشتركاً هو الآخر بمقتضى المقابلة. ويمكن معرفة دلالته بالنظر في أضداده الواردة في نفس السياقات النصية. فلفظ (العبد) في دعاء ختم القرآن: (فقد يعفو المولى عن عبده وهو غير راض عنه)(5) يختلف حتماً عن معنى اللفظ ذاته في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنما أنا عبد من عبيد محمد(صلى الله عليه وآله)"(6). وعليه يكون معنى العبودية في هذه الاسماء (عبد النبي أو عبد الحسين أو عبد العباس) هي عبودية سيادة وطاعة لا عبودية تأليه وعبادة. ثالثاً: الاستعمال اللفظي للفظ العبد: لو تنزلنا وقلنا: إن لفظ العبد لا يُطلق على أكثر من معنى، ولكن نقول: إنه كسائر الألفاظ في اللغة العربية التي يجوز استعمالها في غير ما وضعت له مجازاً مع وجود قرينة توضح المعنى المراد به، كما في: (رأيت أسداً ينطق بكلمة الحق أمام السلطان الظالم) فليس المقصود منه هو المعنى الحقيقي للفظ الاسد، وهو (الحيوان المفترس)، بل المقصود هو الرجل الشجاع بقرينة نطقه بكلمة الحق أمام السلطان الجائر، وقد اُستعمِل لفظ (الأسد) في حقه للمشابهة بينهما معنىً في (الشجاعة). وهذا الأمر من الواضحات التي لا تقبل التشكيك. وبناءً على ذلك، فقد اُستعمِل لفظ العبد مضافاً إلى النبي الأكرم وآله (عليهم الصلاة والسلام أجمعين) في التسمية مجازاً لوجود المناسبة بين وجوب طاعة الله (تعالى) وطاعة النبي (صلى الله عليهم وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام). رابعاً: المعنى الشرعي للشرك: الشرك هو جعل شريك لله تعال، وقد يكون الشرك بالله (تعالى) في الطاعة أو في العبادة، فأما الشرك في الطاعة فهو كشرك الإنسانِ الشيطانَ في الطاعة، حيث يُطيعه في اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي، وقد ورد هذا النوع من الشرك في القرآن الكريم في قوله (تعالى):" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ"(7) وأما طاعة المسلمين للرسول الأكرم وآله الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فلا يمكن أن تكون شركاً بالله (تعالى) في طاعته مطلقاً؛ لأن طاعتهم فرض واجب على المسلمين كافة من الله (تعالى) كما في قوله (عز وجل):"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ"(8) كما روي عن محمد بن زيد الطبري قال: كنت قائماً على رأس الرضا (عليه السلام) بخراسان وعنده عدة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي، فقال: "يا إسحاق، بلغني أن الناس يقولون: إنا نزعم أن الناس عبيد لنا، لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قلته قط ولا سمعته من آبائي قاله ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله، ولكني أقول: الناس عبيد لنا في الطاعة موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب" (9) فالإمام (عليه السلام) كما هو واضح ينفي عن نفسه مفهوم عبودية العبادة والتأليه ويثبت عبودية الطاعة والولاية التي أمر بها الله (جل جلاله) ــ كما تقدم ــ . ومن هنا فلا صحة لادعاء الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في نص شبهته: (أن تعبيد الأسماء لغير الله يُعتبر من الشرك الأصغر، وهو شرك الطّاعة، إذا لم يقصد به معنى العُبودية)؛ لأن طاعتهم لا تشكل شركاً بالله (تعالى) في الطاعة لوقوعها في طول طاعة الله (تبارك وتعالى) لا في عرضها فضلاً عن إنها واجبة على المسلمين كافة بأمره (جل شأنه). وبالتالي فلا إشكال في التسمية بالأسماء الآنفة الذكر. وأما الشرك في العبادة فهو الشرك المعروف لدى مشركي قريش حيث كانوا يعكفون على الأصنام والأوثان يعبدونها، والشرك في العبادة يقوم على ركنين لابد من توفرهما معاً وهما: الخضوع لشخص ما أو شيء ما وتعظيمه، وأن يكون الخضوع بقصد العبادة وباعتقاد أن المخضوع له إله يستحق العبادة، ولذا فإن قول الشيخ صالح: (فإنْ قصد به معنى العبوديّة والتألُّه صار من الشرك الأكبر) كلامٌ دقيقٌ، إلا إن إيراده الشيعة كمصداق على ذلك بقوله: (كما عليه عُبّاد القُبور الذين يسمّون أولادهم: (عبد الحسين) أو (عبد الرَّسول) أو غير ذلك، هؤلاء في الغالب يقصدون التألُّه، لا يقصدون مجرّد التّسمية وإنما يقصدون التألُّه بذلك والتعبُّد لهذه الأشياء لأنهم يعبدونها) أمر غاية في الافتقار العلمي والابتعاد عن المنطق، ففي دعواه هذه على أي دليل استند؟ وأي برهان اعتمد؟ وهؤلاء الشيعة (حفظهم الله (تعالى) ونصرهم) ينتشرون في مختلف بقاع المعمورة وما منهم أحد من يقول بذلك أو حتى يقصده مجرد قصد. كما يظهر تشويهه للحقائق وتزييفه للوقائع أملاً في إقناع القارئ بيّناً في نعته للشيعة الموحدين بــ(عُباد القبور)، فعلى الرغم من كثرة الردود القوية المدعمة بالأدلة والبراهين الجلية التي كتبتها أيدي العلماء والكُتّاب الشيعية (وفقهم الله (تعالى)) على هذه الشبهة (شبهة القول بشرك الشيعة بالله (تعالى) في العبادة عند زيارتهم للقبور وتعظيمهم للأنبياء والأولياء الراقدين فيها)، إلا إنه مُصر على اتهامهم ظُلماً بهذه التهمة والافتراء عليهم كذباً وزوراً بهذه الفرية. فالعبادة لا يمكن أن تتحقق بمجرد الخضوع والتعظيم، بل لابد أن تقترن بقصد عبادة المخضوع له وتأليهه والاعتقاد بكونه خالقاً يستحق العبادة ــ كما تقدم ــ وقد عرفنا أن هذا كله لا يتوفر في زيارة القبور وتعظيم أصحابها فضلاً عن مجرد تنصيب المحب نفسه أو ابنه عبداً لهم في التسمية. خامساً: تقرير الإمام علي (عليه السلام) فقد روى أحمد في مسنده:5 /419: (حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حنش بن الحرث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحرث قال جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله (صلى الله عليه [وآله]) يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فإن هذا مولاه. قال رياح فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري). فقد سمع منهم (عليه السلام) قولهم بأنهم موالوه (أي عبيده) ولم ينههَم عن ذلك، مما يدل على جواز التسمية بـالأسماء الآنفة الذكر ولا إشكال فيها. ــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ج3 ص361 (2) النور:35 (3) المائدة 55 (4) يوسف:42 (5) إقبال الأعمال ص27 (6) الكافي ج1 ص89 (7) التوبة 31 (8) النساء 59 (9) الكافي ج1 ص187 رضا الله غايتي
اخرى
المظلوميات الإعلامية للإمام الحسن (عليه السلام) 《١》
لا يخفى تأثير الإعلام في مجريات أحداث كل مرحلة تاريخية ودوره الكبير في تثبيت وقائع الأمم وأحداثها وبيان حقائق الأمور عن طريق مفاصل الإعلام وقنواته الموجهة ، فالحياة تمثل جبهة الصراع بين الحق والباطل ولكل جبهة إعلام خاص بها يؤيد ايدولوجياتها وخطواتها وأحيانا يباركها وأحيانا أخرى يقدسها ويصبغها بصبغة شرعية، ومن جهة أخرى يهاجم الأعداء ويطعن بالخصوم ويلصق بهم كثيرا من التهم والافتراءات كنوع من الحرب الباردة بخلط الأوراق على الناس لتزييف الحقائق وإشاعة الأمور والمفاهيم المغلوطة والعمل على انتشارها على نطاق واسع لإضعاف جبهة العدو ، ومنذ القدم فطن البشر إلى أهمية هذا السلاح في تحقيق الأهداف والمصالح المرجوة منه إذا ما استُثمر بشكل صحيح وبالإمكانيات المتاحة وبحسب متطلبات كل عصر . وحينما نتحدث عن عصر الإمام الحسن (عليه السلام) فإن القنوات الإعلامية المضادة لفكر الإمام الحسن (عليه السلام) استخدمت بعض الأساليب المعتمدة في ذلك العصر من إطلاق الشائعات والأراجيف والعمل على نشرها بين أوساط العامة التي كان يغلب عليها طابع الجهل والبساطة ، وكذلك أسلوب وضع الأحاديث لإسباغ الصفة الشرعية عليها ، وانتشرت الأقلام المأجورة في عصر الإمام الحسن (سلام الله عليه) الذي كان الصراع والتناحر فيه على أشده في ظرف سياسي صعب على أمة الإسلام فهي لم تكد تستقر بعد مواجهة الناكثين والقاسطين والمارقين ولما تندمل جراح الأمة بعد، بالإضافة إلى محاولة الحزب الأموي ترسيخ دعائم دولته على خلفية حراك داخلي شرس لأبناء الطلقاء وأتباعهم من خلال حياكة المؤامرات والدسائس التي حاولوا فيها الانتقاص من شخصية الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) فهو القمة السامقة في النسب والأخلاق والورع والتقى وهو روح لا تعرف أن تطأطئ للباطل رأسا وهو سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو سيد شباب أهل الجنة وهو السيد الشريف الذين رام أبناء الطلقاء الانتقاص من عليائه بشتى الوسائل والأساليب الملتوية فشقت عليهم المواجهة لجبنهم وجبلهم على الغدر فاتّبعوا الحيل والمكائد بإطلاق سلاح الشائعات لتأليب الرأي العام ضد الإمام الحسن (عليه السلام) في ظرف تاريخي حرج لتعدد التوجهات والتيارات الدينية والفكرية والعقائدية والسياسية وانعكاساتها على الأمة الإسلامية ككل، فعمدوا إلى تشويه سمعة الإمام لإبعاد قواعده الشعبية الملتفّة حوله في محاولة بائسة منهم لإضعاف خط الإمام وهو خط الإسلام المحمدي الأصيل الذي حرفه بنو أمية وفق أهوائهم ومصالحهم، فاتهموا الإمام الحسن (سلام الله عليه) بالعديد من التهم والافتراءات ووضعوا فيها الأحاديث المكذوبة وغالطوا الحقائق وخلطوا الأوراق على عوام الأمة ليشككوا بالإمام، وسنتطرق تباعا إلى هذه المظلوميات الإعلامية التي تعرض لها إمامنا الحسن بأبي هو وأمي. ومن هذه المظلوميات: اتهام الإمام الحسن بأنه رجل ترف وبذخ، وأنه رجل مزواج مطلاق، ووضعوا في ذلك العديد من الأحاديث المكذوبة ونسجوا فيها القصص والحكايات وأكثروا فيها الحديث عن ولع الإمام بالزواج وعدد زوجاته، وبالغوا فيها إلى حد كبير وغير معقول ، وأول من أطلق هذه التهم هم بنو أمية وأتباعهم من علماء البلاط ووضّاع الحديث، وأكمل عليها العباسيون لمحاربتهم السادة الحسنيين، وبقيت مستمرة حتى يومنا هذا من قبل الفرق المناهضة لفكر أهل البيت وكذلك بعض المستشرقين الحاقدين الذين لا همَّ لهم سوى تشويه صورة الإسلام. واعتمد معظم الرواة والمؤرخين هذه الأحاديث والمرويات الموضوعة وذكروها في كتبهم دونما تحقيق في السند او المتن، إما تساهلا في نقل النصوص الروائية وإما بغضاً ﻷئمة أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) ، ومن هذه الروايات ما نسبوه الى الإمام علي (عليه السلام) قوله:(يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق ، فقال رجل من همدان :والله لنزوجنّه فما رضي أمسك وما كره طلق)(1). وقالوا عنه (عليه السلام) أيضا :(كان حسن رجلاً كثير نكاح النساء وكن قلما يحظين عنده وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت إليه)(2) كما نسبوا إلى جعفر بن محمد _يعنون الإمام الصادق (عليه السلام)_ عن أبيه _يعنون عليا(عليه السلام)_ قال:(كان الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل)(3) وزعموا أيضا (وقد كان علي عليه السلام يضجر من ذلك حياء من أهليهن إذا طلقهن)(4) وذكروا أيضا (وكان الحسن ربما عقد على أربعة وربما طلق أربعا)(5) وقالوا بأن الإمام كان يسرف في مهور هؤلاء النسوة فذكروا هذه الرواية (تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم)(6) وغيرها الكثير من الروايات التي لا تصدق والتي لا يسع المجال لذكرها إلا أنهم لم يكتفوا بهذا القدر من الافتراءات بل زادوا عليها كثيراً واختلفوا حول عدد زوجات الإمام الحسن فانقسموا حسب اطلاعنا إلى ثلاثة آراء : الرأي الأول : إن عدد زوجات الإمام الحسن سبعين امرأة وتبنّى هذا الرأي المدائني والذهبي وابن كثير، ومن هذه الروايات القائلة بهذا الرأي ما (قال المدائني أحصيت زوجات الحسن بن علي فكن سبعين امرأة)(7) ، وأيضاً (يقال أنه أحصن سبعين امرأة)(8) وكذلك (تزوج سبعين امرأة ويطلقهن)(9). الرأي الثاني : فيذهب إلى أنه (عليه السلام) تزوج تسعين امرأة وتبنى هذا الرأي كل من الشبلنجي والسيوطي فذكروا (وأحصن تسعين امرأة)(10). الرأي الثالث : وهو أقرب الى الخيال منه إلى الواقع وانفرد به أبو طالب المكي حيث ذكر (تزوج الحسن بن علي رضي الله عنهما مائتين وخمسين امرأة وقيل ثلاثمائة)(11). وبالطبع فإن جميع هذه الآراء مرفوضة جملة وتفصيلاً، وسنعمد إلى تحليل هذه الروايات لبيان ضعفها وعدم قبولها وإن كان بعض علماء العامة المنصفين قد تكفّل بردّها بشكل مفصل ودقيق قبل علمائنا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام)(12). ففي الرواية التي نسبوها للإمام علي (عليه السلام) أنه يحذر أهل الكوفة وينصحهم بأن لا يزوجوا ابنه الحسن وقد نسبوا سندها للإمام الصادق (سلام الله عليه) فهل يعقل أن الإمام الصادق يروي عن أجداده أحاديث كهذه ؟! وهل من المعقول أن يقوم الوالد وهو خليفة المسلمين بتحذير الناس من تزويج ولده على المنبر وأمام الملأ؟! ولِـمَ لَمْ يحذره دون التشهير به أمام عامة الناس فهل يعقل أنه حذّره وامتنع سيد شباب أهل الجنة عن الامتثال لأمر أبيه مما دفع الإمام أمير المؤمنين بتحذير أهل الكوفة من تزويجه؟! وإن كان التعدّد حلالاً فالإمام علي لا يحرم حلالاً وإن كان حراماً فهل يفعله سيد شباب أهل الجنة ؟! كما أن الروايات المتعرّضة لكثرة زوجات الإمام على اختلافها فسندُها إما ضعيف وإما مجهول الحال، والروايات المتعرضة لعدد زوجات الإمام فرواها المؤرخون عن المدائني والشبلنجي وابي طالب المكي ، أما المدائني صاحب المصنفات الكثيرة التي كان يحصي فيها العديد من الموضوعات المتفرقة كمن هجاها زوجها أو من تشبه بالرجال من النساء، وهكذا ذكر ما لا يزيد عن اثتي عشرة زوجة للإمام الحسن فلماذا لم يحصِ عدد زوجات الامام السبعين حسب زعمه ؟! ولكن الأمر واضح جلي فالمدائني معروف عنه بأنه أموي النزعة وأنه تفرّد بنقل هذه الروايات مرسلة فتعتبر مرفوضة لجهالة الراوي(13) وكلمة (يقال أو قال قوم) ليست بحجة في نقل المرويات وهي لوحدها كافية برد هذه الروايات من ناحية السند فضلا عن المتن ، كما إن علماء العامة وإن احترموا النتاج العلمي للمدائني وكثرة مصنفاته إلا أنهم ضعّفوه في الرواية ولم يعولوا على حديثه، فقد قال عنه الذهبي (امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه)(14) وضعفه أيضاً ابن عدي بقوله (ليس بالقوي الحديث وهو صاحب الأخبار قل ما له من الروايات المسندة)(15) وأما رواية الشبلنجي فأيضاً ذكرها مرسلة دونما إسناد، فهي محكومة بالضعف أيضاً ، وأما روايات أبي طالب المكي فلا يعوّل عليها مطلقاً، لأنها مرسلة بدون إسناد فحكمها الضعف كما كتابه كله، فقالوا فيه (وقد صنّف كتاباً أسماه قوت القلوب وذكر فيه أحاديث لا أصل لها)(16) وقال عنه الخطيب البغدادي (صنف كتابا سماه قوت القلوب على لسان الصوفية ذكر فيه أشياء منكرة مستشنعة)(17) كما اشتهر عنه قوله (ليس على المخلوقين أضر من الخالق) فبدعه الناس وهجروه(18). أما فيما يخص عدد زوجات الإمام الحسن (عليه السلام) فجُلُّ ما ذكره التاريخ لا يتجاوز خمس عشرة امرأة فأين أسماء العشرات من زوجاته كما يزعمون ولماذا هن مجهولات الحال؟! وهذه إحصائية حسب اطلاعي لأسماء زوجات الإمام الحسن اللواتي ذكرتهن المصادر التاريخية على اختلاف مشاربها 1- خولة الفزارية 2- عائشة الخثعمية 3- جعدة بنت الأشعث 4- أم إسحاق بنت طلحة بنت عبد الله التميمي (وقيل التيمي) 5- أم بشير بنت أبي مسعود الانصاري 6-حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (وقيل اسمها هند) 7- أم عبد الله وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي 8-هند بنت سهيل بن عمرو 9-عائشة الشيبانية من آل همام بن مرة 10-أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب 11-امرأة من بني عمرو بن أهيم (أهتم) المنقري 12-امرأة من بنات علقمة بن زرارة 13-امرأة من ثقيف 14-أم القاسم وهي أم ولد وقيل اسمها نفيلة أو رملة وكما نرى لا يتجاوزن الخمس عشرة امرأة فأين قولهم بأنه مزواج؟ وإن كان قد تزوج هذا العدد الهائل من النسوة ألم يشهد أحد على زواجه وطلاقه منهن ؟! فلماذا لم يذكر الشهود ذلك أو ذكروهم في سند الروايات التي رأينا أن أغلبها مرسلة وضعيفة وإن كان لها سند فإسنادها ضعيف بتضعيف رواتها بلحاظ ما سبق . بالإضافة إلى الروايات الضعيفة مَتْناً، والتي لا تصمد أمام النقد لمجرد سماعها فكيف إذا علمنا بأنها مرسلة ضعيفة ومن هذه الروايات (وروي ان الحسن بن علي رضي الله عنه لما وافاه الأجل المحتوم خرجت جمهرة من النسوة حافيات حاسرات خلف جنازته وهن يقلن نحن أزواج الحسن)(19). ثم إن هذا العدد الكبير من زيجات الإمام يستلزم أن يكون له عدد كبير من الذرية بينما نجد في كتب التاريخ والسير أن أكثر عدد بولغ فيه لأولاد الإمام لا يتجاوز العشرين ولداً بين ذكر وأنثى . كما ان أصحاب النوادر كابن حبيب والمحبر الذين كانوا يحصون عدد العميان والخرسان في كتبهم والتي تعتبر كمثل موسوعة للأرقام القياسية لم يذكروا ذلك عن الإمام . ثم إن الإمام الحسن بأبي هو وأمي استشهد بعمر 47 عاما فكيف تحقق له الزواج من هذا العدد المهول من النساء خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الظرف السياسي الذي عاشه الإمام والحروب التي خاضها ومهامه الدينية كإمام مفترض الطاعة. كما أن جُلَّ ما ذكرته الروايات الصحيحة من أسباب موضوعية لطلاق الإمام لزوجاته كانت لثلاث نساء فقط وهن: 1- أم كلثوم بنت الفضل بنت العباس بن عبد المطلب، حيث خان عمها الصلح وكانت تميل إلى عمها فطلقها. 2-عائشة الشيبانية، حيث ظهرت عليها إمارات الخوارج الذين يكفرون الإمام علي (عليه السلام) فطلقها. 3- عائشة الخثعمية وقد تزوجها في حياة أمير المؤمنين ولما قتل (عليه السلام) أظهرت الشماتة بقتل أبيه فطلقها(20) فأين زعمهم بأنه (سلام الله عليه) كان مطلاقا ؟! وعلى صعيد آخر فقد اتخذ أعداء الإسلام من المستشرقين هذه الروايات الضعيفة والموضوعة سببا للطعن في الإسلام وسماحة أحكامه ومن هؤلاء الحاقدين المستشرق الانكليزي هنري لامنس الذي زاد على هذه الروايات السابقة الكثير من البهتان ولفّق الأكاذيب فأحصى للإمام بزعمه مائة زوجة وأن كثرة طلاقه للنساء تسببّت لأبيه في خصومات عنيفة مع القبائل وانه كان يبعثر مال الدولة في خلافة أبيه على زيجاته وخدمهن وحشمهن وهذا مما لم يرد في كتب المسلمين أصلا على اختلاف مذاهبهم، وواضح جدا انها كذب مفترى. وبلحاظ ما تقدم نرى مدى الهجوم الشرس الذي شنه أعداء الإمام وخصومه منذ مئات السنين من الحزب الأموي والعباسي وحتى وقتنا الحاضر بما تفتعله أقلام المستشرقين الحاقدة لنعي جيدا مظلومية الإمام الحسن الذي واجه أكثر من ظلامة وعلى أكثر من صعيد في آن واحد، ورغم هذه المحاولات اليائسة يبقى الإمام الحسن وهجا ساطعا وعلما من أعلام الإسلام ودعائم استمراره بما واجه من تحديات كبرى في عصره بحنكته وعبقريته وحلمه في التصدي لمكائد الأعداء راسماً لنا منهجا متكاملا في الصبر والحلم والتعامل بحكمة في أقسى الظروف الموضوعية بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة لدينا في كل عصر لأداء واجبنا الرسالي. الهوامش 1-تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 تاريخ الاسلام للذهبي ص498 البدء والتاريخ لابن المظهر ج1 ص281 البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 نور الابصار في مناقب ال بيت النبي المختار للشبلنجي ص 247 قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 2-تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 3-المصدر السابق 4-قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 5-المصدر السابق ج2 ص220 6-تاريخ الاسلام للذهبي ص498 البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 7-شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج16 ص22 8- البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص38 9- تاريخ الاسلام للذهبي ص498 10- تاريخ الخلفاء للسيوطي ج1 ص77 نور الابصار في مناقب ال بيت النبي المختار للشبلنجي ص 247 ترجمة الحسن لابن عساكر ص152 11- قوت القلوب لابي طالب المكي ج2 ص219 12-راجع الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعلي محمد الصلابي ص27_34 13-انظر مبادئ الوصوى للعلامة الحلي ص206_207 (ولا تقبل رواية المجهول حاله) وجاء عن الرازي في كتابه المحصول ص405 (الرابع اجماع الصحابة رضي الله عنهم على رد رواية المجهول) وهناك الكثير من اراء علماء المسلمين شيعة وسنة في رد رواية المجهول لا يتسع المجال لذكرها في هذا الهامش 14-ميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص 138 15-الكامل لعبد الله بن عدي ج5 ص 213 16-البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص319 17-تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج3 ص89 18-وفيات الاعيان لابن خلكان ج4 ص303 تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج3 ص89 لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج5 ص300 19-الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعلي محمد الصلابي ص33 20-حياة الامام الحسن دراسة وتحليل لباقر شريف القرشي ج2 ص464_465 21-دائرة المعارف ج7 ص400 عبير المنظور
اخرى
المطالبة بفدك
الشبهـــة : المطالبة بالحق وإن كان لا إشكال فيه إلا إن مطالبة السيدة الزهراء (عليها السلام) بفدك والإصرار على تحصيلها ممن نزعها منها لا يتناسب وزهدها (صلوات الله عليها) بالدنيا وعدم اعتدادها بنعيمها ولذاتها؟؟ الرد : للرد على ما تقدم نقول : لا منافاة بين مطالبتها (عليها السلام) بفدك وبين زهدها بالدنيا وزخارفها وذلك للأسباب التالية : أولاً : فدك لم تكن حقاً مخصوصاً للسيدة الزهراء (عليها السلام) فقط، بل كان لأولادها الكرام (عليهم السلام) الحق فيها أيضاً، ولذا لم تتساهل في المطالبة فيها لئلا تتسبب في تضييع حقوق الأئمة الكرام (عليهم أفضل الصلاة والسلام) . ثانياً : استولت الحكومة الغاصبة آنذاك على جميع الحقوق السياسية والاقتصادية لبني هاشم، وجردوهم من جميع امتيازاتهم وحقوقهم المادية والمعنوية، إذ لم يصادروا فدكاً وحسب بل والميراث والخمس ـ أي سهم ذوي القربى ـ واعتبروهم كسائر الناس. ومن البديهي أن لا يتمكن بنو هاشم وفي مقدمتهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من المطالبة بحقوقهم التي غُصبت لاسيما في تلك الظروف، ومن هنا تصدت السيدة الزهراء بنفسها للمطالبة بتلك الحقوق المسلوبة يسندها في ذلك ما تتمتع به من فضل وشرف وقرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهة، واستناداً إلى أنوثتها وذلك لأن النساء يتمتعن بحرية أكبر من الرجال في مثل هذه المواقف من جهة أخرى.. ثالثاً: أرادت السيدة الزهراء (عليها السلام) أن تكشف الحقيقة البائسة لمن غصب الخلافة وأن تظهر معدنهم الخبيث للناس أجمع ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي على بينة، وأقصر طريق لذلك مطالبتها بفدك، وإلا فهي أجل قدراً وأعلى شأناً من أن تحرص على الدنيا، لا سيما وأنها تعلم بقرب وفاتها.. رابعاً ـ كانت مطالبتها (عليها السلام) بفدك فرصة سانحة للإدلاء برأيها حول الحكومة القائمة، والتصريح به أمام الجماهير ، فقد حضرت دار الحكومة في المسجد النبوي (صلى الله عليه وآله)، وألقت بتصريحاتها الواضحة أمام الجميع وفضحت تلك الحكومة الغاصبة في مركزها وعرّتها من أي شرعية ، مبينة أحقية الامام علي في قيادة الأمة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، حيث قالت في خطبتها: " أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ " (1) وقولها: " وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض "(2).... خامساً : كانت مطالبتها (عليها السلام) بفدك مقدمة للمطالبة بحق الخلافة لزوجها (عليه السلام) ، يشهد على ذلك ما ضمنت خطبتها (عليها السلام) من إشادة ببعلها وتذكير بمواقفه البطولية الفريدة، حيث قالت : " فأنقذكم الله بأبي محمد بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه (أي علياً) في لهواتها، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيد أولياء الله، مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عن النزال، وتفرون من القتال "(3). ولذا أضحت فدك ليست مجرد قرية بل أمست عنواناً للخلافة وللرقعة الاسلامية بأكملها .. وقد أكد هذا المعنى الإمام الكاظم (عليه السلام) عندما حدها لهارون العباسي بعد أن ألحّ عليه أن يأخذ فدكاً، فقال له الإمام: " ما آخذها إلا بحدودها. قال هارون وما حدودها؟ قال: الحد الأول عدن، والحد الثاني سمرقند، والحد الثالث أفريقية، والحد الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية! فقال له هارون: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسي "(4)! أي إنك طالبت بالرقعة الإسلامية بأكملها ولم تبقِ منها شيئاً . فقال الإمام: قد أعلمتك أني إن حدّدتها لم تردها. إذن فمطالبتها بفدك كانت في جوهرها مطالبة بإرجاع الخلافة لأصحابها الشرعيين وهم أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة البررة ، وبالتالي فهي مطالبة بحفظ الشريعة السمحاء وصون رسالة السماء والنأي بها عن أن تطالها يد التحريف والتزوير.. ولأن هدفها (سلام الله عليها ) عظيمٌ، فقد أبت إلا أن تنقش على الحجر، مطالبتها بتحقيقه لئلا تُموه حقيقته أو يُعفَى أثره ، ولذا فهي لم تتوجه الى دار أبي بكر، بل اختارت التوجه نحو مسجد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو المركز الإسلامي يومئذ ومجمع المسلمين كافة. كما اختارت بدقة الزمان المناسب بحيث يكون المسجد غاصاً بالناس على اختلاف طبقاتهم من المهاجرين والأنصار. كما إنها اختارت أن تخرج في جماعة من النساء لتثبت أنها في تظاهرة حقيقية للمطالبة بالحقوق المسلوبة. أضف الى ذلك اختيارها موضع من المسجد لتجلس فيه ، فضرب بينهم وبينها سترٌ، إذ هي فخر المخدرات، وسيدة المحجبات ، عندئذ ألقت خطبتها الارتجالية الاحتجاجية التي ظلّت على مر العصور والأزمان وثيقة إدانة بحق الظالمين ودليل نفاقهم، ومرجعاً يرجع اليه الحائرون لمعرفة الحق وأهله من الباطل وأهله.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الانوار ج29 ص227 (2) المصدر السابق ص229 (3) المصدر نفسه ص237 (4) أعيان الشيعة ،ج4 ، ص47 رضا الله غايتي
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى