تشغيل الوضع الليلي

زينب (عليها السلام) آيات للعابرين

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 3445

بقلم: منتهى محسن
لم تكن كبيرة لتتحمل ألم الفراق، ولم تكن ناضجة لترتق شق الفقدان، فما زالت غضة تسبقها دموعها كلما اشتاقت لأمها، وهالة الفقد ترتسم على سيماء وجهها الطفولي الجميل، جُل ما كانت تستطيع فعله أن تجلس بحجر أبيها، تتلمس بقايا لمسات أمها البتول، او تتصفح وجهي أخويها لعلها تروي ضمأها الشديد نحو تلك الطلة النورانية الراحلة .
_ اشتقت لعطرك الملكوتي أمي، ودفء حجرك، وتناسيم صوتك في الدعاء، وهمهمتك وتهجدك في الصلاة، وأنفاسك الزكية العبقة بعطر الجنان.
_ أماه.. هل تسمعينني، أنا بنيتك "زينب"، أطارح الليل الطويل ودموعي تملأ وسادتي حنينًا اليك .
_ بالله عليك، هلا أخبرتني من سرقك مني؟ ومن أوجعني على صغري بحرماني وفقدي إياك ؟!
هكذا غُيبت شمس النهار واستحال الكون ظلامًا في حياة تلك الطفلة الصغيرة التي أذاقتها الدنيا طعم المر على نعومة أظفارها، ولم تكن تلك المأساة أول الصدمات وآخرها، فلطالما توجع قلبها مرارا وتكرارا .
_ أبتاه يا سندي، كلما اشتقت لوجه أمي النوراني حدّقت بوجهك فيصلني قبس نورك، فمالي أراك تنعى نفسك في هذه الليلة؟ وتجيبني : "يا بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل".. فهل ينفع البكاء والعويل ؟!
_ أبتاه .. حتى الإوزة أبت رحيلك فخرجت وراءك تستبقيك، ورفرفت بجناحيها تناديك، وصاحت بوجهك تثنيك!
_ حتى الباب شد وثاقك وهاله خروجك الأخير، فأَمسك بمئزرك لا يود فراقك، كأنه هو الآخر يحاول ثنيك عن الخروج هذه الساعة ويخشى ابتعادك، ورحت ترفعه وتشده من جديد وأنت تردد :
أشـدد حيازيمك للموت *** فإن المـوت لا قيكـا
ولا تجـزع من الموت *** إذا حــل بنـاديكـا
كما أضحكـك الـدهر *** كذاك الدهـر يبكيكـا
_ أبتاه ..لما فقدتُ أمي البتول، كنتَ أنت عكازي الذي اتكأ عليه، ومرفأي الذي ألوذ اليه، والظل الذي احتمي فيه، فمن لي بعد انطفاء نورك ورحيلك؟
لقد آن لذلك القلب أن يتجرع الحزن مرات طوالًا، وأن تنهال عليه الهموم باستمرار ، ليتجلد ويتقوى ويتهيأ لفاجعة مهولة قادمة بمشيئة الله، وبصدور حرى، وقلوب عبرى، جرى القدر وفاضت روح الأب المغوار، وصار الفقد عظيمًا والمصاب جسيمًا، والحزن عميقًا، فلم يبق قربها الا أخواها الحسنان (عليهما السلام) يؤنسانها ويكفكفان دموعها ويخففان عنها ألم الحرمان .
_ أخي حسن، يا أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله ) خلقاً وخُلقاً وهدياً وسؤدداً، هل ستغادرني أنت أيضًا وتتركني أقاسي فراقك الموجع؟، يا لِلوعة قلبي المنفطر وقد تقطع كبدك اثر ذلك السم اللعين، ويا لحنانك الأخّاذ وأنت تأمر بإخفاء الطشت الذي تلفظت به كبدك رحمة بي وإشفاقا! واغربتي بعدك يا ابن الأكرمين ؟!
وتستمر المواجع تنهال على ذلك القلب الصبور، وكل محنة تهدّ الجبال الراسيات، وتظل تلك الروح تتجرع الآهات والصدمات كل حين، والضربات تتوالى دون توقف أو نفاد.
ومضت السنين تخطف الأحباب واحدًا تلوى الأخر، تاركة الندبات في شغاف القلوب الذابلات، لترتمي زهرة الحياة مياسة تتدلى ذابلة بعد ان أدمتها النوائب والفاجعات ، وأشدها وقعًا ومصابًا فاجعة كربلاء.
فلقد ذوى قمر بني هاشم على رمضاء كربلاء بعدما استبسل لجلب الماء لعيال الحسين، وقد قطع الأوغاد كلتا يديه بكل لؤم وخبث، فلما سقط صريعا انهارت اخر محطات الوفاء والإخلاص.
_ الآن انكسر ظهري وشمت عدوي وقلة حيلتي .
_ « وأخاه ، وا عباساه ، وا ضيعتنا بعدك »
تشظى صراخ العقيلة في صحراء كربلاء، وقد رمتها الدنيا بسهم الغدر من جديد، وهذه المرة بأخيها قمر بني هاشم، فتلظت تحترق على جمر الصبر والاحتساب .
ولم يبق لها في الوجود الا ذلك المصدر الوهاج، عشقها الوحيد وملاذها الفريد، وتوأم روحها وشقيق فكرها ومهجة قلبها، فلقد كانت تبصر من عينيه شجاعة أبيها، وصبر أمها، وحلم أخيها، وبهاء جدها رسول الأنام (صلى الله عليه وآله) .
_ ألا من ناصر ينصرنا ، ألا من موحد يخاف الله فينا؟!
تعالت داعية الحسين على رمضاء كربلاء نذيرًا حزينًا، بعد أن تساقط الأصحاب والإخوان وفلذات الأكباد صرعى على وجه الثرى، وزينب (عليها السلام) تتجرع كأس المنون .
_ أي أخت تقدم لأخيها جواد المنية؟ وا غربتنا بعدك يا أخي ؟ وا ضيعتنا بعدك يا عزيز أمي الزهراء ؟
_ وا أخاه ، واسيداه، وا أهل بيتاه، ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل.
_ يا عدو الله ويلك! أما علمت أنّ هذا الصدر تربى على صدر رسول الله، وصدر فاطمة الزهراء؟!
ويحك ! هذا الذي ناغاه جبرئيل ، وهز مهده ميكائيل!!
لم تقف الحكاية الى هذا الحد من الظلم والإقصاء، ولم يكتفِ حفنة الأوغاد من شن همجيتهم على اشرف بيوت الإسلام، بل تمادوا أكثر وسجلوا أبشع المواقف وأخزى الأحداث؛ أحداث يندى لها جبين الإسلام .
حتى أهالوا الأطفال والنساء ومارسوا عنجهيتهم بكل إتقان، وأمروا بحرق الخيام وروعوا حرائر بيت رسول الله، فتعالى الصراخ وزاد الهلع والخوف ببنات الرسالة أمام لهب النيران، فلم يبق يومئذ من الأشراف إلا زين العباد (عليه السلام)
_ يا ابن أخي : ما لي أرى الكون قد تغير؟ والشمس انكسفت ؟ والأرض ترجف ؟!
_ لقد قتل أبي الحسين ، قُتل أسد الله الباسل ، قتل ابن سيد الأوصياء ، قتل ابن فاطمة الزهراء .
سقط أرضا باقي العترة الاطهار وقد غشي عليه مكبوباً على وجهه، تلقفته سليلة المجد والفخر بارتجاف يديها وبقلبها الكبير ومحبتها الفائقة، لتنظّم سيناريوهات الحقد وقعاتها المدوية على ذلك القلب الصابر المجاهد بأشد ما يكون.
_ يا بقية الماضين وثمال الباقين، واغربتاه ! وا أخاه ! وا حسيناه ! وا عباساه ! وا رجالاه ! وا ضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله.
عزفت السماء سمفونية العزاء وشاركت ملائكة السماء ذلك الرثاء، وشارك الكون النوح والبكاء، فأي فقد بعد فقد سيد الشهداء، وأي خطب حل بالأرض والسماء ، وأي ظليمة لحقت بالآل الأطهار؟!
وكل تلك السلسلة من الأحداث المريرة والفقد العظيم حواه قلب واحد أبصر مختلف المحن والانتهاكات، وبهذا ذابت شمعتها بعد عام واحد من تلك الأحداث، ورحلت الى بارئها تشكو جور الظالمين القساة، رحلت بجسدها الفاني وخلدت بروحها السامية ومواقفها البطولية الرائدة التي أبهرت بها العدو قبل الصديق .
رحلت مودعة أفق الحياة التي لم تُذِقها سوى الويلات، رحلت إلى جنة عالية قطوفها دانية حيث الروح والريحان ، لتجتمع في الفردوس الأعلى مع جدها رسول الله وأبيها حيدر الكرار وأمها سيدة النساء وأخوتها البواسل أجمعين، واولادها الذين تساقطوا نجوما على ارض كرب وبلاء، رحلت وظل حراكها وصبرها آيات للعابرين ابد الزمان .

اخترنا لكم

ظاهرةُ الانفصال النفسي والعاطفي بين الزوجين تُهَدِّدُ الحياةَ الزوجيّةَ بالانهيار

بقلم: مرتضى علي الحلّي الدوافعُ والآثارُ والعِلاجَات: مِن المعلوم بداهةً وتجربةً أنَّ أوّل عوامل الارتباط بين الزوجين هو العامل النفسي والغريزي والعاطفي، وقد أشار إليه اللهُ تبارك وتعالى في قوله سبحانه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم. فالمودةّ والرحمةُ المجعولةُ إلهيًّا بين الزوجين هي محلّ الشاهد والربط المَكين بينهما، فإذا ما تعرّضت للتصدّع أو الفتور أو البرود فستؤثّر قطعًا على استمرار العلاقة أو تضعفها وتجعلها مُتذبذبةً. والانفصال النفسي أو العاطفي: هو حالة سلبيّة خفيّة غير مرئيّة تعتري القلبَ والمَشاعرَ، بل وحتى السلوك تحدث بين الزوجين، وتُعرَفُ مِن الآثار المُترتّبة عليها، والتي قد تستبع قراراتٍ ومواقفَ حاسمةً بينهما تنهي العلاقة الحميميّة فعلًا وسلوكًا. دوافع الانفصال النفسي والعاطفي بين الزوجين: 1/البرود والفتور في إعمال العلاقة التواديّة بين الزوجين وإهمالها طويلًا، بحيث يشعر أحدهما بعدم وجود المودة والرحمة بينهما لا قلبًا ولا لفظًا ولا تطبيقًا. 2/غياب التعبير اللفظي والسلوكي عن مشاعر الحبّ والميل تجاه بعضهما بعضًا، والحال أنَّ التعبير عن ذلك من مقوّمات العلاقة استمرارًا ونتاجًا. 3/بسبب كثرة المشاكل وإهمال حلّها وعدم التحاور بهدوء وعقلانيّة بعيدًا عن أساليب العنف اللفظي والجسمي تحدث الكراهيّة الخفيّة بينهما والتي هي عامل مُدمّر لهما من حيث لا يشعران. 4/عدم وجود الثقة المتبادلة في نمطيّة التعايش الزوجي، واعتماد الكذب والتسويف ممّا يُسبِّبُ العزلة الروحيّة وتهوين الآخر معنويّاً واعتباريّاً. 5/الجهل وعدم المعرفة بأحكام الزواج وفق الشريعة الإسلاميّة السمحة والمُراعية للحقوق بينهما والمُلزمة للواجبات، أو التهاون في الالتزام بهما عمدًا أو غفلةً أو تقصيرًا. 6/الاختلاف في الوعي والثقافة وعدم التوافق القلبي والنفسي واقعًا، والاضطرار إلى قبول الآخر تحت مظلّة الإكراه الأسري والاجتماعي والقانوني. 7/تأثير عوامل الانفتاح الثقافي والحضاري والتكنولوجي والذي أثّر في طبيعة العلاقات الزوجية، نتيجة ما يطرحه الإعلام من مسلسلات غير أخلاقيّة وبرامج تستهدف إفشال الحياة الزوجيّة بحجّة الحريّة والمساواة وحقوق المرأة ومقالات وغير ذلك، والمقارنة بين وضع النفس الشخصي ووضع المرئي الافتراضي وترتيب الخيارات وفق ذلك. آثار الانفصال النفسي والعاطفي: يمكن اختصارها بحسب البيانات القانونية المعروفة باتخاذ قرار الطلاق الشرعي والرسمي بين الزوجين، أو تفكّك الأسرة والإضرار بعضهما ببعض وحدوث مشاكل نفسيّة واجتماعيّة تحرمهما من العيش بأمان وبحبّ ورحمة وسلام. بعض العلاجات والحلول: 1/تطويع النفس وبقناعة داخليّة قلبيّة وعقلانيّة بضرورة فهم الزوجين لبعضهما البعض، والذهاب بذلك إلى آخر الطريق قبولًا وتعايشًا وقرارًا. 2/اعتماد الحوار والأدب والهدوء في حلّ المشاكل الزوجيّة بينهما حصرًا، أو الرجوع إلى أهليهما في التحكيم وفضّ الشقاق والنزاع بينهما وفق حكم الله سبحانه وتعاليم دينه. 3/إشعار الزوج زوجته بأهميّتها عنده عاطفيًّا وقلبيًّا والإنفاق عليها ومُراعاة متطلباتها الضروريّة والكماليّة بحسب القدرة، وكذلك الزوجة معنيّة بإظهار حبّها وتوددها لزوجها في المشاعر وفي السلوك وإيجاد جواذب ذلك في نفسها ولباسها ومنطقها وأسلوبها وتجنّب المنفرّات الجسميّة والسلوكيّة واللفظيّة. 4/التغاضي عن الأخطاء وتجاوزها بالعفو والنسيان، فكلّ تجربة تواجه إخفاقات وعثرات والعاقل من يتّعظ بها خيارًا وسلوكًا. 5/تجنّب التعامل الفضّ والغليظ مع الزوجة إذا ما أخفقت في أمر ما، ومداراتها بالإرشاد والنصح واللين، وكذلك ينبغي بالزوجة أن لا تكون مستبّدةً في بيت الزوجيّة أو أن تتعالى عن طاعة زوجها وتخالفه عنادًا ولجاجًا. 6/تقدير الوضع المعاشي لهما وتفهم الظروف الاقتصاديّة والقناعة والرضا والتدبير المنزلي. 7/حسن وصدق النيّات القلبيّة بين الزوجيّن أقوى عوامل حفظ المودّة والرحمة والحبّ بينهما، فلذا ينبغي الالتفات لذلك مشاعرًا وتطبيقًا.

اخرى
منذ 5 سنوات
3744

أين عدالة الله (سبحانه وتعالى)؟! من أسألتكم...

بقلم: علوية الحسيني السؤال: أين عدالةُ اللهِ (تعالى)؛ فهناك أُناسٌ يولدون ليجدوا أنفسهم على هدى، وفي بيئةِ هدى, وآخرون في بيئةِ ضلالٍ فتضل؟ فما فضلُ الأول؟ وما ذنبُ الثاني؟ الجواب: قال (تعالى): بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْط}(1). انطلاقًا من هذه الآية الكريمة لابُدّ من الإيمان بأنّ الله (تعالى) عادل, ولو نُسب إليه الظلمُ لم يكن إلهًا؛ ولو لم يكن متصفًا بالعدل, -وفاقد الشيء لا يعطيه- فكيف يأمرُ بشيءٍ هو لم يتصف به؟! إذًا لزِمَ خلو ذاتِه عن كمال, وحاشاه (سبحانه) فهو الكمال المطلق. والعدلُ الإلهي ثاني أصلِ من أصول الدّين, ومُنكرُه كافرٌ لا محالة؛ لذا على المؤمن أنْ لا يجعل أصولَ الدّين عضين؛ يؤمنُ ببعضٍ ويكفرُ ببعض, بل لابُدَّ من الإيمان بها جميعًا. نـعم, هناك أمورٌ توهِمُ أنّها مُتعلقةٌ بعدل الله (تعالى), والحالُ أنّها ليست كذلك, فالخللُ في سلبياتِ نتائج تلك الأمور يرجعُ إلى القابل -المخلوقات- لا إلى الفاعل –الله (تعالى)-. وعليه، سيكونُ الجوابُ عن هذا السؤال ضِمنَ عدّة نقاط: ■النقطة الأولى: المكانُ ليسَ مقياسًا للاهتداء أو للضلال. فمَن قال إنّ المكانَ هو مقياسٌ لنسبةِ الفضيلة للإنسان أو لسلبها عنه؟! فليس ما ذكرتم في السؤال قاعدةً كليةً؛ فكم من بيئةٍ هاديةٍ وفيها العديدُ من أهلِ الضلال, وكذلك كم من بيئةٍ ضالّةٍ وفيها العديدُ من أهلِ الرشاد. ▪️أولًا: نأخذ مثالًا على من عاش في بيئةِ هدايةٍ، لكنّه كان من أهلِ الضلال: أ- ابنُ النبيّ نوح (عليه السلام)، فقد ولِدَ في بيئةِ هدايةٍ, بل وتربّى على يديّ نبيّ من أنبياء الله (تعالى), وصفاتُ النبيّ وعصمته معروفةٌ للجميع, فنشرَ النبيُّ دينَ الله (تعالى), وخلقَ بيئةَ هدايةٍ, إلاّ أنّ ابنَه لم يغتنمْ نعمةَ تلكَ البيئةِ المُحيطةِ به, فكفرَ بالله (تعالى), حينما أمرَهُ أبوه أنْ يركبَ السفينةَ حتى ينجوَ من الطوفان, لكنّه فضّلَ الاعتصامَ بجبلٍ, وتركَ أمرَ النبي الذي كان صادرًا من الله (تعالى) عن طريق الوحي. والقرآنُ الكريمُ ذكرَ لنا ما دارَ من حوارٍ بينَ النبيّ نوحٍ (عليه السلام) وابنِه؛ قال (تعالى) حكايةً عن نبيّه: {وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين}(2). فكانت نتيجتُه أنّه كان من الغارقين, فلا بيئةَ هدايةٍ نفعتَه, ولا كونه ابنَ نبيٍ شفعتْ له. ب- امرأتا نبيينِ من أنبياءِ الله (تعالى), نوح ولوط (عليهما السلام), ولا صلةَ كصلةِ الزوجية, فكيفَ بها إذا كانتْ صلةً بأنبياءِ الله (تعالى)؟! فرغمَ البيئةِ التي عاشتا فيها, والتي وفرّها لهما النبيّان (عليهما السلام) وهي بيئةُ هدايةٍ ورُشدٍ وصلاحٍ، إلاّ أنّ تلك المرأتين لم تنتفعا من تلك البيئة, فانحرفتا عن طريقِ الحقِّ, وكانَ مصيرهما النار, فلم ينفعهُما العيشُ في بيئةِ هداية, ولم تشفعْ لهما علاقتهما الزوجية بالنبي. واللهُ (تعالى) أخبرنا عن ذلك في كتابه الكريم, بقوله (سبحانه): {ضَرَبَ الله مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين}(3). ▪️ثانيًا: نأخذ مثالًا على من عاشَ في بيئةِ ضلالٍ لكنّه كانَ من أهلِ الهداية أ- السيّدة آسيا زوجةُ الطاغيةِ فرعون, ذلك الرجل الكافر, الذي ادّعى أنّه الإله, وسخِر من نبيّ الله (تعالى) موسى (عليه السلام) حينما دعاه إلى عبادةِ الله الواحد الأحد بطلبِه أنْ يبنى له سلّمًا حتى يصعد به إلى السماء لعلّه يلقى الله (تعالى)! فرغمَ شناعةِ أفعاله, وجُرأةِ كفره, وفسادِ وضلالِ بيئتِه عقيدةً وأخلاقًا, إلاّ أنّ زوجتَه لم تتأثر بتلك البيئة الفاسدة, وحافظتْ على سلامةِ دينِها, حتى صارتْ مثلًا للذين آمنوا من الرجال والنساء. قال (تعالى) في كتابه الكريم حول ذلك: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين}(4). ب- الحُرّ الرياحي, ذلك الرجل الذي كان قائدَ جيشٍ ضدَّ وليٍ من أولياءِ الله (تعالى), الإمام الحسين (عليه السلام), فحاصرَ الإمامَ بجيشِه, وروّعَ سليلاتِ النبوّةِ (عليهن السلام), وكانَ يعيشُ في بيئةٍ ضالّةٍ مُضلّة, تدعو إلى فعلِ المنكرات, وتناولِ المُسكِرات, والطرب مع الراقصات, تلك البيئة التي خلقها لهم طاغيتهم (عليهم لعنة الله جميعًا), إلاّ أنّ الحُرّ انسلخَ من تلك البيئة, وتحوّلَ إلى مؤمنٍ موالٍ للإمام الحسين (عليه السلام), ولم يؤثرْ عليه فساد بيئته, ولا جبروت حاكمه. ■النقطة الثانية: الزمان ليس مقياسًا للاهتداء أو للضلال فمَن قال إنّ الزمان هو مقياس لنسبةِ الفضيلة للإنسان أو لسلبها عنه؟! فليس ما ذكرتم في السؤال قاعدةً كليةً؛ فكم من أُناسٍ عاشوا في زمنِ هدايةٍ وكانوا من أهلِ الضلال, وكذلك كم من أُناسٍ عاشوا في زمنِ ضلالةٍ وكانوا من أهلِ الرشاد. ▪️أولًا: نأخذ مثالًا على من عاشَ في زمنِ هدايةٍ وكانَ من أهلِ الضلال. أ- أبو لهب, ذلك الرجلُ الذي عاشَ في زمنٍ أخذتِ الهدايةُ في إتيان ثمارها, على يدِ نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) حتى آمنَ بعضُ اليهودِ والنصارى, وبعضُ جاهليةِ قريش؛ لتأثُّرِهم بأحقيّةِ الدعوةِ الإلهية, إلاّ أنّ أبا لهب بقيَ على جاهليته وكفره, رغم زمنِ الهدايةِ الذي أحاطَ به, حتى صارَ مَحطَّ لعنٍ في القرآن الكريم, بل وصرّح بمصيره الجهنمي, بقوله (تعالى): {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَب}(6). ب- جعفر الكذاب, هو جعفر ابن الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام), ولُقِّبَ بـ(الكذاب)؛ لادعائه الإمامة كذبًا, "بل ولَهُ عدّةُ أفعالٍ -ممكن أنْ تُسمى جرائم- شنيعة لا تليقُ بأنْ تصدرَ من رجلٍ عاصرَ الإمام, وعاشَ زمن هداية"(7). فلا زمنه منعَه عن الضلالِ, ولا الضلال فارقَ أفعالَه. ▪️ثانيًا: نأخذ مثالًا على من عاشَ في زمنِ ضلالٍ وكانَ من أهلِ الرشاد أ- المُستبصرون اليومَ الذين يعيشون في زمنٍ يدعو فيه أئمتهم إلى الضلالِ بكافةِ طرقِ الدعوة, ويغلِّفون فسادَ معتقدهم للناسِ حتى انطلتْ أكاذيبُهم على البسطاء, فالزمنُ زمنُ ضلالٍ, إلّا أنّ هناك أُناسًا أزالوا ستارَ الضلالِ واستناروا بنورِ العلم, فاعتنقوا المذهبَ الحقّ, مذهب أهل البيت (عليهم السلام). ب- المُنتظرون للإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) الذين يعيشونَ وسطَ شبهاتٍ تحاولُ النيلَ من عقيدتِهم بالإمامِ أو بغيره, أو تُريدُ زلزلتِهم وتشكيكِهم, ذلك الوسطُ الذي كَثُرَ فيه أهلُ الباطل, وقلَّ فيه أهلُ الحقِّ, ورغمَ ذلك فقد ثبت أولئك المنتظرون على عقيدتِهم, حتى فاقَ فضلُهم فضلَ من صاحبَ النبي (صلى الله عليه وآله)؛ حيثُ رويَ "عَنْ أبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيَّ، عَنْ أبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيَّ، عَنْ عَلِيَّ بْن الْحُسَيْن (عليهما السلام) قَالَ: تَمْتَدُّ الْغَيْبَةُ بِوَلِيَّ اللهِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أوْصِيَاءِ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَالأئِمَّةِ بَعْدَهُ، يَا أبَا خَالِدٍ إِنَّ أهْلَ زَمَان غَيْبَتِهِ، الْقَائِلُونَ بِإمَامَتِهِ، الْمُنْتَظِرُونَ لِظُهُورهِ، أفْضَلُ أهْل كُلّ زَمَانٍ، لأنَّ اللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أعْطَاهُمْ مِنَ الْعُقُول وَالأفْهَام وَالْمَعْرفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الْغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزلَةِ الْمُشَاهَدَةِ، وَجَعَلَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان بِمَنْزلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِالسَّيْفِ، اُولَئِكَ الْمُخْلَصُونَ حَقّاً، وَشِيعَتُنَا صِدْقاً، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِين اللهِ سِرّاً وَجَهْرا"(8). *دفعُ دخلٍ: روي عن أبي بصير قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "إنَّ في الليلةِ التي يولَدُ فيها الإمامُ لا يولدُ فيها مولودٌ إلَّا كان مؤمنًا، وإنْ وُلِدَ في أرضِ الشرك نقلَه اللهُ إلى الإيمانِ ببركةِ الإمام"(9), فظاهرُ هذه الروايةِ أنّها تُفاضِلُ بين زمنٍ وآخر, وتنسِبُ الفضلَ لمن ولِدَ في زمنِ ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), والظهورُ حجّةٌ ممكنٌ أنْ يحتجَّ به على ما أدرجناه أعلاه من هدمِ قاعدةِ مدخليةِ الزمان في الهدايةِ والضلال, لـكن رغم ذلك "لا يُقالُ: كيفَ تصحُّ هذه الروايةُ والحالُ أنَّنا نجِدُ الكثيرَ من الناسِ من يولَدُ في ليالي ولادةِ المعصومين ولكنَّه على ضلالٍ ومات على ذلك؟ لأنَّه يُقالُ: إنَّ المقصودَ من الروايةِ هي القضيَّةُ الخارجيةُ لا الحقيقية، بمعنى أنَّ المقصودَ هو تلك الليلةُ التي وُلِدَ فيها المعصومُ وخرجَ إلى الدنيا، وليس تلك الليالي التي تأتي في السنوات التالية ممَّا يُصادِفُ تاريخها نفسَ تاريخِ ولادة المعصوم، فليلةُ ولادةِ الإمامِ المهدي (عليه السلام) هي ليلةُ الخامسِ عشر من شعبان من عام (٢٥٥هـ)، فهذه الليلةُ بالخصوصِ هي مقصودُ الرواية، وهكذا ليالي ولادات بقيَّة المعصومين (عليهم السلام)"(10). ■النقطة الثالثة: هداية النجدين والحسن والقبح العقليان قال (تعالى): {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن}(11), فُسِّرَت مفردةُ النجدين بـ"طريق الخير وطريق الشر بإلهام منا فهو يعرف الخير ويميزه من الشر"(12). وعلى هذا بُنيَتْ عقيدتُنا في الحكمِ على الأشياءِ بكونِها حسنةً أو قبيحة, فالعقلُ يحكمُ في بعضِ الأمورِ بالحسنِ والقبح, وبالتالي فالعقلُ يحكمُ بالحسنِ على طريقِ الخير, وبالقُبحِ على طريقِ الشر, وهُنا يبرزُ جهادُه. فمن كان في ضلالةٍ فإنْ حكّمَ عقلَه وتركَ اتباعَ طريقِ الخيرِ فهو هالكٌ، ومن كانَ على هدى فإنْ حكّمَ عقلَه وثبتَ على طريقِ الخيرِ فهو ناجٍ. وعلى فرضِ التسليمِ بمدخليةِ المكانِ والزمانِ على هدايةِ وضلالِ الإنسان، فيبقى أمرُ التحكيمِ العقلي مفعلًا؛ فمنْ كانَ يعيشُ في مكانٍ أو زمانٍ هدى ولم يحكّمْ عقلَه بتركِ كُلِّ أمرٍ قبيحٍ فلا مكانَه وزمانَه نفعاه, ولا هو انتفعَ من عقلِه وزكّاه. وكذلكَ من كانَ يعيشُ في مكانِ أو زمانِ ضلالٍ وحكّمَ عقلَه باتباعِ كُلِّ أمرٍ حسنٍ فلا مكانَه وزمانَه أثّرا في حُكمِ عقلِه. نعم, إنّ فضلَ المجاهدةِ يتفاوتُ عندَ من عاشَ في مكانِ وزمانِ الضلالِ عمّن عاشَ في مكانِ وزمانِ الهدى. فمن يعيشُ في بيئةٍ تُحلّلُ شربَ الخمرِ مثلًا، وما إنْ يذهبُ إلى المحال حتى يجدُ أمام عينِه الخمرَ بأنواعِه وبدرجاتِ إسكارٍ مختلفة, فتهمَّ نفسُه للمعصية, ومع ذلك يُجاهِدُ في تركِ شربِه، يختلفُ جهاد نفسهِ عمّن يعيشُ في بيئةٍ لا تعرفُ ما هو الخمر. نأخذُ مثالًا آخر: الفقيرُ المُتعفف الذي يعيشُ حالةَ الفقرِ التي تكادُ أنْ تسلخَ المؤمن عن صبرِه, وتسنح له فُرصةُ سرقةِ شيءٍ إلّا أنّه يتورّعُ ويتعففُ عن تبديلِ حالِه من فقرٍ إلى غنى بهذه الطريقة, فإنَّ درجة جهاده هذه لا تُساوي درجة جهاد الغني الذي سنحت له نفس الفرصة, وأعرض عنها. فعندَ الفقيرِ الجهادُ أشدُّ بلا شك, ومن ثم الثواب أعظم, ولا مانعَ من سعةِ كرمِ الله (تعالى). والخلاصة: للعقلِ دورٌ في هدايةِ وضلالةِ الإنسان. ■النقطة الرابعة: نظريةُ تعويضِ الضلال. من لطفِ اللهِ (تعالى) وكرمِه أنّه لا يُكلِّفُ نفسًا إلّا وسعها, ومن ثم فمن عاشَ في مكانِ وزمانِ ضلال, وجاهدَ نفسَه وارتقى بها وأصبح على هدى, فهو مُستضعفٌ. وعليه، هنالك بعضُ البدائل أو التعويضات التي منحَها اللهُ (تعالى) تكرّمًا وتحننًا منه على هؤلاء, منها: 1- سقوطُ بعضِ التكاليف عمّن فقدَ بعضَ تلك الإمكانات, قال (تعالى): {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لله وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ والله غَفُورٌ رَحِيم}(التوبة: 91). وقال (تعالى): {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} (الفتح: 17). 2- التعويضُ بالأجرِ العظيم, ذلك الأجرُ الذي يتمنّى معه المُبتلى في الدنيا أنْ لو كانَ قد قُرِّضَ بالمقاريض ونُشِّر بالمناشير ابتلاءً!. روي عن أبي جعفرٍ(عليه السلام), قال: "إنّ الله (تبارك وتعالى) إذا أحبَّ عبدًا غتَّه بالبلاء غتًّا(13), وثجّه بالبلاء ثجًا(14), فإذا دعاه قالَ: لبيكَ عبدي, لئن عجَّلتُ لكَ ما سألتَ إنّي على ذلك لقادر, ولئن ادَّخرتُ لك فما ادَّخرتُ لك فهو خيرٌ لك"(15)"(16). ■النقطة الخامسة: الاحتكامُ يومَ القيامة مع القرين. لو لم يكنْ للعقلِ دخالةٌ في هدايةِ وضلالةِ الإنسان لما أشار القرآن الكريم إلى الاحتكامِ بين الإنسان وقرينه, قال (تعالى): {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيد* وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد* وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيب* الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ* قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيد* مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد}(17). فالقرينُ يشكو إلى الله (تعالى) أنّ الإنسانَ هو من اختارَ طريقَ الضلال, وهذا دليلٌ على أنّ الضلالَ ليس جبرًا من الله (تعالى) حتى يُنسَب إليه الظلم, حاشاه (سبحانه). بل وفي الآيةِ تصريحٌ بنفي الظلمِ عنه (سبحانه) لمخلوقاته. ___________________ (1) الأعراف: 29. (2) نوح: 42- 43. (3) التحريم: 10. (4) التحريم: 11. (6) المسد: 1-3. (7) انظر: جرائم جعـفر الكذّاب: للسيد محمد القبنجي, صحيفة صدى المهدي, العدد 49. (8) الاحتجاج: للشيخ الطبرسي, ص122. (9) بحار الأنوار: للشيخ محمد باقر المجلسي, ج25, ص,36, ح1, عن أمالي الطوسي: 412/ ح 925/73. (10) شذرات مهدوية: للشيخ حسين الأسدي, الشذرة الثامنة, خاصّية ليلة مولد الإمام المهدي (عليه السلام), ص96. (11) البلد: 10. (12) تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي, ج20, ص292. (13) غتّه أي غمسه, والباء بمعنى (في). (من المصدر). (14) الثج/: سيل دماء الهدى والأضاحي. و ثجَّ الماء: سال, و ثجَّه: أساله. (من المصدر). (15) الكافي للكليني: 2: 253/ باب شدة ابتلاء المؤمن/ ح7. (16) الهدى والضلال في القرآن الكريم: للشيخ حسين الأسدي, ف1, ص45-46. (17) ق: 20-29.

العقائد
منذ 4 سنوات
621

الوصول إلى رضا السفيرة الإلهية

بقلم: علوية الحسيني ■السائل: السلام عليكم ما هو السبيل إلى رضا فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ ■المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بما أنّ السّيدة الزهراء (عليها السلام) يرضى لرضاها النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، والله (سبحانه وتعالى)، فبالتالي يكون رضاها من رضا الله تعالى. وهي بدورها (عليها السلام) رسمت لنا سبل الوصول إلى رضوان الله تعالى، ومن يسع إلى تحقيق ذلك الرضوان الإلهي، يكن كان لها أقرب، وهي عنه أرضى. هنالك شروط ذكرتها السيّدة الزهراء (عليها السلام)، في أحد الروايات المروية عنها؛ حيث رويَ عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال: "قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليها عني: أنا من شيعتكم أو لست من شيعتكم؟ فسألَتها، فقالت (عليها السلام): قولي له: إن كنتَ تعمل بما أمرناك وتنتهي عما زجرناكَ عنه، فأنت من شيعتنا وإلاّ فلا. فرجعتُ [أي زوجة الرجل] فأخبرته، فقال: يا ويلي ومَن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالدٌ في النار، فإنّ مَن ليس مِن شيعتهم فهو خالد في النار؟ فرجعَت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال زوجها، فقالت فاطمة (عليها السلام) قولي له: ليس هكذا فان شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي اعدائنا، والمسلم بقلبه ولسانه لنا لـــيسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها، إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا" (١). فالرجل الذي سأل هل أنّه من شيعة محمد وآل محمد (عليهم السلام) يريد أن يعلم هل أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) راضية عنه أو لا، فكان جوابها (عليها السلام): أنّ من نرضى عنه يجب أن يكون ممتثلاً لأوامر الله تعالى، منتهيًا عن نواهيه تعالى. نعم، حالنا كحال ذلك الرجل، لسنا من أهل العصمة، فنرتكب الذنوب، ولا نعلم خاتمة أمرنا، لكن باب التوبة مفتوح، والعاقل من عرف عدوّه فاستعاذ منه، وأما من مات ولا توبة له فخاتمة أمره هي مرآة لمحل مصيره، فيعذّب في النار حتى يطهر من الموبقات التي ارتكبها ولم يتب منها في دار الدنيا، وقد تشمله شفاعة محمد وآل محمد (عليهم السلام) –ومن ضمنهم السيدة الزهراء (عليها السلام)- بإذن الله تعالى، فيأمر سبحانه وتعالى به إلى الجنة، فينال بعدها الرضا الإلهي، بتوسط رضا السيّدة الزهراء (عليها السلام). ونستطيع أن نقول بعبارة اخرى: بما أنّ إيماننا بأصول الدّين في مرحلة التصور الذهنية يبدأ من التوحيد وينتهي إلى المعاد، لكن في عالم التصديق الخارجي يكون العكس؛ حيث يتجلى لنا أصلان من أصول الدّين يكونان حلقت وصلٍ بين التوحيد والعدل من جهة، وبين المعاد من جهة أخرى، وهما (النبوة والإمامة)، وحيث إنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) ربطت بين النبوة والإمامة فلولاها لم يخلق الله تعالى النبي الأكرم، وعلي بن أبي طالب (عليهما السلام)؛ إذ إنّه تعالى جعل إكمال دين محمد (صلى الله عليه وآله) بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لئلا تنطمس معالم الدّين، وهذه الولاية سفيرتها هي السيّدة الزهراء (عليها السلام)، الحجّة على أبنائها الحجج، فكانت الحلقة الرابطة المقدّسة المؤدية إلى الإيمان بأوائل الأصول. وهذه الميزة الاصطفائية جعلت رضا الله تعالى معلّقاً على رضاها، وغضبه تعالى على غضبها، وبالتالي يكون من رضيت عنه فإن الله تعالى راضٍ عنه، ومن غضبت عليه فالله تعالى غاضب عليه، ومن هنا جاء سؤالكم المبارك، الذي يستبطن سؤالاً مفاده (كيف نصل إلى رضوان الله تعالى؟)، وهو مرادف لما طرحتموه (كيف نصل إلى رضا السيّدة الزهراء (عليها السلام)؟). وقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بالرضوان؛ حيث قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَر} (2) فيكون مقتضى حكمة الله تعالى عدم خلف الوعد، ووعده بالرضا يتحقق بواسطة رضا السيّدة الزهراء (عليها السلام). إذًا من خلال السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عرفنا أنّ هناك وليًّا، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) حفظ لنا الشريعة، وتلك الشريعة وصلت لهم عن طريق السفير الإلهي، النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، نقلاً عن الله الواحد الأحد. فإلى هذه الأصول وصلنا عن طريق السيّدة الزهراء (عليها السلام)، وهذا مصداق ما نقرأه بالزيارة الجامعة الكبيرة: "السلام على الأدلاء على الله"، وعليه، من يدلّ على الله تعالى يكون تجلٍ من تجليات الرحمة الإلهية، لكنها رحمة محاطة بهالة قدسية لم يحط الله تعالى بها أحد من قبل، لا ملك مقرّب، ولا نبيٌّ مرسل، مقتضى هذه الهالة هو أنّه تعالى جعل رضاه من رضاها، بجعلٍ إلهي. وبعد معرفة تلك المقرونية بين الرضا الإلهي والرضا الفاطمي، يكون السبيل لتحصل ذلك الرضا مطلقًا هو قوله تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُول} (3)، فبطاعة الله تعالى ورسوله نيل الرضا، وذلك بالامتثال للتكاليف الإلهية، بالإضافة إلى الاعتقاد بالاعتقاد الحق، والتخلّق بأخلاق المطاع (صلى الله عليه وآله). ____________________ (١) تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ص٣٠٨. (2) سورة التوبة: ٧٢. (3) سورة آل عمران: ٣٢. اللهم جللنا برضاك بحق فاطمة وأبيها، وبعلها، وبنيها، والسر المستودع فيها، إنّك سميعٌ مجيب.

العقائد
منذ 5 سنوات
1865

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
77328

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
57026

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44733

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43695

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40822

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33627