تشغيل الوضع الليلي
العيوب عند الزوجين...إضاءة وحلول
منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1299
بقلم: منتهى محسن محمد
من المتعارف عليه أن أول برمجة نتلقاها جميعا هي برمجة الأهل والأسرة فهي التي تؤسس لنا متبنياتنا الأولية في الفكر والسلوك ، وهي ليست صعبة التغيير إذا ما وجدت الإرادة والوعي لذلك.
فقد يعيب الزوج على زوجته ضعف اهتمامها بالتنظيف ويدقق في هذه المسألة كثيرًا، وذلك لأنه تلقى قدرا مبالغا في هذا الجانب من خلال برمجته الأولى، ولما وجد الفرق بين البرمجة الاولى والواقع المعاش اهتزت الصورة لديه وأعرب عن انزعاجه وتذمّره خاصة بعدما يجد ان هنالك من يضع له الحلول الجاهزة كمحاولة للخلاص من مشكلته الخطيرة جدا ؟!
ومن تلك الحلول الجاهزة الزواج من امرأة ثانية حيث تتيح له هذه الفرصة قدرا اكبر من تحقيق مطالبه بذلك الجانب المفقود لدى الزوجة الاولى ، وسواء جاءت الامور على ما يريد ام لا ، فالأمر سيان فربما لا ينعم بالهدوء والاستقرار مطلقا بعد ذلك ، وستكون له جملة من المشاكل الجديدة التي يثقل حملها .
والملفت: أن صانعي هذا الحل يعتقدون بان ذلك الموقف يجبر الزوجة على الانصياع والانتباه إلى ما يريده زوجها من مستوى النظافة –مثلًا- الذي يطمحه، وهذه الطريقة بمثابة ورقة تهديد وإنذار لها، لعل لبَّها يعود اليها .
وبالرغم من ان الزوجين قد تلقيا البرمجة في النواة الأولى المتمثلة بالأسرة باختلاف طريقة المعاطاة فإننا نجد أنهم قد تنافرا بالرؤى فأصبح الزوج يدقق أكثر وظلت الزوجة غير مكترثة بالأمر .
فهل يحق لسين او صاد من الناس ان يوجهوا عناية الزوج نحو تحقيق رغباته بالزواج من ثانية؟
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو : ماذا لو انعكست الصورة وعاشت الزوجة مع زوج غير مكترث في جزئية من الحياة؛ كان لم يشبعها عاطفة ولم يسمعها كلمات الحب والمجاملة ولم يشعرها بأنوثتها!
اغلب الظن أن الكلام سيتجه الى مصبٍّ واحد متفق عليه من قبل الجميع: ( تحملي واصبري. هذا زوجك وأبو أولادك ..والرجل لا عيب فيه.. وهل ستخسرين أسرتك وأولادك لأجل هذا المطالب التافهة؟!)
وبالرغم من أن مسألة احترام الذات وتوقيرها وإبداء المحبة والاهتمام بالآخر من أهم سبل العيش بالسلام الداخلي والاستقرار العاطفي ، إلا انه لا يمثل شيئًا ذا أهمية في أعين الناس ، متناسين ان هذه الجزئية تعد كيان المرأة ومصدر سعادتها وطاقاتها، ولأنه لا بدائل للمرأة، صار عليها لزامًا أن تتجرع ذلك الإهمال وترتوي من جفاف عاطفة الرجل حتى نهاية العمر إن لزم .
ولهذا نشير بان التفكير في الأخر يوجب علينا تفعيل مبدأ العدالة والإنصاف، فالنواقص موجودة وليس هنالك كمال الا للخالق جل جلاله، وعليه فلا بد من تقبّل الآخر بوضع خصاله الإيجابية قبل السلبية ونتعامل معه على ذلك الاساس، ولا داعي لان نكبر مساحة الحطام بإشعال النار من جانب اخر !
وهنا ثمة حلول اجدها ذات منفعة لكلا الطرفين :
1- ان يتقبل الرجل زوجته ويتحمل هذه الجزئية التي لا تلبي طموحاته؛ في الوقت الذي يلاطفها لكي تتحسن في ادائها، وقد حثت السنة على ذلك كثيرا .
2- لأنها انسانة كرمها الله مثله فعليه ان لا يتهمها ويوبخها دائما بذلك؛ وأن يكون حلو المعشر معها ليكسب ودها ثم تقوم بما يريد، لان من يعشق يذوب في محبوبه .
3- على الزوج تلمس جوانب الزوجة الجيدة، فلها بالتأكيد خصائص جميلة عليه ان يكافأها عليها تحفيزًا لتعديل السلوك.
4-لينظر الى نفسه في مرآة الحياة؛ هل هو خالٍ من العيوب؟ هل هو كامل ومثالي ولا ينقصه عيب او شائبة؟
وليحاسب نفسه ويتصور ان هنالك من يقرعه باستمرار لواحد من العيوب، وليشعر بالأزمة ذاتها التي تشعر بها زوجته عنما يؤنّبها باستمرار حول ما يريد.
5- ولابد من الإشارة إلى أن الزوجة لو شعرت بالحنو من زوجها والاهتمام المطلوب والتوجيه الواعي الرصين فلربما نهضت بمسؤولياتها على أتم وأحسن وجه .
6- على الزوج أن يشارك زوجته العمل المنزلي –قدر إمكانه وكلما أتيحت له الفرصة- ويتخلى عن الأنا الذكورية التي تقولب عليها جراء ما أمْلته عليه التقاليد والعرف البالي...
7- ان يزج نفسه وزوجته في متابعة محاضرات تختص بتنمية العلاقة الأسرية ،كأن تكون على الشبكة العنكبوتية او في دورات التنمية البشرية واقتناء بعض الكتب المفيدة بهذا المجال.
8- ان يصبر الزوج على زوجته ويستعين بالله في تسهيل الأمور وتوفير الجو الآمن لسعادته وسعادة اسرته؛ لا ان يسمع تلقين إحداهن بتركها، ولا أن يستجيب لها فلعله يخرج من مأزق ليقع في مأزق أخر اكبر وأوسع .
9- إذا لم يجد في كل ذلك عونا له فليبحث في دائرة معارفه على شخصية نسوية لها علاقة طيبة مع زوجته ويحاول ان يلقنها ما يطمح أن يراه من زوجته، عبر رسائل ودودة ومحترمة خالية من التجريح والاهانة لعله يحدث تغييرا غير مباشر بإذن الله .
وكما قال الله تعالى :( لعل الله يحدث بعد ذلك امرا)
10- على الزوج أيضا التأسيس للأبناء المشاركة في عمل البيتي كأمر ثابت -ذكورا كانوا ام إناثًا- فالجميع مسؤول على النظافة وليس من العدالة أن يتكل الكل على مهارة الأم بذلك، وإنما جميع الأفراد يتعاونون في ذلك، ليس في هذه الحالة فحسب وانما بشكل مطلق، لان المرأة أيضا لها تطلعاتها، وإذا تمّ تقسيم العمل على الأفراد سنجد حيزا من تحقيق ذلك التطلع، إضافة إلى انه أسلوب راقي في التربية يعلّم الأبناء على تحمّل المسؤولية واتباع النظام والتقيد به.
وبعد هذه النقاط من الحلول تبقى الامنيات والدعوات ترفرف على شُرف كل البيوت في أن يغمرهم الله بدفء المشاعر ويسود التفاهم والاهتمام والحب بين الزوجين .....
والله ولي التوفيق
اخترنا لكم
نشاطات رمضانية للمرأة الشيعية (٦)
بقلم: علوية الحسيني سحورٌ عقائدي قال تعالى: {قُلِ ادعُوا اللَّـهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمـنَ أَيًّا ما تَدعوا فَلَهُ الأَسماءُ الحُسنى} (1). إنّ التدبر في كلمات الأدعية عمومًا، وأدعية السحر في شهر رمضان الكريم خصوصًا، لها آثار نورية على حياة البشرية؛ حيث التأملات العقائدية، والإشراقات الوجدانية، التي تزيد العبد خشوعًا وعبودية. فكما أنّ كلام الثقل الأكبر، القرآن الكريم يحتاج إلى تدبّر، كذلك كلام الثقل الأصغر، أهل البيت (عليهم السلام)، والتدبر امتدحه الله تعالى، بل وحث عليه، مع اختلاف المفردات، حتى جعلته بعض الروايات عبادة. وبما أنّ المرأة مخلوق أودع الله تعالى فيها عقلاً قابلاً للتفكر، فمن الكمال أن تتفكر في كلام الثقلين ولو إجمالاً. وأدعية وقت السحر ذات مضامين عالية، متنوعة العلوم، فما بين عقيدة وفقه وأخلاق، إلاّ أنّ الأخلاق والفقه ساقا هرم رأسه العقيدة. وبالتالي لابد من اتقان رأس الهرم أولاً ثم ساقاه، فحريٌ بالمرأة اتقان عقيدتها اغترافًا من تلك الأدعية المباركة. ومن المؤسف نجد أنّ بعض النسوة في شهر رمضان المبارك تفرّق بين العقيدة والفقه والأخلاق، فتفرط بالاهتمام في جانب وتهمل الجانب الآخر! والحال أنّ هذا الشهر الفضيل محل فيضٍ، وحسنات الأعمال فيه مضاعفة، فيكون من الأنسب استغلال ذلك الزمن لاكتساب كلّ كمال، والعلم كمال. فبعض النسوة تقبل على التأكد من الأحكام الشرعية المبتلاة، وبعضهن ينادين بالتخلية قبل التزكية، أي يخلينَ أنفسهنَّ من قبائح الأفعال والأقوَال ويتحلينَ بمحاسن الأفعال والأقوال. وهذا الأمر وإن كان محمودًا، بـل وواجبًا؛ امتثالاً لما أمرنا به الله تعالى ورسوله وأولياؤه (عليهم السلام). لكن لا على حساب إهمال جانب العقيدة، وعدم التأمل في الأدعية التي تشير إلى اصول الدّين، فالدعاء لا يكون لقلقة لسان فقط، بل لابد من التأمل بقدر المستطاع. العقيدة _كما لايخفى_ لها ارتباط وثيق بالفقه، فلولا معرفة الله تعالى وتوحيده، والإقرار بعدله، والإيمان بأنّه من عدله بعث لنا أنبياءً، وجعل الأئمة امتدادًا لهم، ثم يجزي كلاً منّا على مدى التزامه أو عدم التزامه بالأوامر والنواهي، وهو ما يسمى بالمعاد، لما عرفنا لمن نصلي ونصوم ونحج مثلاً، فلو لم نعرف بدرجة سابقة الرب الذي له نؤدي تلك العبادات فلماذا نمتثل للتكاليف؟ وكذلك للعقيدة ارتباط وثيق بالأخلاق، أليست بعض الأحاديث تقول: "تخلّقوا بأخلاق الله تعالى"؟ فكيف هي أخلاق الله تعالى حتى نتصف بها؟ هنا لابد من الرجوع للعقيدة لمعرفة صفاته سبحانه. وبالتالي لو تدبرت المرأة في تلك الأدعية لكانت قد تغذت بسحور عقائدي. اختاه: كما أنّ اهتمامكِ يبلغ مداه بغذاء الجسد، وتعددين أصنافه، فللروح غذاؤه، فهلاّ اطلعتِ عليه، وتغذيتِ من أنفع أصنافه؟ أم ستعيشين الجوع والعطش الروحي؟ فكما أنّ الإنسان إذا لم يراقب غذاءه ولم يعتنِ بنظافته، فإنه سيتعرض للآفات من الفساد والتعفن، وتكون النتيجة أن يصاب بشتى أنواع الأمراض التي تؤدي إلى هلاكه، فغذاء الأبدان هو الطعام اللائق لها ولا بد من رعاية أصوله، فكذا روح الإنسان، فإنها بالإضافة إلى خفائها عند الكثيرين تتطلب غذاءً مميزًا وكبيرًا للغاية، بل أن استعمال وصف (الكبير) هنا ليس دقيقًا، لأنّ الروح لا تقاس بالجهات المادية ؛ لعظم سعتها ومرتبتها الوجودية، ولكن هذه السعة هي في عين الفقر والاحتياج، فجوعها أشد، وطلبها أعظم. يقول السيّد الخميني (قدس سرّه): "والغذاء المناسب لنشأة الأرواح هو المعارف الإلهية، اعتبارًا من معرفة مبدأ المبادئ للوجود إلى منتهى النهاية للنظام الوجودي، وكذلك فإن تغذي القلوب يستمد من الفضائل والمناسك الإلهية". إذًا يا اختاه، فهذه الروح لها مراتب عديدة كالعقل والقلب، وعليكِ إعطاء كل مرتبة غذاءها. فللعقل العلم، وللقلب العبادة والفضائل. ثم يضيف السيّد (قدّس سرّه) إلى هذا: الحفاظ على هذين الغذاءين من تصرف إبليس اللعين. فماذا تكون النتيجة؟ "وليعلم أنّ كلا من هذه الأغذية إذا خلص من تصرف الشيطان، وأعد على يد الولاية للرسول الخاتم وولي الله الأعظم صلوات الله عليهما و آلهما، يتغذى الروح منه والقلب، فينالا الكمال اللائق بالإنسانية، ويعرجان إلى الله". وكذلك يقول العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) موضحًا غذاء العقل: "العلم النافع هو العلم الذي يوجِد في الإنسان نور المعرفة والإيمان بالله ومعرفة أسماءه وصفاته"، وهذا هو محور العقيدة. فالغذاء العقلي هو المعارف الإلهية المصحوبة بالعبادات الشرعية، المتحلية بالأخلاق السامية. وبإمكانكِ اختاه الاستفادة من هذه الطرق لتعينكِ على التأمل في الأدعية الشريفة: 1- الاستعانة بكتب شرح الأدعية. 2- الانصات لشرح فقرات الأدعية التي تبث على التلفاز والاذاعة. 3- تدوين الفقرة الغامضة والسؤال بجنبها وارسالها إلى أهل الاختصاص ليوافوكِ بالجواب المناسب. 4- العمل على عقد ندوات فكرية تتطرق إلى شرح مضامين الأدعية. 5- الدعاء بتعجيل الفرج، وأن تكوني ممن تعيش في دولته، ليكون الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هو المبيّن لمفردات الأدعية الواردة على لسان أجداده (عليهم السلام). ______________ (1) الإسراء: 110. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ بَلِّغْ بِإِيمَانِي أَكْمَلَ الْإِيمَان، وَ اجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِين، وَ انْتَهِ بِنِيَّتِي إِلَى أَحْسَنِ النِّيَّات، وَ بِعَمَلِي إِلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَال.
المناسبات الدينيةلآلئ من نهج البلاغة (2)
بقلم: يا مهدي أدركني ثالثًا: بيان معنى الانتظار ان الإنتظار هو عمل مستمر دؤوب نحو هدف سامٍ وغاية عظمى، هو حماس في عمل ونشاط في دوام واستمرار في جهاد(14). فهو لا يعني الركود والخمول والانكسار إطلاقًا، فالمنتظر الحقيقي له غاية عظمى وهي التمهيد لإمام منتظر والاستعداد التام لمناصرته، فالانتظار في الحقيقة هو اعتقاد وعمل وسلوك وتغيير على مستوى النفس والمجتمع. فكيف يكون المؤمن منتظرًا حقيقيًا بهذا المعنى وفي نفس الوقت كابن اللبون في مواجهة الفتن التي ستشتد عليه كلما إقترب زمن الظهور؟ بالتأكيد ان اهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) لم يتركونا في حيرةٍ من أمرنا من دون اي توجيه، بل هناك خطوات رسموها لنا، إن اتّبعناها سنتمكن من التوفيق بين الأمرين بتحقيق الانتظار الحقيقي مع التجنب من الوقوع في الفتن، ومنها التالي: الأول: إن من شروط تحقق الإنتظار هو توفر المعرفة العقائدية والفقهية لدى المنتظر، وهذا يعني تأسيس قاعدة علمية محاطة بأنوار المعرفة الإلهية التي يتمكن من خلالها المنتظر أن تكون له القابلية والقدرة العقلية على تمييز الحق من الباطل. الثاني: معرفة بعض الخطوط العريضة عن شخصية الإمام المنتظر (سلام الله عليه) والتي تتضمن معرفة اسمه الكامل وحسبه وبعض المعلومات التي تساعده على معرفة شخصه في وقت الظهور، وذلك من خلال الروايات التي وصلتنا من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم. الثالث: السعي والعمل -كل حسب مكانته وموقعه في المجتمع- من أجل التغيير وإكمال العدد الذي سيكون جيشًا ولو في المستقبل عبر الأجيال مناصرًا للإمام (صلوات الله وسلامه عليه). الرابع: وهو حلقة الوصل بين العمل الدائم المستمر كمنتظر وبين ان يكون المنتظر كابن اللبون، وذلك من خلال النقاط التالية: اولًا: معرفة علامات الظهور الحتمية ولو بالإجمال. ثانيًا: تثقيف النفس ومن يرتبط بها على مستوى حلقات تتوسع الواحدة تلو الأخرى لتوعية الأهل والأصدقاء والمجتمع. ثالثًا: الإحاطة بالفتن التي سيتعرض لها من خلال مطالعة الروايات التي صرحت بها، وكيف يتم التعامل معها باللجوء الى اهل العلم والمختصين الذين وكَّل الأئمة سلام الله عليهم أمور الأمة اليهم. ومن هذا يتبين أن ما قاله أمير المؤمنين سلام الله عليه لا يعني الاستسلام لهذه الفتن والاختباء منها لو وقعت، ولكن يجب علينا أن تتعامل معها بحذر وفطنة بحيث لو تعرضنا لها نعرفها ويمكن لنا ان نميزها وكيف نتعامل معها ونقي أنفسنا وأهلينا من الوقوع فيها. رابعًا: فتن زمن الغيبة والظهور: سنعرض هنا بعض الفتن التي ذكرتها الروايات الشريفة وكيف يمكننا التعرف عليها وتشخيصها كي لا نقع في شراكها وبالتالي تكبل الفرد من أن يكون عنصرًا فعالًا في مشروع التمهيد المبارك، وهي مستوحاة من كتاب (شذرات مهدوية)(15) ، وسنذكر منها التالي إجمالًا: أولًا: فتن الغيبة الكبرى: عن عبد الله بن المفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله وسلامه عليهما) يقول: "إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدَّ منها، يرتاب فيها كل مبطل"(16). إن في زمن الغيبة الكبرى لا بد من وقوع الفتن والإبتلاءات التي بها يتغربل الناس فيثبت المؤمن ويرتاب المبطل، ومن هذه الفتن: الفتنة الأولى: طول الغيبة: إن من يعتقد بوجود الله تعالى وبصفاته الكمالية فهو مسلم بلا ريب بحكمته جل وعلا وإن كل أفعاله لا تخلو من حكمة، فإن العلة الحقيقية وراء غيبة الإمام (سلام الله عليه) وطولها غير مكشوفة لنا ولكن حتمًا ان وراء ذلك حكمة، وعليه يجب على المؤمن ان يقبل تعبدًا ويسلم لهذا الأمر، ويثبت ويرابط على الانتظار حتى وان خشيَّ من عدم إدراكه لعصر الظهور في حياته، فإن هذا لا ينفي وجود الإمام (عليه السلام) كي لا يقع في فتنة التشكيك في أصل ولادته، فإن الإنسان بطبعه عجولًا فقد قال تعالى في محكم كتابه الكريم {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}(17). الفتنة الثانية: ادعاء المشاهدة: والمراد من المشاهدة هنا هو ادعاء السفارة الخاصة، وهذه من أخطر الفتن التي تمر بها الشيعة الآن فكم وكم ممن ادعى السفارة الخاصة للإمام (عليه السلام) بل وحتى تجرأ على كونه من ذراري الإمام (سلام الله عليه) وانه من ولده وتجب الطاعة التامة له، وللأسف الشديد نجد العديد ممن انخرط تحت رايته ليكون من اتباعه ناشرين الدعاوى الباطلة سعيًا لتشتيت وحدة الشيعة وتمزيقها، وقد حذر الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من هذه الفتنة ووصف كل من يدعي ذلك بالكذب، فقد خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمري: "يا علي بن محمد السمري اسمع! أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"(18) على أن هذا لا ينفي رؤية الإمام (عليه السلام) من دون ادعاء السفارة، فقد يراه شيعته ولكن لا يعرفونه، فعن إسحاق بن محمد، عن يحيى بن المثنى، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يفقد الناس إمامهم فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه"(19). الفتنة الثالثة: تعجيل الظهور بنشر الفساد: وهذه الفتنة هي من احد اساليب التضليل التي تكمن وراءها أيدٍ خفية تعلن أنها تنادي بتعجيل الظهور وشوقها لإمام مستور ولكن في الحقيقة هي تسعى للفساد، وقد برر بعضهم فعلهم هذا بقول الرسول الله صلى الله عليه وآله: "لا يقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا وكما ملئت ظلما وجورا"(20)، فادّعوا ان الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لا يخرج إلا بعد ان تمتلأ الأرض ظلمًا وجورًا فهم بذلك يسرعون في عملية الظهور، وهذا الكلام وجدانًا باطل وذلك لأن الله تعالى لا يطاع من حيث يعصى فإن هذه القاعدة ثابتة ولا يمكن تزييفها، فحذار من الوقوع في هذه الفتنة. فتن عصر الظهور: الأولى: فتنة صيحة إبليس: إن من أهم العلامات الحتمية التي تحدث قبيل الظهور المبارك هي صيحة في شهر رمضان الكريم تصدر من السماء تخرق الأسماع والعقول وتذهل النساء والرجال والأطفال والشيوخ معلنة قرب ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولكن إبليس اللعين الذي آلى على نفسه إلا أن يضل الناس ينادي في آخر الليل، ويشكك الناس ليوقعهم في الفتنة، فعن هشام بن سالم عن زرارة عن أبي عبد الله (عيه السلام) قال : "ينادي منادٍ باسم القائم (عليه السلام)"، قلت: خاص ام عام؟ قال (عليه السلام): "عام كل قوم بلسانهم"، قلت: فمن يخالف القائم (عليه السلام) وقد مودي باسمه؟ قال (عليه السلام): "لا يدعهم إبليس حتى ينادي في آخر الليل ويُشكَّك الناس"(21). الفتنة الثانية: فتنة خروجه شابًا: إن طول الغيبة وإمتدادها لسنين يوحي للإنسان بأن الإمام (سلام الله عليه) سيخرج بهيأة شيخ كبير أشيب، متناسين او غافلين عن قدرة الله عز وجل وإمكان إجراء المعجزة في أوليائه وحججه على ارضه، فخروج الإمام (سلام الله عليه) بصورة شاب عمره أقل من أربعين سنة قد توقع البعض في شباك الريب والشك، لذا فإن أئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم) لم يفُتْهم هذا الأمر وقد ذكروه في روايات عديدة ليجنبوا شيعتهم من الوقوع في الفتن وليكونوا على بينةٍ من أمرهم، فقد ورد عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: "وإنَّ من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شابَّاً وهم يحسبونه شيخًا كبيرًا"(22). الفتنة الثالثة: قرآن المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إن البعض ادعى بان للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قرآنًا خاصًا به، وهو مختلف عن القرآن الذي نزل على جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) وحيث ان القرآن الكريم يمثل أهم مصادر التشريع، فهذا يعني بأن الإمام المهدي (عليه السلام) سيأتي بدين جديد وتشريعات جديدة، ومن هذا الباب حاولوا ضرب التشيع وإشعال نار هذه الفتنة. في الحقيقة ان وجود قرآن لدى الإمام (سلام الله عليه) هذا أمر واقع ولا يمكن إنكاره، حيث إنه بعد ارتحال النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) الى الرفيق الأعلى جلس أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) حبيس داره ستة أشهر يجمع القرآن الكريم حسب ترتيب النزول ولما أكمله خرج الى المسجد وعرضه على الناس لكنهم رفضوه فأخفاه عنهم (عليه السلام) وقال لهم : " لن تروه حتى يظهر ولدي آخر الزمان"(23). ولكنه ليس قرآنًا آخر، إنما هو القرآن نفسه، كتب معه أمير المؤمنين (عليه السلام) التفسير الصحيح له الذي أخذه مباشرة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضًا كان قد رتّبه حسب النزول. ختامها مسك وخير ما نختم به المقال قول الله عز وجل في كتابه الكريم {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(24). وتطبيقًا لقول أمير المؤمنين وسيد الوصيين (صلوات الله وسلامه عليه) إن الفتنة التي يجب ان نكون فيها (كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيركب) هي فتن الضلال التي تصيب الظالمين، واذا لم نحذر منها فلربما وقعنا في شراكها، فعلى المؤمن ان يستعين بذكائه الذي اودعه الله تعالى فيه ليحذر منها ويقي نفسه وذلك بالعمل الدؤوب والحماس والسعي في طلب المعرفة ليقشع برياح علمه سحب الظلام لينير قلبه بشمس المعرفة. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ابي القاسم محمد واله الطيبين الطاهرين _______________________________ (14) منقول من تعريف الانتظار من كتاب (على ضفاف الانتظار للشيخ حسين عبد الرضا الأسدي، ص11. (15) كتاب شذرات مهدوية للشيخ حسين الأسدي، الشذرة 18، ص 226. (16) الغيبة للنعماني: 212/باب12/ح6. (17) سورة الأنبياء: آية [37]. (18) بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج52,باب من ادعى الرؤية في الغيبة الكبرى وانه يشهد ويرى، ص151. (19) نفس المصدر السابق. (20) بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج51، ص81. (21) منقول من كتاب شذرات مهدوية للشيخ حسين الأسدي، الإمامة والتبصرة: 129 و130/ح133. (22) كتاب الغيبة للنعماني: باب 10/فصل 4/ح43/ ص(194-195). (23) منقول من كتاب على ضفاف الانتظار للشيخ حسين الأسدي، نور البراهين للسيد نعمة الله الجزائري2: شرح ص459. (24) سورة الأنفال: آية [25].
اخرىمن أقوالِ سيدِ الشُّهداءِ (عليه السلام) (7)
بقلم: شيماء المياحي روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "أيّما اثنِين جَرَى بِينهُمَا كلَامٌ فطلبَ أحدُهُمَا رضَى الآخر كان سابقهُ إلى الجنةِ"(١) الإنسانُ كائنٌ اجتماعي بطبعه؛ فلا غنى له عن التواصلِ مع أبناءِ مُجتمعه؛ فيحتاجُ إلى سُبُلٍ ووسائلَ للتواصل مع الآخرين، وأبرزُ تلك السُبُل الكلامُ؛ فهو لغةُ التواصُل بين بني البشر.. فالكلامُ له أهميةٌ بالغةٌ جدًّا، وخطرٌ بالغٌ جدًّا أيضًا. بالكلامِ توصّلنا إلى معرفةِ الدينِ ومعرفة الخالق (تعالى)، وقد سُمّيَ علم العقائد بـ(علم الكلام). بالكلام يُعبَدُ اللهُ (تعالى) ويُعصى. الكلمةُ كاشفةٌ عن حجمِ معرفةِ الإنسان، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "تكَلَّمُوا تُعرَفُوا، فَإِنَّ الَمرءَ مَخبُوءٌ تَحتَ لِسَانِه"(٢)، وعن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "وهل يُكبُّ النَّاسُ في النارِ إلّا حصَائد ألسنتهم"(٣) ولذلك أولى كُلٌّ من القرآنِ الكريم، والسُنّةِ النبوية، وتُتمِّمُها أحاديثُ المعصومين (صلواتُ الله عليه أجمعين) أهميةً بالغةً في إيرادِ آدابِ الكلام؛ حفاظًا على استمرارِ الصِلةِ الطيبة بين أفراد المُجتمعِ من جِهةٍ، وعلى مصيرِ الإنسانِ الآخروي من جهةٍ أخرى؛ للارتباطِ الوثيق بين الكلامِ وهاتين الجهتين، فقد وردَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه"(٤) ومن تلك الآدابِ ما وردَ عن الإمامِ الحُسين (عليه السلام) من عدمِ الاستبداد بالرأي عندَ الكلامِ مع الآخرين، وتقديمِ رضا الطرفِ الآخر على رضا النفسِ والانتصار لها، وعدم إفحام الغير وتعجيزه عن الرد، وذكرَ أنّ من يتصفُ بهذه الصفةِ يكونُ سابقًا للطرفِ الآخر إلى الجنة؛ لأنَّ ذلك من الجدالِ الممقوتِ الذي يورثُ الضغينةَ بين أفرادِ المُجتمع، وقد يتعاملُ به البعضُ حتى مع أفرادِ أُسرتِه، فيُحاولُ الزوجُ أنْ يفرضَ رأيَهُ في الكلامِ والنقاشِ مع الزوجةِ والأولاد، مُتخذًا من قواميته عليهم ذريعةً في ذلك، وعادةً ما ينشأ ذلك عن عدّةِ أمور: ١ - الجهلُ والحماقةُ: من الجهلِ والحماقةِ أنْ يعتقدَ الإنسانُ بأنّ الصوابَ معه دائمًا وأبدًا، فكُلُّ إنسانٍ مهما بلغَ من المعرفةِ والحكمة لا يصلُ إلى المعرفةِ المُطلقة في كُلِّ الأمور، ويبقى لكُلِّ امرئٍ قدرُه المحدودُ في كُلِّ شيءٍ، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): "كفى بالمرءِ جهلًا أنْ يجهلَ قدره"(٥) وقيل للنبي عيسى (عليه السلام) في حديثٍ عن أبي عبد الله (عليه السلام): "يا روحَ اللهِ وما الأحمق؟ قال: المُعجَبُ برأيه ونفسِه الذي يرى الفضلَ كُلَّه له، لا عليه ويوجبُ الحقَّ كُلَّه لنفسِه، ولا يوجِبُ عليها حقًا، فذلك الأحمق الذي لا حيلةَ في مداواته"(٦) ٢ - الرغبةُ في السيطرةِ على الآخرين والتحكُّم في قُدُراتِهم: وهو مرضٌ نفسي خطيرٌ عادةً ما ينشأ من أسباب، منها: البيئةُ التي يعيشُ فيها، ومراحلُ حياتِه من الطفولةِ إلى المُراهقةِ والشباب، فكُلُّ مرحلةٍ لها تأثيرها البالغ على تكوينِ سلوكِ الإنسان، ويشتدُّ هذا السلوكُ مع غفلةِ الإنسانِ عن نفسِه وعيوبِها، وعدم السعي لإصلاحها، وغيرها الكثير من الأسبابِ التي تجعلُ الإنسانَ يفرضُ رأيَه في كُلِّ حوارٍ ونقاشٍ، مُتجاهلًا ما وردَ عن أهلِ بيتِ العصمة (عليهم السلام) من آدابِ الكلام، ومداراة الناس فقد وردَ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "أمرني ربّي بمُداراةِ الناسِ كما أمرني بأداءِ الفرائض"(٧) أما إذا كان الكلامُ يتعلّقُ بإثباتِ العقيدةِ الحقّة، وكان الغرضُ منه الإرشادَ والهداية ولم يكنِ الطرفُ الآخر مُعاندًا؛ فلابُدَّ من الجدالِ معه بالتي هي أحسن، فلا ينبغي إرضاءُ الطرفِ الآخرِ على حسابِ العقيدة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) المحجة البيضاء: ج٤/ ص٢٢٨ (٢) عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي: ص٥٥٠ (٣) بحار الانوار: ج٧٢/ ص٢٦٠ (٤) بحار الانوار: ج٦٨/ ص٢٨٧ (٥) غرر الحكم : ص٢٣٣ (٦) بحار الانوار: ج١٤/ ص٣٢٤ (٧) الكافي: ج٢/ ص١١٧
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى