بقلم: رحاب سالم البهادلي أنا رحال أجوب العالم، وأبحث عن أشياء جميلة، أبحث في التاريخ والتراث وكل ما هو غريب وعجيب، أخذت أجوب الأرض من شرقها وغربها، طالعت الكتب وقرأت الآلاف منها، ذهبت إلى المغرب والمشرق، أبحث عن تاريخ العالم وأسأل عن سادتها وشخصياتها، سلاطين وملوك ورؤساء، أبحث في تاريخهم وأسأل عن أعمالهم، حاولت أن أتوقف عند أحدهم ممن قرأت عنهم وطالعت حياتهم، لم يشدني كل ما مرَ عليَ من شخصيات، وبقيت أبحث؛ وفي يوم قررت أن أعود إلى بلدي لأنني لم أ جد ضالتي، لم أجد ما أبحث عنه، في هذا الوقت كنت في بلد عربي، جمعت أغراضي وقررت الرحيل، ركبت مع سائق التكسي كي يوصلني، فتح سائق التكسي جهاز التسجيل سمعت كلمات جميلة، كأنها تراتيل أشعر بأنني لا أريد الوصول، أريد أن أستمع لهذه الكلمات الجميلة، أنا أعرف اللغة العربية، وأعرف أن القرآن الكريم كتاب المسلمين، وكلامه جميل أيضاً لكن ما أسمعه ليس قرآنًا إذاً ما هذا الدعاء! سألت السائق لمن هذه الكلمات؟ قال: إنهُ دعاء كميل. قُلت: من كميل هذا حتى يقول مثل هذا الكلام الجميل!؟ قال: ليس كميل من قال هذا الكلام، إنما مولاي علي بن أبي طالب عليه السلام، هو من علم كميل وأعطاه هذا الدعاء. قلت: ومن هو علي؟ قال: الا تعرف سيدي عليًا؟ قلت: اين هو؟ أ موجود هنا؟ قال: عجيب! قالوا لي انك رجل رحال، أخذت العالم شرقاً وغرباً، وتعرف التاريخ وتعرف ديننا ونبينا مُحَمَّدًا عليه افضل الصلاة والسلام. قلت: بلى لكني لم اتعرف على علي. قال: كيف لك أن تعرف الإسلام ولا تعرف عليًا؟! قلت: من عرفنيِ إسلامكم لم يعرفني عليًا! من عليٌّ؟ فقد تشوقت لمعرفته!؟ قال: قربنا أن نصل، والحديث عن سيدي علي يطول. قلت: عُد من حيث أتينا، أريد أن أعرف من هو علي وما هذه التراتيل الجميلة أريد أن أعرف عنه كل شيء من يوم ولد؟ ابتسم السائق ابتسامةً كبيرة ... قلت: أأخطأت التعبير؟ أنا أُتقن العربية، وأعرف إني لم أُخطأ التعبير، لم تبتسم؟ قال: إن اليوم ذكرى ولادته. قلت: من؟ قال: مولاي علي بن ابي طالب عليه السلام. قلت: شوقتني أكثر أن أعرف هذه الشخصية، انقضى من عمري الكثير، ولم اتلهف لمعرفة أحد كما أنا متلهف الآن كي أعرف عليًا الذي ولد اليوم... وصلنا إلى الفندق الذي أقلني منه سائق التكسي، أعدت حقائبي إلى غرفتي، ورجعت إلى السائق، قلت: هيا خذني إلى علي. قال: سآخذك إلى مكان ولادة علي لكن بشرط، ما أقوله لك لا تخبر به أحداً الا بعد أن ترحل من هنا، ولا تقل لأحد أنك تبحث بتاريخ علي… قلت: ولمَ كل هذا؟ قال: ستعرف شيئاً فشيئا، هل ستصدق ما أخبرك به؟ قلت: إذا كان هناك دلائل على ما تقول سأصدق طبعاً. قال: إذن فلنبدأ من مكان الولادة، وإذا به يأخذني إلى بيت ﷲ وهو الكعبة عند المسلمين، وقفنا عن بعد وقال: أتعرف أين نحن؟ قلت: بلى هذا بيت اللّٰه، وهنا الكعبة وأنا زرت هذا المكان من قبل فهو مكان تاريخي. قال: وهل رأيت الشق الذي على جدار الكعبة؟ قلت وما دخل الشق و الكعبة بولادة علي؟ قال: هنا ولد سيدي علي، وليد الكعبة، سأختصر أيها الرحالة، فالكلام عن مولاي يطول، عندما أكملت السيدة فاطمة تبنة أسدَ الشهر التاسع من حملها، جاءت قرب البيت العتيق تناجي ربها، جاءها المخاض وإذا بالجدار تفتح، ودخلت مولاتي فاطمة وأُغلق الجدار، أرادوا أن يفسروا ما حصل لكن دون جدوى، كثُر الحديث عما حصل في البيت العتيق، ودخول السيدة فاطمة وبعد ثلاثة أيام خرجت تلك السيدة الجليلة، وهي تحمل وليدها بين يديها، وهي تقول: إن ﷲ تعالى أطعمني من ثمار الجنة خلال هذه الأيام الثلاث، وبعد ولادتي جاءني نداء يقول: سمهِ عليًا، عليٌّ أُشتُقَ منَْ العلي... كان السائق يحكي لي ما حصل وأنا أستمع وأبكي وأتلهف لمعرفته أكثر وأكثر، أخذني إلى شخص آخر روى لي كل ما حدث في حياة علي عليه السلام... قادتني معرفة هذه الشخصية العظيمة إلى حقائق كثيرة، وأنا الذي كنت أتصور أني أعرف الكثير عن التاريخ والحُكام... أدركت أن من لم يعرف علي بن أبي طالب لم يعرف نفسه؛ وهنا عرفت أني وجدت ضالتي التي أبحث عنها، وأيقنت أن علي بن أبي طالب هو السلطان الحاكم على القلوب، وعرفت أني لو أفنيت عمري بالتعرف عليه لم أندم، بل ندمت كوني تعرفت عليه متأخراً.
اخرىبقلم: عبير المنظور كنتُ أكبرهم حجماً وأعلاهم شأناً وأرفعهم مقاماً، وضعني أتباعي على سطح الكعبة مع ثلاثمائة وتسعة وخمسين صنماً آخر على عدد أحياء العرب، وكان من اتخذوني إلهًا لهم يتضرعون إليّ لقضاء حوائجهم ويقدمون لي الهدايا والنذور، وكنت أشعر بالزهو والخيلاء حتى على بقية الأصنام، إلى أن أتى ذلك اليوم الذي غيّر كل شيء. إنه يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد ثلاثين عاماً من عام الفيل، جاءت امرأة من بني هاشم تُدعى: فاطمة بنت أسد، وقفتْ بإزاء الكعبة وقد أخذها الطلق، فرمت طرفها نحو السماء وتوجّهتْ بالدعاء: (ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وانه بنى البيت العتيق فبحق هذا الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي)(١) فعجبتُ واستشطتُ غضباً، مَنْ هذا الرب الذي تدعوه فاطمة؟! ومَنْ يكون هذا الجنين لتدعو ربها بحقه؟! وفي هذه الأثناء رأيتُ أن جدار الكعبة قد انشّق، ودخلتْ فاطمة ثم التصق الجدار مرة أخرى وسط ذهول الجميع، وازددتُ عجباً لأنهم كلما حاولوا فتح باب الكعبة لم يُفتح، وبقيت فاطمةُ ثلاثة أيام داخل الكعبة، وكنتُ خلال هذه الايام الثلاثة أتأمل في سرّ هذه الحادثة العجيبة التي أصبحتْ حديث مكة، وكان يقطع تأملاتي صوت تهليل وتكبير منبعث من داخل الكعبة. وما زاد تعجبي واندهاشي أنّ شَقَّ جدار الكعبة ذاته قد فُتح مرة أخرى وخرجتْ فاطمة تحمل وليدها وقالت أشياء كثيرة، وذكرتْ نساءً لم أعرفهنّ كمريم وآسية، ولكن يبدو أن لهنّ شأناً عظيماً. منذ متى والنساء في الجاهلية لهن شأن؟! وعجبتُ أكثر عندما قالت: (فلما أردتُ أن أخرج وولدي على يدي هتف هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه عليًّا، فأنا العلي الأعلى، وأني خلقته من قدرتي وعز جلالي وقسط عدلي، واشتققتُ اسمه من إسمي، وأدّبته بأدبي، ووقفته على غامض علمي، ووُلِدَ في بيتي، وهو أول من يؤذن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي، محمد رسولي....)(٢) أوجستُ خيفة من قولها. أيعقل أن هذا المولود سيكسر جميع الاصنام؟! حتى أنا -صنم خزاعة- الموتد بأوتاد من الحديد؟! كيف يحطمني؟!. رغم أني لم اشك للحظة بصدق مقالها، لما رأيته من العجب في أمرها وأمر وليدها، مما جعلني أترقّب بخوف ذلك اليوم. ومرت الأيام والسنون، والخوف في داخلي يكبر من ذلك اليوم الذي سيحطمني فيه هذا المولود. وكَبُرَ عليٌّ، وكبر خوفي معه، فقد كانت فرائصي ترتعد خوفاً كلما جاء عليٌّ إلى الكعبة في صباه برفقة محمد المعروف في مكة بالصادق الأمين، مع زوجته خديجة بنت خويلد، ويؤدّون حركات لا أعرفها، كنتُ أسترق السمع إليهم، فسمعتهم يقولون أشياء كثيرة عن صلاة ودين جديد اسمه الاسلام، وأن محمداً هو رسول الله وخاتم النبيين، وكنت أرى أتباع محمد من المسلمين يتظاهرون حول الكعبة معلنين دين التوحيد، لا يخافون سطوة قريش رغم ما عانوا من التعذيب على إيمانهم برب واحد، ورأيتُ صحيفة مقاطعة قريش لهم على جدار الكعبة، وسمعتُ أنهم هاجروا من مكة إلى يثرب، عندها استعدتُ انفاسي قليلاً... فقد ابتعد عليٌّ عني، ورغم ذلك لا زال بعض الخوف يراودني في قرارة نفسي من أن يحطمني يوماً ما. وفي يوم الثامن من شهر رمضان من عام ٨ للهجرة، وقع ما كنتُ أخشاه، ورأيتُ محمداً وعلياً والمسلمين قادمين نحو الكعبة بعد أن فتحوا مكة، وقام محمد بتكسير جميع الأصنام في الكعبة وأخذ يطعنها بقضيب فيخرُّ كل صنم على وجهه ولم يبقَ من الأصنام إلا أنا. فاضطربت وخفق قلبي بشدة، وإذا بي أرى محمداً يرفع علياً على منكبيه، ويأمره بتحطيمي وهو يقول: (إيه إيه، جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)(٣) (٤). عندما أحسستُ بقبضة عليٍّ تحاول أن تزعزع كياني، حاولتُ جاهداً أن أقاومه، لكن عبثاً ضاعت محاولاتي في أن أتمسـّك بأوتاد الحديد، ولكن يبدو أن قوة قبضة علي أقوى من الحديد كثيراً، حتى تمكن مني وقذفني من أعلى الكعبة. وأنا أهوي إلى الأرض سمعتهم يهلّلون ويكبّرون، فعاد بي الزمن لواحد وثلاثين عاماً خلتْ، حينما سمعت ذات التهليل والتكبير يوم ولادة علي! فقصتي مع وليد الكعبة بدأتْ بالتهليل والتكبير وانتهتْ بالتهليل والتكبير أيضاً. إنها قصة برواية صنم خزاعة! _____________________ (١) بحار الانوار، ج٣٥، ص٨. (٢) امالي الطوسي، ج٢ ، ص٧٠٦. (٣) سورة الاسراء/ ٨١. (٤) انظر السيرة الحلبية ، ج٣، ص١٢٤.
اخرىبقلم: نجلاء المياحي من أسئلتكم... السؤال: قبل سنوات مضت تقدم لخطبتي شاب وسيم جدًا ولكن والدي رفض زواجي منه، وتزوجت آخر وأنجبت منه أولادًا لكني لم أحبه حتى بعد مرور سنوات على هذا الزواج، والحق يقال: إنه كان رجلاً طيباً معي وأحبني لكن قلبي مع سواه، احيانا أتألم جدًا كلما تذكرت الرجل الذي وقعت في حبه، الآن أفكّر بالطلاق... ارشدوني للطريق الصحيح فأنا اشعر بالضياع؟ الجواب: من الرائع أن نولي أهمية لما نشعر به ونتكلم لنجد حلاً لمشاكلنا وآلامنا، فالإنسان إن لم يتكلم فلا أحد سيسمع صراخ الألم والعذاب الذي يشعر به في أعماق روحه. قبل أن أُرشدك للطريق الصواب وكيف تتصرفين، دعينا نتحدث قليلاً: إن الحلول أحياناً ليست سوى معرفة المشكلة. جذور متاعبك هي طريقة تفكيرك عزيزتي، لا تستغربي إن اخبرتك: أن عقل الإنسان هو المتحكم الأساس في شعوره وإحساسه وحياته، نصف متاعبنا في الحياة هي نتاج تفكيرنا فقط... العقل البشري رغم كل إمكانياته يكون في الأساس فارغًا مع أدوات تمكنه من التعلم واكتساب المعرفة حتى يصل إلى الدرجات العليا (وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(1) فالإنسان يسمع ويبصر ثم يكتسب العلم والتعلم ليتمكن من العيش بسلام، وإحدى أهم الغايات التي خلق الله تعالى من أجلها الإنسان هي وصوله للسعادة، لكن كيف يصل للسعادة؟ عبر هذا المخلوق الذي حباه الله به وهو (عقله). لكن الإنسان يحشو عقله بالمفاهيم الخاطئة والمغلوطة لسنوات ثم يأتي طالبًا الخلاص مما ألـمّ به من اكتئاب وقلق وتعب! هذا محال. لتكون سعيدًا؛ صحّح مفاهيمك ورتب أفكارك وزن أمورك بميزان مستقيم. من خلال سؤالكِ عزيزتي فهمت أن نظرتك للحب هي ما يتم تلقينه للناس عبر المسلسلات الفارغة وهذه مشكلة كبيرة. إنّ ربط الحب والمشاعر الإنسانية بالأمور الشكلية أحدث عند الناس -ليس فقط أنتِ- خللًا واضحًا في سير حياتهم، وطريقة تعاملهم مع مشاعرهم المختلفة، بحيث صاروا لا يفرقون بين الحب والانجذاب. الحُب (مجموعة مشاعر متنوعة ذات تأثير قوي على الإنسان تنتج عن حسن معاملة المقابل أو أخلاقه أو تفكيره ويتنوع إلى حُب العائلة وحُب الصديق، وحُب المبادئ والأمور التي يؤمن بها المرء ويكون لاحقًا لتعارف مسبق طويل نسبيًا) وظيفة الحُب أو غايته هي: (الحفاظ على النوع البشري من خلال التعاون معاً ضدَّ الصعاب والمخاطر والمحافظة على استمراره، بحسب منطق فلاسفة الإغريق القدامى عمومًا). عالم النفس روبرت ستيرنبرغ يُعبر عن الحب بأنه (يرتكز على الارتباط والعلاقة الحميميَّة، الالتزام، الانجذاب العاطفي) (2). لكن مؤخرًا ومع بدايات السينما ظهر ما يسمى بالحب من نظرة ومن موقف! فجُعلت الرغبة بالطرف الآخر الناتج عن الغريزة الطبيعية بالانجذاب بين الذكور والاناث حُبًا وعشقًا وهذا مفهوم مغلوط وهدفه دنئ جدًا. مؤلفوا الأفلام والمسلسلات أنزلوا الحب من معناه السامي إلى كل رغبة وعلاقة عابرة بين الجنسين. قاموا بزرع هذه المفاهيم الخاطئة فينا منذ الصغر بأفلام الرسوم المتحركة مرورًا بالأفلام والمسلسلات، فصار المرتكز في عقولنا أن الانجذاب الحاصل من نظرة واحدة لمدى تناسق ملابس الرجل ومدى جاذبية تسريحة شعره ومدى عمق نظرته وسحر ابتسامته... حبًا وعشقًا لن نعيش دونه! ونبقى نردد في أعماقنا شعورنا بالحُب حتى ندخل في دائرة الاكتئاب والحزن لعدم حصولنا على هذا الحب الخاطف! وبالطبع، فإن الحزين المكتئب لن يكون إنسانًا ناجحًا في الحياة، وهذا هو الهدف الدنيء الذي يسعى خلفه هؤلاء الضالون المأجورون، من تحطيم حياة الإنسان وابعاده عن السعادة والطمأنينة ليحققوا مكاسبهم المشؤومة بالسيطرة على العالم. لنعد للشاب الذي تقدم لخطبتكِ، كان على ما يبدو من كلامكِ أول شاب ترينه، وأنت في بداية سن الشباب والفتوة، لذلك انجذبتِ له، ولربما كان تأثرك عميقًا بما تشاهدينه على التلفاز من قصص الخيال، وربما لم تلتجئي للمفاهيم الصحيحة لتعرفي ما سر انجذابكِ لهذا الشاب، أوهمتِ نفسك أنك تُحبينه وأنه حُب حياتك وأنك لن تعيشي دونه و... وفي الواقع كان انجذابكِ له غريزيًا بحتًا بسبب الهرمونات الجنسية التي تبرز في سن المراهقة. الآن دعينا نرتب أفكارك بشكل صحيح، لتري نهاية المطاف، إنكِ حبست نفسك في غرفة من الخيال وواقعكِ هي السعادة التي تستحق أن تعيشيها بكل ما فيها من نعم إلهية. امسكي ورقة وقلمًا واكتبي اسئلتي وأجوبتي وطابقي ما قلت بما كان معك، ستجدين النتيجة واحدة... أعدك. كم المدة التي رأيت فيها هذا الشاب الوسيم؟ ساعتين أو ثلاث؟ كم تكلمتِ مع هذا الشاب؟ لم أكلمه لكن صوته يدق مسامعي لم أستطع نسيانه أبدًا. من الطبيعي أن نتذكر أصوات الآخرين، فهل تذكّر الصوت يدل على الحب والتعلق، لا زلت أذكر صوت المراقب والمعاون في المدرسة! هل هذا دال على الحب والعشق؟ صحيح أن الإنسان يختزن أصوات الآخرين في ذهنه خاصة إذا فكر فيهم. ما الشيء الذي جذبك لهذا الشاب؟ هل تعرضت لسرقة فأنقذك منها؟ هل كنت على وشك الموت ففداك بنفسه؟ هل عشتما معًا مدة كافية جعلتكِ تتعقلين بما يحمل من طيب خلق ونفس ورهف أحساس؟ _اطلاقًا لم أره إلّا مرة حتى أنني لم أكلمه وجها لوجه. إذن كيف أحببتيه وتعلقت به وأنتِ لم تريه إلّا مرة، ما الذي عرفت عنه في هذه المرة التي لم تدم سوى لحظات؟ ألا تشعرين أنك صنعت من نفسك بطل مسلسل من انتاجكِ وحدك ولا تريدين له أن ينتهي؟ ارحمي نفسك، فلها عليكِ حقًا. الآن أعيدي كل يوم هذه الأسئلة والأجوبة على نفسك لتبدلي الأوهام التي لقنتيها لعقلك سنوات بالواقع وتكسري جدران الوهم والخيال التي أسرتكِ. والآن اكتبي الواقع الذي تعيشينه... الحياة الوردية التي لا تريدين أن تريها... الحُب الحقيقي الذي في حياتك ... العائلة الجميلة التي تمتلكينها والكثير حُرم منها. لديكِ زوج حنون طيب القلب... تلقينك كله برغبتك بذاك الشاب أيام الصبا -التي أوهمت نفسك أنها حُبّ- لم يستطع إخفاء الأمر، لأنه –زوجك الفعلي- كان فعلًا إنسانًا جيدًا ترك بصمة في قلبك المحاط بالأوهام... انطلقي من هذه البصمة الرائعة، اكتبي كل ما مر عليكِ من لحظات جميلة معه وتعايشي معها، وحاولي تذكر كل التفاصيل الجميلة هذه، هكذا ستعودين من عالم الوهم إلى الحياة الواقعية شيئاً فشيئاً. أكتبي كل اللحظات الرقيقة التي كانت بينكما، كل كلمة طيبة نظرة حنونة منه لا تتركي شيئاً. وأكتبي كل ما فعلتِ لأجله، كل كلمة طيبة قلتيها له، كل هدية اشتريتها له، كل حزن كان عنده فخففتِ عليه، حتى لو كانت تفاصيل صغيرة، اكتبيها، الإنسان لا يقدم شيئاً إلّا لمحبة في قلبه ولو كانت قليلة. هذه الكتابة ستحرك مشاعرك وعقلك وحواسك كلها، وهو المطلوب لتعودي للواقع شيئاً فشيئاً وتنسي أوهامك. ثم انهضي للوضوء والصلاة والدعاء، من ذا الذي يستحق الهيام في حبه وعشقه سواه تعالى... تضرعي له فهو القادر على تخليصك من الأوهام والعذاب الذي تشعرين به، تذكري أن الله تعالى قريب ينتظر قدومك إليه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (3). ليكن لسان حالك مع ربكِ فليتك تحلو والحياة مريرة ٌ *** وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بيني وبينك عامرٌ *** وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صح منك الودُّ فالكل هيِّنٌ *** وكل الذي فوق التراب ترابُ ومساءً، حين يعود زوجك، حاولي أن تنظري في عينيه، وتذكري أن هذا الرجل خليلكِ لسنوات وأنتِ أحببتيه في فترات كثيرة منها، وانجذبت له فيها، وحاولتِ إسعاده لسبب لم تكوني تعترفين به، وهو حبك له الناتج من عشرة سنوات، وحسن قلبه ومعاملته لكِ. ثم التفتي قليلًا إلى أنكما انجبتما أولاداً وكوّنتما أسرة... حقيقة الأمر لا ادري كيف أمكنكِ حتى التفكير بالطلاق مع وجود الأبناء! الأمانة عُرضت على الجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان! الأولاد أمانة في أعناقنا، نحن من أنجبهم وأخرجهم للعالم بمحض إرادتنا، لا أحد أجبرنا على حَمل هذه الأمانة كيف نتملص منها بهذا الشكل، لا لشيء إلا لأجل أوهام وخيالات تعلمناها من الغاوين الذين يقولون ما لا يفعلون وفي كل واد يهيمون! إن طلبتِ الطلاق، هل فكرت في مدى تأثر الأبناء به؟ وكيف يمكن أن تربي الأولاد وحدك، أتظنين أن تربية الأبناء تربية صالحة لوحدك أمر ممكن؟ حاولي أن تقيسي الأمر على نفسك، هل تكونين سعيدة لو عشتِ في قصر دون أبيك؟ الأب بالنسبة لأي إنسان هو أمنه وأمانهُ، لا تحرمي أولادك من الشعور بالأمن، إنه لعقاب عظيم لهم دون ذنب أبدًا. __________________ (1) سورة النحل آية 78. (2) الموسوعة الحرة .wikipedia موضوع (اهمية الحب). (3) سورة البقرة آية 186.
اخرىابنة الأمير أيها العاشق، تمعّن وأمسك خيط النور، أنت معنيّ بمعرفة من تزور. هو أنْ تأتي دائمًا إلى حيثُ الجنة (منْ لم يعرف الزيارة وسرها الخفيّ؟ لم يمسك خيط الإيمان والجنة)، وسيكون خائفاً، ما لم يصحح معرفته؟! بوضوح أكثر: ستمضي وتحصي الذنوب كالسبات الذي يتسلق القلوب، وتشير الأصابع إليه بالشكوك والتهم. أيها الزائر المحب، معنيّ أنت بالمعرفة أكثر… أن تعرف معنى البكاء على ذبيح كربلاء والدماء الزاكيات، أن تحسب خطواتك عند الرأس الشريف، فأنت في عمق الجنة، ضعْ رأسك على شباك الضريح، وأخرج الأنا من قلبك وأطلق الدعاء خالصًا لله تعالى، وافتح شهقاتك للرثاء، وطُف براسك بيوم الطفوف وخضّب ذاكرتك بدروس الألم والصبر. حينما يصل حالك إلى حد الجزع، استعن بحاجتك لله بحق مولاك، ستنطفئ في قلبك كل الفتن، وتحيط روحك شلالات من النور، هن ملاذ لمرافئك، ونياشين رضا تظهر على وجهك. أيها الخادم المخلص، معنيّ أنت، أن تعرف منْ تخدم؟ فأسرع واتعظ، والتمس الضريح جنة من جنان الآخرة، ولا تطفو بالغرور والتسمي، فالخدمة دين وتواضع وحب، فمن الكبائر أن لا تعمل بضمير الحسين... الحسين ضميرك فلا تخنه بالسر والعلن، وأنت وجهه في تعاملك مع خيرة العالمين. وتعلمْ كيف تنسى نفسك حين يأتي الزائرون! كيف تمنح كل شيء ولا تطلب أي شيء؟! وقلْ: ربّ اجعلْ هذا عملًا صالحًا. معكَ أتحدثُ يا ضيائي الفريد، وسأظلّ واقفًا قُبالةَ محرابك، أتطلعُ عَبْرَ نورك، حتى تجد نفسي طريقها حولك... وليعلم القارئ والزائر والخادم أيةَ يدٍ كريمة لديك، تجعل أعمالهم صالحات.
اخرىبقلم: رضا الله غايتي لاحظتُها، وقد بان عليها امتعاضٌ شديد، حاولتْ أن تهدأ، ولكن عبثاً لم تحظَ بالقليل منه، طلبت من الأطفال الذين يلعبون بقربها أن يغادروا، علّها تظفر بشيءٍ من السكون، ولكن أبداً.. الحال نفس الحال، تنبهت إلى صوت التلفاز فبادرت لإطفائه تماماً ولكن دون جدوى.. أخيراً تنبّهت إلى مصدر الضجيج العالي الذي أحال حياتها إلى جحيم فلا تكاد تهدأ ولو لبرهة، أو تسعد ولو كانت بنزهة، بل حتى مشاهدة الطبيعة وما تحمله أزهارها من أزكى أنواع العبير، ومناظره الخلابة وزقزقة العصافير، التي كانت تأسرها سابقاً وتدخل البهجة والسرور إلى قلبها لم يعد لها معنى قليل فضلاً عن كثير.. ضجيجٌ يملأ رأسها ليل نهار، بل سياط لومٍ وتأنيبٍ تجلدها باستمرار، لمَ ألقيتِ بنفسكِ إلى التهلكة؟ لِمَ أقدمتِ على هذا الاختيار؟ تألمتُ كثيراً لها ورقَّ قلبي لحالها.. فتحدثت إليها: لا تستلمي لهذه الأصوات الموجعة وأسكتيها، فحياة الانسان لا ترسمها إلا الأفكار.. أجابت وقد أغرق الدمع عينيها: أعلمُ عزيزتي، ولكن من دون جدوى رغم أني حاولتُ إسكاتها وبكل إصرار، يبدو أن للضجيج حقًا وأن للسياط بعض أعذار.. ــ عجباً صديقتي، أحقاً ما تقولين؟! ــ نعم حبيبتي، فكلما حاولت إسكات تلك الأصوات اللوامة، حدث حادثٌ مريرٌ تعود جذوره إلى ذلك القرار.. ــ ولكن صديقتي أذكر أنكِ كنتِ حريصةً على أهم المقاييس: الدين وحسن الخلق، ولذا رميتِ بسائر المقاييس الأخرى جانباً ولم تعيري لها أدنى اهتمام.. ــ نعم أختاه، ولكني غفلت عن أن الرجال مخابر وليسوا بمظاهر، وأنْ ليس كل ما يلمع هو ذهبًا، فحصدت نتيجة غفلتي تلك أمرَّ الثمار.. ــ أجل عزيزتي، أوافقكِ في أن المظاهر خدّاعة، وليس من الصحيح التعويل عليها، فقد قرأت يوماً عن سيد الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله):"لا تنظروا الى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل ولكن انظروا الى صدق الحديث وأداء الأمانة"(1) تحسّرتْ حسرة كاد قلبي أن يتفطر لها ألماً وقالت: صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهل هناك أوضح مصداقاً للأمانة من الزوجة بيد زوجها؟ آهٍ كم أتمنى لو كنتُ قرأتُ درر الأبرار.. ــ وكأني بكِ عزيزتي تتأملين بمنتهى الأسى كتاباً مفتوحاً ترجينه لأن يعود ولو إلى سطر أو لعلها كلمة في صفحات مضت، لتحذفيها تماماً عسى أن تتغير الأقدار.. ــ نعم، هذا ما أصبو إليه صديقتي، ولا غرو في ذلك، فقد حوّلت هذه الكلمة سكة حياتي نحو الدمار.. ــ ولكنكِ تعلمين حبيبتي أن عودة تلك الصفحات من المحال. فلا تهدري حاضركِ عبثاً، ولا تملئي حياتكِ ألماً، فقد بتُّ أخشى عليكِ أن تموتي كمداً.. تسلحي بالصبر وحاولي أن تتحلي بالرضا.. ــ أختي الحبيبة، الكلام سهلٌ يسير، ولكن التنفيذ صعبٌ عسير.. حاولتُ أن أدفعها نحو الرضا، فوجدت طموحها العالي خير مخرج: نعم عزيزتي لا أشكُّ بذلك، وأنّى لي أن أشكَّ بعد أن قرأتُ ما روي عن إمامنا السجاد (عليه السلام):" الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين"(2). أشرق وجهها بابتسامة جميلة: الحمد لله على عظيم هديته، سأرضى إذن يا أختاه وأطلب من الله (تعالى) العون.. أسعدني تغيّرها الإيجابي فطمعت في المزيد فقلت: وتذكري يا أختاه دائماً طالما أنَّ حياتكِ لم تنتهِ فهذا يعني أن هناك المزيد من فصول قصتكِ لم تعيشيها بعد. فلا تيأسي من روح الله، وترقبي الفرج في كل آن. ولتبذلي قُصارى جهدكِ ليكون مستقبلكِ أكثر إشراقاً وبالتميّز والنجاح يزدان. واجتهدي للخاتمة التي وُعِد المتقون في الآخرة؛ فـ " إِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ"(3) .. ولأنها حبيبتي في الله لم أكتفِ بالمواساة بل وعدتها بأن لا أنساها وأذكرها في كل دعاء، وهكذا تركتها بين النظر إلى الدرجات العلا وطموحٍ عالٍ للارتقاء، وبين عيش الحاضر بأملٍ وترقب الفرج بكل رجاء، لأمسك بقلمي وأكتب كلماتٍ عسى أن تسلّي قلباً يعيش البأساء، أو تلامس ألماً فتخففه، أو تمر على جرحٍ فتسهم في الشفاء.. ـــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أمالي الصدوق ص 238 (2) التمحيص ج1 ص59 (3) العنكبوت 64
اخرىبقلم: صفاء الندى بينما كنت أسير في جنتي الأرضية وأتجول بين أشجارها المتنوعة ﻷقطف ما يروق لي من ثمارها، تذكرت ابنتي (آمنة) وقد اعتدت أن آتي بها معي إلى هنا - نسيت أن أخبركم أن جنتي الأرضية أعني بها معرض الكتاب- ولكن هذه المرة تخلفت آمنة عن الحضور بسبب بدأ الامتحانات المدرسية فنصحتها بالبقاء في البيت لمراجعة دروسها. لذا قررت التوجه إلى قسم الأطفال وأن أجلب لها كتابًا من اختياري يناسب عمرها وذوقها، فوقع بصري على كتيب يتناول سيرة الأنبياء أولي العزم والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) بشكل مقتضب وبأسلوب قصصي مشوق، اشتريت الكتيب بدنانير معدودة وكنت فيه من الراغبين، وعدت إلى البيت، وما إن فتحت الباب حتى قفزت ابنتي أمامي واحتضنتني فقبلتها وبادرتها بالسؤال: -ألم أتركك تدرسين؟! وأين جدتك؟! -نعم يا أمي ولكني شعرت بالجوع فأخذت من الحلوى ما يكفيني... وجدتي نائمة -وسكتت هنيئة- ثم قالت معترفة: ولعبت قليلًا... -لا بأس أن تلعبي قليلًا، ولكن لا تكثري من الحلوى فإذا ثقلت معدتك ستفقدين تركيزك، هيا عودي لدراستك… ذهبت مسرعة وبلا نقاش محاولة ترميم خطئها، فهي شعرت بامتعاضي من تصرفها، انشغلت بعملي المنزلي وإذا بطارق يطرق بابنا، وعندما فتحت (آمنة) الباب وجدت شخصًا يستجدي ويطلب المعونة، فطلبت منها أن تأخذ نقودًا من حقيبتي وتعطيها إليه معتذرة إن لم تسد فاقته، ففعلت ذلك بكل أدب وعادت إلى المطبخ مهرولة وفرحة تلوح بالكتاب -لقد وجدتْه بالحقيبة- -أماه لِمَ لمْ تخبريني عن أمر الكتاب؟! -انتظرتك لتنهي درسك. فأقسمت لي أنها أنهتها وطلبت مني أن أختبرها... فقلت: لكني الآن متعبة -ورميت بنفسي على الكرسي- أحتاج للراحة قبل أن يحين وقت صلاة الظهر. فجلست ابنتي (آمنة) بقربي على الأرض وقالت: وماذا عن الكتاب؟ ولا حظت في عينيها لمحة توسل، فقلت: اقرئيه، ولكن بما أننا مقبلون على ذكرى ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) فأقترح عليك أن تستفتحي بما يحويه الكتاب من سيرته. وما إن فتحَتِ الكتاب حتى غادرتني إلى عالمها النقي، وساد بيننا صمت عميق لدقائق، وعندما رأيتها أغلقت الكتاب قلت لها: اذكري لي يا ابنتي ما علمت من سيرة الإمام الجواد (عليه السلام) لأستفيد أنا أيضًا فقالت: أماه، أحزنني أنه مات مسمومًا! فقلت لها: كرامتهم من الله الشهادة، إنه شهيد، لا تحزني فنحن في ذكرى ولادته... وماذا بعد أريد أن أعرف منك أكثر؟ فقالت: الذي عرفته أنه (عليه السلام) كان كريمًا ويساعد المحتاجين ويعطف عليهم؛ لذا سُمي بالجواد وقرأت أن أباه هو الإمام الرضا (عليه السلام) المدفون بمشهد في إيران وقد زرناه العام الماضي أليس كذلك؟ فقلت: نعم عزيزتي أكملي. قالت: وأمه اسمها - تلعثمت قليلًا- لعل اسمها القيروان فصححته لها: كلا بل اسمها السيدة الخيزران. وتابعت حديثها - قائلة: وقد مات والده الإمام الرضا (عليه السلام) وهو صغير، إنه أيضًا أمر محزن يا أمي! فجاوبتها: اكملي حبيبتي، أُمك فداء لقلبك الرقيق. فقالت: والذي فهمته أن زوجته كانت شريرة... نعم شريرة وأنا لا أحبها. فأوضحت لها أنها تسمى أم الفضل ابنة المأمون، وهي كما قالت وإن أباها أشر منها، فهو حاكم ظالم وقاتل وليس كل نساء الإمام الجواد سيئات كتلك… واسترسلت متحمسة لتخبرني عن أمر أثار استغرابها فقالت: أُماه كيف أتيح للإمام الجواد (عليه السلام) وبعمره الصغير -فهو ابن سبع أو ثماني سنين أي بعمر قريب من عمري- أن يصبح إمامًا للمسلمين ويطيع الناسُ أوامره؟ وعندما يُسأل عن أي شيء -حتى الأسئلة الصعبة- يجيب عنها دائمًا إجابات صحيحة؟ - وتنهدت قائلة- ليتني مثل إمامي حتى أجيب على جميع أسئلة الامتحان وأحصل على درجه كاملة! أضحكني تعليقها البريء هذا، وأيضًا أعجبتني جرأة استفهامها عن أمر بدا لها مبهمًا، وحاولتُ أن أُلَمْلِم أفكاري ومعلوماتي لأعطي الجواب عن تساؤلها المفاجئ لي، وبكل هدوء وبأسلوب تفهمه قلت لها: ألَم تسمعي يا ابنتي بالطفل المعجزة أو الخارق؟! إنهم أطفال مبدعون فاقوا أقرانهم بل وأساتذتهم ذكاءً وفطنة ومهارات نادرة، فمنهم من يحل مسائل رياضية معقدة، ومنهم من يحفظ القرآن بكل تفاصيله، ومنهم من طُويت لهم المراحل الدراسية فهم الآن يدرسون في الجامعات بأعمارهم الصغيرة، ويوجد أطفال لم يكملوا سنتهم الأولى وهم يعرفون أسماء الدول وعواصمها أيضًا. إذن يا ابنتي لا تعجبن من أمر الله القادر على كل شيء، فأولئك بشر عاديون وبعضهم من غير المسلمين فكيف بأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين زُقوا العلم زقًا، ولديهم قابلية لاستيعاب العلوم بقدرة ربانية، فعلمهم من الله تعالى وليس من المدارس والجامعات، وهم تحت العناية الإلهية مذ أن كانوا أنوارًا تتلألأ حول العرش إلى حين أوجدهم الله ورحمنا ومنَّ علينا بوجودهم في هذه الدنيا... - وفي أثناء حديثي رُفع الأذان، فلا بد أن يُقطع الكلام، إلا أنني مازحتها قائلة: ولا تظني أني نسيت موضوع الامتحان!
اخرىبقلم: فاطمة الركابي قال أبو عبد الله (عليه السلام): "من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن ".(١) يقال: إن المقصود بالتنكب هو" تجنب الوقوع بالفتن"، لذا فإن معرفة مقامات الأئمة (عليهم السلام) مطلوب وهو جزء مهم في عقيدة كل مؤمن يقر بولايتهم، ويسعى أن يكون عارفاً بحقهم. إن القرآن الكريم لم يصرح بأسمائهم، ولعل من الاسباب الظاهرة لنا هو ان ذلك جزء من اختبارنا بهم، ولعل من الاسباب هو "أن المُعرَّف لا يحتاج الى تعريف" كما يقال. وعندما عندما يقول النبي(صل الله عليه واله) أنه هو وهم من نور واحد -كما ورد عن جابر بن يزيد، قال: قال لي أبو جعفر(عليه السلام):" يا جابر إن الله أول ما خلق، خلق محمداً وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله..."(٢)، فهذا يعني أن ما للنبي من مقامات هي لهم، وهي منطبقة عليهم مع علو مقام النبي(صل الله عليه واله) بلا شك فهو سيد الخلق. ولكن بالنتيجة فإن مقاماتهم مقارنة مع من هم أقل درجة من النبي الخاتم (صل الله عليه واله) هي أعلى وارفع، فلهم ما للأنبياء والاولياء وما يزيد على ذلك. لذا فقول الامام الرضا (عليه السلام) في مولد امامنا الجواد (عليه السلام): "قد وُلِد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم،..."(٣) إشاره وتثبيت لهذه الحقيقة أي وجود مقامات الائمة وعظم شأنهم. بعض مصاديق أوجه الشبه بين الامام الجواد(عليه السلام) والنبيين موسى وعيسى(عليهما السلام): - كون ولادته فيها قرة للعيون. في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ إذ عبرت السيدة آسيا عن نبي الله موسى(عليه السلام) بأنه قرت عين لهم، وفي قول اخر قال كتاب الله : ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا...﴾، بالنتيجة وصفه كتاب الله بأنه قرة للعيون. كذلك امامنا الجواد (عليه السلام) كما ورد في حديث طويل أنه قال جابر: "أشهد بالله أني لما دخلت على أمك فاطمة (عليه السلام) في حياة رسول الله(صل الله عليه واله) أهنيها بولادة الحسين (عليه السلام) فرأيت في يدها لوحا أخضر ...الى ان وصل لما فيه ذكر لإمامنا الجواد انه عز وجل قال في شأنه:" حق القول مني لأقرن عينه (أي امامنا الرضا) بمحمد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي،..."(٤) - المولود المبارك ويصف كتاب الله عيسى (عليه السلام) بالمبارك، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ... ﴾ (مريم:31)، والامام الجواد (عليه السلام) كذلك، فعن أبي يحيى الصنعاني قال:" كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فجيء بابنه أبي جعفر(عليه السلام) وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه" (٥). - مقام الاصطفاء والاجتباء قال تعالى:{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاس} (الأعراف: 144)، وقوله تعالى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا...وَمُوسَى وَعِيسَى...اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء...}(الشورى: 13)، والامام الجواد (عليه السلام) بلغ هذين المقامين كما بين امامنا الهادي(عليه السلام)في الزيارة الجامعة الكبيرة بوصف الائمة: "اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ"، و "وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ".(٦) - كلمة الحق والفيصل بين أهل الباطل والحق قال تعالى:﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾(مريم: 34)، والامام الرضا (عليه السلام) شبّه وليده المبارك بموسى فالق البحر (عليهما وعلى نبي الله السلام)، فكما قال تعالى في محكم كتابه :﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(○)وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(○)ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ (آل عمران:٦٣-٦٥). ويبدوا أن الغاية من معجزة نبي الله موسى (عليه السلام)لما فلق البحر، كانت أنها برهان لأحقيته ورسالته، فنجّى بها من ثبت على إيمانه بصدق حجية نبي الله موسى (عليه السلام)، وإغراق من جحد واستكبر على رسل رب السماء. وكذلك مولد امامنا الجواد(عليه السلام) كان بمثابة الفيصل الذي بولادته نجى واستقام من كانوا يؤمنون بإمامة ابيه الرضا، وكانت مهلكة لأهل الانحراف والتشكيك فغرقوا في ظلمات شكهم وضلالهم. فقد ورد عن ابن قياما الواسطي قال:" دخلت على علي بن موسى عليهما السلام ...الى ان قال - ولم يكن ولد له أبو جعفر(عليه السلام) بعد - فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر(ع)...".(٧) - الوجاهة قال تعالى: ﴿...عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (آل عمران :45)، وقوله تعالى:﴿... وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ (الأحزاب: 69)، والامام الجواد(عليه السلام) من القابه أنه" باب للمراد"(٨)، وكما بين امامنا الهادي (عليه السلام)في الزيارة الجامعة الكبيرة بوصف إياهم : "وَمَنْ قَصَدَهُ (اي سبحانه وتعالى) تَوَجَّهَ بِكُمْ". (٦) - ظهور المعجزات قال تعالى: ﴿...يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً... وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي...﴾(المائدة: 110)، ولعل -كما يبدو- أن وجه الشبه في هذا الامر مع نبي الله موسى (عليه السلام) في مسألة فلق البحر -كما خص الامام الرضا (عليه السلام) بذكرها في الرواية انفاً- أنها كانت معجزة وشيئًا خارج القوانين الطبيعية، قد أتى بها نبي الله موسى(عليه السلام) ايضاً، وبالمقابل فإن الامام الرضا (عليه السلام) صرّح بأن مقام الإتيان بالمعجزات هو حاصل للإمام الجواد بنص رواية نأخذ الشاهد منها: عن السيدة حكيمه انها قالت لما ولد امامنا الجواد (عليه السلام) قال لها امامنا الرضا (عليه السلام): " يا حكيمة الزمي مهده، قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فقمت ذعرة فزعة! فأتيت أبا الحسن عليه السلام، فقلت: سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال: وما ذاك؟، فأخبرته الخبر. فقال: يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر(٩). واوجه الشبه كثيرة للمتأمل والمتدبر، فهو صلوات الله عليه ترجمان كتاب الله تعالى، فله في كل آية نصيب، بل وهو منها المقصد الاعلى والاعظم. -------- (١) تفسير العياشي :ج ١ ص ١٣، نقلاً عن: بحار الأنوار ، ج ٨٩، ص ١١٥. (٢) بحار الأنوار: ج ٥٤، ص ١٩٧. (٣) الامام الجواد من المهد الى اللحد: ص٣٨. (٤) غاية المرام: ج ٢، ص ١٦٦. (٥) الكافي:ج1،ص321. (٦) مفاتيح الجنان: ص ٦٣٣-٣٣٨. (٧) الكافي: ج١، ص ٣٢٢. (٨) دلائل الإمامة :ص ٢٠٩. (٩) بحار الأنوار: ج ٥٠، ص ١٠.
اخرىبقلم: قاسم المشرفاوي كنت ولا زلت ابحث عن حلول منذ فترة من الزمن لمشاكل تحدث داخل الأسرة بسبب تعارضي مع زوجي في تربية الاولاد، تحدثت كثيرًا مع زوجي عن ذلك ولكنه لا يصغي لي عندما أبد بالحوار معه بهذا الشأن، فهو يعاكسني في كل الأشياء التي افعلها معهم، فإذا منعتهم من شيء ما، فهو يلبي كل رغباتهم وطلباتهم أيّا كانت! تساءلت مع نفسي وقلت: ما السبب الذي يجعل زوجي يصر على موقفه؟ هل هو مقتنع ومعتقد به أو إنه مجرد العناد؟ أو إن الخلل في اسلوبي المتبع معه في الحوار؟ فكرت كثيرا مع نفسي لعلي أقع على السبب وراء ذلك؟ بدأت بمراجعة محاوراتي معه لعلني أجد ضالتي وأستطيع أن أضع حلًا للموضوع الذي بدأ يربك حياتنا كأسرة واحدة، بل ويهدد كيانها. بعد مراجعتي لأغلب أساليب الحوار التي كنت اديرها وأبدأ بها مع زوجي، وجدت أنني في أغلب حواراتي معه أتهجم وأنتقد طريقته في التربية، وكأنني أتهمه بعدم الفهم وعدم الدراية والمعرفة فيما يفعل، وما يفهمه من أسلوبي هو أنني الأعلم بأساليب التربية وفنونها، وهذا ما جعل أسلوب الحوار عقيمًا بل بلا ثمرة في اغلب الأحيان. الآن بعد أن شخصت الخلل استطيع أن أبدأ والنهاية في ذهني... أغلب الحوارات التي تدور بين الزوجين إذا كانت لا تخضع للاحترام المتبادل للآراء فإنها ستبوء بالفشل، وستكون بلا نتيجة ايجابية، فالزوج الذي يتعرض للانتقاد المستمر لأسلوبه التربوي، فإن ردة فعله ستكون متناسبة مع إثبات ذاته، ولو بأن يمتنع عن سماع النصيحة والتوجيه، فهو لا يقبل بأن تقول له زوجته: إن أسلوبك خاطئ وغير تربوي، والمفروض أنه يجب عليك أن تفعل كذا وكذا... وكذلك الزوجة، فهي لا تقبل بالانتقاد بنفس الطريقة التهجمية. المطلوب إذن أن تكون جلسة حوارية هادئة تستند على أسس الاحترام والثقة، وإن كان هناك خطأ ما من أحد الجانبين فإنه يجب أن تتم المعالجة بروية وبكل حكمة. إن كيل الاتهامات للطرف الآخر -بأنه لا يفهم ولو بشكل غير مباشر- يصنع حائطًا ومانعًا عن التفاهم في حل التناقض والتعارض بين الزوجين. لذلك بعد أن راجعت نفسي ووجدت مكمن الخلل، فإني قررت أن أغير طريقتي في الحوار مع زوجي، فبدأت في الحوار بطريقة جديدة وقلت له: إنّ التعارض بيننا يعطي قوة لأطفالنا وضعفًا في موقفنا اتجاههم! قال: إنهم أطفال وضعفاء ويجب علينا مراعاتهم؟ قلت له: نعم يجب مراعاتهم فهذا ما لا نختلف عليه أبدًا، ولكن يجب تلبية رغباتهم باتزان وعدم اعطائهم كل ما يطلبون. قال: لماذا نمنعهم من ذلك ونحن نستطيع توفير متطلباتهم؟ قلت له: زوجي العزيز، الموضوع ليس كما تظن، فالمنع ليس مرتبطًا بقدرتنا أو عدممها، وإنما مرتبط ببناء وتهيئة الأطفال وتربيتهم بشكل صحيح ومتزن ومنسجم مع متطلبات الحياة وصعوباتها. قال: إذن، ما الذي يجب علينا فعله بحيث لا يؤثر سلبًا على تربيتهم؟ عندما وصل الكلام بيننا إلى هذا الشكل، أيقنت أن الحوار اتخذ وضعًا إيجابيًا جديدًا. والسبب هو إنني غيرت من أسلوبي الانتقادي مع زوجي، فبدلًا من أن اُهاجمه وانتقد طريقته في التربية، استخدمت أسلوب الحوار الهادئ البنّاء مع ابتسامة دائمية على محياي، لكي أمتص كل ردود أفعاله السلبية وأشعره بأهميته، بادرت بإجابته بكل هدوء: ما هو رأي جنابك الكريم؟ ماذا تقول أنت؟ قال لي زوجي: انتظر اقتراحك! قلت له: يجب علينا كزوجين نعيش تحت سقف واحد: ١- أن نحترم بعضنا بعضًا، فالاحترام المتبادل بين الزوجين أساس الاستقرار الأسري. ٢- أن يعرف كل واحد منا حقوق الآخر، لتكون حقوق الزوجين محفوظة من الطرفين. ٣- أن تكون علاقتنا مبنية على أساس المودة والرحمة، فإذا صدر من أحدنا خطأ في حق الآخر فيلزمنا تجاوزه وعلينا أن لا نتربص لأخطاء بعضنا البعض، لتستمر سفينة الأسرة بالإبحار نحو شاطئ الأمان. ٤- إذا كانت العلاقة الزوجية بهذه المتانة والانسجام فعندئذ نكون قد أسسنا لأساس قوي وعائلة رصينة، فالأبناء يتأثرون ويتعلمون بالقدوة من الوالدين، فكلما كان الأبوان منسجمين عاطفيًا وفكريًا كلما كان الأبناء مستقرين نفسيًا وذوي شخصيات متزنة وقوية. ٥- وهنا يجب علينا أن لا نتعارض في توجيهات أبنائنا، بل يجب أن تكون توجيهاتنا موحدة وغير متناقضة، فالتناقض بيننا يجعل الأسرة مهددة للتفكك والضياع، فليس من الأدب أن أعارض توجيهاتك وليس من المقبول أن تعاكس نصائحي لأبنائي وتدعوهم إلى عدم الأخذ بنصائح الأم، فتوحيد الرؤى الفكرية لدى الأبوين يعتبر من اساسيات نجاح الأسرة واستقرارها. ٦- وما يتوجب علينا كمربين وكوالدين أن تكون توجيهاتنا مختصرة وواضحة ومفهومة لأطفالنا وأن نتعامل وفقها، فسن قوانين مختصرة للأطفال تناسب عقولهم وأعمارهم والدعوة إلى الالتزام بها هو السبيل إلى العيش السعيد. عند هذا الحد انهيت كلامي مع زوجي وهو منصت كل هذه الفترة بكل قوة ومبتسم أيضًا، فبادر قائلًا بابتسامة هادئة/ ما أجمل كلامك يا زوجتي العزيزة، كنت أجهل هذا الكلام وأتعامل معه بشكل لا اُبالي، سأعمل على تطوير معلوماتي التربوية إن شاء الله تعالى من أجل الانسجام معك فكريًا ونفسيًا وعاطفيًا ومن أجل بناء أسرتنا بطريقة سليمة، شكرًا لك لهذا الطرح الجميل يا زوجتي. فقلت له: هنا أنّا أشكرك جدًا وأشكر تفهمك كثيرًا واعتذر عما بدر مني سابقًا من حوار جاف وغير مرن معك، وسأعمل على الانسجام معك أكثر لتفادي حالات التناقض التي تحصل بيننا وسأعمل على تبديد كل المصاعب مستقبلًا.
اخرىبقلم: حوراء الساعدي أنا أُم حملتُ بطفل ولأولِ مرة بعد انتظارٍ دامَ خمسةَ عشر عاماً، كلُ شيء كانَ يبدو بخير، الفرحة كانت تعمُ أرجاء منزلنا الكبير، زوجي يبدو سعيداً جداً بهذا الخبر. وأم زوجي بدأت تُظهر الاهتمام بي عكس ما كانت تفعل، كنتُ سعيدة جداً وأشكر الله كثيراً في كل لحظة لأنه استجاب لدعائي ولم يردني خائبة، ولكن... ولدتُ صبياً، كان مشوه الخلقة، تبدّدت احلامي ودخلتُ في دوامة من التساؤلات، لماذا يحدث هذا؟ ما ذنبي يا الله؟ وما ذنب هذا الطفل الذي سيعيشُ بقية عمرهِ معاقاً؟ أنا اعترض أيُها القاضي على عدلِ الله! قلتها وأنا اقف أمام القاضي الذي يتولى أمور العدالةِ في القرية، وقد اجتمعت اصنافٌ متعددة من الناسِ بعد أن سمعوا بهذا الحدث الغريب، فلأول مرة امرأة ترفع قضية ضد الظلم، والظالمُ هو الله! (حاشا لله ذلك ) -ابنتي، أنا سأجيبك بصفتي القاضي عن تساؤلاتك، ولكن بشرط وهو: إذا تبين لكِ بأنكِ مخطئة فسوف تقفين أمام هذا الحشد الكبير وتقرين بِخطئك . -أنا موافقة، قلتها بجدية وإصرار، منتظرة أن أسمع ما يبردُ غليلي، لأنني أعلم علم اليقين أن الله عادل في نفسي، ولكن يقيني هذا قد اهتز بعد هذه الحادثة ، لذلك فعلتُ ما فعلت . وقف القاضي أمام الجمهور وأمسك الميكروفون وبدأ يتحدث قائلاً : لقد قالت هذه السيدة قبل قليل: إن الله غير عادل، وذلك لأنه قد أعطاها طفلاً مشوهاً بعد انتظار دامَ لسنين، فإذا كان عادلاً لما لم يعطها طفلاً كامل الصحة، غير مريض أو مشوه الخلقة؟ وهنا أقول: يا سيدتي، إن الله ليس هو المذنب هنا في كون هذا الطفل الذي سيعيشُ بقية عمرهِ مشوهاً ، بل أن المذنبين الحقيقين هما أنتِ وزوججك! نطقها وهو ينظرُ الي بجدية ، فصدمت أنا عما تفوه به! فكيف أكون أنا المذنبة؟! بل ما علاقة زوجي؟ أردتُ في تلك اللحظة أن أصرخ بوجهه غاضبة مستنكرة لما قاله، ولكنه قاطعني طالباً مني أن أستمع اليه إلى النهاية ، فأومأت برأسي على مضض، متجاهلةً ثورة الغضب التي قد أوقدها في صدري . أكمل القاضي حديثه قائلًا: إن سبب الكثير من المتاعب هو نحنُ، أنفسنا، فالأفراد المشوهون هم من مصاديق التسامح والإهمال الذي يرتكبهُ الوالدان ، فالوالدان لابد لهما من مراعاة ِ مجموعة قيود صحية ونفسية، وبحكم تساهلهما جاء الوليد مشوهاً، نحن وفي كثير من الموارد نجد أحاديث أهل البيت عليهم السلام تؤكد وبشكل كامل على رعاية تلك القيود، فالجماع عند الحيض، والسكر أو الغضب له آثار سيئة على الطفل الذي يتولد في ذلك الوقت، كأن يكون مشوهاً، فهذا الامام الرضا عليه السلام يعطينا اروع واجمل القوانين التي على الزوجين اتباعها في حياتهما، وذلك من خلال الرسالة الذهبية قائلاً : أن لا يجامع المرأة الا و هي طاهرة، فاذا فعل ذلك كان أروح لبدنه، وأصح له، وأن لا يأتي أهله والمعدة ممتلئة فإن ذلك يسبب القولنج (التهاب القولون) وأن لا يقرب النساء من أول الليل صيفا ولا شتاءً وذلك لأن المعدة والعروق تكون ممتلئة وهو غير محمود ويتولد منه القولنج والفالج واللقوة والنقرس والحصاة والتقطير والفتق وضعف البصر ورقته، فإذا أراد ذلك فليكن في آخر الليل، فإنه أصلح للبدن وأرجى للولد وأزكى للعقل في الولد الذي يقضي الله تعالى، وغيرها من الأحكام التي تحدد صحة الطفل والزوجين . أطرقتُ رأسي بحزن بعد أن تيقنت أنني كنت السبب الرئيسي في ولادة ولدي مشوهاً، ولكن إذا كنت أنا من قصرت فما ذنب ولدي؟ قلتها وانا افتح النقاش معه مرة أخرى ليردف هو قائلاً : وما تقصير الله؟ الطفل لا ذنب ل ، كما أن الله سبحانه وتعالى لا ذنب له وهو منزه عن التقصير، والذنب ذنب الوالدين فقط، فلو قلنا: إن طفلاً مشاغباً ضربَ طفلاً اخر بحجر على رأسه فهل للطفل المصاب اي ذنب؟ لا، وانما الذنب الحقيقي يقع على الطفل الاول، وهذا لا يقتصر على الأطفال فقط، بل إن هنالك ظلماً كثيراً في هذا الكون والله تعالى قد خلق الانسان وأعطاه القدرة على التمييز، ورسم له طريق الحق ونهاه عن الظلم، ونحن نعلم علم اليقين أن الإنسان الجاهل يظلم نفسه بهذا الجه ، إذ إن طلب العلم واجب وقد أمرنا الله تعالى بطلب العلم الذي يفيدنا في دنيانا واخرتنا ، فلو لم تكوني جاهلة بهذا الأمر منذ البداية لما حدث ما حدث، ولما وُلد طفلك مشوهاً. والان هل ما زلت على رأيك في إن الله ظالم ؟ -بل أنا من ظلمت نفسي وظلمت ولدي ، والله تعالى منزه عن ذلك، حاشاه سبحانه تعالى أن يكون ظالماً.
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى